Skip to main content

Full text of "0358 كتاب Pdf جان لاكوتير..شامبليون حياة من نور"

See other formats


A 
r 


eus 
lk 
E 

EEL EE 
FEU ال‎ 
اب جبنم !در‎ 





اهداعاث ا ل 


الففرتسدس/ محف لبد السلام العفري 
الإسمكنسرية 


المشروع القومى للترجمة 


حياة من نور 


جان لاكوتير 





JEAN LACOUTURE 


CHAMPOLLION 


une vie de lumières 


BERNARD GRASSET 
PARIS 


إهداء المترجم 


إلى ابنى ياسر 


رحلة شامبوليوث فى مسر 
A4 - 4۲A‏ 


BR 1 2: MERMÉDITERRANÉE :أ‎ 

2 2 ALEXANDRE 6 - 4 ر‎ 

« su À 10821497 
ns. À 2012961228 


ns san ts 





٠ 
وه‎ 
. 2 ea" 
3 د‎ 


FAYOUM 


nt) 


LOUOSOR Ensemble Thébain ‘ 
À 018 3 
1100110 


Kom Ombos 
OASIS DE KHARGA 


Re ASSOUAN (Syène) 
1% cataracte HAE a 
Kertassi 


| wÎ + 229 (Philet}/T.2.29 [Ansouanyy 
Beit ei Quali 5.2.2 (Asso) 


Dandour 
Dakkeh Gerl Hussein 


g mes Sebouz 


{{bsambou 
26.12.24/28. 12.20 
† 3.1.26.12 


Kasr 
م‎ 50 00km MOUSE. 


WADI-HALFA 
ل‎ 8 


2 calaracte $11.9 


Rss 


ذاب فی حب مصر“ 


إذا كانت صحق هذه الأيام تلهث وراء أخبار الأحداث السياسية » قإن صحافة 
أقرويا كانت تهتم فى القرن التاسع غشر بأنياء المواضيع العلمية والأدبية فى المقام 
الأول . وكانت Li‏ حل لف حرف هيروظيفي تحتل صدر الصفحات الولى من صحفا 
أورويا كلها. 

وكان اهتمامها عظيما بنبا اكتشاف ضابط صغير فى سلاح المهندسين فى جيش 
بونابارت فی مصر (ملازم أول مهندس بيير بوشار) حجر من البازلت الأسود من بين 
أطلال قلعة قديمة كان يقوم بترميمها فى مدينة رشيد . وكان الحجر قد نقشت عليه 
نصوص مكتوية بثلاثة أنواع من الحروف : الإغريقية والديموطيقية (كتابة مصرية 
قديمة , غير الهيروغليفية) والهيروغليفية ؛ ومنذ ذلك الحين (أغسطس )۱۷۹١۹‏ وحتى ۲۲ 
ظلت الأوساط المثقفة والعلمية فى جميع أنحاء العالم تتابع بشغف كبير أنبا حل اللغز 
الهيروغليفى » فإذا ظن أحدهم أنه فهم معنى حرف أى حرفين اعتير ذلك نصرا کبیرا . 
ولكن سرعان ما كان يتضح أن هذا النصر سايق لأوانه بل إنه زاد الأمور تعقيد تعقيدًا ؛ إلى. 
أن توصل شامبوليون إلى إيجاد الحل الحقيقى . 

فلم يكن اكتشاف شاميوليون الذى حدث عام ما هو لحروف اللغة المصرية 
القديمة المقدسة فقط وإنما - وذلك هو الأهم - اكتشف المنظومة المركبة التى تقو 
عليها اإستخدامات الحروف الهيروغليفية . 

الذنى حدث بعد ذلك الاكتشاف هى أن جميع الصروح والمعايد المصرية القديمة 
والبرديات المنتشرة فى جميع أنحاء العالم راحت تتكلم . وکان بعض هذه الآثار قد تقله 
الرومان منذ أكثر من ,سبعة عشر قرثًا عندما احتلوا مصر . ومثال ذلك المسلات التى 
كزين ن ميادين روما إلى La‏ هذا والبعض الآخر انتزع من جدران المعايد المصرية 
هذا بالط بخلاف المجاميع الخاصة بالأقراد ... كل هذه الآثار أخذت تتكلم فجأة 
وتبوح بما كانت تتكتم عليه لأكثر من ألف وسبعمائة عام . 


ولكى تقدر أهمية ما اكتشفه شامبوايون يجب أن نعرف أن الكومبيوتر لم يتمكن 
من كد كشف الغاز لغات قديمة أقل صعوية من لغ الهيروخ غليفية . 

إذا كان شامبوليون قد تمكن من الحل ٠‏ فذلك لأنه لم يتعامل معه بعقله فقط بل 
بقظبه Ca‏ » وهذ! هو الجانب الأهم فى العملية كلها ٠‏ وهذا هوق ما أظهره جان لاكوتير 


ر وجان لاتير الذى نشر أكثر nt 6 ia CE ga La a‏ مصر هو 
Cast‏ . عاش فيها كصحفى إبان قيام ثورة يوليى وعرف عبد الناصر عن قرب » y‏ 
عن مصر ثلاثة كتب بمقرده أى مع زوجته سيمون لاكوتير » » وهى دائم التردد عليها مرة 
على الأقل سنويًا . ويمكن القول إن لاكوتير لم يكن ليكتب مثل هذا الكتاب الرائع والدقيق 
والمشوق - تشويق الروايات البوئيسية - لى لم يحب مصر مثلما أحبها شامبوليون . 

شامبوايون عشق مصر .. بل يمكن أن نقؤل إنه «ذاب» فى حبها بالمعنى الكامل 
للكلمة . أى أنه فى تفانيه لها أعطاها طاقته كلها وصحته وفكره . ومات شابا فى 
الثانية والأربعين من عمره . على الرغم من مظهره الجسدى القوى . 

كتب لأخيه من مدينة الأقصر عندما زار مصر فى أواخر حياته ومكث بها نحو 
ثمانية عشر شهر) : «إن كيانى كله لمصر ٠‏ إنها كل شىء بالنسبة لى» . 

حب جان - فرانسوا شامبوليون لمصر لم يكن مقصورا على تاريخها وآثارها 
وإنما كان لشعبها أيضا ٠‏ ويقول جان لاكوتير : «نراه » يهتم بسرعة كبيرة بهذا الشعب 
الوريث البعيد لتاريخ كله عظمة .. إلا أن حالته الحالية تؤثر قيه بعمق ... وكان 
لا يتحرج أثناء حياته اليومية قى صعيد مصر من تقديم نصائحه للفلاحين لكى يتفادوا 
المضايقات التى كانوا يتعرضون لها من قبل السلطات المحلية أو لكى يتفادوا تسديد بعض 
الضرائب الُجحفة على الرغم من أن ذلك لم يكن ليخفى عن عيون جواسيس الباشا CE‏ 
(محمد على الكبير) كما أن شاميوايون قد عمل كل ما فى وسعه لدى الباشا لكى 
يحافظ على الآثار المصرية القديمة . إذ إن المعابد كانت تفكك فى تلك الفترة وتستخدم 
أحجارها فى تشييد المصانع وخاصة مصائع السكر . وعندما كتب شامبوايون مذكرة 
للباشا عن هذا الموضوع كان قد تم بالفعل تدمير ثلاثة عشر معبدا من أجمل المعابد 
وأكملها . قال له شامبوليون يديلوماسية كبيرة «إنه من مصلحة مصر أن تعمل حكومة : 
سموكم على الحفاظ الكامل على الصروح والمبانى الأثرية الذى تسبب هدمها فى إثارة 
الأسى فى أوروبا كلها » ويعلم الكافة بالطبع أن هذه العمليات التخريبية البربرية 


تمت ضد رغباتكم السامية ونواياكم الطيبة المعروفة لدى الجميع وعلى يد حفنة من 
الأفراد لا يقدرون الأضرار التى يسيبونها للبلاد دون أن يكونوا على دراية بذلك ...» 

هذا الكتاب يلقى الضوء أيضًا على العلاقات التى كانت قائمة بين فرفسا ومصر 
فى مرحلة من أهم مراحل تاريخها الحديث ؛ مرحلة يناء الدولة الحديثة على يد محمد 
على ومحاولة تحويل مصر من ولاية تتبع الإمبراطورية «الخلافة» العثمانية إلى نوا 
مستقلة ذات سيادة . أصيحت هى ذاتها شبه إمبراطورية ممتدة الحدود والتأثير 
العالم . وتتعرف من الكتاب على ما كان يدور فى كواليس الحكم وعلى الدور الذنئ لعي 
القناصل الأجانب التأثير على والى مصصر وقدرة محمد على الفائقة على تحليل الأمور 
واتخاذ القرارات الصائبة فى السياسة الدولية فى ظل صراعات هائلة كانت تتصادم 
فيها مصالح القوتين العظميين فى ذلك الوقت إنجلترا وفرتسا ٠‏ وفيما بينهما قوى أخرى 
مثل روسيا والنمسا ... يكفى أن نشير فى هذا الصدد إلى أن محمد على رفض تماما 
حفر قناة السويس وقاوم كل الضغوط التى مارسها عليه الفرنسيون وعلى الأخص 
قنصلها الداهية دروقيتى الذى كان مقريًا جدا من الباشا ويعتبر من آهم مستشاريه 
وعلى الرغم من علماء فرنسا الذين تركوا بلادهم شبانًا وجاءوا إلى مصر بعدما كفروا 
بالحياة فى فرنسا وتطوعوا للعمل على نهضتها ؛ لأنها - فيما آمنوا به -- كانت بالنسبة 
لهم أم حضارتهم . ومن هؤلاء السان سيمونيون وغيرهم ... وهم النين ساعدوا 
الباشا فى تشييد مصر الحديثة فاستغلهم قى بناء المصانع وبناء السدود (القناطر 
الخيرية و ... الخ) إلا أن الباشا ظل على رفضه ء لا يلين بالنسبة لحفر قناة السويس ؛ 
لأنه بنظره الثاقب تاكد أنها ستجلب على مصر المصائب والكوارث ؛ لأنها ستصبح 
عرضة للأطماع العالمية . فانتظر الطامعون وفاته إلى أن رضخ «سعيد» الضغوط وثبتت 
صحة تقدیرات الباشا . 

إذا كان الحديث عن تلك الفترة من الحياة السياسية المصرية مشوقة فإنها تصبح 
أكثر تشويقًا بقلم جان لاكوتير . فمن خلال الخلفية التى وضعها جان لاكوتير لأحداث 
حياة شامبوليون تشعر أنك فى قلب عملية اتخاذ القرار سواء فى مصر أى فرنسا وبلاد ' 
أخرى كثيرة . 

كانت الفترة التى عاشها شامبوليون هامة بالنسبة لمصر ويالنسية لأوروبا وفرنسا 
على وجه الخصوص ؛ إذ رأت صعود بونابارت على أنقاض الثورة الفرنسية إلى أن 
أصبح الإمبراطور نابوليون وسقوطه وعودة الملكية ثم سقوطها . 


وجان لاكوتير مؤرخ دقيق بخلاف كونه أديبًا فذًا » ويقول على سبيل المثال عن 
نايوليون وما قام به فى مصر : 

«إذا كانت الحملة (الفرنسية على مصر) تعتبر كارثة سياسية وعسكرية لوثتها 
أعمال مروعة ل يمكن وصفها وحصرها فإن بوثابارت - وقد كان عبقريًا فی أعمال 
البروياجندا - نجح فى تحويلها إلى ملحمة ... 

وفى مكان آخر يقول لاكوتير : «أن نروى هنا أحداث ث المعارك التى دارت من الأول 
من يوليى 1744 حتى الثانى من سبتمير 18-١‏ التى أدت - مرورا يانتصارات كبيرة - 
إلى كوارث عظيمة .. حتى الانسحاب فى السرّ للجنرال القائد العام ثم الرحيل 
الخزى لما تبقى من قوات الحملة - (أربعون فى المائة بين قتلى ومفقودين) على ظهر 
سقن الأسطول البريطانى . ... كان الفشل ذريعا والخسائر قادحة والمحصلة النهائية 
ui‏ 


سعة ثقافة وعلم وحياد المؤلف تجعله يضع الأمور فى إطارها الواسع (الصراعات 
العالمية الدائرة فى تلك الحقبة التاريخية المهمة) ثم فى إطار أقل اتساعا (فرنسا , 
إنجلترا » تركيا » مصر ...) ثم في مدن تجرى فيها أحداث الكتاب : الإسكندرية 
القاهرة - باريس - جرونويل - الأقصر - تورينى - قيينا - لندن .... الخ . 

ثم تضيق العدسة وتقترب أكثر فأكثر من المركز لترى الأفراد فى منازلهم » 
وتتعرف على أثاث بيوتهم والروائح الصسادرة من مطابخها » وتطل من نوافذها على 
شوارعها بمحلاتها التجارية وهكذا .. كل ذلك يضفى على القراءة متعة الفهم العميق 
لمايجرى من أحداث . مثال ذلك ما ينقله لاكوتير من خطاب لشاميوايون لأخيه 
الأكبر عن باريس بعد أن رآها لأول مرة وهى فى السابعة عشرة من عمره .« المناطق 
المخيطة بباريس بدت لى قبيحة لدرجة مقرز Sy‏ .. خيبة أملى بسيب اكتشافى أن باريس 
ليست جميلة جعل معدتى تضطرب .. أوحال شوارع باريس (...) ورؤية هذا الكم 
الهائل من الناس المشغولين يمرون بسرعة داخل مركباتهم الجميلة ... كل ذلك جعلنى 
أشسر بحرن عميق ...» 

لم یکن شامبوليون يحب باريس » وكان يسميها «عاصمة فرنسا القذرة» » وظل 
على رأيه هذا إلى أن توفى » أما رأيه عن القاهرة فهو مختلف تماما .. سحرته فأحيها » 
وبهرته فأشاد يها ؛ وكتب إلى أخيه بعد أن زارها ومكث بها عدة شهور : «قالوا أشياء 
سيئة كثيرة عن القاهرة » أما أنا فسعيد جدا فيها » إن شوارعها التى يبلغ عرضها 


10 


من ثمانية إلى عشرة أقدام تبدى لى محسوية بعناية تامة لتفادى تأثير درجات الحرارة 
المرتفعة جدا . ورغم أنها مرصوفة فهى نظيفة لدرجة تثير الإعجاب (...) باريس وهى 
فى قمة أناقتها أكثر قذارة منها . » ْ 
بفضل اكتشاف شامبوليون عادت مصر القديمة تتحدث عن نفسها فتم التواصل 
بين العصور القديمة والحديثة لتاريخها الذى ظل مبتورا عنها لأكثر من سبعة عشر 
قرنا » وتواكب هذا الاتصال بين المراحل التاريخية مع بداية بثاءء مصر الحديثة على يد 
محمد على الكبير . 
سعة ثقافة وعلم چان لاكوتير وفهمه العميق للشأن المصرى أضافت الكثير لأهمية 
ذبيل سعد 
۹ 7 القاهرة 


11 


وميض هائل من نور صامت 


« سيجئ يوم يظهر فيه أن المصريين قد 
مجدوا الهتهم بلا طائل . هذه الأرض عظيمة 
القدبسية . وطن"الأهرام والمعايد بأكملها مغطاة 
يالمقابر والرفات .. آه !! يا مصر !! يا مصر لن 
يبقى من معتقدانك سوى الأإساطير » وفيما بعد 
حتى أبناؤك لن يصدقونها .. ولن يبّقى الدهر 
سوى كلمات محفورة فى الحجر تحكى مأثرك 
الدينية ..» . 


هيرماس تريسميجيست 


عرف قرن «التنوير» ذروة مجده فى الثلاثين من سيتمير ١5١‏ فى تلك الليلة 
تزامن حدثان ٠‏ الأول فى باريس حيث اختتمت الجمعية الوطنية التأسيسية أعمالها , 
وقد أصدرت الإعلان الذى تؤكد قيه «أن كل رجل فى فرنسا حر» ومنحت اليهود حق 
المواطنة » وقررت فيه بطلان «الجرائم الوهمية» ؛ أى العيب فى الذات الملكية والهرطقة .. 
والحدث الآخر فى قيينا حيث كان بضعة مئات من أهالى إحدى ضواحيها المغرمين يما 
تعود أن يقدمه مسرح «أوف دير فيدن» من عروض ممتعة - لحضور العرض الأول 
مسرحية غنائية بقيادة واضع موسيقاها فولجانج موزارت » ويؤدى أهم الأدوار فيها 
مؤلقها إيمانويل شيكانيدار .. وهى مسرحية «الناى السحرى» . 

تحكى المسرحية كيف انتصر النور على الظلمات من خلال أسطورة مصرية قديمة 
تصف كيف انتصر الحكيم «ساراسترو» على الملكة الشؤم ملكة مملكة الليل المظلم ... . 
وهكذا يتحقق حلم مؤلفى الإنسيكلوبيديا .. المتنورين أصحاب ال وہ ںrةا)اںA‏ ... 
فمن خائل هذا العمل يعرض موزار وهو العضى بالحركة الماسونية العا مية والمنتمى لإحدى لجانها 


13 


المسماة «تحو الأمل المتوج حديثًا» يعرض على العالم باسم إيزيس وأوزيريس مثلا 
أعلى فى الأخوة المستنيرة التى تعتبر مصصر الفرعونية فى موقع المركز منها . إن 
أويربت «الناى السحريى» »هی تمودج للمسرح الغنائى الألانى "Singspiel”‏ »> كما أنها 
جزء من التراث الموسيقى الغنائى للماسونية (01810110) وتعتير الوصية الروحية لموزار » 

كما آنها تعتبر المدخل الرسمى أو المقدمة المضيئة لما تلاها من اكتشافات . ففيها 
يقود الحكيم ساراسترو » أستان تفسير الإشارات ٠‏ تلاميذه عبر عراقيل الليل موصلاً 
إياهم إلى ضوء النهار « Ja‏ أن هذا الإلهام كان فى احتياج إلى توضيح .كما كان 
هذا الفقيس فى انتظار أن يتحول إلى نور وضاء .. كما یقت هذه الدروس الإنسانية 
التى حملتها هذه الألحان السماوية على حالها ثمارا لخيال فنان جوال . الحضارة 
المصرية القديمة - إذن - كانت تبهر العالم كله ؛ غير أن السؤال المطروح كان «ماذا 
كانت هذه الحمضارة تقول » وما الذى كانت توصى به هذه الحكمة الرمزية ؟» تعددت 
اربورتون إلى بول - ain‏ جابلونسكى والقس بارتیلیمی . وبقى الدرس الصرى 
الرمزية ؛ فى حين يجذبه الآخرون نحى العقلانية . .. وعصى الدرس على الجميع هائمًا 
على سطع میاه الثيل بين الضفتين مستمرا على حالته الاقتراضية . 

هذه الحضارة المهيبة مهابة الشمس هى أقرب من الأبدية من أى حضارة أخرى 
وكان صمتها يسحر الألباب كما يسحرها أمتدادها الزمنى وأبعادها الهائلة .- وأبى الهول 
الذى كان مدفوئًا فى رمال الجيزة بقى رمرًا لهذه الإسرار المستعصية على القهم » أميًا عليها . 


| الصمت 
تسعة أشهر قيل العرض الأول «للناى السحرى» ولد فى «فيجاك» وشى مديئنة 
صغيرة تتبع مقاطعة جاسكونيا الشمالية الرجل الذى كان سيعطى لخطاب ساراسترو 
معناه الكامل يجسد بنات أفكاره » وهى : حجان فرنسوا شاميوليون . فيعد ثلاثين عاما 
من عرض الناى السحرى سيرجع إلى هذا الشاب القادم من مقاطعة كوارسى الفرئسية 
الفضل فى أن أصبحت تصورات موزار وشيكاندر الذهنية واقعا يقينيًا . 
لم يكن ماحدث كتبديد النهار لظلمات الليل . فلم تجر الأمور على هذا التي ؛ ام 
يصرخ أحدهم قائلا «وجدتها ؛ وجدتها» فى الرايع عشر من سبتمبر ۲ .. إن عظمة 
شاميوليون لا تكمن فى أنه نصب نفسه صائعا المعجزاه » واكن فى أنه حرف كيف 
يجمع ومضات النور التى كانت تظهر وتختفى خلال الليل » ويجمع شملها لتصبح كشفا , 


14 


وفى أنه كان يجمع فى شخصه المكتشف الرائد والوارث لأعمال أسلاقه , ul Gifs‏ 
مشروعه على الدراسة والبحث وعلى مقدار يساويهما من الحدس . 

لم تكن مصر فى نهاية عصر التنوير - القرن الثامن عشر الميلانى - ملفوفة 
بظلمة حالكة . إن الظلال الثقيلة.التى غلفتها بها قرارات الإمبراطور المسيحى تيودوز 
قبل ألف وخمسمائة عاما بتحريم الشعائر والثقافة المصرية حملت فى طياتها إشارات 
كثيرة . وإذا كان جان فرنسوا شامبوليون قد نجح فى تأسيس علم جديد هو علم 
امصريات , فإن ذلك يرجع إلى أنه لم يستسام لثقل منات عديدة من بسنين الصمت هذه 
ولأنه عرف كيف يحتفظ برياطة الجأش وهو يمعن النظر فى هذا الليل اللانهائى حتى 
اكتشف نجومه . وعلى الرغم من ذلك فإننا لن نعطى عبقريته حق قذرها إلا إذا 
أوضحنا أن الهوة التى عقد العزم على عبورها كانت سحيقة ومعتدة « وأن ما حاوله 
الرواد الأوائل لم يكن سوى جسور! ضعيفة ورخوة ومهزوزة أقاموها ؛ لأنهم كانوا 
يعملون قى الظلام . 


ولكن فلتعد إلى التسلسل الزمنى للأحداث ونلتزم به فهى إذا كان يتسيب قى 
الإحساس بالدوار إلا أنه يضع أيضنا علامات قيمة على الطريق : ود يقة ما يشير إلى 
دروب تؤدى إليه وأضواء لتتيره » .. فإذا كان السحر الذى خلبت به مصر الخيال 
العلمى والشعرى والديثى أيضا للعالم الغربى كان بهذه الدرجة من القوة , وإذا كانت 
حضارة النيل قد ألحت لهذه المدد طويلة على أعظم أرياب الفكر من فيثاغورس إلى 
لايبنتيز ومن أفلاطون إلى هيجل فذلك يرجع إلى خليط سرى مكون من نور وصمت » 
من روعة مشعة وسكون لانهائى 

من الأمور المتفق عليها الآن هو إرجاع نشأة التاريخ والكتابة المصرية إلى قرنين 
قبل الألفية الثالثة التى تسيق الميلاد » فى عصر املك مينا خليفة الملك/ العقرب 
الأسطورى ؛ ومينا هى أول من تكلل رأسه بالتاج المزدوج لمصر العليا ومصر السقلى* . 
أما نهاية هذا التاريخ » وكذاك استخدام الكتابة المعبرة عنه » فمن السهل تحدیدها بعام ۲۸۶ 
يعد الميلاد عندما أصدر الإمبراطور تيودوزس مرسومه الآمر بإغلاق المعايد «الوثنية» . 

خمسة وثلاثون قرنا ! ما هى الحضارة التى يمكن أن تدعى لنفسها مثل هذا 
الدوام والأهم من ذلك نفس هذه الاستمرارية ؟ مع الأخذ فى الاعتيار أثه منذ أن غزاها 


+« أن تدخل هنا بالطبع قى الجدل الدائر حول أسيقية مصر أو سومر . 


15 


قمبيز لم تعد مصر سوى أحد الأقاليم الفارسية قبل أن تصبح يونانية ثم رومانية ثم 
مسيحية ومنذ عام 19 إسلامية . 

وفى جميع الأحوال فقد ازدهرت على ضفاف النيل طوال لخمسة وعشرين قرنا 
ثقافة دينية وسياسية تبدو كما لى أنها نوع من الحياة التي سبقت الحضارة الإنسانية . 
وعلى الرغم من أن التوقف المفاجئ لاستخدام الكتابة (الهيروغليفية) قد ألقى بها فى 
جب الأساطير والميثواوجيا فهى لم تفقد أبدا قوة سحرها .. أليست هى العصر القديم 
لعصرنا القديم ؟ ! 

يحكى أفلاطون فى کتابه ۲۳6٩‏ آن سولون لدی زيارته لمصر نزل ضيفا على 
كاهن عجوز وقص عليه تاريخ بلاده فقاطعه مضيفه قائلا : «إنكم يا معشر اليونانيين 
لازاتم أطفالا فلا يوجد بعد شيو فى اليونان ... - فساله سولون : ماذا تقصد ؟ - 
فرد عليه الكاهن العجوز ؛ إنكم مازلتم شبابًا فى التقكير ؛ لأنه لا يوجد لديكم بعد أى 
تراث قديم بحق ولا أى نظرية أو عقيدة شابت مع الزمن ee‏ . 

ولسهولة تصور هذه الأوضاع نقول إن الفترة الزمنية التى تفصل (المثال اليونانى 
الأشهر) بيريكليس فى القرن الخامس قبل الميلاد عن الملك زوسر صاحب الهرم المدرج 
فى سقارة الذى كان يتحدى فى ذلك الحين عواصف الصحراء منذ خمسة وعشرين 
قرنا توازى تقريبًا الفترة التى تفصلئا نحن عن قمة الحضارة اليونانية . وأن المواطن 
الرومانى المعاصر للإمبراطور أغسطس الذى ولد عام 11 قبل الميلاد كانت الحضارة 
الفرعونية بالنسبة له توازى فى بعدها بعد حرب طروادة عنا . وعندما كان هيرودوت - 
صاحب أقدم بحث تاريخى منظم عن مصر يمكن الرجوع إليه - يزور مصر حول عام 
٠‏ قبل الميلاد - كانت قد مرت ألفيتان على تشييد خوفى لهرمه فوق هضبة الجيزة 
مقترنا باسمه حاميا لمقبرته » وكان لابد أن تمر ألفيتان أخريان ليتمكن أحد الآباء 
اليسوميين الألمان (كيرشار) من التوصل إلى أحد المفاتيح المؤدية لفك رمون الكتابة 
المقدسة . 

المزلاج وضبعة عدم التسامح وأحكمت غلقه مئات السئين » وشارك فى ذلك أيضا 
طائفة الكتبة ؛ لأنهم - كما يشرح هيجل عن حق - كانوا يريدون أن يجعلوا من أنفسهم 
حماة الأسرار من أعين الشعب ؛ لأن هذه الكتابة لم تكن تستهدف الحياة الاجتماعية 
ولكنها كانت تصون هيبة الأسرار والطقوس .. وهى ما وصفه جاك ديريدا فى مقدمته : 


16 


«إنها عملية كهنوت وتسلط هدفها السيطرة ..» (!) .. لأن هذا «المخطط الكهنوتى» 
استهدف حماية «القوة الكونية» المنسوية لهذه اللغة من وراء حفاظه على السر المهاب . 

وإذا كان السر قد ظل طوال هذا الكم من القرون بسر فذلك لم يكن مرجعه عدم وجود 
باحثين عظماء يعوزهم الفضول العلمى .. يل إن هناك عددا لا يحصى من الرحالة - 
خاصة اليونانيين - الذى زاروا مصر المستعمرة .. التى كانت قد دخلت مرحلة الانحطاط : 
ولكن ما زالت ثرية بثقافهتها وآلهتها . ذلك فى الفترة ما بين فتح الإسكندر لها وانتصار 
المسيحية فيها ... وكان الكتبة والكهنة يستقبلون هؤلاء الرحالة عن طيب خاطر بل 
ويمدونهم أحيانًا بما يجدد به علمهم من معلومات فى علوم الهندسة والقلك . 

يؤكد سيرج سونرون أنهم كانوا يمتنعون عن تلقينهم «العلم المقدس» أى مبادئ 
الكتابة الهيروغليفية إذ أن اختصاصهم بها كان يؤكد سلطانهم ويرفع من هييتهم علاوة 
على أنها هى القادرة وحدها على تقديم «تفسير للعالم» . 

ويشهد تعبير قاله كاهن مصرى قديم هذا الجانب الغير قابل الوصف , والذى لا يضاهيه 
شىء » والذى تتم به الكتابة فى الحضارة المصرية القديمة ‏ إذ قال : «لا يوجد شىء 
عظيم أى جميل تم عمله ... دون أن يكون قد تم تسعجيله كتابة منذ زمن طويل ...» () 

ومع ذلك يخطئ من يعتقد أن الحضارة قد هوت فى جب جهالة العالم الخارجى 
لها بعد أن اختفى قراء أوراق البردى والمسلات من الوجود فلم يكن الليل حالكا تماما 
بین تيودوز وشاميوليون ؛ فقد كانت تضيئه بعض الشعلات التى سمحت يحدوث 
محاولات وتجارب تقريبية أدت إلى بعض الاكتشافات » ومن ثم استمرار التراث . 

لكن ظلت مصر - الصامتة العظيمة - حية على الدوام !! حية ولكن منقية .. فى التوراة 
والثقافة اليونانية والسلطة الرومانية ومن خلال الأفلاطونية الجديدة لعصر النهضة 
وأخيرا من خلال بعض الطوائف الدينية التي قدبست الإلهة إيزيس فى الغرب بعد 
تحوير الديانة المصرية القديمة .. ولذا يجب أخذ كل هذه العلامات التى على الطريق 
فى الاعتبار والتى قادت الباحثين وزودتهم بالمعلومات أحيائًا وضللتهم أحيانًا أخرى 
طوال القترة من القرن الرابع حتى القرن التاسع عشر , وهى التى وضعت چان - 
فرائسوا شامبوليون على الدرب الذى أدى به إلى اكتشافه العظيم فى سبتمير ۱۸۲۲ . 
وقد نجح هو دون الآخرين ؛ لأنه عرف كيف يطرح أسثلته على هذه الرموز المتناثرة 
بصورة أفضل من الذين سبقوه كما عرف كيف يجمع الدلائل ويضبط سويا الفتات 
الذى جادت به ذاكرة التاريخ à‏ والتى كانت المادة الأولى التى استعانت بها حصافته . 


17 


ذكرت مصر كثيرا فى التوراة (التى يقرؤها شامبوليون فى نصها العبری وهو فی 
الثالثة عشرة من عمره) وإن كان ذكرها غاليًا ما كان يجرى على أنها العدى الذى يعذب 
ويفسد الشعب المختار . وقد سجل جورج بوزنار عدد 16٠‏ (ستمائة وثمانين) ذكرا لمصر 
فى التوراة وفى المقابل لم يظهر اسم إسرائيل سوى مرة واحدة فى نص فرعوئى وهى AR SU‏ 
على لوحة مينيبتاح والذى يقول : «إن إسرائيل قد خريت ولم يعد لبذرتها وجود ..» 

جمع الفلسطينيون ويلادهم فلسطين وفرقوا فى الوقت ذاته بين مصر الفرعونية 
وشعب التورأة وظلت علاقات الطرفين مضطرية طوال العشرين قرنا المذكورين فى 
سفرى التكوين والخروج .. فهل يمكن إغفال الدور الذى لعبته مصر فى تاريخ يوسف 
وفكر موسى وفى تشريعات سليمان أى تضرعات حرميا ؟ وكيف يمكن دراسة مختلف 
مراحل العائلات الحاكمة فى مصر دون ذكر الفارات التى شنها هؤلاء الآسيويون من 
الهكسوس إلى قبائل آل كنعان والتى تسيبت فى العديد من المشاكل للملوك المصريين 
.. وجاء ضمن أسماء «القادة الأجانب» المشاغبين التى ذكرها الكتبة المصريون ذكر 
إبيرريانى والذى يعتقد البعض أنه إبراهيم . ظهر موسى فى فترة حكم الأسرة التاسعة 
عشرة حين كان العديد من الآسيويين يعيشون فى بلاط فرعون فى حين كان العديد من 
البدى يعملون بالسخرة فى الوادى . وقد وصلت وعورة الأعمال التى سخروا لها إلى 
درجة لا تحتمل أدت إلى الخروج من مصر . وهو ما يمكن تحديد زمن حدوثه بعدة 
عشرات من الستين سبقت تحرير النص الكوارثى المتحدث على لوحة مينا بتاح الذى 
سبق ذكره أعلاه . 

بعد هذه القطيعة المأساوية عادت الوشائج تتواصل بين السلطات المصرية وقادة 
أورشليم فى عصر تائيس ومملكة يهودا ٠‏ وذلك حوالى العام الألف قبل الميلاد .. ولم 
يخْف الملك سليمان ما استعاره من حضارة الدولة المصرية , والذى يمكن للقارئْ 
المدقق للتوراة أن يسجلها > ولعله يسمع وهى يقرأ صوت الأنبياء وهم ينددون بالحكم 
المستبد المطلق للفراعنة . 

كان كل شىء يتعارض فى النظامين » فالجائب البشرى الموجود فى تعدد الآلهة 
المصرية الذى يستوحيه النظام القائم فى طيبة وعلى قمته الملك / الإله » والذى يعتبر 
أعجوية من التوازن الصامد . كان هذا يتعارض مع الأيديواوجية التوراتية التى 

أسس كليةً على معجزة نجاة الشعب المختار من الذكبات والكوارث وعلى ولائه المثير 

RERO ER‏ .كل شىء عند المصريين هى نظام وعقل واس تمرار » فى 
حين يعلن كل شىء عند الآخرين عن مأساويته وتفككه وإلهاميته . 


18 


غير أن التوراة ذات الرسالة الكونية الشاملة لم تكن لتغفل التعاليم الواردة من 
وادى النيل » وهى تلك التى استخلصها شامبوليون عبر قراعثه لها » فهو مؤرخ 
الحضارات الكبرى وهى أيضا عبقرى فى المقارنة بينها . كان أثر المصدر المصرى -. 
أى ثقافة وادى النيل على الإغريق - على نفس القدر من HAL Ras‏ ثيرات الحاسمة 
وحيد أن «السفر إلى مصر» كان فرضي واجيًا على رواد الفكر اليونانى أعظم بكثير من 
زيارة اليونان على معاصرى إيرازم ورونسار . : 


قام ,سارج سونرون ° يوضع قائمة - غير كاملة بطبيعة الحال - للعلماء والشعراء 
والفلاسفة اليوتانيين الذين أصروا على عبور البحر المتوسط للنهل من المعارف 
والحقائق فى مصر ؛ لأنهم كانوا يعتبروذها «مهدا للعلم كله والحكمة كلها» . ويضيف 
سوثرون أنه إذا حدث » ولم يتمكن بعضهم لسبب أى لآخر من القيام بهذه الزيارة 
الواجبة على كل عالم ومفكر ؛ فإن كتاب سيرهم الذاتية كانوا يعملون على إضافة نص 
خيالى عن هذه الزيارة التقليدية ؛ لأن عدم إجرائها يجعل من أى مفكر أى مبتكر 
à Lg‏ شخصية محلية أى غير ذات أهمية . 

لم يتخلف أحد من الكبار : أورفيوس الذى اشترك فى الاحتفالات الديونزية - 
حسب ما أورد ديودور - وهوميروس الذي كرر ذكر «النهر ايجيبيوس» » والذى أسر 
أوليسس بالقرب منه ٠‏ وذلك فى ملحمته الأوديسا . ولم يتخلف بسولون كما ذكرنا من 
قبل ولا طاليس ولا فيتاغورس .. الذى يقول عنه جاميليك إنه أمضى ما لا يقل عن اثنين 
وعشرين عاما داخل المعابد المصرية تحصل فيها على العلم الذى «بسبيه يعتبر 
فيثاغورس من العلماء» > وناهيك عن أقلاطون الذى يعتقد أنه أقام مع يودوكس فى 
معية كهنة هليوبوايس لمدة ثلاثة عشر عام . 

وسنری أن چان - فرنسوا شامبوليون سينسب نفسه إلى أفلاطون » وذلك فى 
خطاب وجهه إلى صديقته أنجيليكا باللى - التى هى أيضا من أصل يونانى - يؤكد 
فيه أن «أفلاطونيته» ترجع إلى أنه «تشيع بالتعاليم المصرية التى هى المنبع الخصب 
الذى ذهل منه مواطنك أقلاطون , كما نهل رجل آخر أعظم منه يما أحدث من عمل خير 
ألا وهى فيثاغورس » فشرع شعوب إيطاليا المحظوظين» )4( 


كتب هترى جوليفى مقال نشرت مجلة سيلكس تحت عنوان عبر «أفلاطون عالم 
المصريات» يؤكد أن صاحب كتاب «تيميه» أخد عن النموذج المصرى نظريته الخاصة 


19 


«الجنهوريةء he.‏ لسم فإن أفلاطون UN‏ ذكر تاريخ الحضارة المصرية 


أما سقراط ء وإن لم يقم بالزيارة الواجبة لر إل أننا نلاحظ أن أفلاطون فى 
«فيدون» يمتدح السهولة التى يلقى بها سقراط دروسا مصرية » وهو ما يعنى على الأرجح 
أن المطم كان كثيرا ما يستعين «بلوجوس» حكماء مصر . 


ومهما بلغت درجة تأثر الكتاب والفلاسفة والعلماء اليونانيين بدروس الحضارة 
الفرعونية فلم يرتبط اسم أحدهم بمصر بنفس تالق اسم هيرودوت فهى يخصص لها 
خمسة وثلاثين فصلاً عن حولياته » وهى لا يزال بعد أربعة وعشرين قرنًا نموذجا لا 
نظير له فى التحقيق البحثى على ضفاف نهر النيل . كان هيرودوت أكثر تحمسا 
لخصائص مصر الجغرافية ولعادات وتقاليد أهلها أكثر من انيهاره بعظمة فنونها ؛ فقد 
رأى فى هذا اليك الصامد الأصل المطلق لكل شىء . ولذلك فهى يجب أن تقر بل يجب 
أن تفك شفرتها ... وكان ذلك أعظم دافعًا تأثر به الشاب شامبوليون الذى كان يجيد 
مثل أخيه الأكير الدراسات اليونانية كما كان قارئًا نهما لأبى التاريخ . 


٠‏ أما بلوتارك فقد عاد من مصر وقد كتب مؤلفه «عن إيزيس وأوزيريس» الذى يشارك 
فى عملية انتشار الطقوس الإيزيسية فى أورويا » وهى يدين فى كتابه هذا بالكثير للكاهن 
مانتيون" فقد كانت مؤلفاته متاحة التداول فى القرن الأول قبل الميلاد » وقد استخلص 
بسوزون من ذلك قوله : «مهما بلغ فلاسفة اليونان من شهرة فقد كانوا يرقعون من 
درجة الإعجاب الشعبى بهم إذا أمكن إرجاع مصدر علمهم إلى المرحلة المصرية» © . 

لا توجد مثل هذه العلاقة الحميمة الميهرة فى العلاقات المصرية الرومانية . فقد 
طبعت هذه العلاقات منذ البداية بكارثة حريق مكتبة الإسكندرية لدى استيلاء قيصر 
على المدينة فى عام ٤١‏ ق. م . وهى المكتية التى كانت تضم كنوز الثقافة المصرية 
المحررة باليونانية أو المترجمة عنها » وعلى وجه الخصوص الثلاثين جز المكونين لمؤلف 
مائيتون «إجييتياكا» ثم تأثرت هذه العلاقات بالتظام الإستعمارى الذى فرضت روما 
على شعب وأرض النيل محولة إياها إلى إقطاعية مصدرا للجباية » كما تأثرت أخيرا 
بالنهب المنظم للمواقع والآثار الفرهونية بواسطة الولاة الرومان . 


» هو كافن مصرى قديم من القرن الثالث قيل الميلاد ومن ضمن ها كتب تاريخ الأسر الحاكمة 
الصرية . 


20 


ومع ذلك فقد قام جيرمانيكوس برحلة لمصر بسجلها تاسيت بدقة فى كتبه وذكر فى 
كتابه أن كاليجولا كان ممن عبدوا آلهة النيل . وفيما بعد زارها أيضا الإمبراطور 
هادريان : وكان معه خليله أنتينوس ؛ وقام يحفر اسمه على قدم أحد تمثالى ممنون 
العملاقين .. ثم مندما غرق محبويه الأثير فى النهر أعطى إحدى المدن المصرية اسم 
«أنتينويه» . 

وعلى العموم » قإن روما كانت مزينة كلها من ساحة الإله مارس إلى ميدان الإلهة 
مينرقا بالآثار الفرعونية والتى عملت على تعريف زوارها الأوروبيين العديدين بالفن 
شاميليون الذى زارها وانيهر بها فى ١١‏ مارس 18750 زان الأب اليسوعى أتاناز 
كيرشار المدينة الأبدية (روما) قبله بقرنين ومن الكتابات الهيروغليفية المنقوشة على 
مسلاتها السبعة عشرة حاول حل شفرة اللغة الهيروغليفية . 

وعلى الرغم من أن الرومان كانوا يولون احضارة النيل أهمية أقل من التى كان 
يوليها أساتذتهم اليونانيون إلا أنهم كانوا عاملا مفيدا فى نشرها . ولم يكن سيسيرون 
وحده الذى سس اكتشاف الأصل الفرعوتى لعالم الآلهة اليونانية . وجعل من الإله 
تحوت إله الحكمة والكتابة أصلا للاله اليونانى هيرماس .. غير أن الكاهن الأفلاطونى 
«كليمنت السكندرى» أعلن فى نهاية القرن الثانى أن تحوت مخترع الهيروغليفية كان 
مؤلف النصوص الأساسية الحكمة المصرية القديمة المعروفة بالهيرمتيكية » (أو السرية) 
.. عبر هذه المؤلفات ازدهرت فى بلاط آل الميديتشى فى القرن الخامس عشر أفلاطونية 
حديثة كان متشؤها هو مارسيليه فيشان . وهل يوجد شىء أكثر أفلاطونية من التصور 
الرمزى الذى تكون لدى أهل ذلك العصر عن الجروف الهيروقليقية مما كتيه «هورا 
بوألون» * وقدم فيه تصور) للعالم حيث تكون الأشياء رموزا » وهكذا فإن عصر نهضة 
العصور القديمة أثار نهضة مصرية موجودة قى خلفيتها بل تعتبر أحيانًا أساسا لها . 

وعبر الحركة الأفلاطونية استمر انتشار تيار من الحكمة المصرية حتى عصر 
الإصلاح المضاد . ظلت الكنيسة تنظر إليه بارتياب » إلا أنها امتنعت عن مجابهته لفترة 
زمنية طوبلة إلى أن جاء اليوم الذى حكمت قيه على جيوردائى برونى بالحرق حيًا .. 
وعندئذ اتكمش الفكر الأقلاطونى الهيروميتيكى فى مجالات علم الفلك والكيمياء والطب 
والهندبسة ؛ حيث «ظلت الحكمة المصرية القديمة تمارس تأثيرها القوى والنشيط» كما 
كتب إيريك إيفرسان ©) . 


+ مؤلفه «هيروجليفيكا» اكتشف عام ١414‏ فی جزيرة اندروس ونشر بعد قرن من الزمان فى فينيسيا . 


21 


غير أن الحضارة الفرعونية أخذت طرقا أخرى أقل سرية من السيل التى طرقتها 
الأفلاطونية الجديدة لتأصل وجودها فى الغرب وهى عبادة أكثر آلهتها طهارة : الزوجة 
والأم وسيدة الأراضى والمياه - إيزيس . وإذا كان تاريخ الولع بالملصريات 
(الإيجيبتومينا) أى الجنون الأوروبى بها لم يتم تسجيله على الوجه الأكمل » فإن تاريخ 
أحل المكونات الأساسية لهذه الحالة وهو «الايزيسية» قد كتبه بورجس بالتروسايتيس : 
وهو «البحث عن إيزيس» 7 فهو يرى أن هد المعابد ومنع إقامة العبادات وتحريم : 
استخدام الكتابة المقدسة قد حول هذه الحضارة فى نهاية القرن الرايع من مجال 
دراسة الآثار إلى مجال الروايات والأساطير » مما دعم انتشارها جعل آلهتها 
يمنحونها فرصة الأخذ بالثأر بأن انتشرت فجأة عبر الإمبراطورية الرومانية كلها بل 
وفرضت نفسها بإلحاح على الأفئدة . بعد كاليجولا ودومينيسيان «معتتقى الحضارة 
المصرية» قى العلن شيد كاراكالا «إيزيوم» أول معبد إيزيسى فوق الكويرينالى فى روما 
دامجا هكذا عبادة الإلهة الكبرى مع الديانة الإمبراطورية . ومنذ ذلك الحين أصبح آلهة 
وادى النيل رعاة الفيالق الرومانية من بومبي إلى الدانوب ومن جوليا (فرنسا) إلى 
الجزر البريطانية وحتى أطراف العالم المتحضر . 

وإذا كان قد تم اكتشاف آثار عبادات إيزيسية من بلجيكا حتى مدينة ليون 
(وكشف كنز شيلديريك الذى عثر عليه فى تورنيه عام ١10١‏ أن أسلاف كلوقفيس كانوا 
يعبدون الآلهة المصرية) فإن أهم هذه الآثار تظهر واضحة فى باريس والماطقة المحيطة يها . 
ومنذ القرن السادس عشر أشار جيل كوروزيه أن كنيسة سان جيرمان دى بريه * 
شيدت فوق موقع إيزيوم معبد لإيزيس - وأن ضاحية إيسى الباريسية اسمها تحوير 
لإسم الإلهة المصرية , وأن ضاحية مولون كان اسمها إزيوس . وباريس ذاتها سميت 
هكذا بعد أن استوعيت جارتها تلك 515! 031 أ01135 .. أما سانت - أمان فهى يذهب 
إلى أبعد من ذلك ؛ إن كتب فى عام ٠١٤٤‏ يقول إن أصل كلمة باريس هى فاريا (ابنة 
فارعون) إيزيس - فهل من مزيد ؟ 

وعلى العموم فإن كتاب كبار - كثيرون منهم من رجال الدين الكاثوليك - يؤكدون 
أن جزيرة لاسيتيه ** كانت مقرا لمعبد إيزيس الذى كان يقع بالقرب من الموقع الذى 
شيدت عليه كاتدرائية à plu sisi‏ كما أن هؤلاء المؤلفين يقرون بأن المسيحية تمد بعض 
جذورها فى الديانة المصرية القديمة . وتذهب كريستين دى بيزان إلى الإيحاء بأن 


# فى وسط باريس الحالية (المترجم) . 
× وهی فی لب باریس على نه السين (المترجم) . 


22 


إيزيس هى نموذج للعذراء مريم .. كما يذهب آخرون إلى القول بأن حورس ابن إيزيس 
هى نموذج مسيق المسيح .. كما يقال إن بوابات نوتردام وكنيسة سان جيرمان 
وكنيسة سائت جينييف (التى هدمت عام )١186.7‏ كانت بها الأدلة على ذلك . 


ويوجد ضمن المؤرخين المسيحيين (دون مولينيه » دون مارتان دون يانييه) من 
يؤكد أن إيزيس كانت ضمن الآلهة التى يعبدها الدرويد (رجال الدين فى فرنسا 
القديمة - لاجول - قبل المسيحية) (المترجم) كما يؤكدون أن آلهة أخرى من مصر 
القديمة كانت ضمن من يقدمون لها الشعائر مثل أويزيس وأبيس . لقد عارض بعضص 
المفكرين مثل الكونت دى كايلوس هذا النوع من النظريات ولكن يبقى أن إيزيس ظلت 
من عصر الدرويد إلى العصر الكلاسيكى تؤكد وجودها ضمن الآلهة التى تركتها 
الممسيحية تهيم فى الوجدان الواعى أو اللاواعى للشعب الفرنسى . وهكذا فإن مصر 
الفرعونية اندمجت معها داخل الميراث الدينى والفكرى لفرنسا منذ ما قبل قرن التنوير 
والانتشار الهائل ما أطلق عليه اسم «الإيجيبتومينا» أو «الولع المرضى بمصره» . 

لم تتوقف مصر - ومن خلال التوراة ثم الحضارة اليونانية - الرومانية ثم الأفلاطونية 
الحديثة بعد ذلك من خلال الإيزيسية -عن فرض وجودها على العالم حتى لو كان ذلك 
فى شكل خرافى أى أسطورى . واكن الحضارة المصرية - وعلى الرغم من هذا الإلحاح الضاخط 
لم يبق فيها بسوى مصدر هاثل للافتراضات . وذلك ايتداء من تاريخ تدمين أعمال 
مانيتون" التى كانت بمثابة الذاكرة الوحيدة المفهومة للقرون التى اختفت وابتداءًا من 
ذلك اليوم الذى تحدى قيه كاتب مصرى شجاع المحظورات وحفر قي الرابع والعشرين 
من أغسطس 594 م** آخر الحروف الهيروغليفية على أحد أعمدة معبد فيلة . 

ماذا كان ممكن «لرجل عادى» من القرن السابع عشر أن يعرق عن مصر ؟ 
ما عدا ما كانت تقوله له التوراة - التى كان الكاثوليك يتشككون فيها حينذاك - ويقوله 
الفلاسفة اليونائيون والرومانيون - فإن معارفه كانت قليلة . 

لم تساعد الحروب الصليبية كثيرًا على معرفة «عالم الكفر» ... هناك ... يعض 
حجاج بيت المقدس الذين اكتشفوا خط سير العائلة المقدسة والقديس مرقس » كما أن 
أيا الهول كان ينتظر عودة أوديب . 


+ هذه الأعمال كتبت باللغة اليونانية . 
** ندين بهذه الدقة المدهشة لسرج سونرون . 


23 


ومع ذلك فقى النصف الثانى من ذلك القرن (السابع عشر) عاد الموضوع المصرى 
يظهر على السطع من جديد. فبعد أن لفت ليبنيتز* العظيم عام 17177 انتباه بلاط 
فرنسا الملكى النهم إلى أرض الفراعنة . (وذلك لسبب فريد : وهى أن الملك العظيم 
(لويس الرابع عشر) كان يمكنه أن يضرب هناك «الجمهوريين» الهولنديين بأن 
يدمرنشاطهم التجارى مع بلاد الهند الشرقية) أرسل الوزير كوإبار أحد الآباء 
الدومينيكان ألمانى الجنسية اسمه قانزلاب فى مهمة إلى مصر ء وهى يعتبر أول 
مستكشف أوروبى لانتينويه . 


وفی خط مواز لهذا الاستكشاق على أرض الواقع تعددت تحريات وافتراضات 
باحث عظيم فى 5 شئون مصر وذاك فى مدينة روما حيث يوجد العديد من آثارها وهو 
الأب اليسوعى الألمانى أتاناز كيرشار الذى نشر عام 1157 كتابه أوديب المصرى 
315 أأم/او8 5نام 0501 . وكانت إحدى افتراضاته الحسية هى التى فتحت 
الطريق أمام شامبوليون ؛ فهى الذى خمن أن اللغة القبطية - اللغة الدينية لأقباط مصر 
- هى النسخة الصوتية للكتابة الهيروغليفية . 

واا شرف القرن السابع عشر على الانتهاء كان القنصل الفرنسى يوثوادى مابيه 
يرسم الأهرامات : ويكتب وينشر وصقا جيدا لها وإن لم يكن يكتفى بذلك فقد كان 
ينقب ويسرق روائع الآثار وأثرى بها مجموعات at‏ ) 6 الأثرية es à de. ga as‏ دی 
كايلوس .. وشى فى ذلك كان الرائد الذى احتذى به زملايه الذين ورثوا مركزه فى عهد 
محمد على باشا . ثم بعد بضعة سنوات ت جاء إلى مصر الأب اليسوعى كلودسيكان » 
وكان من دارسي اللغة العربية وملما باللغة القبطية ٠وإذا‏ كان قد حضر فى بداية الأمر 
بصفته مبعوثا من الوصي على العرش إلا أنه سرعان ما تحول من موظف قى الخدمة 
الرسمية إلى باحث ذى رؤية شاملة يجوب أنحاء وادى الثيل زائرا معبد الكرنك داخلا 
وادى الملوك مغامرا حتى أبى سمبل ليرسم أول خريطة حديثة لمصر .. قبل أن يموت قى 
القاهرة وهى يعالج مرضى الجزام 

سجل جان لوكلان ظهور موجة من الولع بجمع الآثار فى القرن السابع عشر 
تولدت عتها ما سمى ب «غرقف الروائع» وهى يقول : in‏ عام م14١‏ ظطلهيرت 
فى مرسيليا ما أطلق عليه «أصنام من مصر احفظ الموميوات بإحكام» وهى اسم تورية 
واضمح للتوابيت الأثرية . وعرف عن ريشوليى ومازاران والوزير سيجييه أذهم كانوا 


*# سترى (فى الفصل التإسع) أنه اهتم بمسألة الكتابة البدروغليفية . 


24 


فى ١184 gala‏ يضم بعض الآثار المصرية . كما أن راعى الكنيسة الخاص باللك 
لويس الرابع عشر - القس فوقيل - كان يمتلك تمثالا صغيرا لإلهة القط بست تحمل 
فى يدها إله الرق . أما نيقولا فوكيه فقد كان يمتلك تبوتين باعهما له بعض التجار 
جلبوهما إلى مرسيليا فى سبتمبر ١1”‏ وقد ارتجل لافونتين يعض الأبيأت عندما 
رآهما فى منزل وزير المالية فى سان مانديه. : 

لم إستطع كتم الضحك 

قائكلا يا مولاى حورس 

إنك أنهلتنا جميعا .. 

إن أبناء بلدك 

كما ييدون - يرتدون مريلة الأطقال 

وأراها مصنوعة يطريقة غريية ٠‏ 

وقد نشر ميشيل دوفاشتار مقالا فى مجلة الإيجيبتولوجيا (المجلد 1 لعام 
1) تضمن كشف جرد لاكثار المصرية الموجودة فى مكتبة لويس الرابع عشر عام 
4 ء ويتضح منه أنها كانت تحتوى على ما لا يقل عن ثلاثة وثلاثين قطعة . منها : 
تمثال جميل من حجر البازلت يسمى «اليشب الأسود» وأحد الآلهة من حجر السفير 
الأبيض وعددا من الجعارين ومن الصلاصل شخاشيخ وسبعة عشر مومياء مصرية 
منها اثنتان غير A‏ سليمتين» . 
هكذا فى مطلع قرن التنوير ومع ظهور موجة جنون الولع بعمصر بدأ يتشكل نوع 

من العلوم يمكن تسميته «ما قبل الإيجييتواوجيا» وهى كان مبنيا على تخمينات كيرتشر 
الحدسية وعلى أعمال جابلونسكى واقتراحات قاربوتون والرسومات التى رفعها مابييه . 
وملاحظات سيكار .. ولذلك فإن هؤلاء الذين توغلوا فى مصر بعد ذلك ويتصورونها بل 
ويعيدوا تشكيل صورتها قاموا بذلك على أسس أكشر صلابة . 


25 


أول فريق تقدم على الدرب جمع مجموعة مدهشة من الرحالة ثم سار على آثار 
خطاهم شعراء وموسيقيون وياحثون وعلماء لغات وفلك ومعهم أيضما دجالون وعاملون 
فى مجال التجميل وفنانون تشكيليون وعلماء اجتماع ... 

من مجموعة عشرات المتهورين كاشفى أسرار الألفاز نختار ثلاثة : 

البحارة الدنمركى فريدريك نوردن الذى أبحر وهى فى الثلاثين من عمره إلى مصر 
ثم أبحر فى مياه النيل صعودا حتى فيلة ومعايد النوبة قبل أن يعود ليموت فى باريس 
بعد خمس سنوات تارکا مجموعة رائعة من رسومات «آثار طيبة» ٠‏ وقد ثبت أنه كان 
يتمتع بموهبة فنية راقية وهو يقدم - كما فعل فيقان دونون من بعد -- أفضل تصوير 
وتآثير للفن الفرعونى -- ولا شك أن شامبوليون قد اطلع على هذا العمل الرائع وأشاد 
- كما فعل قيله شاتوبريان - بدقة النقل . 

إذا كان نوردن بحارًا فإن ريتشارد يوكوك القادم من ميناء ساوذهامبتون 
الإنجليزى لم يكن كذلك بل كان رجل دين ولم يسافر من أجل التبشير لدينه بين 
المحمديين بقدر ما جاء يستكشف روائع الإبداع الفنى . ووصل حتى أسوان يعد أن 
زار الأديرة القبطية على البحر الأحمر . وإننا انقدر بساطة العنوان الذى صدر به 
مذكراته عن رحلته : «وصف لبلاد الشرق ويعض المناطق الأخرى» : الرؤيا ثاقية 
والأسلوب سلس . وقد تال هى أيضا إعجاب شاتويريان كما قرأه شامبوليون . 

آما كلود - لوى فورمون » فقد كان أكثر الثلاثة قربا من عالم المصريات الحقيقى . 
فهو كان يعمل مترجمًا فى المكتبات الملكية . وقد زار مصر السفلى عام 1747 » ونشر 
بعد بضع سنوات كتاب «وصف هضيتى هيليوبوليس وممفيس» وهى يتميز بأنه حدد 
يدقة المكان السليم لعاصمة الفراعنة القديمة بالقرب من سقارة عند البدرشين . بل إنه 
أشار أيضا إلى وجود هرم رايع فى الجيزة . 

فى الوقت ذاته الذى كان هؤلاء الرجال الشجعان ينتزعون فيه من واد النيل 
أسراره الدفينة قام آخرون بإضفاء شكل فنى وفلسفى للأسطورة المصرية العائدة 
للانتشار من جديد . 

ولم يلهب كتاب مخيلة الغرب مثلما فعل كتاب الأب جان تيراسون الذى نشر عام 
۱ فى باريس )© تحت عنوان «سيتوس» وعنوانه الفرعى «تاريخ أى قصة حياة متخوذة 
من الآثار المصرية وعن قصص مصر القديمة» أردف به ملحوظة لم تخدع أحدا : 


26 


«مترجم عن مخطوط يونانى اكتشف فى مدينة الإسكندرية تحت حكم الإمبراطور مارك 
- أورال» . ويؤكد الأب تيراسون فى مقدمة كتابه أنه يدين فى عمله لأستاذين هما 
مؤافا كتاب «تيليماك» وكتاب «أسفار قورش» وهما مؤلفان خياليان . كما أنه يشير إلى 
رجوعه إلى أعمال هيرودوت وديودور ويلوتارك وهى بالطبع المصادر البحثية التى اعتمد 

سيتوس كان أحد أمراء مصر فى القرن الحادى عشر قبل الميلاد ابن الملك أوزوروت 
والملكة نيفتى التى توفيت تاركة مكانها لزوجة الأب الرهيبة : ديلوكا . إلا أن الطفل يجد 
حليفًا فى شخص معمه الحكيم أميديس .. وهنا نلاحظ الخطوط العريضة التى بنيت 
عليها شخصيات أويرا الناى السحرى . خاصة وأن التجرية الأولى التى كان على 
سيتوس أن يجابهها هئ ظهور «ثعيان مرعب» وهى نفس المنظر الافتتاحى لأويرا موزار . 


لم تكن رواية الأب تيراسون مجرد تمجيد الحكمة المصرية القديمة ؛ لأن هذا 
القس هى الذى كان معروفا أنه عضى فى الحركة الماسونية ملأ قصته ببعض الملامح 
الفلسفية السائدة قى زمنه . فقرً مثلا أن سيتوس يقول لمعلمه أميديس الذى كان 
يمتدح له الأعمال العظيمة التى شيدها الفراعنة : «لا أعتقد أن يجب السماح بتعذيب 
الناس بحدة تمجيد الآلهة» . 

إن أحد أهم الجوانب الملفتة فى «سيتوس» والتى جعلت منه مرجعا من مراجع 
المإسونية فى ذلك العصر هو ما تضمنه من شعائر وتقوس وأهداف عملية إدخال 
العضى الجديد إلى الماسونية ٠‏ فنقراً مثلاً هذه السطور : «بعد أن تتم إدخال الأمن إلى 
قلبه يواسطة الذار والماء والهواء يتلقى العضو المقبول حديئًا النور ويصبح له الحق فى 
إعداد روحه للكشف أمامه عن أسرار الإلاهة العظيمة إيزيس à.‏ )10 وكان وقع هذا 
الكشف على سيتوس مثيرًا لدرجة جعلته يتخلى عن وراثة العرش لأخيه ليحتجب وسط 
الكهنة . ليأتى إليه الملوك والعظماء لاستشارته خول مختلف الأمور » فقد أصبح أكثر 
العارفين بالأسران من بين المتطلعين عليها . | | 

لم تكن قصة «سيتوس» أحد الكتب الإساسية للماسونية فقط كما لم تكن فقط 
مصسس إلهام موزار لتأليقه أويرا «الناى السحرى» بل إنها أوحت له أيضا بقصة أوبرا 
«كاموس 4 ملك مصر» والذى عرضت قبل ذلك يعشرين عاما (وسوف نعود الحديث عنها 
فيما بعد) . 


27 


أعيد طبع رواية «سيتوس» في 117/ا١‏ و190١‏ و١۱۸‏ » وكان أحد الكتب الأكثر 
رواجا فى ذلك الوقت" ولابد أن قرأها الأخوان شاميوليون خاصة وأن أباهما كان 
صاحب مكتية ويمكن إعتبار هذه الرواية إحدى الحلقات فى سلسلة العوامل التى أدت 
إلى وصول كشاف الرموز إلى اكتشافه العظيم . 

قد يدهشنا اليوم أن تيراسون قد جعل مصر مصدرا لإإشعاع الماسونى علما où‏ 
عالمها كله كان يدور فى فلك الدين » وكانت خاضعة تماما لسلطة الحاكم الإله : وهكذا 
قعل يعده أيضا موزار وجوته وهواباك وغيرهم من الماسونيين » ولكن فى القرن الثامن 
عشر وهو عصر «الاستبداد المستنير» فإن الأمر كان يبدو طبيعيا . ذلك لأن قرن 
التنوير كان يرى التسلط الفرعونى - والذى ندد به سيتوس كما سبق أن أشرنا - أن 
حضار ¡ وادى النيل هى الترياق المنقذ من سلطة رجال الدين المقيدة للفكر فهى مشبعة 
بالحك ة والتوازن بالقكر الإنسانى والحيوية النشطة . قرن التنوير كان يجابه العالم . 
الإسود والمتشنج لاآياء اليسوعيين ورجال الكنيسة الآخرين ورجال محاكم التفتيش 
والوماظ المهددين بثوابر الأمور فى اليوم الآخر وقادة «الإصلاح المضاد» بالنور 
الساطع لأمون - رع ويعظمة الشمس الهائلة ويالتوازن الكامل لتعدد الآلهة فهو يعتبره 
قمة التعبير العقلى . ' 

:هذا التيار الماسونى المصرى أخذ وجها كاريكاتوريا فى شخصية سيئة السمعة 
أسمها جوزيف بالسامى - وكنايته كاجليوسترى . فقد أعلن نفسه «الققطى الأعظم» - 
محولا ألباء إلى فاء لإضافة مسحة من الغموض الشرقى للصورة التى.اخترعها (قفطى 
بدلا من قيطى) وأسس عام \VAË‏ فى سرورديار فى باریس ais‏ المحافل للتحول إلى 
الملمبونية المصرية العليا» ثم جال فى أورويا وذاع صيته فى الصالونات والقصور 
ناشرًا طقوسنا أدعى أنها «مصرية» ؛ حيث امتزج السهر بالإثارة الجنسية التى تولت 
عرضها أو ممارستها زوجة بالسامى (11) . 

ولم تعتير هذه القصة مجرد مسلسل روائى لكاتب ساخر فقد أخذت روما ومكتب 
البابا هذه المغامرة - أو لعلها بدت كما لو أنها تأخذها على محمل الجد لدرجة أنها 
رفعت على هذا الدجال قضية عام ١76١‏ «لمارسته الماسونية» .. وكان من المحتمل أن 
ينتهي به الأمر بالموت حرقًا ... الواقع أن كاجليوسترى قد انتهى به الأمر فى السجن 


+ حولها أحد المؤافين المفمورين : «تانيقى» إلى مسرحية شعرية عام ١‏ 


28 


حيث توفى . ولعله أنقذ نفسه من المصير الأسوء بأن «أقرٌ» أن الماسونية هى التى 
وضعت المخطط العالمى الذى أثمر عن هذه الثمرة المسمومة التى هى الثورة الفرنسية 
.. وقد استغلت الكنيسة الكاثوليكية هذه النظرية على أوسع نطاق ... غير أن ما يشد 
اهتمامنا فى هذا المقام ليست القصة فى حد ذاتها - والتى تناولها بشكل جيد جدا 
جيرار دى نرقال قى روايته «الملهمون 165]لااأأ 65ا » » ولکن ما يهمنا أن ذلفت 
النظر إليه هنا هى أن يلجا دجال كبير وذلك فى عصر قولتير صاحب كتابى زائير 
ومحمد إلى مصر ليستقى منها النور الذى يجعل مشروعه يبرق لدرجة خلبت ألباب 
الناس وذلك على أعتاب العروش المالكة ! 

إذا كان بالسامى ga‏ كاريكاتير لافتنان قرن التتوير بالحضارة المصرية , فإن 
موزار يقدم أسمى صورة لهذا الافتنان . إن الفلاسفة الماسونيين هم الذين قادوه نحى 
مصر : فقى عام ١9/75‏ وكان فى السابعة عشر من عمره طلب منه تاليف المقدمة 
الموسيقية وموسيقى أغانى الكورس وكذلك القطع التى تتخلل فصول عرض مسرحية 
تاريخية . اسمها «تاموس ؛ ملك مصر» للمؤلف توبياقون حجبلار ‏ الذى كان يرأس 
جمعية ماسونية فى مدينة قيينا وقد بدأ جبلار بالموسيقار جلوك صاحب أويرا 
«أورفيوس» إلا أنه رفض العرض علما بان جلوك كان ماسونيًا أيضنا .. أما موزار فقد 
تحمس للعرض حتى أنه أعاد كتابته وأضاف إلى تأليفه الموسيقى بعد سبع سنوات من 
العرض الأول أى فى عام ١78٠‏ 

ازداد افتنان موزار بمصر القديمة بعد أن تعرف على أكثر المستنيرين شهرة 
إيجناز قون يورن صاحب كتاب عن الحضارة الفرعونية » وهی الذى أوحى بتاليف 
«الناى السحرى» كما كان الأصل الغامض لصورة شخصية ساراسترى . إلى هذه الفترة 
يرجع دخول موسيقار سالزيورج عضوا فى المجموعة الماسونية المسماه «نحى فعل 
الخير» ثم بعد ذلك فى المجموعة الأكثر أهمية وشهرة المسماه «الأمل المتوج حديئا» . ' 

ولكى نؤكد على أهمية الجذور المصرية لعمل موزار الموسيقى هذا ٠‏ فإننا نشير 
إلى أنها لما عرضت لأول مرة فى أوبر! باريس عام ٠ ١‏ كان ذلك تحت عنوان «أسرار 
إيزيس» ٠‏ ويهذه المناسبة نشير أيضا أن هذا المسرح ذاته هى الذى عرضت فيه قبل 
ذلك بنصف قرن - أويرا - باليه «ميلاه أوزيريس» الموسسيقار الفرفسي رامو : 


والمعمار en SALE Ca‏ اولع ot‏ الح بعصر القديعة . .. ففى الوقت الذى 


29 


كان فيه ملك بروسيا فريديريك - جليوم الثانى - (وهو بالمناسبة ماسونى أيضا) - 
يملك حدائق فى مدينة بوتسدام مزينة بالأهرامات والمسلات وأبا الهول - ويتشبه به 
جوستاف الثالث ملك السويد فى مدينة هاحا » كان يتم بناء مذبح للعجل أبيس فى درسدن 
«وكان يمثابة تجميع لكافة المواضيع المصرية الشائعة حينذاك» (12) .. فقد كان المشهد 
الجمالى الفرفسى يعيد تشكيل ذاته قى نقس هذا الاتجاه . وفى هذا الصدد . 

كتب المؤرخ الفنى لوى هوتكور يقول : «منذ عصر لويس الرابع عشر انتشرت 
. تماثيل أبى الهول كتكئات للكراسى وكحاملات لرخام الكونسولات .. والأشكال 
الإيزيسية المختلفة المذحوتة فى البرونز كانت تثبت فى رخام مداخن تدقئة المنازل . كما 
أن المسلات كانت تنتشر فى الحدائق بجانب الأكشاك والمبانى الأخرى المستوحاة من 
الشرق | ؟قصىء . (13) كل ذلك زاد انتشاره لدرجة الجنون غداة الحملة على مصر ثم 
طوال فذرة الإمبراطورية النابليونية : فلم يكن هذا الاتجاه بمثابة تشبه بتيار سائد 
لوضة العصر ء ولكنه كان يحدث من باب تقديم فروض الواجب للإمبراطور . 

وقد أعطى كتاب وصف مصر والرسام قيقان دونون الفنانين المجملين وإلى 
المعماريين المستندات الجادة التى تسمع لهم بالاستهلام الدقيق منها . 

ومع ذلك فقد ظهر استثناءان أمام هذا التيار الجارف : أولهما يتمثل فى مجموعة 
مؤلفى كتاب دائرة المعارف أى الإنسيكلوييديون فقد وقفوا متحفظين إزاءه على الرغم 
من أن قرن الفلاسفة که کان يبدى مسكونا بأشباح الأهرامات وأسرار إيزيس 
والطقوس السرية المصرية القديمة .. والذى يتصفح اليوم الإنسيكلوييديا الأولى هذه 
معتقدا أنه سيهد بها العديد من الرسومات الكاشقة عن الولع المرضى بالمصريات 
الشائع فى ذلك العصر من خلال الماسونية سيصاب بخيبة أمل . قفى باب الآثار 
القديمة الثرى بالموضوعات لن يجد سوي لوحة واحدة للمعمار المصرى بها صورتان 
ضعيفتان للأهرام وواجهات المعايد .. علمًا يأن الشخصيتين اللتين أشرفتا على تاليف 
هذا المرجع الأإساسى » هما ديدرى ودالمبار لم يكن ليرفضا أى شىء للماسونية التى 
هى مرتبطة ارتباط وثيقا بالولع بمصر القديمة . 

ولا يجد المرء أى مبرر لعدم اهتمام القائمين على هذا المؤلف الأساسى بحضارة 
وادى الثيل العظيمة .. فهل ضايقت «الموضة» المصرية ديدرى ودالمبار فارادوا أن يقفوا 
فى وجهها ؟ هل استنبطوا وجود عملية غش وراء هذا التيار يريد العودة إلى نوع من 
الإيمان المزيف ؟ وهل وجد أن هذه الطقوس الدينية وتلك الأسرار والاحتفالات 


30 


التجزيبية لالدخول فى عضوية الجمعيات السرية عودة مقلقة إلى مقدبسات التدين ؟ علينا 
أن نسجل فى جميع الأحوال هذا التحفظ . فهي موقف لا ييرره عدم وجول مستتدات 
جادة أو أثار حقيقية : فقد كانت روما مليئة بهذه الآثار كما سيق وأشرنا . 


أما الاعتراض الآخر الذى تصدى لموجة الولع بمصر القديمة فقد تمثل فى 
التيار فى أوجه . ويعتبر هذا الكتاب يمثابة نشيد مدح.يمجد هيمنة الحضارة اليونانية : 
لدرجة أن جميع الحضارات الأخرى يجانيها تبدى كما لى أنها موصومة بإدانة فنية 
ولا يرجع ذلك إلى عدم معرقة جوهان وينكلمان بمصر : فقد درسها يطريقة أعمق من 
الذين سبقوه ولدرجة أنه يمكن القول إنه ساهم قى الكشف عن عالم الفراء ‏ . إلا 
أنه كان يعتبر مصر لحذلة زمنية أى ظهون انترويولوجي مفاجئ قى التاريخ البڈ رى - 
ولا يعتيرها فصل من فصول تاريخ الفن . فبالنسبة لوينكلمان تعتير مصر الفرعونية 
شاهدا على قدرات الإنسان وعلى قدراته الاجتماعية الخلاقة واهتماماته الدينية لا على 
e‏ ي ET‏ . . ع له CD = 3 ٠. en‏ 
عبقريته الفنية . إنه يرى فيها مجتمعا فى طور التكوين مما يشمله من آلهة وكهنة 
وملوك . مقدمة أى مسودة انظم كانت ستظهر بعدها - وهى اذلك لم ير فيها الجمال 


قبيل اندلاع الثورة الفرنسية أضيف مؤافان مهمان إلى المجمومة الشاملة 
للمراجع المصرية التى كانت تمكن العلماء من مختلف التخصصات من المراجعة 
والبحث .. ويعتبر أحد هذين المؤلفين من الأعمال الرئيسية الهامة * .. 

كلود ساقارى كان يسافر للمتعة الشخصية . وكان عمره ستة وعشرين عامًا 
عتدما قام برحلته إلى مصر حيث مكث فى القاهرة وضواحيها القريية ثلاث سنوات بين 
1 حتى 17/74 لم يكن عليما بمصر القديمة علمنًا بأته قرأ أعمال دمابيه» 
ى «سيكار» وهو يرجع إليهما دون ذكر اسميهما - بل كان اهتمامه منصبا على المجتمع 
| * هن الصصعي أن تحدد هنا بدقة مكانة سوتينى دى هائوتكون وهو معاصر اساقارى ودى قولنى . أما 
كتابه «رحلة إلى مصر السفلى والعلیاء التی قام بھا ہین عامی ۱۷۷۷ و۱۷۸۰ لم ینشر سوی عام ۱۷۹۹ - 
بالإضافة إلى أته كان من تلاميذ علامة الأحياء «بوفون» ولم يلق على آثار مصمر الفرعونية سوى «نظرة سريعة 
قلقة» فلم يشاهد طيبة سوى من يعد وى مقى عجالة» 


31 


المصرى المعاصر له . غير أن كتابه «خطابات مرسلة من مصر» يحتوى على الأقل على 
وصف ارحلة قام بها للجيزة . كتب فيها : «رأينا قمتى هرمين كبيرين إن منظر هذه 
الأثريين العتيقين اللذين قاوما a eee‏ الأمبراطوريات وآثار الزمن المدمرة 
الشعب الذى شيدها !1» . 


ثم يلى ذلك وصقا لزيارته هرم خوفى وهو يزحف بين الثعابين والخفافيش داخل 
المجرى المؤدى للغرفة الجنائزية وتابوتها المفتوح والمنهوب . كان هذا الكاتب ذا La‏ 
حسنة ومتقاعل ويتضصح ذلك فى هذه الرسالة التى تضمنتها مجموعة «خطابات مرسلة 
من مصر» . يقول فيها : «إذا وضع هذا اليلد الجميل بين يدى أمة صديقة سيعود 
ليصيح مركز تجارة العالم كله . والجسر الذى يريط بين أورويا وآسيا . وستعود هذه 
البلاد السعيدة لتكون مرة أخرى وطنًا للعلوم وأسعد مكانا يقام فيه قى العالم . 
صدقنى با سيدى إذا قلت لك أن هذه المشاريع ليست تهيئات مستحيلة التحقيق» . 
لذلك يمكن اعتبار ساقارى بالرجوع إلى هذا الحديث : أحد رواد الحملة التى جردت 
يعد ذلك بخمسة عشر عامًا . 


أما كونستانتان دى شاسبوف . وكنيته «قولنى» فقد كان معدنه مخظفًا . فهو 
مولود عام /اه/ا١‏ فى منطقة مان ولوار وهو صديق للانسيكوييديين وكان شديد 
الإعجاب بفواتير لدرجة أنه اختار كنيته هذه تعبيرا Cast‏ عن تبجيله لأستاذه فالمقطع 
الأول مخوذ من الجزء الأول لفواتير والمقطع الثانى متخوذ من المقطع الثانى للبلدة التى 
يقيم فيها : قرئى .. كما أنه لم يبدا رحلته إلى الشرق من عام ۱۷۸۳ إلى ٠۷۸١‏ 
إلا بعد أن درس اللغة العريية لمدة سنتين كاملتين .. وكان ذلك دون جدوى فقد اتضح له 
أن ما درسه فى الكوليج دى فرانس علاقته بعيدة عن المستخدم فى الحياة اليومية 
لسكان وادى النيل . 

إن كتابه «رحلة إلى مصر وسوريا» الذى نشر عام ۱۷۸۷ يدخل فى باب علم 
الاجتماع ويعتبر تمهيدا لما كتبه «توكقيل» بعد ذلك . وقد نشر مرة أخرى عام ۱۸٥١‏ 
ضمن أعماله الكاملة وتظهر فى مقدمة الكتاب مقدمة - لم يذكن اسم محررها - يؤكد 
فيها أن «الرحلة ..» «عرفت نجاحا سريعا ومتالقا وأقل إثارة للجدل عن آى كتاب آخر» 
وينقل كاتب المقدمة عن الجترال يارتيه قوله فى كتايه «سرد للحملة على مصر» : «إن 
كتاب فولنى كان بمثابة دليل الفرتسيين فى مصر .وهى المؤلف الوحيد الذى لم يخذلهم 


.« ff 


32 


الجنس من الرجال السمر عبيدنا وموضع ازدراءنا هى نفس الجنس الذى ندين له 
بفنوننا وعلومنا وحتى باستخدامنا للتعبير بالكلمات» - وعن المماليك يقول : «إنهم عبيد 
لأقصى الأسياد استبدادا لا قانون لهم سوى العنف الذى يتسم به العسكر المتوترين 
والأجلاف (....) وإذا اجتمعوا كان ذلك تجمهر)ً وإذا ساروا فمحتشدين وإذا حاريوا 
فهم كقطاع الطرق (....) إن نفوسهم نفوس الأرقاء وهم فى منؤلة الملوك ...» . 

ويعد أن يرجع إلى أعمال مابيه وسيكار ويوتوك ونورد ونيهبور وساقارى يتسائل 
قولنى : «ما هى مصدر تحمس الرحالة إلى مصر ؟» أما هى فتحليله لا تجد فيه أى قدر 
من الحماس ؛ إذ يقول : «إن قنون مصر الآن هى فى مرحلة الطفولة والأفكار فيها تعيش 
عصر البريرية (...) هيئتها العامة هى الانهيار التام والفقر المدقع (...) هذا الشعب 
يستحق الشفقة لا الازدراء وهى سيتحرر من عبوديته إن توفرت له الوسائل (الآن) التار 
المكمورة لا تنتظر سوى اليد التى تعرف كيف تحركها ...» . 

ثم نقرأ هذه التأملات التى لابد وأن تثير الإعجاب » فهى ترفع من شأن المعبر 
عنها من كونه رحالة جسور إلى مستقوى المؤرخ : 

«لا ريب أن الاهتمام بهذا الشعب هى الذى يجب أن يثير الاهتمام بالآثار .. ولكن 
إذا امتلكت مصر أمة محبة للفنون الجميلة * فهى ستجد فيها إمكانيات تسمح بمعرفة ' 
هذه الآثار القديمة الشامخة مدفونة فى الرمال لتصونها كما لى كانت فى خزن خاصة 
وذلك لمصلحة الأجيال القادمة .. وعلينا أن نؤجل رجاا وأملنا فى حل لغز اللغة 
الهيروغليفية إلى ذلك الحين ولعله يكون أقرب مما نتصور . علمًا يأنى أعتقد أن 
الوسائل المتاحة حاليًا تكفى للوصول إلى حل الشفرة هذه» . 

ويمكن أن تتصور تأثير قراءة هذا الكلام على رجال مثل بونابارت وشامبوأيون 
من بعده - فهى كلام واضح جامع عن التفكك الذى يستدعى الفاتحين وعن الإمكانات 
التى هى بمثابة الإلهام بالنسبة تجلابٍ الحضارة وعن العجائب التى تنتظر المستكشفين 
وعن الأسرار التى تلهب خيال الباحثين .. وإذا كنا لا نعرف على وجه الدقة تأثير كتاب ' 


نفس التعيير تقريبا استخدمه ساقارى كما سيق ما أشرنا فى الصفحة السابقة . وهى يمثابة دعوة 
جديدة للإستعمان . . | 


33 


قولنى على الفيلسوف فإننا نعلم عن يقين أن الجترال كان من قرائه المتحمسين . وأن 
منه إلرفيق الذى لا يفارقه فيما يتعلق بالشأن المصرى ثم أصبح فيما بعد من أصدقاء 
المؤلف . 

عرف القرن الثامن عشر قمة المجد بقيام الثورة الفرنسية بظلالها وأنوارها 
ويتزامن معها وصول الولع المرضى بالمصريات إلى هذه الدرجة السامية ذاتها وأفضل 
المعبرين عن الحكمة المتزايدة التى تميز يها هذا الزمن المضطرب هم ثلاثة رجال : 
نيقولا دى يونقيل وشارل دويوى وألكسندرلونوار .. فقد ساهمت الدعاية (ولى كانت 
كلمة يروياجندا قد اخترعت فى ذلك الوقت لكانت التعبير الأدق) التى قاموا بها فى 
إثراء الأيديولوجيا التى قامت فى البداية على أساس الموضوعات المستقاه من أهل 
روما القديمة كما كان يتصورها الرسام داقيد فى لوحاته - بموضوعات مصرية كما 
أنهم جعلوا من أحد أعظم الاحتفالات طقسا دينيًا إيزيسيًا هائلاً » وكان ذلك بمناسبة 
افتتاح النافورة التى أقيمت على أنقاض الباستيل . ناقورة «إعادة الشباب» . 


٥‏ نيقولا دى بونقيل كان من الماسونيين وكان من المقرر إعدامه بالمقصلة لولا أن 
قيام حركة التإسع من شهر تيرمبور الثورى أنقد رقيته . وقد نشر كتاب «روح الأديان» 
عام 1 حول فيه - كما فعل أستاذه كور دى جويلان - أن يجعل من عالم الآلهة 
المصريين القدماء المصدر الرئيسى لأفكار الثورة وإرهاصات ميلاد دين عالمى جديدر 
تكون أهم آلهته إيزيس والمسيح وفى ركبهم يسير آلهة مصر الآخرون . 

© شارل دويوى كان أستاذا فى الكوليج دو فرانس وعضوا فى الجمعية التأسيسة 
نشر بعد ذلك بثلاث سنوات كتابا عنواته «أصل الديانات أو الديائة العالمية» والذى زعم 
فيه أن هذا الأصل لا يمكن أن يكون سوى على ضقاف الثيل ٠‏ ويزعم فيه أن المسيحية 
ما هى سوى اقتياس للمعتقدات المصرية القديمة . ويذهب مريده سيلقان ماريشال إلى 
أبعد من ذلك شارحا ما قاله على طريقته بان كتب يقول : «إن عابيدى المسيح لا يعرفون 
أن تقديسهم لمريم مصدره موجود على ضقاف التيل» )14 

© الكسندر لوثوار كان من تلاميذ نويوى .. عين عام \vv.‏ مسئولاً عن المبانى 
العامة وبعدل ذلك بتسعة عشر عامًا نشر کتابه : «شرح الكتابة الهيروجليفية» * . 
: وكان هذا الكتاب هدق لأسلوب شامبوليون الساخر قيما بعل .. ولكنه كان يؤكد فى 


* انظر الفصل السايع . 


34 


وقت قيام الثورة وبإصرار » مستتندا فى ذلك إلى الهيبة التى تضفيه على شخصه 
وظيفته الرسمية » أن المسيحية ليست سوى تحويرا لديانة طيبة وأن «الأشكال الرمزية 
الشخصيات التى تتزين يها واجهات كنائستا القديمة هى نوع من الرموز الهيروغليفية 
المشايهة للرسومات المصرية القديمة» . 

وتعليقًا على ذلك كتب بالتروسايتيس يقول «لقد انقليت الأوضاع فى الفكر الثورى . 
لم تعد مصر أسطورة للحكمة الموازية للعهد القديم فى التوراة . فقد إستخدمت 
الإسطورة المصرية حينذاك فى عملية إسقاط المسيدية وذلك بإعادتها إلى مستوى 
الديانات اليدائية . واعتبرت رواية أوزيريس وقصة المسيع رمرًا للموت والعودة إلى 
الحياة كما هو الحال بالنسبة للدورات التى تعرقها الطبيعة ...» . ويضيف 
بالتروسايتيس قائلا : «ولكن من المعروف أن أى نضال مناهض لأى دين ينتهى به 
الحال بيأن يصيح ديتا آخر» . 15 وقد اعتنق 15 ق الكسندر لونوار دين إيزيس وأصيح 
ابتدامً) من عام 1417 أهم المبشرين به . المهم هو أن كل شىء كان يأتى من مصر 
ويعود إليها .. ولذلك فإن الشاب الذى بدأ يدخل مرحلة الوعى فى بداية القرن الجديد 
لم يجد موضومًا جديرا بالاهتمام أكير من «مصر الصامتة» . 


فى خضم هذه اللجة من حمى الولع بمصر وتخيل عالم آلهتها بزغت أكثر الأفكار جنورًا 
والتى يمكن أن تعبر أبدا عن فكر رجل من رجال الدولة وخاصة إذا كان رجل الدولة هذا هو 
شارل - موريس دى تاليران - بيريجور وزير خارجية حكومة «الديركتوار» الذى يعتبر أكثرهم 
وضوحا وأكثرهم رجاحة وعمقا فى رؤاهم . قهى الذي حول حلم الحملة على مصر الذى 
داعب خيال بعضهم إلى مشروع سياسى وحربى علما بأئه نفى ذلك قيما بعد . 
الفكرة نفسها نبتت قبل ذلك بفتر ة طويلة - ففى كتايه «التاريخ العالمى» أكد 
«بوسوييه» © أن إعادة الكشف عن رواتع طيبة قد تكون من الأعمال السامية 
الجديرة «بالملك العظيم» (لويس الرابع عشر) .. ثم فى منتصف القرن التالى - 
الثامن عشر -- جعل «شوازول» من نفسه بطل حركة المطالبة بضم وأدى النيل إلى فرنسا : 
الواقع أن تاليران عندما أعلن تأييده لفكرة قيام حملة عسكرية على مصر على أساس 
ما أورده فى شرح أسباب ذلك قنصل قرنسا قى مصر ابن مرسيليا : شارل ماجالون . 
- رجع فى تأييده هذا إلى سلفه الأشهر شوازول - وكان ذلك فى صورة بحث تقدم به 
إلى د«معهد قرتسا» (لاز نستيتو) عام 1751 ثم فى مذكرة بعث بها إلى حكومة 
الديركتوار فى يناير ٠۷۹۸‏ أوضح تاليران فى هذين البحثين أن الامبراطورية العثمانية 
على وشك الانهيار وعليه فيتعين على فرنسا أن تستولى على يعض من حطام هذا 
الانهيار وعلى مصر بالذات » خاصة وأنه لم يعد لتركيا فيها «ى قدر من السلطة» . 


35 


وقد ناقض شاتويربان هذا الكلام فيما تضمنه كتايه «مذكرات من ورا ء اللحد» : 
«يتحمس الفرنسيون لدرجة النشوى بالحملة العسكرية على مصر .. إنهم لا يرون أنهم بذاك 
يطعنون النزاهة بنفس القدر الذى يطعنون يه Last‏ الحق السياسى : فقي إطار السلام 
الذى يخيم على العلاقات التى تريطنا بأقدم حلفاء فرنسا * نقوم نحن بمهاجمتها وننتزع 
منها مقاطعتها الخصية قى وادى النيل .. وذلك دون ما إعلان احرب كما لى كنا مثل 
الجزائريين فى إحدى غزواتهم على مرسيليا أومقاطعة بروشانس 7 ليستولواعليها . 


فی تقرير تالى رفعه الوزير لحكومة الديركتوار فى الرابع عشر من فبرایر ٠۷۹۸‏ 
عاد مرة أخرى يستشهد بآراء ساقارى وقوانى ليؤكدهإن مصر لا تنتظر بسوى قيام 
حكم عاقل ومتنور ليستثمر ثرواتها» وراح بعد ذلك فى تطوير فكرة جديدة مقادها أن 
احتلال مصر سيسمع بإعادة فتح الطريق إلى الهند من السويس وهو بمثاية هضرب 
انحلترا قى مقتل» . كان الموضوع إذن فى تصور تاليران هى القيام بعملية ذات هدف 
مزبوج استعمارى واستراتيجى . علاوة على كونها مناورة قى السياسة الداخلية : 
فمثه مثل بقية أعضاء حكومة الديركتوار - وعلى رأسهم الوزير باراس أراد تاليران 
أن يبعد بونابارت عن فرنسا قاتح إيطاليا وكانت شهرته قد بلغت أوجها مما بدأ يهدد 
السلطة القائمة التى هى أصلا هشة وضعيفة . وإكن بونايارت تردد فى قبول المهمة 
حسيما قال آخوه جوزیف . وإذا كانت فكرة المغامرة قد داعبته للغاية كما تشهد على 
ذلك يرقية بعث بها إلى «الديركتوار» قبيل عودته من راشتات وما أسر به إلى سكرتيره 
بوربان فى إيطاليا إلا أنه اإستشعر - كما يورد فوشيه(وزير الداخلية) - فمًا ينصبه له 
ياراس وتاليران» ولكن ما هى الحل ؟ هل يعبر البحر إلى انجلترا فيكون ذلك مخاطرة 
أكبر مما يمكن أن يحتمل نتائجها أم يبقى على حاله فيتاكل هو وما قام به أيضا ç‏ 
اختار إذن أن يسلك الدرب الذى سبقه عليه قيصر ... نحو الشرق فى أثر الإسكندر 
الأكبر . اختلطت فى نفسه أكثرالأحلام رومانسية مع أكثر الأفكار واقعية وأكثر 
الحسابات دقة . لابد وأثه رأى ما فى هذا المشروع من «هوس الجنون» (18) إن أنه 
سيحرم فرنسا من أفضل جيش أديها ومن أفضل جنرالاتها الاستراتيجيين فى لوقت 
الذى كانت الحرب تتهددها من جديد .. بل إن المشروع كان يمكن أن يغرقهم تماما 
وإلى الأيد لما كان لانجلترا من تقوق يحرى هائل فى البحر الأبيض المتوسط .. وعليه 
فما هى مقدار فرصة الإسطول الفرتسى فى الإفلات من مطاردة نلسون له ؟ الإجابة 
هى : الفرصة معدومة ... ومع ذلك اختار يونايارت أن دعتمد على نجمه العالى . 


» إشارة إلى المعاهدة التى أبرمت فى القرن السادس عشر بين فرنسوا الأول والعاهل التركى . 


36 


لما كان العدى الرئيسى فى لندن وإمعانًا فى تضليله حتى احظة الإقلاع فإن 
الوجهة الرسمية للحملة البحرية كانت الجزر اليريطانية وكان النداء الذى وجهه 
بونابارت لقواته لحظة فرد الأشرعة فی ۱۹ مايو ۱۷۹۸ بيدأ هكذا : «أيها الجنود . 
إنكم أحد أجنحة جيش غزو انجلترا .. ولذلك فعليكم أن تخوضوا حروب البحار ...» . 

حاول نابليون فى منفاه بجزيرة سانت هلين أن يسرد أندل رواية لأحداث هذه 
المغامرة المتهورة للماريشال برتران * واستمر هذا السرد لعدة أيام طوال ... كما أن 
نابليون يكرر على مسامع لاس كاز ما يدعى أنه قاله أثناء الحملة : «لقد جئت لكى 
أحول اهتمام أوربا وأثبت أنظارها على العالم القديم فى مركزه» (19) أى أنه اعتبرها 
نوعا من «الدعاية لمصر» .. ولكن يخطئ من يكتفى بالاستهزاء من هذا القول - لأن 
الرفعة والسمى عنده كثيرا ما كانا يتواعان مع البشاعة واللا معقول . 

يجدر أن تسجل أيضا أن عام ١/54‏ هى الذى ظهر فيه كتاب إيتيان لوتبيه «رحلة أنتيثور 
إلى بلاد اليونان وآسيا» الذى طواه النسيان وقد أقر المؤلف أنه نقله عن كتاب الأب 
بارتيليمى ؛ «رحلة الشاب أتارشازيس» .وعشية قيام الحملة كتب شاتوبريان مشيرا إلى هذا 
الكتاب عند نشره فيقول : «.. حتى «رحلة انتينور» بدت فى أول الأمر على أنها واقع جاد : 
«سندخل إلى مصر الغامضة .. نقتش أرجاء الأهرامات ... نفك طاهسم الهيروظيفية .» (00) . 

ويشكل عام فإن فكرة تكليف الحملة العسكرية بمهمة علمية عظمى موازية لها تكشف 
عن أكثر الجوانب إيجابية فى عبقرية بونابارت . فى كتابه «مغامرة بونابارت فى مصرء (21) 
كتب الكواونيل الإنجليزى «إلجود» يقول : «تعتبر هذه الحملة بمقارنتها بجميع حروب نابليون 
أعظمها من الناحية الإنسانية وأكثرها جدارة بالاهتمام» كما أنه يشير أيضا إلى أن مثل 
هذه الأقكار قد دارت من قيل فى ذهن كل من ريشوليو .. كوابار وهناك آخرون يفضلون 
الإشارة إلى سابقة الإسكندر الأكبر الذى اصطحب معه أيضدا المفكرين والفنانيين» . 


بعد عودته من إيطاليا يفترة قصيرة انتخب بونايارت عضوا فى «المعهد» 
أى «الإنستيتو» pui‏ «الميكانيكا» . وما أن اتخذ قرار القيام بمغامرته فی مارس ۱۷۹۸ 
إلا وسارع باستدعاء زميليه مونج ويرتوليه - الأول رياضى أشهر والآخر كيميائى عظيم - 
لينضموا إليه فى مشروعه . ويبدى أن مونج قد تثاقل فى بادئْ الأمر مما حدا به بأن 
يكلف برتوليه بتجنيد أعظم الرجال من أجل القيام بحملة علمية كبرى دون تحديد 


× برتران كان هو آيشتًا من أعضاء الحملة على مصر . 


37 


وجهتها كما أنه كلف الجنرال كافاريللى دى فالجا ضابط سلاح المهتدبسين الذائع 
الصيت والجدير بالاحترام - ليقوم يالمهمة ذاتها . 

بعد شهرين كان الجنرال القائد الأول «لجيش حملة انجلترا» فى طريقه إلى ميناء 
طولون وهى على يقين من أنه يمكنه أن يعتمد على خدمات كتيبة مكونة من أفضل 
العقول التى عرفها ذلك العصر . وقد أعلن نابليون حينذاك : «ثلث أعضاء «المعهد 
الانستيتو» مصاحبون انا قى الحملة» . ولكن ما هى الهدف من ذلك ؟ لقد بقى السر 
in‏ * بدقة على الرغم من أن بونايرت قد قام بمصادرة جميع الحروق العربية 
المهجودة فى جميع مطايع روما وأن سيلفستر دو ساسى المكلق بتدريس اللغة العربية 
فى الكولاج دى فرانس قد اشتكى من أن أفضل تلاميذه قد تم تجنيدهم فجأة فى حين 
أن زميله أستاذ العلوم الشرقية لاننلاس - الذى سيدخل فى صراع مع الأخوين 
شامبوليون -- رقض الانضمام للحملة كما رفض الشاعر دوسيس والموسيقى ميهول . 

سواء بسافر لانجلاس آم لا فإن يريق هذه الكتيبة لم يضاهيه بريق أى مجموعة 
أخرى فى ذلك العصر : ٠١۷‏ عالما ومهندسًا وفناتًا وعالم آثار (اثنان منهم عادوا 
أدراجهم بعد الوصول إلى مالطة) كانوا أعضاء نذكر منهم : مونج وبيرتوليه وفورييه 
(الذى سيلعب دور هاما قى موضوعنا هذا) وجوفروا بسانتيلار - وعالم الاقتصاد چان 
- باتيست بسى وعالم الجغرافيا إدم جومار والمهندس نيقولا كونتى وعالم المعادن ديودا 
دی دولومیو والطبیب جراح لاری (الذی قال عنه ثابلیون فى وصيته أنه «أكثر الرجال 
الذين عرفتهم فضيلة») والطبيب دى جينات والرسامان دوترتر ورودوتيه والمستعرب 
فانتور دى يارادى - الذى أصبح مترجم بونابارت والذى لقى حتفه قى حصار عكا - 
وأهمهم من وجهة نظرنا «قيقيان ديتون» رسام وعالم من علماء الجمال وروائى 
و«مراسل» صحفى والذى أصيبح مؤرخ الحملة والذى سنلقاه بعد قليل يصفته هذه . 


* كتب عن ذلك شيلار دوتراج فى «يوميات وذكريات من الحملة على مصر» (1415) : «قرار الحملة 
على مصر اتخذه الديركتوار فى ه مارس 1/54 (15 فاتتوز عام )١‏ . وانتشرت الشائعة فى أتحاء باريس 
تقول أن هناك حملة جديدة على وشك أن تقوم (...) ولا أعلم لماذا تصور البعض أنها ستكون بعيدة على الرغم 
من أن مقصدها ظل سر لا يعرفه أحد . ومع أن البعض قال أنها ذاهية إلى انجلترا إلا أن القليل من الناس 

. صدقوا هذا القول على الرغم من الأمر الذى أصدرته الحكومة إلى يونابارت بالتوجه إلى ميناء بريوت‎ ٠ 
وسرعان ما عرف أن مونج ويرتوايه ونوربيه والعديد من العلماء بسيصاحيون الجنرال القائد العام فى حملته‎ 
. التى بدت أنها ستكون علمية بقدر ما هى عسكرية‎ 


38 


وماذا عن علماء المصريات ؟ لا يوجد أحد - أسيب بسيط هى أن علم المصريات لم 
يكن معروفا بعد وأن هؤلاء الرجال بالذات هم الثين سمهوا لجان - فرنسوا 
شاميوليون بأن يؤسس هذا العلم بما نتج عن رحلتهم من تسجيل للملاحظات وجمع 
للمستندات ورسم للصور وجمع للمواد والأشياء - وهناك سيب آخر وهى أن الأصل فى 
الحملة كما تصورها مخططوها بما فيهم بونابارت هو أتها حملة استعمارية . 
وأصطحاب العلماء كان هدقه الأول هوالإعداد للاستغلال العلمى والتنمية التقنية للبلاد . 
لقد كان الهدف الموضوع لمهندس المساحة والميكانيكا والتعدين ولعلماء الطبيعة 
والاقتصاد والكيمياء والجيولوجيا هى إقامة أول عمل استعمارى علمى ولم يكن الهدف 
هو البحث عن سيزوستريس . ولكن حدث بعد فترة أى فى صيف ١/19‏ أى بعد فشل 
العملية السياسية العسكرية أن قرر بونايارت عشية انسحابه المفاجئ أن يثأر من القدر 
يطريقة مدهشة بأن أرسل حملتين علميتين إلى مصر العليا يهدف إرساء أسس ما 
عرف فيما بعد بعلم المصريات . 

لن ندع أنفسنا نروى أحداث المعارك التی جرت من الأول من یولیو ٠۷۹۸‏ حتى 
الثانى من سبتمبر ۱۸٠١‏ والتى أدت - مرورا من انتصارات براقة إلى كوارث كبيرة ‏ 
من الأهرامات إلى أبى قير ومن عكا إلى طيبة » قبل وبعد الانسحاب السرى الجنرال 
القائد العام (؟؟ أغسطس )١159‏ - إلى الرحيل المخزى لما تبقى من قوات الحملة 
(أريعين فى المائة من القتلي والمفقودين) على ظهر الأسطول البريطانى . فمن وجهة 
النظر هذه كان الفشل ذريعا والخسائر قادحة والمحصلة النهائية كثيبة 


إن ما يهمنا هنا - مع ومينا بأن نشاط البعض لا يمكن فصله من العمليات التى 
قام بها الآخرون - هو ما اتخذته اللجنة العلمية فى مجال المعرفة بمصر القديمة 
والحديثة يثة - أكثر من اهتمامنا بالتحركات التى قام بها بونابارت وكليبر ٠‏ ولوسى 
وصورا مع العلم بأن عملياتهم هذه كثيرا ما كانت هائلة - وسنرى فى هذا الصدد أن 
ثقافة شخصية مثل دوسيه أوبيليار أى مينى قد أفادت المكتشقين والفنانين . 


«معهد مصر» * واحتفظ لنفسه فيه بمقعد فى قسم الرياضيات إلى جانب كاقاريللى 
وأيضا (فى المراحل الأولى) إلى جانب ياوره المقرب له چوزیف بسواکوٹسکی الذی کان 


+ يطلق عليه اليوم «المجمع العلمى المصرى» ومقره بالقاهرة يشارع القصر العينى 
إلا أننا سنحتفظ هنا بالترجمة الحرفية له «ومعهد مصره 6أملاوع”0 ألاأأأ05! (المترجم) . 


39 


نبيلاً بوائديًا انضوى تحت لواء الثورة الفرنسية وكان دارسًا متميرًا للغة العريية وقتل 
خلال ثورة القاهرة الأولى (أكتوير (\VAA‏ . 

كانت أعمال المعهد ذات أيعاد ثلاثة : الأولى وهى ذات صبغة استعمارية أولية 
استهدفت المنفعة الفورية : مثل خميرة الخين وصيانة الترع وتحسين الرى وإنشاء 
الورش وكان الذى يسهر على هذه الأنشطة هو «كونتى» وكان يتمتع بفكر خلاق لا 
مثيل له وكانت هذه الأعمال تعمل على تلبية احتياجات الجيش الميكانيكية والمادية وعلى 
تجهيز البلاد بالمعدات اللازمة وإلى تنمية المنتجات الزراعية ... بينما كانتت توجد 
. مطبعتان تنشر إحداهما صحيفة «لوكورييه لى ليجيبت» تحت إدارة قوربيه سكرتير عام 
المعهد و «لاديكاد إيجيديسيان» تحت إشراف تاليان . 


النوع الثانى من الأعمال التى نيطت بالمعهد كانت تلك التى تستهدف تقييما علميا 
لحالة مصر المعاصرة . وأحد نتائج هذا النشاط هى الصرح العظيم كتاب «وصف 
مصر» . الذى هى يمثابة شاهد على عصر ألفثه مجموعة من العلماء المثقفين وثشر منذ 
۹ فى عشرين جزء ويعتبر الانعكاس الأكثر دقة للواقع سمح يه تقدم العلوم فى 
ذلك الوقت . وسنعود إلى الحديث عنه بالطيع . 

أما النوعية الثالثة لهذه الأعمال فقد انكبت على إعادة اكتشاف مصر القديمة . 
كان بونابارت واقعا تحت سحر الإسلام (وكان قد أعلن أنه حامى الإسلام لدى دخوله 
القاهرة علمًا بأنه أقر فى منفاه بجزيرة سانت هيلينا فيما بعد أن قوله هذا كان فيه 
شىء من «الشعوذة)) ويبدو أنه لم يكن يعطى اهتمامًا كبيرا بالحضارة الفرعونية . 
وفيما عدا الأهرامات التى أتاحت له فرصة النطق بعبارة صارت تاريخية - علما بأن 
البعض يشكك فى أنه أطلقها أصلاً قإن صروح وآثار وادى النيل لم تؤثر فيه قيما يبدو 
كثيرا .. فإذا طالعنا كتاب «تذكار سانت هيلين» سنقرأ ما يلى : 
«يقول لاسكاز إنه كان (أى بونابارت) يعتبرآن كل ما رآه فى مصر وعلى وجه 
الخصوص هذه الأطلال التى تثير كل هذا الإطناب لا يقبل أى مقارنة بباريس (...) 
وكان القرق الوحيد فى رأيه يكمن فى أن مصر تحتفظ بآثار خالدة بفضل صفاء 
سماءها وطبيعة موادها الأولية فى حين أن درجات الحرارة الأوروبية لا تسمح بذلك 
أيدا فى بلادنا .. وكان يندم كثير) على الرغم من ذلك لأنه لم يقم معبدًا مصريًا فى 


باريس 2200 . 


40 


عندما زار الجيزة رفض أن يزور الهرم الأكبر من الداخل لأنه اعتبر أن الزحف 
يعتبر عملاً لا يليق يمكانة القائد العام إلا أن رؤية الأهرامات جعلته يعلق عليها تعليقاً 
غير عادى » إذ صعق مونج عندما سمعه يقول إنه طبقًا لحساباته فإن الأحجار 
المستخدمة فى بناء الأهرامات الثلاثة تسمح ببناء ,سور ارتفاعه ثلاثة أمتار حول فرنسا 
(وقد تأكد الرياضى مونج من صحة هذه الحسبة ..) . غير أن ج . س - هيروك - 
أفضل المؤرخين البريطانيين للحملة - يشير إلى أن بونابارت «وكان قادرا على تقييم 
جدوى ما هى عديم الجدوى» شجع هذا النوع من الأبحاث بعد أن شعر بأتهتا ستعود 
على يلاده يمكانئة عظيمة .. وما أن صدر هذا التشجيع إلا وانطلق عديد من أعضاء 
اللجنة العلمية على الرغم من أن تكوينهم العلمى لم يكن يؤهلهم لأداء دور «الأثريين» 
فى رسم المعابد وألبارولييف ونسخ الهيروغليقيات على قدر الإمكان وذلك لصالح الذين 
سيعملون على كشف الأسرار التى كانت لا تزال تحيط حينذاك بحضارة الثيل » فكان 
من بين هؤلاء من کان مساحًا مثل شیلار دی تیرچ * وچواوا أو دوبوا - إيميه ٠‏ أى كان 
عالم جغرافيا مثل جومار أو عالم فيزياء مثل مالوس أو أحياء مثل دولوميى أى عالم 
لغويات مثل جان - جوزيف مارسيل أو رساما مثل دوتارتر 

وكيف يمكن التعريف بالأعمال التى نض بها معهد مصر باقضل من نقل ما قاله 
أحد المشاركين فيها ومن شاهد قريد عليها ؟ فقد كتب جوفروا سانت هيلار 
إلى صديقه كوقييه يقول : «إننى أعيش فى المركز من يوتقة حية من الأنوار (...) إننا 
نهتم بكل نشاط بجميع المسائل التى تشغل الحكومة وبالعلوم التى تطوعنا بإرادتنا 
لخدمتها» (2) . 

أما المؤرخ المصرى عبد الرحمن الجبرتى الذى وصف الحملة فى موضع آخر 
بأنها «موجة من الكوارث الرهيبة» فننقل عنه هذه الملحوظة الجميلة عن مكتية المعهد : 
If‏ تقدم أحد المسلمين (. ..) استقيله الفرفسيون (: ..) معبرين له عن سعادتهم بهذه 
الزيارة خصومنًا إذا ما اكتشفوا فيه الدراية وامعرفة والامتمام بدراسة العطوم (...) 
كان ذلك بالفعل يخلب SLI‏ . فقد زرت هذه المكتبة عدة مرات ...» ( 

إذا كانت الحملة تعتير كارثة سياسية وعسكرية لوثتها أعمال مروعة لا يمكن 
حصرها(نجح بونابارت وقد كان عبقريًا فى أعمال البروباجندا فى تحويلها إلى ملحمة 
جرت فى بلاد بعيدة وغريبة حتى يتمكن من فرض سيطرته فى (شهر «يرومار» الثورى) ... 


+ الذى حور اسمه إلى دوقيلار إبان المرحلة الجمهورية . 


41 


إلا أنها كانت من وجهة نظر علم المصريات - الجنينى قى ذلك الوقت - فيضًا كريما 
Da‏ .. بل يمكن أن نتحدث بصددها - إذا اعتبرنا ذلك تلاعبًا بالأنفاظ أم لا بأتها 
كانت بمثابة عملية قيصرية .. إذ أنها أهدت دفعة واحدة إلى هذا العلم الوليد ثلاثة 
كنوز لا تقدر بثمن ألا وهى : حجر رشيد ؛ وكتاب «ريبورتاج» لقيقان دونون وكتاب 
وصف مصر . 

فى التاسع عشر من يوليى 1/15 أعلن المواطن ميكال - أنج لانكريه - في معهد 
مصر - عن اكتشافه فى رشيد عن مخطوطات «قد تکون ذات نفع کہیں» 3 . ولم 
يمض شهران على ذلك الإعلان أى فى Vo‏ سبتمبر إلا ونشرت صحيفة کورییه ديجيبت 
فى عددها السابع والثلاثين برقية مؤرخة فى ١9‏ أغسطس أثارت الأمل فى قلوب جميع 
الذين يهوتمون بحل لغز الهيروغليفيات - ومنهم على الأرجح الأخ الكبير من آل 
شامبوليون - الذى كان قد وصل لتوه لمدينة جرونويل للإقامة فيها حيث اهتم سريعا 
كما بسترى قيما بعد بكل ما يتعلق بالتاريخ القديم وبمصر على وجه التحديد 9 . 

«رشيد فى الثانى من فروكتيدون العام السايع " . 

«تم العثور وسط الأعمال التى قام بها المواطن دوتبول لتدعيم قلعة رشيد 
القديمة على الضفة الغربية للنيل (...) على حجر من الجرانيت الأسود الرائع . حبيباته 
رقيعة للغاية وصلب جد لدى طرقه (..) ارتفاعه ٠١‏ بوصة وعرضه ۲۸ بوصة ويتراوح 
سمكه من 3 إلى ٠١‏ بوصات *” توجد على أحد وجهيه فقط المصقول صقلاً ناعم 
ثلاثة مخطوطات مختلفة منحوتة فى ثلاث مجموعات من الخطوط المتوازية . المجموعة 
العليا - الأولى -- مكتوية بحروف هيروغليفية (...) المجموعة الثانية -- الوسطى - 
مكتوبة بحروف يعتقد أنها ,سريانية *** . أما المجموعة الثالثة فهى مكتوبة باليوذانية 
(...) تمت ترجمة جزء من النص اليونانى بأوامر من الجنرال مينى (...) يتيح هذا 
الحجر فرصة عظيمة لدراسة الحروف الهيروغليفية بل لعلها ستتيح فرصة إيجاد مفتاح 
لغزها . 


» حسب التقويم الثورى الفرفسى . 

چ ١,1١‏ متن , Ne‏ سمق؟! سم . 

+++ هى كما سترى حروف ديموتيقية أى النسخة الشعبية والمتأخرة للهيروغليقية . ومتذ شهر 
سبتمبر ۱۷۹۹ حدد اثنان من الملتخصصين فى معهد القاهرة وهما ج - ج - مارسيل وريمى راج هذه الكتابة 
الوسطى بأئها «حروف متصلة» . 


42 


«تم تكليف المواطن بوشار * (...) الذى كان يتولى الأعمال الهندسية (...) بنقل 
هذا الحجر إلى القاهرة» . 

يحدث كثيرًا أن يمر الباحثون دون أن يدروا بجوار الكنوز دون أن يروها . 
ولا يمكن أن ينطبق ذلك على مكتشفى هذا الحجر الرائع ولا يمكن أن نقول أن رؤيتهم 
كانت تعوذها الدقة : لأن هذا الحجر هى الذى أعطى «مفتاح» اللفز . إن الأهمية 
القصوى لهذا الحجر المكتشف وضحت تماما وللوهلة الأولى أمام أعين هؤلاء الذين 
شاركوا فى العملية - وهى ما يلقى الضوء على نوعيتهم الرفيعة - من يوشار إلى 
دوتبول ومن مينى إلى المحرر فى صحيفة الكورييه (المسئول عنها كما سبق ذكره هو 
جوزيف فورييه أمين عام معهد مصر والذی سنلتقی به فيما بعد ...) . 

أهمية الاكتشاف وقد تأكدت بهذه الطريقة لم تكن لتخفى على أحد وعلى وجه 
الخصوص على الإنجليز . فبعد أن أجبروا مينى الذى تولئ بعد بوتابارت وكليبر على 
نصف استسلام فى أغسطس 14.١‏ أصروا على ضم حجر رشيد إلى غنائمهم 
الحربية . وعلى الرغم من عناد مينو وإصرار أعضاء المعهد ** فقد أخنوه إلى 
«البريتش ميوزيوم» .حيث لازال يجلس على عرشه فيه . وقد اضطر الباحثون الذين لم 
يتمكنوا من السفر إلى لندن إلى الاعتماد فى أعمالهم على نسخ غير دقيقة منه . ومن 
هؤلاء جان فرانسوا شامبوليون . 

وقيما كان اللوح المقدس لعلم المصريات يتم الكشف عنه كان دومينيك قيقان 
دونان *** يستعد لترك مصر على متن الفرقاطة لامويرون إلى جانب الجنرال القائد 
العام ومعه أقرب القادة من معاوثيه (مثل بيرتيه ومورا ولان ومارمون) وكذلك مونج 
وبيرتوليه . ولكن لا يمكن أن نقول أن هذا الأبيكورى (المحب للحياة) المقدام كان يغادر 
البلاد وأيديه ورأبسه فارغة . فهو سيعطى إلى كل ما أنجزه وهى بجوار الجنرال دوسى 


* الملازم أول بيير بوشار . ضابط مهندس ۲۷ عاما » تمت ترقيته إلى رتبة النقيب بعد اكتشافه هذا 
بفترة قصيرة . 

*#» «سمح الجنرال هاتشيسون للعلماء بالاحتفاظ يمجموعاتهم إلا أنه أصر على الاحتفاظ بحجر 
رشيد الذى تركه له مينى وهى يحتج : «إنك تريده يا سيدى الجنرال ؟ فيمكنك إذن الاحتفاظ به مادمت أتت 
الأقوى ...» (راجع ح . س . هيرود . يوثايارت فى مصير , الناشر : بلون 1955 (EU ua:‏ . 

+٭+× «فيقان» مثله مثل «نوميئيك» هى جزء من اسمه المركب من اسمين أما لقبه دينون فكان يكتب فى 
كلمة واحدة حتى خلال النظام الذى سيق الثورة خلافًا لما يتردد كثيرا من أنه تركيبة من حرف «دو» وكلمة 
«نون» وهو الحرف الذى يدل على الانتماء إلى أسر النبلاء فى النظام الملكى السابق على الثورة : أب شيشان 
كان رجلا عاديًا . 


43 


فى صعيد مصر بريقًا ستتردد أصداؤه وتؤثر Lalla DAS‏ على الرأى العام خلال 
السنوات الأولى من القرن يكاد يعادل تأثير حجر رشيد فى تأسيس علم المصريات أى 
على الأقل فى التقديم له . 

كان بونابارت قد ضمه إلى الحملة على مضض تحت إلحاح جوزيفين حيث كان يلمع 
ويثير البهجة فى صالونها باسلويه المرح الذى كان يتسم به العهد السابق على الثورة . 
ولم يكن عضوا فى المعهد وقد تعدى عمره الخمسين -- هذا القادم من مقاطعة بورجونى 
نى القلب الطيب الكبير والقلم المتائق كان يمثاية روح الحملة المتأججة وقناصها . ويبلى 
أنه كان ضمن القلة القليلة من «العلماء» الذين لا يدخلون قى زمرة الكوادر الخاضعة 
للنظام العسكرى . وكان ينظر إليه على أنه «ضيف» الجنرال القائد العام . 

وإذ كانتٍ تربطه علاقات صداقة بمينى فى منطقة الدلتا ويدوسيه فى صعيد مصر 
كان يبل حرا تمامًا فى تحركاته . كان يشاهد فى كل مكان من الإسكندرية إلى 
الأقصر يرسم المعابد والمعارك وصورا من الحياة الشعبية . إلا أن أكثر ما سيثير 
إعجابًا مستحقًا به هى حصباد أعماله قى الصعين,ٍ , شارك عن قرب فى المعارك التي 
أبرز المترجم لحياته (إبراهيم غالى) وحشيتها 7 عن صدق وفى الحياة الصعبة 
اليومية للجنود . مما أثار احترامهم له . ثم بفضل ثقة كل من دوسيه ونائبه بيليار * 
لم يتوقف عن استخدام موهبته وثقب رؤياه وهدوء أعصايه الذى ساعده كثيرا فى 
ظروف بالغة الصعوبة - من القيام يتنفيذ رسوماته المتى صنعت شهرته العظيمة . 

ویروی أناتول فرانس فی مقال خصه به فى صحيفة «لافى ليترار» (الحياة الأدبية) 
بعد أن عجز عن إيجاد الوقت اللازم الترجمة لحياة هذا الرسام الذى انضوى تحت 
لواء الثورة (والذى يشيه فى أعماله الرسام فراجونار) . وقد رسم لنفسه لوحة جميلة 
معروضة قى مسقط رأسه شالون حيث تراه شخصية متحدية وساخرة » لون بشرته 
وردى وأنقه ينم عن الشجاعة وعينه تتكامش تحت قبعة زارع كرمة مصنوعة من البوص . 

يروى أناتول فرانس عنه هذا الحدث الذى يلخص جيدا براعة هذه الشخصية 
الأييقوريه المقدامة : 


3 أخذ يرسم . وإذ هى قد أشرف على إنهاء عمله مرت رصاصة وهى تصفر 
قوق الورقة التى أمامه . فرفع رأسه ورأى أحد الأعراب يقوم بتعمير بندقيته .. مد بده 


* استعان بيومياته عن المعارك فى كتاباته . 


44 


إلى سلاحه الممدود على الأرض وأتحف الأعرابى بطلقة فى صدره ثم أققل حافظة 
أوراقه . .. فى المساء قال له الجنرال دوسيه «إن خط الأفق فى رسمك غير مستو - 
أجايه دينون قائلا .واه ! إن هذا خطأ الإعرايى إِذْ أنه أطلق رصاصته مبكراً !» . 


فلنستمع إلى قيقان دونون ذاته وهى الذى وصف ذفسه بأنه «جندى - أكروياتى» : | 
«لا كان يتحتم علينا ملاحقة عدى دائم التحرك على فرسه فإن تحركات الفرقة كانت | 
باستمرار متعددة وغير متوقعة .. فكنت لذلك مضطراً فى بعض الأحيان أن أمر مرور 
الكرام أمام الآثار الأكثر أهمية (...) رسوماتى نفذتها فى معظم الأحيان فوق ركبتى 
أو فى الوضع واققًا أى حتى وأنا ممتطيًا فرسى . .. فلم أتمكن قط من الانتهاء من واحد 
منها وفقنًا لإرادتى .. إذ لم أنجح عبر عام كامل من إيجاد لوحة منصوبة بشكل جيد 
يمكتنى أن أضع مستطرتى فوقها» . 

غير أن ما يعطى قيمة لهذا الريبورتاج المدهش عبر الحرب وعبر القرون فهو 
الحس الجمالى للرسام الذى تمكن قبل شامبوليون من اكتشاف جمال فن لم يكن 
us‏ حتى ذلك ك الحين وی يدهشة المساقن لقدمه الأسطورى وأبعادة المتثاهية 
الضخامة » كما يعطيه قيمته أيضا التفانى من أجل العلم الذى دفعه إلى نسخ كتابات 
هيروغليفية لا يقهم منها شيئًا لعدة ساعات متواصلة معرضا حياته للخطر وفى جو 
حرارته خائقة . 


ويقول دينون «إن نقش هذه الكتايات ثم بوضوح الصراحة لدرجة أنى أعتقد أن 
المصريين كان لهم طريقة خاصة لصب معدن أدواتهم لنحت الجرانيت . إن كل هذا 
النحت أجرى بواسطة الحفر ليبرز المنحوت داخل فراغ عمقه بوصتين وقد احتفظ بدقتة 
بصورة تكير الإعجاب» (إن هذه المللحوظة سبقت ملحوظة شبيهة بها تمامًا قالها 
شاميوليون يعد ذلك بثلاثين عاما) . | 

هل كان قيقان دونون ذا «نوق فنى سىئى (25) كما قيل عنه بعد ذلك ؟ إذا كان 
رأيه فى تمثالى (ماردى) ممئون أنهما «غير جميلين ولا سحر فيهما» - وله كامل 
الحرية فى عدم محاسبته على ذلك - فإن الإعجاب الذى أثارته فيه مشاهدة الأهرامات 
ایی الهو ر ر ea qe ue‏ كانت هذه الرأس تنقصها ما 

تفق على تسميته سلامة الأسلوب . أى الأشكال الممشوقة القوام والمتعالية التى صور 
Le‏ الإشويق الههم فإن أحذا لم يف قط هنا الوجه حقه فى جمال بساطته ومرور 
الطبيعة الهادئ والممتد طويلاً فوقه وهى بالفعل يستحق كل الإعجاب» . 


45 


أما ما قاله عن معبد «تنتراه (يطلق عليه اليوم اسم دتدره) فقد أصبح قولاً مكثورا : 
«لن أجد قط تعبيرا يعكس ما أحسسته عندما كنت على عتية تنترا … وددت لی أمكننی 
رسم كل شىء ولكنى لم أجرق على مسسك القلم re.‏ ل 
سمو ما تعجب يه عيذاى وإنى ساحط من قدر ما أردت تقليده …. .لم يحدث فى أى 
مكان آخر أن وجدت نفسى محاطًا بمثل هذا القدر من الأشياء التى تثير إعجابى .. 
أخذت .. .. والقلم فى يدى . .. gel‏ من شىمر إلى آخر يشاغلتى أحدهم عن الآخر مجذوب 
لذلك دائمًا ؛ ينتزعئى منه شىء آخر دائمًا ٠‏ كانت تنقصنى عيون وأيد ورأس أوسع 
يمكنها أن تشاهد وترسم وترتب كل ما ذال إعجابى . كنت أخجل من عدم كفاية 
الرسومات التى تقلت يها كل هذه الأشياء المتسامية . ولكنى كنت أريد الاحتفاظ 
بذكراها (...) كنت أخشى أن يهرب منى دتدره إلى الأيد» . 

وفى دندره أيضا عرف كيف يجد الوقت وكيقف يمضى ساعات طويلة مضنية - 
بإيعاز من المساحين الشباب جولوا وقيلار دى تيراج الذى يثير وعيهم يعيقرية الفن 
المصرى الدهشة والإعجاب - من أجل نسخ «الزودياك» المشهور أى خريطة السماء 
التى سوف تثير فيما بعد - حول تاريخ البشرية - مناقشات حادة سيضع لها 
٠‏ شاميوليون حذا بعد ذلك بربع قرن * 

مهما بلغت مشاعر قيقان دونون من الحدة فقد عرف كيف يضيف إليها الذكاء 
العلمى .فهو سريعا ما اقتنع بأن «الهيروغليفيات المنحوتة فى الحوائط لم تكن الكتب 
الوحيدة لهذا الشعب العالم» وقد اكتشف فى مدينة جابى لفافة من ورق البردى فى يد 
مومياء نشرها عام 1۸٠۲‏ مع مجموعة من الرسومات المنقولة يطريقة الجرافور (الحفر) 
ضمها إلى الطبعة الأصلية لكتابه «رحلة إلى شمال مصر وصعيدها» وهى تشكل 
حجر رشيد أحد المستندات التى سينكب عليها الباحثون وعلى رأسهم وأفضلهم جميعا 

ما أن عاد فيقان دونون إلى القاهرة (يوليى )١59‏ استقبله يونايارت على الفور . 
وتحت سحر مارواه له مدعمًا بالرسومات التى أراها إياه توصل الجنرال إلى خلاصة 
yes‏ : ففى ۲۷ تیرویدور عام ۷ (وهى اليوم ذاته الذى اكتشف فيه حجر 

...) أصس مرسوما بإنشاء لجنتين يرأس كوستاز إحداها ويرأس فورييه 

الأخري أنيطت يهما مهمة زيارة ودراسة آثار مصر القديمة فى الصعيد درابسة علمية 
ونسكها بكل دقة à‏ رسما : وهكذا ففى الوقت الذى كان يستعد فيه للاعتراف يهرويه ذاته 


* راجع الباب ١١‏ 


46 


بفشله السياسى والعسكرى ويفقدانه لمصر الحديثة بدأ بونابارت غزو مصر عريقة 
التاريخ الذى يمتد لآلاف السنين . ومثلما ترك هروب الجنرال القائد العام داخل 
الجيش أثرا كله مرارة فإن انسحاب دونون كان له تأثير سىء على زملائه فى المعهد 
المصرى . إذ كانوا ينتظرون منه تقريرا عن مهمته وشعروا بأن عودته المبكرة إلى 
باريس ستدقعه إلى الكشف عنها مما سيعود عليه بالمجد وذلك على حسابهم هم وأنه 
سيسوق لذاك حجة أنه لا يمكنه أن «يمنع مواطنيه من الانتفاع من الثمار التى جناها 
(هو) وكلفته (هو) كل هذا العناء ..» من ذا الذى يمكنه ألا يغقر لهذا المراسل الذكى 
والمقدام أنه ضمن لنفسه «خيرًا خاصا» (سكوب بلغة الصحافة) حتى لو كان حصل 
عليه بطريقة قيها شىء من الإجحاف بالنسبة للآخرين ؟ 

ابتداءا من 1407 ظهر فی باريس كتاب «رحلة إلى شمال وصعيد مصر إبان 
حملة الجنرال بونابارت » بقلم قيقان دونون وقام بطبع الكتاب « الأصلية مكونة من جزء 
من القطع الريعى النص ومن جزء فى حجم (الأطلس) أو الأطلنطى للصور . وكان بياع 
لدى المؤاف بشارع ح . روسى ولدى المطبعة فى أروقة اللوش . 

بخلاف المقدمة - وهى الخطاب الذى حرره دونون لإلقائه أمام زملائه فى معهد 
مصر - فإن الجزء الأول يتكون من جزئين : قصة الرحلة وشرح للوحاته وواحد وأريعين 
لوحة التى يتضمنها المجلد الثانى وتضم كل لوحة منها تقريبًا عدة مواضيع (وبعضها 
ينفرد بموضوع واحد فى صفحة كاملة مثل المنظر الليلى البديع لميدان الأزبكية فى 
فترة الفيضان) * . 

إهداء هذه الطبعة الأولى من الكتاب كان بطبيعة الحال إلى بونابارت . وقد عرف 
الكتاب أربعين طبعة خلال ذلك القرن وهو نجاح فاق نجاح كتاب قولنى ولم يتفوق عليه 
فى ذلك الوقت سوي كتاب عبقرية المسيحية (لشاتى بريان) وقد نشر فى العام ذاته . 
وقد جاء فى الاهداء : «... ستستقبل أورويا - وقد عرفت أنى كنت فى صحيتكم فى 
إحدى أكثر حملاتكم تعلقًا بالذكرى - كتابى هذا ياهتمام كبير . لم أهمل أى شىء 
لكى أجعل منه جديرا بالبطل الذى أردت أن أهديه له (...) إن ضم بريق اسمك إلى 
عظمة آثار مصر يعتبر ريطًا لعظمة أمجاد قرننا هذا بالعصور التى تتخطى بعظمتها 
الأساطير ...» . 


+ حفر دستة من هذا اللوح تم بيد دينون نفسه . ويجب أن نسجل هنا البراعة التكنيكية المتمثلة فى 
حفر هئات من الرسومات خلال الفترة الزمنية القصيرة التى تفصل عودة دونون ونشر كتابه . 


47 


وإذ كان متلقى هذا الإهداء قد أصبح القنصل الأول فقد ظهر ابسمه على رأس 
المائتين والأربعين مشتركا فى اقتناء الطبعة الأصلية يسبق اسمى كامباسيريس 
ولويران القنصلين الآخرين كما يسبق أسماء تاليران وفوشيه وملكى أسيانيا ويروسيا 
والسفراء وأصحاب الينوك والفنانين والتجار وهدد كبير من الإنجليز وقدماء الحملة على 
مصر وا لأتسة هنرى عضو مسرح الفنون وتالا من المسرح الفرنسى وفوإنى ولانجلاس 
وكاترومار * ... وأخيرًا أكثرهم أهمية جميعا على الرغم من المظاهر دوكرى أمين مكتبة 
مدينة جرونويل ** ذلك لأننا متاكدون أن الشقيقين شامبوليون قد تمكنا من الاطلاع 
على هذا الكتاب المثير ومئ التآمل أمام هذه الصور المثيرة للإيداع وقد أتيح ذلك للاخ 
الكبير عندما انتقل للاقامة فى هذه المدينة عام ۱۷۹۹ والثانى عام ٠۸٠١‏ . 

أما الكنز الثالث الذى عاد به مشاركو بونابارت فى رحلته البحرية ققد ظهر بعد 
ذلك بفترة طويلة . فإذا كان كل ما احتاجه النشيط دونون لتحرير وحفر ونشر 
ريبورتاجه المصور لم يتعد السنتين مفضادٌ أن يحتفظ بطابعه «البدائى» الذى تركه فى 
نفسه كرحالة مبهور فإن الفترة التى احتاجتها اللجنة العامية التى عادت من الشرق 
عام \A: ١‏ كانت عشرين عامًا كاملة وأكثر لتنشر من A۰ À‏ حتى ۱۸۲۷۲ عملها 
الضخم وهو عبارة عن تسع مجلدات من النصوص فى القطع الكامل (فوليو) وأحد 
عشر مجلدا من اللوح قدمت للجمهور تحت عنوان «وصف أى مجموعه الملاحظات 
والأيحاث التى تم إجراؤها فى مصر إبان حملة الجيش *** الفرنسي» . نشر بأوامر 
من صاحب الجلالة الإمبراطور نابليون . هذا العمل الذى جاء ليكمل ويحدد عمل ثيقان 
اتون لتم یی وی بر کہ يقول جان قاركوتار «القاعدة التي أمكن تشييد علم 
المصريات فوقها» (7 


ستحاول بطبيعة الحال قياس مقدار التأثير المباشر على الشقيقين شامبوايون 
لهذا البعث الذى طرأ على الموضوع الذى ولعا به - وقد ازداد هذا التأثير حدة لدى 
الأخ الأكبر - جاك - جوزيف - إذ أنه سيشارك فى تحرير مقدمة الكتاب التى أنيط 
بها الأمين العام السايق لمعهد مصر جوزيف فوربيه من قبل اللجئة وكان قد أصبح فيما 
بعد محاقظًا لمقاطعة الإيزار . 


. شخصيات ستلتقى بها فيما يعد‎ x 
ea أسم آخر سيرد كثيرًا فى هذا السرد‎ x 
. مركرًا على الجيش وحده‎ al GG ot all Ga max 


48 


فى انتظار ذلك تنسجل أن كتاب الوصق -- بعد كتاب الرحلة لقيقان دونون - عمل 
على خلق جو عام , إذا ما قورن بذلك الذى ès die pes‏ الولع بمصر (الإيجيتومينيا) 
فى القرن السابق » يعتبر مصطنعا وسطحيا فى عشرات الأعوام الأولى من القرن 
التاسع عشر . استولت مصر على الأنظار واحتلت صورها مخيلات الناس بواسطة 
الكتب والصور المحفورة والأشياء والأثاث والأعمدة . وإذ ارتبطت لفترة طويلة 
بالأسطورة الإمبراطورية (النابوليونية) قإن هذه الصور الملحة لم تتأثر بل قاومت 
كوارث أعوام 1415 و٥۱۸1‏ * . 


إن الذى أوصل السحر المصرى الذى سيطر على الألياب أو على الثقافة إلى قمده 
كان مشاركة أعظم كتاب العصر فى ذلك . ففى يوايى ١405‏ توجه فرانسوأ رونيه لى 
شاتوبريان إلى الشرق فى رحلة قادته إلى أثينا وأزمير وبيرجام والقدس ويافا 
والإسكندرية والقاهرة . 

لم يقم صاحب كتاب «ناتشاز» برحلته ليصفها مثلما فعل ساقارى أى قولنى وإنما 
قام بها من أجل الملحمة المسيحية التى كان يفكر فيها . ولکی يضفی أيضنًا جوا من 
الترقب ومن المجد ومن الوجد إلى الموعد الذى حدده - قى أسبانيا - للقاء ناتالى دى 
نواى ... وتجدى الإشارة إلى أن نشر كتاب «الشهداء» الذى كرس سفره الحادى عشر 
كله لمصر ؛ سبق يعامين نشر الرحلة من باريس إلى القدس الذى لا يحظى فيه وادى 
التيل سوى يباب واحد كتب فى عجالة . 

عوملت مصر فى كتاب «الشهداء» معاملة خاصة : «زرت طيبة ذات ت المائة باب 
وتنتبریس * ذات الآثار الرائعة ويعضا مئ الأريعين ألف مدينة التى يمر عليها النيل 
عير مجرأة» ياه !! أريعون ألفا ... شىء جميل أن يرى أحدهم أن مصر «يقرة ولأدة» 
وأن أهراماتها «يواباتها الجنائزية» غير أنه ليس فى مثل هذا الكتاب كان يمكن للشاب 
شامبوليون أن يجد ما يشفى ويرضى ولعه علما بأئنا نعرف أنه قرأه دون أن يثير حماسه . 

كما لم يرضيه كتاب «الرحلة» الذى نشر عام 148١١‏ إن القفيكونت دوشاتوبريان 

يعتقد أنه رأى «بالعين المجردة» أيا الهول من قمة قلعة المقطم (عشرون كيلومترا تفصل 

بينهما) وهو لم ير داع للذهاب إلى منطقة الأهرامات فقد منعه الفيضان من ذلك على 
حد قوله . 


* هزائم نابوايون المتوالية والتى أدت إلى سقوطه (المترجم) . 
** تسمية مختلفة (يونانية) لدندرة . 


49 


وقد كلف القتصل بالذهاب إلى هناك «ليكتب اسمه على هذه المقاير الضخمة 
مثلما جرت العادة وذلك عند أول فرصة ساتحة» NN TN EE‏ 
التى تخصهاأ بركات عبقريته الشاردة . 

جرى إثراء مجموعة المراء جع التى سيعتمد عليها شامبوليون قى معالجته الغز 
الأكبر فى تلك السنوات ‏ بأعمال واكتشافات وملحوظات قام بها قلاثة من الرحالة 
المقدامين » إثراء أقضل وأقوى من صفحات شاتويريان المتعجلة . وهؤلاء هم عالم 
التاريخ الطبيعى المولود فى مدينة تانت » فريدريك كايو » والنحات المرسیلی چان - 
جاك ريفى , والإيطالى الساحر جان باتيستا بيلزوتى . الأول عاد عام 1414 من حملة 
جسورة فى وادى النيل حيث قام بالتنقيب عن الآثار حتى أبى سمبل وأطلع الأخوين 
شاميوئيون على «لوحة الملوك» التى اكتشقها فى معيد رمسيس الثانى فى أبيدوس 
والثانى كان منقيًا لا يعرف الكلل يعمل لحساب القنصل دروقيتى وفر لهما كمية ضخمة 
من نسخ للمخطوطات وذلك فى بداية العشرينات من القرن . أما الثالث فهى الذى كان 
ينقل القرون الزمثية والجبال من طيبة وممقيس حتى أنه نقل وعرض فى باريس مقبرة 
سيتى الأول مما أوصل حمى موضة الولع المصرى إلى ذروتها عام 1877 * . 

الملف المصرى الذى انفمس فيه الباحثون عن حل لغز الهيروغليفيات فى بداية 
القرن التاسع عشر كان يتكون من نوعين من المشاركة : الأول أصحايه هم 
«المستشرقون» والآخر «الأثريون» . 

الأوائل هم - من هيرودوت إلى ماييه ومن فوردن إلى قولنى ومن دونون إلى 
بلزوني - الذين ذهيوا إلى المواقع ذاتها لزيارة أو دراسة آثار حضارة ظلت قائمة 
وصمدت أمام الكوارث والتحريم وفقدان ذاكرة الكلام حتى لو كان ذلك من خلال 
دراستهم للسكان الأقباط الذين رأى منهم العديد من الزوار نيض التراث المهشم 
للقرون العظيمة الفائتة 

أما الآخرون فييدون أقل مصداقية . فقد حاولوا من خلال مستئدات مشكوك فى 
صحتها فى كثير من الأحيان وهى على العموم منقولة وغير مفهومة فى يعض الأحيان 
الأخرى - أن يعيدوا تكوين جماليات ولغة ومعانى الثقافة الفرعونية » من هؤلاء على 
سبيل المثال الأب أثناس كيرشار وجوزيف دى جينى والأب بارتيليمى وجابلونسكى 


» بيعت هذه المقبرة فيما بعد إلى انجلترا . 


50 


وواير يورتون والدبلوماسى الدانماركى زويجا وشارل دويوى والكساندر لوتوار وعالم 
اللغويات الفرفسى سيلقاستر نو ساسى والنبيل السويدى أكربالد وعالم الطبيعة 
الإنجليزى يائج . 

يبدو أن جان - قرانسوا شامبوليون قد أعطى اهتماما أكبر للأوائل . فهم الذين 
أتوا بوقائع وملاحظات يمكن التأكد من صحتها ؛ عن الآخرين الذين اتسمت أعمالهم 
بوفرة ما تقدمه من افتراضات ونظم تفكير عشوائية . ولكن لا يعنى ميله للسخرية من 
هؤلاء «الأثريين» أنه أهمل مداخلاتهم .. 

فى الوقت الذى أطلق بونابارت أسطوله من المحاريين والعلماء فى اتجاه مصر 
كان جان - فراتسوا شامبوليون البالغ من العمر سبع سنوات وخمسة أشهر قد تعلم 
لتوه القراءة فى كتاب صلوات القداس المملوك اوالدته . وذلك يجعلنا يعيدين عن 
الأسطورة التى تضعه فى زمرة مجموعة عام 4۸ أما SN EN‏ چاك - چوزيف 
فقد كان قد بلغ حين ذاك التاسعة عشرة . وكان ولوعا بمصر وكان يخطط - حسيما 
يقول - ليلحق إن عاجلا أى آجلا بالمشاركين فى الحملة المقدبسة فى القاهرة . وكان على 
العموم مهتمًا بالاطلاع على أعمالهم وتحركاتهم من خلال قراعته صحيفة لوركورييه 
ديجيبت على وجه الخصوص والتى كانت تتلقاها مكتبة مدينة جرونويل بعد شهر أو 
Cnil‏ من صدورها كما كانت تتلقاها (حسبما أوردت مدام هارتلوپان أقضل المحققين 
فى سيرة صاحب الكشف) مكتبة فيجاك . هل حاول بالفعل إثارة اهتمام ابن عمه 
النقيب أندريه شامبوليون الذى سافر من ميناء طولون فى مايو 1۷۹۸ بصحبة اللواء 
الثالك عشر الذى يقوده الجترال داريكى ولم تصله أى أنياء عته سويى لدى عودته قی 
١‏ ؟سنعود إلى هذا الحديث لاحقا . 

فى جميع الأحوال توجد علاقة قوية ومباشرة يمكن الكشف عنها بين حملة 
بونايارت وما أسفرت عنه (حجر رشيد ومارواه قيفان دونون وكتاب «وصف مصر») 
والاكتشاف الذى أدخل اسم شامبوليون فى سجل المجد . 


31 


١‏ - الحياة فى فيجاك فى عهد الثورة 


أين ؟ متى ؟ قيمن ؟ - لا توجد عيقرية : - فلاحى مقاطعة دوفينية - حرفة البائع 
ا لتجول ( حامل الخرج ) - جاك صاحب ا مكتبة وجاكو الساحر - الزوجة ا مريضة - 
ا مقصلة فى ا ميدان - ابن ا معجزة ؟ - كتاب القداس الذى حلت شقفرته - دوخ JUS‏ 


إذا أردنا فهم شخصية رجل » هل يجب أن تحرف أين وأ ؟ م لمل أن تعر 
متى وإد ؟ آم من صلب من ؟ إن كتَاب السير الشخصية لم يفصلو) فى الآمر بعد .. ! 
بعضهم د يعتقد أن مولد أحدهم فى أجاكسيو هو أهم العوامل" .واليعض الآخر يعتقد 
أن مولد المؤرخ له فى » أقسطس ١5١4‏ هو ذلك العامل المؤثر وذاك الآخر - فى 
النهاية - يقول : بل أن يكون أبوه جزاراً أو أمه عازفة لآلة البيائى . 

أما بالنسبة لچان - فرنسوا شامبوليون فقد ولد فی فیچاك » احدى المان 
الصغيرة التابعة لمنطقة كارسى الشحيحة الموارد والتى كانت لهذا السيب قليلة 
الاتصال بالعالم الخارجى .. ولد فى ۲٣‏ ديسمير عام ١15١‏ عن: أب صاحب مكتية - 
كان قبل ذلك بائعا متجولا ومن أم من أصل بورجوازى لكن أمية وظلت مريضة افترة 
هذه الأصول المتبايثة ولا هذا" اريخ الذى كانت الثورة ( القرنسية ) تاهب فيه Ga‏ 
إلى مرحلة شديدة الإضطراب من تطورها . 

فى بداية عام ١1/41‏ وصل إلى فيجاك شخص يدعى چان - قريديريك لو 
ريشيراى ويعمل مفتشا ملكيا للضرائب والمالية .. تلتأكد من أن أهل قطاع « جيان 
العليا » يدفعون الضرائب المفروضة عليهم يالفعل أى أنها ثقيلة على عاتقهم » وكان هذا 
المفتش يسجل إجابات السكان على الأسئلة التى يطرحها عليهُم فى « يوميات رحلة 
عمل ©(!) وهى تعطى قكرة عن الحالة المادية التى كانت عليها « دائرة » أو« بلدية » 
قيجاك . وتعد هذه النصوص مؤشرا لها تضمنته فيما بعد المطالب التى تقدمت بها 
منطقة كارسى فى عريضتها إلى « المؤتمر العام »** مثلما فعلت المناطق الفرنسية 
الآخرى . استهدف السؤال الأول التعرف على المنتجات المحلية : 


» إشارة إلى نابليون بونابارت - (المترجم) . 
*»* وكان عدد سكان فيجاك أكثر يقليل من ستة ألاف 


53 


الإجابة : « النبيذ والقمح والجاودار والقنب والتين والجوز والكستناء ؛ أما الياقى 
فهى غير جدير بالتسجيل . » 

س : مم تستخرج المواد الغذائية ويأى وسيلة ؟ 

ج : نحصل على الزيوت من منطقة البالانجو دوك » والجبن من مقاطعة أوفرنىء 
أما الباقى من بوردوعن طريق الأنهار أو بالعريات أى على ظهر الحمير » 

س : ما هى تعداد السكان ؟ 

' ح : « من المعتقد أن عدد السكان رجالا ونساء وأطفالا يقدر بنحى مائة ألف »" 

س : هل من عبقرى بينهم ؟ 

ج :- لايوجد. الناس فى قطاع شاتينيال أفظاظ: شديدى الالتصاق بمصالحهم - 
عنيدون ومش اكسونٍ ل يصبعب 
وخاصة في الريف والذكاء ضعيف فى الثقافة «. 

عن حالة الثراء أى الفقر ؟ 

» الفلاحون والفعلة يعانون من الفقر ويعيشون ليومهم ٠‏ ويعرفون الضتك الشديد 
إذا al‏ تعداد أفراد الأسرة » ويزدادون مرض ويؤسا إذا عرض منهم وأحد لفترة 
طويلة .. المستهلكون حالتهم العامة من ناحية الثروة عادية جداً سواء كانوا من الثيلاء 
أو من رجال القانون أو تجارا أى بورجوازيين . وقد يصعب على المرء - حتى لو أراد - 
أن يذكر أى استثناءات 

كيف يمكن تحسين هذا الوضع ؟ 

« سكان فيجاك وبقية القرى الهام الواقعة فى نطاق دائرتها يميلون العمل فى 
التجارة غير أن ضيق ذات اليد يمنعهم من عمل صفقات ذات أهمية كما أن حالة 
الطرق وعدم وجود انهار قابلة للملاحة في تتقيذ ماهو متاح أمامهم 6 

+ مؤتمر « ليزيتا جينيرى » “080161810 5135 ١85‏ يجمع ممثلين لمكونات الدولة فى العهد الملكى وهى 
ممتلى الكتيسة والتبلاء والقطاع الثالثك أو عامة الشعب .من جميع المناطق وكان يدعوة الملك 


لإدجتماع فى الحالات الحرجة . وكان آخر إجتماع له فى ۱A4‏ .وهو الذى مهد للكورة - 
(المترجم ). 


54 


| من المؤكد بالطيع أن أحداً لا يضخم من دخله أمام موظف الضرائب بسواء كان 
فردا أى مصلحة حكومية عامة .. ولكن من الواضيح أن هذه اليلاد فقيرة وأهلها ليسوا 

ومع ذلك فإننا نلحظ شيئين : أولاً : إذا كان الريف فقيرا و « المستهلكون» يعانون 
ضيق ذات اليد فإن بورجوازية مدينة فيجاك كانت فى شئ من رغد العيش . فعشية 
قيام الثورة أمكن إحصاء أريعة عشر معلما من صناع القبعات (من مجموعة سان 
كريبان ) وأربعة من البنائين وصانع قباقيب واحد مما يعنى وصول المنطقة إلى مرحلة 
من مراحل الحداثة . 

والأمر الثانى هى أنه لايبدى أن رجال الكنيسة كانوا يعانون من حالة الفقر 
السائدةلة) . ققد سجل السيدريشبراى الإجابة التالية على سؤال عن حالة الكنيسة 
المحلية وهى مؤشرا واضحاً على ذلك : « عشرون ألف جنيه غير خاضعة لأية ضريبة 
ويستفيد منها الكاهن رئيس كنيسة المقطاعة واثنان من مساعديه وشماس وثمانية 
قسس وأربعة رجال دين مكلفون أسبوعيا وأثنان من الدعاة وأثنان من الكتبة وثمانية 
عمال وموظفان Lilas‏ علمائى واحد -» 
يمتلك اقطاعية مركيزية مونبران ٠‏ أما بارونية كاسترنى دى بروتونى فهى ملك الدوق دى 
شوفروز أما الدوق دوزاس فهو أيضا بارون إقطاعية كابديناك .. » 

حركات العنف التى قام بها الفلاحون بعد ذلك بسبع سنوات ترجع أسبابها إلى 

لم تكن مقاطعة كارسى مركزا ثوريا نشطا .. غير أن أهلها كما جاء فى نص 
السيد / ريشيراى - كانوا » مشاغيين ومعاندين » وذلك هى مصدر هيمنة رجال 
القانون فى فيجاك التى ماتزال إلى يومنا هذا تطبع الروح السائدة فى هذه المدينة 
الصغيرة وهى تفخر بأنها بلد آل شامبوليون وكذالك المشرع فرنسوا بوتاريك الذى 
كان في ذلك الوقت ندا لمونتسكيق . 


55 


كاتنت الثورة الفرتسية فى الأساس شأنا من شثون رجال القانون وقد فرض 
رجال القانون فى فيجاك ريادتهم النشطة فى ذلك الوقت » وعندما بساءت الأمور بعد 
ذلك قامت المقصلة بأداء وظيفتها فى الميدان العالى : ولابد أن الطفل الذى ولد على بعد 
خطوتين من ذلك المكان عام ٠۷۹١‏ قد سمع صريرها وأدرك شيئا عن الإنتفاضات التى 
هزت المدينة .. خاصة وأن جاك شامبوليون - والد جان فرنسوا قد أنيطت يه يعض 
المسئوليات الخاصة بهذا الأمر بعد ذلك يثلاثين عاما مما حدا بالمحافظين من أهل 
جرونويل أن يطلقوا عليه كنية « رويسيير » .. ( سنحاول التعرف فيما بعد على أهمية 
هذه المسئوليات ) . أما الآن فنكتفى بأن ميلاده فى 7؟ دیسیمر ۱۷۹۰ تزامن تقريبا 
مع وقوع ثلاثة أحداث هامة عجلت فجأة من العملية الثورية : ففى الوقت الذى صوتت 
فيه الجمعية التأسيسية بالموافقة على بيان تعلن فيه تقديرها لجان - جاك روسى وقف 
جان - بول مارا يلقى خطابا ضد الملك كان بمثابة عريضه إتهام تنبئ بقيام الجمهورية 
التى طالب بها .. والحدث الثالث هو صدور قانون يوجب إرجاع أى إختراع لصاحبه . 

كان جاك شامبوليون - والد المكتشف - أصلا من مقاطعة الدوفينيه .. وقد أرهق 
بعض كتاب السير الشخصية من أقراد العائلة وغيرهم أنفسهم لتقديمه على أنه من 
أصل نبيل لفرع من عائلة شامبوليون من مقاطعة الجابانسيه والفرع الآخر من مقاطعة 
القالبونية . فهل كان حقا من سلالة إقطاعية ؟ كتب أحد المؤرخيين - فى كتابه سلسلة 
الأحداث العالمية . añulé aysgtl URI » : Chronologie universelle‏ « فك شفرتها 
«السيد دى شاميوليون” » وسيجد يعض المؤرخين الآخرين أجداداً من الضابط كانوا 
قريبى الصلة بالنبيل « دوليدجيار » شخص يدعى بيرانجية دى جويا » وأحدى مرافقات 
مدام دوتنسان ونبيل آخر يعمل إلى جوار دوق دورليان وكذلك أحد ياورا دوق دى 
شارتى فى جيماب » » وكلها محاولات تثير التعاطف إلا أنها لا تتفق مع الفكرة التى 
كانت لدى جان - فرنسوا شامبوليون عن أصوله .. فهى يفخر بأنه « قلاح حر » وذلك 
فى خطاب له سيأتى ذكره فيما يعد . 

توجد بالفعل أسرة تدعى « مارتان دوشامبوايون » كما هو ثايت فى بعض 
المستندات الخاصة بمقاطعة « دوفينيه » ويتعلق أحد هذه المستندات بوعد بدوطة لم 
تدفعها أسرة سيدة من عائلة دى جويا إلى أحد النبلاء يحمل نقس الاسم . ومن هذه 
السلالة نجد محاربين وقساوسة ومحاميين .. ولكن الابحاث التى قام بها الباحثون 


+ مقطع دى 06 الذى سدق اللقب فى القرنسية ينسب الاسم إلى إلاقطاعية التى تمثلها الأسرة وهى 
عادة ماتشير إلى نبل أصول صاحب الاسم ( المترجم ) . 


56 


الجروتوبليون" لم تسفر عن اكتشاف علاقة معلنة بين هؤلاء النبلاء المحاربين وعلماء 
الآثار القادمين من فيجاك . ومن ناحية أخرى وفى إحدى المذكرات المحفوظة فى 
أرشيف العائلة وممهورة بملحوظات بخط جاك - جوزيق ( الأخ الاكبر ) ورد ذكر 
بعض الأصول الايطاليه .. « شيبولي » ؟ « كامبوليونى » التقارب اللفظى واضح كما أن 
مقاطعة الدفينيه قريبة من مقاطعة البييمون الايطالية . إن حب جان - فرنسوا لإيطاليا 
سيظهر بوضوح فى مناسبات عدة واكن هل يتحتم الرجوع إلى الأجداد لكى يشعر 
يالحب تجاه هذه البلد ؟ 


أحد الباحثين ( من مدينة لاترونش ) من منطقة ليزار ويدعى que‏ شاموران يحدد 
موطن عائلة شاميوليون فى قرية من قرى بلاد الألب العليا » كان إسمها كاميول وس . 
تم تطور النطق لتصبح كتابته بالطريقة الحديثة الحالية 00|أ0م0081 . 

أما أحدث الأبحاث فهى ترجع أصول عائلة « شاميوليون » إلى تجمع سكانى 
صغير يدعى لاروش ٠‏ تابع لمدينة قالجوفرى "" بالقرب من مقاطعة قاليون » جنوب 
مقاطعة الوازين على بعد خمسة وثلاثين كيلومتر من مدينة جرونويل .. وكانوا فلاحين 
بسطاء أو بالأحرى فلاحين وتجار ويحملون بضاعتهم على اكتافهم إذ كانوا يهجرون 
واديهم المرتفع فى قصل البرد القارس يعد أن تغطيه الثلوج ليمارسوا مهنة التجارة 
الجوالة - وقد يصلون فى ترحالهم إلى مناطق تبعد كثيرا عن موطنهم .. وهذا النشاط 
كان يدر لكل بيت دخلا لايأس يه . 

ومن ناحيه أخرى قهؤلاء الباعة المتجواون كانوا - يجمعون معلومات كثيرة خلال 
رحلاتهم الطويلة يما جعل أهل وديان الوازان أكثر علما من كثير من سكان المإن 
المحيطة « وقد عثر الكولوتيل أوهارن خلال أبحاثه فى السجلات الكنسية على عدة 
توق يعات لأفراد يحملون إسم شامبوليون من قالجوفرى » ومنهم العديد من النساء وكان 
يعتبر ذلك شيئا يندر وجوده فى الوسط القروى والكاتوليكى فى ذلك العصر لا أنه 
مقدوره التوقيع باسمه . 


۳ ص ۱۲ إلى ؟؟ 
Hk‏ الاخ الاكير جاك - جوزي يف سيصبح قيما بعد عمدة هذه المدينة . 


اما البروتستانت فإن يجوب قراءة الكتاب المقدس كان برقع نسبة من يستطيعون القراءة والكتاية بيتهم. 


37 


هذا البارتيليمى تزوج من مارى جيريو ( أو جيرى ) التى أنجبت له خمسة أنجال 
إستطاعوا أن ينقلوا الأسرة من مستوى الفلاحة إلى اليرجوازيه الصغيرة : أحدهم 
أصبح « قنصاد » لمقاطعة فالبونيه - وهى مركز ذو أهمية محلية ب - والثانى كان يعمل 
« موقا للعقود » والثالث تزوج من إبنه احد تجار مديتة جرونويل ” والرابعة ولدت Lu]‏ 
ابسمتة « أندریه » وسنلتقی به فما بعد ضابطا فى الجيش فى مصر." 


آخر أبناء بارتيليمى ولد عام ۱۷٤٤‏ أسموه جاك .. ويبدى أن كونه أصغر الأبناء 
قد حرمه من الميراث مما نتج عنه حرمانه من التيار الصاعد الذى أخذ يقية أعضاء 
الأسرة إلى مستوى إجتماعى أعلى .… al‏ ستجدة فى المكانة التى كانت عليها العائلة 
فى الأصل : مزارعاً ويائعا متجولا . إلا أنه تتخصص فى بيع الكتب .. وقد راح يجوب 
الطرق وخاصة عبر الهضبة العليا وهى التى كان يعبرها البائعون الجائلون القادمون 
من منطقة جبال الألب .. وأخنته جولاته بعيداً وسريعا إلى مقاطع كارسى على بعد 
عدة أسابيع من موطنه فى الدوفينيه التى وصصلها فى أحد أيام عام 11/17٠١‏ . 

والسؤال الملع فى هذه الحالة هى : لماذا رحل بعيداً ويهذه السرعة ؟ ومهما كان 
والد جاك جوزيف وجان فرنسوا غير ميّال بطبعه للاستقرار فى المنزل فإن من حق 
الدارس أن يتساءل عن السبب وراء مايبدى للوهلة الأولى نفيا ... من المؤكد أن تخوم 
فرنسا وساقوا وسويسرا وإيطاليا تعتبر منطقة واعدة بالصفقات المريحة بالنسية لتاجر 
كتب جوال إذا قورنت بمنطقة كارسى المغلقة على نفسها والفقيرة طيقاً لما سجله 
ريشبرأى فى تقريره . فهل كان جاك شامبوليون ينقل كتباً ممنوعة التداول مما نتج عنه 
إبتعاده عن المنطقة الحدودية ؟ 

سنجد بداية لشرح ما حدث فى خطاب بعثت به مادام دولابرييار وهی حفيدة 
إحدى بنات أخ چان فرنسوا شامبوليون إلى جول مالريى رئيس جمعية « أصدقاء 
فیچاك العتيقة » : « .. فى تاريخ غير محدد ولأسياب يصعب أيضا تحديدها ولكنها 
كانت بالقطع سياسية » جرى طرد أحد أفراد هذه العائلة من آل شامبوليون من 
المحافظة وتم مصادرة ممتلکاته فيما بين عامى ١7665‏ و ١71١‏ وكان محبا للكتب 





* وهى سيساعد بدوره فى صعود نجم جاك - جوزيف . 
*» سيق ذكر هذا الموضوع وسنعود إليه فى الفصل الثانى من الكتاب . 


58 


ودارساً للغات ومثقفا .. ولكى يتغلب على النوائب فقد عمل فى المجال الذى يعرفه وهى 
بيع الكتب متجولا ٠.‏ وقد أوصلته الطرق إلى منطقة « اللوت . 


هل كان وجود قريب لحاك شامبوليون رجل الدين فى كنيسة سان - سوقير هو 
الذى شده ناحية فيجاك ؟ الأب بويا يدعى ذلك دون أن يأتى باليرهان . 

جاء فى أحد مستندات سجلات اللوت أن عمودية فيجاك هى التى أخذت مبادرة 
تمويل هذا البائع المتجول لكى يفتتح لنفسه محلا لتجارة الكتب حيث أن المدينة لم يكن 
بها هذا التشاط . 


وعلى الرقم من ذلك فإن جاك شامبوليون لم يتخل عن حياة التجوال بشكل نهائى 
إذا سنراه يتاجر فى أسواق المدن وخاصة سوق بوكار .إلا أنه نجح فى أن يكون له 
مقر دائه حتى لى لم يستقر هو نفسه Lot‏ وذلك لأن المال الذى أخذه من العمودية له 
لم يكن ذا شأن 


وكان زواجه من چان فرنسوا 5 salle‏ - وهى فى الثلاثين - عام \VVY‏ هق الذى 
سمح له بشراء دكان ومنزل مدركا بذاك شیا من الثراء ٠‏ 


والد چان - قرنسواز کان يعمل de at Ve Cas‏ کا on aa‏ 
الثييلة - غير أن العائلة كانت تفتخر يوجودل موثقين للعقود بين الأجداد ولعدة أجيال . 
كما أن والدة جان - فرنسواز كانت من عائلة تولييه وهى إبنة عمدة المدينة السابق . 
بزواج من هاه كلس دخل جاك وسط مجموعة صخار وجهاء فيجاك : 

غيران الذى يدهش ds‏ هى أن هذه السيدة ذات الأصول البرجوازية المضرية كانت 
لاتقرأ ولاتكتب . وقد ورد فی عقد الزواج المؤرخ فی ۲۳ ینایر ۱۷۷۳ « بین چاك 
شامبوليون -التاجر - المولود فى لاروش - دى - قالبونيه - وفرنسواز جاليو الإبنة 
الطبيعية والشرعية لجاك جاليو - تاجر - وهى تقدم له دوطة مقدارها أريعمائة جنيه 
fus‏ راجعها وتسلمها المدعى شاميوليون (. ٠‏ )» وقد وقع على العقد أحد عشر شخصا 
واكنه غير موقع من العروس « لأنها لاتعرف كيف تقوم بذلك »(4) 


59 


قبل ستة أشهر من العقد أى فى ١‏ پوليو ۱۷۷۲ کان چاك شامبولیون قد إشترى 
المنزل الذى سيقيم فيه مع أسرته ودفع نصف ثمنه فى إنتظار إستلام دوطة زوجته . 
غير أنه لم يشتر مقر مكتبته" إلا فى عام 114 وذلك فى الميدان الأسفل» (بلاس باس ). 
وكان يستئجرها قبل أن يشتريها - وذلك جعل منه صاحب مكتية موثق.() 

کون چاك أصبح عضرا فى برجوازية فیچاك وفيما بعد رب أسرة لم يمنعه من 
الاشتراك فى نشاط الأسواق الجوالة .. وقد نجد فی هذا الترحال أسباب مولد چان - 
فرنسوا - أو على الأقل أحد أسباب عودة نجلى « تاجر المكتب » إلى منطقة الدوفينيه 
- وقد أدت عودتهما هذه دوراً حاسماً فى إتجاهاتهما الفكرية » وفى تحالفاتهما 
ونجاحاتبما . 

مذ . القرن السادس عشر ومن بعده عصر التصحيع ۸60۲١١١8‏ 4ا وعلى الأخص 
فى القرن الثامن عشر أدى تاجر الشنطة أو التاجر المتجول أو سميه تاجر الخرج دورا 
إجتماعيا وخاصة إذا كانت تجارته هى الكتب . فهو ليس فقط حاملا للسلع يل هى 
أيضا ناقلا للأخبار .. إذا أنه ينشر الإشاعات السارية فى المدن والطرق العامة إلى 
أكثر القرى بعداً وعزلة .. فهو يختتلط بعامة الناس الذين لا أصل لهم المعدمين 
والشحاذين الهاريين من الطاعون ومن الحروب .. مثل هؤلاء زاد عددهم كثيرا فى نهاية 
القرن الخامس عشر سيب هجرة الغجر « المصريين » و « البوىشمان » وه الرومانيين » 
إلى قرب أورويا . 

كان هؤلاء الباعة المتجولون يحملون فى خروجهم بالاضافة للعاديات الديثية وصور 
القديسيين - مطبوعات أخرى تمت بوساطة الحفر على الخشب ( اكسيلوجرافيا ) 
وكان الكتاب يؤرق السلطات الدينية والملكية بسواء بسواء لما قد يحمله من أراء .. وكان 
يجب إذن التحكم فى إنتشاره .ومن ناحيتهم فقد قارم أصحاب المكتبات ذو العتاوين 
الثابتة إنتشار بيع الكتب عن طريق الباعة الجائلين بسيب صعوية التحكم فى تحصيل 
نسبتهم فى حقوق الطبع التى اشتروها من مؤلفى الكتب . 

من الناحية الرسمية كان لايحق للبائع الجائل أن ينقل أى يبيع سوى أشياء 
محددة مثل الكتيبات الدينية والنصائح العامة والتقاويم وكتب محو الأمية وروايات 


* أصبح فيما يعد محلا لتجارة الأقمشة » وهي الان « يقالة جملة A‏ 


60 


عص الفروسيه . وأضيف إلى القائمة فيما بعد مجموعة كتب« المكتبه الزرقاء » وكانت 
تطيع فى مدينة تروا ۲۲۵۷65 ( مركز صناعة الخردوات التى هى أهم بضائع الباعة 
الجائلين ) .. أما من الناحية الواقعية فقد أصبح بائع الخرج عاملا مؤثرا الغاية فى 
نشر الأفكار « الجديدة أى الهدامة » لعصر التنوير بوساطة الكتب . 


ويقول لوسيان فابر وه . ح مارتان فى مؤلفهما « ظهور الكتاب )أن الباعة 
الجائلين كانوا ينقلون قى خروجهم أشياء عديدة غير تلك المسموح بها .. وفى جميع 
فترات الأزمات لوحظ بانتظام تزايد عدد « رجال من المتشردين » الذين بييعون 
المنشورات والروايات خلسة فى أكثر الأماكن إزدحاما .. فى القرن السادس عشر تم 
حرق العديد من الباعة الجائلين أحياء وذلك لأنهم ضبطوا وهو يبيعون كتباً هرطقية 
وفى القرنين السابع عشر والثامن عشر فى فرنسا زج بالعديد من هؤلاء فى سجن 
البإستيل لأنهم كانوا يبيعون كتيبات سياسية مناهضة للحكم الملكى . » 

چاك شامبوليون لم يسجن فى الباستيل ولم يحرق .. لكن ما حدث على الأرجح 
هو أنه طلب منه أن يذهب « قى داهية » إلى أبعد مايمكن . ولهذا السبب فهو لم يذهب 
إلى إبنيه الذين أقاما بعد ذلك فى مقاطعة الدوفينيه وأصبحا من المشاهير ومتبوئين 
مراكز تجعله يفخر بهما" فى حين أنه كان كثير السفر فى إتجاه الشرق - أوبالأحرى 
الجنوب الشرقى . ففى كل عام تقريبا كان هذا البرجوازى المحدث من جييان العليا 
يشارك خلال شهر يوليى فى حمى اللهى والمرح والمكاسب التى تتيحها سوق بوكار . 

الأرباح كانت غير قانونية أحيانا .. فقد كتب مالزارب فى كتابه « بحث فى حرية 
الصحافة » يشير إلى هؤلاء « القوم الذين يهبطون من جبالهم ليتسوقوا الكتب من 
مدينة ليون ومن غيرها» . ثم يضيف « منذ سنتين أو ثلائة ذهب أحد أصحاب المكتبات 
الباريسيين إلى سوق يوكار ليصادر كتبا أعيد طبعها دون إذن » . 


بعد ذلك بقرن كامل وعلى الرغم من أن السوق كانت قد بدأت تفقد أهميتها 
ويريقها أشار الفونس دوديه فى روايته « نونا رومتان » إلى قوة تأثيرها على الجماهير 
الغفيرة بسبب « هذه الىشائج الأخوية الماسونية » التى كانت تريطهم بها : 


« كانت سوق بوكار ومازالت أسبوعين أو شهرا من حياة الحرية واللهو والمفاجآت 
فى معسكر للبوهيميين ... كل ذلك تحت مسمى المعاملات التجارية n‏ 


* لعله ظهر مرة واحدة هناك بصحبة إبنه البكر ولفترة قصيرة جدا . 


61 


هذه المجموعة متعددة الألوان من الإسبان وسكان ساردينا واليونانيين جلالييهم 
الطويلة وشباشيهم المطرزة والأرمن بعمائمهم المصنوعة من الفرى والاتراك بأرديتهم 
المزركشه ومراوحهم وسراويلهم القطنية الواسعة ذات اللون الرمادى ... إلخ ». 
من المؤكد + طبقاً للعديد من الشواهد , أن جاك بائع الخرج كان واقعا تحت تأثير 
هذا السحر وكل شئ يدل على أنه كثيرا ما كان ينغمس فى حياة « المعسكر البوهيمى » 
هذا ... ( حتى بعد إصطحابه لجاك - جوزيف إبنه الاكبر عندما راح يبحث عن عمل 
فى الدوفينيه ) .. لقد كان رجلا مرحا وميالا لشرب الخمر .. فهل نذهب إلى الاعتقاد 
بأنه أقام علاقات من نوع خاص مع بعضهن أو أن بعض الأشياء الغريبة التى مرت فى 
حياته ترجع إلى ذلك السيب ؟ أى أن يعض هؤلاء « البوشمانيين » أو« الفجر » أو« 
المصريه ,» " قد دخلوا حياته حتى اندمجوا فيها ودخلوا فى خصوصياته إلى أن ظهر 
فى فيد اك ولد صغير أسمر البشرة سرمان ما أظلقت عليه كناية د الشرقى » ؟ .هذا 
الوك الذى سيتحمس يسرعة لمصر ؟ ... تخيلات ... أم تهيئات ؟؟ كل شئ جأ 
ومع ذلك فإن أهم مراحل الحياة العملية لجاك شامبوليون قضاها فى فيجاك 
واعتبارا من عام ١1/18‏ ويعد ستة أعوام من زواجه كانت زوجته قد أنجبت له أريعة 
أطفال بقى منهم ثلاثة على قيد الحياة وأخذ وضعه المادى ينتعش .. فهى لم يكتفى بأن 
أعد خبيرا قى المكتبات يقوم بتقييم مجموعات الكتب التى يمتلكها نبلاء منطقة قوس - 
وهو ماتشهد عليه السجلات المحلية - بل أكثر من مشاريعه التجارية الصغيرة 
فاستئجر أراض زراعية » كما إشترى وظيفة ذات دخل فى الكنيسة ء وإشترى كذلك 
مقر مكتبته المطل على الميدان الأسفل ( 9 21966 ) وكان يستآجره حتى ذلك 
الوقت . وعلارة على كل ذلك فقد إشتر ى فى العام ذاتم | 111/4 ) مقر إقامته فى حارة 
لابودوسكورى وهى المنزل الذى ولد فيه جان - قرنسوا” 


يعتقد البعض أن كلمة ه جيبسى » أو غجرى كما تقول فى العربية هى تحوير كلمة ايجيسيان أو 
tree‏ - (المترجم) . 
»+ الذى أصيح منذ عام 1147 متحف شامبوليون .. لم يتفق المؤرخون على هذا التاريخ ( ١714‏ ) 
الذى ظهر فى الأوراق التى نشرها السيد / كالمون .. فقد نشرت الآنسة هونيك إسكات مقالا موثقا 
تشير فيه أن صاحب المكتية إشترى المتزل نحى عام 171/7 كما أنها توضح أنها أم تجد أى مستتد 
يوضح أصل هذا المبنى ( راجع مجلة ميدى - بيرينيه ) رقم 1١4‏ - أغسطس 154١‏ ) الأنسة 
إسكات هى التى عملت بنجاح على تحويل هذه الدار إلى متحف . 


02 


ويشكل عام - كما يقول أتدريه توال - المثقف المقيم بالمنطقة - كان صاحب 
المكتية شامبوليون رجل أعمال ناجح ( ... ) كانت مكتبة المدرسة المحلية ثرية جدا 
بالكتب وكانت تشترى مقتنياتها من مكتبة الميدان ( ... ) كما كانت تفعل أيضا عائلات 
فوكو دالزون ودوجاش ؛ ورابوتديج ... » كانوا يقتننون كتيا فى الزراعة والطب 
والقواميس المختلفة وكتاب « العصافير » تاليف بریسون ۱۷٦۰(‏ ( ..ى - الأغرب من 
ذلك كله - صدق أى لاتصدق - كتاب « هيروغليفيات القراعذة » لمؤلفة فارتريرون فی 
طبعته الفرنسية" التى ظهرت عام 711/44) 

توفى أول أبناء قرنسواز وجاك بعد مولده بساعات فى أكتوير ۱۷۷۳ وأسموه 
جييوم . ثم ولدت لهما إبنة - تيريز - بعد ذلك بعام واحد ثم بيترونيل بعد عامين ثم 
(جاك - جوزيف » فى 8 أكتوير 1714 الذى سيصيع الرائد والمشرف على صقر 
الأبناء جان - فرنسوا .. ولعلنا نقول بلغة هذه الأيام أنه كان مدير أعمال أخيه الأصغر 
.. بعد جاك - جوزيف ولد جان -باتيست الذى توفى وهى فى الثالثة- ثم ولدت مارى - 
جان عام 5 .. ويعد ذلك بثمانية أعوام كاملة احتفل آل شاميوليون بآخر العنقود : 
جان فرنسوا الذى سيدخل اسم شامبوليون فى سجل الأمجاد. 

كان هذا المولد غريبا من جميع الوجوه ليس فقط لأن المولود أصبح يما بعد 
شخصية فذة ولكن بسبب الظروف الفريدة التى أحاطت بمولده ويسيب الروايات التى 
ترددت حوله .. وستاخذ ذلك فى الاعتبار مع طرح الأسئله اللازمة . 

فى مؤلفها القيم * الذنى خصصته لمؤسس علم المصريات نقلت هيرمينى 
هارتلوبان فى 8715-7 رواية من هذه الروايات وذلك دون أى تقييم نقدى لها وهى تدور 
حول أعمال السحر .. مصدر الرواية الوحيد الذى يعتد به مذكور فى النسخة الأصلية 
باللغة الأمانية ( ص ۲ » هامش 5 ) وهذه المذكرة الهامشية لم تظهر فى الترجمة 
الفرنسية للكتاب التى ظهرت بعد ه عاما من الأصل الألمانى . والمرجع الذى ذكرته 
هو «مذكرة فى الفراسة الدماغية خاصة بشامبوليون الصغير » تليث على جمعية 
فرينولوجيا - باريس فى ۱۲ نوفمبر 1413 ونشرت فى ص حيفة هذه الجمعية 
N 8 [1 27 57613 (‏ 8) صاحب هذا البحث هو الدكتور جانان "” - وهى أحد 


» ستعود إلى هذا المؤلف فى الفصل التأسع . 
+« تربطه بجان , فرانسوا علاقات شبه أسريه . 


63 


تلامذة مخترع علم الفرينواوجيا ( لى الفراسة الدماغية ) المسمى «جال » - وكان قد 

وما كانت أتفه الظروف تعد ذات أهمية بالنسبة لتاريخ الشخصيات العظيمة فمن 
الواجب على أن أذكر علامه مميزة .. 

« كانت والدة شامبوايون تعانى من ألام روماتيزمية حادة جداً تمنعها من 
إستخدام أطرافها وقد حاولت دون جدوى أن تخفف من ألامها بالوسائل الطبيه .. إلى 
أن أحضروا لها قرويا لايعرف القراءة ولكنه أصيح مشهورا بسيب نجاحه فى علاج 
حالات عديدة قي الناحية » . 

« قام هذا الرجل بتدليكها بنبيذ ساخن بعد أن تم غلى أعشاب طبية فيه . . شريت 
منه وفى اليوم الثالث من هذا العلاج قامت من سريرها وقد برأت تماما من الداء .. 
ولكن الأغرب من ذلك كانت الذبىءة التى قالها هذا المعالج لمدام شاميوليون .. وكانت 
حينذاك فى الثامنة والأريعين وكانت قد توققت عن الانجاب منذ عشرسنوات .. فقد قال 
لها آنها ستلد إبنا فى وقت قريب وأنه سيشرفها .. وقد ولد شاميوليون الصغير يعد 
ذلك يعام . » 

كل ذلك لايوحى يأى ثقة . وعندما تتكرى هذه القصة على لسان سيدة إسمها 
مدام لاكروا فإن المدلك غير المعروف ينجح قى الحصول على إسم : « چاكى الساحر » 
.. كما تتضع الوصفة السحرية « شريت مرة واحدة كميات كبيرة من منقوع مغلى 
لأعشاب طبية وهى ممدة على فرشة من الأعشاب المغلية » .. كل ذلك مضاف إليه جملة 
تاريخية : « بشر جاكو الساحر مريضته بانها ستلد أبنا » سيصبح : عالما مستنيرا 
القرون القادمة . 

هل كان الهدف من هذه الأإسطورة هى إضافة لمسة إبهار لتاريخ رجل هو أصلا 
فى غنى عنها فأن ماحققه فى حياته قد فاق كل تصور ؟ أم أن الهدف كان التمويه على 
الرواية الحقيقية ؟ وهى أن تكون أمه الحقيقية من الأغراب أو يكلمات أخرى أنه واد 


* أما إيميه شامبوليون - فيجاك إبن آخ جان فرنسوا فقد ذكر القصة فى كتابه « رجلان إسمهما 
شاميوايون » ولكنه لخصها فى الجملة التالية على لسان الساحر : « ... طقلا سيسعدها » . 


64 


خارج إطار الزواج . هذا الافترض لا يدعمه فقط الحياة غير السوية التى عاشها والده 
وإنما أيضا عدم معقوليه الرواية الرسمية المزوقة التى تقول أولى إدعاعتها أن أمه ولدته 
وهى فى الثامنة والأريعين وهذه السن تعتبر متقدمه بالنسبة للقرن الثامن عشر علما 
بأن صحتها كانت معتله للغاية وكانت قد توقفت عن الانجاب منذ مايقرب من عشر 
سنوات .. ثم أن هذا الابن المعجزة لم يذكرها lai‏ فى جميع مراسلاته فى حين أنه 
أشار فى العديد من المرات وحتى مماته - أى بعد خمسة وعشرين عاما من وفاة مدام 
شامبوليون : شخص عزيز عليه للغاية قاته فى فيجاك . 

باختصار نقول أنه فی ۲۳ ديسمبر "۱۷۹١‏ ولد طفل فى حالة صحية جيدة بشرته 
سمراء وذلك فى المنزل الكائن بحارة لايود وسكورى . أما سجل كنيسة نوتردام دويوى 
فقمسجل به أنه تم تعميده بها فى ذات الليلة : « فى عام ألف وسبعمائة وتسعين وفى 
اليوم الثالث والعشرين من شهر ديسمير تم تعميد جان فرنسوا شامبوليون المولود فى 
اليوم ذاته من الزواج الشرعى للسيد / جاك شاميوليون تاجر الكتب وفرنسوازن - إينه 
جاليى - التابعين لهذه الكنيسة . أبوه الروحى هو چان - فرنسوا"" شامبوليون - 
طالب - أخوه .. وأمه الروحية ( اشبينته ) هى دوروتى جاليى - خالته وقع عليه أيو 
الطفل وأبوه الروحى والأم الروحية لم توقع . 

توقيع : شامبوايون -- القس بوسكيه - شامبوليون . 


الدار سادتها الحياة وضوضاء ثلاث بنات وولدين أكيرهم عمره اثنا عشر عاما . 
المدينة سادتها حمى الثورة المتفاعلة . التى لن تليث أن تحدث بها أيضا الهزات 
العنيفة التى عمت اليلد كله .. فى حين أثار الاطماع بيع « الأملاك الوطنية » وكان أحد 
الطامعين هو جاك شامبوايون الذى لم يترك الفرصة تمر دون أن يقتنى حقل عنب كان 


هه 


» كتاب ميشى« السيرة الدولية »وى« القاموس الاسيكلوبيدى لفرنسا » تاليف ف . لويا يذكران عن 
خطأ أن ميلاده هى 175١‏ » وقد نقل هذا الخطا سيلثستر دوساس ذاته فى ه مذكرة عن شاميوليون 
الصغير » 1477 

++ القس بوسكيه أخطاً فذكر إسم المواود بدلا من إسم أخيه . 


65 


وهكذا! كانت الأمور مستمرة فى سيرها الحسن كل شئ إذن كان على مايرام فيما عدا 
حلوث مشكلة إغلاق المدرسة التى كان جاك - جوزيف يدرس بها والتى كان يديرها 
الرهبان . فقد احتلها الحرس الوطنى . ولذلك تحتم البحث عن مدرس خاحى ليتايع 
تعليم جاك جوزيف - أثرى المستقبل - والذى كانت شهيته التحصيل ثابتة بوضوح . 
تولى هذه المهمة قسان على التوالى" إلى أن عين بسكرتيرا فى الشئون الإدارية لبلدية 
المدينة وذلك عام 11/54 . 

وهنا يثار سؤال - ضمن أسئلة عديدة أخرى - حول الآثار التى تركتها أحداث 
الثورة المختلقة على هذه الأسرة . إذا سلمنا بما تتناقله الرواية التقليدية كما فعلت 
هیرمینی هارتلوبان #) فإن جاك شامبوليون كان « على رأس الشرطة » فى فيجاك فى 
العام الثالث للثورة أى أئناء حكم « الارهاب » .. وذلك يحدد موقع آل شامبوليون من 
القلاقل : وهو فى قلبها ذاته . إذ كان على رئيس البوليس فى ذلك العهد أن يتخذ 
قرارات خطيرة الغاية وأن يشترك فى عمليات وحشية .. إلا أن ألمؤلفة تشير إلى 
إحتمال ايواء شامبوايون الأب . لاثنين من الرهبان كانا معرضين لخطر داهم ومع ذلك 
فإن وضعه قد تعرض لخطر كبير فى التاسع من تيرميدور وهذا يلقى بظلال من الشك 
على النشاط القمعى اجاك ش اموايون خاصة وأننا سنرى فيما بعد أن ابنه الأكبر قد 
عبر قيما كتب عن إرتياحه لما حدث فى ذلك التاريخ *". 

يشير أدرية توال قى أحد النخصوص التى نشرها « أصدقاء شاميوليون » 
فى فيجاك - إلى هذه الفترة بطريقة توحى بأن آل شامبوأيون كانوا ضمن تيار 
ال 58015/01010175 المتمردين إبان الثورة إن لم يكونوا اصلا قادة هذا التيار : 

« فى عام ١/44‏ لم يكن الطفل ( چان - فرتسوا ) قد تعدى الرابعة *** من 
عمره عندما كانت الجماهير الهادرة فى الميدان العالى تصرخ : « تجيا الجمهورية » . 
ويومها سقطت ثلاثة رؤوس بقعل المقصلة وذلك فى الساعة السادسة والنصف وقد تم 
إعدام المحكوم عليهم الثلاثة وسط الفرحة العارمة للجماهير O0‏ 


* راجع الفصل الثانى . 

*+ يشير أحد المستندات التى اكتشفت مؤخرا أن جاك شامبوليون كان عضموا فى لجنة المديتة عام 
*»+ الواقع أن حكم الإرهاب سقط فى يوليى 1744 حين كان جان فرنسوا فى الثالثة والنصف من 
العمر. ' 


06 


الشئ المؤكد الذى يذكره هذا الكاتب المحلى هى أن مكتبة شامبوليون كانت 
تحصل على الصحافة الثورية مثل « نشره المحكمة الثورية »وى« صديق الشعب »: 
صحيفة سياسية محايدة »!11) . وكان زبائن المكتبة يعلقون على مايقرأونه فى المكتبة - 
علما بأن هذه الصحق كانت تصل بعد ثلاثة أى أريعة أسابيع من صدورها وهى المدة 
التى كانت تستغرقها « العرية الحمراء » للوصول إلى فيجاك قادمة من باريس . | 

باختصار يقول إنه حتى لو نحينا جانباً إحتمال قيام جاك شاميوايون بدور قائد 
الشرطة المحلى فإن الواقع هى أن الثورة كانت حاضرة بكل ثقلها فى حياة هذه الأسرة 
أ على الأقل فى حياة الطفل الذى كان يلعب فى شارع صغير لا يبعد سوى ثلاثين 
خطوة من الميدان العالى . أى المكان الذى كانت المقصلة منصوية فيه وذلك حتى الشهر 
الثورى تيرميدور وقد زرع مكانها بعد ذلك شجرة الحرية التى كانت إحتفالات الثورة 
تقام حولها فى صخب . 

ماهى النفس التى لا تتأثر مدى الحياة بتلك الأحداث الجسام ؟ خاصة إذا كانت 
إحدى هذه النقوس هى نفس جان - فرنسوا وهى من أكثرها حساسية وأقلها تحكماً 
فى ذاتها بالنظر إلى غرابه علاقاتها الأسرية . 

إننا نعرف كل شئ تقريبا عن العلاقات التى ربطت بين الطفل - ثم الشاب - 
باخيه الأكبر الذى قال عن نفسه آنه كان بالنسبة له الأب والأستاذ والتلميذ ( الأب ؟) 
وكان له فيما يبدو أب حقيقى إلا أننا لانعرف تقريباً أى شئ عن العلاقات التى كانت 
تريط جان - فرنسوا بأبويه سوى أنهما لم يقررا منحه فرص التعليم الحقيقية سوى 
فى وقت متأخر وأنهما تركاه يسافر قى سن صغيره وهى عشر سنوات وثلاثة شهور 
لمدينة بعيدة ليعيش مع أخيه بصورة نهائية . 

أن نتعرف على مشاعر حجان -- فرنسوا نحى أبيه سوى بعد فترة طويلة من خلال 
مراسلاته وهى مشاعر قاسية فى أغلب الأحيان وخاصة منذ ۱۸۱۷ عندما تسببت 
الفوضى التى إتسمت بها حياة جاك شامبوايون فى إيصال نباته إلى حافة الافلاس 
الكامل . إلا أننا نلاحظ أنه حتى قبل أن يترك الدار للسفر إلى جورنويل فى 18١١‏ أن 
lin‏ الولد الصغينر كانت تدور قى فلك أخيه الأكبر الذى يبدو وكأنه يتُخذ وحده LS‏ 
القرارات حتى وهى على بعد مئات الأميال من فيجاك .. كل شئ يوحى بأن الأبوين قد 


67 


تنازلا تماماً لجاك - جوزيف - سواء فى فيجاك نفسها أو فى جرونويل ثم فی باریس 
- هن مسئوإية التعليم بل والانفاق على الولد وا مراهق چان فرنسوا . 

هل كانت مواقف الاب السياسية أو المراكز التی تبوها بین عام ۱۷۸۹ ی ٠۷۹٤‏ 
فى أنه كان شخصية مرفوضة ؟ لا يوجد أى دليل يثبت ذلك .. هل أصبح سكيرا ؟ على 
العموم فإن عدم وضوح وجوده يثير الدهشة اكثر مما يثيره غياب وجود الأم الأمية 
التى ظلت على حالها إلى أن توفيت عام "۱۸٠۷‏ على الرغم من مهنة زوجها والنشاط 
الفكرى الهائل الذى قام به ولداها . وكذلك إنبتاها تيريز ومارى ولكن بدرجة أقل وهما 
اللتان أدارا المكتبة بعد والدهما . 

توجد قصة أخرى ريما تدخل أيضا فى حيز الأساطير ولكنها أكثر إبتكارا من 
رواية « جاكى السحر » وهى على العموم أكثر طراقة وبالقطع هى بمثابة النبوءة ويجدر 
ذكرها » فهى تعطى فكرة معبرة عما عرفته هذه الطفولة من احداث فريدة . القصة 
الوحيدة التى توضح كم هى مبهمة العلاقة مع أم تبدى غائبة فى حين يعوض هذا 
الغياب بعض الشئ يقظة اخواته البنات . 

وإذا كان العديد من المؤلفين قد رووا هذه القصة الطريفة فإننا سننقلها هنا من 
كتاب هيرمينى هارتلويان : 

« ... بما أنهم أرادوا إبعاده عن الدراسة لعدة سنوات” فقد أخذ يبحث عن وسيلة 
يخترق بها أسرار الكتب . كانت الأم قد لقنته عدة صلوات من كتاب القداس الخاص 
بها'** وقد حفظ هذه المقاطع عن ظهر قلب .. وسرعان ما تحصل على نسخة من الكتاب 
- وطلب من أحدهم أن يحدد له فيه النصوص التى حفظها ( - ) وراح يعطى معان 
خياليه للحروف المطبوعة التمييز بينهما » ثم نقلها كتابة ( كيف ؟ هل كان يعرف الكتابة 
بعد؟ ) ثم راح يقارن بين الكلمات التى تعرف على بعضها . إلى أن نجح بهذه الوسيلة 
( .. ) إلى تحديد كل كلمة وكل مقطع فى كتاب الصلوات الذى حفظه.(12) 


* الجدير بالتسجيل أته عندما طلب منها التوقيع على وصيتها عام 18-1 أعلتت أنها لا يمكنها ذلك 
«سيب رعشة فى يديها » ( راجع كالمون - دراسات من اللوت ۲ س ۲۵۱ ) 

*+ لماذا ؟ كان جاك - جوزيف ضعيف البنيان قى حين كان أخوه الأصغر عفيا متذ ولادته . 

+++ لايد وأنها قد حفظتها عن طريق السمع بما أنها كانت لاتعرف القراءة . 


68 


وهكذا قمن الأصوات إلى الرموز ومن هذه إلى تلك إخترع - الفن فى نشاته - 
بأن إمتلك مبادئ طريقته التى ستتبلور تماما بعد عشرين عاماً - فهو سيقفن من اللغة 
اليونانية إلى اللغة القيطية من القبطية إلى الديموتيقية ومنها إلى الهيراتيقيه 
والهيروغليفية موققاً بهذه الطريقة « بين أصوات الأحياء المسموعه والحروف الميتة » (13) 

هكذا تباط صاحب مكتبة الساحة السفلى فى تعليم هذا الطفل اأبالغ من العمر 
خمس أو ست سنوات فى ذلك الحين تعليما يتناسب مع ما يملكه بكل وضوح من 
إمكانيات ذهنية غير عادية . فيتولى جاك -- جوزيف تعويض هذا العجز بقدر ما يمكن 
وقد شجعه فى ذلك تمسك الطفل به . وهى الذى يكبره ياثنى عشر عاماً . خاصة وأنه 
كان قارئًا نهما للكتب ويعرف أضعاف مايعرفه معظم التلاميذ المحليين الآخرين فى 
التاريخ واللغات القديمة . 

وإذ بالدروس الأخوية تتوقف فجأة . فيعد أن صدم الأخ الاكير فيما يبلى عندما 
لم يتجح فى السقر مع إبن عمه أندريه ضمن حملة بونايارت على مصر - وهى ااقصة 
التى ثارت حولها عدة إفتراضات كما سنوضحه فيما يعد - ويعد ان زاد إحساسه 
بالاختناق فى حارة لابود وسكيرى وقد بلغ التاسعة عشرة من العمر نجع فى الحصول 
على وظيفة صغيرة فى أحد متاجر مدينة جرونويل وجدها له أولاد عمامه المقيمون فى 
مقاطعة دوفينية .. كان قد قابلهم مع أبيه فى سوق بوكير . وهكذا خرج جاك - 
جوزيف من بوكير عام ١7/94‏ - وكان هذا بمثابة محنة لا مثيل لها بالنسبة للولد 
الصغير الذى لن يتمكن أحد من مواساته فى ذلك افترة طويلة . لقد كان سفر الأخ يكل 
تاكيد بداية أهم أزمة عاشها الطفل فى فيجاك . 

وعليه -- فقد دخل مدرسة البنين الأوليه التى أعادت عمودية فيجاك إفتتاحها 
بتمويل منها فى مقر المدرسة التى أغلقت عام ١5٠‏ 9) دخلها عشية بلوغمه سن 
الثامنة فى نوفمبر ۱۷۹۸ ولم يكن سعيدا ولا ناجحا فيها . وسرعان ما أعتبر تلميذا 
سينا . فهو يبغض كل ما يتعلق بالحساب وهو ضعيف فى الإملاء* ويتسيب ذلك فى 
تكرار معاقبته .. علاوة على شخصية سريعة الغضب » غير المرتبة .. كل ذلك يرجع 
غالبا إلى كونه « آخر العنقود » داخل أسرته يفسده تدليل أخواته .. وسرعان ما 
يتهمش ولا يحلم سوى باليوم الذى يخرج فيه من تحت سلطة أساتذته . 


+ سيستس على هذا الحال افترة طويلة جداً . 


69 


تلك هى القترة التى كتب فيه على مايبلى خطاباً غير مؤرخ من بيضعه سطور لم 
يتم فك شفرة سوى سطريه الأولين : 
“Montreser frère je vous prie demefere savoir de tes nouvellesge te prie”‏ 
أما الباقى فهى غير مقروء ..(15) 

بيدى من سين الأمور أنهم كانوا يصدد تنشئة تلميذ يليد وفيى متواعم مع مجتمعه 
متمرد : ولا عرف كيف توصل إلى إحاطة أخيه علماً بما يحدث وكان هذا الآخر يقيم 
بصفة دائمة فى مقاطعة دوفينيه وإقناعه بمايريد . لكن بيدى واضحاً أن تدخل حاك - 
جوزيف هو الذى أدى إلى إخراجه من المدرسة ووضعه تحت رعاية قس إسمه دون 
كالمالز وهى الذى تولى تعليم أخيه الأكبر قبل ذلك بعشرة أعوام .. ولأن القس احتفظ 
يذكرى طيية عن تلك التجرية فقد قبل أن يتولى شئون الأخ الأصغر المشاكس . 

الرواية التى قامت مدام هارتلويان بترديدها جعلت من « نوم كالمت » كما نسميه 
المربى الأول لجاك جوزيف ثم لجان فرنسوا شامبوليون » راهبا من البنيديكتان 
مناهضما للدستور المدنى الذى طبقته الثورة على رجال الكنيسة وأن جاك شامبوايون 
تطوع بشجاعة فى استقباله وإيوائه قى داره بشارع بودوسكيرى . 

أما شارل - أوليفيه كاريوتال قهى يشكك فى صحة هذه الرواية فى كتايه 
«شاميوليون الآخر » 013001001110 78أناث'اء أما السيد ميشال قوريه - وهى باحث 
من فيجاك - فقد أرسل لنا خطابا يؤكد فيه أن الشخصية التى نحن يصددها غالبا ما 
تكون جان جوزيف كا مالز الذى انتخب عام 1/4١‏ القس المسئول عن كنيسة دوبوى 
التى تتبعها عائلة شامبوليون والتى عمد فيها جان فرنسوا .. وقد توصل إلى تلك 
النتيجة بعد أن رجع فى بحثه إلى قائمة رجال الكنيسة الذين أقسموا والذين لم 
يقسموا ( الولاء للثورة ) كما رجع أيضا إلى مقارنة خط أستاذ جاك - جوزيف وجان 
قرنسوا ببعض النصوص الأخرى كتبها بخط » ثم أن دون كلاماز كان يسكن على يعد 
بضعه أمتار من سكن شامبوليون فى شارع اليكردوسكيرى كما أن العديد من العقود 
تحمل إمضاءه يجوار إمضاءات العديد من أفراد العائلة . 

لا أحد كان يستحق أكثر منه لقب صديق العائلة الذى أطلقه عليه جاك -- جوزيف 
.. بالاضافة إلى أن شامبوايون الأب ( جاك - جوزيف ) كان ثوريا معلنا ( جاكويى ) 
لدرجة لا تسمح له بأن يأتمن أحد أعداء الثورة على تعليم أبنائه حتى لوكان هذا 
الشخص من أصدقائه .. وهذا الجانب من القصه هى الذى يهم المؤرخ فى المقام الأول 


70 


.. لأن تربيه الأخوين شامبوليون لم تكن من النوع الذى يشكك في الولاء للثورة الذى 
إرتبط بها أهل البيت جميعا . كان دم كا مان بالتاكيد رجلا غزير العلم , راجح العقل 
واسلويه فى الكتابه لايخلى من الأناقة . تحت رعايته تفتحت شخصية جاك جوزيف أولا 
ثم جان - فرنسوا أفضل بكثير مما حدث لهما فى المدرسة . 

هل تاش أسلوبه التعلیمی يكتاب چان چاك روسى : أيميل ؟ من المؤكد أن القس 
وتلميذه إلتزما ببعض مبادئ الفيلسوف . قأمضيا أكثر فترات الدرس فى الريف , 
وريط المعلم على قدر الإمكان بين أقواله وحقائق الحياة وطاحونة جريفول « والحشرات 
والنباتات وكذلك الأثار القديمة مثل الطريق الرومانى المؤدى إلى موقع 
«الأركسيلودونوم» " القريب والقصر العتيق المجاور للابالان ومبنى الضيافة الذى شيده 
سوللى ** ( وزير مالية لويس الرابع عشر ) فى المدينة الصغيرة . 

كان إهتمام الولد الصغير مشكودا لمادتين تحمس لهما : النبات والنجوم التى 
سحرت لغتها لب التلميذ الصغير كما علمه إياها دوم كالملز . إلا أن هذا الأخير لم 
يساير تعاليم القيلسوف جان جاك روسو فى نقطة واحدة من مشروعه التعليمى وهو 
دراسة اللغات التى كان روسى لا يحبذها » ذلك لأن الولد كان قد أثبت نبوغه فى مجال 
اللغات القديمة مما دقع القس إلى تشجيعه خاصة أنه هى نفسه کان فیما يبدو يحسن 
التعليق على النصوص الدينية . 

وهكذا تحصل جان فرنسوا خلال هذين العامين اللذين قضاهما بجوار دوم 
كالمالز ( ۱۸٠٠‏ - ۱۷۹۹ ) على مبادئ راسخة للاتينية والأغريقية وبعض من العبرية 
بالاضافة إلى التاريخ الطبيعى والفلك . 

وحتى نحسن تقييم تطور هذه الدروس ونتائجها نعطى الكلمة للإثنين : المعلم 
والتلميذ وقبلهما لصاحب هذا المشروع التعليمى ومنسقه . فى التاسع والعشرين من 
شهر ترميدور عام ( الموافق ۱۷ أغسصس 18.١‏ ) كتب جاك - جوزيف شامبوايون 
خطابا لدوم كالملز من مدينة جرونوبل حيث يقيم منذ مايقرب من عاميين : 


* فى كايديناك الأعلى 
ke‏ أصيح اليوم « دار النقود » وقدتم dons ji‏ على أكمل وجه 


71 


« سيدى علمت يكل سرون أنكم تفضلتم بالموافقة على إعطاء دروسكم وعنايتكم 
لأخى الصغير gl.‏ كنت أحيه أقل مما أشعرن يه نحوة أو لوكنت لاأحيه قط لكان 
لايعنينى أن يكون أستاذه عالما . طيب القلب ومتسامحاً أو أن يكون مدعيا ء فظا وجافا 
» غير أن الحب الذى أكنه لأخى يجعلنى أمل فى أن يكون معلمه من النوع الأول . وها 
أنا أرى أمنياتى قد تحققت وأنى أهنئ أخى لأنه عثر فى شخصكم على المعلم 
والصديق : ولاشك أنذا سنراه - بعد أن يكون العمر قد شكل شخصيته - ينضم لى 
وللأسرة للتعبير عن إمتنانا لكم ( ... ) أسمح لنفسى يأن أطلب منكم مذكرة صغيرة 
عن ln‏ دراسته قدراته وتطوره .. 64( 

: رد المعلم‎ las 

« فيجاك » فی ۸ نیڈوز عام ٩‏ ( 9؟ ديسمير 18.٠0‏ ) 

« إنى بكل تأكيد أقبل مساعدة أخيكم وليسعدنى أن أشعر بشئ من الفخر لأنى 
أشارك فى تشكيل مثل هذه الموهبة الجميلة لو لم يكن متقلبا لهذه الدرجة ؟ إلا أننى 
آمل أن أراه يحرز تقدما يخطى عملاقة فى مجال الأدب حيث أن فى أمكانه سلوك هذا 
الدرب بشئ من النجاح عندما يكون العمر قد أنضج الدروس المتواضعة التى أعطيها 
له . انه لم يتعد التاسعة بعد ويمكتكم أن تتصور بسهولة ما يمكن لطقل فى بسنه أن 
يفعله عندما يكون إعتماده كاملا على حنان الأب والأم وعلى تسامح أستاذه ( ... ) لقد 
كنت مرتيطا بكم بكل صدق ولا كان الود يحتاج لما يزكيه ولم يعد فى إمكانى أن 
أضيف لكم شيئًا تحتاجونه فإنى أهنئ نفسى إذ أتمكن من صمنع شئ له . وبالمناسبة 
فإنى أرجى أن تدركوا أنى أحصل على مقابل لعنائي : فإنى أعتقد قى لعبتنا هذه 
سيكون رهانى عليه رابحا » إنه متعلق بى جداً وذلك يزيد من رعايتى له . 

« لقد بدأ يقدر أول مصاعب اللغة اللاتينية وهى ينجح من وقت لآخر فى ترجمة 
نص إلى هذه اللغة ترجمة مقبولة .. أما تراجمه من اللاتينيه فقد قام بنقل نص واحد 
إلى الفرنسيه دقعنى إلى أن أطلب منه المزيد حيث أنه نجح فى التعبير الجيد عن المعنى 
اللاتينى . 


72 


أنه يتمتع بقدر كبير من التنوق وقدر كبير من حب الدراسة إلا أن هذا التنوق 
وهذا الميل يذويان فى نوع من اللامبالاة والاهمال يصعب وصقهما . ففى بعض الأيام 
تراه يريد معرفة كل شئ وفى أيام أخرى تراه لا يفعل شيئا . 

« لقد مررنا بمثل هذه الفترة السعيدة من العمر , لم ذكن نرغب خلالها أن يويخنا 
أحد واليوم بعد أن قدرنا قيمة المعرفة نشعر بالغضب تجاه اساتذتنا لأنهم لم يسلكوا 
جميع الوسائل المتاحة لكى يمزجوا ما هى نافع بما هو مشوق حتى نتمكن من المضى. 
فى درب العلوم المتينة . 

« كان يمكن لنا أن نصل إلى مرادنا لى كانت الكتب الإبتدائية متوافرة واكك 
ستصبى أكثر فائدة البشرية لوتعرفتم في أوقات فراغكم على وسائل حديثه لدى مطمى 
ا ا ا 1 Au‏ ذقمكن بنجاح من تتمية ذلك 

م القس : كاللة 4 )17( 

بعد بضعة أيام يكتب جان فرنسوا لأخيه الأكبر خطاباً يستخدم فيه صيغة الجمع 
للمرة الوحيدة تعبيرا عن الإحترام ولعلها تكون قد أمليت عليه من دوم كالملز . 

« فيجاك فى ”.يناير 18-1 ( يعد أيام من يلوغه العاشرة ) أخى العزيز جدا . 
بعد طول إنتظار بلغت المنى بأن تسلمت خطابكم العزيز .وقد إزداد سرورى بأن علمت 
أنكم فى أتم صحة .. أما أنا فأحمد الله على أنى فى صحة جيدة جداً وكذلك الحال 
بالنسبة للوالد والوالدة ولأخواتنا العزيزات * وهن يرسلن اكم قبلاتهن الصادرة من 
أعماق قلوبيهن . أشكركم على النصائح التى تفضلتم بها علينا وسأيذل كل جهدى كل 
يوم لأطبقها . لقد طلبتم عينة مما نعرفه .. وإنى أرسلها طيه . 

« أرجوكم أن تسامحوا عقلى الصغير لأنه متقلب بعض الشئ وآمل أن تقومه 
نصائحكم . أرجوكم أن تبلغوا كافة الأقارب الأعزاء بأسفى هذا وأن تقبلوهم بالنيابة 
عنى . السيد كالمات ( كذا ) كان » فى منتهى السعادة بخطابكم العزيز وهى يؤكد لكم 


من الغريب أن صفة « العزيز » لم تقرن سوى للأخوات . 


73 


اعتزازه بصداقتكم .. فى الختام ياأخى العزيز أقبلكم من أعماق قلبى ( ... ) تأكدوا 
إنى سأبقى مدى الحياة أخاكم المطيع . 

شامبوليون الأصغر ». 

أرفق هذا الخطاب نص ترجمة إلى اللغة اللاتينية قام بتزويقها برسومات عديدة 

« إن الله يحبنى عندما أعطى خبزى للفقراء . أنطوان (؟) سيحينى عندما أحفظ 
دروسى جيدا الرجال الذين يمارسون الفنون يعملون لصالح العلوم ( ... ) التلميذ 
العاقل لا يغضب أحد قط . »(18) 

ما يلفت النظر قى محاولات التعبير التى يقوم بها جان - فرنسوا فيما بين الثامنة 
من نص لآخر . 

من المؤكد أننا نحتاج لكى نحكم على التلميذ حكما سليماً مقارثة أعماله بما كان 
چان - فرنسوا كان صاحب مكتبة وأن الطفل كان يمضى ساعات طويلة في متجر أبيه 


وعلاوة على ذلك فقد تعلم القراءة وحده وهى تجرية كانت مفيدة جدا فى تكوين 
شد شخصنه . 


مه 


يتحتم علينا أن نسجل باختصار أنه بالرغم من كل هذه الإمكانات فإن هذا الواد 
كان ضعيفاً للفاية فى هذا المجال وهى فى العاشرة من عمره مما تسبب له كما رأينا 
فى توبيخ أخيه له .ومع ذلك فإن هذا الطفل كان يمتلك مواهب خاصة جداً ستزدهر 
فيما بعد .. 

بعد أسابيع قليلة يوجه جاك - جوزيف - وقد إزداد موقفه من أخيه أبوة - هذه 
السطور المعيرة بما فيها من نصائح عن مدى بسلطة الأخ الكبير وعمق أحاسيسه تجاه 
شقيقه الأصغن . 

أريدك أن تفى بالوعد الذى قطعته على نفسك فى خطابك الأخير بأن تتبع 
النصائح التى قدمتها لك من موقع الصداقة ة التى أكنها لك وإذا كنت أشعر يبعض 


74 


الأسف فهو لأنى لا يمكننى إسداعها لك شخصيا ومشاركة والدى العزيز ووالدتى 
العزيزة فى الإعتناء بك بالإضافة إلى عناية دوم كالماز المتسامحة . 

« بما أنك إعترفت لى بأن تفكيرك متقلب لذا يتحتم عليك أن تمنحه بعضا من 
الثقل . لا تنسى أيداً أن الوقت الذى يضيع لايمكن إستعاضته . وأعتن بواجباتك . 
تذكر أن أكثر ما يعيب التلميذ هو الكسل والإهمال ( ... ) إذا كنت تريد أن تحضر 
لتبقى بجانبى”” فيجب أن تتعلم شيئا ويسرعة لأن الجهلة لايصلحون لشئ . إذا أردت 
أن أحصل من والدنا العزين”** على موافقته لكى تبقى معى فيتحتم عليك من جانبك أن 
تحصل على رضاه بقدر الإمكان عندئذ ستكون هنا معى فى مدينة كبيرة ولن تترك 
صداقتى لك أى شئ تبتفيه دون أن تلبيه . وعلاوة على ذلك فإنك ستتعرف على جميع 
اقربائك ومنهم أبناء عمومة فى مثل سنك يدرسان مثلك ويحققان تقدما فى كل يوم . 
فإذا لم تكن على نفس مستواهما عندما تحضر إلى هنا فلن يكون فى ذلك ما يشرفك 
( -.. ) إن القراءة مفيدة للغاية وتساعد على تكوين الفكر والأحاسيس » وأنت تتمتع 
بهذه المقدرة فاستفد منها . من الأفضل أن تجتهد فى تحسين خطك والأهم أيضا أن 
نتقدم فى الإملاء . إن القراءة ستساعدك كثيرا فى كل ذلك . 

« أود أن تتواصل من اليوم مراسلاتنا وأن تقول لى كل ما يخصك , امنحنى هذا 
السرور إلى أن أتمكن من إحضارك إلى هنا وهى ما قد يحدث أقرب مما تتصور . 
تقدمك وحده هى الذى سيحسم الأمر . قبلاتى ..»(19) 

أرفق الأخ الأكبر بهذا الخطاب خطاباً مطولا لدوم كال ملز ننقل منه بعض 
الأسطر على أن نعود إليه فيما بعد عندما نحاول التعرف عن قرب على شخصية جاك 
جوزيف””” : 

« جرونويل فى 5 بلوفیوز عام ٩‏ ( ۲۹ يناير 14.١‏ ) 


أكد لى خطابكم الموقر المؤرخ 4 ديسمبر الفكره التى كنت كونتها عن أخى 
الصغير . إن طبيعته التى قدرت أذها متهيجة ومشاكسة جعلتنى أتخوف من أن يتسبب 


» حصل الأبوان هذا علي صصفة « الامزاء » .. مع ملاحظة أن الأخ الأكبر هى الذى يكتب 
** فى جرونويل » مما يوضح أن مشروع إنتقاله إليه كان يدرس منذ فترة . 
ek ok‏ انظر الفصل الثاتى 


75 


فى قدر أكبر من الهموم للشخص الذى يوافق على أن يتولى تعليمه . إن رعايتكم له 
ستزيد أن أمكن ذلك من إمتنانى لكم . وأرجى أن يعوضكم الود الذى اكنه لشخصكم 
عن مجهودكم ولى بقدر قليل . أرجى أن تواصلوا رعايتكم له ... » (620 

. لم يمض على ذلك التاريخ سوى شهر ونصف إلا وكانت «رعاية » دوم كالملن قد 
توقفت : فقد ركب جان - فرنسوا العربة المتجهة إلى مدينة « ليون » ثم المتجهة إلى 
مدينة جرونويل وذلك فى نهاية مارس 18٠0١‏ ليلحق بأخيه الأكبر قى الدوفينيه واضعا 
نفسه تحت وصايته . هل سافر هذا الولد الصغير البالغ من العمر عشر سنوات وثلاثة 
شهور وحده ؟ من غير المحتمل أن يكون أبوه قد رافقه فى رحلته ولم يتوافر مايدل على 
أن جاك - جوزيف قد إنتقل إلى ليون للقاء أخيه الصغير. لأن الذى إستقبله هناك هو 
أحد أصدقاء جاك جوزيف من رجال الدين إسمه مارتان . 

فإذا صح أن الصغير « إميل » فيجاك قد قام بهذه الرحلة الطويلة وحده ( وهى 
تساوى رحلة عبر الأطلنطى فى زمننا هذا ) فلا بد أن نتخيل مدى ما شعر به من فخر 
وما أضفته عليه من ثقة بالنفس واعتزان بها . 

هل تجازف الآن ونرسم صورة شخصية لجان - فرنسوا وهى في العاشرة 
من عمره بناء على المؤشرات المتوافرة لدينا ويناء على ما نعرفه عن أفعاله وتحركاته 
هى وأهله يوم أن ترك فيجاك للحاق بثئخيه فى كبرى مدن الدوفينيه التى هى مواطن 
الأسرة ؟ 

چان - فرنسوا ود متوهج المزاج » حاد فى تحركاته وتلقائى فى إتدفاعه وسريع 
فی ردود آفعاله : لون بشرته بنى غامق ويصفه البعض بأنه مائل إلى اللون الزيتونى . 
عيناه لوزيتا الشكل غامقتان للغاية , قرنيقهما صفراء تطلق شرارا تحت خصلات من 
شعر داكن السواد » يتفق البعض على وصفه بأته سريع الإتفعال بل عنيق : 
« صعيدى » دمه ساحن ؛ رأينا كيف أن أخاه قد وصفه بأنه د متهيج ومشاكس » . 

وما دمنا قد ذكرنا « إيميل » ( كتاب جان جاك روسى ) فإننا نستعير منه كلمة 
فريدة لجأ إليها روسى ليصف بها هذه النوعية من الأولاد إذ يقول « ولد ديسكول » أو 
ذلك « الذى يهشم الأثاث الذى يستخدمه ويكسر شبابيك غرفته » (20) ؟ يجب ألا نبالغ 
فى هذا الاتجاه لقد نعتوه يوما بأنه 0300011310) وهى الصفة الدقيقة لمثل هذا النوع 
من المزاج المندفع السيكلوتيمى المتذبذب دون وسطية بين القمة والقاع ولا يرى مواد 
دراسته سوى من خلال كرهه العميق والمناهض للرياضة الحسابيه وولعه الإيجابى 


76 


بدراسة اللغات والسماء والتباتات » إندفاع يليه تخلى وحماش ثم إرهاق . هذا هى جان 
00 وسبيقى دائما هكذا . 
توقف طويلا عند هذه الجملة أو تلك إلى قالها كالملز مثل « الخطوات العملاقة 

التى يركنه أن يقوى بها قي مجال الأنب » .. لأن فى ذلك بعضا من الكلام لأصحاب 
مهنة التدريس .. غير أننا نرى فى لهجة الأستاذ أنه يكن لهذا التلميذ الفريد إهتماماً 
فائقا على الرغم من أنه « متقلب» « كسول » و«مهمل » ومثبط للهمم فى بعض الأحيان . 

نضيف إلى موهبة حبه للغات التى سجلها نوم كالملز لدى جان فرنسوا ميلا 
حاسماً للرسم منذ تلك الفترة من حياته ويجب الا نهمل هذه النقطة . لأنه عمل على 
تطوير هذه الموهبة بكل الحماس الذى يضعه قيما يحب ولأن « شامبوليون الصغير » 
سيجعل من هذه الموهبة سلاحاً غالى الثمن فى دراسته الحروف التى هى فى كثير من 
الأحوال تعبيرا أنيقا عن الواقع ( بالنسبة لتسمية « شاميوليون الصغير » ققد أطلق 
عليه هذا الاسم وهى فى تلك السن بالمقارنة باخيه الأكبر إلى أن إتفق الإثنان على 
إستخدام إسم مستعار من اللغة العريية وهو « صغير »« 11و56 » . ) ومن كثرة 
المرات التى أعاد بها نسخ الحروف الهيروغليفية باعتناء كبير ودقة متزايدة نجع العالم 
المكتشف من التعود على هذه الرموز السرية ثم التغلب عليها وترويضها . 

لنعد فى الختام إلى المجال الاسرى حتى نتمكن من تقييم هذا الولد ذى الإمكانات 
المتباينة القيمة والمزاج المتقلب والمندفع . فهل يمكن الحديث عن غياب الأب ؟ فى خطابه 
المؤرخ 4؟ يناير 16-1 أشار إلى قرار يبدو أن « والدنا العزيز » قد إتخذه ( دون أى 
إشارة إلى والدتهما ) مما يجعل من الواجب تصحيح ماسبق قوله عن تقلب صاحب 
المكتبة فى دوره التريوى : كان فى إمكانه على الأقل إستخدام حقه فى الإعتراض .. 
وأقل ما يمكن قوله قى هذا الصدد أنه إستخدم هذا الحق تجاه إينه بنفس القدر 
الشحيح الذى إستخدمه لويس السادس عشر تجاه نواب الأمة . يجب أن ندخل فى 
تقييمنا لعدم إنتظام هذا الولد « الديسكول » ضعف السلطة الأبوية الملاحظ عند جاك 
شامبوايون وريما أيضا العناية الزائدة عن الحد التى أولتها أخواته له لتعويضه عن 
غياب الأم ( ريما يسبب مرض أو إعاقة ما ؟ ) 

سيهرب جان قرنسوا وهى فى العاشرة وثلاثة شهور من هذه التربية العرجاء التى 
كانت تتفاقم ليلتحق فى جرونويل بالذى سيصبح بالنسبة لقلبه - بمثابة الأب ثم أيضا 
بعد ذلك بقليل بالنسبة لعقله أيضا . 


77 


6 


؟ - أخ. أم أستاذ , أم أب ؟ 


ثيو وفنسنت ؟ من بلزاك إلى ستندال - إبن القرن - إنتهازية - ترشيح للمشاركة 
فى حملة نابوليون ؟ محب للكتب لدرجة مرضية - من جارييل إلى ميلان - زيجة 
مناسبة - سحر الشرق . 


لم يذهب الغلام جان - فرنسوا شامبوليون فى نهاية مارس ١8.١‏ لاكتشاف أو 
غزى مدينة » إنما ذهب إلى لقاء رجل هو أخوه الأكبر . بالتأكيد كانت جرونويل فى 
نظره المدينة الكبيرة المهيبة فهى عاصمة الإقليم الذى تنتمى له عائلته . غير أن ما كان 
يهمه بالفعل هى جاك - جوزيف ووجوده وكذلك نصائحه وحمايته - كدنا نكتب أيوته . 

لهذا السبب يجب التأكيد الآن مع بداية هذه الحياة المنطلقة - على الدور المذى لا 
يقبل أى مقارنة والذى أداه الأخ الأكير » وهى ألدور الذى سيصعب تمييزه عن دور الأخ 
الاصغر على المستوى العلمى والذى يستحيل عدم إحلاله محل دور الأب على المستوى 
المعنوى فهل يستوجب هذا أن نقدم القارئ سيرة ذاتية مزدوجة تعيد تشكيل الفريق 
المكون من امتوأمين شامبوليون ؟ لقد فضلنا أن نبرز ما يستحيل إختزاله فى العبقرية 
وما يميزها عن التطبيق وحسن الصنعة وسعة المعرفة والموهية ؛ هذه التفرقة التى 
أحسن جان كوكتى التعبير عنها حين قال « الموهبة تفعل ما تريد أما العبقرية فهى تفعل 
ما يمكتها ». 

بعد هذا الإستطراد فإنه لا يسعنا إلقاء مايكفى من ضوء على ما شارك به طول 
بال المثقف فى تكوين المكتشف وإن تم ذلك أحيانا بالحاح قاس . لقد أثرت أحيانا 
المقارنة بين علاقة الأخوين شامبوليون وتلك العلاقة التى قامت فى نهاية القرن بين ثيو 
وفنسنت قان جوخ . سنعاود الحديث عن هذه المقارنة ولكن نبادر ونقول أن ثيى الذى 
كان الأخ الاصغر - لم يشارك قط بيده فى وضع الألوان التى نبعت فيها « زهور عباد 
الشمس » التى رسمها فنسنت . كما قعل جاك - جوزيف عندما اضطر على سييل 
المثال جان فرنسوا أن يحيط المجتمع العلمى الممثل فى شخص مسيو داسييه باكتشافه 
الذى تم فى ١4‏ سبتمير 14877 . 


79 


سنخطئ فى تقييم ما قام به المكتشف إذا نحن أغفلنا وقوف هذا الأخ الأكبر 
الذى لا يكل إلى جانبه أو أمامه يناديه ويشجعه ويساعده بماله ويمشورته ويمعارقه 
(بكل ما تشير إليه الكلمة من معان ) . لقد كان بالنسبة له الحارس ومرشد الدرب » 
مزيل الصعاب وحامل الزاد منسق المستتدات والمراجع » هو المعبر الذى أوصله لهدفه 
نظير آخيه الذى حضر مواد عبقريته قبل أن يدافع عن فتوحاته وأن يحافظ على ذكراه 
يصفته « أبيه وأأستاذه وتلميذه »)فى أن واحد . 

من هنا تأتى الأهمية التى سنوليها لهذه الشخصية التى تبدو كما لى أنها قفزت 
مباشرة من رواية من روايات عصره . إن طموحه المحموم ودماثة طياعه الاجتماعية 
وصعوده الدعوب فى المجتمع وفى مجال العلوم تعيد إلى الذاكرة ماحدث لأبطال روايتى 
« رجل عظيم قادم إلى باريس من الريف » أو « مباهج ومزلات الغوانى » هى لوستى - 
أى فينى أوجيرى فى حين تذكرنا النزوات العبقريه للأخ الأصغر ومطاليه وتقلياته المزاجية 
ولهيبه غير المحكوم وبراعته فى أن يصنع لنقسه الأعداء - بأبطال روايات ستندال مثل 
جوليان أو لوسيان سنكتفى بهذا للقدر من المقارنة .. غير أننا سنعود قريبا إلى 
ستندال فى معرض حديثنا عن هذا أى ذاك - عندما نستكشف جرونويل فى مطالع 
القرن التاسع عشر ... 

إذا كان:من الصعب - كما رأينا - استكشاف السنوات الأولى من حياة جان 
فرنسوا شامبوايون : -« الشقى » الصغير المقيم فى حارة لابود وسكيرى - فمن 
السهل جدا أن نكون لانفسنا فكرة عن طفولة وفترة مراهقة اخيه الأكير . فقد عكف - 
غداة يلوغه الحادية والعشرين - على كتابة القصل الأول من سيرته الذاتية التى لم 
تكتمل * مع عمليات التجميل التى غالبا ما تصاحب مثل هذا العمل ( حتى عندما يقوم 
به مؤلف مثل جان جاك روسى ) فإننا نتعرف بكل وضوح على الحقيقة البينة : حقيقة 
الثورة ثم الامبراطورية النابليونية وبشائر الرومانسية : زمن بدا كما لى أن إعلان 
حقوق الإنسان قد يسمح بفتح الطريق أمام الجميع نحو الثقافة . 

تحت عنوان « السنوات العشرون الأولى من حياتى » كتب جاك - جوزيف 
شامبوليون فى ۲۷ برومار عام ۸ ( ١1‏ توفمبر 1744 ) فى جرونويل قبل أن ينضم 
اليه أخوه الصغير بأريعة شهور » هذا المشروع « لاعترافاته » : 


* اكتشفها وذكرها للمرة الأولى ( جزئيا ) ش - أو كاربونال ( المرجع المذكور سابقا ) فى حين أن 
إيميه شامبوليون قيجاك - ابن المؤلف ذاته - لم يذكرها قط . 


80 


« وادت بعد ظهر یوم ٦‏ أويه ٠‏ أكتوبر 171/8" . ولدتنى أمى دون مساعدة أى طبيب 
بمفردها تقريبا ضالة جسمى وضعف تكوينى قللا كثيرا من البهجة التى جليها مولدى 
أوالدى فقد كنت أول ذكر يولد لهما وكان مظهرى لاينبئ بأن سلالتهم ستكون كبيرة . 

« رضعت لبن أمى . طفولتى كانت بالنسبة اوالدى سلسلة من المخاوف والأزمات 
المخاوف ذاتها وتكررت نفس الأزمات ولكن قابلتها نفس العناية المثايرة التى لم تتوقف 
مدعمة يمودة لم تضعف » غمرتتى .. 

« عملية تعليمى بدأت وأنا مازلت صغيرا » فما أن بدأت أتفوه ببعض الكلمات إلا 
وكنت قد وضعت فى رعاية سيدة عجوز ورعة - كاتينى - التى أصبحت مرييتى أكثر 
من كونها معلمتى . فقد مزجت بين رعايتها الأمومية لى وبين دورس القراءة الأولية ؛ 
وهى التى علمتنى كيف أميز بين الحروف . ويمكننى أن أقول أن والدى قد تركانى 
انثرات موياة عندها فلم يكن ذلك التعليم على يديها بقدر ماکان ليجعلاني أن تمتع بالرقة 
والعناية التى حبت الطبيعة بها هذا الجنس .. 

يستحيل هنا أن نمنع انفسنا من أن نتسائل عن طبيعة هذه الزوجين جاك وجان 
- فرفسواز شامبوليون . فهما قد رزقا بإين ذكر بعد الذى توفى بعد مولده قبل خمس 
سنوات وبعد بنتين كانا قد بلغا الرايعة والثانية من عمرهما . 

ليس من الصعب أن نصدق جاك جوزيف عندما يقول أن « ودأصادقاً » جعلهما 
«لايتواينيان » عن الاعتناء بهذا « الوريث الذكر » » لكن لاذا عهد به إلى سيدة غريية 
فور أن تمكن من « النطق يبعض الكلمات » حتى لو كانت هذه السيدة « قديسة » 
ضمن القديسات . خاصة وأن الله حباه بأم وأختين أكبر منه وفى الإمكان أن يتمتع 
داخل أسرته بالرقة والعناية التى حبت بها الطبيعة الجنس اللطيف ؟ قد يكون السبي 
فى أن العرف فى ذلك الوقت يقضى بوضع الطفل فى رعاية مربية » .ومع ذلك 
فالملاحظ هو تعدد الأمور الغريبة داخل هذه الأسرة والتى ,ستزداد مع جان - قرنسوا ! 
يبدو مؤكداً أن الأم لم تكن فى حالة تسم لها بتولى مسئولية إبن ذكر . 


« بقيت فى كنف المربية كاتينى حتى بسن السابعة ** عندئذ طلبت أن أذهب إلى 


٭ راجع ش - أى كاريوتال سجل كنيسة ندتردام دوبوى فى فيجاك ويؤكد أن جاك - جوزيف قد pi si‏ 
تعميده فى ” أكتوير 111/4 وكان قد ولك فى اليوم السابق ( راجع المؤلف المذكور ص 16 ). 
*«*ا ست ستوات ت كاملة قضاها بعيداً عن بيت الأسرة فى شارع لابودوسكيرى . 


81 


المدرسة »الحقنى والدى لدى القس المسئول وهى الذى عامنى القراءة وجعلنى أحفظ عن 
ظهر قلب يعض صفحات الكتاب الأولى وأراد أن يعلمنى الكتابة أيضا . وعندما بلغت 
التاسعة أراد لى أبى أن أتعلم اللغة اللاتينية غير أنه لم يكن لديه أى معرفة بهذه اللغة . 
ومع ذلك فقد حاول قى أحد الأيام أن يترجم عنها نصا ولا جعلنى أقرأ له فى كتاب 
المزامير ذلك المزمور الذى يبدا باللغة اللاتينية بهذا المطلع : Portis Horode impie‏ 
ترجمها إلى الفرنسية « بوابى رودس ساروا مترجلين ». | 
« وعليه فقد قرر والدى بناء على نصيحة صديقه دوجيه أن يطلب من السيد - 
دور سيسى أن يتولى رعايتى ( .. ) بدأ تعليمى الحقيقى عند السيد وسيسى وكان ذلك 
بان عمل على تخليصى من العادات السيئة واللهجة المتكلفة التى تقلتها عن 
بحق وفى إمكانه تعليم الآخرين ( ... ) وكما هق معتاد فقد کان يحابى بعض تلاميذه 
وكنت ضمن هؤلاء . كان يخصنى برعاية متميزة خاصة عندما إكتشف أن لدى 
إستعدادات طبيعة للتحصيل ( ... ) كان تقدمى فى الدراسة سريعا فلحقت بعد فترة 
وجيزة بصديقى دوج ( ... ) ولم نفترق عن بعضنا لمدة طويلة ( ... ) وإستمر مسيو 
دوسيسى فى رعايتتا ( .. ) رابطا سمعته بتقدمنا حتى أصبح الموضوع بالنسبة له 
« عندما إندلعت الثورة كنا على هذا الحال ( ... ) المشاكل التى لا حقت مسيو 
دوسيسى ( ... ) حرمتنا من تعاليمه . 
أغلق مدرسته ( .. ) فلم يبق أمامنا بسوى الإلتحاق بالمدرسة ( ... ) فى الوقت 
ذاته تلقيث بعض الدروس من أستاذ الرقص الملحق بالكتبية المرابطة فى فيجاك ... » 
فى ۱۷۹١‏ عندما بلغ جاك - جوزيف الثالثة عشرة قبل فى الفصل الخامس ؛ بعد 
عشرة أشهر من مولد جان - فرنسوا » ولم تسبجل ذاكرته هذا الحدث فلم يذكرة" . 
غير أن المدرسة إضطرت إلى غلق أبوابها بسبب « المضايقات الثورية » وكان حينذاك 
فى المرحلة الثانوية وقد حصل على قدر جيد من المعارف فى اللغتين اللاتينية واليونانية . 
وأراد أن يتعلم البلاغة . فلج أبوه إلى دوم كالملز للمرة الأولى » فوافق على تحمل 
* نجل السيد / دوجية سيظل قريب الصلة بالأخوين شامبوليون وسيسدى لهم خدمات جليلة كما 


سنرى فيما بعد - 


82 


المسئولية عن طيب خاطر مؤكدا على أنه لا يقوم بذلك سوى بصفته صديقاً » ولكن 
سرعان ما يجب إيقاف هذه الدروس لأن ممتلى الثورة المتجولين جعلوا من « رجال 
الدين أشخاصاً محتقرين ومشكوك فيهم » وكانت شخصيتهم فى ذاتها محرجة فى 
نظن رسل القانون هؤلاء » . 

بعد أن حرم من المعلمين أخذ جاك جوزيف يلتهم الكتب قرأ هوميروس وفيرجيل 
وسيسيرون وبلوتارك .. إلا أن أياه قرر أن الوقت قد حان لكى يجعل من نفسه شخصا 
نافعا فوجد له وظيقة قى إدارة « الدائرة » فى ديوان « المراسلات العامة » وذلك فى 
شهر م فلوريال » عام ؟ - ولم يكن قد تعدى السادسة عشرة ومع ذلك فسرعان ما 
اناطوا يه تسجيل القوانين وإعطاء تأشيرات الجوازًا ت بل وأكثر من ذلك كلفوه بمهمة 
منح شهادات « المواطنه الحسنة » !! 

كانت فترة « الإرهاب » حركة باريسه فى الأساس - إلا أنها تسببت فى إثارة 
المشاعر والعقول فى مقاطعة جييان العليا ... ولذلك فإن من المرجح أن جاك شامبوايون 
كان يتمتع حينذاك بقدر من النفوذ » حتى gt‏ ام يثبت أنه كان قائدا للشرطة . 

يقول جاك جوزيف عن وظيفته الجديدة: صادفت هذه المأمورية هواى لأنها إتفقت 
مع ميلى الطبيعى احب الاستطلاع .. ففى تلك الفترة تواصل ورود سيل من المطبوعات 
نتيجة للقوانين الثورية فكان كل شئ يمر من بين يدى ومن كل شئ كنت أحصل على 
نسخة : اليريد والتقارير والخطب والمحاضر والقوانين والقرارات ... من هنا شرعت فى 
تكوين مجموعة القوانين والتقارير .. وكان مفتاح سجلات المحفوظات ( الارشيف ) 
تحت تصرفى .. »4 

هذا لايعنى أن نأخذ هذا الشاب العليم بيواطن الأمور على أنه من مجموعة 
«اللامتسرولين » المتطرفين المتعصبين ( 00101165 - 5805 ) : 

« ثم جاء یوم ٩‏ تیرمیدور ” ( ۲۷ یولیو ۱۷۹٤‏ ) . ونتج عنه تجديد الإدارة 
بالكامل تلى ذلك شطب العاملين الذين لم يسيروا فى الخط السياسى لهذا cat pal‏ 
أرائى السياسية لا تضعنى فى زمرتهم . اجتاحت موجه من اليأس عددا كبيراً من 
الموظفين ( ... ) فلم يبق تقريبا بسوى أعضاء السكرتارية والذين تكفلوا بكل شئ طوال 


. تيرمبدرى فى ذلك اليوم‎ À à 
. ذلك يعنى أنه « ترميدورى » أى غير ثورى‎ ** 


83 


مدة الشهرين التى تلت إحتضار مكاتب المنطقة الإدارية ( ... ) فكان من نصيبى تحمل 
مسئولية المراسلات وتحرير القرارات الإدارية ( ... ) واعتمد رئيس السكرتارية على 
' مجهوادتى فى تصريف شئوته (٠‏ ... ) قى مقابل ذلك ( يضيف جاك - جوزيف 
ببساطة شديدة ) حصلت على تقدير الجميع وعلى صداقة المعلم الكبير ( ؟ ) ». 

نحن - إذن - بصدد شاب حاذق عرف كيف يعبر دون خسائر فيما بين عامى 
4 و ١0/40‏ - عواصف « تيرميدور » وإقامة النظام الجديد محافظا على وضعه 
الآمن لأن طبيعته كما كان يعبر عنها معتدلة أصلا : وكان من الممكن أن نجد فى هذه 
السطور تلخيصا احياته المديدة ( فقد توفى وهى فى التسعين من العمر ) لولا أنه أثبت 
فيما بعد أن مرونته كانت تتسلح أحيانا بشجاعة صصادقة : 

عندما لاحظ جاك شامبوليون ( الأب ) أن « عواصف الثورة » هدأت وعادت ٠‏ 
التجارة إلى نشاطها » أراد أن يدخل إبنه عالم الأعمال وكان قد يلغ التاسعة عشرة : 
وكان له أولاد عمومة يقطنون مدينة ليون ومدينة جرونويل .. فحاول أن يبعث لهم 
«سكرتير بلدية المقاطعة » ليقيم لديهم » على الرغم من أنه كان قد أخذ على عاتقه كما 
سبق ورأينا - تربية جان فرنسوا الذى كان يقترب من الثامنة . 

اصطحب تاجر الكتب إبنه الأكبر إلى بوكير » ومنها إلى ليون الا أنه وجد أن هذه 
المديثة الكبيرة الواقعة على نهر الرون قد خريتها أحداث العنف الثورية ولم يعد فيها 
شئ يصلح لجاك - جوزيف وكان عليه أن ينتظر العام التالى وفى سوق بوكير - 
وبالتحديد يوم 5؟ يوليى ١754‏ وافق أولاد العمومة المقيمون فى جرونويل على طلب 
جاك شاميوليون يأن يصطحبوا معهم جاك جوزيف ليعمل تحت التمرين لدى « شاتيل › 
شامبوأيون وربقف » . 

بدا هنا أن خطته فى الحياة كمثقف قد توقفت فجأة .. ومع ذلك لانجد أثراً لأى 
تمرد فى تقييمه النهائى لما يحدث بل نجد قبولا مع بعض الأسى للقضاء والقدر ( كما 
حدث « لرتيه » يطل رواية شاتويريان ) ولا نجد تلك الطاقة التى راحت تحرك أبطال 
الروايات المعاصرة له - كما ستحركه هى نفسه بعد تلك الفترة بقليل إذا أنه سيتسلح 
بتلك الحالة الذهتية المقدامة : « هل أنا قد بلغت السن الذى يتحتم على المرء قيها أن 
ينظر إلى المستقبل نظرة واضحة »» ومع ذلك فليس لدى مشروع ولا طموح وأترك 
نفسي أهيم دون هدف ( ... ) فى استسلام كامل وبون أى أمل فى سعادة ولا خوف 


84 


من بلية . أنتظر أن يقترح على أحد قرارا حاسماً أتخذه أى يعرض على مشروعاً أنفذه . 
وإذا فرض على أن أبلور هدقى فى كلمات لقلت أتى أشعر بميل جارف للأعمال 
العظيمة تلك التى تخرج عن المعتاد وإنى مستعد أن أشارك فى رحلة إلى بلاد بعيدة . 


وإذا كنت قد ندمت على شئ فهو أنى لم أنضم للحملة على مصر . كما أقول أنى 
إذا خيرت بين كافة المهن لأخترت فى الغالب الحياة العسكرية . وفى كلمة نهائية أقول 
أن أقل شئ يكفى لاسعادى لى أمكننى أصلا أن أكون سعيدا !! 

« جرونوپل » فی ۲۷ برومار عام ۸ ( ۱۷ نوفمبر ۱۷۹۹ ) (1) 

الجملة التى تشد الإنتباه فيما سبق هى بالطبع التى تتعلق « بالاسف لعدم 
مشاركته فى الحملة على مصر » . ونلاحظ أنه كتب « الجيش » ولم يتطرق إلى الحملة 
العلمية .. وهذا شئ طبيعى بما أنه كان يميل إلى الإنخراط فى الحياة العسكرية , 
سبق لنا أن أشرنا إلى ذلك الحلم المصرى . 

فى جميع الأحوال فإن بونابارت لم يكشف عن الهدق الحقيقى من الحملة سوى 
بعد أن رحلت ووصلت إلى مالطة واحتلتها ثم أن الذى أثار اهتمام جاك - شامبوليون 
هى المغامرة العسكرية التى كانت قد بيدأت قبل سنه ونصف السنة من تاريخ كتابة هذه 
السيرة الذاتية التى نحن يصددها ..ولم تكن مصر فى حد ذاتها هى التى أثارت 
إهتمامه . والبرهان على ذلك ضمن عدة براهين أخرى » هذا الخطاب الذى أرسله 
التقيب أندريه شامبوليون إلى أخ له وهى على متن السفينة « لو جنيرى » فى ؟؟ فلوريار 
عام ؟ «لازلنا لا نعرف إلى أين المسار . قال لنا الجنرال يونابارت أن لدى عودتنا من 
هذه الحملة العظيمة الأهمية فإن كل جندى سيحصل على ما يسمح له بشراء ستة 
أريان على الأقل ( حوالى ثمانية فدادين أو ثلاثة هكتارات ) أعتقد أن هذه الرحلة 
ستطول بعض الشئ » خاصة إذا كنا سنذهب إلى حيث يقولون ... »2) 

لايوجد مايثبت أن جاك - جوزيف قد كتب لابن عمه النقيب أو أننا على الأقل 
لانعرف فحوى ولاتاريخ الخطاب إن وجد ولكن يمكن أن نقراً ما يمكن إعتباره نوعا من 
الرد ذلك الخطاب الذى أرسله بعد ذلك بفترة زمنيه طويلة الجنرال داريكو إلى جاك - 
جوزيف شامبوليون يبلغه فيه أخبار إبن عمه أندريه : 


من أوجيستان داريكو قائد اللواء ؟٠‏ 


85 


إلى المواطن شامبوليون ... النقيب شامبوليون الذى تسالوننى عنه ( ... ) قد رحل 
على إحدى القطع البحريه وهى فى حالة صحية جيدة' ». 

كل ذلك يظهر بالتاكيد قدراً من الإهتمام لدى جاك جوزيف لهذه العملية التى 
شارك فيها قريب من أقرياءه ... وهى جديرة بأحلام شاب يريد « المشاركه فى رحلة 
بعيده » ويود إرتداء الى العسكرى . لكن كل ذلك بعيد تماما عما يذكره أغلب كتاب 
السير عن « الأمل العميق » الذى كان يختلج فى نفس جاك - جوزيف فى أن يشارك 

فى الحملة على مصر وعن « رجع الصدى المدوى » الذى كان لهذا الأمل فى «نقس 
صغيرنا » حتى أن أحد هؤلاء الكتاب قد رأى من واجبه أن يؤكد أن « عندما رفضت 
حكومه الديركتوار هذا الطلب كانت خيية الأمل لدى الأخ الأكبر مريرة ولكنها كانت 
على درجة هائلة من العنف على نفس الصبى جعلت الجميع يتجنبون مجرد ذكر اسم 
هذا اليلد على مسمع منه » (3) 

لم يحدث قط أن تقدم الأخ الأكبر بطلب إلى حكومة الديركتوار . فهى كانت 
تحافظ على سرية هدف الحملة ( لأن انكشاف هذا السر كان سيجعل نابليون يقع فى 
شراك نلسون ) ولم يحدث أى رفض ولا رد قعل عنيف داخل نفس جان - فرنسوا 
الذى كان فى السابعة . 

ولكن يمكن أن نتصور أن أندريه شامبوليون » النقيب الذى كان ضمن القوات 
التى أبحرت إلى مصر الذى كان على علم باهتمام قرببيه بهذا البلد - قد عمل على أن 
ترسل أعداد من صحيفة لو كوربية AI Le Courrier de l'Egypte cal gs‏ مكتبة 
فيجاك ومنها على وجه الخصوص عدد ۲ قروكتيدور عام » الذى أعلن فيه عن 
اكتشاف حجر رشيد”” .. كما يمكن أن نتصور أن جاك شاميوليون عمل على أن تصل 
جميع الأعداد إلى جاك - جوزيف الذى كان قد إستقر فى جرنويل . 

ش . أى كاريونال -- مؤرخ سيرة جاك - جوزيف - وجد ضمن أوراق هذا الشاب 
مذكرات أخذها عن مصر فى إحدى هذه المذكرات التى تقلها عن كتاب أطلس تاريخى 
يذكر أن الرجال ال ١٠١.٠٠٠‏ الذين يعملون لمدة عشرين سنة فى بناء الأهرام 
استهلكوا يما يوازى 117,0٠٠‏ إكو*** من الثوم والفجل والبصل ) » وذلك يوضح 


* هذا المركب كان يحمل العلم اليونانى 
PA us pal kk‏ 
*««#* من عملة الامبراطورية الأولى . 


86 


أن إهتمام الابن الأكبر بعصر كان أقرب للناحية التجارية منه للناحية الثقافية .. ولذا 
لزم التنويه ... 

كل ذلك كون حزمة من الإهتمامات وأساساً معرفياً . وموك حب ولكنه لايزال 
بعيدا جداً عن الولع الهائل الذى تملك وجدان أخيه نحو أرض الفراعنة التى كانت 
لاتزال حتى عام ١48.7‏ أسطورة من الأساطير . 

فی مقال علمى(ة) خصصه جان باكيه للأخوين شامبوليون فى جرونويل أكد أن 
جاك -- جوزيف عندما وصل إلى هذه المدينة خلال صيف 17/58 كان قد «أصبح شاباً 
خبيرا باللغات القديمة ويعلم اللغويات وبالتاريخ » . لعلنا نعبر عن يعض التحفظات : 
فهى كان يبحث عن طريقه عبر اللغة اللاتينية » أما فيما يتعلق باليونانية فإن تردده فى 
الموافقة على أن يقوم بتدريسها بعد ذلك بعشر سنوات يثبت أنه لم يكن واثقا من 
إمتلاكه لناصيتها . من الأفضل أن نقول إذن أن هذا القادم حديثا إلى جرونويل كان 
محباً لدراسة اللغات والعلاقات التى تريطها ببعض ولتاريخها . 


أولى سنوات إقامة جاك - جوزيف فى منطقة الإيزار كشفت شخصية ذات ثلاثة 
أبعاد : الموظف المجد فى مؤسسة شاتيل شامبوليون وريف" ؛ وشخصية المحب للكتب 
المولع بالبحث عنها والمجازف فى إقتنائها ؛ وشخصية الجامعى تحت التمرين الذى 
تردد فى مسيرته فى الجامعة من المكتبة إلى كرسى الاستاذيه ومن الرسالة إلى 
الاكاديمية صاعدا درجة وراء أخرى من السلم التعليمى حتى أصبح من الشخصيات 
المرموقة فى مجال التعليم واليحث العلمى . 

ويصعب من جهة أخرى التمييز بين هذه المجالات الثلاثة من نشاطه , لأن محب 
الكتب كان يستخدم عمله كتاجر فى شراء وتبادل الكتب فى سفرياته » كما أن مكتشف 
الكتب القديمة كان يجد فى نشاطه هذا مدخلا له إلى الأوساط العلمية . وياختصار 
فقى خلال خمس أو ست سنوات أصبح الموظف الذى عينه أولاد عمومته تحت التمرين 
فى مؤسستهم فى صيف ١758‏ أصبح أحدى الشخصيات القاعلة فى مجمتع 
«الكوميديا الإنسانية » الجرينويلوازيه . تستقبله « أحسن العائلات » وأعرقها إلى أن 
تصاهر مع إحداها وأخذ يشق طريقه نحو التفوق الجامعى . 


*» نشاطها يشبه ماتسميه الآن التصدير والاستيراد . 


87 


لم تتوفر سوى مؤشرات قليلة جدا عن نشاط الإبن الأكبر لصاحب مكتبة فيجاك 
فى مؤسسة « السادة شاتل ( الابن الاكير ) وشامبوليون وريف » . 

وكانت من الشركات المتواضعة المتتخصصة أصلا فى تحارة المنسوجات إلا أنها 
كانت على اتصال مع مرسيليا وميناء لوهافر وجزيرة المارتينيك ) وقد توصلنا إلى 
بعض أثار لسفريات قام بها الموظف الصغير إلى ياريس وروان وليون والهافر 
صفقات رايبحة وأن دخله تحسن منذ عام ما ٠‏ وعلاوة على كل ذلك فقد كان 
مقتصدا وقريبا من ماله . 


إلا أن حياته كانت تدور فى المقام الأول حول الكتب وهى التى قادته خطوة تلو 
الأخرى إلى الثقافة والعلم . فهل يعود ذلك إلى تراث عائلى ؟ المؤكد أن جاك - جوزيف 
كان مولعا بالكتب . كرس لها حياته كلها إلا أنه لم يمر بتجارب « حامل الخرج » 
القاسية غير أن الواقع هى أنه تعامل فى تجارتها كما فعل والده وأن حمى إستكشافها 
وشراعها التى ملكته منذ أن بلغ سن العشرين تزامنت مع أكتسايه براعة فذة فى 
إستغلالها ماديا . 

عندما كتب فى تلك الحقية من حياته : أنه يتحصل « بعناية كبيرة - وفى أحيان 
كثيرة بتكاليف عالية - على مؤلفات هؤلاء الكتاب الذين فتحوا أمامنا الطريق ... (...) 
هوميروس وسترايون وسوفى كليس ( ... ) الذين « لانمل سماعهم يتكلمون » .. فإننا 
نشعر أنه فى قوله هذا كان بالتاكيد صادقاً . تعطشه إلى المعرفة واكبه شراهة كبيرة 
لكل ماهو مطبوع وإلكتب النادرة: إبن صاحب مكتبة فيجاك كان مريضا بحب الكتاب . 

هذا الولع المتقد تولد عنده تلقائيا .. إلا أنه تضاعف عندما تعرف عام 18.7 على 
شخص إسمه ياسانت جارييل كان على نفس القدر من الوله ... غير أن هذا الاخير 
كان يتاجر أصلا فى الكتب .. قدمه له أحدهم قائلا« أقدم لك إبن العم شامبوليون 
تاجر متعلم وشغوف بالأداب الجميلة .. » 7)ومنذ ذلك الحين بدأت رحلة صيد مشتركة 
استخدم ناتجها أحيانا كعملة للتبادل . 

فی مرة استلم من صديقه صندوقا يحتوى على كتب متباينة فكتب خطابا يقول له 
فيه « کمبدا عام فان کل ماهو غير مفهوم يعتير ملاسماً لى ومن ذلك العبرى والسيريانى 


* حيث إصطحب معه أخاه چان قرنسوا في إحدى السفريات إليها . 


88 


والسانسكريتى والتاتارى والصينى والفارسى وعلى وجه الخصوص اللغات القديمة 4 
إنها طريقة à‏ تفكير تمهد لأعمال كبيرة آتيه ! ثم يستطرد « إبن العم » شامبوليون موجها 
خطابه لحارييل : 


« أمنى تفسى بسعادة جمة مع الصندوق العبرى - السيريانى - الكالديانى - 
اليونانى - الإسبانى - الجزمانى - الانجليزى - الشعرى - اللاهوتى - الفلسفى - 
النقدى - الويستان «" الجاربيلانى (...) هل توجد وسيلة لإضافة شامبوايونى ؟ ( ... ) 
ماهى التضحيات التى ستفرضونها ؟ وماهى الكلمات ؟ والأفعال ؟ » (8) 

إنها لهجة صائد النصوص الذى يعانى من ولع شره مضافا إليها نفمة هزلية 
ومؤثرة تعكسها « كل ما هو غير مفهوم » : سرعان ماسيصاب جان - فرنسوا ينقس 
الحمى التى ستتضاعف فى حالته هى بفعل عيقريته المستبدة . 

اضطر آكل الكتب متعددة الاشكال واللغات هذا إلى اللجوء إلى آلاف الوسائل 
التى أتاحتها له براعته التجارية اتجميع ثروته هذه لأن مرتبه لم يكن بالطبع متتاسبا 
أبدا مع هذه النفقات غير أنه لم يكتف يوضع براعته فى خدمة ولعه النبيل هذا بل أخذ 
يستخدم براعته فى جمع الكتب وثقاقته التى استمدها منها ليدفع بنفسه داخل 
الأوساط المثقفة بمدينة جرونويل بادءا مرحلة صمعود متسارعة طوال خمسة عشر عاما 
بين الأوساط التعليمية والأدبية والبرجوازية المتنورة لعاصمة مقاطعة الدوفنيه . 

أضف إلى ذلك أن الكتاب لم يكن حبه الوحيد : إذ أن علم اللغات وعلم النميات 
(درابسة وجمع القطع النقدية والميداليات والأوراق المالية .. إلخ ) والتاريخ القديم بشكل 
عام كانت تستهوى هذا العقل الباحث فى كل الاتجاهات : سنراه يتجذب تحى كل ماهو 
أثار قديمة » فضوليا لايكل ومطارداً مهم لم يكتف بأن يسلك الطريق الصاعد متسلقا 
نحو مختلف الطبقات العليا للمجتمع الجر نويلوازى بل عمل أيضا على أن يقيم علاقة 
أساسية لمستقيبله ثم بعد ذلك لمستقبل أخيه مع أويان — لويس ميلان : أمين متحف 
الأثار بالمكتبة الوطنية » ومؤسس مجلة : اللخزن الأنسيكلوبيدى ٠‏ أفضل دورية ثقافية 

تنشر فى ذلك ألوقت فى فرنسا» ** 


* نسبة إلى البائع السويسرى للصتدوق الخرافى : ويستاين 
#» علماً بأنهما لم تكن تطبع سوى 45٠‏ نسخة فقط 


39 


ويتجراً جاك - جوزيف هذا القروى المجهول ويوجه رسالة إلى الشخصية التى 
كانت تعد حينذاك قمة علوم الآثار فى فرنسا ثم يقيم معها علاقات مراسلية تحولت إلى 
صداقة فعلت الكثير للمستقبل المهنى متعدد الإتجاهات للأخوين . ستعوب فيما يعد 
للحديث عن « مسيدو ميلان » عند الحديث عن جان - قرنسوا شامبوليون ... الذى 
أصبح بعد أخيه تلميذه ثم صديقه وفى جميع الأحوال كان مدينا له بالكثير . ولكن 
انسجل هنا قبل أى إستطراد أن هذه الشخصية المثقفة كانت للثنائى الفيجاكى يمثابة 
المعلم بالمعارق ويأُسلوب الحياة المتمدنه . كما أن اختيار جاك جوزيف منذ البداية لهذا 
el sil‏ لهما D jrs‏ ضرية معلم » يحق . 

إلا أن نشاطه المتعدد فى كافة الاتجاهات لم يصرقه عن هدفه الأصلى ألا وهو 
التدريس إذ أن ميل جاك - جوزيف إلى كل ما هو نادر وما هى موحى بالغراية وما هو 
« غير مفهوم » جعل تفكيره إيجابيا وجعله يهتم إهتماماً بااقا بأن يصسبح من 
الشخصيات المرموقة فعمل على تجهيز ولعه بالتنقيب والبحث وإحتياجه لإندات ذاته 
بالأليات اللازمة اتجسيد ذلك . ستراة يصيح أمين مكتية المدينة زھی وخليفة ملاعده 
جداً مرحلياً إلى أن يصل إلى الوظيفة النبيلة التى يتحرق شوقا لها وهى التدريس مع 
كل مايوفره له هذا العمل من سلطان . ومن المقيد فى هذا الصدد أن نقرأ نص يكشف 
فيه بصدق واضعح أفكاره الحاكمة والتى يستفيد منها ويتحمل اثارها فى يعض الاحيان 
أحوه وتلميذه حان - فرئسوا هذا النص جاء فى سياق خطاب Lu‏ 4 إلى العزيز دوم 
كالمباز كائم أسراره المفضل ومن خلاله تكتشف أنه مربى فى طور التكوين (9) . 


« إن بلدتنا " تعتبر للأسف ضمن البلدان التى لا يعطى فيها التعليم قدره 
الحقيقى .. فيها تظل المواهب نبتا لا يراعى كما أن الوسائل اللازمة لدعمها تبقى دون 
إستخدام إن هى وجدت أصلا .. علماً بآن الطبيعة لم تضن على سكانها بتصيبهم من 
الذكاء والأسياب الموجودة على الدوام تمنع تفتحه ٠‏ يترتب عالى, ذلك عدم جلوى جهول 
الذين يطمعون مثلك فى تزويد الفنون بالمعارف والعلوم بمحبيها والمج تمع بمواطنين 
اكفاء . إلى كل ذلك يرجع السبب وراء هذا النوع من البلاهة التى يرتع فيها مايسمى 
بالشعب الطيب ... وهذا هو فى نهاية الأمر السبب فى الأفضلية الممنوحة لطبقة متميزة 
... وأعنى بذلك طيقة الأغنياء .. 


+ فيجاك 


. 90 


« إن حكومة الجمهورية الفرنسية ومشرعينا أرادوا محاكاة الأقدمين على أساس 
أنهم كانوا المتفوقين وهم فى ذلك على حق »ا أن مدارسنا الإبتدائية لا توازى بأى 
حال « جيمنازات » روما ولا مدارسنا العليا أكاديمية أثينا . لأنهم عندما خططوا لهذا 
المشروع لم يراعوا الأوضاع قى فرنسا ( .. ) فالتعليم هتا" مهمل .. لأن القلة فقط هى 
التى تعطيه مقداره ولأن المبدأ العام غير وأرد كما أن الغرور والمصالح الشخصية 
تتبنى لنفسها مبادئ خاصة . وعليه فإن الغرور المتوطن فى قلوب سكان المدن الكبيرة 
لا يرى أهمية اوجود مدرسة إبتدائية مركزية . 

« يترتب على ذلك أن المدرسين الخصوصيين يوظفون فى المنازل فلا يخضعون 
لأى تفتيش .. والنتيجة هى إنشاء نوع من التعليم تتراوح نسب الخطأ والعلل فيه أن 
التخبط متقشى ( ... ) الاثر السئ للمصالح الخاصة يتنامى بسيب صلته الوثيقة 
بالتجارة . إن عدد التجار كبير ويجد الطقل البالغ من العم بست بسنوات نفسه موجها 
من أبية إلى هدف ما وهذا الهدف يصبح الأساس فيما يتلقاه من تعليم . .. وأترك لكم 
تقدير ما يترتب على ذلك عندما يواجه ميل ما لدى الصبى الصف بإرغامه على المضى 
فى اتجأة محند**. 

« ملحوظة ( ... ) المدارس الخاصة تكتقى فيما يخص اللغات القديمة باللغة 
اللاتينية لآن كثيرين يعتبرونها على علاقة باللغة الفرنسية ولا يوجد مدرس للغة اليونانية 
القديمة .ولا مدرس للغة الانحليزية .. يوجد يعض مدرسين للايطاليه ٠‏ مدرس ali‏ 
واحد ولا أحد للإسبانية وهكذا يبقى أكثر الحقول خصوية دون فلاحة .» 

نجد فيما سبق فكراً واضحاً وحراً وإن ام يأتى يجديد » متوجه بإصرار ناحية 
التريية أو على الأقل ناحية نقل المعارف » كما نلاحظ إهتمامه باللغات ,سواء الحية منها 
أى القديمة » وبالإبقاء على الثقافة الكلاسيكية القديمة ويقينه الراسخ فى أسبقية 
النشاط الذهنى على النشاط النقعى - كما نسجل أيضا اهتمامه بالمساواة وعداءه 
المعلن لامتيازات « الأغنياء « ٠‏ نحن هنا يصذدك مجموعة من المعتقدات والميول التى 
تجعل من جاك - جوزيف رائداً من رواد التعليم العظام فى نهاية القرن من جول فرى 
إلى أرنست لافيس . 

لى أردنا تخطى التسلسل التاريخى للأحداث ستجد أننا لن نتمكن من تحديد 
مكانة أبن تاجر كتب فيجاك داخل المجتمع الجرينويلوازى حيث سيصعد بأخيه أولى 
* يقصد مدينة جرونويل 
** هل يستشف من ذلك أن جاك جوزيف كان يشير إلى ما حدث له شخصيا عندما وجهه أبوه إلى 
هذه التجارة ؟ 


91 


سلاام المجد دون أن نشير إلى بعض المراحل الأساسية التى عرفها صعوده هو داخل 
هذا المجتمع . | 

أولى هذه المراحل تعود إلى الحظ وتتمثل فى تعيين جوزيف فوربيه قائداً لشرطة 
جرونويل عام 18-7 وهذا الذى سيكون له دور حاكم فى تاريخ أول 
شاميوليون : فقد كان فورييه عالم طبيعة مشهور وكان سكرتير عام معهد 
مصبر 16مل/ا0”01 'stitut‏ وكان نابوليون قد إصطحيه معه إلى ضفاف النيل ثم عينه 
محافظا لمقاطعة إيزار ويعد ذلك طلب منه كتابه مقدمة كتاب « وصف مصر 3 

وعندما أقام جاك - جوزيف علاقة صداقة وطيدة مع هذا العلامة ورجل السلطة - 

عد شهور قليلة ( ديسمبر 14.7 ) دخل جاك - جوزيف شامبوايون عضوا فى 
جمعية الفنون والعلوم » لمدينة جرونويل التى حلت محل « اكاديمية دوفيتيه » الشهيرة 
(التى قررت الثورة إنشائها قيل ذلك بعشرة أعوام) .. أن يقبل هذا الموظف الصغير فى 
مجال التجارة نو الاعوام الخمسة والعشرين والذى لم يحصل على أى درجة جامعية أو 
أدبية - والذى لم يكن قد أقام فى المدينة إلا خمس سنوات فقط عضوا فى هذا المجتمع 
العلمى إلى جوار الشخصيات المرموقة فى المدينة - يعطينا فكرة عن دنيامية هذا 
الشاب وعن السمعة الطيبة التى اكتسيها . مما يعد بمثابة وعد بنجاحات تالية ! . 

إلا أن زواجه من زويه بيريا فى الأول من يوليو ۱۸٠۷‏ هو على الارجح الذى أمن 
مستقيل أكبر البناء شامبوايون بصورة لافتة . ولا يرجع ذلك إلى أن آل بيريا كانوا من 
الأثرياء الكبار » فلم تتعد دوطة زوية أثنى عشر جنيها ترنوازيا وهى مبلغ لم يكن ليدير 
رؤوس شباب العصر الطموحين . غير أن هذه العائلة كانت من العائلات المحترمة . 
ضمن البورجوازية المرموقة والمتأصلة باقتدار . كان بيير بيريا - حمى جاك - جوزيف 
رئيس مجلس إدارة نقابة محامى المدينة. كما كان بيريا - سان برى من رجال القانون 
المشهورين , فعوضما عن « الثروة » فضل صديقنا - كما قال فى خطاب جارييل أن 
يتبع « ميوله » العاطفية ( فقد تزوجا بعد ستة شهور فقط من لقاءهما الأول !! ) استقر 
دون بريق كبير إستقرارا متعقلا , إلا أنه كان إجتماعيا ومثقفاً على مستوى راق ."” 


+ انظر الفصل التالى 
++ قد يستشف من قراءة خطاب أرسله له أخوه الأصغر لتهنئته على قراره أن جاك - جوزيف كان 
فى بادئ الأمر ينوى الزواج بآخرى زواج منفعة . 


92 


نقرأ فى الكتاب الذى أفرده له س - أو كاريونال نصاً من حوليات مقاطعة 
الإيزار. فى صفحة ٠١‏ يوليى 18٠1/‏ يشير إلى « حفل زواج » أنشدت خلاله بعض 
الاشعار من تأليف « شامبوليون الكبير وشاميوليون الأصغر » وتلى ذلك نص من شعر 
العريس نذكر منه هذا البيتين الأخرين فهما يوضحان فى إيجاز شخصية جاك - 
جوزيف فى ذلك الوقت . إذ أن البساطة هذا تبين أننا لسنا بصدد شخصية خبيثة : 

« يا زويه تأكدى من رقة مشاعرى 
ومن ميلى الشديد للعصور القديمة ,(10) 

لقد أردنا أن نرسم فقط الخطوط العريضة لشخصية أكبر الأخوين شامبوليون . 
أما مراحل حياته الأخرى فسيجئ سردها مع مختلف مراحل سيرة أخيه ! ولن يمكن 
بعد ذلك التفريق بينهما . 

فقد كان من الواجب أن نبادر بتحديد شخصية هذا العضى الأساسى فى قصتنا 
الدرامية تحديداً واضحا .. فهى إن لم يكن بطلها الأول فهى على الأقل مخرجها . ولذلك 
قمنا يوضع بعض العلامات على الطريق وأشحنا بعيداً عن بعض الأساطير التى روج 
لها من كانوا يسلطون عليه الاضواء ( ومن هؤلاء بطبيعة الحال إبنه إيميه” وكان كتابه 
المصدر المطبوع الأول الذى لجأ إليه المؤرخون ) ومن جهة أخرى من كانوا على النقيض 
من ذلك يدفعون به إلى الظل حتى بيرزوا عظمة أخيه الأصغر . 

هكذا كان جاك - جوزيف شاميوليون مراسل ميلان وصديق قورييه الوفى 
والعضو المنتخب لجماعة الفنون والعلوم ثم بعد ذلك زوج إبن بيير بيريا يخدم طموحه 
بطريقة منظمة ويثقف نفسه على أيدى جميع من يتيح له ذلك . ثم أخذ يعد فى جرونويل 
المأوى الذى سيقيم فيه ويتريع الابن « المتمرد » الذى فتح له سكان جارة لايودوسكورى 
والقس كالملز باب القفص ليفر طائرا من فيجاك . 

قد نشارك كاتب بسيرة الابن الاكبر لصاحب مكتبة فيجاك ش . أو كاريونال فى 
الإستهزاء دون قسوة من حسه الزائد عن الحد لكل ما له علاقة بمستقبله المهنى . إلا 
أن هذه التحركات والبراعة فيها وهذه الخطوات الالتفافية تذكرنا بالشباب الطموح 
الذى رسمت شخصياته وشخصيات من هم أصغر منهم مختلف أجزاء « الكوميديا 
الانسانية» لبلزاك . 


۱1۸71۷ « Jai Les deux Champollion شاميوليون وشامبوليوت‎ + 


93 


خطايات جاك - جوزيف شامبوليون قيجاك إلى أخيه الأصغر تتناثر فيها أمثال 
تشبه تلك التى يضعها بلزاك على لسان الأب هيريرا وهى يعطى دروسه إلى لوسيان 
فى رواية « الأوهام الضائعة » 6068 05أ05ا|اأ 65 ا فهى يكتب له فى أحد 
خطاباته « يجب أن تعرف بنفسك فى باريس لكن تنجح خارج باريسٍ ٠‏ وآن تكتسب 
الهارة لبلوع النجاء : في المجتمع هي فى أن تقوم بعمل الشئ المناسب فى الوقت 
المناسب ...» ( من خطابين مؤرخين فى ؛ يناير و6 فبراير 1604 ) ٠‏ 

يجب أن نوضع أولاً أن هذا السلوك يعكس التقاليد التى كانت سائدة فى ذلك 
الوقت وهى يتناقض مع ذلك التى تلاه وشاع بين الشعراء « الملعونين » من جيرار دى 
نرشال إإى لوتر يامون الذين جعلوا من الفشل فى المجتمع المرادف - بل الشرط 
الواجب - لإزدهار القريحة الخلاقة ... ونوضح ثانياً أنه لولا SA‏ المناورات - التى هى 
بمثاية عملیات إرساء الأساس لتضاعفت الصعوية التى واجهها الاخ الأصغر 
على طريق النصر . 

كان من الواجب فتح الطريق أمام التخمينات الوضاءة التى لاحت له فى 
العشرينات من القرن ... وتوفير شروط الإنصات له وعقد التحالفات أمام المجوم 
المضاد الذى يثيره تلقائياً كل عبقرى خلاق . كان يحتاج إلى مبشر يأعماله وإلى وصى 
عليه وإلى مداع عنه مما كان بوالى بالنسبة لراسين ... ولذلك فإن قيام جاك - 
جوزيف بعمل أشياء لم يرض أو لم يعرف كيف يقوم بها أخوه الأصغر هى أفعال 


فيجاك قد اختار لنفسه لقباً مركباً أضاف فيه إلى اسم عائلته اسم المدينة التى ولد 
فيها : فيجاك - وأنه فعل ذاك حتى يترك لأخيه الأصغر شرف التمتع وحده باسم 
العائلة لأنه كان يعرف مسبقا أنه سيصل إلى المجد . وراح البعض يمتدح هذا Jul‏ 
. الرائع فى التضحية الأخوية . 

مثلما يحدث دائماً عند التصدى لقصة هذين الأخوين فإنه لايمكن أن ننحى جانباً 
مثل هذا التفسير النبيل للوقائع . فير أنه من الواجب أن تأخذ أيضا فى الاعتيار بعض 
التقائيد التى انتشرت بعد الثورة وصعود بورجوازيه جديدة تتطلع بدورها إلى التميز , 
ولا كانت لفظة دى« de‏ « التى كانت تسيق أسماء العائلات gli ill‏ ماقيل الثورة 
( تنسب هذه الأسر إلى مكان إقطاعياتها ) أصبحت ملعونة بعد الثورة فقد لجأت هذه 


94 


البورجوازية إلى وسيلة تميز أخرى مكتفية يها مرحلياً بإضافة أسماء ء مدن وقرى 
صغيرة إلى اسم الأسرة مباشرة ( مثل روابيه - كولار ولودرى - رولان ) واستمر 
الحال لفترة إلى أن عادت « 06 » تبزغ من جديد مثلما حدث مع أونوريه « دو » بلزاك 
وجيرار « دی » نرقال . 

فى مدينة جرونويل أصبحت هذه الطريقة فى التميز شائعة » فقد بدأتها الأسرة 
التى ناسيها جاك - چوزیف فیما بعد : بيريا فقد أضاف إليها عميدها جاك إسم 
RUE"‏ ل « ببريا - سان پری » فزاد الإسم روتقاً !! . ويقول - 

- أى كاريوتال : « هذا الادعاء فى إضفاء الذبل على أسماء العائلات أصبح شائعاً 
فى تلك الحقبة الزمنية » إلا أنه يسجل أيضا ؛ ن جان فرنسوا « رفض بإصرا, »أن 
يلجأ إلى هذه الحيلة السائدة ولم يتيع أهله هذا المنهج (!!2. إذا شاب هذا الت سير 
شئ من السلبية فهو لاينم عن اختلاف فى المواقف بقدر مايعكس إختلاة) فى 
الشخصية وقى « مشاريع » كل من الشقبقن . 

إن هذا التباين فى إطار التكامل الذى نحن بصدد تقدير درجة قوته بين 
الشخصيتين يجب إرجاعه أيضا إلى الفارق فى السن الذى يفصلهما والذى يكاد يضع 
كل منهما فى جيل آخر إذ يصل إلى أثنى عشر عاما . ويكاد يكون هى فارق السن بين 
أحد الفراعنة وأبنه البكر !! من هنا إكتسب حجان -- فرنسوا عادة إضافة صفة الأخ 
الأصغر « كاديه » ( 03081 ) إلى إسم عائلته عند التوقيع وقد تحولت هذه الصفة 
عام 18.٠6‏ إلى كلمة ه صغير » باللفة العربية 5601١1‏ » وذلك عندها إنفمس تمامًا 
فى دراسة لغات الشرق .. وسرعان ماتعدى إستخدام هذا اللفظ فى التوقيع 
على الخطايات المتبادلة بين الأخين ليصبح الأسم الذى يناديه يه أعضاء الأسرة 
والأصدقاء أيضا , 

يعد فترة من الزمن لجاً صاحب الاكتشاف الى توة قيع مختلف إذ كان يضيف 
حرقى ل. چ. sf « le jeune » (ge dl si‏ » [ .ا » (أى Cat ES‏ أى الأقل سئًا ) 
حتى يذكر بأن هناك شامبوليون آخر له مكانة فى مجال علم الآثار وأن المجد الذى 
أدركه يجب ألا يظلل مايستحقه الآخر . إن هذا النوع من العلاقات بين الأشقاء يچب 
أن يضرب يه المثل . 

النزعة الاستة ستشراقية التى جعلت چان - فرنسوا يختار لفظ « صغير » ١؟[ةا560»‏ 
حتى قبل أن يستعرب لدی زيارته لوادى الثيل عامى ۱۸۲۸ و ۱۸۲۹ أخذت أشكالا 


95 


مختلفة ومتعددة . فذخرى « صغير » يقتع أخاه الأكبر بأن يسمى إبنه اليكر « على » 
فى وقت لم يكن هذا الاسم شائعًا فى الغرب . وعندما رزق هى نفسه بابنته الوحيدة 
فقد أسماها « زوراييد » ( تحوير واضح لزهراء ) .. وهكذا نرى أن الجى العام 
السائد لديه كان مايسمى فى ذلك الوقت« استتراك » ( من كلمة تركيا (8أ0]16؟نا1) ) 
رهوجو موزار ولیس موليير - وهويثير جو الشرق الأسطورى الغامض والذى دخله 
الشقيقان حاملين سراجهما ٠‏ | 


الصورة التى قد يخرج منها المرء من تجميع بعض ملامح جاك - جوزيف 
شامبوليون - فيجاك مثل التكالب الوظيفى وهواية جمع الكتب النادرة وحب عقد 
ومثقف متعالى وائيم ومرتشى غير أن الحقيقة هى أن لاشئ فيما عرف عن علاقاته 
بمعظم معاصريين يسمح يتأييد مثل هذا التصور . 

لم یکن چاك - چوزیف بارعا فقط فی تصرفاته بل كان يتمتع أيضا ٠‏ بقبول 
ريع الأول من القرن تظهر أناقة à‏ وبشاشة وطيبة وذكاء متقد وهى جميعًا صقات 
ساعدته فى تحقيق نجاحاته الاجتماعية والفكرية . إن ماقام به فى حياته من زواج 
اهما فى جميع الأحوال دای جميع الأوقات على حق دون الأشرين جعي كل ذلك 
يشير إلى أن الرجل كان يتزع دائما إلى أن ينال الإعجاب وكان يتاله . 

لى أن جاك - جوزيف شاميوليون قد وضع كل ماسمحت له مقدرته على الإغواء 
وطاقته على الإغراء وإصراره على التقدم والالتفاف والترقى والتملك لخدمة مجده 
الشخصى لكنا تحفظنا على شخصية هذا الانتهازى أو المتسلق . لكن الواقع أن هذا 
النشاط الاجتماعى كان فى أغاب الأحيان يوظف لخدمة الرجل النايفة الذى 
اكتشفه مبكرا فى شخص أخيه مما يدقعنا إلى الاعتقاد أن فى ذلك مايرفع عنه ذنوبه 
بل ويشرفه . ' 

إنه ترابط وتوأمة تذكر بما رسمه بلزاك فيما بعد من شخصيات فى رواياته عن 
أخوين مرتبطين مثل داقيد سيشار ولوسيان دور رويامبويه فى « الأوهام المفقودة » 


96 


وأيضا مثل الراوى وبطل « لويس لامبار » وكان أصدقاؤهما يطلقون عليهما كناية 
تركة هى : « الشاعر وفيثاغورس » . 

إننا لاندعى هنا أننا نخلط بين جان - فرانسوا شامبوليون وشخصية 
لويس لامبار » وهو النابغة الكامل والذى صعقته نوبة « وجد مُشل » حتى لو كان 
مكتشفنا لفاتيح اليه _روغليفية قد عرف ولو لفترة قصيرة نوية شبيهة لحظة 
توصله لاکتشافه فى ٠١‏ سبتمبر ۱۸١١‏ . ومع ذلك فإننا نذكر فيما بعد بعض الآراء 
التى عبر عنها بطل رواية بازاك إلى صديقه الذى هو بمثابة « چاك - چوزيف » 
بالنسبة له : 

« من ذا الذنى سيشرح فلسفيًا إنتقال الإحساس إلى الفكر والفكر إلى الكلمة 
والكلمة إلى تعبيرها الهيروغليفى والحروف اليهروةليفية إلى الأبجدية والأبجدية إلى 
الفصاحة المكتوبة » جمالها ينيع من سلسلة الصور التى يرتيها المتحدث والتى هى 
يمثابة هيروغليقيات الفكر . ؟؟ ألم يحدد الرسم فى العصور القديمة الأفكار البشرية 
على هيئة أشكال حيوانية وحدد بذلك العلامات الأولى التى استخدمها الشرق التعبير 
بالكتابة ؟! (12) , 


كتب هذا النص عام 1477 وهى السنة التى توفى فيها مكتشف أسرار 
اليهرغليقية يعد اكتشافه بعشر سنوات . وهى يبدو وكأنه لحديث متبادل بين نجلى 
صاحب مكتبه فيجاك . وصل إلى سمع هذا المنتصر الآخر الذى كان يعمل - هو- 
على حل الألغاز الاجتماعية السائدة فى عصره ؟ 

إن من حقنا أن نعبر عن خيبة أملنا فى الكتاب الذى كتبه إيميه شامبوليون - 
فيجاك عن أبيه وعمه بعد فترة وجيزة من موت أبيه جاك - جوزيف 
«181001]1011 2 <انا06] 165» وهى الوفى الورع لذكرى أبيه . غير أنه يتعين أن 
نستخلص من هذه القائمة غير المرتية لبعض المستندات والروايات عنوانها الفرعى 
على الأقل : « حياتهما وأعمالهما » إذ إنه على الرغم من سطحية الكتاب فال مفرد المتسم 
به البعد السيرى يلقى تأييدنا - فى مقايل صيغة الجمع اللملتصقة بأعمالهما فقد كانت 
متباينة جدا بالفسبة للرجلين . 


الحياتان كانتا معقودتين مثل العمود يعقد المعبد تحمل الأولى الأخرى لتتسامى 
بها وتدفع بهذا الحمل اللحوح نحى القمم والنور . 


97 


بدون جاك - جوزيف لكان من المرجح أن يبقى الأخ الأصغر باحثا مغمورًا ثم 
« يموت من الغفضب » ومن كبت عبقريته مثل ليون بلو! ... ويدون جان -- فرنسوا فان 
الأ الأكبر كان مهددا بأن تسير حياته العملية دون إرتكاب خطأ واحد فى الأكاديميات 
الفرعية فى مختلف المدن ويل وفى باريس أيضا ٠‏ يلبى دعوات على العشاء هذا وهناك 
ويسرى عن الحضور بثقافته فى صالونات سيدات المجتمع . إن تحالف الشقيقين سمه" 
لهما ياجتياز العواصف ويلىغ القمم . 


98 


- جروتوبل و ” مكان إقامة قاتل “ 


هنرى برولار وسوء الهضم - »د جروليبر » - جاك - جوزيف ا معلم - مدرسة 
الليسيه والطبلة - عالم شرقيات فى الخامسة عشرة من عمره - «ه جوهانيس 
وه الوحوش » - الضجة الكبرى - « ا مصريون يسكنون قلبى » - جوزيف فورييه - 
مراهق يحاضر فى أكاديمية الدوفينيه ... 


عندما تزل جان -- فرنسوا شامبوليون وهو فى العاشرة من عمره من عرية السفر 
القادمة من ليون على رصيق إيزار فى السايع ( أو الثامن ) والعشسرين من 
مارس ۱ء ۰ كان هنرى بال « ستندال » قد فر من المدينة منذ خمسة عشر شهرا 
وكان قد ولد بها قبل ثمانية عشر عامًا وندد بها بطريقة مسرحية فى كتايه « قصة حياة 
هنرى برولار » : « كل ماهی منحط أى متسطح فى البوراجوازية يذكرنى بجرونويل وكل 
مايذكرتى يجروتويل بثير اشمئؤازيى . … كلا إن كلمة إشمئزان 3 تعتير أنيل مما أشعر به : 
غثيانى هى الأصح ' إن جرونويل بالنسبة لى هى مثل ذكرى سوء هضم رهيب . .. کل 
ماهو منحط ومتسطح [ ... ] هذه هی جرنويل بالنسبة لى D‏ ... » . 

لعتة سيخفف من حدتها كلام مختلف جدا عندما يتحدث ستندال عن الفترة التى 
تحرر فيها فى شبايه من الإستبداء المتلث الذى سيطر عليه عندما كان يقيم فى شارع, 
« قدى - جیزویت » . إستبداد والده وعمته ستيفانى وأستاذه القس ريان . 

هذه الجرونويل التى عرقها چان - فرنسوا شامبوليون فى بداية القرن عند هبوطه 
فيها لانن إليها نحن بعين الصبى بايل ( ستاندال ) أسير « الأباء اليسوعيين » 
ولكن بعين المراهق المغلوب على أمره أمام أسلوب تعليم وحياة تلميذ يشبهان تلك الحياة . 
التى عاشها صبى فيجاك الصغير . 

نسجل هنا دهشتنا الكبيرة التى يشاركنا فيها كل من عرف نزعة التضامن التى 
يتسم يها مكان مقاطعة دوفينيه - والتى ستتكر أسبابها عبر قصتنا هذه : نسجل أن 
مؤلف كتاب « برولار » ( ستتدال ) لم يقابل قط مكتشف لغز الهيروظيفية , أو أنه لم 
يذكره أبدا ضمن أسماء المئات من مواطنيه الذين ذكرهم بقلمه * COTE‏ عشرين عاما 


» تحققنا من ذلك مع أستاذ الدراسات الستندالية فيكتور ديل ليتى . 


99 


من الاكتشاف الذى تشرف به أحد مواطنيه لم يذكر ستاندال ولى بكلمة واحدة إسم 
شامبوليون وهى الذى نال امن شاتوبريان العديد من صور الثناء . وعلى الرغم من أنه 
جعل من كراهية جرنويل دستورا له فهى لم يخف إعتزازه بسكان الدوفيتيه لما أسماه 
« مزاجهم الخاص » الذى هو« توع من الإحساس بالذات تتسم بالحيوية والإاصرار 
ورجاحة التفكير ... مثابرة وعمق وذكاء وحس رفيع ... » 

لو أن طريق حجان - فرنسوا شامبوليون قد التقى وطريق ستاندال فإن هذا 
الأخير كان سيختار بين تصنيف الشاب القادم من فيجاك بين مواليد « مثلث الموت - 
بوردى - يايون -- قالانس : الذى يؤمن سكانه بالسحر ولايحسن أحد منهم القراءة 
وحديثهم ليس فرنسيا © » أى أن يضعه فى مصاف الذين يتسمون « بالعمق » 
و« الحس الرفيع » فى مقاطعة دوقينيه , إننا لنراهن على أن كاتبنا الذكى كان 
سيطرحه ضمن هذه المجموعة الأخيرة كما يجب ألا ننسى أن الروائى ( أى ستاندال ) 
كان يصغر جاك - جوزيف بخمس سنوات ويكبر جان - فرنسوا يسيع إن ذكرياته 
عن المدينة التى تلامس فيها شبابهم ودراستهم يحبهم الأول كانت دا دائما متفاوته 
قالينسية لتجارب وأعمال الأخوين كان متقدما عن الأول faîtes‏ عن الآخر . 

فى تلك الأيام المحمومة تقلبت المواقف وتباينت الشخصيات والقيم وعلاقات 
القوى من شهر لآخر . خلال الأشهر القليلة التي غاب فيها ستاندال عن جرنويل 
واستقر فيها شامبوليون الصغير . كان بونايارت قد عاد من مصر ووضع فهاية للثورة 
كما أقام حكم القناصل ومهد لحكم الوفاق ( 007001034 ) وأكد هيمنته على القارة 
فى مارنجى . إن كلا من هذه السنوات كانت تأتى بتغييرات أكثر مما تأتى به عقود 
عادية بأكملها . 

فلنعد إلى مطالعة رواية « هنرى برولار » لنتعرف ونستنشق الأجواء التى كانت 
تسود مدينة جرونويل عندما شق الأخوان شامبوليون طريقهما فيها نحو المجد فيما 
عدا يعض الفترات القصيرة التى تغيبا فيها عنها ) . نفس الأشخاص عبروا حياة 
الثلاثة لسبب أو لآخر : من الطبيب هنرى جانيون جد ستاندال الطيب والذى كان وراء 
تنمية التعليم فى المدينة ورعاية متحفها إلى شارل رينودون عمدة جرونويل من ١8٠٠‏ 
إلى 18١١‏ والذى كان زميلا لشيرويان بايل ووالد أحد أقرب أصدقاء جان - فرنسوا ... 
ومن القس جاتال الذى قام بتدريس قواعد اللغة للروائى والمستشرق على التوالى أمام 
الأب دوكرو الراهب المشلوح الذى عين أميئا للكتية المدينة والذى كان يعتبره ستاندال 
من « العباقرة » ٠‏ 


100 


ومن خلفه دويوا - فونتانال الذى شغل فى نفس الوقت منصب عميد الجامعة 

الوليدة وأستاذ التاريخ بها وهى الذى فتح الطريق أمام الشقيقين , إلى أستاذ الرسم 
چای الذى كان لا بعرف سوى « تحميس تلاميذه » حسيما قال ستاندال وفى كلمة 
نقول أنه فى كنف مجتمع جرنويلوازى مترابط ومتناغم ترعرع كل من الروائى ( على 
عجل ) ويصعوية بالنسبة لعالم الآثار أى ستاندال وشامبوليون . 1 

فى معرض سربنا سنقرأ إحدى رسائل جان فرنسوا يطلب قيها من أخيه أن 
يوصى الطبيب جانيون لكى يداوى عينيه العليلتين . كما سنراه تلميذا قادمًا من فيجاك 
« يثير » المشاكل لأساتذة سلفه يايل مثل المدرس لاكروا ... كما أننا سنلتقى برينودون 
- الأب والإبن - فى قلب الصراعات السياسية التى عاشها الرجال الثلاثة . لقد جاع 
من أوساط إجتماعية متباينة وكان مستواهم المادى شديد الاختلاف إلا أنهم كانوا 
متفقين دون أن بلتقوا -- قى كرههم « للآباء اليسوعيين » وفى نفورهم من المتطرفين . 

على العموم فإن جرونويل التى هرب منها ستاندال عام 1744 والتى وصلها 
الصبى القادم من مقاطعة كارسى سعيداً بأنه حط فى « أثينا مقاطعة الدوفيتيه ». 
كانت مدينة مزبهرة ومشهورة عبرت مرحلا الثورة باقتدار ودون مشاكل كبيرة علما 
بأنها كانت إحدى بؤر هذه الثورة . 

ففى العشرين من مايى ١7/44‏ عقد البران الريفى إجتماعًا فيها على الرغم من 
قرار ملكى بمذع انعقاده .. ويعد ذلك بإسبوعين قام الشعب بإلقاء الحجارة على قوات الشرطة 
لإعادة ممثليه إلى اجتماعهم وكان هذا هوه يوم القرميد « journée des tuiles‏ « .. 
ثم يعد ذلك بأسبوع واحد طالب مائة من الشخصيات العامة المجتمعين فى دار 
العمديه باختيار ممثى الدوفينيه عن طريق الانتخابات الحرة . وفى قصر فيزيل 
القريب من المدينة إنتزع أعيان مقاطعة الدوفينيه فى ١؟‏ يولي 1784 من لويس 
السادس عشر ومن وزيره بريان قرارا باستدعاء اجتماع البرلمان الفرفسى 
بطيقاته الثلاثة . 

هذه المواقف الثورية الثبيلة سمحت al‏ بألا تسقط خلال الأعوام الخمسة 
التالية فى الأعمال المتطرفة . ولم يزل ستاندال يؤكد أن « مرحلة الإرهاب »مرت هادئة 
على المدينة حتى أنها لم تطل أباه « اليسوعى » ... ويضيف أن الكياسة فيها تغلبت على 
أفعال باريس « المجنونة » .. وعلى الرغم من سلوكها العاقل فإن المدينة التى ولد فيها 
بايل ( ستاندال ) اتخذت لنفسها سلوكا يميل إلى الأحمر ( لون الكفاح ) أكثر من 
الأسود ( لون رجال الكنيسة ) أئ أنها أثرت الحرية على مديح طبقة النبلاء ويقيت على 


101 


هذا السلوك لفترة طويلة حتى أن لويس الثامن عشر الذى لم ينس قط « يوم القراميد » 
ولا المؤمرات التى أدت إلى إعادة الملكية لم يكن يسميها سوى « جروليبر » ( استبدل 
المقطع الثانى من الاسم وهونويل أى نبيل - ليبر أى «حر» ) ( المترجم ) . 

بالإصرار والتفكير » ؟ أم أن أهلها أرادوا أن يخفوا نزعتهم إلى الاستقلال عن باريس 
المجنونة وليون المناهضة للثورة ؟ . أم هو توازن البرجووازية المزدهرة والمكتشوقة 
للوصول إلى السلطة ولكنها قريبة فى الوقت ذاته أكثر مما ينبغى من طبقة النبلاء 
ورجال الدين حتى تتمكن من الاعتداء عليهما ؟ أم هى تواصل التبادل الذى حافظ عليه 
نسيج تعاونى وثقافى يلفظ الإرهاب والرجعية معا ؟ 


الواقع هى أن جرونويل كانت خارجة لتوها من المرحلة الثورية عتدما هرب 
منها ستائدال ودخلها شاميوليون . وكانت قامتها قد إرتفعت يسيب ما أقدمت 
عليه من أعمال جسورة ويسيب تعقلها فى الوقت ذاته وكانت فخورة بأنها لحدت 
الملك قبل أن تتحداه باريس ذاتها دون أن تلقى بأهل العهد السابق فى مياه الإيزار 
ولا أن تقيم المجازر ارجال الكنيسة فى الجبل .. فقد كانت المدينة الفرنسية التى 
يمكنها أن تقدم أكثر من كشف حساب مشرف يعد عشر سنوات من القلاقل : لم يكن 
هناك أى مديئة أكثر إستعدادا منها لاستقبال الطفل المتفرد ذى الحذاء القذر 
الهابيط من عرية البريد ومعه جاك - جوزيف شامبوليون الذى كان قد سافر إلى ليون 
القائه هناك . 

ما الذى كان يدور فى رأس الابن الأكبر لصاحب المكتبة عندما قرر إحضار أخاه 
الأصغر ليعيش معه فى جرونوبل ؟ واضعا إياه تحت سلطته المباشرة ؟ منتزعاً إياه من 
المحيط العائلى الآمن ؟ وليضعه يعد ذلك فى يد أكثر خيرة من أيد دوم كالمالز الممتازة ؟ 
الشئ المؤكد أنه رأى أن الوسط التعليمى كان أفضل فى جرونويل منه فى فيجاك وأنه 
عندما إكتشف بعض مواهب أخيه المتميزة قرر أن يعطيه كل فرص النجاح . 

سبق أن تحدثنا عن التجهيزات الثقافية ... كانت موجودة بالفعل ولكنها كانت 
مشلولة بقعل المضايقات الإدارية التى مارستها السلطات المختلفة التى توالت على 
إدارة المدنية . تمامًا مثلما كان الحال فى فیچاك المدرسة المركزية أنشات عام ٠۷١١‏ 
وكان مقرها ( منذ 11/55 حتى 18-7 ) فى دير الآباء اليسوعيين بشارع نو * 


» اسم المدرسة أصبح الآن « ليسيه ستاندال » بشارع راول بلانشار . 


102 


والدراسة الثانوية بها كانت حرة تماما تشبه التعليم الجامعى فجميع الدروس غير ' 
إجبارية والمدرسة لاتمنح أى شهادة عند التخرج . ستاندال إمتدح مع بعض التحفظ 
هذا الأسلوب الحر ولكنه رأى أنه يفتقر إلى هيكل يسنده : وإذا كان بعض الأساتذة قد 
تركوا لديه ذكرى حسنة - مثل جاتال ى دوبوا - فونتانال - فإن البعض الآخر تعرض 
لسهام سخريته القاتلة . 

هل كان هذا الأسلوب التعليمى مكلفًا جدا بالنسبة لجاك جوزيف أم أنه لم يحظر 
بثقته ؟ هل قدر أن ضعف أخيه فى مادة الحساب سيعوق مسيرته المدرسية ؟ هل رأى 
أن الصبى مازال محتاجًا لبعض الصقل قبل أن يختلط مباشرة مع أبناء المجتمع 
الملتحضر ؟ الذى حدث هو أن جاك - جوزيف قرر أن يتولى هو بنقسه تعليم تلميذ 
دوم كالمالز . Î‏ 

هذا الأسلوب التعليمى نتج عنه بعض الحرج المادى للأخ الكبير . فقد إضطر إلى 
تخصيص إحدى الحجرتين التى كان يشغلهما بالقرب من محلات أبناء عمومتهما فى 
الشارع الكبير ( جراند رى ) وهى التى كان قد جعلها مكتبته الخاصة التى يطالع 
فيها كتبه ... ترتب على ذلك أن الصبى الذى كان قد أمضى ساعات طوال من عمره 
داخل مكتبة الأسرة وجد نقسه داخل شرنقة من الكتب ! كانت فى معظمها كتبًا قديمة 
مكتوية باللغات الشرقية التى سيق أن استهوته ومالبست أن خلبت لبه إلى أن توفى . 
فلنحاول أن تتصور هذا الصبى البالغ من العمر عشر سنوات وهو نائم فى مهد 
من الرموز ... وكم من الأحلام أثارتها فى منامه وكم من أمال إندفعت فى خياله 
من طياتها ؟! 

الوصاية الأخوية فرضت من جهة أخرى على جاك - جوزيف تضحيات كبيرة من 
dis‏ خاصة وأنه كان ناجحا فى عمله بالمحل التجارى وأنه كان يواصل تعليمه وينشط 
داخل المجتمع الجرونويلوازى ويشبع شغفه باقتناء الكتب . كل هذا لم يمنعه قط من أن 
يأخذ مهمته التعليمية على محمل الجد الصارم » وتشهد على ذلك الرسائل المؤثرة التى 
تيادلها مع العزير دوم كارمالز … شذّة المخاطبات تلقى من جهة أخرى الضوء على 
إخلاصه لأخيه كما تبرز فى الوقت ذاته مواهبه ونقاط ضعف جان - فرنسوا . 

ومثال ذلك هذا الخطاب NA: Y lu Yo col‏ أى بعد عشرة شهور من 
وصول الصبى إلى فيجاك ( أى أنه كان قد بلغ الحادية عشرة ) الذى كتبه جاك 
- جوزيق للقس العجوز فى فيجاك : 


103 


' « عندما كنت أخطط لمشروع إستدعاء أخى ليعيش يجانبى تصورتكم كحائل 
يعيق تنفيذه .. لأن الأفضال التى تكرمتم بها عليه والعطف الذى أسبغتمونه عليه 
جعلنى أكاد أحجم عن تنفيذه حتى لا أتسبب فى تعكير مشاعركم .. غير أننى 
عندما رأيت توصياتكم تلتقى ورغياتى لم أتقاعس عن اللجوء إلى أى وسيلة 
تسمح بالإسراع فى تحقيق مرادى .لم أخف عن نفسى أبدا صعوية المهمة التى 
تحملتها بكونى أصبحت مسئولا عن أخى أمام عائلتى وأمامكم . لكنى تجرأت 
واثقا من قدراتى .. الزمن وحده هو الذى سيثبت إن كنت وثقت فى ذاتى أكثر 
مما يجب . 

« ما أن وصل إلى جرونويل إلا وكنت قد أخترت له مدرساً خاصاً * تتلمل 
EEE‏ - ومسنذ ذلك الحين وأنا أباشره شخصيا بالكامل وهو 

لقد كنتم على حق تمامًا عندما قلتم عنه أنه أحيانا يفيض حماسًا 
وإستعجالاً باديا كما لی أنه يخشى أن يجد لشغفه بالتعليم حدوداً ٠‏ وأنه فى 
أحيان أخرى يبد مثبط الهمة ومرهقًا وساعتها كل شئ يصبم أمامه عائقًا يجب 
إقتحامه أو صعوبة عليه أن يحلها . 

هذا التباين راجع لشخصيته أو » لأكون أكثر وضوحا » لطيشه » مما يجعله 
غير قادر على العناية بما يعمل .. إنه لايفكر فى إستخدام إمكاناته كما أن 
السهولة الكبيرة عنده فى إدراك مايشرح له تضر يحاجته لحفظه [...] ولا كان 
العمل لايكاد يشغل باله فإنى لاأترك له أوقات فراغ طويلة لأنى أود أن أجعل من 
الاعتناء بالعمل إحدى عاداته . فى أحيان كثيرة لا أجنى ثمرات ما ألقيه عليه من 
LAS‏ + . ولكن تغيير الشخصية وتقويم العادات لايتم فى يوم واحد [. -] إنى أهتم 
بشئ آخر لايقل أهمية آلا وهى تحسين أسلويه فى الحديث [. ...| إذ اجتهد فى أن 
أمحو من أخى هذه الخطيئة المتأصلة [. .] التى هى لهجة بلدتنا التى لاتوجد فى 
أى بلد يعرف كيف يتحدث باللغة الفرنسية ** . 


وعمله المعتاد يشمل ترجمة إلى الفرتسية فى الصباح ومنها فى المساء إلى 
اللاتينية . ثم مبادئ القواعد الفرنسية .. كتاب إنسيكلوبيديا الأطفال والكتاب 


* لم تجد له أى أثر ٠‏ 


104 


الثانى من ملحمة ال 076106 ( أفيرجيل ) هى الكتايان اللذان يأخذ منهما دروسه .. 
ثم أضيف على ذلك بعض قصص لافونتان الشعرية [..] أقوم يتصحيع واجباته 
مرتين فى اليوم وفى بعض الأحيان أعيدها إليه ليعلق عليها ويشرحها كلمة 
بكلمة [...] هذه هى ياسيدى الطريقة التى إستخدمها لكى يتحصل حتى على ' 
بعض التعليم [...] . 

« أما قيما يخصني قإنى أقسم وقتى بين هذه المجهودات وأعمالى التجارية 
وأجد أيضا بعضا من الوقت أعمل على حسن استغلاله إلا أن دراسة اللغة 
ديد من اكاب القدس فى بلي le‏ ' مرخ فی  (‏ بلوشيود 

بعد ستة شهور أرسل المدرس تلقائيا إلى أستاذه السايق تقديراً أوليا: 
« إن الموافقة التى تضمنها خطابكم العزيز * على الطريقة PRE‏ 
أخى العلاج الوحيد الكفيل بتقويم عيوب طبيعته تساندنى كثيرا فى مسيرتى . 
اعترف بأثى عندما ألاحظ أن أحد المدرسين يستخدم أسلويا مختلفا عن 
النهج الذى أسلكه يتملكنى الشك ويبدأ داخلى صراع بين مقاصدى ويين خوفى 
على أخى واهتمامى به [. ..] يبدى أن أخى يشعر فى بعض الأحيان بقيمة التعليم . 
فهى كثيرا ما يؤدى واجياته بدرجة من العناية لايمكن أن تتأتى سوى نتيجة 
حب أكيد للعلم . غير أن بعض الفيوم تغطى فى أوقات كثيرة صحوات 
النيات الحسنة هذه . أركز عنايتى على تتبع لحظات التراخي هذه فأقوم حال 
حدوثها بتحفيزه بجميع الوسائل الممكنة فأقدم له غذاءا جديدا فى صورة 
موضوع بدائى يحرك شهيته للمعرفة : وأنجح أحيانا فى إغرائه بالسباحة فى 
فضاء الخيال الواسع حتى بر الأمان . إن أَخى يعمل كثيرا وينجع كثيرا 
بصورة جيدة ١‏ » 

تتعدد بعد ذلك تفاصيل خاصة بطريقته التعليمية وطلبات النصائح ثم يختتم 
جاك - جوزيف خطابه إلى كالمالز بان يعبر له عن « امتنان » أخيه وجميع أفراد 


» يوضح هذا أن جاك - جوزيف دارس اللفة اليونانية كان لايزال فى مراحل دراستها الأولى . 
kk‏ لم يتم العثور عليه ٠‏ 


105 


الأسرة . ونسجل هنا تقديره للإستمرارية فهو يود وبوضوح ألا يتسبب فى أى 
شرخ بين أسلوب التعليم الذى ينتهجه مع أخيه وذلك الذى حصل به على علومه 
الابتدائية فى فيجاك ويود أن يكون بمثاية فترة مرحلية بين تعاليم القس المريى 
وتلك التى سيتلقاها فى المدرسة . 

غير أنه رأى أن مرحلة جديدة يجب أن تضاف إلى الفترة الانتقالية : فقي | 
عام ۱۸۰۲٩‏ بعد عام تقريبًا من التدريس الأخوى كان المدرس يتلقى خلاله دروسا 
هو الآخر فضل چاك - جوزيف أن يعهد بأخيه إلى مدرس محترف وفاتح دوم 
كالمالز فى ذلك . 

« أعرف واحذًا من هؤلاء . يضطلع بواجبات مهنته يصورة أفضل من 
نظرائه جميعا . إن التقدم الذى يحرزه تلاميذه وعلاقات الصداقة (ill à‏ تريطهم 
بأستاذهم مدعومةً بهيبته واحترامهم له ... كل ذلك يحملتى إلى الاعتقاد بأنه عرف 
كيف يجعلهم يحبونه ويخشوته فى الوقت ذاته .. أما أقوى الحوافز التى يزرعها 
فى تلاميذه فهى عامل المنافسة بينهم . إنه متسامح ولكنه عند الضرورة يكون بلا رحمة 
كما أن حديثه مصاغ ليكون فى مستوى التلاميذ وليس العكس ... » 

قصد بحديثه هذا الأب دوسار الذى كان يحظى بسمعة كبيرة فى مدينة 
جرونويل . وتتلمذ عليه جان - فرنسوا من توفمير 107 حتى إجازة * 14:5 .. يصف 
چاك - جوزيف فى خطابه لأستاذه السايق - النظام التريوى الذى كان يتبعه 
هذا القس وهى نظام لايأتى بأى جديد ييرزه عن الآخرين ( حيث أن الكتب التى 
يقوم عليها هى De Viris‏ وكتب فيرجيل وأفلاطون) ماعدا تجديد واحد يتمثل فى 
دون أخطاء » , 

كانت مصاريف هذه الدراسة مرتفعة ** حسبما قال الأخ الكبير ولذلك 
فإن« عددًا قليلا من الناس كان فى مقدورهم أى من رغباتهم أن يقدموا على 
إنفاق ميلغ كهذا » . أما هو الموظف الصغير المقلس فإنه يقدم بالرغم من كل شئ 
ٍ على هذا الإنفاق من أجل مصلحة أخيه . 


* كانت فترة الأجازة تمتد حينذاك من نهاية أغسطس إلى بداية نوفمير . 
+× جاء فى الخطاب ذكر رقم ؟١‏ دون أن يحدد إن كان ذلك بالفرنكات . 


106 


فى خطاب أرخه "١‏ أغسطس ٠ ١‏ فى نهاية العام الدراسى الأول كتب 
دوسار إلى جاك - جوزيف يقول له أنه « سعيد جد ب« شامبوليون الأصغر » 
وهى لذلك لم يسم له فقط بدراسة اللغة العبريه ولكن بدراسة ثلاث لغات سامية 
أخرى هى العربية والسيريانية والكالدية ( أى الآرامية وهى اللغة التى كان يتكلم 
بها المسيح ) .. يدهشنا هذا « التسامح » وإن كان يلقى الضوء على ميول 
الصبى الذى كان يبلغ حينذاك الحادية عشرة والنصف وعلى العقلية المتفتحة 
لأستاذه فى آن معا « فما أكثر من كانوا سيتذمرون إزاء طلب كهذا متعللين بأنه 
كانت مدرسة دوسار تعمل على مايبدى على قدر من التكامل مع المدرسة 
الحكومية المسماة فى ذلك الوقت « مركزية » وعلى العموم كان فى استطاعة تلاميذ 
دوسار متباعة دروس المدرسة العامة التى كان يعطيها أساتذة مشهورون مثل 
الرسام se‏ وعلى وجه الخصوص عالم النيات قيلار الذى سرعان ما احتضئن 
چان - فرنسوا واصطحبه معه فى الجبال يدرسان بشفف النباتات على 
الطبيعة . وإذا كان صاحينا الشاب الصغير قد أكتفى بدوسار لدراسة اللاتينى 
واللغات الأخرى فقد إضطر إلى متابعة دروس الحساب وهى نقطة ضعفه فى 
المدرسة المركزية . 
سيق أن أشرنا إلى أن الأب دوسار قد أكد على تعطش « شامبوليون 
الأصغر » لتعلم اللغات الشرقية . وبالنسبة لنا تمثل هذه النقطة بداية المشوار 
اللغوی الذىی سيوصل چان - فرنسوا إلى اللغة القبطية وإلى مصر . إلى اللفة 
القبطية عن طريق التوراة - التى كان يقرأها فى لغتها الأصلية - وعن طريق 
المؤلفين اليونانيين مثل هيرودوت وسترايون ويلوتارك . ثم إلى الهيروغليفية عر 
طريق هورابوللون وكليمان السكندرى وعن طريق اللفة القبطية والمقارنة مع ' 
اللغات السامية ... 
أن يتحمس صبى عمره اثنا عشر عامًا لدراسة لغات طال دفنها فى طيات 
الذاكرة الإنسانية وأن بحد فى هذه الدراسة المملة بالنسبة لأى صبى آخر لذة 
حقيقية وأن € يتسلى فى فك شفرة هذه الكتابات وأن يتجول فى يسر داخل 
القواميس وكتب قواعد اللفات الأكثر صعوبة للفهم ..: لايمكن أن نرى فى ذاك 
كله سوى ما أطلق عليه فيما بعد علامة من علامات « العبقرية » فى غياب أى 
تفسير ممكن آخر أى لفظة أكثر دقة . 


107 


غير أن الموهبة الخاصة التى حبى بها جان - فرانسوا شامبوليون لم يكن 
لها دون أى شك أن تجد طريقها للإزدهار لولم يجد أمام عينيه المثل الذى 
يحتذى : أخاه ‏ هذا المجنون يحب الكتب والذى تحول شيئًا فشيئاً إلى مستشرق 
هاى ... فما أقرب الأشيا إلى طبيعتها ألا يماكى الصبى الشخص الذى يحبه 
ويعجب به ؟ البداية كانت لعيا ومنافسة ومحاكاة , 


قبل أن يتمكن من إثبات عبقريته كان على جان - فرنسوا أن يتعلم . ومن 
ناقلة القول أن الأخ أراد أن يوّمن لأخيه الزاد الدراسى الذى لم يلق مته هو - 
نصف المتعلم - سوى الفتات . ولهذا السبب ائتمن على تعليمه دوسار صاحب 
المدرسة التى كانت بمثابة المشتل الذى يغذى التعليم العام . ويعد أن تشكل فيها 
استعد شامبوليون الصغير لخوض مسابقة القبول فى المؤسسة الجديدة المسماة 
«الليسيه» وذلك فى VAE pas‏ 

كان القنصل الأول * قد قرر بالفعل أن يقيم نظامًا جديدا من إختراعه 
يسمح بتكوين رجال إدارة وضباط يدينون بالولاء للنظام الجديد وهى فى مرحلته 
الأولى - ليحل محل نظام المدارس المركزية الذى أنشاته الثورة والذى أنيت عدم 
صلاحيته خاصة وأن التسيب كان متفشيا فى نظامها وفى تعيين المدرسين بها . 

كان ذلك زمن العسكرية . فبعد خمس سنوات وفی إحدى المكاتيات الدورية 
طالب الرئيس الأعلى للجامعة مسيو دى فونتان من رئيس جامعة جرونويل بأن 
يطلب من التلاميذ أن يكتبوا فى مادة « الإنشاء » عن : « الأعمال البطولية التى 
قامت بها جيوشنا تحت إمرة صاحب الجلالة الاميراطور ... وعن الحب الذى من 
حقه علينا أن تكنه له » , 

بقى هذا الخليط من عبادة الأصنام والحياة العسكرية سائدا حتى عام 
٠ À‏ وهى السنة التى أرسى فيها « نظام الشرطة فى المدارس » تطبيقًا لخطاب 
دوری متشدد وزعه المسيو دى فونتان ذاته . أما الذين سيتولون المسئولية 
من حاملى السياط ولاهم كانوا « باش باش شويشية » بل إنذا ستلاحط أن كثيراً 
من مظاهر الحياة فى هذه المدرسة كان أقرب للأبوية منها للعسكرية . وعلى 
الرغم من ذلك رفض جان - فرنسوا هذا النظام وسوف ترى الأسباب وراء ذلك . 


* لم يشغل يونايارت هذا المنصب سوى فى ديسمبر 1۸٠ ٤‏ 


108 


مهما كان ضعف إحساسه بالسعادة فى إطار ذلك النظام فقد كان صاحينا 
المراهق مهتما بالإنخراط فى صفوف الليسيه الجديد الذى كان يعطى مائة 
وخمسين منحة دراسية للناجحين فى مسايقة القيول به . كان الممتحنان هما 
المفتشين العامين لوفاقر - - جينى وقيلار وكانا يطرحان الأسئلة بأنفسهما على 
التلاميذ المتقدمين المزودين بكتب قيرجيل وهوراس . شاميوليون الصغير نجح 
فى إمتحان اللغة اللاتينية ثم أكد هذا النجاح بآخر فريد من نوعه بأن ترجم 
فقرات من التوراة عن اللغة العبرية . وكان ذلك مثار انتباه أعضاء لجنة الامتحان 
لدرجة أن الصحافة ذكرته فى صفحاتها . خلاصة القول أن جان - فرنسوا 
شامبوليون قبل فى الليسيه الإمبريالى لمدينة جرونويل فى مارس ؛ 14 
المسمى حالياً « ليسيه ستاتدال » وكان الرقم الذى طيع على ملايسه هى (0۸) . 
نشرت الصحيفة الإدارية ill à‏ الإيزار أسماء المائة وخمسة ناجحين ومن 
بينهم « جان -- فرنسوا شامبوليون فى الثانية عشرة من فيجاك - تلميذ 
بمدرسة دوسار ع(3) 

من كاتوا أساتذته ؟ أكثرهم أهمية بداية يسبب كونه ناظر الليسيه ثم يسيب 
كونه مدرس « القواعد » وشارك بذلك فى إدخال صاحب اكتشافات الغد إلى عالم 
اللغويات وهو الأب كلود - مارى جاتال . كان شخصية مثيرة من وجوه عدة ... 
ذكره ستاندال يشير قلما جادت به قريحته على رجال الكنيسة حتى عندما حاول 
إخفاء ذلك بستار من السخرية : « کان قسنا متأنقًا متظرفا تجده دائما فى معية 
السيدات فهو قس حقيقى من قساوسة القرن الثامن عشر » وبعد أن رسم 
شخصيته فى هذه العيارات . أطرى صاحب « البرولار » ( ستاندال ) بأكثر 
كلمات الثناء شيوعا à‏ المثقف والمعلم كلود - مارى جاتال : 


هذا الجائب من شخصيته المتمثل فى قول ستاندال « قس من القرن الثامن 
عشر » تبرزه قصيدة كتبها ناظر ليسيه جروتوبل ليتحدث فيها عن مديرة منزله 
واسمها « فيكتوار » - ( وجد القصيدة إيميه شامبوايون - شیچاك » : 
أه !! لى لاقت أمالى قبولها 
لكثت العاشق الكتوم فى المتعة 
تصرى يداريه حجاب مسمط 4) 


109 


كان الناظر أكثر صرامة مع تلاميذه من القس مع مديرة منزله . إذ يقول 
چان - فرنسوا : « وددت الخروج من المدرسة يوم خميس العهد إلا أن السيد / 
جاتال خشى أن ينتهز الذين سيخرجون للترويح عن أنقسهم فى ذلك اليوم 
الفرصة ويبددون الهواء الذى استنشقوه داخل الليسيه ... فرض إعطاءهم تصريح 
الخروج ... )6 . 


صديق النسا ء وناظر متبصر - ومع ذلك متحرر كما سنرى كان جاتال فى 
قول نهائى من تلاميذ كونديياك ru,‏ فى اللغفويات ومؤلقا لقاموس 
ممتاز للجيب للغة الفرنسية . وجعلت منه دراساته العامة فى هذا المجال أحد 
رواد الشرقيات .. لابد إذن أنه كان من مصادر إلهام الأخوان شاميوليون .. 
وفى سياق حديثنا سنتسائل عن التأثير الذى قد يكون له على أعمال 
چان - فرنسوا . 

وننتقل إلى معايير - فانسان شالفيه المكلف بتدريس مادة التاريخ ونتساعل 
إن كان من الملائم إعتباره أحد « أساتذة » شاميوليون فقد قال لنا عنه « هئرى 
برولار » ) بطل رواية ستاندال ) أن « هذا الشاب الفاسق البائس » قد إختلس 
مصاريف الدراسة ( التى سددها له تلاميذه ) هى وأخواته الثلاث اللاتى أمتهن 
العهر واللاتى أصبنه بعدوى مرض السيفيليس الذى قضى على حياته بعد فترة 
قصيرة » 0) ؟ لم يختلف تقييم جان - فرنسوا عن تقييم برولار له . 

الرسام اويس - چوزیف جاى كان أكثر كفاءة » علماً بان ستاندال لایعترف له 
بای موهبة أخرى سوى موهية « تحريض الأولاد AU?‏ وليس فقط الأولاد : فقد كان 
من الشخصيات الجاكوبينية ( أى ثورى جمهورى يطالب بمركزية الحكم ) ذات 
الحمية وكان تأثيره كبيرا على شخصية شامبوليون الصغير خاصة » وأن هذا 
الأخير كان حريصا على تذمية قدراته فى فن الرسم والتى كانت خير معين له 
عندما حان وقت نقل وتفسير الخطوط اليهروغليفية من الآثار المصرية . إلا أن 
المدرس المفضل لدی چان فرنسوا قى الليسيه كان بكل تأكيد عالم النباتات 
دومينيك قيلار .. والذی کان قد حضر فصول دراسته عندما كان تمليذا بمدرسة 
دويسار . وقد كان أسف صديقنا المراهق عظيماً عندما إنتقل قيلار مسن 
مدينة جرونويل فى نهاية عام ه ١‏ عندما عين عميداً لكلية علوم ب يمدينة 
ستراسيورج .. ومع ذلك بقيت دروسه ورحلاته التعليمية عبر الطرق الجبلية حيث 
كانا يتدارسان النياتات سويا محفورة فى ذاكرة الشاب الصغير . 


110 


کان چان - فرانسوا تعيساً فى الليسيه . ليس بسبب الحرمان المفاجئ من 
الحنان والاطار العائلى والحماية التى يوفرها هذا الجى العائلى عادة لكثير من 
الأولاد ... فهى على ماييدى لم يحتفظ بذكرى حانيه طيبة من حياته لأسرته . أما 
الألفة الحميمة مع أخيه الأكبر فى مقرهما الضيق فى شارع جران رو - كانت 
مفعمة بالمودة وثريه لنفسه . من هى الأخ الصغير الذى لم يحلم بأن يعيش هكذا 
شريكا لأخ أكبر يحظى ببعض الشهرة جلبتها له معارفه ؟ هذا الإنفصال عن 
أخيه هى الذى أثر فيه كثيرا . 

أضف إلى ذلك أن الولد القادم من فيجاك سواء كان « مشاغيا »أم لا- 
والذى كان قد إحتفظ على الأرجح باللهجة الريفية الخاصة ببلدته مما آثار 
سخرية أقرانه الجدد كما آثار بونابارت سخرية زملاءه فى بريان .كان ذلك الوك 
كما سبق ورأينا متحمسا ومندفعا وعنيدا . ولم يكن أى توع من الانضباط ليلقى 
قيوله . كان الانضباط فى الليسيه الإمبراطورى على النقيض من التسيب السابق 
فى المدرسة المركزية دقيقا حتى لى لم يكن عسكريا بالمعنى الحرفى » ويلقى الضوء 
» مجموع ساعات العمل اليومية عشر ساعات - الرقابة على الطلية مستمرة 
طوال الأريع والعشرين ساعة وما بينها من الدقائق جميعا وهى تتم بالليل والنهار 
في الفسم كما في أوقات الدراسة بل وفى أثناء نوم التلاميذ أيضا : الرقاية 
لاتتركهم لأنفسهم ولا للحظة واحدة » , 

كان الإعلان عن بداية ونهاية الحصص بدق النفير والطبلة . وكانت قوائم التطوع 
تمرر على الطلبة تحثهم على الإنخراط فى الجيش ليصبحوا « باشويشيه » 
بترقيتهم يعد ذلك إلى رتبه ملازم ثانى ( كما جرى الحال لهنرى بال « ستاندال » 
ولكن بطريقة أخرى ) ... ونذكر هنا أن شامبوليون الصغير لم يوقع على هذه 
القوائم . غير أننا عثرنا على خطاب يطلب من أخيه رأيه فى إمكانية قيده فى 
المدرسة العسكرية يفونتانيلى « حيث لايبقى الطالب سوى ثمانية عشر شهرا ثم 
يصبح ضابطا أو ملازما ثانيا » . .. ثم يضيف تلميذنا على الفور مطالبا :« کتاباً I!‏ 
= من فضلك !!» المؤكد هى أن ميواه لمهنة سلاح كانت أقل بكثير من ميل أخيه 
وخاصة وأنه كان مناهضا للانصياع المسكرى .. وسيثبت جان فرنسوا 
بطريقته أن لا أحد يمكنه أن يحسن تسيير القوات الخاصة بحزم مثل رجل 
محب للسلام » إذ كتب يقول : 


111 


« وظيفتى داخل الفصل برتبة عريف ؛ أى أنى أعلق شارة العقاب للذين» 
يتسببون فى الضوضاء .. ولاتدوم فترة حكمى سوى خمسة عشر يوما . 
وشغلت هذا المنصب أريع مرات العام الماضى وأرجو أن يستمر الحال هذا العام 
أيضاً . 


کان الیم ف الليسيه الإمبراطورى بجروتويل في عام 114 يقوم على 
مادتين أساسيتين : اللغة اللاتينية والعلوم الرياضية .. وتمتد المرحلة التعليمية 
سبع سنوات من السنة السابسة إلى السنة الأولى تنازلياً ثم السنة الختامية . 
غير أنه كان فى الإمكان الفصل بين الدورتين أى أن الطالب كان يمكن أن 
يواصل الدراسة على مستويين مختلفين وهكذا دخل شامبوليون الصغير الفصل 
الرايع فى اللغة اللاتينية ولكنه يقى في الفصل السادس بالنسبة للرياضة .. وهو 
سيصعد إلى الفصل الثالث ثم الثانى فى اللاتينية وسيصعد إلى الخامس والرايع 
فى الرياضة كم « سيتوقف » فى السنتين الأخيرتين عن مواصلة السير فسى 
هذا المنهج للأسباب الوجيهة التى سنتعرض لها فيما بعد - إلا أنه سيحصل 
على الرغم من ذلك على « شهادة دراسية وحسن سير وسلوك » فى سبتمبر 
عام ۱۸۰۸ * . 

إذا أردنا أن نقيم أداء التلميذ شامبوليون ثم المراهق شامبوليون وإذا إعتمدنا 
فقط على التقديرات التى أعطاها له أساتذته فى الفترة من ؛ NA.‏ إلى ۷. 1A۰‏ 
فلاشك أننا سنصاب بخيبة أملٍ . فقد كان منفمسسا بالكامل فى الشرق القديم 
الذى سيطر عليه ( كما كان مولعا يعلوم النبات ) وكان مناهضًا للاتضياط الذى 
كان يثير سخطه وإذا لم يكن يعطى دروسه وواجباته المدرسية سوى أقل وقت 
ممكن أى بالقدر الذى يسمح له بأن يحتفظ بترتيب لا يخذله أمام أخيه .. وكان 
تلميذًا متذبذب المستوى ومهملا لدروسه فى كثير من الأحيان وتشهد على ذلك 
نتائجه المدرسية نصف الشهرية المحفوظة فى الأرشيف العائلى . 


ا « سفرى أن أستاذه لوى لانجلاس سيرفض إعطاءه حتى شهادة إنتظام فى الدراسة عندما كان فى 
مدرسة اللغات الشرقية ٠‏ 


112 


تقديرات أساتذه الليسيه الإميراطورى لم تكن على هيئة أرقام ولكن 
بيالحروف :ا ممتازة وى = ضعيف جدا . وهذه عينات من الكشوف التى 
إضطر جان - فرنسوا أن يرسلها إلى أخيه : 
كشف « بلوقيوز » عام ١١‏ ( الموافق /ا يناير ١8.6‏ ) 
» صحة عامة » دي ن/رعادات « سلوك : 1 


شخصية ؛ نظام » آداب عامة : À‏ 

حب العمل 2 عناية ډه ¢ تقدم : ى 

الأيام التى قضاها فى العيادة المدرسية : ه لإلتهاب فى الحلق لاعقويات 
ولامكافآت » . 


كشف الأول من جيرمينال عام ١١‏ ( الموافق "١‏ مارس ٠۸٠١‏ ) 
« صحة عامة / عادات » أمانة » سلوك : Î‏ 
نظام » عمل : À‏ 


Lis 


Û: نفدم‎ 

لاعقوبات ولا مکافات » 

كما سنجد كشفا دراسيا موّرخاً فى سيتمير ه ٠‏ حصل فيه چان - 
فرانسوا على أضعف درجة على الإطلاق فى « حب العمل وإتقانه » شم نراه 
یحصل فی أول فبرایر ۱۸۰٦‏ على أ فى جميع يم المواد“ Jai à‏ ۰.۷ ۰ تجده 
قد حصل على /ا ه وواحد ن - وفى يونيى من العام نفسه عشية توديعه النهائى 
لليسيه الإمبراطورى على ه أ و ۲ ه ... خط بيانى على هيئة أسنان المنشار !! 

نذكر ضمن أسباب الدهشة التى تثيرها هذه التقديرات تلك التى نالها فى 
مادة « الدين »و« الصحة العامة » وهى ممتازة . وسنعود فی حديثنا إلى هذه 
الأخيرة إذ أن صحته ستتسيب له بعد حين فى عذاب كبير أما بالنسية لمادة الدين فإن 
أقل مايقال بصددها أن الأبن الأصغر لجاك شامبوايون لم يكن متدينا حتى أن التساؤل 
قائم حول ما إذا كان قد أدى « تناوله الأول » ولى بدا مسيحياً متحمس فقد رجع ذلك 
إلى اهتمامه المتعمق بالتوراة التي كانت امرجم الأول له فى al Gays‏ 


113 


الحقيقة المؤكدة أن هذه الدراسات كانت تضايقه حتى اللغة اللاتينية التى كان 
أستاذن الصف بها هى مسيى جاميه وكان يقدره لإمتيازه » سيرسب فيها فى إمتحان 
قبول الصف الثانى .. إنه لايفكر سوى فى الكتابة وفى دراسة النباتات وفى أن يغرق 
تمامًا وبسعادة فى دراسة قواعد اللغات الشرقية وكتاب التوراة باللغة العبرية وكتب 
علوم الآثار . فالتقديرات التى حصل عليها فى الليسيه الإمبراطورى لاتكشف لنا أهم 
جوانب شخصيته : كل مايهمنا فى تكوين شخصية هذا الشاب موجود فى المرحلة التي 
تبداً بانتهاء الدراسة فى الليسيه .ومن حسن الحظ أن سمح له بمواصلة دراسة 
اللغويات معتبرين إياها نزوات تلميذ أهوج ... واحد مذهم فقط وهى أستاذه دوسار ذهب 
إلى أبعد من ذلك بأن كان يشجعه على السير فى هذا الطريق .. 

حياة تلميذنا لم يكن يتعسها داخل ليسيه جرونويل نظامها العسكرى فقط » لأن 
العسكرية كانت هى الجى العام السائد فى ذلك الوقت وكانت تعكس صورة مجتمع 
وطنى مشبع بالمشاعر المتأججة بالنضال زادت مسن جذوتها إنتصارات نابليون 
فى أوسترليتز ويينا وفريدلاند » بل كانت تعتمها أيضمًا قلة الموارد وضعف 
موقفه ؛ إذ إن حياته كانت مرتبطة بحرص أخيه فى ما يمن به عليه ويعد إلحاح 
مستمر من جهته . 

ضاعف من تأثير حياة الضنك هذه على چان - فرنسوا أنه كان وسط أبناء 
برجوازية جرونويل المزودين بالمصروف الذى يملأ جيويهم وهو مايملاً صفحات 
مراسلاته مع جاك - جوزيف . وهى يلاحظ كل يوم أن المنحة الدراسية التى حصل 
عليها عام 14:4 لاتغطى كل نفقات التعيينات المدرسية والملابس والهوايات ودروس اللغة 
الإيطالية والمصروفات النثرية اليومية . كانت أغلب مطالباته تتعلق بالورق الذى كان 
يستهاك منه جان - فرانسوا الكثير . وكان أخوه الأكبر على مايبدى مقتصدا الغاية فى 
هذا الموضوع الحيويى ... كان عليه أن يدفع من جيبه ريع مصاريف الطالب الحاصل 
على المنحة .. وتكررت المطالبات الرسمية كما تشهد على ذلك المذكرة المرسلة إلى 
جاك - جوزيف فى 10 أبريل 1407 : « تلميذ الحكومة الحاصل على ثلاثة أرباع منحة 
دراسية إبنكم [ كذا ]چان - فرنسوا يجب أن يسدد ثلاثة أشهر مقدمًا وهى مايوازى 
ربع المنحة السنوية إعتبارا من أول أبريل 1605 أى ١‏ جنيهاً تورنوا ( 71 فرنكا ) 
عن ريع السنة البادئ فى يناين الماضى والريع الذى بدا فى أبريل الحالى » المنحة 
الدراسية السنوية الكاملة تبلغ إذن 1٠۸‏ فرنكا . 


114 


« [...] فيما يتعلق بملابسى قأنك تلومنى باستمرار على حالتها الرثة ولك الحق فى 
القماش متباينة الألوان المضافة إليه جعلت منه لباسًا ملفمًا جد [...] أرسلت 
سروالى للترزى لكى يضيف إليه زرارين فأعيد إلى فى حالة رهيبة [...] أنا محتاج 
لبعض القطع [...] ساتقدم بشكوى لضابط المدرسة الذى سيفضل بكل تأكيد أن 
يرانى أتجول عاريًا تماما على أن يصرف لى أريع .. ميلمات ... » 
طلبات الإعانة تشمل جميع المجالات : 
د إرسل لى شيئًا من المال فعندما تكون فى نزهة مدرسية من المفيد أن يشرب المرء 
شيئا من اللبن وعلى الأخص عندما يكون متعيا جد ... 
صادف أمس عيد ميلاد مفتش المدرسة . ذهبنا إلى البيت الريفى * وأكلنا هناك 
وجبة بسيطة : كان على تسديد ١‏ ( صول ) , أرجوك أن ترسلها لى حتى أقوم 
بالوفاء بها [...] كما أرجى أن ٹرسل لی LE‏ صول أنا مدين يها لليواب » , 
الصعوبة المادية التى يعيش فيها تعطى معنى فريدا لهذا الرد الذى أرسله لخطاب 
عرض فيه ابوه المساعدة : 
« أنا لا أحتاج شيئا وأشكركم على عرضكم . أخى يغطى كافة مصاريفى . أرجو أن 
تعبرو! له على إمتناتى .. وأرجى أن أثبت له أنه لايرعى ناكرأ للجميل يأن أحسن 
إستغلال جميع الفرص التى أدين بها لحبه الأخوى . » 
يكون « الذى يبلغ أخاه بما يكن له أخوه من إمتنان أويتعبير آخر فهى يقول له : « لقد 
فات الأوان » . وسنرى فيما بعد - چان فرنسوا يطلب أحيانا المساعدة من أبيه » ولكن 
بعد أن يوضح له أنه يفعل ذلك مرغمًا . 


× نزل يتبع المارسة يرسل إليه التلاميذ فى فترة الصيف عندما يكون الو صحوا وكان عايهم 


115 


كانت المراسلات المتبادلة الغنية بالمعلومات بين جان - فرانسوا وجاك - جوزيف 
غزيرة جداً على الرغم من أن الأخ الكبير كان يزور أخاه الأصغر أى يستقبله مرة كل 
أسبوع فى المتوسط . غير أن الباحث يجد فيه نقطة ضعف وهى أن الأخ الصغير تادر 
ماكان يوؤرخ خطاباته . ويتسيب ذلك فى الصعوية التى نجدها فى تحديد مسار حياة 
الشاب الصغير من نوفمبر ۱۸٠٤‏ عندما قبل نهائيا فى الليسيه وأغسطس ٠۸٠۷‏ 
عندما ثتركه , ١‏ 

إلا أن من اللافت للنظر أن هذه المراسلات أصبحت شخصية بصورة مفاجأة 
خلال السنة الدراسية ۱۸٠۷ - ۱۸٠٦‏ ولانجد لهذه الظاهرة سوى شرح واحد : ففى 
ربيع ۱۸۰۷ يبدو أن چاك - چوزيف تأثر من طلبات أخيه الملحة كما توقع أنه سينتقل 
إلى باريس بعد فترة قصير . فقام بإخراجه من نظام « الداخلية » المدرسى وجعله يقيم 
معه على الرغم من الصعويات التى ستسببها له هذه الخطوة خاصة وأنه كان على 
وشك الإرتباط بزوجته .. ومع ذلك فإن مشكلة عدم تأريخ جان - فرانسوا لخطاياته 
ثبقی دون تفسیر . 
إذا افترضنا عدم أهمية الاراسة المدرسية التى فرضت على هذا التلميذ 
غير العادى وقبلنا فرضية أن المهم بالنسبة له كان يحدث خارج حصص اللاتينية 
والحساب فيتحتم علينا أن نلقى الضوء على بعض الأحداث التى جرت له فى 
هذه الفترة مع العلم بأثه من غير الممكن تأريخها جميعا .. فهذه الأحداث وإن 
كانت بها جوانب رمزية وتعد خارج إطار محاولاته البحثية إلا أنها أثرت دون شك فى 
شخصيته وتبرز جوانيها الفريدة والخاصة جد! . ومن هذه الأحداث نذكر « الشوشرة 
الكبرى » التى حدثت فى الغالب خلال صيف 18.5 مما دفع مراقب الليسيه 
الإمبراطورى إلى الاستعانة بالعساكر ء نذكر أيضا « أكاديمية جنيات الفن » 
التى أسسها جان - فرنسوا فى الإطار المدرسى وهى مبادرة قام بها فى العام التالى 
والقطيعة التى أجبر عليها فيما يخص صداقة قوية كانت تريطه يزميل له ؛ 
وكذلك الخطبة العامة التى ألقاها أمام محافظ مقاطعة الإيزار فى نهاية العام الدراسى 
1805-4 على الأرجح . 


116 


لايشكل أى من هذه الأحداث أهمية مماثة لمولد موهبته المصرية . والذى يمكن 
إرجاعه لعام 1804 وهى فى السادسة عشرة من عمره والتى ستعود للحديث المطول 
عنها فيما بعد لكن هذا لايمنعنا من الأهتمام بتلك التجارب والمبادرات التى قد تيدو 
ثانوية ولكنها كانت علامات أثرت فى حياة شخص يبحث عن وجهته . 

ماهى قصة « الشوشرة الكبرى » ؟ تنقل هنا النص الطريف جذا الذى سرد فيه 
جان - فرئسوا الأحداث لأخيه كما لى كانت تمرد مساجين : 


« [...] بالأمس أفسد مفتش الليسيه كل شئ [...] راح يوزع لكماته وضريات 


فى المساء فى البيت الريفى أخذ كل فرد عصا صغيرة معه وأختباً الجميع في الظلام 
[...] فى طريق العودة إلى الليسيه توقفوا عند .القلعة وملئث الجيوب بالحجارة . 
كم ذهب الجميع للعشاء وحدثت ضوضاء رهيبة . وإذ خشي المفتش أن تقوم ثورة 
عليه طلب أن يذهب الجميع للصلاة فى قاعة الدراسة ثم التوجه إلى قاعات النوم . 
ونا بلغت الساعة التاسعة والتصف ألقيت الحجارة على زجاج قاعات النوم بعد أن 
أطفئت الأنوار . فتكسر كله , عندما حضر المفتش ألقى خطبة لم ينتج عنها سوى 
زيادة الإثارة . ويعد أن إنسحب عاد الجميع إلى تكسير الزجاج وأوانى الغرف التى 
ألقيت على أسوان النوافذ . 


لم يعرف المفتش كيف يتصرف ؛ فذهب إلى المعسكر وأحضر العساكر وأدخلهم 
قاعة النوم وأوقفهم ببنادقهم والسنكى مرفوع مع الأمر « بخوزقة » أول من 
يتحرك . قثبت الكل ولكن استمر الصراخ بأعلى من ذى قبل . لم تطرف لنا عين 

طول الليل (8) , 
لا أعرف إلى أى مدى ستصل الأمور : إلا أننى لم أشارك فيما حدة .. » 
« لم أشارك فيما حدث » أبعد شئ قايل للتصديق فى كل ماسبق هو هذه الجملة ؛ إذ 
أن صيغة المبنى للمجهول المستخدمة لابد وأنها جمعته هى أيضا .. إن بقية حياة 
چان فرتسوا ستوضح أنه لم يكن يستثيغ موقف الحياد أو وقفة المشاهد . لم يكن 
من طبيعته أن يترك زملاءه يواجهون وحدهم السناكى والعساكر المتريصين بهم 
« لخوزقتهم ».. الذى حدث هو أن المفتش قرر أن يسدد التلاميذ ثمن الزجاج 
المكسور .. وقد تكسر منه الكثير كما رأينا ! الذين لن يسددوا لن يتمكنوا من 


117 


الخروج الخميس التألى أول أيام العطلة الصيفية من « معسكر الموت » كما أطلق عليه 
جان - فرنسوا . ويستطرد المراهق قائلا وهو يمزج حديث العالم بكلمات 
الخطاية المؤثرة : ' 
« بدأ رجال الإدارة يتطبعون بطباع الشرقيين وهم يعاملون أولياء أمور التلاميذ 
معاملة البيت العالى لليهود جعلوهم يصلحون على نفقتهم الأماكن التى تضررت من 
السراى [..] الدفم ent:‏ : أعتقد أنه من الأفضل كتابة هذه الكلمة بحروف من 
ذهب فوق الباب الرئيسى ... 
ويتتهى الخطاب بصرخة ua‏ هل تريد أن تتركنى راكدا فى هذا المقر 
الجهنمی ؟» ... الڏی حدث هو أن چان - فرنسوا لم يطرد من الليسيه . ولعله كان يأمل 
فى ذلك - وأبقاه أخوه فى « مقره الجهنمى » . من المحتمل أن يؤرخ لبداية توتر 
العلاقات بين الشاب القادم من فيجاك وإدارة مدرسته الإمبراطورية بتلك الليالى 
العاصفة التى شاهدها صيف ه ۱۸۰ وسيبلسغ هذا التوتر ذروته بحادث الصداقة 
will‏ قوضت . 


كان مشاغيًا أحيانا وغير منتظم فى مستوى تعليمه إلا أن جان - فرنسوا لم يكن 
fa‏ « الأبن الضمال » أى الشاب الهائج المنطلق داخل المدرسة . يل هو قادر أن يظهر 
حماسا منقطع النظير مادام المطلوب منه خارج البرنامج الدراسى المفروض عليه 
وفى هذا الصدد بادر يتأسيس « أكاديمية الفنون » فى إطار المدرسة يقول عنها 
لأخيه مايلى : 
« ... إليك ما نود عمله : سيقوم كل فرد مذا كلما أتيح له الوقت يكتابة نص يليق بنا 
سواء كان شعرا أو نثرًا » ستعقد جلساتنا كل خميس فى فترة الفسحة داخل أحد 
الفصول . وسوف نحصل على موافقة المفتش . سأعرض عليك الخطاب المذى سالقيه 
عند إفتتاح الأكاديمية . نود ألا نزيد عددنا عن ثمانية وسيصبح لنا أعضاء منتسيون 
كثيرون جميعهم متقدمون فى السن بل ريما أكبر متك سنا . أرجوك أن تكتب لنا 
وإن أمكنك هب لنا إحدى دراساتك [...] إحضر كل ذلك معك غداً عتما تأتى 
لزيارتنا وسأكون لك ممنوتًا » 
وبناء على ذلك وصلت الدعوة التالية إلى حوالى عشرين شخصية من شخصيات 
مدينة جرونوبل وعليها أسم الليسيه : 


118 


« من أكاديمية آلهات الفذون إلى السيد . 
تنسمح لأنفسنا اليوم بان نخاطيكم راجين أن تساعدوا أكاديمية آلهات الفذون 
الوليدة لما عرف عنكم من قدرات ومواهب ولذلك ترجى أن نحظى بنصائحكم . إن 
جميع أمالنا معقودة عليكم لكى ننجح فى مشروعنا : إئنا نعمل على أن نتعلم 
ونحن ثلهى * وعانال miscuimus utile‏ ولا كنا مازلنا صقار فى السن لنتمكن من 
الحكم السليم على عملنا فإنتا تلجأ إليكم لآن رؤاكم السديدة يمكنها أن تقودنا على 
طريق الفنون الجميلة المزدهرة . فلتكونوا أبوللى بالنسبة لنا ودلونا على الطريق 
المنتسيين . 
وسندين لكم بكل العرفان 
خدامكم المطيعون 
الرئيس وأمين الصندوق 
توقيع : شاميوليون » )9( 


أسلوب منمق لا بأس به ... يصعب جدا إيجاد تاريخ لهذه المبادرة الأكاديمية . وقد 
يكون من الممكن إرجاعها إلى الشنة الأولى من قبول صديقنا الشاب فى المدرسة 
4 - 18.0 لأنها السنة التى كانت فيها إنطلاقاته حرة غير مقهورة بالتوتر والقمع 
والغضب التالية ء لولا أن الثقة بالنفس التى ينم عنها الخطاب وكذلك العلاقات المقامة 
مع الشخصيات التى وجه إليها تجعلتنا نرجح إعادتها إلى سن الخامسة عشرة مسن 
عمر « الرئيس - أمين الصندوق » ونعتبرها إحدى العلامات الدالة على النضج المبكر . 
غير أن الأخطاء الإملائية المؤسفة لشامبوليون الصغير تعود بنا إلى نقطة الشك . 

يبدى أن أحد الأعمال الذى تقدم بها جان فرنسوا وهى فى الرابعة عشرة إلى 
زملائه أعضاء « أكاديمية إلهات الفنون » هذه هى القصة القصيرة التى فضل أن 
يكتبها شعرًا والتى تبدى وكما لى أنها سيرة ذاتية معكوسة .. إنها تحكى قصة شخص 
عجوز اسمه كوناكسا ( وهو عنوان القطعة ) وزع ثروته كلها على ابنيه وإذ به يجد 


+ تخلط المفيد بالطريف . 


119 


تقسه وحيدًا das‏ أن نيذه ولداه وأصبح معدما ٠‏ فيتصحه أحد أصدقامه باللجوء إلى 
الحيلة بأن يعان أنه حصل على كنز كبير وأنه سيترك هذا الكنز لأكثرهما حنائًا له ... 
فأسرع الإثنان يالإلتفاف حوله - وعند وفاة الرجل العجوز فى نهاية الأمر لم يجد ولداه 
بجوار الجئة سوى : 
......... هراوة 
ومعها عبارة مكتوية نصها كالآتي : 
هذا السلاح لتأديب الآباء الحمقى 
لعلاجهم من غبائهم 
الذى يجعلهم يتنازلون عن ممتلكاتهم لأبنائهم . 

أقل مايمكن أن يقال عن هذه النهاية أنها لاتعبر قط عن عن العلاقة التى كانت 
قائمة بين جاك شامبوايون وواديه ألهم إلا إذا عكسنا الأمور . وهى ماسيتم إثياته بعد 
مرور عشر سنوات ۰ 

حياة حجان - فرنسوا إهتزت يما هى أعنف من « شوشرة » وبمعاشرة آلهات 
الفنون ... وشى حادث ستطلق عليك من باب التبيسيطه حادث فانجيهيز » والمتمثل فى 
قطع علاقة الصداقة المتقدة التى ربطته يتحد زملاءه نزولا على أوامر أساتذته على 
الرغم من كل الألم واليثس الذى تسبب فيه ذلك . 

عندما قبل چان فرنسوا فى الليسيه كان فى الرابعة عشرة مراهقًا مرهف الحس 
محرومًا من الحنان العائلى أقل مايعانيه هى إبتعاده مؤخراً عن داره ... هذا المراهق 
ركز عاطفته كلها فى أخيه الأكبر الذى كان يمثابة أب حقيقى والمرشد الفكرى الوحيد . 
دخول المدرسة فى نوفمبر ۱۸٠٤‏ لم يكن صعباً ... ثم أن قاعة النوم لم يكن قد انتهى 
تجهيزها بعد ولذلك فإن الإقامة بالمدرسة الداخلية تأخرت شهرين وهى المرحلة التى 
مرت يها فترات تمرد وأسى . كما أشرتا من قبل . 

فى السنة الدراسية التالية كان قد بلغ الخامسة عشرة وهى السنة المخطرة ... هل 
تعرف على جوهانيس فانجيهيس منذ السنة الأولى ؟ يبدى أن الصداقة لم تأخذ طابع 
الاشتعال بين المراهقين سوى فى السنة الثانية من حياة الدراسة الداخلية لجان 


120 


فرنسوا (A — \A-o‏ فى جميع الأحوال قهى لم يشرك فانجيهيس فى مبادرته الأولئ 
وهى تأسيس « أكاديمية إلهات الفنون » . 
ويناء على ذلك يمكن إعادة الأزمة إلى الفترة ما بين ربيع ١4٠.6‏ وصيف 18.5 
والتى تعكسها عدة رسائل لجان - فرنسوا والتى تتغير لهجتها . فلم تعد تعبر عن 
غضب التلميذ البليد بل عن بكاء المراهق الرومانسى - دون أن يمنع ذلك الجدل 
والتعيير عن السخط . ومثال ذلك خطاب يمكن إرجاعه إلى أواخر عام 18٠١5‏ بعد عدة 
أسابيع من دخوله المدرسة جاء فيه : 
« آما عن أخطائى فأعتقد أنتى لم أخطئ عندما أقول الحقيقة ولي ...... عن ms‏ 
آخر » * . 
ولكن يعد ذلك تحل الكاآبة مكان الغضب : 


« أعترف لك أننى فى غير حالتى الطبيعية منذ بعض الوقت . عاد الحسزن يتملكنى . 
وباختصار فإنى لست على سجيتى . إنى أذيل وأشعر بذلك .. وأعتقد أنه إذا لم أجد 
هنا شخصا يساعد على مرور الزمن » صديقًا يرفه عنى » فإنى لن أعيش طويلاً . . 
أقبلك من كل قلبى . أخوك المطيع » . 


هذا « الشخص الذى يساعد على مرور الزمن » - المذكور فى جملة قد لا تكشف 
عن شئ - هذا الشخص هو جوهانيس فانجيهيس . إننا لانعرف شيئًا عنه تقريبا 
سوى أنه كان — كما كتب عنه جان - فرنسوا لأخيه - صاحب مزاج حزين وغير 
إجتماعى وهو ماكنت تلومتى أنا أيضا عليه » . وأنه كان مريضا فى السنة التالية خلال 
العام الدراسى فترك الليسيه لكى تتم معالجته مع عائلته . وقد عقب على ذلك« بايرون ». 
المدرسة يقوله : 


« ... هل يمكنك أن تخرجنى من المدرسة ؟ لقد ضغطت على نفسى إلى الآن حتى 
مخلوقًا لأعيش فى زحام مثل الذى نحن به [...] ولعى الأول وهو اللغات الشرقية 
لا أعمل فيه سوى مرة واحدة كل يوم إنى لا أطيق زملائى ٠‏ غير واحد فقط . 


+ ثلاث كلمات غير مقروءة + 


121 


عزيز على لكنه مريض . ولايمكتنى رؤيته . كنا نساعد بعضنا لكى تتحمل 
حياتنا البائسة هنا . آما أنا الحزين المنسى فلا أسعد برؤياك سوى مرة واحدة 
كل أسبوع * أشعر أنى لست فى صحة جيدة ولا أعرف ما الذى يطبق على 
وأعتقد أن به لخراجا [..] إذا بقيت هنا فترة طويلة أقسم لك أننى ان 
أعيش .. » ** 
هذا خطاب مثير من عدة وجوه ... إحدى المشاكل التى يثيرها بداية هو التاريخ 
وعلى الرغم من أنه ذكر فيه يوها وشهرا : التاسع من يونيى إلا أننا لانعرف من أى عام . 
فرنسوا شاميوليون تحت عنوان « خطايات لآأخيه 18.5 -1418 » يحدد هذا العام 
بأنه ۱۸۰۷ ... غير أنه من الأرجح أن يكون ذلك فى 16.7 ؛ أولا لآأن مرض قانجيهيس 
سيق بعدة أشهر إجباره على فض العلاقة وهى ماتسيب فى الأزمة التى سنتعرض 
للحديث عنها فيما بعد وثانيا لأن إخراج جان - فرنسوا من الليسيه حدث فى بداية 
۷ كما سثرى . 
فى جميع الأحوال فإن هذا الخطاب يدخل فى إطار تصاعد درامى للأحداث 
توالت خلاله فترات الحزن الأليم مع التمرد الثائر : 
«... إنهم يعذبوننى *** منذ فترة طويلة , إلا أنهم لن يصيبونى أبدًا بمشل 
ما أصابونى به هذه المرة , إن لم تكفيهم كل الإهائات ( التى تحملتها فى صمت ) 
كما لم تكفهم مطاردتهم الشرسة لى وتأويلهم على هواهم لأكثر أفعالى براءة .. فهم 
يريدون علاوة على كل ذلك أن ينزعوا منى مايواسينى . 
كان لى صديق أحيبته من كل قلبى وساحبه إلى الأيد . وكان ييادلنى الحب بنفس 
القدر وكان يعيننى على تحمل الآلام والقسوة التى كانت تمارس ضدى . كنا دائما 
معا ولم یرتا أحد مفترقین وکان مصدر سروری کله وهی الذى كان يساندنى حتى 
الآن ... هاهم ینقلونی من القسم » عمدا لکی یضایقونی ولقد نصىحوه بالابتعاد عن 


+ الواقع هو آنه کان كثيرا ما يقابل أخاه مرتين فى الأسبوع . 
** بعد كلمة « أعيش » كتب « طويلذ » ثم شطيها . 


*«** مقصد المدرسين . 


122 


مصاحيتى لأتى - حسيما قالوا - أفسده * كما لى أن فى أستطاعتهم أن يفسدوه 
هم ... فلم يأبه صديقى بنصائحهم ويظل عزائى الدائم ؛ فما كان من هؤلاء الوحوش 
بعد أن أثارهم إستمرارنا معا إلا أن نقلوه من القسم الذى أنا فيه وان أراه سوى 
عاہرا ! لقد فقدت عقلی ‏ إنى غاضب جداً . متى سينتهى عذابى !؟ مهما عملوا حتى 
لى أنهم قطعونا إريًا فإنهم لن يغيروا قلوينا : لعل هذا الجانب من شخصيتهم 
يساعدك على معرفة شخصياتهم ! » 
ثم راح جان - فرنسوا يوسع نطاق النقاش : 
«... أحد مراقبى الدروس وهى متدين متطرف بكل مافى ذلك التعبير من قوة المعانى 
وعلاوة على ذلك منافق هو المحرك لهذه العملية . فهى لم يكتفى بأن يغتابني بل تجرأ 
على ذلك أمامى لأتى لن أتمكن من التحكم فى نفسى .. إنه يعرفنى جيداً .. » صعب 
جدًا أن تجابه مضطهديك وأن تبقى وسطهم . إذا كان هناك إنسان واحد غاضب 
وتعيس فى المدرسة فهو أنا .. إنهم سيفقدونى صوابى ... » 
كلمة رومانسية يتحفظ عند الحديث عن چان - فرنسوا شامبوليون : لأنه لوكان 
رومانتيكى بحق لكان إستخدم كلمة « قلب » يدلا من « صواب » . حتى قبل أن يعرف 
بايرون أى« رونيه » ( لقد قرأ روسى ) فها هى وحيد وترك وحيدا وقد تملكه الغضب من 
عالم يعاديه ويغار منه . 
» إنهم لن يغيروا من قلوينا » ... ماذا يعنى اتهام « الافساد » الذى وجه لجان - 
فرنسوا ؟ معروف كم هى شائع هذا النوع من القصص فى المدارس كما أن الغيرة 
لاشئ يجعلنا نعتقد أن شيئًا بين الشابين تعدى حدود التعاطف المتيادل الذى آثار 
بعض ذوى العقليات المريضة . وسيتعرف صاحبنا بعد ذلك بقليل على أصدقاء 
ستريطهم يه صداقات قوية وخاصة أوجوستان تيقنيه أحد أبناء أسرة من الأسر 
العريقة فى مدينة جرونويل والذى سييقى وفيا له إلى أن مات . لاشئ غير ذلك 
ولا أكثر من ذلك . 





» وضع خط تحت الكلمة في غضب + 


123 


سرعان ماسنراه أكثر هدوءً! ٠‏ قابلاً للندم - باحثا عن حل وعائد لدراساته 
العزيزة وستهبط حدة النبرات ويصبح الكلام أكثر وضوحًا : 
«.. أنا وحسدى وسط كتبى باللغة العيرية وهذا لايغضينى كثيرا .إلا أننى 
أشعر أن ذلك سيزيد من كرهى للآخرين . كما أن مزاجى الاجتماعى سيزداد قوة 
على قوة على الرخم من أنى أتصور ماقد يترتب على ذلك كما سبق وأفت نظرى إليه 
كثيراً , [..] سامحنى يا أخى العزيز إذا كنت تصرفت بطريقة هوجاء ويدون تفكير , 
واقبل إعتذارى . لقد فكرت وأرجوك أن تحدد لى كيف أتصرف [...] وأقسم لك 
أننى لن أحيد عما سترسمه لى من مسار . سوف أهتم وبنشاط بدراسة العبرية 
واليونانية .. » 
وه م ذلك فهو لاينسى المطالبة بالحرية التى كان أخوه يعمل لها من أجله وكان على 
علم بذاك : 
« حاول أن تخرجنى من هنا , أرجوك ... وإلا ساصبح أكثر الرجال بؤسمًا . متأسف ! 
لا أريد أن أخفى عنك شيئا . لقد فتحت أك قلبى . وقرأت مافيه . إنك تعرف المرض 
الذى أعاتيه - عالجه . وتأكد وإلى الأيد من حب وإمتنان أخيك المطيع والذى يكن 
لك كل الاحترام ...» 
الامتثان ؟؟ كان الشاب يعرف أسباب هذا الامتنان الذى هى مدين له به . 
إلا أن خطاب چاك - چوزيف المؤرخ ۲۲ سبتمبر 180.1 أى بعد أكثر من ثلاثة 
شهور بقليل من صراخه طلبا للنجدة الذى أطلقه فى 4 يونيو جعله يأمل أن 
الإجراءات التى يقوم بها أخوه الأكبر فى باريس لكى ينتقل إليها قد أوشكت على 
النجاح » وسنعود إلى الحديث عن ذاك بعد أن نكون أعتبرنا فى ذلك نهاية موضوع 
« فاتجيهيس » . 
لم يكن جان - فرنسوا سعيدا فى الليسيه ولكنه كان يعمل . وكان أساتذته 
يقدرون مواهبه لدرجة أنهم أناطؤا به مسئواية التعبير عن جودة التعليم الذى تقدمه 
المدرسة فى خطاب عام ألقاه بمناسبة زيارة قام بها المحافظ لهذه المؤفسسة التعليمية 
فی أغسطس ۱۸١١‏ ( وذلك بناء على طلب جوزيف فورييه ) . لقد رفض الشاب غير 
المحب للآخرين فى بادئ الأمر الحديث أمام الجمهور وخاصة أمام « فورييه » العظيم 
وكتب خطابا لأخيه جاء فيه : 


124 


« أنى بالفعل غاضب من الشرف الذى يريد السيد المحافظ تكريمه به , فأنا أعتقد أنه 
من المستحيل على أن أتغلب على الخجل .. فإذا كنت فى الأصل أرتبك فى حضور 
أريعة أشخاص فما بالك بعا سيحدث أمام ألف . أرجى أن تفعل كل شئ ممكن 
لكى لايحدث ذاك [...] كما أرجى أن تتأكد أن السبب وراء ذلك ليس عدم معرفتى إنك 
أدرى بالأمون » . 
نعم ! ليس السبب عدم المعرفة .. ومن السهل علينا أن نتصور رد فعل الأخ الأكير . 
هذا الطموح العاقل الذى تن يسمح لمثل هذه الفرص أن تمر دون أن يلفت نظر هذه 
الشخصية الهامة والتى سيتوقف عليها وإلى حين مستقبلهما المشترك . وبالفعل إضطر 
جان - فرنسوا إلى الأنصياع لتعليمات أخيه .. حتى أن صحيفة « حوليات الإيزار » 
نشرت فى عدد ١١‏ أغسطس 18.05 السطور الآتية : 
« قام العديد من التلاميذ بدراسات ليست مقررة عليهم فى الليسيه فى أوقات 
فراغهم . وهكذا رأينا الشاب جان - فرنسوا شامبوليون وهى من التلاميذ الوطنيين 
يشرح خلال الامتحان العلنى . جزء من سفر التكوين وذلك من النص العبرى وذلك بعد 
أن أجاب على بعض الأسئلة التى طرحت عليه فى اللغات الشرقية عامة ... وقد عبر 
السيد المحافظ الذى وزع الشهادات على الناجحين عن رضاءه التام عن التنافس القائم 
بين هؤلاء الشيان المتحمسين .. » (10) , 


التوراه والقرآن واللغة اليونانية والسريانية والأثيوبية والكالدية ( أى الأرامية ) ... 
إن مجموعته اللغوية تزداد ثراءاً بصورة ملفتة . ولكن ما الذى سيجعل من اللغة 
المقدسة المصرية المحور الذى ستدور حياته حوله وسيصنع منها نجمه الهادى ؟ « من 
الذى سيزرع فيه هذا الهاتف المتسامى والمسيطر ؟ مازال جاك -- جوزيف هو الدليل 
والمحفز والممول دون متازع . ولكن لعله كان يود أن يرى أخاه يتمسك بالتعددية التى 
تجعل منه « عالم الآثار القديمة » الأعظم ‏ رجل الشرق فى مجمله من الناحيتين 
الجمالية والروحية . 

استمر دور الأخ الأكبر حاكما قى هذا المجال . ولكن يجب أن نبحث عن 
مشجعين آخرين دقعوا شامبوليون الصغير على طريق مغامرنه العظمى . قى أول 
صفوف هؤلاء يقف جوزيف فوربيه شامحًا فهى عالم الطبيعة العبقرى الذى جعل منه 
بونابارت الراعى الأول لعلم المصريات على نفس مستوى فيقان دينون . ولذاك سنتوقف 
قليلاً أمام هذا الرجل العجيبٍ الذى لولاه لما أصبح شامبوليون هو شامبوليون بل لعله 
ظل ببساطة عالم لغات مرموقًا أى مدرس تاريخ قديم . 


125 


ما هو الطريق الذى سلكه جان - باتيست فوريية لكى يصبح وهى فى 
الرابعة والثلاثين محافظا لمقاطعة الإيزار فى أبريل ۱۸٠١‏ ؟ لقد ولد فى مدينة 
أوسار عام 1714 لأب خياط . أصبح يتيمًا عندما بلغ الثامنة واحتضنه الأباء 
البنيديكتيون الذين أعدوه فى البداية ايدخل السلك العسكرى ولكنهم بعد فترة أرادوا 
أن يدخلوه سلك الرهبنة . ويعد أن إرتدى لباس طالب الرهبنة إندلعت الثورة .. فتخلى 
عن فكرة التنسك فى دير « سان - بنوا - سور لوار » وكسرس وقته لدراسة 
الرياضيات والطبيعة مشتركا فى الوقت ذاته بصورة إيجابية فى الثورة . وقد أوشك 
على أن يمر برقبته تحت المقصلة عندما إتهم بأته من المعتدلين وذلك فى عام ١,54‏ .. 
وكان قساب قوسين من الخروج فى «التطهير ؛ يسبب شهرته بأنه من 
اليعقويد ن ( جاكوبان ) فی ۱۷۹۵ .. » . 

كان أستاذ التحليل فى المدرسة الهندسية العليا ( بوليتكنيك ) ويهذه الصفة 
إصطحبه بونابارت معه إلى مصر حيث أصبح من أقرب الناس إليه . والسكرتير العام 
العهد القاهرة « الأنستيتى » * ثم أصبح مؤسس مكتبة القاهرة وراعى البعثة العلمية 
لمصر العليا عام ۱۷۹۹ ** ومندوب القائد العام فى « الديوان » الممومى .. وقد أبلى 
فى كل ذلك بلاء حسئا مما حدا بالقتصل الأول أن يعينه محافظا لمقاطعة الإيزير يعد 
عودته من مصر بوقت قصير . وقد مذعه المنصب لفترة من الاستمرار فى أبحاثه 
العلمية عن انتشار الحرارة والتى كان إسمه قد اقترن بها قبل كل ذلك . وعلاوة على 
كل ماسبق لم يكتف الإمبراطور يأن حمله مسئولية إحدى أكثر المحافظات حساسية 
وأققها سهولة فى المعاملة فى فرنسا كلها بل كلفه فوق JS‏ ذلك يمهمة كتاية المقدمة 
التاريخية لكتاب « وصف مصر » العظيم . وقد قبل جوزيف فورييه التحدى المثلث 
الأضلاع ونجح فيه بعد سبع سنوات من وصواه إلى مقاطعة الإيزار وسلم الناشر نص 
المقدمة والتى ساعد فى تحريرها بجهد ضخم جاك - جوزيف شامبوليون بمعاونة أخيه 
الأصقر ... وهى ماستعود للحديث عنه فيما بعد . بعد ذلك بسنتين أنهى كتابه العظيم 
عن « النظرية الرياضية للحرارة » وهو الذى فتح أمامه أبواب أكاديمية العلوم . بعد 
مائة وخمسة وستين عاما حيا كل من إليا بريجوجين وإيزاباك ساندارز فى كتايهما 


» الآن المجمع العلمى المصرى . 
kk‏ راجع التمهيد ص ۲۷ . 


126 


« الحلف الجديد » ٥8‏ 4اا عااعل/انادلا ١2‏ . عمق وحداثة هذا المؤلف والذى يمكن 
مقارنته بأعمال نيوتن * 

فى بداية القرن التاسع عشر كان جوزيف فورييه يعتبر الوريث الأمثل لقرن 
التنوير . وكانت شهرته كعالم وكش خصية عامة وأسعة جدا .كان أيضا إحدى 
الشخصيات المرموقة فى الحركة الماسونية وكانت شهرته تجوب أورويا كلها وكان شديد 
الاهتمام بكل شئ وعاًا فذا فى العديد منها . وارتبط بأمجاد يونابارت ولذلك فإن هذا 
« البورجينيونى » ( من مقاطعة بورجونى ) ذا الوجه السمح الواضح , والملامح النبيلة 
والهيئة المتفتحة والقلب الطيب والمقيل على الحياة والمتحدث اللبق كان يعتبر 
« شخصية » بكل ماتعنيه هذه الكلمة من معان . كان رأى الأخوين شاميوليون فيه عال 
جداً ويبدى ذاك واضحا فى مراسلاتهما التى كانت تمتلئ بالعديد من كلمات ١|‏ سخرية 
عن الكثير من معاصريهما ولكن فيما يتعلق بجوزيف فورييه فقد أطلقا علده كناية 
جميلة هى « كرينزوستوم » . 


لدى تكليف بونابارت سكرتير عام « معهد مصر » سابقاً بتحرير المقدمة التاريخية 
« أوصف مصر » أراد أن يجد له مساعدا فى استطاعته أن يجمع له مراجع لم تكن 
متوافرة فى جرونوبل وأن يساعده علاوة على ذلك فى كتابة المقدمة .. لم يكن 
ممكنا ألا يقكر فى ذلك الشاب المثقف النشط الخدوم العالم ببواطن الأمور وعلاوة 
على كل ذلك له شبكة علاقات جيدة .. وهكذا أصبح جاك - جوزيف شامبوليون فيجاك 
منذ عام ١4.4‏ مشاركًا فى هذا المشروع الضخم . حيث اجأ إلى مقدرات أخيه 
الأصغر التخصصية الذى قدم له عونا هائلاً متمثلا فى مذكسرات شملت عددا 

من الموضوعات التاريخية والجمالية . ولكن ظل الأخ الأكبر وحده فى الصورة 
أمام المحافظ . 


٭ عن « قورييه » وصلتنا من السيد / جورج شارياك هذه المذكرة : « ما إصطلح على تسميته الآنه 
مجاميع فوربيه وأصوله » أصبح لها أهمية وشمولية تتعدى بكثير هدقها الأصلى . يوجد العديد من المجالات 
الآخرى فى علم الطبيعة وفى الهندسة سة تستخدم بشكل روتينى الأساليب الذى طورها فورييه . إن جميع مسائل 
تحليل الصور تلجاً إليها مثل تلك التى تثار لدى إستخدام الكشف باشعة إكس أو الكشف عن الأورام بالمهجات 
فوق الصوتية , 

« الأبحاث فى مجال هيكل الجزئيات الكبيرة بواسطة التقنيات اللبللورية التى هى الأساس فى دراسات 
بيواوجيا الجزئيات تلجأ بكثرة إلى « تحويلات فورييه » كما أن يعض التقدم الذى طرأ مؤخراً على هذا المجال 
يرجع إلى أن الحاسبات الإلكترونية أصبحت تقوم بحساب هذه التحويلات بسرهة أكبر بكثير من ذى قبل » . 


127 


نشط چاك - چوزيف لدرجة أن جوزيف فورييه اعتبره من أصدقائه » وقد ساعد 
على ذلك ماكان يحظى به شامبوليون الكبير من حسن الطوية » عشر سنوات كانت 
تفصل الرجلين سنا والعديد من الاهتمامات كانت تجمعهما فكرا . وفى عام ٠۸٠٠‏ 
وقعت فى أيدى جاك -- جوزيف - بفضل صديقه جامع الكتب جاربيل - مراسلات 
alle‏ الرياضيات الألمانى العظيم ليونهارد أولار . فقدمها افورييه وقد أتاح له ذلك أن 
يحرر مداخلة قدمها لأكاديمية جرونويل فحازت إعجابا كبيرا . أنها سمحت له بتوسيع 
أفاق أبحاثه ... ولم يكن عالم الطبيعة من الجاحدين ! 

هكذا تواترت دعوات المحافظ للتاجر عالم الآثار لحضور حقلات الاستقبال التى 
ينظمها » والسؤال الذى يطرح نفسه هو هل كان الأخ الأكبر يصطحب أخاه معه قى 
هذه الحفلات والإجابة كانت ستسمع بتحديد المهد الحقيقى الذى ولد فيه هاتف 
الدراسات المصرية القديمة فى قلب مكتشف أسرار الهيروغليفية أى قاعات إستقبال 
جوزيف فورييه . 

كل المؤشرات تؤيد فكرة اقتياد جاك - جوزيف لأخيه إلى متحف مدينة جرونوبل 
حيث عرض عليه وشرح له ماهية المومياء التى كانت من أهم التحف المعروضة وكأنه قد 
أهداها للمدينة القنصل الفرس ح .. ب مور فهى من مقاطعة الدوفينيه أصلا ومثل 
فرنسا فى مصر لفترة فى عام 17/44 . ولكن التقليل من شأن كل ما ساعد على تعريفه 
بمصر بداية بكتاب فيقان دونون لايمكن أن نحدد المكان الذى « تبلورت » فيه 
الاتجاهات المصرية لدى جان فرنسوا شامبوليون خارج مقر جوزيف قورييه العظيم 
٠‏ فهى شاهد لامثيل له وعالم أصيل . 

إن الإغراء على اعتقاد ذلك جامح لدرجة أن هيرمبنى هارتلويان قد وقعت فى 
براثته : فراحت تصف بدقة مؤثرة حوارا بين المرشد الكبير والطفل النايغة تمامًا كما 
لى كان اللقاء بين أرسطو والأسكندر ... ولذا قإن الإغراء كان عظيما بأن تؤسس على 
هذه المحاورات انتقال شعلة المعرفة من الرجل الكبير إلى الشاب الصغير . 

غير أن هناك شك أولى : إن مداع هارنلويان تحدد موعد اللقاء الأول فى خريف 14.7 ,(11) 
لكن هل يمكن أن نصدق أن هذه الشخصية الكبيرة التى لم يكن قد مضى على 
حضورها إلى جرونويل سوى أقل من ستة أشهر وكانت المسئوليات الضخمة 
والمسئوليات ترهق كاهلها قد وجدت الوقت لاستقبال صبى عمره أحد عشر عامًا 
مهما كان هذا الواد موهويا ؟ علاوة على أن أول دليل على تبادل كتابى شخصى 


128 


بين جاك - جوزيف والمحافظ هو الخطاب المؤرخ أكتوير ”.186 .. ولذا لايمكن 
تصديق أن شاميوليون فيجاك قد تمكن من محاصرة فورييه فى تلك الفترة لكى يقدم 
له أخاه . 

كما بوجد مؤشر سلبی آخر وهی عدم وجود أى أثر لهذه اللحظة التاريخية فى 
مراسلات تلميذ الليسيه . هل يمكن أن نتصور ألا يشير الصيى إلى مقابلته لرجل 
الحملة المصرية المحاط بهالة من الأعمال الرائعة فى مراسلاته ؟ وفى الذى كان يسرد 
فيها كل شئ عن ذاته وأعلامه وطموحاته وولعه يالشرق ؟ 

الواقع هى أن الأمور أبسط من ذلك وأقل إثارة وتشويقًا . فإذا كان جان - 
فرنسوا شامبوليون قد حظى - بناء على تدخل من أخيه -- بشرف إثبات ذاته أمام 
«قورييه» خلال الزيارة التى قام بها الليسيه عام 16٠١1‏ ويبعض الامتيازات مثل إعفائه 
من الخدمة العسكرية أو تسهيل عمله فى السلك الجامعى فإن أسطورة حواره المطول مع 
الأمين العام السابق « لمعهد مصر » تفشل فى إجتياز تجرية مراجعة مراسلات الشقيقين . 

كما أن هناك شاهدا آخر يتمثل فى خطاب أرسله فيجاك إلى « صغير » 
موّرخ فى 5 يوليى 148.06 - أى بعد سبع سنوات من البداية المفترضة للعلاقات 
المتميزة بين عالم الطبيعة الكبير وتلميذ الليسيه الموهوب فى اللغات يحاول فيه الأخ 
الأكبر إقناع أخيه الموجود حينذاك فى باريس أن يذهب للقاء ه فورييه » الذى كان 
بزورها لفترة : 

«... يجب آلا تضايقك هذه الزيارة . إن السيد / فورييه رجل ممتاز فهى طيب 
وودود أيضا . وهو مصرى مك وهو يحبك أعلمه بميولك المعرفية وأعمالك وفيما ييننا 
فهى يقدرك أكثر من العديد من أعضاءه اللجنة » * وإنى على يقين من أنك ستسعد 
بالتعرف عليه شخصياً ... 


« التعرف عليه شخصياً » ... .. هو مصرى مثلك .. » لايوجد حرف واحد فيما 
سبق لای يشترك فى تدمير الأسطورة . والواضع هو أن فورييه كان صديق جاك - 
جوزيف صديقه هو وحده . ويما يكون الأخ الصغير قد رافق أخاه إلى مقر المحافظة 
لحضور حفل أو للزيارة ولكن جاك - حوزيف رأى عدم تقديمه للرجل الكبير فى تلك 
القترة الميكرة . 


× لجنة مصر » التى يرأسها جومان . 


129 


هيرمينى هارتلويان عندما أسست مولد علم المصريات على مقابلة شخصية بين 
حجان - فرنسوا شامبوليون وجوزيف فورييه إستجابت لإغرا ء ميل متأصل لديها - 
يتكرر كثيرا بوضوح وبطريقة مثيرة للعواطف - أن تظهر شامبوليون فى صورة الطفل 
المعجزة مثل يسوع وسط العلماء - فى حين أن عبقرية المكتشف قد تكونت على 
مراحل ويطريقة أكثر عقلائية بواسطة المقارنة والمنافسة مع قدر ممائل من الإلهام . 

ومع ذلك يجب أن نقر أن نظرية الطقل العبقرى تؤيدها بعض الأسانيد . يذكر من 
- أى - كاريوتال عدة خطابات وصلت حاك - جوزيف من أصدقاء له مثل مارتان 
وجاربيل يتحدثون فيه عن الصبى وهو فى الثالثة عشرة من عمره ( 5 )18٠١‏ على أنه 


اه هد م 


«عالم آثار المستقبل الكبير » الذى سيحل محل « سكاليجية ... 

ألا تتم هذه المقابلة مع فورييه قبل عام ١8.5‏ لايقلل من أهميتها التاريخية إلا أنها 
تيقى شامة ألغاية بمقدار أهمية العوامل الأخرى المكونة « للالهام » المصرى الذي هبط 
على مكتشف الغد وهى : غوصه فى دراسة اللغات الشرقية منذ مرحلة الدراسة لدى 
الآب دوسار وقراءة کثاب قيفان lis‏ ( الذى نشسر عام \AY‏ ) حيث وجد على das‏ 
الخصوص البردية المشهورة ‏ ( لوحة رقم ١١4‏ ) والتي ستكون فيما بعد إحدى 
أدوات عمله . 

إذا كانت الرعاية التى خص بها فورييه جان - فرنسوا شامبوليون أقل تأثير عليه 
فی اختيار طريق علم المصريات عن الامتقاد السائد فإن ذلك د لايمنع أن تأثيرها لايقدر 
يثمن . لقد كان محافظ الإيزار يجذب حوله جميع من كان يعتد به فى مجال التعليم 
شخصيات ذات تأثير على الجامعة مثل جان - باتيست بيى وهى عالم الرياضيات الذى 
تكاد تبلغ شهرته شهرة مونج وكذالك أنطوان فوركروا عالم الكيمياء مفتش عام التعليم 
الحكومى والذى سذنراه يجد فى الدفاع عنهما فيما بعد . 

غير أن أكثر الشخصيات تأثيرا ضمن هؤلاء الذين تعرفا عليهم بفضل جوزيف 
فورييه هو أحد قدماء الحملة على مصر « دوم رافائيل دى موناشيس ». كان هذا 
الراهب من أصل يونانى وقد عاش لفترة طويلة فى سوريا . ثم أصبح يعد ذلك - إلى 
جانب فانتور دی بارادى - أحد « المستشرقين الشرقيين » ابونابارت . وأعيد إلى 


* جوايو سيزارى سكاليجية عالم لغات إيطالى من القرن السادس عشر والذى يعتبر كتابه « الشاعرية » 
المحاولة الأرلى لعقلنة اللغويات . 


130 


فرنسا عام 16-7 بصفته هذه ليصبح أستاذ اللغة العربية فى المدرسة الخاصة للغات 
الشرقية . كان إلمامه باللغة القبطية كافيا لتوضيح أهميته القصوى لهؤلاء الذين كانوا 
يحاواون إلقاء الضوء على اللغة المقدسة للمصريين القدماء . 

من المرجح أن يكون دوم راقائيل هى السبب وراء إدراك جان - فرانسوا أن اللغة 
القبطية هى الجسر الذى لاغنى عنه للوصول إلى تفسير الرمون الفرعونية والتى هى 
بدورها النسخة المتأثرة باللغة اليونانية التى تحدث بها وكتب بها قدماء المصريين . 
(ويجيئ دوم رافائيل فى هذا المجال بعد أتاناز كيرشار الذى تتلمذ بدوره على بد 
المثقف « بيرساك » ) * . وعلى العموم فإن الشئ المؤكد هى أن الشراهة الاستشراقية 
لصديقنا الشاب قد إتسعت للغاية مارة بثلاث مراحل حول محور مصرى أولاً ثم قبطى 
وأخيرا هيروغليقى . | 

ومنذ ذلك الحين أضفى ميل جان - فرنسوا للهروب صبغة ملحة ادرجة مرضية ٠‏ 
لاكتشاف هذا المجال الجديد وهو اللغة القبطية ولم تكن جرونويل تتيح له أية | إمكانية 
معرفتها » وثائق ولا أشخاصاً يمكن مراجعتهم فيها فيما عدا دوم رافائيل الذى زارها 
مرتين ولفترات قصيرة جدًا عامى ١4.0‏ ى 14017 .. لم يبق أمام جان - فرتسوا سوى 
باريس كحقل معرفى يتهل منه . 

كما هو الحال دائماً تقريبًا سنرجع إلى مراسلاته للبحث عن الإشارات التى 
توضح طريقة تطوره وكيقية تطوره وكيفية إرتقاع حدة رغبته فى المعرفة . وسنجد فى 
هذه الرسائل إشارة ذكرها عام 18.0 إلى « قائمة بحكام مصر » ولعل أوضح تعبير 
عن توجهه المصرى يبدى جليًا فى خطاب موجه إلى أسرته - بيد حاك جوزيق : 
إذ كتب يقول : « أريد أن أقوم بدراسة متعمقة ومتواصلة عن هذه الأمة العريقة . إن 
الحماس الذى حركه فى نفسى وصف أثارهم العملاقة والإعجاب التى أثارته عظمتهم 
وعلومهم سينموان كلما زدت علمًا بها . أعترف وأقر لكم أنه لايوجد شعب من جميع 
الشعوب التى أفضلها يعادل فى قلبى حبى للمصريين !» . 

هذا الخطاب الذى خطه غلام فى الخامسة عشرة يثير الفضول ؛ لأنه مذكور فى 
جميع كتب من أرخوا لجان - فرنسوا شامبوليون : إيمى شامبوئيون - فيجاك 


* راجم القصل التاسع . 


131 


وهيرمنبى هارتلويان وليون دولايرييار ومادلهين يوربوان . ولكنه غير مذكور فى أى من 
الأرشيفات . ومع ذلك فليس المقصود هنا هو التشكيك فى صحته . ولكن التساؤل هى 
حول الأسلوب الخطايى للرسالة ولعله يعود إلى إضافات من وضع أخيه الأكير ؟ 
وريما يعود ذلك أيضا إلى شخصية من كان يخاطبهما أى والديه أو إلى مايتضمنه 
« تعهده » هذا من مهابة حتى أن المرء يخاله يعلن قبوله دخول الدير والرهينة , 

ولكن يوجد جاتب من شخصيته يعبر عن تفرد أصغر الأخين شامبوليون » نجده 
فى الخطاب الذى بعث به لأخيه وأرفق يه الخطاب المتضمن تعهده الذى قطعه على 
نفسه لوالديه . فقد أضاف ملحوظة فى نهاية خطاب أخيه نصها الآتى : « إذا دفعك 
فضواك إلى رؤية « الأزينيناد » فسأعطيها لك يوم الأحد .. إنها قصيدة بطولية مثل » 
الإلياذة والإنييد والهزيادة .. إلخ » . 

تحول فى المواقف بثير الدهشة !! ففى اللحظة نقسها التى يقسم فيها علنًا على 
تكريس حياته للعلم مظما يفعل الأخرون ادى دخولهم سلك الرهبنة » ڀعلن چان - 
فرنسوا لأخيه عن عمل كتبه على طريقة سكارون ( كاتب ساخر فرنسى من القرن 
السابع عشر ) وهى عمل ملحمى ابطاله من الحمير على ماييدى - وهو يعبر بشكل مثير 
الضحك عن معرفته بمصر حيث يؤدى هذا الحيوان منذ الأزل دورا أساسيا كما ذكر 
هيرودوت . وكذاك أعضاء الحملة الفرنسية على مصر قى 1798 ولايوجد شخص أثنى 
على الحمير بأفضل مما قاله جان فرنسوا ذاته عندما رار مصر عام ۱۸۲۸ . 

وعلى الرغم من هذه الملحوظة الإضافية فإننا سنعتير هذا « التعهد » أو المانيفستو 
العائلى نقطة تحول فى حياة كاشف أسرار الفراعنة » حدثت يعد يضعة شهور من 
لقائه بنوم رافائيل . 

وحدث بعد ذلك فى صيف 18٠5‏ عندما سمع عمدة جرونويل جان فرتسوا وهو 
يتناقش مع ابنه فى مسائل خاصة بالنباتات وسأله وهو مازال فى الخامسة عشرة من 
عمره إذا كان يود أن يتخصص فى العلوم الطبيعية » رد عليه قائئلا بجدية أدهشت 
العمدة : « كلا ياسيدى - أريد أن أنذر حياتى لدراسة مصر القديمة »(12) لم يكن قد 
تطرق بعد إلى الحديث عن الهيروغليفية .. ولكن يجب أن نلاحظ أن كل مايهمه يؤدى 
فى النهاية إليها : اللغات المقارنة والتاريخ والجغرافيا وعلى الخصوص دراسة 
هذين الكاتبين اليونائيين اللذين قاما بجهد كبير فى هذا الاتجاه وهما مورابوالون 
وكليمان السكتدرى . 


132 


وفى جميع الأحوال قالشئ الواضح هو أن البحث العظيم الذى كان يصدده 
مكرسًا له حياته فى صیف ۱۸۰٦‏ تقریباً لم یدفعه إلیه انبهاره بباد غریب ولم تحركه 
فيه رؤية الروائع التى كشفها جوزيف فورييه . فقد عمل منذ البداية على أن يقوم بحثه 
على أسلوب علمى . كل شئ أصبح مادة للتشبيه والمراجعة والمقارنة اللغوية . 
« اطلعت فى كتاب « آلية اللغات » على المساجلة بين السيدين فالكونيه وفرينيه عن 
معنى كلمة « دونوم » : الأول يفضل إعطاء معتى مكان معروف وهو مايتوافق 
بطريقة لاباس بها مع كلمة أوكسيلودونيوم أو كابديناك * . فى حين يقول الآخر تعنى 
مكاتا مأهولا . وأكى آتأكد بحثت فى الأصول العبرية فوجدت أن « دوم » تعنى « مدينة : 
مثل « المديثة » فى الجزيرة العريية كما أن « ديناس » تعنى مدينة بلغة مقاطعة 
بریطانی فی عهود الاضمحلال . أما فى اللغة اليونانية فقد وجدت « دينا » ومعناها 
«جب» . كما أن فالكونيه يدعى أن « دونوم » تعنى جبل . فى المفاتيح الصينية وجدت 
«تشان - إى , وتا - إى وجميعها لاتتفق مع « دونوم » التى تعنى جبل » . 
وقد يقول البعض أن فى ذلك جهدا كبيرا ضائعا من أجل إكتشاف أن تركيبة 
الكلمات اللاتينية لاتقبل المقارنة مع الكلمات الصينية . لكن لاتوجد إكتشافات غير 
مجدية كما لاتوجد محاولات لاتؤتى بعض الثمار وحتى يدعم تمكنه من موضوعه 
ولكى يوسع مجال بحثه بدأ قی عام ۱۸۰۷ مغامرة جسورة متمثثئة فى عمل خريطة 
وكتابة « قاموس جغرافى الشرق » مع إعطاء إهتمام خاص لوادى النيل . لكن 
سيتضح أن كلمة « جغراقى »لم تكن سوى طريقة فى التعبير ؛ إذ سنراه يهتم أيضا 
بذكر الأسر الملكية والطويوغرافيا وأصول الكلمات وأشكالها وأسماء المواقع الجغرافية 
(onomastique & toponymie) 4La,‏ . 
كتب إلى أخيه الأكبر يقول : 
« أوشكت على الانتهاء من قاموس . هل تكرمت على « بان تسال مسیی دى لاسالات "* 
أن يعطيك المجلد الأول من « المكتبة الشرقية » . أريد قراءة هذا الكتاب لأنه مرجع 
يجب العودة إليه باستمرار حتى يمكن السير بخطى ثابتة فى متاهة الأسرات 
الشرقية . وعلى العموم فإن التعود على معرفة الأسماء الشرقية يبداً هنا فقط كما 





» قرية صغيرة تقع بالقرب من فيجاك فوق مرتفع . فهل كانت نقس مدينة أوكسيالودونوم الذى قال 
قيصر أنه فتحها ؟ حاول الأخؤان شامبوليون الرد على هذا التساول عام 1811 . ( راجع الفصل السابع ) . 
على ۳ جم 8 


133 


نشحن ذاكرتنا بمعلومات غاية فى الضرورة الشخص كرس حياته للقيام بدراسة 
خاصة عن الشرقيين » . 

إن الذى يثير شغفه العلمى فى هذا العمل هي إعادة إكتشاف الأصول القديمة 
للأسماء المعرية الآن فى مصر . فهو يتساعل إن هو رقع الحجاب الذى فرضه الفتح 
وأعاد الأسماء الأصلية إلى الحياة فهل سيجد الكلمات ذاتها التى كان يستخدمها 
آسياد وادى النيل ثم الأقباط من بعدهم لعلهم يكونون قد إحتفظوا ينقس المعطيات 
الصوتية دون الاحتفاظ بلغة كتايتها . 

إننا نعرف جميع محاولات هذا المراهق صاحب الخمسة عشر عاما الذى 
كتب خلال أجازة صيف ٠1‏ وهی قى ani dl‏ أولاد عمومته « بحثا مختصرا 
فى علم النميات ( دراسة القطع النقدية والميداليات .. إلخ ) العبرانية من عشرين 
صفحة تقريبا » وكذلك تعليقا على «ه سفر أشعياء » ويترجم سفقر الخسروج 
ویدرس الجغرافيين العرب إن الأوردى والبكوى ويلتهم الكتب والقواميس فى غرفته ١‏ 
بليسيه جرونويل . 
لم يخطئ فى تقدير هل سيجب نشاط أخيه مجمل المجال الشرقى أم أنه سيركز 
طريق سيقوده إلى أفاق بعيدة . 

فى 18١1‏ كتب الأخ الأكبر إلى صديقه ورائده ميلان يساله عن الطريق الذى 
يجب تمهيده أمام أخيه الصغير الذى لم تعد إمكانيات مدينة جرونويل تدخر مايصلح له 
من غذاء علمى .. فرد عليه مدير « المخزن الإنسيكلوبيدى » أن أمامه إمكانيتين إما 
دخول الكولاج دوفرانس ليتتلمذ على سیلفاستر دوساسى أو جامعة جوتينجان . 

سينتهز جاك - جوزيف أول قرصة لتمكين أخيه من الإقامة فى باريس . 
فالصداقة التى يكنها له فورييه وأصدقائه فى جرونويل وتلك. التى تريطه يميلان فى 
باريس وإنتخابه عضو فى أكاديمية العلوم والفنون بجرونويل ؛ كل ذاك أعطى ثقلاً 
لحاولاته خاصة وأن جان فرنسوا دعى وهى مازال فى الخامسة عشر والنصف من 
العمر فى ۲۷ مايو 18.1 ليعرض أمام هذه المؤفسسة ذات السمعة الرقيعة « ملاحظاته 
على قصص العمالقة طبقا لأصول الأسماء العيرية » . 


134 


سافر چاك - چوزیف شام بولیون فيجاك إلى باريس قى أغسطس 
وسيبقى يها حتى سبتمبر 18607 ولم تزل تدور فى رأسه توسلات أخيه المكتوية 
الجهنمية » فى الليسيه الإمبراطررى .. وجاءعت حادتة «١‏ فانجيهيس » لتحرك 
السلاح داخل الجرح فتعمقه . كان النجاح الذى أدركه فى شرحه للتوراه بالعبرية أمام 
المحافظ وأيرز المواهب التى تم إكتشافها لدى جان - فرنسوا .. حافز الأخ الكبير 
au‏ حملته . 

راح مزودًا بخطاب توصية من جوزيف فورييه للقاء أنطوان فوركروا المدير العام 
التعليم العام فى شهر سبتمبر وطالبه بإدخال أخيه إحدى المؤسسات التعليمية العليا 

لدينا عن نجاح هذه المهمة .. ولى جزئياً .. شهادتان الأولى من فوركروا إلى 
فورييه عبارة عن مذكرة مؤرخة " أكتوبر 14.1 تعرب فيها الشخصية الهامة عن نيتها 
« إيجاد مكان لهذا الشاب المثير للانتباه يتناسب ومعلوماته » ... والأخرى خطاب من 
جاك - جوزيف لأخيه مؤرخ فى باریس ۰ ۲۲ سبتمبر ۱۸۰٦‏ » ويعد بمثابة وصف شيق 
للعلاقات التى تريط الشقيقين : 


» ... يسعدنى أن أراك مستمرا فى ترجمة سفر « أشعياء » وكذلك « الخروج » , 
إن أنت أتقنتهما فلابد وأن تكون مقبولة وستكون مثل هدية تعطيها لى .. إنى أرجو 
أن تسعدك هديتى التى أحضرها لك بنفس ال مقدار إلا أننى غير متأكد من أنك قد تجد 
أحد الجوانب السيئة [...] ولعل أول هذه الجوانب سيكون مؤنًا لك لوكنت أقل تعقلا ولو 
أنك لم تعرف كيف تتحمل المضايقة لفترة أمام موضوع بهذه الأهمية لمستقبلك كله , ثم 
تتمتع بعد ذلك بسعادة ممتدة .. وذلك بأن تطيع بل بان تستمع لنصائح موظف كبير 
سيفعل الكثير من أجلك : هذه الشخصية الكبيرة هى مسيو فوركروا . أما المضايقة 
فهى فترة قصيرة من البقاء قى مدرستك أما السعادة فستعطيها لكل المكتبة الإمبراطورية . 
سأقص لك بالتفصيل مايتعاق بك لكن يجب أن تشعر بلزوم أن تعرف كيف تكتب وكيف 
تتحدث قبل أن تنتهى من تعليمك -- كما يتحتم أيضا الإلمام ببعض الرياضيات . لماذا 
تعرض نفسك الخطر بأن تذهب فى طريقك دون زاد ؟! كن مطمئنا فأنا أقف فى 
الخطوط الأولى من أجاك وأرجى أن أثيت لك مقدار إهتمامى بك . أملى أن تستجيب 
لذلك : فهذا ga‏ الطريق الأسلم لاستحقاق كل الحب الذى أكنه لك , » (13): 


135 


منذ ذاك الحين لم يعد ممكنا لجان - فرنسوا أن يكتم سعادته . لم ينجح فى أن 
يكرك الليسيه إبتداء من ذلك الصيف .. « الجانب السيئ لهديه » جاك - جوزيف 
si‏ » هذه المضايقة » هى وجوب أن يستمر فى الدراسة لعام ثالث تحت السلطة. 
» السمحة » للأب جاتالى ( القاسية ) السيد فاجيه . ولكنه سيجد هذه السنة 
الدراسية منذ الآن « أقصر » طولا . 
متذ ذلك الحين كان قد تحرر من الإقامة الداخلية فى المدرسة . وهذا يفسر عدم 
وجود خطابات يتحدث فيها عن اللغة القبطية التى عرفه بها دوم راقائيل - أصبح 
٠‏ يعيش فى مجال مختلف : قد تلحظ هنا وهناك شيا من نفاذ الصبر فى خطاباته ولكن 
الاتجاه السائد هى الأمل : 
« .. جعلتنى المح إمكانية إخراجى من الليسيه ... وجعلتنى أعتقد أنك تسعى لإدخالى 
كلية تدرس فيها اليونانية والعبرية والعربية والكالديه والسيريانية [..] إن إتخراطى 
فى المدرسة الخاصة باللغات الشرقية سيتيح لى أن أقبل فى المكتبة الإمبراطورية ” . 
ان تكون تلك هى أقل ميزة لمكانى هذا . إذ ساتمكن من التفرغ التام لدراسة العربية 
والسيريانية والعبرية والكالديه والفارسية » . 
هل ستتكرر قصة بييريت وجرة اللبن ؟ لم تكن المشاكل كلها قد حلت بعد وإن يحل 
شيئًا بالكامل أيدًا . ولذلك واصل جاك -- جوزيف جهوده .. قفى مايى 18.1 كتب 
لقوركروا خطابًا يذكره فيه بلقاءهما فى سبتمبر ۱۸۰٦‏ وبا مذكرة التى أرسلها مدير 
التعليم العام إلى محافظ الإيراز مؤكدًا فيها على التقدم الذى أحرزه أخوه فى 
دراساته ومشيرا إلى التقارير التى قدمها عن أعماله لأساتذته مثل دوساس ولانجلاس - 
ثم طالب له « بعمل ما فى المكتبة الإمبراطورية سواء فى قسم المخطوطات أو فى 
مكتب الانتيكات ** حتى يتاح الشاب قرصة حضور محاضرات المدرسة الخاصة 
( باللغات الشرقية ) وللحكومة أن « تشكل مواطنا نافعا » . نافعاً ؟!! بكل تأكيد . 
والأكشر من ذلك والأهم أنه مبكر النضج . قى الأول من سبتمبر ۱۸۰۷ وهو لم يزل فى 





+ الواقع هو أن العكس هو الصميح لأن مدرسة اللفات الشرقية تتبع المكتبة وسنرى فيما يعد أنه 
ok‏ الذى يرأسه ميلان . 


136 


السايسة عشرة وتسعة شهور من العمر سيقدم جان - فرنسوا شامبوايون « بحثه 
الوصف الجغرافى لصر قبل غزو قمبيز لها » إلى أكاديمية الفنون والآداب Dual‏ 
جرنويول .. وقرأ هذا المراهق الصغير أمام هذا المشد من كل علماء جرونوبل ومقاطعة 
الدوفينيه وشعرائهما مقدمة بحثه وتعليقه على خريطة لوادى النيل مبين عليها الأسماء 
التقريبية للنومات ( المحافظات ) التى رسمها كتبة فرعون . 

قد تكون الفرصة التى أتيحت الشاب مدينة بالكثير لحماية فوربيه له واتحركات 
شامبوليون = فيجاك . إلا أن العرض لاقى نجاها مدهشاً حتى أن الطبيب هنرى 
جانيون جد ستاندال المحبوب يادر إزاء هذا النجاح بن عرض على زملائه قبول تلميذ 
الليسيه - عضواً منتسبأ للأكاديمية . 

بعد ستة شهور على أثر التصويت الذى جرى على هذا الاقتراع كتب شارل 
رينوادون عمدة جرونويل يعلن للفائن قبوله فى الأكاديمية ومعلقا على ذلك بقوله «بقبواكم 
عضوا على الرغم من حداثة سنكم اعتمدت الأكاديمية على : ماقمتم به وتعتمد أكثر 
على ما يمكن أن تؤدونه . وهى تود أن تعتقد أنكم ستثبتون صحة الأمال التى عقدتها 
عليكم وإذا جاء يوم تكون أعمالكم قد صنعت لكم فيه أسماً ستتذكرون عندثئذ أنكم 

کان رد فعل چان فرنسوا - وكان قد هجر مقاطعة الدوفينيه غاية من الرقة : 
إذ كتب جاك جوزيف يقول « إن قبولى فى أكاديمية جرونويل أسعدنى كثيراً .. إن أكثر 
ما يشير زهوى فى ذلك هى أنى أصبحت أكثر من ذى قيل شقيقك . » 

عضمو أكاديمية أم تلمين ؟ اعتباراً من 1١‏ أغسطس 14.7 لم يعد الأخ الأصغر 
تابعاً للنظام الذى جعله ينفر من المدرسة الكائنة بشارع نوف . ومع ذلك فإن 
الليسيه المكروه والذى عاش فيه بائسا لم يدعه دون أن يمثحه « شهادة دراسة وحسن 
سير وسلوك » مثيرة لغيرة أقرانه على الرغم من عدم حصوله على أى جائزة : 

« نحن أستاذ الدراسة فى ليسيه جرونويل ومفتشه 


نشهد بان الشاب جان - فرنسوا شامبوليون - البالغ من العمر 1 عاماً المواود 


137 


والثانية فى صف : اللغة اللاتينية والسنة السادسة والخامسة والرايعة فى صف الرياضيات 
إن اجتهاده قى العمل وطاعته للأوامر* والتقدم الذى أحرزه استحقت المديح . 

« حررت فى جرونويل فى ه سيتمير ١8.1‏ 

« المدير : جاثال 

« مفتش الدراسة : فاجيه » 


قبل أن يساقر لباريس لا لاقتحامها بل من أجل الرموز التى تستحوذ على 
مقاتيحها سيجد من ينبهه إلى أن الحياة تجرى أيضا خارج الكتب وأن التجارب تحدث 
على هامش النصوص والسعادة تجئ فيما هو وراء الاکتشافات الفكرية فى أول أيام 
عام ۱۸١۷‏ وهى السنة التى عرفت فيها الإمبراطورية النابوليونية قمة مجدها ( وهى 
الإمبراطورية التى كان يتظر إليها نظرة غير متحمسة بل بشئ من السخرية ) لم ينظر 
إلى عاصمتها من تلك الزاوية وإنما أعتبر باريس جنة الحياة الفكرية التى كانت فى 
ذلك الوقت . وقد كتب لأخيه عن ذاك رسالة تستدعى نقلها . فهى فى مبالغاتها المراهقة 
تكشف بعض ملامح شخصيته وهى فى مرحلة فرض ذاتها توضح ليس فقط إمتلاك 
مصر الكامل لكيانه كله ولكن تبرز أيضا بداية حرية التعبير عن رأيه بالنسبة لأخيه 
الذى تحكم فى حياته حتى ذلك الوقت والذى سيرى أخاه - وقد تخلص من لفافاته 
الطفولية - يوجه له يعض التتبيهات . 
النص هى عبارة عن قصيدة طويلة من عدة صفحات تصف رؤيا جان - فرنسوا ٠‏ 
لأحد الملائكة يقوده بين حضارات الماضى وفيها تحية كلها ولع موجهة لمن يحب : 
« شاهدت مصر القديمة ومعابدها المهجورة هى كالمصاغ يزين سهولها المحرقة ... 
هنا تتحول القصيدة إلى ابتهال : 
« ياسيد الكون ؛ أنت یا إلھی ١‏ أنت يا أبى [..] 
إصغ إلى واسمع صوتى ! واستجب لى 
نال أخى - وأنت العارف - مئنذ تعومة أظلافرى 
على حقوق مقدسة تستوجب عرفانى بجميله , 
علمنى أن أسير فى طريق الفضيلة 


, مبالغة اللغة الرسمية هذا تتخطى كل الحدود المعقولة‎ à 


138 


أن أنزع من قلبى خمائر الشر . 
البريق الزائف للذهب والثراء الكاذي 
لايستطيعان بث السعادة فى مستقيله » 
هى ثروات مسمومة تجلب إليه التعاسة 
وبدلا من جلبها السعادة لقلبه ستدمرها فيه |...] 
اجعل فی قلبه حباً يسعده يضفى عليه محاسنه [...] 
أوه ! اجعل من نجاحاتى تحقيقات لآماله 
وأن أكون صالحاً وأن يلحيظ ذلك ! 
اجعل منى قادراً أن أثبت له حبى 
بأن أتمكن فى النهاية من تخفيف عبء شيخوخته » . 
يبدو أن هذا الدعاء كان يشير إلى مشروع « زواج ثرى » كان جاك - جوزيف 
ينوى عقده ( « بريق الذهب الزائف » ) الأخ الأكبر الذى تزوج بعد ذلك بقليل من 
« زويه بريا » هل كان ينوى قبلها أن يعقد على أخرى أكثر ثراء ؟ تنبيه الصغير له 
اللافت للنظر لا من حيث الأسلوب ولكن من حيث الجسارة التى يكشف عنها تجاه 
أخيه صاحب القدرة الكاملة عليه . 
هل كانت هذه هى طريقته فى « قتل الأب ؟» إن الترتيل ياسم مصر وتحرر 
الشخصية يتزامنان أى يتقابلان فى جميع الأحوال قى هذا النص الساذج والبليغ فى 
الوقت نفسه . 
بعد ستة شهور امتنع جان - فرنسوا شامبوليون من توجيه أى نقد لأخيه : لأن 
زواج جاك - جوزيف من زويه بيريا فى الأول من يوليو ١4-‏ قد سره للفاية على 
مايبدى . تدل على ذلك قصيدة كتبها فى الأول من يناير من السنة التالية فى هيئة 
قصيدة مدح عربية فارسية تعتبر فى الواقع أغنية زفاف . والحقيقة يجب أن تقال إن 
صاحبنا كانت له هذه المرة أسباب شخصية تجعله لايعترض على مشروع جاك - 
كانت يولين تكبره بست سنوات ؟ لكن هل يمكن أن تحسب الأمور على هذا النحقو 
فى سن السادسة عشر ؟ إحتفظ بسره لأشهر طويلة سواء بالنسبة لأخيه أو لزوجة 
أخيه . لم يجرق على كشف مكنون قلبه سوى بعد أسابيع عديدة من سفره إلى باريس 
دون أن نعرف إن كان قد تكلم بصراحة فى ذلك مع يولين وهل نتج عن هذه المشاعر 
شئ آخر غير حلم أفلاطونى : كتب لأخيه يقول : 


139 


«... قررت أخيرا أن أفتح لك ولزويه قلبى . سامحنى إن كنت أخفيت عنك ولهذه 
الفترة الطويلة شيئا هاماً كهذا بالتسبة لسعادتى وفى أحد أسباب التعاسة 
الستى رأيتنى عليها والتى ألمتك . ولم يكن وراء تأخرى فى الإفصاح عن ذلك عدم 
الثقة - فنا أعرف أنى سأجد فيك دائما أخاً متفهماً ومشاركاً لمشاعرى ومهتما 
يسعادتي ... » | 
تناول جاك جوزيف الأمر كرجل خاير الحياة دون أن يؤدى دور الأخ العنيف . 
ولم يئخذ على أخيه سوى أنه باح بسره لقريبته سيزارين شابار إذ أن حبييها أدعى 
آنه أراد أن يتوسط له لدى يولين : 
« أو أنك تفضلت بالحديث معى قبل ذلك عن هذا السر اكنت تخلصت مبكراً من 
عبىئ تثقيل . ولكنى أشعر أن مثل هذه الاعترافات يمكن أن تحذر أكثر من أن تفسر . 
إن مشاعرك نحو بولين هى مشاعر طبيعية للغاية . إلا أنه يتعين علئ أن أقول لك إنك 
أخطات عندما راسلت سيزارين فى هذا الشان ؛ لمثل هذه المواضيع على الدوام جانب 
سئي فى نظر غير المشاركين فيها بشكل مباشر [...] لقد غضبت بولين جدا وبالتالى 
شاركت سيزارين فى السخرية من خطايك ومن مشاعرك [...] يستوجب الأمر بعض 
الحرص إلى أن نتخلص منها دون ضجة . ستحصل على نصائحى إن أنت طلبتها 
ولايسعنى إلا أن أكرر نصيحتى لك بأن تكون حريصا » . 
فى المجموع , يبدى أن الموضوع أخذ بحرص أكثر من أن يكون تسبب فى غضب 
أحد وآن الأخ وزىجته نظرا إلى حبه هذا نظرة لاتخلى من القبول . أما فيما يتعلق 
يبولين فلايعرف أحد الآن ماذا كانت مشاعرها على وجه اليقين . هل إستمرت في 
«ضحكها» على الخطاب الذى وجه لسيزارين أم على مشاعر المراهق ؟ لايوجد مستند 
واحد يعطى ردا صريحا على هذا التساؤل . إلا أننا سنجد فى مراسلات جان - 
فرنسوا المثالية عدا من الإشارات الطيبة نحو بولين حتى شهر نوفمبر ١404‏ كما 
سثرى أن باريس أتاحت لصديقنا الشاب فرصة واحدة على الأقل لكى ينسى ضحكة 
أول إمرأة أحبها ' 
فى غضون ذلك وقع فى حياة الشقيقين شامبوليون فى يونيو ١8.17‏ 
الحدث الذى يعكر صفو حياة الرجال جميعا على وجه تقريب : ألا وهى وفاة الأم . 
أرشيق مدينة فيجاك مازال يحتفظ بشهادة وفاة :« السيدة فرنسوا «lle‏ 


140 


زوجة السيد / جاك شامبوليون تاجر كتب عمرها ثلاثة وستون عامًا توفيت فى 
۹ يونيو ۱۸٠۷‏ فى الساعة السادسة مساء تقريبا فى دارها الكائن يجوار 
الميدان العالى ..* » 
لايوجد مستند واحد آخر - خطابًا كان أو تعليقًا - ليحدثنا عن هذه الوفاة - 
فيما عدا المواجهات التى دارت فيما بعد بين جاك صاحب المكتبة وأبنائه . ولا كلمة 
راحدة فيما نعرفه من المراسلات الحية والثرية المتبادلة بين الشقيقين . يوجد دون أى 
شك سر للأم فيما يخص جان - فرنسوا على الأقل . كل شئ حول هذا الموضوع ينم 
عن الفراغ . كان لايد لغياب كهذا أن يكون له تأ أثير على ولد حجساس ومندفع ويصعب 
إرضاءه مثله . أن يكون جاك - جوزيف قد حل تماماً مكان الأب المهمل أو الهوائى 
فذلك شئ مؤكد . ولكن من هى السيدة التى حلت مكان الأم غير الحاضرة أصلا والتى 
لم يترك موتها سوى آثار قليلة للغاية ؟ 
يوجد درب أمام الباحث ما أن يسلكه ألا ويجده حارة مسدودة . فى ١‏ ديسمبر 
1 إضطر الأخ الأصغر أن يقيم فى فيجاك فكتب إلى صديقه فى جرونويل 
أوجوستان تافنيه يلومه على صمته : 
« لايوجد دعاء لم أرفعه ضصدك ولولا أمى الحبيبة والحنونة فى فيجاك ... 4 
عرفت إلى أى مدى كنت سأدفع غضبى منك . إلا أنها دافعست عنك فاضطررت مثل 
أى إبن مطيع يحترم أهله أن أضع حدا لمشاريع الانتقام منك تعبيرا عن 
تقديرى للحماسة التى دافعت بها عنك - » (14) , 
« أمى الحنونة »و« الابن المطيع والمحب » ... تسع سنوات يعد وفاة فرنسواز 
جاليى ؟ ... ويعد ذلك بعدة سنوات قبيل وفاته منْ على فيجاك فى محاولة لاستعادة 
صحته التى تأثرت كثيرا بالسفرالى مصر تحدث عالمنا المكتشف عن شخص عزيز عليه 
ينتظره قى مقاطعة كارسى . من كانت هذه الشخصية ؟ سيكون هذه المرة أكثر 
تحديدا فهى يتحدث عن « مدام أديل » . هل كانت موضوع حب قديم أم هى « الأم 
الحثون » ؟ يتعثر البحث عن هذه النقطة التى سنعود إليها فيما يعد . 


» تزوج جاك جوزيف من زويه بيريا بعد ثلاثة عشر يوما : ورئى عدم تآجيل الزواج ٠‏ 


141 


قيل أن يبتعدا عن بعضهما يصطحيه جاك - جوزيف إلى سوق الكتاب فى يوكار 
التى تلعب كما رأينا دورا هاما فى تاريخ هذه العائلة . فهل كان السيب فى ذلك أن 
يقابل جاك شاميوليون بعد موت زوجته ( وهى لم يترك فرصة تمر دون أن يذهب إلى 
هذه السوق ) ؟ أم كان ذلك من أجل الانتهاء من موضوع الميراث قبل زواج جاك - 
جوزيف من زوييه ؟ كل ذاك جائن والشئ المؤكد هى أن الأخوين قد أمضيا بعض الوقت 
فى مقاطعة بروقانس فى تهاية شهر يوليى 18٠1/‏ . 

رحلة أخرى قبل الصعود إلى باريس : نظمها جاك - جوزيف لأخيه فى شهر 
أغسطس فى قالبونيه موطن العائلة الأصلى . هذه المرحلة فى مقاطعة وازان التى 
. لم يكن جان - فرنسوا قد زارها أبدًا » أعجبته وإن كانت مصادر السعادة التى 
وجدها فيها لم تترك كلها عنده ذكرى طيبة ... فقد كتب بعد ذلك بخمس شهور لأخيه : 
« أشعر بالألم يزداد على قى الجاتب الذى المنى فى قاليونيه بعد أن شريث من Le‏ 
الشلال أو لأنى تجولت كثيرا ذلك الصباح بصحبة مدموازيل أولامب فاقييه . أبلغها 
تحياتى وأشياء كثيرة أخرى لها وشقيقها ... » . 

حان وقت « الصعود » إلى باريس حيث سيصطحبه جاك - جوزيف ويؤمن له 
مسكن . ركب الشقيقان العرية العمومية المتجهة تليون ثم تلك المسماة « عرية البوريونيه » 
الموصلة لباريس بعد أقل من خمسين ساعة . 

كان جان فرنسوا مايزال شايا مراهقا عمره ستة عشر عاما وتسعة شهور . قوی 
البنيان سريع الحركة تعوزه بعض الرشاقة إلا أن مصاحبة الشخصيات القريية من 
چاك - جوزيف ثم أفراد عائلة بيريا كانت قد بدأت تهذب هيبته وتحركاته . إلا أن 
ما لفت نظر جميع من قابلوه حينذاك هى لون بشرته السمراء لدرجة أن يوم زواج أخيه 
قالت له العروس التى كانت تحبه كثيراً وهى تضحك : أنه كان من الواجب عليه بهذه 
المناسبة أن يبيض بشرته قبل بدء الاحتفال ؛ (15) 

كان الجميع ينادونه حينذاك ب « صغير » 56011 . ليؤكدوا على صغر سنه من 
ناحية وعلى ولعه بالشرق من ناحية أخرى . وهو إن كان قد أكد شخصيته بالنسية 
لجاك - جوزيف فإن خطاباته استمرت مطبوعة بالحب والامتنان الشديدين حتى وهى 
تحمل أحيانا آثار خلافات حتمية . 


142 


كان الذى يصدم الآخرين أكثر من هيئته الشرقية مزاجه المتأجج الذى زاد 
حدة مع السن . الطفل المشاغب فى العاشرة أصيح فى السادسة عشر مراهقا 
تتسيب نداءات قلبه فى إثارة الفضائح ويتسامح أساتذته إزاء تصرفاته 
الطائشة وييدى أن زملاءه كانوا يخشونه فيما عدا فانجيهيس وتيقنيه . ولكنه هو 
نفسه الذى طلب منه تشريف مدرسته عن طريق فصاحته وعلمه عندما زارها 
المحافظ . 

لقد رأيناه يميل للشعر دون أن تكون لعبقريته تأثير فى هذا المجال - سيستمر فى 
قرض الشعر معترقا بأنه أكثر موهبة فى التقليد عن الشعر الغنائى ... أما أحاسيسه 
الجياشة فتؤكدها طلاقته فى الحديث ( « وهى كسمة من سمات أهل الجنوب ») 
ستحمله إلى الجدل والهجاء ... وسيصبح خطيباً صعب المراس . 

فى السن الذى بلغه هنرى بال ( ستاندال ) قبله بثمان سنوات وكان يقفز فيه نحو 
باريس كان هو لايزال الصغير المتهيج الذى يهرب من محبسه فى الدوفينيه ليقتحم 
أبواب العاصمة . 


143 


٤‏ - بابل أو متاعب باريس 


د عاصمة فرنسا القذرة »- مرض حب مصر ... - بولين ... مداع ميكران صاحية ا مسكن — 
إفلاس مزمن - ل و كولاج قدو فرانس ومدرسة اللغات الشرقية - سيلفاستر دو ساسى , 
الأستان والتلاميذ - حجوسار داخدو لجنته - دوم راقائيل والقسيس - الأدباء مصاصو 
الدماء » - هل يجند فى الجصيش ؟ « كش فت معنى بداية البردية ... » - إطلاق 
النار على علماء الآثار -« لا أحلم إلا باللغة القبطية » - باحث « سيكلوتيمى » - 
لويز أو الوضع . 


« مشارف باريس بدت لى قبيحة لدرجة روعتنى لاتوجد يها جيال ... أشمئزازى 
منها يزيد مع توالى الأيام [. ا خیب آملی فى باريس زانت بعد أن إكتشقت عنم 
جمالها ... وحل باريس وإنعدام الجبال وكذلك رؤيتى هذا الكم من الناس المشغولين 
يمرون بسرعة داخل عرياتهم يجانيى : أنا الذى لايعرقه أحد والذى ليس لديه شىئ 
يفعله تسبب لى كل ذلك فى حزن عميق ... » 

مرة آخری نلجا إلى ستاندال فهى أفضل مرشد يتيح لنا سير أغوار شاميوليون » 
فقد سبقه على الدرب ذاته قبل سبعة أعوام وهى ابن الدوفينيه بالمواد وسبق إبنها 
بالتبنى فى الاشمئزاز من « عاصمة فرنسا القذرة » بالقدر نفسه تقريبا . 

لن يتمكن صاحبانا القادمان من مناطق جبلية من التاقلم قط مع المستنقع 
الباريسى وكلمة مستنقع هنا تؤخذ بمعنييها المباشر وغير المباشر » كانت شخصية كل 
منهما حادة ومتمردة على تكامل وخبث أهالى مناطق الأراضى المنبسطة باستثناء أهل 
لومبارديا بالنسبة للأول وأهل وادى النيل للآخر . 

وطأت أقدام ه صغير » أرض باريس فى ١١‏ سبتمير 16٠01‏ يقوده فى دهاليزها 
جاك - جوزيف ... فى عشية ذلك اليوم كان محمد على ياشا الكبير قد نجح فى دحر 
الجيش الإتجليزى بقيادة الأدميرال فريزر فى الأسكندرية وأرغمه على الانسحاب 
مؤكداً بذلك بعث مصر السياسى الحديث ... ومحمد على سيؤدى دورًا أساسيا فى ٠‏ 
إكتشافات جان - فرنسوا شامبوليون لأرض الفراعنة . 


145 


قبل ذلك يعدة أسابيع كان فرنسوا) -- رونيه دى شاتويريان قد عاد لتوه من رحلة 
إلى الشرق وتحدى نايوليون تحديا لم يسبق له مثيل وذلك فى مقال شهير نشرته 
صحيفة « المركور دو فرانسی » ۴۲۵۸٥8‏ 8ل 18۲٥1۲8‏ يستذكر فيه « صمت المذلة » . 
رحلة شاتويريان إلى الشرق كانت قد أتاحت له فرص قياس عبقريته الشخصية 
بمقاييس عبقرية القراعنة المشيدين للأعمال العظيمة . كان الفيكونت دى شاتوبريان 
شجاعا , ولكنه لم يكن من المتهورين : واذلك فإن تعبيره الشجاع هذا كان يمثابة 
مؤشر رائد على بداية إنهيار نظام كان قد بلغ ذروة مجذة . .. ويذلك فإن شامبوليون 
الصغير قد آافة فتتح المرحلة الجامعية ابحثه العظيم فى خريف ۷. ا 
أكدت فيه مصر بتألق مبهر عن يعثها الجديد وهى ماتزامن مع ظهور أولى مق 
اهتزاز عصر يدين فيه طبيعته الاستبدادية ونزعته العسكرية المحمومة . 

ورغم كل شئ كانت العاصمة الإمبراطورية التى إستقر فيها الشاب مركز 
العالم كله فى مجالات الفنون والآداب والعلوم : لأسباب عديدة منها السئ والجيد 
فريادة فن الرسم رفع رايتها داقيد وبرودون وجرى ومن يعدهم أنجر وسيستمر ذلك 
لفترة من الزمن . 

وكان لويجى شيرويينى * قد آلف فيها أوبرا « ميديه » وقيقان دونون يجدد علم 

أما لايلاس ومونج وكوفييه وسيلفاستر gs‏ ساسى وشابتال وفورييه وييروتولين 
ولالاند وجوقرواسانتيلار فكانوا يؤكدون دعائم الزعامة العلمية « للمعهد »1081806 '| . 
ولدرسة الهندسسهة ( المتعددة الفروع التقنية ) ©160]110100/ا01 . ولتحف التاريخ 
ou ss as bi‏ فرائس . وعلاوة على كل ذلك وعلى الرغم من أن الشرطة 
الاميراطورية أرغمت بعضهم على الإقامة خارج أسوارها dt‏ رجالا ونساء ۾ Jia‏ 
شاتويريان وجيومان دى ستال وينجامان كوستان ودستوت gas‏ تراسى ويونالد كانوا 
يؤكدون بكل قخر مركزية باريس للغة الفرنسية وهى اللغة المهيمنة على العصر . 

غير أن هيمنة باريس الثقافية فى عام VA‏ لم تكن أسسها جعيداً جديرة 
المتتصر على كل من إيطاليا ut‏ ابتداء من عام ۱⁄41 ؛ وقد si‏ ذلك إلى أنه جرى 

»*» قام مونج بدوى كبين فى تلك العملية بعد أن كلفه بونابارت يتنظيم عمليات السطى فى إيطاليا 
وألمانيا وتولى قيشان دونون العملية من بعده . 


146 


«تصريف» ثروات فنية ومستندات تمثل ثروة لاتقدر بثمن نحو العاصمة الفرنسية كانت 
عبارة عن لوحات فنية وتماثيل وكتب فن ومخطوطات ومراسلات لم تنشر . هكذا أصبح 
اللوقر والمكتبة الإمبراطورية ولفترة من الزمن * مغارات على بايا راح يرتع فيها علماء 
البحوث ودارسى الفن مزودين بوسائل عمل لم يسبق لها مثيل » مما فتح لهم أبواياً على 
عالم لا نهائى من اللتعة الفكرية . بالنسبة لهذه الأوساط » لاندم ولاوخز ضمير كان 

يؤرق هناء أحد منهم ٠‏ غير أن نهابى الكنوز وجدوا من يرأسهم جميعا على أرض 
مصر : والدليل على ذلك أن حجر رشيد لم يصل أبداً إلى اللوشر ولكن إلى «المتحف 
البريطانى » البريتيش ميوزيوم فى لندن ... 

إذا كان عصر الفتوحات فى إيطاليا ثم فى مصر بمثابة العصر الذهبى لضابط 

من الفرسان يبحث عن المجد فقد كان آيضا عصرا ذهبيا بالنسبة للباحثين والفنانين 
الذين جعلوا من باريس مركزاً لأعمالهم . فقد أصبحت بارثينون تشيد وفتح أبوابه لكل 
من باحث عن المعرفة حتى لو لم يزيئه حجر رشيد . 

فإذا كان أصغر أبناء جاك شامبوليون يعتقد أنه بخروجه من فيجاك ودخوله 
جرونويل قد فتح لنفسه أبواب أثينا القديمة ماذا يقول لنقسه وهو يصعد من جرونويل 
إلى باريس حيث حلت روما محل أسبارطة دون أن تفنقد أرسطى .. 

كان الجيش - المسمى فيما بعد بالعظيم - مستهلكاً للرجال بشراهة تفوق بكثير 
شراهة المقصلة . وكان هذا ما يلح كثيرا على فكر چان - فرنسوا الذى لم يكن يهتم 
بتانًا بالذهاب للموت على ضفاف نهر الدنواب والإيبر من أجل رفعة مجد الإميراطور 
غير أن قبضة نابوليون قد جعلت من باريس غرفة آلات لا نظير لها يحسن إستخدامها . 
المهندسون وعلماء الطبيعة وكذلك علماء اللغات والجراحون والمعماريون وفنانون 
المنمنمات . وإذا كان البعض لايستسيغ طراز « الأمبير » فى الزخرفة والديكور ؛ لأنه 
خادع للنفس وينم عن حداثة النعمة » كان شخصا تسيطر عليه ذكريات الحملة على 
مصر . مثل جان - فرنسوا شامبوليون لم يكن فى مقدوره آلا يلتفت إلى كل ماکان من 
هذا الطران . علاوة على ذلك فإن البلاط والمدينة والأوساط العلمية كانت تمتلئ؛ بقدماء 
محاريى حملة عام ۱۷۹۸ من بيرييه إلى جونى ومن موينج إلى چومار ومن قیقان دونون 
إلى يوريين : دون أن ننسى تاليران صاحب فكرتها ومحركها . كانت مصر إذن تحوم 
فى مخيلات باريس ذلك العصر وحتى لى كان ذلك عبر طراز كاريكاتورى لها فإنه 


* الكثير من هذه التحف ثم استعادته يعد 181١١6‏ . 


147 


جعلها مجسدة فيها ومسيطرة عليها . عام ۱۸۰۷ يعنى ثمان سنوات بعد عودة 
بونابارت من مصر وستاً بعد عودة العلماء والفنانين أعضاء « اللجنة » وخمسا بعد 
قشر كتاب قيقان دونون . 

فى منفاه العاطقى الذى طال فى قلب العاصمة تشبع شاميوايون الصغير بذلك 
الجو العام على الرغم من كل ماكان يقول . فإن مصر التى أدعى أنه لايبحث عنها 
سوى فى المكتبات والمعاهد كانت تهاجمه من جميع الزوايا . وهكذا أصيحت باريس 
بالنسية له ويخيث ممفيس أخرى . 

لم يكن « صغير » مسحوراً يابحاثه ادرجة إهمال ماكان فى إستطاعة باريس أن 
تهبه لفكر متفتح ومتطلع لمعرفة كل شئ . إلا أن مايسترهى الانتباه هى أن مراسلاته 
لأخيه الذى لايخفى عنه شيئًا توضح إلى أى مدى كان يمتنع عن المشاركة فى « الحفل 
الاميراطورى » إلا ودر . فإذا حدث وأشار فى إحدى رسائله إلى dia‏ أعمال الأويرا 
التى قدمت على شرف الإمبراطور والتى لم يحضرها فهى يوضح من جهة أخرى أنه 
إذا لم يكن يواظب على الذهاب إلى المسرح فالسبب هى ضيق ذات اليد وأن عليه 
الذهاب إلى المتحف لأن الجدول الزمنى الذى وضعه لنفسه ويراقب تنفيذه جاك - 
جوزيف ما لم يترك له مجالاً لذلك . 

ولكن دعوزا ندقق فى كل ذلك عن قرب . 

كيف كان صاحبنا القادم من جرونويل مقاطعة / كارسى / سيعيش عملية إعادة 
زرعه فى تربيته الجديدة هذه إذا لم يكن جاك - جوزيف الذى لايكل ولايتعب - قد 
أمضى معه الأسبوع الثالث من سبتمبر ۱۸۰۷ الذى تلا وصولهما إلى باريس بعد 
عروج قصير على مدينة روان ؟؟ كان جان - فرنسوا سيبلغ السابعة عشرة بعد ثلاث 
شهور ومازال خجله يشل تحركاته ويزيد من وطألة شعوره بأن ملايسه تجعل منه 
نمودجًا للتلميذ الريفى الذى يبدى أن أوساخ الطريق مازالت عالقة به . ومن ناحية أخيه 
كانت قصة حيه ليولين وعدم إفصاحه عن عواطفه ناحيتها حاجرًا سيبقى قائما بينهما 
لعدة أسابيع . يفترض أن تلك الأيام كانت فترة إنبهار إلا أنه عاشها فى حالة من 
الاغتراب الموحش . كان يتصور نفسه وهو فى جرونويل إله النار والحضارة المتمرد 
على زيوس ليعوض كونه تلميذا متمردًا على قيود المدرسة التى يبغضها .. أما هنا فهو 
مثل ستاندال لايرى سوى أناس يمرون فى عجلة ولايرونه لأنه لايمثل لهم شيئًا . الحزن 
يتملكه من البداية مثلما كان الحال بالنسبة لمن سبقه . 


148 


لم يدع له الوقت فرصة إدراك ذلك فى البداية بالطبع وكان أخوه مايزال بجانبه 
يعمل بجد على تنظيم أمور أخيه مع حرص فى النواحى المالية وإن وصف بعضهم هذا 
الحرص بأنه تقتير .. لأآن المنحة الدراسية الحكومية التى حصل عليها فى مارس 18٠١5‏ 
لمجمل المرحلة الثانوية ثم إختصار عامين منها قد أعيد جدولتها لتسمح بتعميق المعارف 
فى باریس . | 

كان جاك - جوزيف يأمل أن يحصل بمساعدة جوزيف فورييه وصديقه فوركروا 
المدير العام التعليم العام » على « علاوة » إغتراب تضع فى الاعتبار خلاء المعيشة فى 
العاصمة . ولكن دون جدوى . كما أنه حاول معتمدا كذلك على الأصدقاء نفسهم أن 
يجد لأخيه وظيفة « مساعد أمين مكتبة » ولكن مساعيه لم تنجح فى هذا الاتجاه 
أيضا . ولايد أن فورييه وقوركروا قد لاحظا أن أمناء المكتبات كانوا يفضلون أن 
يختاروا الموظفين الجدد من بينهم * 


قى ١‏ ديسمير 1١8.1‏ أبلغ الأخ الأصغر أخاه أن المدير العام للتعليم العام أعرب 
عن « خيبة أمله فى أن التعيين فى وظائف المكتبة الإمبراطورية » ليس من إختصاصه . 
وكان من المحتم إذن الاعتماد على منحة جروتوبل مضاقا إليها الربع يجود به جاك - 
جوزيف من ماله الخاص .. وهكذا زادت أعباء الوصى بصعود أخيه إلى باريس وهی 
مايبرر تشدده بالنظر إلى المسئوليات الواقعة على عاتقه هو فى جرونويل . كان الأخ 
الأكبر يستخدم حجج الأب جرانديه ولكن فى سلوكه كان مثل الأب جوريو ** . 

اعتقد جاك - جوزيف أن فى إمكانه أن يجعل أخاه يقيم مع صديقه ميلان › ولكنه 
وجد له غرفة إيجارها ثمانية عشر فرنكا فى الشهر عند سيدة أسمها ميكران الكائنة 
8 شارع إيشال سانتونوريه ( اسم الشارع الآن هو الإيشال وهو موازى لشارع 
البراميد « الأهرا م «( .كانت العلاقة بين الساكن وصاحبة المسكن متوترة فى أوقات 
كثيرة . كما توضح ذلك مراسلاته » ولكن يجب أن نلاحظ فى هذا الصدد أن چان - 


+ کتب چاك باکیه فی مقال عن « الأخوان شامبوليون فى الوسط الجامعى الجرونويلوازى» : مؤكدا 
أنه وجد فى أرشيف مقاطعة إيزار مستندا يدل على أن جان فرنسوا قد عين موظفاخارج الكادر فى قطاع 
المخطوطات الشرقية فى مكتبة باريس على كشف وزارة الداخلية إلا أننا لم نستدل على هذا المستند كما أن 
جان فرنسوا لم يشر إلى ذلك قط فى مراسالاته . 

** بطلا روايتى يلزاك « أوجينى جرانديه »و« الأب جوريو » .( المترجم ) 


149 


قرنسوا کان يقيم فى حى راق بالنسبة اقروى شاب مفلس فهو على بعد خطوتين من 
قصر التويلورى . 

- بالنسبة للمأكل وإنوع من الرقابة الشاملة على سلوك وتصرفات جان‎ Lai 
* Faujat قرنسوا فى باريس فقد عهد جاك - جوزيف بمسئولياتها للزيجين فوجا‎ 
وهما غينى عائلة فوجا دوسان فون 000 - 53111 08 35ز0ا2"! التى تتشابه أسماوهم‎ ( 
وتختلف أوضاعهم والتى سيتكرر ذكر إسميهما فى مراسلات الأخوين ) . الزوج فوجا‎ 
دى سان فوين 000" 51ل5 06 3/0135] كان عالم جيولوجيا من مقاطعة دوفينيه تتلمذ‎ 
على بوفون - وكان ملحقا من جهة بمتحف التاريخ خ الطبيعى ومن جهة أخرى بوزارة‎ 
الداخلية بسيب علاقته بصديقه دوكريه - وزير الداخلية - وهو سيؤدى دوراً نشطًا‎ 
. للغاية ومفيدًا فى حياة مواطنيه العملية‎ 

ما آل فوچا أ3إنات! فكائوا قوما يسطاء وكانت حالتهم المالية هى التى أجبرتهم 
على أن بقدموا لشاميوايون الصغير وجباته . وقد أثنى جان - فرنسوا كثيرا على 
حسن طويتهم بل وعلى سخاءهم أيضا . غير أن الوجبات عندهم كانت تستهدف فى 
الواقع إقامة الأود فقط . علما يآن صحة مدام فوجا كانت ضعيفة ولذا كثيرا ماكان 
یکتفی Los‏ يطهوه الزوج . وقد إضطر هذا الوضع جان - فرنسوا أن يلجأ إلى مطبخ 
آخر بعد بضعة شهور : فقد إقترح عليه أخوه أن « يكتفى » بما يقدمه « الأخوة 
الريفيين » وثمن وجبة العشاء أريعون « سى » وهى وجبة جيدة جداً وثمن الفذاء 
عشرة ١‏ سى ... » إذن فكلفة غذاءه خمسون « سو » قى اليوم ٠‏ أى خمسة وسيعون 
فرنكا فى الشهر » 

« معطياتى التقريبية هى كالآتى : أولا ثلاثة وتسعون فرنكا للغرفة ولطعامى . من 
تسعة إلى عشرة فرنكات لغسيل الملابس ونشريات آخرى ليصل المجموع إلى مائة 
وثلاثة فرنكات . حمامان بسعر ستة وثلاثون سولا أى ثلاثة فرنكات وأثنا عشر سول 
أى مائة pute duo‏ فرنكا . الباقى تخصص لشرا ا 
والتزهة قى حدود المعقول . وهى مايجعل المطلوب لايتعدى مائة وثلاثين فرنكاً .. 
كان الأفضل هو مائة وأريعون فرتكا ولكن Lasie‏ بحاين موعيدل ani‏ ا 
و«البوتز» وتفصيل الملايس فسيتعين اللجوء حصاقتك لكى لا تخصمها من مرتبى » . 


» يققع كثير من المؤرخين فى هذا الخلط . ( المترجم ) , 


150 


« حصافة » جاك - جوزيف ستفعل مايمكن أن يفعل بقدر ماتسمع به ظروفه 
كعريس حجديد غير ثرى ستنتظر زوجته أول أبناءهما فی نوفمبر ۱۸۰۷ - وسنری أن 
الأخ الأكير لن يتردد مع ذلك فى التشدد مع آخيه مما سيؤدى إلى حدوث 
خلافات بينهما سرعان ماتتتهى بالتعبير عن الاعتراف بالجميل وبوعود الأخ الأصغر 
بأن يكون أكثر حرصا . تشهد على ذلك رسالة مؤرخه فى ؟؟ ديسمير لا ۱A۰‏ 
ْ عشية إحتفال جان - فرفسوا بعيد ميلاده السابع عشر والتى تلخص جيذ هذا النوع 
من العلاقة . 
« لى أنى علمت بأنى سأتسبب قى أقل إحراج اك لكنت فضلت أن أذهب أدفن نفسى 
إلى الأبه فى بلدتنا وأساعد أبى * على قدر الإمكان متخليًا إلى الأبد عن الأمال 
التى يحلم بها قلبى . هل تعتقد أنى أنسى للحظة واحدة مايفعله حبك لى ؟ هل تعتقد 
أنى دائما ما أحفر فى 1 عماق قلبى ما تكرمت به على والعناية الأبوية التى شملتنى 
يها ... ؟ خاصة وأن هذه العناية إن تكون بعد قليل من حقى وأن كاتئًا جديدًا أقرب 
إليك منى سيطالبك بها قريبا ... لم يحدث أنى أنفقت أى ميلغ بدون داع ... على الأقل 
فى نظرى أنا » . 
ومع ذلك فإن شامبوليون - فيجاك لا يدع نفسه يتأثر بمثل هذه الكلمات وسرعان 
ماتصل قائمة أسعار محددة إلى الأخ فى باريس ! « بالنسبة لبند المصاريف فهى 
كالآتى : السكن 45١‏ فرنكا فى العام وقد صرفت بالفعل ٠ ١‏ فرنك فى شهر واحد . 
وهى ماسيكلفنى ألفين من الجنيهات فى العام الواحد ! وأنت تعلم جيدًا أن عبئًا كهذا 
سيقضى على تماما ويعد أن أكون قد بعت مكتبتى ( وهى تضحية أن أقوم بها سوى 
لك وحدك ) فلن أتمكن من الحياة على هذا المنوال لعام واحد . وأتصور أنه ليس فى 
نيتك أن تحرمنى من الشئ الوحيد الذى يسعدنى وهى كتبى *" . واكثك مت دقعني 
إلى ذلك لو إنك لم تلجأ إلى الاقتصاد لكى تدعم كل ما أنوى عمله من أجلك . تريد 
أن تذهب إلى المسرح ؟ سيكون ذلك من الأعمال الضارة لأن أقل وصف لذلك هو أنه 
إنفاق غير ضرورى عليك إذن الامتناع التام عن كل مالم يدخله العقل فى بند 
الضروريات » . 


* كلمات نادرًا ما خطها قلمه وهى لذلك ملفتة للنظر . كان أخوه قد أفاد لتوه بأن زويه نتتظر مولود) . 
*» بخط كبير وتحتها خط فى النص الأصلى . 


151 


تنا تيا !! لآن د صغير » دقع أزيعة فرنكات فى الشهر ثار جاك - جوزيف مرة أخرى 
بعد بضعة أيام : » نظف ملابسك بنفسك » ورتب مبلغًا شهريا لمنظف أحذية ليتولى 
تنظيفها أك فهذا أقل تكلقة .. إن بندا تكلف ثمانية وأربعين قرنكا فى العام لتنظيف 
الملايس يفرشاة وتلميع الأحذية يعتبر شططا لا لزوم له .٠لا‏ أريد أن أسمع مثل هذا 
الكلام يعد ذلك ... » سينصاع « صغير » لهذا الأمر بالطبع . 
قد تبدى توبيخات فيجاك نوعًا من البخل الزائد على الرقم من أنه يعد أخاه 
فى الخطاب ذاته ين مصالحهما ان تنفصل فى يوم من الأيام « حتى لو جاء عشرون 
« عليا» " الواحد تلو الآخر أو حتى لوجاعوا جميعا مرة واحدة » . ولكن على الرغم من 
صغر القيمة الظاهرية المبالغ التى ذكرها الأخ الأصغر فمن الواجب أن نقدرها فى مع 
الأخد فى الاعتبار مقاييس تلك الفترة . فقد لاحظنا أن القرفة المؤجرة تقع فى حىّ 
سكنى راقر »ون « الأخوة القرويين الذى يتعين عليه أن يكتفى يه » هى من المطاعم 
الجيدة إن مرتب ألف وأربعمائة فرنك فى العام كان يعادل مرتب موظف حكومى 
متوسط . الواقع إذن أن صديقنا الشاب كان يشعر بقلة الموارد لأنه لم يكن يدير 
شكونه جيدا . 
سوف نعود إلى الحديث عن تلك المشاكل التى ستترك أثرها على مزاج وصحة 
الشاب إن لم تؤثر على es À‏ يعيش في مالة قط دان .كان يشعر عندما 
كان فى الليسيه أنه قريب من ولى أمره .. ولكن هنا فى المدينة الكبيرة فإن القلق 
النسبى على الأشياء المادية يزيد من وطأة الوحدة . 
فى ۱١‏ أكتوير أى بعد أكثر من شهر من وصوله كتب إلى جاك - جوزيف هذه 
السطور الكاشقة : 
« إنى وحيد ! وعلى الرغم من وجودى وسط أشخاص صحبتهم مريحة وأشياء نتسق 
وذوقى فإنى أشعر وأنا فى هذا الوضع بقراغ رهيب . لاشئ يشغل بالى وأفكارى 
سوى الدراسة والعمل ... » | 
« الدراسة والعمل » ؟ كان قد عرف لتوه أن المحاضرات فى الكولاج دى فرانس لن 
تبداً سوى قى نوقمبر وفى « المدرسة الخاصة » فى ديسمبر فهو يعمل ويعيش إذن 
وحيدًا فيما عدا تلقيه بعض الزيارات . ومن هنا جاعته حالة الحزن التى انتباته . 





* كان اسم « على » هى الذى إتفق عليه الشقيقان لتسمية الطفل المنتظر .. انظر ماسيأتى ذكره فيما بعد . 


152 


فبعد ذلك بثمانية أيام فقط عاودته حالة الحزن : 


« أخى العزيز جدا » لم يصلنى منك سوى خطاب واحد منذ أن تركتنى . قلم تكتب 
لى من مدينة ليون ولا حتى من جرونويل [...] إنى فى حالة من الضيق والمزاج السئ 
لدرجة أنى أبكى مثل طفل صغير [...] إنك تعلم أن الخطابات تخفف كثيرا عن 
النفس عندما تكون بعيدين عن الأشخاص الذين نحبهم » 
وفى /!؟ أكتوير * ويعد أن عاود الحديث يإيجان عن علاقته يبولين ويعد أن طمأن 
أخواه على أنه يقوم « بتببييض » dins‏ المقدم إلى أكاديمية جرونويل عن مصر عاد إلى 
تغمة وحدته الحزينة : « لم أكن قد أبتعدت عنك أيدًا وها أنا أعيش وحيذا ] :] إن 
الضيق والغثيان يثقلان على [...] وعلى الأخص عندما أكون وحيدا فى منزلى يلا [..] 
تهاجمتى الأفكار السوداء » . 
فی 1 نوفمبر تكاد تكون أمام « آلام الشاب فارتار » لى لم تكن « شارلوت » فى 
هذه الحالة فى طريقها إلى النسيان .. فقد أنهى خطابه إلى أخيه بأن رجاه أن يبلغ 
بولين « أسقه لما تسيبه لها من آلام عظيمة » بعد ذلك ببضعة أيام أفاده أخوه الكبير 
يشئ من التهكم أن خطابه الأخير إلى سيزارين - وهى كاتمة أسرار حبه لبولين - « 
قد صودر فى الجمارك التى أديرها أنا ** وتم حرقه » .. وكان الرد هو شكر الصغير 
للكبير على لجوئه إلى هذه الوسيلة الحاسمة ... لقد تنازل إذن عن عواطفه . وسيتحول 
حبه لإخت زوييه - امرأة أخيه - إلى صداقة » وهكذا ستنطفئ جذوة حبه الجارف 
الأول وهى الذى عرفناه فى ظروف أخرى أكثر جسارة واندقاعا ... 
ولكن فيما عدا ذلك فإن المزج السوداوى يبقى سائدا وملحا : 
« أخى العزيز جدا مرت ثمانية أيام دون أن تصلنى منك أية أخبار ولا أية خطايات 
هن أى كان . إنى أتالم من فكرة أن تكون مريضا أو يكون قد حدث لك مكروه [..] 
بزداد الضيق فى نفسى يتضاعف من پوم لاخر وافقد عقلی فی بعضص الات 
خاصة منذ أن توقفت أنت وزوييه والچميع عن مراسلتى .. 


* تاريخ تقريبى . | 
ي الإشارة الىحيدة المتاحة لنا عن هذه الوظيفة الهامة أى لعل فياك أراد هذا أن يتفاخر أمام أخيه الأصغر . 


153 


ولكن هل كان جان -- فرنسوا فى باريس لكى ينتذلر خطابات من زوبيه أى لكى 
يقيس أثر الاغتراب على النفس ؟ بل هى هنا ليعمق دراساته للغات الشرقية التى 
سنقوده بعد مقارنتها ببعضها أو تركيبها مع بعض أو مقابلتها إلى الكشف عن أسرار 
الكتابة المقدسة التى تعير يها هذه الحضارة الفرعونية عن نفسها وهى التى تملكت 
منه تماما . 

فى هذا الإطار كانت هناك أريم مؤسسات ويعض الرجال چعلوا من باريس 
الواحة التي يحلم بمائها كل عابر للصحراء . هؤلاء الرجال هم على وجه التهديد 
سليقاستر دو ساسى ويروسبار أودران ولوی لانجلاس ودوم رافائیل دو موناشیس 
وأوپان ميلان وسونینی وقولنی والأب دو تیرسان وچومار ولانكرن ويعض الآخرين › 
منهم قس مدعى دو سان روش . أما المؤسسات فهى الكولاج دى فرانس والمدرسة 
الخاصة للغات الشرقية والكتبة الإمبراطورية ولجنة « مصس » , 

الكولاج دى قرانس الذى أسسه قيل ذلك يمائتين وسبعين عاما الملك فرذسوا الأول 
تحت اسم « كولاج اللغات الثلاث » لكى يواجه بها سيطرة أهل الكنيسة المتعلمين 
والتعاليم الدوجماتية الجامدة التى تقدمها جامعة الدسوريون وسطوة اللغة اللاتينية ' 
السائدة دائما ٠‏ ظلت مركزا للتعدهد الثقافي والحرية الفكرية لدرجة أن نابوليون فكر 
بوما فى أن يغلق أيوابها . 

قى عام ١8١٠‏ كان هتاك فى مجال « الشرقيات » عدد من الأساتذة ينشرون 
معارفهم التى لاتكاد تدانيها معارق آخرى فى ذلك العصر : سلیقاستر دو ساسى فى 
اللغة العربية ( بالتبادل وكوسان ) واللغة الفارسية . بروسبار أى بران بالنسبة للغة 
العبرية . لوس لانجلاس * بالنسبة الغات أسيا القريبة والوسطى . كان مقر الكولاج 
دی فرانس يقع بالقرب من السوريون فى ميدان كامبريه . أى أنه كان يبعد قليلا عن 
مقر إقامة چان - فرتسوا بالقرب من اللوقر . إلا أنه كان يتردد عليه يوميًا اكى يستمع 
إلى تعاليم هؤلاء الأساتذة الثلاثة الذين أحسنوا استقباله فى البداية حتى أى بروسيار 
أودران كان يكن له عطفا خاصا . 

ولكن بالنسبة للنقطة التى وصل إليها ه صغير » فى بحثه فإن مركز دراساته كان 
فى « المدرسة الخاصة » وهى الأسم الذى كان يطلق فى ذلك اوقت على مدرسة اللغات 


« سيعاد النظر فى قدراته العلمية بعد ذلك . 


154 


الشرقية . تأسست هده المدرسة فى عام 140 ) .\ جيرمينال عام ؟ ) بقرار أصدره 
أول مترجمى يونابارت فى مصر قبل أن يلقى حتفه خلال حصار عكا — Las‏ أوصى 
أيضا بإنشاءها قوانى الذى كان قد نشر - بعد عودته من زيارة لبلاد المشرق * ” 


| . دراسة تحت عنوان « حول تبسيط اللغات الشرقية » وقد إحتلت المدرسة مقرًا متاخما 


للمكتبة الوطنية بشارع « نوف - دى -- بتى - شان » , 

ومثلها مثل الكولاج دوفرانس فإن المحاضرات التى تلقى يها مجانية وعامة , 
ولم تكن تعطى أية شهادات علمية فى نهاية العام ولكنها كانت تمنح شهادة بالمواظبة 
على الحضور . اللغات التى كانت تدرس بها هى العربية والتركية والفارسية . كان يتولى 
كرسى اللغة العربية الذى أنشأه دو ساسى فى عام 181 دوم رافائيل « موناشيس 
(الذى سبق أن ألتقينا به) . أما كرسى اللغة التركية فكان يشغله أميدية جوبار الذى 
كان يعمل مساعدا لقانتور دويارادى فى مصر ثم أخذ مكانه فى تدريس هذه اللغة بعد 
وقاته . أما لانجلاس فقد كان يجمع تدريس اللغة الفارسية إلى جانب إدارتة للمدرسة . 
بالمقارنة بما يدرس فى الكولاج دو فرانس كان التدريس فى المدرسة الشرقية يصبو 
ألى أن يكون أكثر موضوعية أى أقرب إلى الحياة العملية . 

كانت المكتبة الإمبراطورية مصدرا دائمًا للإبهار بالنسبة لمرتاديها مثل الأخوان 
شامبوليون . كل مخطوط تم تسجيله فى أى من جامعات القارة الأوروبية كان له نظير 
فى هذه المكتبة أو على الأقل فى هيئة صورة طبق الأصل له : فى فيينا وتوينجان 
وبولين وتورينى ويينا ييزا كل 5 شئ هناك تم جمعه ونسخه ثم أن مدير المكتبة لم يكن من 
المقرين المستحوذين على كنوزهم . 

فى فرع الآثار كان شامبوليون الصغير يراجع المسئول عنه أويان مييلان وهى بر 

من المعرفة لاتنضب . وعلى الرغم من تحفظات جان - فرنسوا على القيمة العلمية 
البحتة لأستاذه فقد كان يستفاد إلى أقصى حد منه فى تعميق مداركه فى علم الثمية 
( علم دراسة النقود والميداليات ... ) وهى العلم الذى أشركه ياستمرار فى أبحاثه 
اللغوية ودراسة المباتى الأثرية , 


155 


كان ميلان كذلك سعيدا بتلميذه وكتب إلى شاميوليون فيجاك يقول : « كثيرا 
مايحضر السيد أخوك العمل عندى وهو يراجع بعناية مختلف الكتب المتعلقة 
: بمصر . إنه يدرس ويعتنى يعمله بشكل مفيد . كما أن السيدين لانجلاس وساس 
سعيدان به جدا » , 


أما « لجنة مصر » فإنها تختلف حن هاتين المؤسستين فى أنها كانت مؤقته . فقد 
تبعت من المؤسسة العلمية التى أنشكت فى القاهرة عام ٠۷۹۹‏ وهى تباشر عملية 
إصدا ر كتاب « وصف مصر » وهى الهدف الذى حدده يوضوح شديد الجنرال القائد 
الذى أصبح الآن الإمبراطون المتوج . سوف يصدر أول جزء من هذا العمل الضخم فى 
عام ۱۸٠۹‏ قبل مقدمته التى كتبها الأمين العام لمعهد القاهرة جوزيف فورييه الذى عين 
فیما ب د محافظا على مدينة جرونويل . 


أول من عينه على رأس هذه المؤسسة هو نيقولا كونتيه ثم حل مكانه ميشال -- أنج 
لانكريه * وتلاه عالم الجغرافيا أدم جومار وكان أقرب معاوتيه جوادا وقيلار دوتيراج 
مكتشفا رسم الأبراج الذى يزين أحد سقوف معبد دئدره ولنا أن نتصور إهتمام 
صديقنا الشاب القادم من جرونويل بأعمال هذا الفريق حتى لو أثار ذاك إنتقاداته كم 
سخريته . ** هذه المؤسسات المختلفة لم تكن تجمع سوى بعض الأساتذة والقليل من 
الطلبة : ويترتب على ذلك علاقات إنسانية شخصية جدا وعاطفية خاصة بالنسبة GAL‏ 
مرهف الحس مثل حان - فرنسوا . كان « الكولاج »و« المدرسة الخاصة »و« المكتية » 
فى نظره رجالا أصبح هى أحد أصدقائهم قبل أن تكون مؤسسات أو أحد أعداءهم 
مثلما حدث بالنسبة للانجلاس وجومار *** وكاترومار أو أحد التلاميذ المعجيين 
ولكن دون طاعة عمیاء مٹلما کان الحال بالنسبة لسيلقاستر دو ساسى .وا كانت هذه 
الشخصيات قد أدت أدوارا نشطة جدا فى ثكوين شخصية عالنا المكتشف فسيتعين 
دراسة العديد متهم بعناية . 

كان إسحق سیلشاستر بارون دو ساسى فى قمة المجد على الرغم من استقلاله 
الكبير عن السلطة الإمبراطورية ؛ إذ كان يعتبر مع مونج ولابلاس مثالا للعالم الخالص . 
وكان ملكا متوجا على اللغويات الشرقية .. كان معتل الصحة منحنى القامة دميمًا 


+ توفى بعد ذلك بقليل . 
عه سيأتى توضيح ذلك قيما بعد . 
JS lin douce‏ ذلك فيما أيعد من ذلك بكثير . 


156 


للغاية يقذف مستمعيه ينظرات ملتهبة وهى يتكلم بصوت غامض وكان يعد أستاذا 
لامثيل له يعرف كيف يخضع معارفه الهائلة لمقتضيات الاتصال بتلاميذه كما لم يكن 
هناك من ببزه فى إظهار صلات القرابة والتفاعل بين لغات الشرق . 
إلا أنه يعد نموذجا للمثقف والعالم خريج المكاتب : فهو لم يجر على الذهاب إلى 
أبعد من مدينة جتوا فى شمال إيطاليا ولم يذهب إليها إلا مضطرا لمراجعة ُرشيفها . 
وقد رد على أحد دارسى اللغة العربية الأجانب الذى سأله عن إسم الشيخ الذى تتلمذ 
عليه قائلا ل ا - ومع ذلك فقد كان 
أستاذاً لشاميوايون ( كتب هذا الأخير عنه قائلا ه إنه من العلماء وعلاوة على ذلك فهو 
متواضع » ) ثم أصبح أحد أكير منتقدى مكتشف ألغاز اللغة الهيروظيفية قبل أن يعود 
مرة ثالثة ايكون أكبر مادحيه * وأعلاهم صوتا . 
لاتجلاس أيضا لم يكن يهوى السفر وكان مع ذلك أكثر المستشرقين شهرة وعندما 
طلب مه مرافقة تابليون فى رحلته إلى مصر لم يوافق . كان من الشخصيات المنفرة 
ومحتقرًا للآخرين أحيانا ( کتب عنه چان- فرنسوا لأخيه يقول « عندما أكون معه أكون 
مثل الآخرين : لا أحد » ) وحاول لانجلاس أن يبعد الشاب عن مصر وإن يقنعه بأن 
يتخصص فى دراسة لغات أسيا ٠ولا‏ لم ينجح فى محاولاته أضمر له شعورا من الكره 
المكزايد لدرجة أنه رفض إعطاءه شهادة مواظبة حضور المحاضرات عام VA: ٠8‏ . 
وسيشڪو چان فرنسوا لأخيه من كثرة ا منغصات التى تسبب له فيها من كان يسميه 
» الإنجليزى » وكتب يقول له فى خطاب بتاريخ 14 بثاير 4 \A.‏ مؤكدًا أن » لانجلاس » 
يزحف ولم يصل إلى مركزه إلا بأن مرغ نقسه في الطين » , 
وعلى النقيض من ذلك كان تقييم شامبوايون لبروسبار أودران » فهو لم يجد فيه 
سوى مايس توجب المديح وكان أودران علاوة على تملكه الغة العبرية معلمًا فى 
اللغتين السيريانية والآرامية لدرجة أنه كان يبدى قد تشكل من سفر القضاه ! وسرعان 
ما إرتبط بجان - فرنسوا خاصة وأن اهتمام هذا الأخر بلغة التوراة كان يتعمق 
باستمرار بل وذهب يه الحال إلى درجة أنه عبر له عن تقديره القائق بأن سمح له بأن يلقى 
المحاضرات بدلا منه أين ؟ فى الكولاج دى فرانس - وهى فى السابعة عشرة من عمره !! . 
أنا أقوى من يحضر محاضراته ومعظمه من القساوسة ورجال الدين ذوى 
الأدمغة المتصلبة وكلهم متقدمون فى السن » قربى من مسيو أودران يزداد كل يوم . 
فأنا أساعده فى تاليف كتاب فى قواعد اللغة السيريانية ثم فى القواعد المقارنة 


٭ راجع الباب ١9‏ . 


157 


بين اللغتين العريية والعبرية فهما من أصل واحد والاختلاف فى اللهجات 
A Hi‏ 
أكثر أساتذته إخلامنًا له فيما بعد ولعله كان أكثرهم نفعا له هى دوم رافائيل دی 
موناشيس والذى تعرف عليه عن طريق أخيه فى جرونويل . وكما حدث مع القس 
كالماس كانت صداقتهما بداية العلاقة بينهما بل أن الحب كما قال لأخيه هى الذى جعل 
دوم راقائيل يهتم به حتى أن هذا الأخير كان يناديه « إبنى » [ بالعربية فى النص ] 
وكثيرا ماكان يستقبله فى بیته الکائن ۳ شارع باقيه يحى الماريه . 


« إنى أعمل كثيراً مع دوم رافائيل . ( من خطاب إلى الأخ الكبير ) وأصبحت 
م« أتصرةء » فى الحديث بالعريية . فأصرف الأفعال وأترجم حوارات ... » وكان يزداد 
تقديرا لاستاذه فى اللغة العريية بقدر ماكان هذا الأخير « يسايره فى تخميناته حول 
الأسماء القديمة للمدن المصرية » . وغوق كل ذلك كان درم رافائيل قد أبدى إلى تلميذه 
معروفا هائلا : فقد وجهه نحو التعرف على قفُسيس قبطى جاء من مصر علم ۱۸۰۲ 
وهو جيها الشيفتيشى راعى كنيسة سان روش . والذى تمكن طالبنا من التخاطب معه 
باللغة القبطية والتدريب عليها معا » فهى اللغة التى بدت لهما المفتاح الذى سيؤدى إلى 
الأبحاث المتعلقة بالكتابة المصرية القديمة . 


وهكذا تحول شاميوليون الصغير » القادم من مقاطعة دوقينيه من جهة الكارسى 
إلى مستشرق وهى سعيد بذلك . وهى يعلن لأخيه بعد ذلك بستة أشهر أنه فقد كثيرا من 
ونه حتى أن خديه قد تقعرا VAE OLA JE‏ شبها بالعرب خاصة انه« امسلا 
كالشرقيين » وأنه من كثرة الحديث بالعربية أصبح صوته يخرج من أعماق حنجرته » . 

فى خطاب مؤرخ قى بداية شهر دیسمبر روى لأخيه كيف أن شخصا يدعى عيد 
صاوى التقى به وهو مع دوم رافائيل فظن أنه عريى وحياه بكلمة « سلامات » وكان 
الأمر سيزداد إختلاطا عليه تولا أن صديقهما المشترك أوضح الأمر فى حينه ٠‏ وفى 
إحدى الرسائل لأخيه أختتمها بتحويل إسمه إلى « أسد سعيد المنصور » »(كذا). 
وعنده‌ا أعلن له آخوه فی بدایة شهر دیسمیر ۱۸۰۷ أن « زوبيه » ستنجب له « آثريا 
صغيرا » وطلب مثه أن يقترح له إسما « عربيا على الأقل » رد عليه جان فرئسوا : 
'«على ٠‏ الحبيب» .. مما سيثير الأقاويل فى أروقة الكنائس " 


* المشكلة ستطرح نفسها بالطيع عندها - حائ تعميد الطفل وتسميته ٠‏ وقد أوضح جان - فرنسوا 
يحماس أن هناك قديسسا إسمه « على » عاش قى القرن السادس - قصدقوه !! 


158 


كما أن صديقنا تعرف على أحد العلماء الكبار وهو الأب تيرسان وكان منزله فى 
أبروشيه « أبى أوبوا » يمثابة متحف أتروسكى - فينيقى - مصری › وزاد إرتباطه يه 
عندما كشف القس تيرسان عن آكثر التحف أهمية لجان - فرنسوا المتمثلة فى نسخة 
لحجر رشيد قام القس نفسه بعملها عن الأصل فى البريتيش ميوزيوم ( المتحف 
البريطاتى ) وقد توطدت العلاقة بينهما إلى حد أنه أعار صديقنا الشاب يعضًا من 
تحفه النادرة مثل كتاب العهد الجديد باللغة القبطية ومصحقًا باللغة العربية . وترى 
إسمه مذكورا فى العديد من المرات فى مراسلات الأخوين وكذلك إسم أحد المثقفين 
الدارسين للغة السلتية ( القادم من الدوقينيه Lai‏ ) وهو دو كاميرى وقد تسیب موت 
هذا الأخير فى نهاية /14-1 الذى كان قد أصبح من أصدقائه المقريين فى حزن عميق 
تملكه . 
على الرغم من خجوله الطبيعى فإن أصغر أبناء تاجر كتب فيجاك - م نه مثل 
جميع المغروريين المحبطين - تمكن من السيطرة على فوراته العنيفة مثما يفعل 
أخوه الأكير. 
فهى يعلن له فى خطاياته « أن سلوكه لايشويه أى غبار حتى الآن usa‏ : «إذا 
جاء بعض الأصدقا » لزيارتهم قهم يحتفون عن أى اقتراح يعرفون مسبقاً أننى 
سأرفضه » ولكثه يقبل اقتراحات آخرى إذا علم أنها تتفق ورغبات جاك - جوزيف . 
Jia‏ دعوة إوبان ميلان الذى یدرس له ماد « الميتولوجيا القديمة » لحضور اجتماعات 
يوم « الأريعاء » الذى يعقدها إسبوعيا فى منزله . وعلى الرغم من شعوره بأن ملايسه 
غير لائقة فإن مراهقنا كان يحضر هذه الندوات وما كتبه لأخيه فى وصفها يكشف عن 
حسه المبكر لفن الهجاء : 
« أذهب أيام الأربعاء عند مسيى ميلان لأشارك فى سهراته [...] المضور كثير 
ويوهجد بينهم من خمسة إلى ستة أمراء أللان وأسبان وفرنسيين إلخ ... يعض من 
ادوقة ... إلخ والكثير من الرؤس « المتوجة » بالإثارة . نجاس ونقرأ ثم يبدأ حديث 
حول نقطة علمية أو عن التاريخ القديم أى عن الفنون الجميلة . يداقع كل واحد 
عن وجهة نظر ويستمر الجدال حتى الحادية عشر مساء وريما بعد ذلك ... ترتيب 
الأحداث كالتالى : الدخول في الساعة الثامنة ويعلن عن إسم مسن وصل . 
تقدم التحية ثم نذهب إلى صاحب البيت لتبادل بعض الكلمات معه . بعد ذلك ننضم 
إلى الحضور أو ثقرأ ماظهر من كتب جديدة . فى الحادية عشرة والنصف 
يقدم الشاى أى البانش ... إلخ .. وألاحظ أن معظم علمائنا يحسنون تناول الشراب 


159 


مثلما يحسنون الكلام . عندسا تصل الساعة إلى النصف يعد منتصف الليل 
أو فى الواحدة يحل لنا الإنسحاب [...] إن مايثير الضحك وهو مايثيت فى الوقت 
ذاته أن العلم يسّوى بيننا تحن معشى الرجال هى أنك ترى مسن خمس إلى ست 
إمراء ويعضى السفراء والدوقة إلخ .. لاتنم وجوههم عن مقامهم وهم جالسين فى ركن 
من الصالون حيث يتثاءب أصحاب السعادة على راحتهم . أمير فورتز بورج * 
الشاب يشارك فى الكلام وهى يقعل ذلك بتحقظ جم ويفكر صائب . وهو صاحب 
السمى الوحيد الذى يعد مقبولا . أما بالنسبة للآخرين المحملين بالأوسمة 
والأوشحة ... فهم ينتظرون الشاى ويحتسونه ثم يهرعون خارجين Un‏ 


إذا کان « صغير » قد تجرأ ودخل هذا « العالم » الدائر فى ذلك العلم وأكثر 
المعارف تجردا فهى يزداد جرأة ويذهب لزيارة أكثر حاملى مفاتيح مصر شهرة مثل 
قولنى وسونينى وجومار وهم الذين وطات أقدامهم أرضها لأسباب مختلفة . 

كان قد تعرف على قوانى فى جرونويل قبل ذلك بعامين وكان قد أصبح كونتاً 
وعضى مجلس شيوخ الإمبراطورية دون أن يفقد استقلالية الرأى والسلوك .. وكان 
« صغير » يعجب يوقار الرجل واستقامته ودقة تفكيره .. ومع ذلك فقد كان يضايقه منه 
طريقته غير الشاعرية تمامًا والعلمية البحتة فى تصوره لمصر إذ هى يكثر من ذكر 
الملاحظات عنها المدعمة بالأرقام دون أن يثبه بتساطيرها وآلهتها . وكذلك كان الحال بالنسبة 
أسونيتى دى مانونكور عالم الطبيعة الذى كان يصف له مصر وصفا دقيقا ولكنه فى 
رأيه كان يفتقد الخيال والقدسية . ومع ذلك وعلى الرغم من قلة الحيوية التى كان يفتقدها 
فى الشخصيتين فكانا كرجال معرفة حقة يثيران إعجابه .. ولم يكن من الممكن أن يسقط 
من حساباته أيًا من المعطيات التى ستسمح له بتنظيم عمليته فى كشف الأسرار . 


ويتفس القدر من التسامح طبق المبادئ ذاتها على المعلومات والأفكار 
التى إستقاها من جودمار الذى أصبح أهم شخصية فيما يتعلق يكتاب 
« وصف مصر » . فى بداية الأمر استقبله هذا العالم الجليل فى الجغرافيا 
بنقس القدر من الترحيب الذى عبر له عنه كل من قورييه وشولتى رسانيتى . وعلى 


+ الشقيق الأصغر لإميراطون التمسا . 


160 


الرغم من أن « صغير » قد إضطر أن ينتظر أشهرا عديدة قبل أن يستقبله السكرتير 
العام فقد أقام معه علاقات عمل هادئة . إلا أنه ما أن تعرف على مقدار طموحات 
الشاب إلا وأصبح جومار غير راض عنه وعامله منذ ذلك الوقت بقسوة * إذ كان 
يرى فيه حدمًا غرا يدعى - دون أن يكون قد وطأ أرض مصر - أنه يعرف أكثر مما 
يعرفه قدامى محاريى ١175/‏ ‘ 

سيفضل جان - فرتسوا التعامل مع مساعدى الجغرافى من الشباب فيلار 
دوتيراج وجولوا وهما المكلقان مع لاتكريه ** بكتابه معظم المقالات الخاصة يمصر 
القديمة فى كتاب « وصف مصر » وكانوا يعاملونه يود حتى لو إختلفت أراؤهم معه . 
مايدعى إلى الاستغراب من جهة أخرى هو عدم وجود أى مستند عن علاقة ه صغير » 
بيقان دونون . إن مانعرفه هى أن الشاب قد قرأ كتاب الرائد إذ أننا نجد إشاراته 
ميعثرة هنا وهناك فى مراسلاته إلى « دونون المحترم وخفيف الظل » ”*” ٠‏ 

أما بون - جوزيف داسييه السكرتير الدائم لأكاديمية الآداب فهى الذي لن يالى 
ae‏ 0 
منذ وصوله إلى باريس . العلاقات بينهما ستبقى غير محدودة لفترة طويلة لأن 
إهتمامات العالم العجوز لم تكن لها علاقة مباشر à‏ بالموضوعات التى تخصص فيها 
الشاب . إلا أنه أعلن عن تعاطفه معه منذ البداية إلى أن أصبح هذا التعاطف عملاً 
إيجابيا بعد ذلك . 


لم يكن شامبوليون الأصغر يكتفى بعلاقاته مع الأساتذة وأصحاب الفكر , فقد 
كان وهى فى السابعة عشرة يزامل أيضا أقرانه مع ملاحظة أنه ان يتعرف فى باريس 
على صديق يمكن مقارنته بمن صادقهم فى فيجاك أو جرونويل .ويقر معظم كتاب 
سيرته أنه لم يقم علاقة صداقة سوى مع المجدين فى عملهم المنكبين على 
الأبحاث المشابهة لأبحاثه والأفضل من كانت أبحاثه تتلاقى وأعماله هو . 


وقد يكون من التزيد أن نصف علاقاته الودية مع بوناقوتتور دى روكفور بأنه 
صداقة وإن كان يصفها هى نفسه أحيانا بأنها « غوتية » ( مثل الكاتدرائيات ) بمعنى 
أنها مرسومة وجادة للغاية . خاص وأن أبحاث دوكفور الموسيقية كانت تذهب فى اتجاه 


* غير أن ذلك لم يمنعه من أن يطلب من الشاب باستمرار أن ينقل تحياته إلى أخيه الأكبر . 
kK‏ معه ... ويعده ؛ لأنه توفى فى يداية عام ۱۸۰۸ 
*+» سنرى فدمل بعد الأهمية التى أعطاها ياحثنا إلى « البردية رقم ۱۳۸ » التى نشرها دونون . 


161 


يلتقى وأبحاثه هى فى الثقافة القبطية .. وهذا الوصف ينطبق أيضا على علاقته بالمكتبى 
جوجون الذى أرسلته العناية الإلهية له ليبعثه فى مجال الكتب وكان يجمع فى بيته 
بشارع دوياك أبناء الدوفينيه المقتربين ( أى المثفيين ؟ ) فى باريس .. ويبدو أن جان - 
فرتسوا كان يواظب على حضور هذه اللقاءات . أما هلاقاته بجان - جاك دويوا 
الرسام والمثال فقد كانت عروتها أوثق وهى الذى سيكون معينه فى نقل الكتابات 
المصرية الموجودة فى متحف فيللترى وقد وصف الشاب القادم من جرونويل علاقاتهما 
بكلمات كلها حرارة إذ كتب يقول : « كنا نثرثر حول الآثار ونتبادل الملحوظات وكنا 
نجد دائما شيئا جادًا تتكلم عنه أو نتعلمه من بعض ٠‏ » ووصف فى خطاب لأحيه 
مؤرخ 18:4 لقاءه يدوبوا أنه من أسعد الأحداث التى جرت له بالنسبة لحياته 
العملية كياحث . 


هل كانوا أصدقاء أم مجرد أقران عمل كل هؤلاء الشياب الذين كان يلقاهم فى 
الكولاج أى فى المدرسة الخاصة . ويتبادل واياهم الاكتشافات أو خطا جديدًا فى 
أيحاثهم بة ت يقتفون أثره ؟ لقد كان يشير إليهم فى معظم الأحيان بكنية عن تخصصهم 
وليس بما يميز شخصيتهم * . فكان يلقب ليونار دى شيزى » الهندى » إذ كان 
متخصصا فی السانکرتیه وأيال دور ریمورا « بالصینی » وهى الذى أصبح أول أستاذ 
يدرس لفة « الماندران » فى الكولاج دى فرانس » أما چان سان - مارتان فهو« الأرمنى » . 
هذا الأخير يمثل حالة خاصة ؛ فقد كانت علاقته بسان مارتان علاقة صداقة قوية جد 
وكانت الرسائل المتبادلة بينهما غزيرة جدا إلى أن فرق بينهما الطموح وخاصة الطموح 
السياسى , ومع ذلك ففى عام 181١‏ لم يتردد جان - فرنسوا فى اللجوء إلى سان - 
مارتان ( فهو لم يشك فی وفاءه على الرغم من أى * شئ ) طالباً منه خدمة « لايمكن أن 
تتسى » فقد كانت تتعلق بعلاقة عاطفية ** . 

وماذا عن دارس اللغة اليونانية جان لوترون ؟ فقد أصبح مع مرور الزمن من 
أقصح المداقعين عن جان - فرنسوا شاميوليون عندما ثارت أعنف المجادلات التى 
أثارها إكتشاف عام ۱۸۲١‏ على الرغم من أنه كان فى البداية ضمن منتقديه . ومن 
ناحيته أيضا كان يطلق عليه باستهزاء لقب « البستانى صاحب الجذور اليونانية » وذلك 
بین آعوام ۱۸۰۷ وى 18١5‏ وكان من بين زملائه أقل من يلقاهم . 


+ وكانوا يلقيونه من ناحيتهم « بالمصرى » . 
*»* سياتى ذكرها قيما يعد ص . 


162 


باختصار كانت حياة مخصصة كلها للدراسة والبحث لتنقيذ طلبات جاك - 
جوزيف تلك التى قضاها جان - فرنسوا خلال السنة الأولى من فترة إقامته بباريس 
وذلك حتى خريف عام ۱۸۰۸ ء يشهد على ذلك برنامج العمل الأمثل له والذى أفاد به 
أخاه فى /ا' ديسمسر ۱۸٠۷‏ . وقد يعتقد البعض أنه مثالى أكثر من اللازم ليكون 
. صادقا فيه ولكن لايوجد سبب واحد يجعل المرء يشك فيه خاصة وأن الرسائل اللاحقة 
توضح أن الأخ الأصغر لم يكن يمنع نفسه من الإقصاح عن الحقيقة لساكن 
جرونويل حتى لى كانت غير سارة : 

« يوم الاثنين الساعة الثامنة والريع das‏ إلى الكولاج دو فرانس لأصله فى 
التاسعة . أنت تعلم بالطبع أن الطريق طويل إلى هناك فهو يطل على ميدان 
كاميرى بجوار مينى البانتيون . فى التاسعة أتايع محاضرة اللقة الفارسية 
للأستاذ دوساسى * حتى العاشرة ونا كانت محاضرة العبرية والسريانية والكالدية 
تلقى فى منتصف النهار فإنى أسرع إلى مسيو أودران الذى إقترح أن أبقى 
عنده أيام الأثنين والأربعاء والجمعة من العاشرة حتى الظهر . فهى يظل فى 
الكولاج دى فرانس .. نمضى هاتين الساعتين فى الحديث عن اللغات الشرقية 
وفى ترجمة نصوص من اللغات العبرية والسريانية والكالديه والعربية , 
وتخصص دائما تصف ساعة للعمل فى كتايه عن « قواعد اللفتين الكالدية 
والسريانيسة » . ننزل مسن عنده عند الظهر ليلقى محاضرته عن العبرية .. وهو 
يطلق على اسم « بطريرك الفصل » لأنى الأقوى فى هذه المادة [...] بعد أن أخرج 
من هذه المحاضرة فى الوأحدة أقوم باختراق كل باريس وأذهب إلى المدرسة 
الخاصة لأتابع فى الثانية محاضرة مسيى لانجلاس الذى يخصنى برعاية خاصة .. 
إننا نشارك فى الحديث قى السهرات ** يوم الثاثاء أذهب إلى محاضرة 
مسيى دوساسى فى الواحدة فى المدرسة الخاصة .يوم الأريعاء أذهب 
إلى الكولاج دى فرانس فى التاسعة وفى العاشرة أصعد عند مسيو أودران 
وفى الثاتية عشرة أحفسر محاضرته وفى الواحدة أذهب إلى المدرسة 
الخاصة ( ساعتان ) من أجل حضور درس مسيو لانجلاس وفى الخامسة مساء 


* كان سيلفاستر دى ساسى يدرس هذه اللغة أيضا أما بالنسبة للعربية فقد كان يتناوب تدريسها مع 


مسي كوسان . 
#« هذه الملحوظة تدعو إلى الحرص عندما نتعامل مع الأحكبام التى سيطلقها الطالب فيما بعد 
عن أستائة . | 


163 


إلى العربية , 


الخئيس فى الواحدة محاضرة مسيى لوساسى . الجمعة أذهب مثما أفعل يوم الأثنين 
إلى الكولاج دى فرانس وإلى مسيى أودران ومسيى دوساسى السبت عند مسيو 
لانجلاس في الثائية .. » ويختتم كلامه يقوله : ه لقد حميت من كثرة المجهود 
واذلك سأذهب لأستهم لاتزوه يبسعض من الطاقة تمكننى من متابعة 
محاضراتى » ٠‏ 


ولا كنا على علم بان چان - فرنسوا يضعلمساته الأخيرة على كتابه عن 
« جغرافية مصر » ويتسخ بعض النصوص لأحدهم أو لآخر ويواصل أبحاثه فى 
الموسيقى الكالدية أو السريانية لصالح الجنرال دى لاسالات ( وهى من المثقفين 
الجرنويلوازيين الذين كان يبالغ فى الإلحاح عليه ولكن كان « زميله فى أكاديمية 
جرونويل » ) .. ويواصل دراسته فى علم النمية ويكتب بعض المقالات لصحيقة « المخزن 
الأنسيكلوييدى » التى يصدرها ميلان ويقوم بزيارات متعددة إلى كنيسة سان روش - 
لأسباب لا علاقة لها بالتقوى بل لكى يزيد من إمتلاكه الغة القبطية مع القس الشفتيشى 
ويجرى ذات اليمين وذات اليسار ليؤدى الطلبات التى يكلفه بها أخوه .. لذلك يمكن أن 
نقول أن إبن صاحب مكتبة فيجاك كان شابًا مشغولا . 


كيف لايسخن وهى باستمرار يجرى وينسخ ويبحث ويكتب ويقراً ثم يجرى طول 
الوقت ؟ كان جاك - جوزيف واعيا بذاك كله لدرجة أنه نصحه فى يتاير ۱۸۰۸ أن 
يعتنى بصحته : « تذكر الدواء الذنى وصفه لك مسيى جانيون فى الخريف الماضى . 
يجب أن تشرب بعض المشرويات المنمشة |...| مثل« الأورجا » [|...]| إشرب منه عدة 
مرات فى اليوم ولكن يعد الوجبات يفترات طويلة . لاتستحم لأن الاستحمام مضر لك 
فى الشتاء.. » . 


رد چان - فرنسوا جاء كالتالى : « ساتناول الأدوية التى كتبها لي مسيى جانيون - 
إنى أشعر بسخونة وتنتابنى آلام الرأس والمشرويات المنعشة تفيدنى كثيرا » مع ذلك 
فعند حلول شهر یونیو أرسل يحيطهم فى جرونويل بأنه قد أهمل شرب « الأورجا » لأن 
الجى ليس حاراً ثم إن هذا المشروب « غالى السعر جدا » . 


164 


والسؤال الآن هو كيف كانت هيئة هذا المراهق المستقيم الذى ذهبت عن ذاكرته 
صورة يولين ومع ذلك لم تحل مكانها عاطفة جديدة تملأ عليه أحلامه وتحرك تهاره ؟ 
لا كنا لم نستدل على نص يصفه فيه طرف ثالث فإننا نكتفى بهذا الوصسف 
الذاتى السريع الطريف المؤرخ 4 فبراير 1604 والذى يكشف عن نوع من التصالح 
مع الذات : 
« أشكرك كما أشكر زويه على تمنياتكما لى بالهناء [...] أما بالنسبة لصحتي 
فإن الصداع لم يعد متكرر الحدوث كما كان إلا أننى أشعر بألم فى جانبى 
الأيمن يضايقنى كثيرا فى التنفس . سأستمر فى المنعشات التى أفادت عينى 
كثيرا فأصيحتا متوازيتين الآن تمامًا * . وعلى الرغم من أن لون بشرتى 
مازال يميل إلى « العربية » ! لا إنه أصبع أكثر بياضا . زاد طولى كثيرا 
وأصبحت بذلتى « ألفراك » البنية التى كانت طويلة بعض الشئ تناسسينى 
تماما الآن .. » 
إن بذلته القراك المناسبة تمامًا لاتلخص الحالة التى كان عليها وضعه المالى » 
سنراه بعد قليل غاضبا للغاية من باريس والباريسيين » ولم تساعدة 
الضائقة المالية التى يتخبط فيها على إزاحة السحب التى تجمعت أمام نظرته 
لهذه المدينة حيث المظهر له أهميته القصوى خاصة فى هذا الزمن التى تتوالى فيه 
الأمجاد البراقه ويتياهى فيه محدثى النعمة . 
وإذا كانت رسائل جان - فرنسوا قد إمتلأت إعتباراً من صيف ١8.4‏ 
بإشارات إلى أبحاثه وإكتشافاته العلمية وإلى ماينشره منافسوه أى من سبقوه فإن 
رسائله الأولى التى سبقت تلك الفترة كانت تكثر فيها الشكاوى وعلامات الأسى 
والطليات والملحوظات المرة عن قلة موارده والحائة المريرة التى يتخبط فيها « فقيرا مثل 
الشعراء » . 
ونذكر هنا بعض الأمقة المنتقاه عشوائيا لهذه الشكاوى التى كان يطلقها الواحدة 
تلو الأخرى مثل المدفع الرشاش على أخيه جاك -- جوزيف شامبوليون - فيجاك 
« أبى على » : 


+ سبق أن أشرنا إلى عدم التوازى الذى لوحظ فى نظرة الشاب . 


165 


« .. لايوجد معى سول وأحد . كل مايمكننى عمله هو تنظيف ملابسى وأدفع ثمن نقل 
الرسائل التى تصلنى * ... »« إن مدام ميك ران تعذينى وهى تستلم إيجار الغرفة » 
« مدام ميكران لاتكف عن ملاحقتى يوميًا من أجل إيجار الغرفة وليس فى إمكان 
مسي فرجا أن يعطينى مالا لأنه لايمتلك [...] مايكفى لماكلى أرجوك أن ترسل لی 
مالا فور إستلام خطابى ... » 
« حالتى ميئوس منها . لا أجد معى سولا واحدا . إرسل لى قوراً مرتب الشهر 
القادم حتى لا أكون مضطرا إلئ تحمل آلاف المضايقات التى تثيرها لى مدام 
ميكران بسيب إيجاى الغرقة ... » 
« استحلفك أن ترسل بعض الثقود لدفع إيجار الشهور الأريعة المستحقة لمدام 
ميكران » 
ثم يضيف ساخرا « بدأت الاحظ أنى أصبحت باريسيا بالفعل بسبب الطريقة 
(اللبقة ؟) التى تخلصت بها منها فى المرات المائة ألف التى جاءت تطالبنى فيها بان 
أمرى لها الثمائية عشر فرنكا . أصبحت أخشى الحجز والقضايا والحيس إلخ إنى 
يائس وليس معى سولا واحد .. » 
كان جان - فرنسوا مستعدا للأكتفاء « بالتعيين » العادى الذى يتغذى عليه من 
« الأخوة الريفيين » ولكته لم يكن ليقبل يئن يظهر فى مختلف الأوساط فى هيئة الفلاح 
القادم من مقاطعة كارسى لباريس أو الجلف الواصل من الدوفينيه . وهى يسأل شقيقه . 
يعد ذلك بيضعه أشهر : 


« من تريدتى أن أصادق ؟ إذا أردت أن تسكن فى باريس وتعيش مع 
الباريسيين قعليك أن تتصرف مثلهم . وإنما لا أعتى بذلك وجوب الصرف 
على العروض الفنية وحفلات الرقص وما إلى ذلك : إنما أقصد أن يكون 
ملبسك ملاسا وهو مالم يتوافر لدى . إنك لاتذهب فى المجتمع وأنت ترتدى 
جوارب سميكة مسن القطئ ترتفع حتى الركبية وصيديريا أسود 
وتفس البدلة القديمة الريفية . ولهذا السبب فإنى لا أرى أحدا ولا أقدر 


* كان يوجد فى ذلك الوقت نظامان لإيصال الرسائل ٠:‏ البريد الكبير » وكان يعمل ينظام الثقل يعد 
دفع المستحق » والآخر داخلى فى باريس فقط ويعمل ينظام « حمل الرسائل المدفوع » . 


166 


أن أرى أحدا . [...] وها أنا أصبحت ضمن فئة اللا .. سرواليين * دون أن 
أكون من معتئقى مبادعهم ولا أهدافهم [..] الحقيقة هى أن هيئتى فظه يما 
أرتديه مسن ملايس واسعة وأطول مما ينبغى وتفصيلها كريه . وإنى أعترف لك أن 
هذا هو السبب الذى يجعلني لا أرى مخلوقا .. » 


أمام هذه الحدة فى العرض لم يكن أمام جاك - جوزيف سوى أن يستجيب 
إلا أنه لم يتلق سوى تقريع جديد محرر بوقاحة ثثبئ عن كثير من الأحداث : 


« وصلنى طرد الملابس . الإنجليزية ( نوع من البدل ) جميلة للغاية والسراويل 
أجمل . الصديرى يباع بثلاثين سولا فى الشوارع وكان فى مقدورك أن توفر 
ثلاثة فرنكات وعشرة سول قيمة المشال . ولن أقول شيئا عن جواريك الحريرية 
السوداء قهى مقيولة إذا أرتدتيها قى المساء للذهاب عند مسيى ميلان حيث 
لاينظلر أحد إلى السيقان أو إذا أرتديتها نهارا للذهاب إلى ملجا العميان 
إلا لى إحتجتها أنت لترقيع ماتبقسى لك مسن ملايس . أعترف فى النهاية 
أنك لن 5 ترتديهما أنت ! وأقول لك أنى قمت يتفصيل سنروالا جميلا من توع 
محل مارثان وسوف يرسل لك الحساب للسداد . عثدما أجد اللبساس اللاثئق 
والحذاء المقبول ساقوم بتأدية جميع المهام التى كلفتنى بها مهما كانت إذ سيكون 
فى إمكانى أن أظهر فى المجتمع .. بل إنى مستعد ساعتها أن أرى الإمبراطور ذاته 
إذا كان فى ذلك مايرضيك » . 


.ما هى السيب وراء هذه الوقاحة المفاجأة خاصة أنها موجهة إلى الشخص الذى 
يكن له كل مودة ؟ ذلك لأن هذا الأخ الذى يدين له بالكثير يطلب منه فى المقايل أن 
يكون ممقه أى سفيره أدى الشخصيات العامة الباريسية وأساتذة الجامعة والسلطات 
الأكاديمية : إن جاك - جوزيف رجل طموح دائم البحث ليس فقط عن كتاب أى مستند 
ولكن أيضا عن وظيفة أو لقب أو خدمة أو منحة لنفسه ولأخيه الأصغر هذا الأخير كان 
على إستعداد أن يؤدى دور المرسال لا دور الجلف .. 


+ اللا - سرواليون 00010165 - 5815 65ا كلمة أطلقت على الثوار من الطبقات الدنيا فى المجتمع 
الفرنسى فى فترة المؤتمر التأسيسى بعيد الثورة الفرنسية ( المترجم ) . 


167 


الحقيقة هى أن باريس لم يكن لها عليه التأثير الذى قد يؤدى بآخرين إلى 

التشتيت سواء كانت عواقبه سعيدة أى تعيسة . إن أقل مايمكن قوله أن الحب من أول 

نظرة لم يقع بين المدينة الكبيرة والمراهق . وقبل أن يصل به الحال إلى أن يصف 

باریس « ببابل » فهذه هى بعض السهام التى أطلقها عليها : 
«... شعرت يألم قوى فى جانبى . إن جى باريس يقوضنى وأبصق مثكل 
المسعور وها أنا آأفقد قوتى . إن هذا البكد كريه إلى أقصى حد إذ أن قسيك 
تبقيان فيه مبالتان باستمرار . أنهار من الطمى "* ( دون مبالغة ) تجرى 
فى شوارعه ولذلك فإنى أشعر يملل يقتلنى . والترفيه عن نفسى أذهبي 
للتريض الله أعلم كيف . واتثاعب طول الوقت ( هذا هى الواقع وهذه هى 
إرادة الله ) . 

هناك ماهى أفضل : 

« أشعر باحتقار يختلط يه الكره تحو عاصعة فرتسا القذرة ماذا يمكن 
أن أفعل وسط هؤلاء الأدياء مصاصى الدمساء ؟ وفى هذه الأوكار المثيرة 
الغشيان حيث يكفي الأتنحياز لحزب لكى تكون صاحب رأى وتصل إلى 
المناصب العليا ؟ وكلم! أعملت تفكيرى زاد تعلقى بجبالنا . إنك تجد فيها 
المساد بل الأعداء أيضا » هذا صحيم .إلا أن الرأى المستئثير يلقى قيها 
حقه على الأقل . أما فى باريس فلايوجد رأى سوى رأى الأحزاب . وفيها تعد 
أحمق إذا سقط الحزب أو« تيرتن » ذاته إذا إنتصر . لاتوجد نقطة وسط 
لأن لا مكان الحياد حيث يحكم على الأشخاص مسن لون لباسهم : كفى حديكًا 
عن هذه القذورات ... إنى مقتئع بما لى من فهم . لأخلاقى أن العاصمة لاتناسبثي . 
لىأتى ولدت فى الهند لكنث أصبحت بالتأكيد من الدراريش المتاملين . 
فأنا آكره الحصركة ولا أود أن أجد تفسى سوى فى حلقة من المعارف ضيقة 
Ali]‏ « . 


وعندما يقترح عليه أخوه أن يطلب من لوى لانجلاس أن يوجهه نحو عمل رسالة 
بحثية أو أى مكتوب آخر يرد عليه المراهق بحدة : 


* المْط قى التمى الأصلى . 


168 


« حتى إذا ألفت أجمل المؤلفات وأعظمها ثقافة فإنى لن أجد قارئا 
واحدًا لى فى شوارع باريس بسبب عظمة إنتشار التذوق العلمى بها !! 
إن هذا مثبط للهمم لأقصى حد [...] يالها من مهتة صعبة ... 
مهنة المؤلق ! » . | 


وهكذا كره جان - فرنسوا شامبوليون الجى الثقافى العام فى باريس كما كره 
المؤامرات التى تصيب مقاهيها وصالوناتها بحمى المؤمرات . كما كره أيضا 
الأكاديميات والجامعة الواقعة - مثل كل شئ آخر - تحت الديكتاتورية الإمبراطورية . 
ماذا يمكن أن يكون مصيره وسط هذا الخضه المتلاطم ؟ ولا كان جاك - جوزيف 
يحاول باستمرار أن يجد له عملا فى المكتبة الوطنية أو فى التدريس كتب له فى, 
ه فبرایر ۱۸۰۸ رسالة یذکر له فيها ماقاله له سونيى : 


« هذا هو ما أعرفه عن الجامعة الإمبرطورية . لقد قرأو المشروع ست عشرة 
مرة أمام الإمبراطور الذى كسرر باستمرار أن هذا المشروع محتاج 
لأن ينضع [...] ولايبوجد مايدل على أنه بريد إنشاء كرسي لغة عبرية |...] 
فقد راودته كثيرا فكرة إلفاء الكولاج د فرانس [..] إن مهنة الوم 
تمر بمرحلة قاسية للغاية وهى لاتؤدى لشئ الآن . لاشئ يعمل الآن سوى 
الحرب .. » 

هذه الملاحظات المريرة أدت إلى أن أستخلص منها شامبوليون أسوأ الاحتمالات 

المستقبلية حيث تظهر فيها آثار شخصيته المتذبذبة المذاج : 

«.. لم يعد لى أمل كبيس فى مستقيلى . أفضل مايمكن عمله هو أن 
تبحث لى فى البداية عن وظيفة مناسبة فسى أى مكان تراه . ولايعتبر هذا 
من المستحيلات بالنظر إلى الوهسطات التى تساندنى . وفى هذه الحالة ومن هذا 
الملاذ ستاتى الوظائف بعد ذلك . فى المكتبة الإمبراطورية لايوجد سوى 
مركز واحد هو مركز الأمين |...] إن لا أعتقد أنك تريد أن ترانى فى دور 
موزع الكتب . [...] قكر فيما أقول . الكولاج دو فرانس لا أمل من 
ورائها ... » 


169 


ظل هذا التشاؤم يل هذه الانهزامية مسيطرة عليه لعدة شهور . فكتب يوم 
"١‏ مارس : 
رس 


« إن كراسى التاريخ والعربية والعيرية غير موجودة أصلا . هناك أشياء أخرى 
تشغل الجميع !١‏ [..] بعد شهرين فقط من وجودى هنا أدركت أن دراستي للغات 
الشرقية لن تفيدئى فى شئ [...] ثم .. هل أنا معتاد على التدريس * ؟ هل قمت 
بالدراسات المطلوية لهذه المهنة المملة وغير المجدية ؟» . 
واستعد چان فرنسوا بعد ذلك بعدة أسابيع لقبول العمل فى وظيفة « فى 
المئؤسسات العلمية مثل المتاحف أى مكاتب الآثار أو التاريخ الطبيعى أو المكتبة » غير 
أنه بقى على مرارته وإحباطه ؛ ويقر يأته لايخد ع نفسه بالأوهام : ۰ 
« لكى تحكم على المدرسة الخاصة أو المكتبة الامبراطورية إلخ ... يجب أن تكون 
مثلى فى الموقع . يجب أن ترى الأشخاص والأشياء وأن تحيا معهم ووسطها 
وتدرسها ١‏ وأعتقد أنى بعد عشرة شهور قاتلة قضيتها هنا يمكننى أن أصدر الحكم 
بكل وضوح .» 
فی ۲۱ مارس ۱۸۰۸ وصل به الیاس إلى قمته : 
« ... كل يوم يمر يزيدنى إقتناعا بان أسوأ إختيار هى سلك العلوم . إن البندقية 
تلقى احترامًا أكثر من قيثارة أبولون . وعازف نفير فى سلاح الخيالة يجئى 
فوائد أكثر من أى فنان أو عالم [..] وهكذا ترى أننا مضطرين ** إلى اختيار 
مهنة جديدة تآكد أثى سابذل فيها جهدا أكثر مما أبذله فى دراسة 
اللغات الشرقية » . 
هل فى ذلك مايمكن أن يكون وداعا للعلم والبحث ؟ وداعا لمصر ؟ جاك - جوزيف 
يعرف شقيقه وانطلاقاته وإحباطاته . فهى لم يتأثر ويجيبه يهدوء ببعض التصائح المرتية: 
« لايمكن أن تدرس الشرق إلا بعد معرفة جميع لقاته التى يمكن إرجاعها إلى لغة 
واحدة [...] لذلك يجب ترتيب ماهى متماثل بينها . » بارع هى هذا الفيجاك !! فلأنه 
يعرف تمامًا أن أخاه يعمل على هذا المنوال ويفكر بهذه الطريقة فقد قدم له هذه 
«النصيحة» أى أنه يود أن يقول له : استمر فأنت على الدرب الصحيح . 


* كان فى السبايعة عشر من عمره , 
»+ لاحظ صيغة الجمع التى تميز به علاقتهما . 


170 


4 كان العام الذى تيلور فيه مخطط فرضى الحصار القارى المخيف على 
فرنسا وأخذ منحنى خطرا بعد الثورة الشعبية الإسبانية . وهو أيضا العام الذى 
تجسدت فيه الشرعية الملكية الإمبراطورية بالأعداد للزواج النمساوى . وهو أخيرا العام 
الذى إقتنع فيه الإمبراطور فى نهاية الأمر يما أوصى به مستشاروه بتجميع مختلف 
فروع التدريس تحت سلطة موحدة + 

أولى تلك العمليات أدت إلى أن التعبئة الشاملة للتجنيد للشباب إبتداءًا من سن 
السابعة عشرة وظل التهديد بتجنيد جان - فرنسوا مسلطًا عليه لعدة شهور : فهى قد 
بلغ السن فى NY‏ دیسمبر ۷ \A.‏ وبالتالى فهى ضمن من سيطليون التجنيد ٠.‏ وتعتير 
رسائله لأخيه عن هذا القلق الذى يعمل جاك - جوزيف على تبديده بأن pli‏ بعدة 
إتصالات ملحة يقوربيه المحافظ الكريم الذى قام بدوره بالاتصال بصديقه فوركروا 
مدير التعليم . كان هذا الإنذار الأول و نجع فى التخلص الأول من الورطة . 

إلا أن شره النظام الإمبريالى لهضم الرجال لاينتهى : إذ عادت نغمة التعبئة 
Su‏ من جديد بعدة بضعة شهور . وهنا إنفتح طريق يسمح بالتفادى عن التجنيد 
وهو دخول مدرسة « الأيكول نورمال » ( وهى مدرسة عليا لإعداد مدرسين التعليم 
الثانوى ) ( المترجم ) يعفى تلاميذها من دخول الخدمة العسكرية . ولكن جان - 
فرنسوا يرفض تماما أن ينحنى أمام هذه القاعدة « الاعتقالية » حسب ماقاله فهى ان 
تسمح له لسنين طويلة قادمة بزيارة مصر والعمل على الطبيعة هناك ولم يأبه فى ذلك 
بكل مافعله أخوه لحثه على الدخول فى هذا السلك . 

فى نهاية صيف ١/8٠١8‏ تكرو الحال من جدید وتجددت مذاشدثه لچاك - Css‏ 
الذى رد عليه دون أى تأثر فى ٠۸‏ سبتمبر « ... لاتقلق من التجنيد [...] ولاتقم بأى 
إجراء [..] واعتمد على فيما أقوم به للتفادي من هذه الأزمة [...] لقد تخطيت أنا هذه 
المشكلة ستتخطاها أنت أيضا ... » لقد كان فيجاك على يقين من أن أماله فى جوزيف 
فوربيه قائمة على أساس صلب لأنه يمثل بالنسبة له عاملا لاغناء عنه فى تحرير مقدمة 
كتاب وصف مصر . وجه محافظ مقاطعة إيزار التماسا للإمبراطور « لصالح العلوم » 
وهو ماسمح للشاب أن يتفادى من الرحيل لفتح سيحومثا وسومو - سيبرا . 


ومع ذلك فقد إستلزم الأمر أن يمر صاحبنا بتجربة م القرعة » ( التى تحدد من 
سيجند ومن سيعفى من قائمة المطلويين ) وذلك فى ١5‏ مارس ۱۸۰۹ فى فيجاك 
وقد مثله أبوه هناك . وجاء فى الشهادة الموقعة مسن عمدة بلدته ‏ أن « السيد / 


171 


شامبولیون چان - فرنسوا »قد سحب رقم \\o‏ » الذى لم يستدع الخدمة العسكرية 4‘ 
بهذه الطريقة أمكن الحفاظ على الشكليات . 


فى ذلك الوقت ظهر على سطع الأحداث سيب لقلق جديد وهى التجنيد فى السلك 
القنصلى فى بلاد الشرق . فى ۱۳ مارس ۱۸۰۸ كتب « صغير » لأخيه الأكبر : 


« تم تسفير بعض البعثات مؤخرا إلى المغرب واليرير ومراكش وضموا إليها طلبة 
المدرسة الخاصة * فتهيبروهم على السفر [...] ( إن هؤلاء الموظفين ) يعاملون 
معاملة غير لائقة البتة ويشعرون بأنهم باستمرار تحت تهديد سيف أحد الأتراك .. 
أحكم أنت بنفسك إذا كان العاملون المستشرقون المقيمون فى تركيا الأوربية 
معرضون للأخطار إلى هذه الدرجة فإنهم سيكونون بل أقهم بالفعل أقل حظًا وهم 
وسط المغارية وفى مدن القرصنة فى تونس والجزائر ومراكش [..] لا أشعر أنى 
مستفغن عن الحياة ** لدرجة تدفعتى إلى آن أغامر بها قلا أرى بلادى وأهلى مرة 
أخرى وذلك من أجل بعض من دخان المجد .. حتى إذا كان هناك مجد فى أن تقيم 
داخل أربعة جدران داخل قصر قديم يلقب قنصل ... ترتعد أوصالى عند سماع أقل 
حركة .» 
لوحة فنية على الطريقة التركية ... ؟ ما الذى يجعله يذهب إلى هذا المنفى ؟ ثم جاء 
لوى لانجلاس بعد ذلك يجس نيض صاحينا الخائف من « البريريات » فيساله إذا 
GES‏ » يميل إلى السفر » ويرى ذنفسسه < سعيدا فى المشاركة فى العمل فى إحدى 
المفوضيات قى بلاد فارس أو فى الهند مثلا ... » ( علما بأآن لانجلاس هذا كان قد 
رقض قبل ذاك بعشرة أعوام أن يصاحب نابليون إلى مصر عندما طلب منه ذلك ) . 
رد جان ~ فرفسوا بسرعة ٠‏ أنه اليس بالقوة التى سمح ل بذلك » واس تمر 
الأستاذ على إصراره مع شئ من المديح واى لمرة واحدة قائلاً « بعد شهرين أو ثلاثة ... 
إهتزت معنويات صاحبنا بدرجة أنه اقتر على أخيه آلا تطأ قدماه بعد ذلك المدرسة 
الخاصة التى يهيمن عليها تمامًا هذا الشيطان لانجلاس » على أن يكتفى بمحاضرات 
الكولاج دى فرائس ودروس دوم راقائيل ... خلاصة القول هى أنه من الممكن أن تحب 
الشرق وتكره العاملين فى مجاله . 


للقات الشرقية . 
+« السار موضوع فى النص الأصلى . 


172 


« هناك ُسباب وجيهة جعلت حماسى للسفر إلى الشرق يفتر بعض الشئ » إلا أن هذا 
وطراوده ( كذا ) وبرسييوابس إلا أن لها فى نظرى من إغراءات قوية لدرجة تجعلنى 
أتحدى الصعاب .. إثها مصر !! « 


هل يجب أن نؤرح لدخول جان - فرنسوا الصريح طريق البحث العلمى فى 
المصريات ابتداءا من تاريخ قبوله هذه المخاطرة المحتملة التى يشملها إعلان المبادئ 
هذا أم أننا نؤرخ لذلك من تاريخ الخطاب الذى أرسله لوالديه فى يناير 18.5 ؟ على 
العموم فهى الآن فى السابعة عشرة من عمره واضح الفكر ويعرف مايريده . 

إذا كان مجال رؤيته قد تحدد أبعاده فإن نطاق عمله مازال مليئاً بالألفام . 
إذ توالت حالات الطوارئ كما توالت خيبات الأمل الواحدة وراء الأخرى . أو هكذا 
إعتبر إعادة التشكيل الضخم فى كوادر نظام يدير وجهه عن أصوله الجمهورية طالبًا 
الحصول على الاحترام الذى يضفيه عليه الحكم الملكى . ففى مجال التعليم العالى 
إختار العاهل الجديد يصقته « المعلم الأكبر » الماركيز « فونتان » مقضلا أياه على 
أنطوان فوركروا وهى من اليعقوييين التائبين إلا أن رائحه المتمردين ( السان كولوت ) 
تفوح مذه * ٠‏ 

مثل هذا القرار بدا أنه فى غير مصلحة الأخوين شامبوليون .. ولم يكن ذلك يرجع 
إلى أنهما أفصحا عن ميول جمهورية وإنما كان ذلك لأن فوركروا كان لايخفى حمايته 
لهما مثلما فعل فورييه . ما الذى يمكن إنتظاره من فونتان النبيل ؟ الواقع هى أن هذا 
النبيل لم يكن أقل عناية بصديقينا الجرونوبلوازيين من سلفه . وكان يوجد ضمن معاوتيه 
المقربين واحد من مقاطعة دوفينيه . وسنرى عن قريب آثار هذه الطيبة عليهما . 

كلا ! لا الفقر ولا الحزن ولا التجتيد ولا احتمال العمل القنصلى ولامناورات 
لانجلاس ولاتحفظات جومار ولا خروج دو فوركروا على المعاش ولا التهديد اللاحق 
بطرد دوفونثان - ولا حتى غرامياته بعد ذلك بقليل ولاشئ من هذا كله كان فى 


» كان عضوا فى الجمعية التأسيسية ( الكونفانسيون ) وحل فيها محل مارا بعد موت الملك . 


173 


استطاعته أن يبعد شاميوليون الصغير عن هدقه السامى . فهى يممارسته لعلم 
اللغويات المقارن ويدراسته للمخطوطات وبتعامله مع الجزئيات وإعادة ترتيبها ويتشكيل 
نماذج المعابد الآثرية وبتحاديثه مع من زاروا وادى النيل أصبح أكثر جسارة وسار 
فى طريق الاكتشاف الذى سيكون كما كتب له جاك - جوزيف « أحد أهم إكتشافات 
العصر الحديث » . 1 

أولى مراحل العملية الكبرى هى الانتصار المتمثل فى التمكن التام من مختلف 
لغات الشرق الكبرى وعلى وجه الخصوص تلك التى كانت أى لاتزال تستخدم فى وادى 
التيل . وتأسيساً على هذه القواعد اللغوية وعلى المقارنات وعلى القياس والتناقضات 
والاختلاف بينها سيتمكن من اليدء فى دراسة العلامات التى تغطى البرديات وأسطح 
المسلات دراسة منظمة . ولكن مع الأخذ فى الاعتبار الأواوية التى يوليها لعلم اللغويات 
فهى لايكل فى جمع مختلف المعطيات الخاصة بمصر وجغرافيتها وثقافتها وفنونها .. 
وثمكن بهذه الطريقة من إعادة تحرير وتعميق العمل الذى تقدم به فى أبريل ۱۸۰۷ إلى 
أكاديمية جرونويل ليصبح : « مصر فى عصر الفراعنة قبل فترة قمبيز » . 
قبل عدة شهور - وانتظاراً لمرحلة الدراسة المنظمة لحجر رشيد الذى وضع الأب 
دويترسان نسخة منه تحت تصرفه -- ظل يعمل بإصرار على البرديات المكتوية بالخط 
المتصل المصرى . فى ١١‏ أغسطس ۱۸٠۸‏ كتب رسالة لأخيه تيدى كما لو أنها 
إفتتاحية أويرا : 


« لقد خطوت خطوة كبيرة نوعا قى هذه الدراسة : 
١‏ - بالقياس تمكنت من إثيات أن جميع هذه البرديات تتبع نظامًا تحريريا واحذا 


بالنسبة للخط ال مكتوبة به . 
۲ - أن لدى مايثبت أن جميع هذه الحروف يما قيها المهجودة على حجر رشيد 
متشابهة . 


]...[ ١۳۸ إكتشفت معنى بداية البردية المنقولة قى كتاب دونون - وهى اللىحة‎ - ٣ 
والتى تعنى باللغة القبطية بالتص : « قول : أرقد فى سلام يامصرى وتوصل إلى‎ 
. » غايتك النهائية وتخلص من ظلمات القبر والموت‎ 


وهكذا فإن الأمور كما ترى تبدى مبشرة وإذا إستمن الحال على ماهو عليه فإتى 


174 


( سأوجه ) ركلة قوية إلى كاترومار ومدعى المعرفة بالمصريات الذين يماذون متاحفنا 
ومعهدتا » . ا 
لم يكن فيجاك يحب إنفجارات أخيه الجدلية إلا أنه كان فى غاية السعادة أمام 
هذه الاكتشافات لدرجة أنه امتنع أن يخلط مدائحه باللوم « إذا تمكنت من إثبات 
افتراضاتك [...] فسنجد قى انتظارك شهرة واسعة ويصحبتها فوائد جمة [...] بمايكقى 
لكى يجعاك تقرر الاستمرار فى أبحاث هى غاية الأهمية [...] إن مشروعك يتطلب 
المثايرة [...] أن أشهر مثقفى أورويا سيشعر بالزهى بمثل هذا الاكتشاف ولذا يتحتم 
| عليك الارتباط يبهذا المشروع دون رجعة . دع كل شئ عدا ذلك [...] إنى أطاليك 
(لوسمحت لى) بأن تفيدنى باستمرار بتطورات هذا البحث . ومن ناحيتى وبمساعدة 
أبجدية أوكربلاد * سأتابع ( بحتك ) على البردية ۳۸ فى كتاب دونون وسأسارع 
بإقادتك يما أصل إليه من نتائج » . 
لم يتردد جاك - جوزيف العاقل فى أن يضيف أن الباحث يجب أن يأخذ فى 
الحسبان « كل ماكتبه » أوكريلاد عن حجر رشيد وكذلك ماكتبه ياهلين بالإضافة إلى 
أعمال واربورتون ثم يضيف مايلى وهى ماوجد فيه جان -- فرنسوا بعضا من السم : 
« كف عن الهزيان فى مواضيمع أخرى - إلا إذا كنت تريد أن تتسلى ... » 
لم يكن تشجيع أخيه له قد وصله حتى كتب له فى ١‏ أغسطس يفيده بأنه خطا 
خطوة جديدة إلى الأمام متعلقة بالبردية ١14‏ من كتاب قيفان دونون : 
« للوهلة الأولى اعتقدت أنه من المستحيل أن أفك رموز هذا المخطوط لأنى كنت أعتقد 
أن المجموعات التى تتكرر كثيرًا بها توازى عددها من الحروف . وسرعان ما أدركت 
أن المصريين لابد وأنهم ساروا فى ذلك على تفس خطى الشرقيين الأخرين . وعلى 
ذلك نحيت المجاميع جانبًا ورحت أجمع الخطوط الأكثر بساطة . ومع ذلك فإن 
بعضهم قد قاوم حتى الآن إصرار عينى الكاشفة والمدققة جدا .. على إننى سأتغلب 
عليها في النهاية .. » 
كم يشير إلى أنه يستخدم أيضا أبجدية أوكربلاد ( الذى سيتعامل مع أبحاثه بعد 
ذلك يتحفظ ) ويقارن بينها وبين رموز حجر رشيد ويعلن لجاك - جوزيف أنه تمكن 


* عالم سويدى . راجع القصل ٩‏ . 


175 


0 

بهذه الطريقة من عزل "٠١‏ حرفا « وهو بالضبط العدد ذاته الذى حدده بلوتارك » .. ثم 
يشير إلى أن هيرودوت قال أن « المصريين يكتبون ويحسبون من اليمين إلى اليسار » . 
ویختتم چان فرتسوا قائلا : « أرفع لك خطوتى الأولى » وضوح فكرى جميل ! هل 
تسى فى غمرة ذلك أن « يركل » إتيان كاترومار وآخرين ؟ ستراه بعد ذلك فى خضم 
معارك ضارية . إلا أن وضوح رؤيته العلمية تبقى مؤثرة للغاية . فهو يقيم التقدم الذى 
يحرزه بأته هام بالمقارنة يما توصل إليه أسلافه ومنافسوه إلا أنه لايخدع نفسه بتاتا 

فيما يتعلق بفرصه المستقبلية لحل الطلسم . 


فى بداية سيتمير ١86٠١48‏ لخص افيجاك الموقف يهذه السطوى التى جاءعت ردا على 
تحذير الأخ الكبير له من ميله « الهزيان » : 


« أولا : المسلات .لم أدع يوبا أثى أقوم بدراسة المسلات يوجه خاص [...| إن السيد 
الفارس زويجا * الذى كتب مجلدا ضما جدا ( يحجم الفرخ الكامل ) عن هذا 
الممضوع اعترق لشخص من معارفى أنه لم يخط خطوة واحدة إلى الأمام يهذه 
الدراسة على الرقم من أيحاثه الهائلة . ومن السهل أن تقتنع بذلك إذ يكفى أن تقر 
الكتاب . 


ثانيا : البردية . تحن هنا أيضنًا بصدد نقط غامضة مثيرة للارتباك لقد قرأت سطرا 
ونصف وقمت يعمل أبجدية على أساس أثر معروف للكافة . واكتشقت معنى واضحا 
يتوافق مع المناسية ومكتويا بأسلوب مناسب .. ومع ذلك فإني لم أتقدم قط إلى 
الأمام .. لايمكننى أن أتقدم لأيعد من ذاك فالمجاميع تعرقل مسارى . لقد درستها 
وفكرت فيها أيامًا بأكملها ولم أقهم شيئًا . الحقيقة - دون فخر - هى أنى ذهيت فى 
هذا الموضوع أبعد مما ذهب إليه جميع الأثريين السابقين مادمت قادرًا على إثبات 
أن جميع البرديات ( المكتوبة بالخط المتصل ) تتبع أبجدية قريبة للغاية من بعضها 
وهى مالم يفطن إليه أحد حتى الآن ... »> 


لا أحد ؟ يفطن ؟ إن هذا الشاب المتهور يتسرع فى أحكامه ويمر فجأة من 
التواضع إلى خليط من الثقة الزائدة بالنفس والانهزامية . وهى فى السابعة عشر من 


. 5 سويدى . راجع المقدمة والفصل‎ alles 


176 


عمره يقر بأنه « لم يفهم شيئا بعد » ثم يبت فى كل شئ وييدى نحو أساتذته نوعا من 
الاحتقار فى صورة ومضات تنبؤية ولكنها بالطيع غير لائقة : 
«... ومن جهة أخرى فأنا عليم بأمور هذا القرن ويعلماء هذه الأيام ! وإذا حدث 
لشقائی أن ثقدمت فى اكتشافى فإنى ستجد كل علماء الحاضر والمستقيل وأقفين 
فوق جسدى يمطروه بالنقد والحذف ووداعا للراحة * إنى أعتقد على العموم إن 
الدراسة العليا للآثار القديمة التى أكرس لها وقتى غير قادرة على التوصل إلى نتائج 
يمكن تقديمها للجمهور الذى هى فى الوقت الحاضر جمهور غبى . ذلك لأن أقل هذه 
النتائج ستصدم الأفكار المسبقة فلايمكن أن يتفق معها سوى عدد قليل جدا من 
الشخصيات المتنهرة ... » 
وكما لو أنه أراد أن يزيد من تحديه « لعلماء هذا الزمان » تحول مكتشفنا فجأة 
عن الطريق المفتوح أمامه وترك نفسه لسيطرة مايمكن تسميته ه حمى دراسة الآثار 
الإترورية ( حضارة إيطالية قديمة ) أو بالأحرى « إتروريه . فنيقية » ولعل ذلك حدث 
بتأثير من الأب دوترسان الذى كان يفتخر يبعض من المعرفة فى هذا المجال وكتب 
لأخيه جاك -- جوزيف فى بداية شهر سبتمير : 
« الإتروريون يشغلونى فى هذه الأونة : اللغة والأوسمة والأحجار المنحوتة والآثار 
والتوابيت كل شئ أصيح محذورا فى رأسى . لاذا ؟ لأن الإتروريين قدموا من مصر . 
مثل هذه الخلاصة ستجعل كل مثقفيك الفارقين فى كل ما هو يونانى ولاتينى 
يقفزوا إلى أعلى ! ومع ذلك فلدى الدليل القوى جدا على ذلك ... » 
« الدليل »كان عبارة عن « حفر بارز على يازلت أسود أرسل إلى الكارديتال 
بورجيا وعلى الجانب الآخر من الحجر وجدت بعض الكتابات الإتروريه » . 
نقذ صبر جاك - جوزيف بعد أن رأى أحّاه الذى كان قد أحسن التعامل مع مسألة 
الخط المتصل المصرى - ينحرف فجأة فى اتجاه هذا الدرب الإترورى . هل هو غير قادر 
على أن يقوم بمجهود متصل ومجهد ؟ وهذه الطريقة الناقدة للسلطات المعترف يها 
والرواد ! فرسل له خطابين متتالين يعبر له فيهما عن سخطه وخيبة أمله . 


»* حديثه هنا بمثابة نبوءة حقيقية . 


177 


لماذا تضع نفسك فى موقف معارض « لحقائق معترف بها من عالم « العلماء ؟ » 
ولاذا هذا الموقف الخاص بالأتروريين . وقد مضى « ألف عام عرف خلالها أن 
الأتروربين نصفهم مصرى » ؟ . وهى مايتضح حسب قول الأث الأكبر يوضوح 
وبالمستندات من كتاب « إتروريا ريجالس » لدمستار .. أليس من الأفضل ١‏ أن نحسن 
الرأى بكل ماتم عمله » بدلا من نترك أنفسنا « لتأثير بعض التفاهات والنكات » 


أخطر من ذلك كان الهجوم الذى شنه فيجاك على نقطة حساسة مركزية : « لقد 
استسلمت لليأس إزاء دراسة البرديات .. لقد قرأت سطرًا ونصف ثم توقفت عند تلك 
النقطة ... لم أعد أعرفك أين ذهب ذوقك المصرى ؟ لقد سبق أن قلت لك أنه ينقصك 
الاستمرارية فى العمل [...] هل كتب على أن أقوم بواجباتك ؟ شاركتك العمل ثم 
تترکنی هكذا ... » 

عاد جاك - جوزيف بعد عشرة أيام إلى الهجوم بحدة متزايدة : « ادرس شيئًا 
واحدا بدلا من الهذيان فى كافة اتجاهات العالم ومن المرور على موضوع ما مرور 
الكرام [...] ويدلاً من الاعتقاد أنك ترى أفضل من جميع الآخرين وأن تختلق لنفسك 
Cali‏ خيالية لا أساس لها سوى بعض الآراء المتحذلقة حول جذور الكلمات وبعض 
التشبيهات القياسية الذكية ... » 


هل 94 يهذى ؟ إن الذي يصفه جاك - جوزيف بالقرس الجامح الذى يطالب بزاد 
مضاعف ثلاث مرات لم يرض بمثل هذه الضريات حتى لو كانت كانت من سوط « أخيه 
العزيز جدا » ! فكانت هذه الرفسة : . 
« لى أن رأسى رأس صغير يخطلق نظمًا خيالية لا أساس لها سوى بعض 
التفاهات فلماذ! تريد أن تطيع جغرافيتى المصرية ؟ وهى المليئة بمثل هذه 
المواضيع ؟ حتى لى قلت عتى أننى مجتون فلن يمنعنى ذلك من دراسة التاريخ 
القديم يوساطة اللغات ومن حب أصول الكلمات ٠‏ والأكثر من ذلك - ويا للكفر 
الأسود - لن يمنعنى من احترام لغة مقاطعة بروتانيى السفلى احتراما 
عميقا» . 


ویعاود فی خطاب ۲۹ سبتمير : 


178 


« ... أتظن أنك سترهبني بعالمك من المتعلمين . ولكن هل تعلم ما هو هذا العالم 
المتعلم ؟ هذا العالم المتعلم مثل عالم السياسة يسير مغمض العينين وراء قائد 
يستحق أو لايستدق أن يقود » قائد يؤمتون بآرائه جميعاً لأنها صاردة منه [...] 
إلى أن يظهر قائد آخر أقوى منه أى أكثر حذقاً أى براعةٌ فينقلب عليه ومعه النظام 
القائم ليقيم آخر بدلا منه .. ألم يكن الاعتقاد السائد ازمن طويل أن الأرض 
مسطحة ؟ ... وكان معشر المتعلمين فى ذلك الوقت يؤمئون يأنها مسطحة . » 
- ابتداء من ذلك الحين سيأخذ رفض شامبوليون الصغير للأوضاع القائمة 
أبعاداً أكثر نشاطاً وسيتضخم ويفرقع فى جميع الاتجاهات . ويصيب أخاه بالهلع وهو 
يراه يستهدف أساتذته وكبار الشخصيات فى المجتمع وأعضاء الأكاديمية وكبار رجال 
الدين وجميع من حملوا ألواح الناموس وراحوا يؤكدون عبر القرون أن الأرض لا يمكن 
أن تكون مستديرة ما دام القاتيكان أفتى بذلك . ثم يفتح النار متطاولاً : 
« المصريون » هذا الشعب البسيط من زراع اليصل* كلنت أفكارهم أكثر 
عظمة وأقرب لله من صاحب القداسة البايا تبعناء ممثل يسوع مسيحنا على 
الأرض . أمين ..» 
أهداف هذه السخرية المحطمة للأوضاع التقليدية القائمة كانت متوافرة . 
بعض هذه الأهداف كانت مكشوفة وتتعرض له بسذاجة دون أية دفاعات 
تقريبا مثل ألكساندر لونوار الذى نشر كتابه « الشرح الجديد للحروف الهيروغليفية » 
Le à La Nouvelle Explication des Hiérogliphes‏ ۱۸۰۸ ** الآخرون لم 
يقفوا مكتوفى الأيدى مثل إتيان كاترومار الذى نشر فى نفس الفترة كتابه « أبحاث 
نقدية وتاريخية فى لغة وأداب مصر » وهى كتاب أبعاده مختلفة تماماً . أما مجموعة 
مؤلفى كتاب « وصف مصر » ولن يظهر المجلد :الأول منه سوى فى العام الثانى ( وكان 
چان فرنسوا يتابع أعمالهم عن قرب ) فقدإحتفظ لهم - هم أيضا - « بنصيبهم » 
من الهجوم . 


ي البصل هو الغذاء الرئيسى فى دلتا النيل . 
Kok‏ راجم المقدمة 


179 


لم يكن جان - فرنسوا شامبوليون فى الواقع قديساً علمانيا كما عمل على 
تصويره مريدوه من كتاب سيرته يل هى مجادل عنيف لدرجة التسميم أحيانا مثل الحية 
فى لدغها وهى مناظر عنيد ومتعصب ؛ هى خلط من قارس جاسكونى مثل فرسان قديم 
الزمان المحاربين بالسيوف الذين خرجوا مثله من منطقة فيجاك ومتحرر عنيد من 
مقاطعة دوفينيه مثل ستاندال . قلة قليلة من الناس تلقى القبول فى عينه وأمام قلمه 
وأقلهم قبولاً عنده هم أولئك الذين تجرء وا قبله فى السير على درب محاولة الاكتشاف 
العظيم للغز الهيروغليقى . 

إن الملاحظات التى سنقرأها تثير الاندهاش الشديد بل والمضاعف لا بسيب 
تنضلجها المبكر فقط بل لوقاحتها أيضا . إذ يجب ألا ننسى أننا بصدد مراهق فى 
السايعة عشرة من عمره ثم فى الثامنة عشرة . وهو لا يزال طالباً وعلاوة عى ذلك كله 
فهى يحاكم أساتذة ميجلين ( من أخيه على الأقل ) وعلماء مشهورين .. حدة نبرته لن 
تهداً مع تقدمه فى السن . ولكن سن السابعة عشرة هو سن راميى عندما تحدث عن 
شعراء عصره المشهورين .. 
ساعده كثيرا هى وأخاه فى مقال تشره قى مجلة معلقا على التفسير الذى قدمه ميلان 
للأبراج السماوية المرسوم قى معبد دندره . وصحيح أيضا أنه كان يود لى هدم تماماً 
كتاب « الشرح الجديد للهيروغليفيات » الونوار وكان يعتيره مثيرا للسخرية . فقد كتب 
« صغير » لأخيه : « إنه فرخ أوزة ولكنه فى آخر الأمر ولد ممتاز » ثم يضيف قائلاً إنه 
سحب مقالا له من المطبعة كان يتكلم فيه بصراحة لأنه « فرخ الأوزة » تعامل مع 
صديقى دويوا بطريقة يحمد عليها » ثم لأن هذا النقد كان سيصنع له أعداء لأن 
علاقات لونوار هذا « مع الإمبراطورة كانت جيدة للفاية » - هكذا ! تخرج لنا على 
السطح أولى علامات الانتهازية والتنازلات عند هذا المحارب المغوار 00 

لكن هذا المزيج من التسامح والحيطة نحو مستقبله لم يشفع لإتيان كاترومار 
( وكنايته « يوليكارب » ) لديه فكان كما سبق وراينا يحلم بأن « يركله » . وكتب حجان 
فرنسوا يقول لأخيه أنه« لا يخشاه اليتة » فيما شرع فيه من « عملية اقتحام 
البرديات » لأنه رجل حقود وليس أنانى » . فهل كان هذا الشاب الذى ادعى أنه 
« عليم بعالم العلماء » يعتقد بالفعل أن ذلك الباحث يختلف فى هذا عن أغلبية أقرانه 
من العلماء ؟ على الرغم من كونه « حقود وأناني » فإن نشر « يوليكارب » لكتايه « أيحاث 


180 


نقدية وتاريخية فى اللغة المصرية » عام 16.05 اعتبر حدثاً هاماً وصفق له بحرارة 
واعتبر كذلك من المرشد سيلقاستر دوساسى . 

وقد زاد هذا من غيظ جان -- فرنسوا : هل سيسبقه هذا « الحقود » ( أجمع الكل 
على نعته بهذه الصفة ) فى أبحاثه .. فى ربيع 16:4 عاد« صغير » إلى العمل فى 
« قواعد اللغة القبطية » الذى كان قد شرع فى تحريرها . وراح يملأ الصفحات كتابة 
الأب يترسان . فقد أقنع نفسه وحاول إقناع أخيه بأن العمل الحقيقى لم ييدأ بعد وأن 
FE PO RTS‏ البرديات . فهو إذن 

الجزء الأول من كتاب وصف مصمر الذى سيتشر قوربيه مقدمقه فى العام التالي 
ظهر فى يونيو ۱۸٠۹‏ . فهل أتى هذا الجزء المنشور بجديد حول الموضوع الهام ؟ 
يعترف صغير على مضض فى خطاب بتاريخ ١7‏ يونيو أن المؤلف جاء فى 
صورة ١‏ مجموعة عظيمة » تخدم ه رسودات جميلة »وفى إذ تتقل يدقة الخمود الت 
بمحاولات فك ألغاز الهيروغليفية التى قام بها أعضا » لجنة مصر التى يرأبسها جومار 
فيعتيرها چان - فرنسوا » تفسيرات كماء المخللات ( الطرشى ) ... » طاخ !! 

ماذا يقول عن الرواد فى مجال فك الشفرة ؟ ما أن يبدأ الحديث حول الموضوع 

« كل ما قاله من السلات كيرشار وجابوانسكي وقاريورقون الخ . .. لايجدى إلا 
فى إثبات أن أحداً لم يفهم شيئا ولن يفهموا شيئا أبداً [ [« 

وماذا عما قيل عن أن الدانماركى زويجا أصبح على الدرب ؟ الرد : « السيد 
الفارس زويجا قام بتجميع كمية هائلة من المواد الأولية ليبنى بها مبنى ضخم [ ... ] 
إلا أنه لم يضع لبنة واحدة فوق أخرى ». 

والسويدى ٠‏ كرباد ؟ الرد : « لقد اعترف ينفسه للأب تيرسان والذى أقر لى 
شخصيا بذلك أنه على الرغم من أبجديته واكتشافاته الجميلة لا يمكنه قراءة ثلاث 
كلمات على التوالى فى نص مصرى . » 

مهما كانت درجة قسوته على من سبقوه وعلى منافسيه فإن جان - فرنسوا 


181 


شامبوليون كان يعترف فى ذلك العام ۱۸۰۹ أنه لا يزال يبحث عن طريقه وأنه يواجه 
صعابا حتى قى تحديد أسس يحثه ذاتها . وذلك فيما يتعلق يما أسماه بيساطة «١‏ الخط 
المكتوب » . ولذلك فهو يعمل بجد ليتمكن تماماً من اللغة القبطية . فهى على يقين أنه 
يقف هنا على أرض صلبة يمكن أن يشيد فوقها وهى مطمئن . 

سبق وذكرنا محاوراثه المستمرة منذ نهاية عام ۱۸٠۷‏ فى كنيسة سان روش 
الكائنه بالقرب من مسكنه مع القس شيفتيش » وكنيته « باسا » . وكانت هذه العلاقة 
بالنسبة له كنزا لايفنى . إل أنه اكتشف أيضاً فى المكتبة الإمبراطورية مخطوطا باللغة 
القبطية ظهرت فيه أسماء المدن المصرية مكتوبة بطريقة تؤكد افتراضاته » وأيده فى ' 

أخذ باحثنا الشاب وفى يده نسخة العهد الجديد باللغة القبطية التى أعارها له 
الأب تيرسان ينقل يطريقة منظمة المخطوطات القبطية الموجودة فى المكتبة الوطئية › 
هكذا اتدقع فى طريقه,. 

خلال صيف ١808‏ شرع فى دراسة قواعد « اللهجة الطيباوية - الصعيدية » 

وسنجده فى مارس وابزيل من عام 14٠١5‏ وقد تفرغ تماماً لدراسة وممارسة اللغة 
القبطية : 


« إنى متفرغ تماماً للفة القبطية [..] أود أن تكون درايتى بهذه اللفة كالفرنسية 
تماما لأن عملى الضخم عن البرديات المصرية سيقوم على أساسها [...] لغتى 
القبطية تتحسن ياستمرار وأجد فى ممارستها سعادة كبيرة حقا إذ يمكنك أن 
تتخيل أن سعادة الحديث يلغة أمينوفيس ورمسيس وتحتمس ٠‏ لايمكن أن تكون 
صغيرة . [...] أما عن اللغة القبطية فأنا لا أفعل شيئا آخر أنا لا أحلم إلا بالقبطى ٠‏ . 
ولا أفعل غير هذا . لا أحلم إلا بالقبطى ؛ المصرى [...] لقد ألفت )١(‏ قواعد لغة 
طيبة - صعيدية ( الوحيدة فى العالم ) (؟) كتاب عن لهجة ممفيس (؟) مقارنة بين - 
اللهجتين (5) نقلت قواعد اللغة الصعيدية إلى اللغة العربية من النص القبطى (ه) 
نستت النصوص )١(‏ ألفت الحرف أ من قاموس صعيدى ( لا يوجد قاموس 
أصاد ) (۷) انتهيت من سبعة حروف من قاموس الهجة الممفيسية مبنيا على چذور 
الكلمات . [ ... ] 


182 


أصبحت قبطياً لدرجة أنى أسلئ نفسى بترجمة كل ما يخطر على بالى إلى اللغة 
القبطية ؟ وأتحدث مع نفسى بالقبطى ( شرط ألا يسمعنى أحد ) وهذه هى الطريقة 
الوحيدة الثى ستدخل لغفتى المصرية الخالصة داخل رأسى . بعد ذاك ساقتحم 
اليرديات ويفضل قب قيمتى البطولية أمل أن أتى هليها . لقد خطوت خطوة كبيرة إن 
أعتير شخصيا اللغة القبطية أكثر اللقات كمالاً وأكثر اللغات المعروفة عقلانية ... 


الملاحظ أنه لايتحدث عن الهيروغليفية وأئما عن البرديات . فهل يرجع ذلك إلى أنه 
كان يعتقد أن اللغة المقبسة فى مصر القديمة كانت تستخدم فى هذا الشكل أساساً ؟ 
لقد لاحظ هو مع ذلك أنها فى صورتها المستخدمة فى المعايد تستحق الدرابسة أيضا . 

ففى 8؟ يوليى 1404 أى قبل عدة أشهر اكتشف مع صديقه دويوا النحات الممتاز 
الذى درس فى إيطاليا « فى حديقة الكونت دو شوازول الجزء الأعلى من مسلة من 
الجرانيت ونحتها وهى الوحيدة التى رأيتها محملة بهيروغليفيات دقيقة وجميلة بهذا 
الشكل » . صب الصديقان وجهاً من المسلة . يعلن جان فرنسوا لأخيه بعد ذلك 
بأسبوعين أنه سوف يبعث إليه يبعض القطع الجميلة التى صبها له دوب : رأس 
مصرية ويارولييف من طيبه وكذاك « تمثال مصري صغير جميل للغاية » قال أنه أخذه 
من الكساندر لونوار ى« اوحة صغيرة هيروخليفية منقولة من مسلة شوا شوازول » . 

وهكذا ظهر له يعد جديد يتمين به هذا العالم الذى اعتزم سبر أغواره قبل أى شئ 
آخر وهى بعده الجمالى . ولا يعنى ذلك أنه لم يكن قد لمس منذ البداية جمال الفن 
المصرى فقد فضله على جميع يع الفنون الأخرى ولكن لكونه هى نفسه رساما فقد تمكن 
مع دويوا من كشف الجوانب الخاصة بالرسم والشكل والتعبير فى الكتابات التعبيرية 
الكهنة المصريين 

فقد ظهر له بوضوح تام أن هذه الكتابة لم تكن تستهدف فقط وظيفتها الاتصالية 
إنها تحمل أشياء أخرى كثيرة متمثلة فى رسالة مقسسة تؤدى الجماليات فيها دورها 
بصفتها قريانا مرفوعا إلى الآلهة . تكّمن هنا إخدى اشراقات شامبوليون الذهنية التى 
هى إحدى الطرق التى بسيسلكها الوصول إلى اكتشافه ألا وهو الوعى بالجانب الجمالى 
ويمعانى الجمال التى تتمتع بها هذه الكتابة . 

لنلاحظ هنا أن انغماسه الكامل داخل الثقافة المصرية اضطره إلى مراجعة 
فاصلة للأفكار التى كان يعتنقها بالنسبة للثقافة العبرية . فلسنين طويلة ومنذ أن بدأ 


183 « 


دراسة الكتاب المقدس فى مدرسة الأب دوسار جعل منه مركزا لجميع أبماثه فى 
الأمور الشرقية فأصبح بالنسبة له الجزع المشترك لثقافات الشرق التى'لا تتعدى كونها 
روافد لهذا الذهر الكبير . 

ها هى فجاة يزيع اليهود إلى دور هامشى شاجباً « اليهود الجهلة , المؤمنين 
بالخرافات الذين يدعون أن الأب الطيب إبراهيم والكهنة اليهود قد علموا قواعد 
الحساب الأريعة والفنون جميعا للمصريين . » . وستجد قلمه قد كتب كلاماً قاسياً 
تحى هذه « الجماعة اليائسة وى« الملك الصغير سليمان » الذين يدعون أنه فى 
إستطاعتهم أن يتافسوا فى تاريخ البشرية حضارة أهل النيل ... مناهض اليهود مثل 
متاهضة ثولتير لهم وهو سيعمل على التقليل من حدتها فيما بعد وهى لا تنتسب بأأى 
شكل مع مناهضية السامية الحديثة . 

كان ربيع 14.5 بالنسبة لجان -- قرنسوا شامبواليون رييع الآمال المضطرية , 
كانت أبحاثه بالفعل لاتعود عليه سوى بخليط من الإشارات المواتية وخيبة الأمل . لكذه 
ريما توصل إلى استعادة الروابط المتناغمه مع أخيه وكانت قد مرت بأزمة كما رأينا 
خادل الخريف ؛ كما أنه بدأ يعيش وذلك لأول مرة منذ وصوله إلى باريس مغامرة 
عاطفية سنعود إلى الحديث عنها . يبدى أن هذه التجرية قد حركت فيه جذوة - كاد 
تردده على الأوساط الباريسية الجامعية والسياسية - أن يطفتها . 

فيما يتعلق يأعماله فى الأبحاث المصرية القديمة أصبع الأمر أشبه بالإستحمام 
على الطريقة الاسكتلندية » فقد توالى عليه بخصوصها الساخن والبارد حسبما جاء 
فى رسائله لآخيه . فقى أحد أسابيع شهر أبريل كان الأمل هو السائد : 

« البرديات أراها أمامى طول الوقت . إنه أكليل من الغار جميل إذا خصلت عليه : 
آمل أن يكون من تصيبى ! » 
الأسبوع التالى تملكه الغيظ : 


« وجدت معنى واضحاً à‏ متماشياً مع الظروف وأسلويه متاسب .. ومع ذلك لم أحقق 
قمت بدرابستها وأمعنت فيها التفكير دون جدوى ... لم أقهم منها شيئا ! « 


فى الأسيوع الثالث : الأمل هى السائد : 


184 


» بتشجيعك لى على المضى فى أبحاثى على البرديات تحضنى على المثابرة فى 
التمسك بالنتائج التى توصملت إليها وهى إنى على علم بما أريد . ساصل إلى هدفى 
ill‏ . » 

الأسبوع الرابع . فى بداية شهر يونيى ٠‏ ظهر التخوف على السطح : 
« سآقوم بتجرية طريقتك لقراءة حجر رشيد . أخشى كثيرا أن تكون مجهوداتنا بلا 
طائل , لأن قواميسنا القبطية تضم عددا من الكلمات محدودة المعنى لدرجة تحد 
الأمل فى التوصل إلى ترجمة كاملة لكل الجمل اليونانية إلى كلمات محددة 
مصرية ( قديمة ) ومع ذلك فالمركب سائرة ! » 

وفى ١١‏ يوني » نجد هذه الخلاصة الحزينة المؤقتة : 
« المحاولة التى قمت بها على النص المصرى لم تأتى بأية نتيجة .. أإسماء الأعلام 
التى قرأتها مما قرأها أى كربالد ( علما بأتنا غير متفقين فى طريقة الفصل بين 
الحروف البسيطة ) لا تتطابق مع النص اليونانى - وعليه فإن الخط التى طلب منى 
السير عليه لم يؤد لشئ » فهى قائم على أساس التطابق الكامل بين النصين اليونانى 


والمركب تسير !!.... الإحباطات كانت كثيرة . علما بأن « صغير »لما يكن قد 
تخطى بعد دراسة الخط المتصل إلا أنه كان قد تخطى الأزمة التى عملت فى نهاية 
صيف ۱۸۰۸ على تسميم علاقته بچاك جوزيف خاصة وأن يقظة هذا الأخير كانت 
أحيانا تأخذ أشكالا تثير السخط . الطلبات والتنبيهات والإنذارات والمهمات والاتهامات 
والمعاتيات والتساؤلات والتأنيبات والمحاضرات فى الاقتصاد فى الانفاق والاستدعاءات 
والاحتجاجات والتوييخات التى كانت تنهال من مدينة جرونويل على المترجل فى شوارع 
باريس أخذت شيئا فشيئا شكل الإزعاج المنظم . جاك جوزيف كانت له صفات حميدة 
عظيمة وان نكل من تكرار أن لولا وقوفه بجاتبه لكانت عبقرية حجان فرنسوا 
السيكلوتيمية ( المتذبذبة بين حالات النشاط العظيم والإحباط العميق ) ( المترجم ) قد 
غاصت فى أعماق القلق والحزن » ومع ذلك فلقد كان حقا هذا الجاك - جوزيف إنسانا 
مزعجاً إذا أردنا الكلام عنه بصراحة هذا الجاك - جوزيف . وها هى الدليل . 

فقد قرر الأخ الأكبر أن يتقدم لشغل وظيفة مفتش بالأكاديمية التعليمية لمدينة . 


185 


جرونويل . فأمر « صغير » فى نهاية مارس 1808 بأن يستخدم « جميع الوسائل التى 
تجعله ينجح فى مسعاه [..] اثبت إلى جائب الينابيع التى ستندفع متها سعادة كبيرة 
لى وللإسرة كلها [ ...] إمزج بين الوسائل والتمس الحصول على تسهيلات وحرك 
الأشخاص الذين يستطيعون مساعدتى على بلوغ هدفى » . 

جميل ! ولكن بعد ذلك تبدأ المدفعية الثقيلة ! الطلقة الأولى فى شكل زوج من 
الأمثلة العامة المشبعة بالجى العام السائد فى ذلك العهد . عهد تاليران وفوشيه : 
» المكيدة حويطة » يجب أن نكون أكثر حيطة » و « فى إمكانك أن تفعل بشخص كل ما 
تريد إن عرفت من أى جانب تأخذه » ( إلا أن شامبوليون - فيجاك لم يوضح ماهو 
هذا الجانب ) لابد لنا أن نختتم هذه الدروس فى الحياة من الأخ الكبير إلى الأصغر 
بهذا المبدأ الذى تلى مأ سبق بيضعة أسابيع « إن المبداً يعلى دائئما على المكيدة 
ولكنها إذا فرضت عليئا فلتكد .» . 

فى 58 أغسطس ؛ « . أمامتا بعض المنافسين , إذا لم نكن يقذلين فإِن « فاجى » 
هى الذى سينال ( الوظيفة ) [ ... ] اكتب لي |..] اذهب واستعلم من ill‏ الأصلى 
وثبه الجميع » ثم فی ۲٤‏ سدثمين « .. ساجد تقسى مضطرا! إلى أن أكتب إليك أخيار 
باريس من جروئويل 1 ... ] لايمكن أن أعتمد عليك فى مهام كهذه [..] هذه هى 
نتيجة أن تعيش منعزلا أو وسدل أشخاص تنعكس عليهم التفاهات التى يسمعونها أو 
شي أصبحت غير محتملة [... ]| يجب أن تستوفى هذه الطلبات وأن تقول لى بشكل 
نهائى إذا كان فى إمكانى أن أطلب منك القيام يهذه المهام [...] لأن الماضى لا يسمح 
لى بالاعتماد على تعاونك ولا حتى على حماسك » . 

وإذا À Gil La‏ أكتوير نكون قد وصلنا إلى مرحلة الايتزاز المالى : « فلان 
مسرور ... وغلان غير مسرون ... إنكما * إن تحصلا علي نقودى وإذا لم أرسل أى 
تقود كل شهر فعليكما الانتظار ! عندما لا يفكر المرء إلا فى نفسه فهو يجعل الآخرين 
يفكرون فى أنفسهم . وهو ما سأقعله [ ..] خطابك تضمن العديد من الذفقات غير 
الضرورية [ ... ] بيرة وقهوة وركوب عريات والخروج إلى الريف [ ... | هل يمكن أن 
تقول لى مع من هذه القهوة وهذه البيرة a ( oe‏ 


* حان قرنسوا وصاحب الدار مسیی فوچا . 


186 


مهما كان وفاؤه لأخيه وراعيه و« مدير أعماله » العلمى فإن جان - فرنسوا لم 
يتمكن من أن يكتم غيظه الذى تسبب فيه عند أخيه وأيضا ميله إلى معاملته معاملة 
الساعى أو حتى المشتبه فيه : 
فی ۲۹ پسبتمپر : | 
« إنك تشكى كثيرا من إهمالى إلا إنى أريد أن أراك مكانى . أنت الذى تعائقه زويه 
[ وتدلله ] بولين وتهندمه مدام بريزون أى أن المنزل بكل من فيه يحتضنه أود أن 
أراك فى [..] وسط أوحال باريس تهرول من طرفها إلى الطرف المقابل . فى النهاية 
( هنا يتضخم الخط كما لى كان يعبر عن إنحناءة التحية ) ستقوم بتنفيذ طلباتك 
مهما كانت ». 
« مهما كانت »لها معان كثيرة . لأن المشاوير التى يقوم بها من أجل أخيه 
تستحق كل معنى لها . فهو يركض من ال مكتبة الإمبراطورية التى كانت كائنة - بالقرب 
من المقر الحالى للمكتبة الوطنية بشارع ريشوليو إلى الكولاج دو فرانس مارا 
بالشوارع المزدحمة جداً المحيطة باللوقر وتحترقه ثم كويرى « البونوف » كل ذلك كان 
يشغل جزءاً كبيرا من أيام الطالب . 
بعد ذلك ويعد أن يوؤدى عمله كان عليه أن يجرى من حديقة النباتات إلى شارم 
» الباك » الحالى ومن حى « الماريه » حيث يقيم دوم رافائيل إلى مكتبة مازارين 3 
فرسخ فى اليوم يقطعها وقد أصبح متسخاً ويتصبب عرقاً لدرجة التشبع وهى يلهث 
فيسخن » كما تعود أن يقول ؛ إنها مهنة صعبة للغاية أن يكون المرء قائما بأعمال جاك 
- جوزيف شامبواليون شامبوايون - فيجاك ! ساع أم حمال ؟ من المؤكد أن الأخ 
الصغير لم يسرق حماية أخيه ولا مساعدته له .. 
وها هى صرخة التمرد تتطلق فى ٠١‏ أكتوبر ۱۸٠۸‏ من الشاب وكان قد غاص, 
ثماما فى ععلية فك شفرة حديث الألهة فاصبع غير قادر على تحمل معادلة ساعى 
التلغراف غير الواعى 


« عزيزى * 


هل أنت حقاً الذى كتب الخطاب الذى استلمته ؟ [...] إذا لم أنقذ حرقيا أوامرك 


« التخاطي المعتاد كما نعرف هى : « أخى العزيز جدأ » . 


187 


مقايل التقود التى ترسلها لى فذلك لأنى أعتقد أن لدى أسباب تجهلها أنت لكى ` 
أتصرف بشكل مختلف . فيما عدا الاحترام الذى أكته لكل ما هى صادر من بابكم 
العالى [..] كان من المقروض أن تعلم منذ زمن بعيد كم يكد مسيو فوجا لكى يتمكن 
من إعاشة عائلته وهو يعمل من الصباح إلى المساء كالعبيد [..] إنك تعلم ثماما أنه 
طلب منك [..] تسديد الإيجار مقدماً كل شهر [..] كثيرا ماكنت تجعله ينتظر حتى 
0 من الشهر قبل أن تسدد له الشهر السابق [..] يبدو أنتك تجد من واجيك أن 
تجعلنا ننتظر ومع ذلك فأنت تختم دائماً خطاباتك بالمواعظ . لعلك تعرف أنه من 
القسوة بمكان أن تجد أشخاصاً تعساء ( من كثرة كرمك طيهم ) بأن يذكروك 
تكراراً بؤفضمعهم المؤلم [..] حاول أن ترسل الشهريات مقدما لأننى أنذرك بأنى 
أفضل أن أتسول خبزى أى أن أقيم فى آخر كوخ فى شارع سان مارسى على أن 
أرى الألم ( الذى أسببه ) لأشخاص أدين لهم بمكرمات عديدة . 

اسمح لى أن أقول لك أيضا أنك تبحث عن مصلحتك أكشر مما يجب لأنك تشعر أن 
کل شئ ضاح إذا ما لاحظت أن أحدأً أعطاني بعض النقود أى أصطحيتى أحدهم 
إلى الريف ليرفه عنى أو إذا أنا أكرمت أشخاصا يستحقون ذلك [...] إنك بتصرفك 
هذا تيدى كما لى أنك تلومنى على كل ما قمت به من أجلى . اقد أديت لى الكثير 
وسوف أتذكر ذلك ما حييت وإنى لك لممتن كما يتحتم على أن أكون . ولكنى لا أريدك 
أن تتحرج يأى شكل من أحلى : إنك لست مستا لى بشئ وأنا مدين لك بكل شئ ! .. ». 


هذا الشاب نى الدم الحامى لدرجة أن يثور بهذا الشكل على من يحب هل كان من 
ناحية أخرى عرضة لفكرة واحدة ملحة تعذبه وتجعله حبيس أبحاثه ورموزه 
بالكامل ؟ هل هى رجل الحب الواحد والرغبة الواحدة والأمل الواحد ؟ كلا ! فى 
خريف ۱۸١۸‏ وفى تفس اللحظة الثى تعقدت فيها داخل رأسه معطيات المسألة 
الكبرى - كما رأينا - دون أن تظهر له حلولها والتى مرت فيها علاقته بأخيه 
بأزمة حادة نراه يقع فى الغرام مظه مثل العديد من الأولاد فى سن السابعة 
عشرة أو الثامنة مشرة . يبدو أنه قابل ثانى امرأة أحبها فى حياته خلال فترة 
الإجازة » وکان يمضيها فى باريس وهو مشغول جدا كما رأينا واكن دون أن 
تقيده واجباته الجامعية . 


188 


إننا لانكاد نعرف أى شئ عن لويز ديشان. * سوى أنها زوجه أحد الموظلفين وكان 
يكبرها بكثير وكان يعمل فى وزارة الحرب . وكان حجان فرنسوا يتردد على هذه الوزارة 
يسبب علاقته بصديقه فوجاس الذى كان يعمل هناك . من المحتمل على كل حال أنه 
كان يقابل بيعض زملائه أيضا ويدعى لزيارتهم فى بيوتهم . كل ما نعرفه مما نستشفه 
من مراسلاته مع جاك -- جوزيف أن صديقنا الشاب قد وقع غرام يهذه السيدة التى 
ملكت قلبه لمدة عامبين - أول المؤشرات ظهرت فى خريف 148.08 ** وفى ۱۸۱۱١‏ فى 
جرونويل ali‏ حجان - فرنسوا بمحاولة فى اتجاهها - وكان ولعه لها قد وصل إلى حد 
أن العاشق راودته فكرة التضحية بطموحاته الجامعية أو على الأقل بأبحاثه . 


هل لأن چاك - جوزيف قد يدأ يشتم رائحة مغامرة « باريسيه » كائت ستجرف 
أخاه بعيداً فاختار أن يفقد وجود قائم لأعماله فى باريس وراح يغريه باحتمال تعيينه 
فى وظيفة أستاذ للتاريخ فى جامعة جرونويل ؟ احتمال ولكن لايمكن الجزم به ؟ فى 
نهاية شهر مارس ١4608‏ وفى إطار وصقه لما ستكون عليه الجامعة الإمبراطورية أن 
قترح جاك - جوزيف على أخيه أن يعود إلى بيته ليكمل حياته الجامعية مضيفا : 
« حيث يكون المرء سعيداً » هذا هو الوطن » !! لقد نبتت الفكرة ويدأت تختمر قبل 
ظهور لويز فى حياة الشاب الصغير . لكن كان على فيجاك أن يضع في حساباته أى 
إيحاءة بالموافقة من چان - فرنسوا على فكرة تدريس التاريخ فى أى مكان لكي يحاول 
أن يجذب أخاه ناحيته لينتزعه من « هذا الغرام الاثم » وذلك لدى تأزم الموقف . جاء رد 
جان - فرنسوا حادا ويكاد لايخفى السبب الذى يريطه بباريس : 


يبدو لى أننا قمنا بإجراء سئ بمحاولة إيجاد وظيفة لى - فما هى الذى يمكننى أن 
أؤديه فى الجامعة ؟ ماهو كرسى التاريغ هذا » على فرض أن هتاك بالفعل كرسيا 
له ؟ هل يتعين على أن أبقى - كما تفرض ذلك اللوائح - عشر سنوات عبداً للحكومة 
لا أتحكم فى شخص ولا فيما تريد أن تقدم عليه يدي ؟ إن ذلك يعد ضريا من 
الرهبنة وأنا است على استعداد لترويض حبى لحريتى ولا أن أضمن أيضا بقاء قلبى صامتا . 
فما أصدق هذا المثل الشرقى : « قد تستطيع أن تسيطر على الرياح أن تنتزع السلاح 
من يد رستم بأسهل من أن تسيطر على قلب المحب , كما أنك لايمكن أن تتتزع من 
الوجد العنف طلما أن الحب هو المبدأ . [...] [ توجد هنا صفحة بأكملها ناقصة . 


. ياقى اسمها معدو من الخطاب الوحيد المحفوظ والذى جاء ذكرها فيه‎ à 
أغسطس 1808 كان لايزال يلح فى طلب أخبار يولين . ثم يتوقف تماما عن ذلك فى‎ "١ حتى‎ ++ 
... أكتوير‎ 


189 


فهل كان هذا صدفة ؟ .. وينتهى عرض جاك - فرنسوا بهذه الكلمات قجأة ] .. 
حتى من الاستشراق أ الأقكار المثيرة جتسياً ». 
مثيرة جنسياً.. لعله ذهب فى تلميحاته أبعد مما يمكن أن تتحمله أعصاب ساكتى 
منزل جرونويل . فى ؟؟ أكتوير ويعد أن اشتكى من أن أخبار زويه لم تصله أضاف فى 
أن ذلك حدث لعدم اختيارى تعبيرات متزنة . أقد تحدثت بصراحة وإنى تادم بعض 
الشئ لاذلم الذى سيبه ذلك لكم » . 
بعك بضصعة أيام أخذ يتوسل لأخيه أن يسمح له بأن تكون ملابسه أقل إثارة 
للسخرية وأقل ريفية وذلك بأسلوب موّثر يكشف عن وجود اهتمامات جديدة : 
غير أن هذا التحفظ لا يدوم طويلاً وتنفجر العواطف من جديد فى 
۸ فوفمیر : 
« سبق أن قلت لى آلاف المرات أنك لا تريد لى سوي السعادة [...] وهي ما يجعلنى 
أفاتحك قى موضوع له أهمية بالغة وتتوقف عليه سعادتى الحالية والمستقيلية . لعلك 
ستندهش مما آرمی إلیه ولکنی آرید ~ قبل أن أعترف لك بما یحدث فی قلہی ويما 
عزمت على القيام يه - أن أحصل على وعد متك بأن بيقى ذلك [ ...] بيثنا ققط وألا 
تعلم به زويةه أى أحد آخر قى العالم [...] آمل آلا تعترض على أعز أمال آخيك على 
الإطلاق .» 
وتتصاعد النبرات مع مرور الشهور . إزاء حث جاك - جوزيف له بأن « يتشكك » 
« # . 
بشئ من الحدة : « إذا كان قلبى قد ترك نفسه يقع فى الأسر فهى سيجد الطريقة التى 
يشفى بها أو أن القدر هن الذى سيواسيه ». | 
عودة إلى بايرون ؟ د القدر 3,34 المكتوبي » همأ مرجعه سواء كان الحديث عن 
غرامياته أى عن مغامراته العلمية : 


190 


« أجد نفسى مدفوعاً من عقلى دون ميولى ومن قلبى دون أى مقاومة ممكنة فى دروب 
وعرة تنتشر عليها الحواجز الحادة التى تتوالى فى طريقى دون أن يكون لها آخر . 
هذا هو قدرى وعلئ أن أتقبله مهما كان الثمن » . 
ومع ذلك فإن « قضية لويز » لم تحفظ بعد .من غير المعروف إذا کان چان 
فرنسوا قد قطع علاقاته بالسيدة الشابة فى سبتمبر ۱۸٠۹‏ أم لا . من المؤكد أنه أخذ 
يحاول بعد ذلك بسنة ونصف - وكان قد أقام فى جرونويل - أن يبعث إليها برسالة . 
لقد سبق وأشرنا إلى « خدمة » لاتنسى كان قد طلبها من زميله جان بسان مارتان . 
ففى ه مايى ١4١١‏ وصلت لهذا الصديق الملقب« الأرمنى » هذه الرسالة * من جرونويل : 
« موضوعنا اليوم لا علاقة له باللغة القبطية أى الفارسية بل أحدثك اليوم عن لحب . 
ستوضح لك الرسالة المرفقة بعض الشئ ما أرمى إليه [..] حاول أن تكتشف .قرها 
وأن تسلمها الخطاب فى يدها شخصياً ولابد أنك تعرف السلبيات التى قد تحدث لى 
أنه وقع فى يد السيد د ... 
أترك لصداقتك لى عناء إيجاد الوسيلة الحذرة للنجاح فى هذه المهمة . [..] أرسل 
بوزارة الحرب [...] وساعتها ستعرف مقرها . إذا كانت الخادمة جوليان لا تذال 
تعمل هناك تحدث معها . فهى قى صفنا وستعلم أين تجد العزيزة ... ولا تسام 
الرسالة إلا إذا تيقنت تماماً أتها ستتسلمها دون ما خطر [..] فى سوأ الظروف 
يبقى سرأً بينى ويينك .. » . 
لا نعلم شيئا عن بقية القصة , هل سامحت لويز جان - فرنسوا لسفره فى 
أكتوير 1805 هل أحبته بالفعل ؟ ليس من المتاح مراجعة مراسلتهما . الواقع أنها 


3 TT + ص«‎ ss, es 
)3(. ترملت بعد سنتين وتزوجت من آخر‎ 


+ تفضل بتقديم هذا المستند لنا السيد / جانو كيتيل ٠‏ وهى جامعى من إمارة لوكسميرج وقفق 
يخصص بحثه فى رسالة الدكتوراة لدراسة مخطوطات شاميوليون الصغير . 


191 


لم تكن إشارة جاك - جوزيف إلى التدريس فى كلية جرونويل مناورة فقط من 
الوصى الذى يريد أن ييعد الموصى عليه بسرعة عن مغامرة حب لا أمل فيها إذ أن 
الشاب قد نجح وهى ما زال فى الثامنة عشرة من عمره فى أن يلفت إليه الأنظار 
والتعاطف لدرجة أن مسي دى فوتتان الرئيس الأعلى للجامعة الإمبراطورية ألمح فى 
شهر يوليى 14.5 إلى إمكانية تعبيئه مساعد مدرس للتاريخ القديم فى جامعة جرونويل . 
كان عمره ثمانية عشر عاماً ونصف العام حينذاك فلزم التنويه . حدثت فى ذلك الوقت 

بعض الصراعات داخل إدارة التعليم العام وانتشرت شائعات عن احتمال أن يكون 
دى فونتان من المغضوب عليهم فتعطل تعيين الشاب لشهرين أو ثلاثة . وقد تزامن 
تعبینه مع تعيين مزدوج لجاك جوزيف فى وظيفتين فى وقت واحد : أميناً لمكتبة المدينة 
Lo 949‏ كان يحلم به لعدة سنوات وأستاذاً للحضارة اليونانية فى الجامعة وكان قيل 
ذلك أمينا Late‏ لأكاديمية جرونويل ومديرا لحوليات مقاطعة الإيزار : كان أكبر الأخوين 
شامبوليون يجمع المراكز الهامة بين يديه . 

وهكذا أصبحت الرياح مواتية لسفينة أينى صاحب مكتية فيجاك . فبيثما كان 
الكبير يفرض نقسه على مقترق طرق العلوم والصحافة والقمم الجامعية كان جان - 
فرنسوا وكنيته « صغيرن » أو « أسد سعيد المنصور » أو« المصرى » مطلوياً ليقوم 
بتدريس طلبة الدوفينيه وهو فى السن الذى يحاول فيها البعض الحصول على درجة 
الليسانس . 


حظ سئ للويز .. وكرباج للأمام يا سائق المركبة !! . 


192 


۵ - أستاذ فى سن العشرين 


جامعة وليدة - بدون عقد ... جرونويل مدينة نموذجية - تصور خاص للتاريخ - 
«د بازاجية » فى ا محافظة - تخدير ساس - الحرب على كاترومار ! -« أساس 


ا منظومة الهيروظليفية ..... » . 


« تباً ! - زأر الإمبراطور - من الأفضل غزى إنجلترا عن القيام يكل هذه 
الجلية .. » فى ١5‏ فيراير 18.4 بينما كان مستشارى الأمير يلحون على سرعة تنفيد 
مشروع إقامة الجامعة الإمبراطورية صرخ فيهم نابوليون بهذه الجملة المتشددة وقد 
نقلها جان - فرنسوا إلى جاك - جوزيف نقلا عن نص مكتوب حصل عليه من 

لم ييئس فوركروا ولا سلفه فونتان .. وما لم يتمكن الإمبراطور من النزول على 
شواطئ دوقر فقد أكتفى بهذا الانتصار السلمى أى إنشاء جامعة موحدة على المستوى 
الوطنى . تم إعتماد المشروع الذى إضطر فوركروا أن يعدلّه ثمانية وعشرين مرة بناء 
على الرغبات السامية قبل أن يسلمه لنابوليون فى ١‏ نوفمبر 16-5 بعد أسابيع قليلة 
من عودة جان - فرنسوا شامبوليون إلى مدينة جرونوبل . 

اندرج الشاب فى صلب هذه المنظومة الوليدة معيداً بذلك علاقاته بالمديئة التى 
بلور فيها موهبته وأكتشف الطريق المؤدى إلى مصر بعد أن بسلك عدة منحنيات فريدة 
الشأن ولكن مدفوعا فى اجتيازه بولعه الذى ملك عليه وجدانه . لم يعد إلى جرونويل . 
عودة الأبن الضال ملفوظا من « عاصمة فرنسا القذرة » أو كما أطلق فيما بعد عليها 
إسم « بابل » أى كان فى حالة يئس سببتها له تجاريه المرة بها . ولكنه عاد رجلا أثبت 
ذاته بما يكفى من إنجازات معترفاً بها أدت إلى حصوله على مركز فى التعليم العالى 
وهى ما زال فى الثامتة عشرة .. | 

قبل ذلك بستة أشهر كتب يقول لأخيه : « لا أتوقع الكثير نتيجة لما قد تسفر عنه 
دراساتى . هل يمكن أن تجد لى طريقا أخر يتفق قليلا وميولى الشخصية ؟ » كما 


193 


ستكتشف أنه شك تماماً فى ذاته حتى أنه تصور يوما أن يصبح موثقاً للعقود . أما 
الآن قيمكن أن ترى خط مستقبله واضحا أمامه . فقد أصيح - على الحلوة والمرة - 
Kk st «‏ 
من المثقفين 

رضخ رئيس الجامعة فونتان » لضغوط جاك - چوزيف وعين چان - فرنسوا 
مساعد es‏ للتاريخ القديم . بل وذهب إلى أبعد من ذلك بأن جعل التعيين بأثر رجعى 

مومع فاك يجب آلا تد اعود هذه إلى الاي نصرا مبيناً la.‏ | کان أصغر 
ويولين وأسرتها آل بيريا وكذلك أوجوستان تيقونى oh.‏ إحساساً بالفشل المزدوج كان 
بعتصرة . 

فقد اضطر إلى ترك لويز وهى فى قمة التعلق بها وإذا كنا لم نعثر على دليل 
يوضع الجى الذى تم فيه إنفصالهما عن بعض إلا أنه فى إستطاعتنا أن نتصور مدى 
التمزق العاطفى الذى حدث له من جراء ذاك . إن مراسلاته الباريسية خلال ١4:5‏ 
وكذلك بعض م ا التالية د تشين إلى أن 

ومما ؤاد من كلمه أن طموحه الفكرى العظيم à‏ على A‏ الهول وهو 
ما ملك عليه عقله لمدة ثلاث سنوات ٠‏ لم يسفر سوى عن بعض التقريبيات الهشة . وقد 
يتساعل البعض كيف يتجرأ مراهق على الاعتقاد بأن فى إمكانه أن ينتصر خلال بضع 
عشرات من الأشهر فيما تعثر ت فيه لسنين طويلة عقول عالية القدر مثل زويجا وساسى 
وأكريواد ؟ 

من المؤكد لدينا وبصوة نهائية أن أصغر الشقيقين شامبوليون لم يدخل فى 
إعتبارة أى عامل من عوامل الأجيال أو الرهبة الناجمة عن صغر السن أو عقدة 
الإاحساس بالنقص التى قد تترتب عن ذلك . 

لم تكن إجتهاداته بأى حال من الأحوال صادرة عن طفل ناضج قبل الميعاد وقح 
تزداد ثقته الكاذبة بنفسه بمقدار صغر سن : فهى إذا عبر عن تبجيل شكلى نحو دو 
ساسسى ** فهو يفعل ذلك بصفته زميلا مدققاً ومناضلا أى ندا اند ومنافساً . يمكن فى 


+ هل هى مفارقة فى اختيار الكلمة ؟ سندع القارئ يقرر ينفسه . 
»× ليس التبجيل مرادفا حرفيا للإحترام 


194 


هذا المجال اعتبار أن اكتشاف حجر رشيد قى يوليى ۱۷۹١‏ هو العام الأول فى التقريم 
كانوا من معاصريه مع هامش فارق زمنى لا يتعدى ثلاثة أو أربعة أعوام . 

كانت الأشهر التى مضت قد سمحت له أن يعبر عن تصوراته الحدسية وأن يقوم 
ببعض المقارنات التجريبية . وسبق أن ذكرنا بعض هتافات النصر الصادرة منه وكذلك 
بعض تعبيرات التهكم المتعالى على أوكرباك وزويجا وكاترومار . إلا أنها جميعا كانت 
متداخلة كما رأينا من قبل مع إعتراف بالعجز وأنات الألم : ومن هنا جاءت القيمة 
السامية لتشجيع الأخ الأكبر الذى كان موجودا باإستمرار ليزكى جنوة الشجاعة فيه 
عندما يحل به اليأس فيطفاها بسبب تكوينه النفسى المتذبذب بين النشوة والإحباط 
ويسبب التعقيد الرهيب الذى تتميز به المشكلة المطلوب حلها . 

لايد وأن هذا العاشق المجروح وهذا الباحث المستاء قد وجد فى هذه النقلة 
الجامعية الكاسحة إلى أعلى مواساة تعويضية . سنراه يقبل بشجاعة التحدى الراجع 
لقلة خبرته . غير أن التدريس وقد برع فيه لم يكن هو ميله الحقيقى ولا هدفه . لقد 
ذكرنا بعض المراسلات التى أوضحت الأمور تماماً حول هذا الموضوع والتى ذهب فيها 
إلى ذكر صفة « الجن » عند الحديث عن مهنة التدريس * لدرجة أنه قال إنه يبحث عن 
عمل أسمى وأكثر ربحية . 

على الرغم من كل شئ فها هى على إعتاب الاحتفال بعامه التاسع عشر مزود 
بمسئولية محترمة ورفيعة المستوى ستتيح له أن يعبر من خلال تاريخ الشرق القديم عن 
شئ من عبقريته فى اللفغات . هكذا وجدت سهراته ولياليه التى أمضاها فى البحث 
والدراسة فى مدرسة دوسار وليسيه شار,ع نوف وتلك التى قضاها فى شارع إيشال 
سانتونوريه وفى المكتبة الإمبراطورية متنفسا لتعبر فيها عن جدواها بصورة علنية . 

وعلاوة على ذلك لا يغيب عن الذهن أنه من حقه وقد تولى كرسيه التعليمى. قى 
هذه السن الصغيرة أن يستكمر تجربة نالها وهى فى سن أصغر عندما لجأ إليه 
بروسيار أ دران وهى ما زال مراهقا فى السابعة عشر من عمره ليحل محله فى بعض 
الأحيان فى الكولاچ دو فرانس لتدريس اللغة العيرية أمام حضور من « القساوسة ذوى 
الرؤس الجامدة » ؟ 


» علما بأنه سيمارسها بتفان بأشكال مختلقة . 


195 


لقد تغيرت جرونويل منذ أن وطاتها لأول مرة أقدام الطفل إين قيجاك الصغيرة 
تحميها قباقيب الفلاحين وذتلك عندما كان كليبر يحكم مصر وكان الملازم هنرى بايل 
( ستاندال ) يستكشف مقاتن مدينة ميلانون وفتياتها . كانت جرونويل حينذاك مدينة 
متوسطة ( يقطتها ٠۰,٠٠١‏ قي عام ۰ و ۲۳,۰۰۰ قرد فی عام ۱۸۱۰١‏ ) ومازالت 
قابعة فيما بين الأسوار التى شيدها آل كريكى فى القرن الساہع عشر وهما زوج إبنة 
النبيل دوليديجيار وحفيده إلا أن شهرتها كحارسة لجبال الألب وكبرى مدنها كانت 
فائقة . فى الوقت الذى إستقرت فيها الجامعة الإمبراطورية كانت تحتوى على مجموعة 
من المؤسسات الثقافية المتميزة فى ذلك الوقت والتى يرعاها ويشجعها محبون للفن 
وللثقافة من ذوى الفكر المتعمق . كانت المدينة تحت إمرة رجل التنوير المحافظ جوزيف 
فورييه يعاونه عمدة ذى شعبية ونشاط كبيرين هى شارل رونولدون . 

فى نهاية عام ١4.5‏ وإذ كان جان - فرنسوا شامبوليون يستعد لأن يبدأ حياته 
الجامعية مدرسا بها كانت جرونويل تعد إحدى المدن النموذجية للإمبراطورية الفرنسية . 
إلا أن الرأى العام وقد تأثر بالفصاحة الخطابية الليبرالية المتمظة قبل ذلك بعشرين 
عاماً فى بارناف ومونبيه وقيريى , لم ينضمم طواعية تحت اللواء الامبراطورى . 

كانت ذكرى الملكية لا تزال حية تعبر عن نفسها بصور مختلفة : أحد ممثيها 
كان شيرويان بال والد ستاندال . وكان هذا « الجيزويتى » ( أو اليسوعى ) هذا 
« المتطرف » عضوا فى المجلس المحلى يعمل مساعداً العمدة . 

وكانت العقوبية الجاكوبينية نشطة فى المدينة وكان بعض « المثقفين » المحليين 
المشهورين مثل عالم الرياضيات جرى وأمين المكتبة دوكرى وتاجر الكتب فالكون يتبعون 
هذا التيار الفكرى . وتحت قيادة المحافظ المشهور كانت البورجوازية المحلية ( سواء 
كانت بورجوازية مهذية أو مالية ) قد توافقت مع نظام يحفظ الأمن والنظام ويقوم بتفيذ 
أعمال ضدخمة ويشجع الأعمال التجارية والصناعية . 

لم تكن جرونويل من وجهة النظر الثقافية على مستوى أكس ولاسترأسبورح 
ولابيزا . إلا أن مدرسة الليسيه التى ضمت بين طلابها الأوائل شامبوليون الصغير كان" 
يديرها فوركروا وكانت تعتير من أفضل مدارس فرنسا . أما الجامعة التى تم إفتتاحها 
مؤخرا فقد ضمت لها عمودها الفقرى مدرسة القانون ذات السمعة الممتازة التى 


196 


آنشات عام ۱۸۰١‏ وکانت قد ورثت تراثا قديماً من الإمتياز ورفع لواعها نواب البرلان 
دوقيزيل عام 1/84 . وقد كان أول من عين رئيسا لها رجل قانون هو شارل بال . 
أكاديمية الدوفينيه التى حلتها حكومة الكونفونسيون الثورية والتي بعثت من جديد تحت 
مسمى الليسيه أصبحت « جمعية العلوم والفنون » عام ”.18 وإستمرت على نشاطها 
تحت الإمبراطورية . 

ثم أضيفت مكتبة * ومتحف أنشئ بمبادرة من الدكتور جانيون جد بستاندال وعلى 
ید « جى » الذى علم شامبوليون .. كل ذلك جعل من جرونوبل عام ۱۸١١‏ مدينة ثقافية 
تواقة إلى التعبير عن نفسها , ثرية بتقاليدها وحديثة بمالها من هياكل تسمح بأن تتفتح 
فيها صفوة من المثقفين والتجار والإداريين . يحركهم جميعا بعض الشخصيات 
المرموقة وتلهمهم حرية فكر رائعة ويزكيهم موقع فريد ويساندهم فوق كل شئ هذا 
المزاج الدوفينيه المتميز الذى سبق وألحنا لبعض بعض أبعاده النشطة والعميقة . 

الشخصيات العامة ؟ بخلاف جوزيف فورييه وشارل رينولدون وهنرى جانيون 
يجب ألا نقلص من الدور الذى تؤديه البرجوازيه الكبيرة التى دعمتها الثورة فرفعت من 
قدرها . على رأس هذه المجموعة يبرن السنيور دوقيزيل وكلود بيربيه المكنى « بيرييه 
ميلورد » تأكيداً لعظمة وطموح مؤسس الأسرة الصناعية العظمى والتى سيقودها إبنه 
كازيمين ليصبح هى تحت حكم ملكية يوليى رئيسا للحكومة , والأخوة دول وكاميل تيسار 
الثرى اللييرالى . 

إلا أن جرونويل كانت أيضا « مدينة برلمانية » . كتب ستاندال عن خاله المحامى 
صديق النساء أن « الجميع فى جرونويل كان يعيش على المنازعات ويطلق النكات على 
المنازعات حول .. الصغائر والممتلكات » . ومثلها كان الحال فى مدينة أخرى يسودها 
رجال القانون وهی فیچاك . سنجد مناسبة الحديث عن أسرة بيريا هذا العالم المشبع 
بالقانون والذى يتحرك فيه جاك - جوزيف ببراعة وسهولة . 

تقول الأساطير أن ثراء جرونويل قام على صناعة القفاز وكان أحد رواد هذه 
الصناعة هو كلوب بلان الذى سيصيح فيما بعد Les‏ جان - فرنسوا شامبوليون . 


+ أثرتها مجموعة كتب دير « الجراند - شاتروز » . 


197 


والواقع هى أن صعود المدينة قام على تجارة الجملة أكثر مما تأثر بنشاط تصنيعى 
وكانت تمارسها مجموعة من التجار الريقيين الذين استوطنوها us‏ 

علاوة على ما تقدم فلا التجارة ولا حتى الصناعة كانت لهما اليد الطولى على 
كبرى مدن اللوفينيه . ولكن كانت السيطرة فى يد طبقة من النبلاء راحت تحرك 
المجتمع وهى تنتظر الساعة التى تستعيد فيها السلطة السياسية . مائلات أدريه 
ومارسيو ويارال ويينا ومونمور* أبقت المدينة داخل مناخ عام من النبل الفولتيرى 
الذى كانت تفتخر به فى سالف الأزمان صالونات فويور سان جيرمان والذى سجلته 
رواية « العلاقات الخطرة ** » بالنسبة لمدينة جرونويل ورواية « وكر الأفاعى *** , 
بالنسبة لبوردو فيما بين هذه الاريستوقراطية الباحثة عن الإنتقام وعالم التجارة 
الياحث عن التقدير المعترف يه تتحرك طبقة من المثقفين الميسورين القادمين من الطبقة 
الثالثة القديمة , هم أبناء مصر التنوير ووارثى الثورة وهم يعلنون بفخر عن بنوتهم 
لهؤلاء الدوفينيين العظام مثل كونديياك وما بلى وفوكانسون ويارناف ومونييه ودوقيريى . 
ويمثل هؤلاء ويكمل أعمالهم رونولدون ( وهوجاكويى ثورى ) وجانيون ( وهى ميال أكثر 
للملكية ) محامون ومعلمون وأطباء وفنانون ورجال دين كانوا جميعا يتعايشون مع 
السلطة الإميراطورية مع شئ من التذمر طالما أنها موضوعة فى بيد جوزيف فوربيه 
وأنها تحافظ على مكاسب الأيام العظيمة لعامى ۱۷۸۸ و ٠۷۸١‏ وأنها تؤسس الجامعة 
وأنها تسمح بوجود نوع من النشاط الثقاقى بدلا من حرية التعبير . 

فى مركز طبقة الإنتيلجينسيا الحروزوبلوازية تقف مؤسسة تعرقنا عليها من قبل 
هى جمعية العلوم والقئون - سابقا ثم لاحقا كان إسمها وسيصبح الأكاديمية 
الدوفينيه . كان ضمن أهم من مثلها : جان جاسوار دويوا فونتانال أستاذ الأدب الذى 
علم بستاندال وكان نجمه قد لمع فجأة قبل ذلك بخمسين عاماً بسبب الفضيحة التى 
آثارتها مسرحيته د إيريسى أو الراهبة » وهى راهبة فيها شبه كبير من راهبة ديدرى 


والأسود . 
× لمولفها شاردلوداى لاكلى ( المترجم ) , 
* ++ لؤلفها فرنسوا مورياك ( المترجم ) . 


198 


وكانت سيرتها قد خرجت مخضية من الأحداث * . كان كاتبا متوسطا واكن ذو 
شخصية ممتازة . تبرز أحياناً من مراسلاته بعض الإعترافات المؤثرة (« أنا شظية 
من شظايا الجرة المكسورة » ) ويعض الأبيات المثيرة للشجن . 

« إنى فعلا مجنون أهوج طائش 

وإذ حل الشتاء وشاب رأسى 

زدت جئونا وطيشا ... » 


الداهية الداعر القس جاتال المدير السايق لليسيه والذى سنراه مشتركا فى 
هذه الأبيات » سنعود إلى الكلام عن ذلك . 


ممثل آخرلهذه الأكاديمية كان الجنرال جوبار دولاسالات الذى ترك الجيش 
وسلاح المدفعية ليكرس مجهوده فى علوم الموسيقى دون أن يفقد شيئًا من قوة 
شكيمته ** فقد كان يمكنه هز العالم كله من أجل مفتاح صول . ولعل أهمهم جميعا 
بيريا - سان يرى . أخو زوجه جاك - جوزيف » رجل قانون ومشرع ورجل إقتصاد 
وهى أفضل من يمثل تجسيدا حيا لكلية الحقوق التى هى مقخرة « مدينة المنازعات » . 
شخصية غريبة هذاالسان - يرى : الرواية التى ألفها فى خمسة أجزاء تحت عنوان 
الحب والفلسفة وأراد أن يجعل منها صورة حية للمجتمع الجرونوبلوازى لم تتخط 
زمانها... على الرغم من آراءه الليبراليه فإن هذا العالم والمستشار فى القانون رفض 
أن يتخلى عن غطاء الرأس التقليدى لرجال القضاء والذى كان يميزهم خلال العهد 


+ منعتها الرقابة يعد آخراجها على المسرح فى ليون عام 114 وتسببت فى أن عددا من تجان الكتب 
البؤساء ( ليس من بينهم جاك شاميوليون ) الذين كان فى حوزتهم نسخ منها قبض عليهم وحكم عليهم 
بالأشغال الشاقة ! وكان من نتيجة ذاك أنه سمح يعرضها على خشبة المسرح الوطنى الفرنسى فى بداية 
الثورة . 

+× جميع مؤلفى سيره والمؤلفين أطلقوا عليه « إسم الجنرال العجوز » كان بالفعل قد أحيل إلى التقاعد 
وأكن لم يكن قد تعدى سن السابعة والأريعين . 


199 


انجلترا ا اس مل ارتا ,اويل ال ق وال راي الت 
والأحذية ذات الشرائط والساعات ذات الدبوس إلى أن أصصبح أحد ثلاثة باريسيين فقط 
فی هذا الزی عام ۱۸٤١‏ حسبما کان يقال .. 


ونجد أيضا آل بيريا المرتبطين جدا بالأخوين شامبوليون برباط الزوجية والعاطفة 
والتوافق والمصلحة : زويه ويولين أختا بيريا - سان يرى إحداهما زوجقجاك - جوزيف 
والأخرى كانت حب جان - فرنسوا الأول وهوج أخوهما كان صديقا للأخوين . 

وهكذا أعاد الشقيقان إرتباطهما بمقاطعة الدوفينيه التى كانت موطن أجدادهما 
وفتحا لنفسيهما أيواب مجتمع ثرى ومتفتح الفكر فى ذات الوقت ٠‏ يرحب بالمواهب 
وفخورا بشهرته التى إكتسبها يأنه « أثينا الدوفينيه » . 

فى نهاية العام ۱۸۰۹ کان چاك - چوزيف عندما إستقبل أخاه فى حالة تفتح 
كامل إجتماعيا وفكريا وأسريا بل وسياسيا أيضدا وسط هذه المدينة الثرية . وكان قد 
أصيح بعد أقل من عشرة شهور من إقامته فيها da‏ مواطئيها المعروفين أى 
شخصية عامة . 


خمسة تواريخ تجدد معالم مسان هذا الطموح الجسور من عام ۱۷۹۸ حتى 
۸۹ الذى بدأ GE pe‏ صغيرا فى أحد المتاجر الصغيرة حتى أصبح مديراً للجامعة 
والساعد الأيمن المحافظ وزوج أخت عمدة المستقبل للمدينة : هوج بيريا . سيق أن 
رأينا جوزيف فوربيه يشيد فى عام 18٠.7‏ « بذوقه المتنور تجاه الأثار » وحمله مسئولية 
المحافظة على المخطوطات القديمة » الخاصة بالمدينة . يعد ذلك بشهرين إنتخب 
شامبوايون - فيجاك عضوا فى جمعية العلوم والفنون لمديئة جرونويل وأصبح بعد ذلك 
بقليل أمينها العام . فى الأول من يوليى ١8.1‏ تزوج من زويه أبنة وأخت أصحاب 
النقود آل بيريا .فى ۹۸۰۸ أصبح الأخ الأكبر أمين مساعد مكتبة المدينة وأخيرا فى 
۹ تم تعيينه أستاذا للقداب اليونائية بالجامعة ومؤديا فى نفس الوقت دورا رئيسيا 
بها كأمينها العام . 

هل كان رجلا سعيداً ؟ إنه بالفعل كذلك فى زواجه . لقد أنجبت له زوجته إبناً 
تجح أخوه فى إقناعه أن يسميه « على » ... وإينة أسمها أميلى ولدت فى يوليى 18.5 . 
وكانت النوطة التى حلبتها له زويه يزواجه متها عبارة عن أجمل دار فى قرية شيف 
الواقعة على بعد سبعة عشر كيلى متر من جرونويل على مشارف جبال بالدون وكانت 


200 


يوما من ممتلكات الفيلسوف كونديياك وأخيه الأب ما يلى . وكان جاك جوزيف وزويه 
يقيمان فيها كثيرا وكانا يستقبلان فيها جان - فرنسوا أحيانا كثيرة أيضا . إلا أن 
فيچاك لم يبلغ الحالة الميسورة التى كان يصبو إليها . لكن نفوذه على جمعية الفنون 
والعلوم وقى الوسط المحيط بالمحافظ وأيضا فى الجامعة ( واصفا نفسه بأثه يد/ر رئيس 
الجامعة المهيمنة ) كل ذلك ضمن له سيطرة لا تضاهى على الحياة الثقافية لعاصمة: 
الدوفينيه . | 

لم يكن شامبوليون فيجاك محايداً., لقد كان بتعبيرنا الحديث « مثقفا ملتزماً » 
موقعه السياسى فى تصور الجمهور - حتى بدون وعى كامل بعد هو أنه يسارى أو 
على الأقل عضو فى التيار العلمانى الليبرالى . كان يؤكد لأخيه فى العديد من 
المراسلات بينهما خلال صيف 16١05‏ « أن مدينة جرونويل منقسمة بين الأب دولاكويست 
وبينى بمن يشغل وظيفة المفتش [... ] عند تصادم الأراء فالحقيقة هى أن كل من 
يرتدى الزى الدينى يرفضنى [...] وستنصرنى السماء على هؤلاء الرعاع [...] يقال إن 
الحزب الكاثوليكى الرسولى الرومائى قد سقط ٠‏ » وَإِذ بالأمر قد انتهى « سقوط » 
جاك - جوزيف وليس الأب فإن جرونويل قدرت أنها هزيمة مؤقتة لحزب الليبراليين . 

وإذا كانت هذه المكانة قد تلقت ضريات صعبة للغاية إعتباراً من يونيى ۱۸١١‏ إلا 
أن مكانة الأخ شامبوليون الكبير كانت قوية ومتينة فى عام ٠۸٠٠١‏ من هذه ال مكانة 
استفاد چان - فرنسوا . لقد ترك جاك - جوزیف عام ۱۸۰۷ وهى لا يزال خجولا من 
طموحاته . وإذ هى يجده الأن بعد عامين شابا * من الأعيان واثقا من تفسه . ألم 
ينجح ضمن نجاحات أخرى في المناورة التى أدت إلى أن يتولى هو وأخوه وحلفاؤهما 
كلبة الآداب ؟ 

أستاذ اليونانية فى الجامعة : لقد كان اللقب متمشيا ويليق بعالم الأثار الهاوى . 
ولكن هل كان فى مقدوره أن يتعامل مع المسئوليات التى تواكب اللقب ؟ لم تكن هذه 
الأسئلة تؤرق بالهم فى تلك الحقبة من الزمن . يعد أن أسس نابوليون الجامعة 
الامبراطورية وإذا تحققت الإرادة السامية كيف لا تجد المؤسسة القائمة ما يلزمها من 
العاملين ؟ صالحون أم غير مؤهلين هذا لا يهم ما دامت الشرعية السامية قد خلعت 


* فى الحادية والثلاثين من عمره . 


201 


كان هذا فى الزمن الذى شغل كرسى اليونانية فى الكولاج دوفرانس شخص 
يدعى جيل . وكان إذا أراد أن يلقى محاضرة فى اليونانية طلب أن يترجم له أحدهم 
توسيدايرس إلى اللاتينية . على حين كان جاك - جوزيف شامبوليون - فيجاك على 
الأقل فى جرونويل على دراية بالعديد من المعلومات وكان على كياسة محببة .. من كثرة 
ما تصفح من كتب قديمة وما حرك من أحجار لابد وأنه على علم باليونانية أفضل بقليل 
من زميله فى الكولاج دوفرانس ... 

بدأت الشكوك تتسلل إلى نفس جاك - جوزيف مهما بلغ طموحه من أفاق وعلى 
الرغم من ثقته فى إمكانية ابتلاع كل معرفة متاحة فى العالم أو قد يكون ما شعر به 
نوعاً من خيبة الأمل . لأن ما كان يطلبه هى وظيقة مفتش بالأكاديميه وليس وظيفة 
تعليمية . وهى المركز الذى عباأ له وأنهك وعاتب وشغل به بال أخيه جان - فرنسوا 
وسمح له الشهور الأخيرة فى باريس من ربيع ۱۸۰۸ حتى صيف 1605 إلى درجة 

إثارة نوع من تمرد الأخ الصغير كما رأينا . 

غير أن مؤّلف <« رسالة إلى مسيى فورييه حول المخطوط اليونانى فى دندره « 
ومحرر مداخله إلى جمعية العلوم والفتون حول النص اليونانى المنقوش على حجر 
رشيد كان على أقل تقدير عالماً وجديراً بالاحترام فى المخطوطات الحجرية باللغة 
اليونانية . وهى المادة التى كان فى إمكائه توصيلها إلى ثلاثة أى أريعة من شباب 
جرونويل وضعوا تحت مسئوليته . وكان يتولى تدريسهم عندما لا تشغله الوظيفة الأكثر 
أهمية ويريقا وهى الإشراف على حسن سير الجامعة أى مسئولياته الأخرى * التى 
جعلت هنه مثلما كان حال فيجارى فى أشبليه « ساعى المدينة » .. 

وسنتوقف هنا ضمن مواهبه المتعددة التى وظقها كثيرا ليفتح الطريق أمام عبقرية 
أخيه عند براعته فى المناورات وهى الموهبة التى كانت سترفعه إلى مستويات سياسية 
عليا لو كان دخل بها هذا العالم بدلا من عالم الثقافة . ويشهد على قيمة هذه 
العبقرية الدور الذى أداه فى تنظيم الجهاز الجامعى لمديئة جرونويل فيما بين عامى 
۰4 و 1۸۰۹ . 


اعتمدت اللعبة التى أداها فيجاك وهو- يحرك فوربيه » على أن يدفم العجوز دويوا 
- فونتانال إلى الأمام والذى كان علاوة على ذلك حما شارل رونودون عمدة المدينة - 


متعدل المعارف والإدارى وعضى لجنة الإنتخابات . 


202 


كل ذلك من أجل أن يجد فى ظل هذه الشخصية وظائف لأخيه وله أيضا . وهى عندما 
كان يدفعفورييه إلى أن يقترح على فونتان تعيين مؤلف لا فيستال ( وقد كان مرض 
النقرس قد جعله فى حالة إعاقة كاملة ) فى وظائف أمين مكتية وأستاذ للتاريخ وعميدا 
للجامعة فإنه لم يكن يقدم خدماته لأصدقاته الأقوياء آل رينولدون فقط بل كان يفتح 
لنفسه أيواباً واسعة بسيمر منها هو وأخوه . 

منصب العميد ؟ المتالق جاك - جوزيف - السكرتير - هى الذى كان سيتولى فى 
الواقع مسئولياته . وماذا عن تدريس التاريخ ؟ غياب الرجل العجوز سيعوضه الطفل 
المعجزة الواصل لتوه من باريس . والمكتية ؟ كان العجوز المريض سعيدا للغاية لرؤية 
فيجاك يمارس فيها مهارته كمحب للكتب بكل حيوية . وهكذا نجح هذا العصامى الذى 
إضطر إلى التوقف عن التحصيل المدرسى وهى فى الخامسة عشر دون أن يتحصل 
على أى شهادة وقد بلغ الآن الثلاثين عام والنصف العام فى الحصول على كرسى 
أستاذية فى التعليم العالى كما حصل أيضا على آخر لأخيه * الذى لم يكن قد وصل 
بعد إلى عامه التاسع عشر .. 

بل أفضل من ذلك توصل فيجاك إلى أن يتحصل على « اللقب المطلوب لشغل 
هذه الوظيفة لأنه يمارس بالفعل مهام الوظيفة » (2). وما أن مرت بالقعل بضعة 
شهور إلا وكان قد صدر مرسوم إميراطورى مؤكدا أن « وظائف أستاذ جامعة يقايلها 
درجة دكتور » ولذلك فهى يمنح « السيد شامبوليون - فيجاك ديلوم دكتوراه فى 
الأداب **ى ... قلب عجيب للأثر الذى أصيح سيباً !! وهو ما كان قطعا سيسعد 
السوفسطائيين اليونانيين القدماء الذين سيتولى تدريس فلسفتهم لشباب مقاطعة دوفينيه !! 

وبصفته حامل دكتوراه فى الأداب حل شامبوليون - فيجاك مكان العميد المعتل 
وأعلن فى احتفال عام فى ١؟‏ مايى 18٠١‏ ظهرا فى حضور رئيس الجامعة بال 
ومفتش الأكاديمية لاكوست ( الذى تغلب عليه !! ) بدأية المحاضرات فى شهر نوفمير 
من العام نفسه وفى اليوم المحدد الخامس من نوفمير عام ١186٠١‏ وقف مرة أخرى 


× لم تكن مرتبات الوظيفة تتعدى ما يحصل عليه من كانوا فى عمره ۷٠٠:‏ قرتكا فى العام وهى نصف 
ما کان یتقاضاه فی باریس فی حین کان زملاژه الأكير سنأ يتقاضون ثلاثة آلاف . الواقع أن دويوا فونتانال 
قرر أن يجود بنصف مرتبه لنائيه وهى ما جعل دخل جان - فرنسوا يقفز إلى ألفين ومائتين وخمسين فرنكا 
فى العام ولكن عندما توفى الرجل العجوز وأصبح هو الأستاذ وجد نفسه بمرتب ۰ فرنکا ققط ۔ 

٭٭ سيحصل جان فرنسو! بعد ذلك بقليل على الميزة ذاتها . 


203 


الأستاذ الشاب للغة اليونانية ابن م مدينة نة فيجاك ليلقى فى صالون النور الأول من قصر 
وهذا ذا اليوم لمش هود فد بر ع اا ت متواريا يأ داخل قصره الكريب في اش یریل و 
يتمكن أحد من إقناعه بالخروج . 
هكذا دخل چان - فرنسوا شامبولیون من ياب واسع - فتحه له على مصراعيه 
أخوه الأكبر النشط - عالم الجامعة وسط جو عام كله بريق . ومع ذلك فقد عبر وهو 
يخطى أولى خطواته فيه وبتحد سافر عن عنم إتفاقه مع هذا الأخ الذى كان يتوجه فى 
هذه اللحظة ذاتها - أى عبر بالأحرى عن عدم موافقته على التفكيرالرسمى - الذى 
عرضه بصفته تائبا عن دويوا - فونتانال وبإسمه . 

فهل شارك شامبوليون - بنفسه فى كتابة خطبة العميد الإفتتاحية * ؟ أم أنه 
إكتفى بقراءة نص حرره الشاعر العجوز ؟ وهل ردد هذا الأخير ما جاء أصلاً فى 
التوجيهات الرسمية ؟ المهم هى أن الأقوال التى وردت على لسان الأخويين خلال بضع 
أيام فقط حول مهمة المؤرخ التعليميه وهدفه جاءت متناقضة تماما . فلنستمع إلى جاك 
- جوزيف 

« الهدف المزدوج للتعليم هى تنشأة الرجال والمواطنين [..] يجب على الأفراد أن 
يشاركوا فى المجهود العام البعض بما له من مناقب والبعض الآخر بماله والكثرة بما 
لها من معرقة وموهبة والجميع اها وتفانيهم وولائهم . ولكل تلك الأسباب تولت 

جميع الحكومات المتنورة التعليم العام (3) 

وفيما يتعلق بتعليم التاريخ أوصت « خطبة العميد » باللجوء إلى النقد وهى يحمل 
أمامه مشعل الفلسفة ولا نعنى هنا تلك التى يطلق عليها هذا الاسم بعد تحريرها وإثما 
الفلسفة الكريمة المعتدلة التى تعلم الناس التراحم والحب ... » (4) 

لم يكن من الممكن تأسيس الجامعة الجرونوبلوازية الوليدة على سس أكثر 
محافظة أى أقل ثورية وأكثر عملية أى أقل معرفة بالأنسيكلوبيديا والتنوير ... إن ما جاء 


* لاحظ ش ١٠١‏ كاريونال أن النص الذى أتيحت له فرصة الإطلاع عليه ليس بخط فيجاك ولا هو بخط 


- فونتانال وسكرتيرته . وعلى الرغم من ذلك فهو يميل إلى الاعتقاد بان چاك‎ - a su 


204 


على لسان فيجاك هذا « الليبرالى » وعدى « الرداء الكهانوتى » هو أمر صادر من الدولة 
الإمبراطورية إلى مدرسيها بتكوين ثم إنتقاء خدم مطيعين لاستخداءها الشخصى . 
لابد وأن الأخ الأكبر حرص على حضور المحاضرة الأولى لاخيه . فهل قدر أن ما 
استمع إليه كان بمثابة تحد أى إهانة أم على العكس من ذلك تعبير عميق عن أفكاره هو 
والتى إضطر إلى التمويه عليها تحت ستار النص الرسمى الذى إضطر إلى إلقائه 
بصفته الرسمية ؟ لابد وأنه شعر ببعض القلق من أخيه الأصغر وهى يعبر فيما يتعلق 
بمادة التاريخ عن أفكار غير مطابقة للمبادئ التسلطية السائدة . 
كان موضوع الدرس الأول لجان - فرنسوا شامبوليون هو« فى التاريخ عموما 
وأسسه » التتابع الزمنى والجغراقيا المقارنه » . من البداية قام هذا الأستاذ ذو التسعة 
عشر ربيعا يشجب : 
« الميل الطبيعى لفكر الإنسان لأن يحكم على الأحداث بنتائجها يجعله يمتدح عملا 
خاطثا توج بالنجاح ( ... ) هذه الطريقة فى الحكم على الوقائع هى إحدى العواقب 
المتطقية لذلك التساهل الإجرامى الناتج عن إهمال المبادئ والذى يجد العدل حيثما 
يرى إنتصاراً . هذا الإستسلام الخانع قائم منذ الأزل وفى كل مكان ..(5) » 
هل هذا الكلام مأخوذ عن مدام دو بستال أى عن بنجامان كونستان » وهما : من 
أصحاب الأيديولوجيات المحرمة من الحكم الإمبراطورى ؟ لايمكن أن تجابه بحزم أكبر 
» التساهل الإجرامى » فى عدم مناقشة غزى إسبانيا أى اعتقال الحير الأعظم طاما أن 
انتصار الأمير قد توجهما . 
هذه الكلمات ألقيت فى إطار الجامعة الامبراطورية هذه المؤسسة التعليمية التى 
أقيمت لخدمة الأوتوقراطية « المستنيرة » أى هذا المعمل المطلوب منه تفريخ موظفين 
متسلطين ! ها نحن أمام شاب يجازف بألا يذهب بعيدا فى مستقبله التعليمى اولا 
إعتماده على العناية المضمونة لأخيه « خادم الجامعة » . 
خصص چان - فرنسوا ما يقرب من ثمانية عشر شهرا للتحضير 
لمحاضراته المقسمة إلى مائة درس : العناوين التى أعطاها لكل منها تنم عن حجم 
طموحاته : « عن التاريخ وأسسه » »« عن العصور القديمة للعالم وأصل الإنسان e‏ 
« تأملات ناقدة فى المؤرخين من pas‏ الأزمنة وكافة الأنحاء » « ما تبقى لنا من وسائل 
لكتابة التاريخ «. 


205 


لم يكن الإستاذ الشاب يكتفى بالدفاع العلنى عن حرية القكر ضد الإستبداد 
بل كان يؤكد على نقد الأسس وعلى اللجوء إلى الأسلوب التجريبى وعلى البحث فى 
» الأسباب والنتائج الحقيقية » وكان ينصح كذلك بمراجعة ذكريات الشخصيات الفاعلة 
والشاهدة مثل : تيمورلنك وجوانثيل وتوران .. 

كان لهذه المحاضرات صدى وأسع . اثنان من المفتشين العامين جاءا للإستماع 

لیه ( هل کان لك بنا ما اہ بچ رات سی ال ت ام کاچ را رواینی پس 
عن YU‏ يضعان فيه 1 ١ » Pen‏ مما فعل زميله فى المدرسة الخاصة 

ت الشرقية أبال دو ريموزا » أو الصینی » الذی کان يمر بجرونويل . لم يكن 
a‏ الشاب يتمتع فقط بالشجاعة وسمى الرؤى وتعدد المعارف وجزا ء هائل ناتج عن 
« مقارناته » ( بين مختلف الحضارات والموضوعات ) بل كان يعرف أيضا كيف يح 
دروسه ويحرك أجواعها .وكان المجهود الذى يقوم به التغلب على خجله الطبيعى 
يضع فى أقواله من الحماس ما يجعلها تبدى مشتعلة وهاجه فتلفت أتظار العدد القليل 
من تلاميذه المسجلين فى محاضراته * . ذلك لأن كل ما كانت تضمه الجامعة الوليدة - 
ويقى الحال هكذا لمدة طويلة - لم يتعد اثنين وعشرين طالبا مسجلين وثلاثين « مستمعاً » . 

هذه النظرة الواسعة الدائرية على الكرة الأرضية عبر القرون كانت بمثابة تمرين 
جيد لباحث فى أعرق تاريخ للبشرية يؤمن بأن الحضارة المصرية القديمة مادامت 
محورية وأصلية فإنها مرتبطة بجميع الحضارات الأخرى ويأن كل من هذه الأخريات 
تعود بالتالى إلى القالب الأصلى . إلا أن الباحث كان على يقين من أنه لايمكن من 
يجعل الخلاصة تعلو على العمل التطيلى كما أنه يعرف أن أفضل منايع للعلوم 
التاريخية واللغوية هى النصوص والأرشيفات والمخطوطات والكتب . 

من هنا جاء اهتمام الشقيقين الكبير بوظائفهما کأمینی مکتبات . حتی عام ۱۸۱۲ 
لم يكن الأخ الأكبر رسميا سوى مساعد دويوا - قونتانال والأخ الأصغر سوى مساعد 
المساعد .إلا أن هذه الألقاب المتواضعة لاتعطى فكره صادقه عن السلطة التى تمنحها 
لهما هذه الوظيفة المحورية . ويوجد تقرير وجد فى أرشيف مقاطعة إيزان كتبه مراقب 
سئ النية هى العمدة« اليمينى المتطرف » يينا ( الذى سيخلف رونولدون فى 181١‏ ) 
هذا التقرير يكشف أهمية الوظيفتين : 


* كان يلقيها كل أريعاء وخميس فى العاشرة والتصيف . أحياتا كان كل الحفبور تلميذين ٠‏ 


206 


« إن أمين المكتبة لما له من تأثير على العقول وعلى أفكار العديد من الشباب هو 
فى الواقع بمثابة أستاذ عام ويترتب على ذلك ضرورة عدم شغل آماکن کهذه سوى 
لرجال تتوافر فيهم كافة الضمانات المطلوية ع( 


لم يكن هناك جماهير غفيرة تتسابق لدخول المقر الفسيح المتاح لليسيه الذى درس 
فيه جان - فرنسوا من 18٠05‏ حتى 1401 بك أن مجموع المترددين عليه لم يتعد ستين 
فرداً منتظماً من الطلبة ورجال القانون والدين . الحقيقة أن إبنى تاجر كتب فيجاك لم 
يكونا مهتمين بتلقين المبادئ الليبرالية لهؤلاء الزوار بقدر ما كانا مهتمين بإثراء مقتنيات 
المكتبة بالفنسبة للأخ الأكبر وبالإستغلال المنظم لمستودع المطبوعات والمخطوطات والقطع 
الأثرية بالنسبة للآخر . 

كانت لمكتبة ثرية يما تحتويه . أقتنى مؤسسوها لدی نشاتها من مبادرة من 
الدكتور جانيون ٠٤,۰۰۰‏ مجلداً هبة من المطران جان دى كوليه . وأضيف إليها قسم 
للقطع الأثرية تتقد مها كما تعرف مومياء مصرية ومتحف التاريغ الطبيعى ثم جر 
توسيعها بمبنى تم شراؤه من البارون ديزادريه . وأصبح المدخل الرئيسى يعد ذلك من 
هذا المبنى . ' 

جاك - جوزيف أضاف إلى ماسبق - وذلك يحسب له - ثلاثة آلاف عنوان آخر 
عهد إليه فهى ١١٠١‏ كانت بتبرع من الأب جاتنال علارة على ٠١‏ مخطوط ومطبوع 
أصلى من بداية عصر الطباعة وردت من دير الجراند شارتروز ( كان جان - فرنسوا 
وصديقه ميلان قد راجعوهم قيل ذلك ). 

سنرى فيما بعد * لدى عودة الملكية أن إدارة الأخويين شامبوليون ستتعرض ' 
لإتهامات قاسية مما أدى إلى الإطاجة بهما . إلا أن الشئ المؤكد هى أن مكتبة 
جرونويل كانت مركزا مفضلاً لأعمال وأفكار وأبحاث مكتشف ألغاز الهيروغليفية وكانت 
مهد محاولاته الفكرية فيما بين ۱۸۰۹٩‏ و ۱۸۲١‏ . 

أستاذ وأمين مكتبة ؟ جان - فرنسوا كان صحفيا أيضا . فى يداية عام 18.48 
نجح فى إزاحة شخص إسمه أوجوست باردال ( وظيفته الأصلية كانت مفتش المنح ) 
وكان المحرر الرئيسى لجريدة ٠‏ حوليات مئطقة الإيزار » والتى كانت تعكس فى الواقع 
رأى السلطات وتنشر المعلومات الرسمية . وكان حاك - جوزيف يتعاون مع هذه 


+ الفصيل لا 


207 


المطبوعة يبعض ال مقالات تعكس نشاط جمعية العلوم والفنون منذ ثلاث أو أربع سنوات . 
توجد فى مراسلات الشقيقين إشارات إلى تلك العملية والتى تمت كصفقة مالية : إن تم 
تعويض ياردال لقاء تنحيه عن هذا المكان بضع مئات من الفرنكات . ولا يعرف إذا 
كانفوربيه ذاته هو الذى دفعها . إلا أن الشئ المؤكد هو أن المحافظ كان يود أن يسند 
المكان لشخص مؤثوق فيه ومن نوعية ممتازة . 

حاول فيجاك أن ينفخ فى هذه النشرة التابعة للمحافظة شيئًا من الحياة فطلب من 
نسيبه بيريا - سان برى أن يكتب له بعض المقالات كما كلف بالطبع جان - 
فرنسوا أن يمده يمقالات تقريرية عن الكتب والمقالات التى تنشر عن الشرق والعصور 
القديمة * . 

وعلى الرغم من أن إدارتها كانت تحت سيطرة شخص متساهل مثل جوزيف 
فوربيه إلا أن قبضة الإمبراطورية الحديدية كانت تقمع دون هوادة أية محاولات من هذا 
القبيل وكان للمواطنين الحق فى الحقيقة الرسمية فقط بعد تعقيمها وضمان مطابقتها 
التزمت والتدين القائمين . 

يوضح ذلك حدثان مزدوجان ساهما فى تكدير العلاقات بين آل شامبوليون 
وجوزيف فورييه : فى شهر مارس 18.5 نشرت « الحوليات » مقالاً لا يحترم الصيام 
جاء فيه أن هذا الفرض الدينى له على الأقل ميزة أن « يتيح للبهائم أن تتكاثر » وأن 
« اللحم سيصبح أرخص سعراً وأجود إذا أحترم الكافة هذا الفرض وصاموا » 
و « إذا أكل الفلاحون اللحم كل يوم فلن يكون هناك لحم يكفى الامبراطورية 
المتنامية » .. كلام يشبه ما كان يقوله ديدرى ( أبى الانسيكلوبيديا ) مما أثار إستنكار 
القراء المتدينين وأحرج المحاقظ جداً . 

وإزدادت الأمور تأزماً عندما نشرت « الجوليات » مقالا ساخرا ضد « التطرف 
الدينى »و« التعصب » بمناسبة قيام « أحد الورثة بحرق إحدى أكثر المكتبات ثراء فى 
مقاطعة الايزار » لأنه مقتنع « إنك إذا أردت أن تعيش حياة مسيحية يجب ألا يكون لك 
فكر أو شعور أى منافسة أو تعليم [..] ولكى يرضى عنك الله يجب ألا تعرف من الكلام 
سوى الصلاة مع التسبيح [..] وأن تخنق فكرك فى المياه المقدسة وأن تنتظر فى 


* نشر چان - فرنسوا فيما بين 18:4 و 141١‏ خمس مقالات فى الحوليات بعضها بتوقيع .0.5 عن 
الأفرام والشعر الفارسى ومكتبة الإسكندرية وعن المبانى الأثرية من أصل عربى . 


208 


ثبات كامل وغبى وتأمل متخلف » أثار العناية الإلهية » .. إلا أن التعليق ذهب إلى أبعد 
مما ينبغى » « ونتيجة لا سبق فإن هذا الشخص آخذ مثلا من الشعوب التى كانت فى 
الماضى يحرقن كل عام شخصا يهوديا لأنه جاء من جنس ملعون كما كانوا يقولون - 
وداح يحرق كل ليلة وهو يهضم عشاءه من خمسة وعشرين إلى ثلاثين GES‏ / .. ]| كلما 
اكتشف كاتبا وثنيا أى فيلسوفا ] .٠‏ | إن ما تم هى جريمة لا تغتفر واهانة للعحصر الذى 
تعيش فيه ... ». 

المدهش هى أن العديد من عائلات الإقليم إعتقدت أنها مستهدفة !! مما إضطر 
جاك - جوزيف إلى أن ينشر مذكرة إعتذار ويقى صامتا بعد ذلك إلا أن فورييه وإن 
كان فيلسوفا - فهى قبل كل شئ محافظ الإقليم أى أنه عدى للإضطرايات - فلم 

ومنذ ذلك الحين خضعت الحوليات لنظام صارم وصفه إيميه ابن شامبوليون - 
فياك بيراءة خالصىة ® » وهو ما يذكرنا « بحرية الصحاقة » كما يراها فيجار : 


« الأخبار والقضايا التى كان يمكن لهذه الصسحيفة أن تنشرها لم تكن كثيرة . 
ولحسن الحظ كان الجزء الرسمى والقرارات الحكومية تشغل منها الجزء الأكبر أما 
الأخبار الخارجية فكانت مأخوذة فى العادة من صحيفة « لومونيتور أو نيقراسال » . 
ومع ذلك كان من الممكن أن يدور الحديث دون حرج عن المخطوطات القديمة المىجودة 
للإقليم ومن الكتابات اللاتينية مثل تلك التى تنقش على المبانى المشيدة على شرف 
الإمبراطور . وكذلك عن كتب الأصول اللاتينية واليونانية وعن الروايات الحديثة وعن 
الأحداث التى تجرى فى الممالك المجاورة (...) كما أن القلك كان من الموضوعات 
المسموح بالخوض فيها » . 

كلها مبادئ مدهشة مع أن احترامها ان يمنع الشقيقين شامبوليون من أن تطالهم 
يد الرقيب وأن يغضب عليهم فى نهاية الأمر . ففى غضون ذلك مرت غيوم على 
علاقاتهما مع جوزيف قورييه المتساهل والقوى جدا فى نفس الوقت . 

La, ai‏ كيف أن المحافظ قد رعى جاك - جوزيف شامبوليون وإصطفاه بعيد 
إقامته فى جرونويل وكلفه منذ 18٠1"‏ بأن يتولى شئون الأثار المحلية وقام يتعريفه على 
أقرانه فى مصر مثل دوم رافائيل أى على زملاءه أعضاء « الانستيتوى » مثل بيو 
وفوركروا . 


209 


اعتباراً من 14.1 أصبح أكبر الأخوين شامبوليون ما يمكن تسميته الأن بملحق 
ثقافى للمحافظة - تكلفه بمهام تتطلب الثقة . وقد وصلت الصداقة بينه ويين فورييه 
لدرجة أن هذا الأخير كان يدعوه كثيرا إلى قصر بوروجار ذىى الموقع الجميل حيث كان 
المحافظ يضع - كما كان يقول - م نهرا بين العالم ويينى » ” 

أهم تلك المهام كانت المساهمة يتحرير المقدمة التاريخية « لوصف مصر » التى 
كلفه بها أقرانه فى « معهد ( لانستيتى ) القاهرة » بصفته أمينه العام وذلك فى عام 
A.۲‏ حتى قيل سفره إلى جرونويل Los eg.‏ إستقر به المقام فى محافظة الإيزار 
( علما بأنه كان يأمل ألا ببقى فيها سوى فترة قصيرة ) تبعته إلى هناك جميع 
المستندات التى كان قد إستطاع جمعها - وأنشا بذلك فى الدوفينيه ما يمكن تسميته 
« بملحق » للجنة مصصر . هذه اللجئة كانت تشغل مكانا بجوار اللوقر وتحت إدارة 
لانکریه ومن بعده جومار وهدفها نشر الكتاب الضخم . 

بإختصار كان الأخوان مرتبطين إرتباطا وثيقا بتحرير مقدمة جوزيف فورييه . 
مراسلاتهما مليئتان باشارات إلى تقدم العمل - مستندات » ملحوظات » مراجع 
وتواريخ . ولكن ايس من المؤكد أن المحافظ قد أتى معه بنموذج لحجر رشيد . والواقع 
أن فیچاك قد طلب من ميلان توقير هذا المستئد حتى يتسنى له ترجمة النص اليوناني 
وكتايه « دراسة نص حجر رشيد » وذلك فی عام ۱۸۰٤‏ 

يتوقف قط تيادل الرسائل والمخاطيات بين « القيادة العامة » الباريسية والفرع 

الجرونويلوازى الدراسات الحصرية وسبق أن أشرنا إلى أن جان - فرنسوا خلال إقامته 
جومار عن طيب خاطر . وبعد أن عاد « صغير » إلى جرونويل قام جاك - جوزيف 
بالتردد على باريس وكان يلقى ترحيبا من أعضاء اللجنة أكثر من أخيه - لأن هذا 
الأخير لم يكن يحتفظ لنفسه بأراءه وخاصة أنه لا يعير أهمية أكبرى للأشخاص بذاتهم 

حصلنا على إثباتات عديدة على الجهود التى بذلها الشقيقان فى خدمة المشروع 
الكبير المنوط به فورييه . مثال ذلك هذان الخطابان . الخطاب الأول موجه من جاك - 
جوزيف إلى الأخ الأصغر والثانى من حجان - فرئسوا إلى الأكبر : 

» جرونویل فی ۸ أغسطس ١/86١8‏ € 


+ يقصد نهر الدراك . 


210 


عندما تقابل مسیو چومار [ ٠.‏ ] أخيره أن مسيو فورييه متوعك وأن المقال 
التمهيدى يتقدم العمل فيه كل يوم وأن مسي فوربيه يحتاح إلى ثلاثة أشهر للإنتهاء منه 
وأخيرا أنه يشعر باليأس الكامل وإنى أعتقد عتقد أن من الأقضل أن يكتب له مسيو جومار 
كثيرا فى مرحلة الولادة الصعبة هذه لأن ما يمر به مسيق فورييه هو بالفعل كذلك وإنى 
أخشى أن يمرض بالفعل لهذا السبب ... » 


رك « صغين » جاء كالتالى : 
« باریس » فی ٩‏ أكتوير ۱۸۰۹ 


أمضيت طوال يوم الخيمس [ .. ] وجهاً لوجه مع مسيو فوربيه . تلا على « بحثه 
الفلكى » * . وهو يقدم له بدراسة عن الأوضاع فى مصر تحت حكم الفراعنة ويقع 
فى 41 صفحة ** رفعت له قبعتى عدة مرات ( مثثما كان يفعل بيرون ) للتعبير عن 
إعجابى بالأفكار التى تعلمها منا إلا أنه عرف كيف يستغلها بتفكيره العادى . إلا 
أنني جعلته يعيد تصحيح من عشرة إلى إثنتى عشرة فقرة تفوح منها رائحة المدرسة 
القديمة . فقام بتعديلها بانصياع مثالى . وأنى أقدر له ذلك تقديرا لانهائى . إذ يثيت 
ذلك أثنا نتمتع ببعض الأفكار المشيئة . (10 


ثقة بالنفس رائعة ومثيرة للنشوة ! كيف يمكن المراهق ذى المزاح المتقلب أن 
ستعيد 458 بنفسه د يقة أفضل من أن يتقمص دور المعلم والملصحح لفورييه 
المشهور ٠‏ زميل بونابارت . مستكشف روائع ممفيس وطيبة بابسم «الأفكار المضيكة » 
التى إكتسبها هو وأخوه ! قد تكون هذه السويعات التى أمضاها فى أكتوير ١8.5‏ مع 
كاتب مقدمة كتاب « وصف مصر » فى أثناء زيارة له لباريس التاريخ الفاصل للمرحلة 
الثانية للمشروع الكبير الذى بدأه عام ۱۸٠٠١‏ وهى فى الخامسة عشرة من عمره وكانت 
بعض الإحباطات وحالات الفشل قد أوقفته أحيانا .. أن يكون قد ساعد فورييه على 
الخروج من pi‏ » عملية الولادة الصعبة » ومن « ميادئ المدرسة القديمة » لا يمكن أن 
يكون إلا مصدرا للفخار .. 


كان على فورييه أن يواجه رقيبا أكثر صعوية وهى نابليون نفسه والذى كان يولى 
هذا النص اهتماماً فائقاً بسيب ارتباطه الوثيق بمجده الشخصى . كشف لنا فيجاك 


+ راجع فيما بعد قضية ه رسم الأبراج السماوية » . 
#4 يقصد المقدمة . 


211 


فى كتابه «فورييه ونابليون : مصر والأيام المائة » * أن الإمبراطور طالب بعدد كبير من 
. التعديلات وأغلبها يتعلق بكل ما كان يمكن أن يجرح الكنيسة الكاثوليكية التى وضعها 

أخيرا فى ؛ فبراير 16٠١١‏ بعد أن تمكن من تخطى حالات القرف والضسعف 
أعلنفورييه إلى وزير الداخلية مونتاليفيه أنه « سلم المطبعة الامبراطورية الصفحات 
الأخيرة من المقال الإقتتاحى لكتاب « وصف مصر “* . ثم ينتهز الفرصة ايعبر 
عن م عدم رضائه عن بعض الشكاوى التى وجهت ضد شخص حكم على نفسه بارادته 
أن يقوم يعمل صعب ومستمر دام أشهر عديدة © ( أشر مونتاليقيه على 
الخطاب يما يلى « إعداد رد عاطفى (au‏ 

هل تعنى الخدمات المستمرة التی قدمها فیچاك وصغير لجوزيف فورييه فى تحرير 
النص المشهور أن « المقدمة التاريخية » من صنعهما وليس بقلمه هى ؟ أكد بعضهم ذلك 
لكن الصفحات التى خصصها حاك - جوؤيف لهذه المهمة فى كتابه «فورييه ونابليون » 
تنفى هذا الأدعاء: « رأيت الجملة الأولى لهذه المقدمة وهى تخط على الورق ورأيت أيضا 
سطور النهاية ...ما أن وضع خطة كتب (فورييه ) كل جزء على حدة[..] قامت هذه 
الخطة على تناسق حسابى [..] ستة أقسام تحتوى على بستة وثلائين مقالا (..) لاتوجد 
فى النص الأنبى لفوربيه جملة واحدة غير مدروسة فى كل كلمة منها 6 

لايمكن أن يكون المرء أكثر وضوحا فى إرجاع أبوة النص إلى الموقع عليه أكثر 
من ذلك » خاصة وأن شامبوليون - فيجاك كان يكتب هذه السطور فى زمن لم يكن فيه 
من مريدى المحافظ - عالم الطبيعة » وكان قد أصبح مشهورا هو ذاته وكانت علاقتهما 
قد خرجت من العديد من العواصف ومهما كان عرقانه بجميل راعيه فإن جاك - 
جوزيف قد وازن جيدا أبعاد فضل فورييه عليه فى الوقت الذى كتب فيه هذا النص بما 
يمنعه من أن يعبر له أمام التاريخ عن فضل لايستحقه . 


* راجع الفصل " 
kok‏ كان الجزء الأول قد نشر بالفمل عام 1.4 


212 


جاعت فی خطاب جان - فرنسوا المؤرخ 9 أكتوير 18605 إشارة إلى « البحث 
الفلكى » . يتعين علينا أن نتوقف عندها ‏ لم يكن موضوع الساعة حينذاك هو صدور 
« الوصف » فهى ليس من الأسباب التى تثير المنازعات بل كان الجدل المشار ذو 
الأيعاد العديدة سببه « اليرج السماوى « a‏ » الزودياك » فهو الذى أثار حفيظة من 
Lau)‏ آل شاميوليون » الجيزويت »« المتعصبين للنصوص » أو « مطفئ الشعلات » 
وهى ما أثار انتباه الامبراطور « التقى » عندما قرأ له فوربيه مقدمته . 


كان قد تم إكتشاف « ست أثار فلكية » فى مصر ومنهم « رسم الأبراج 
السماوية » المشهور فى دندره .وكان الذى اكتشفه هى دوسيه والذى درسه جولوا 
وقفيلار دوتيراج والذى نقله رسما قيفان دونون . هذا الاكتشاف جعل العديد من 
التخصصن رخاصة لوپری صاحب کثاب « أصل الأديان » والعظيم فولنى يعتقدون 
أن الحضارة المصرية تعود إلى خمسة عشر ألف سنة قبل الميلاد . وجاء ذلك متناقضاً 
مع التسلسسل التاريخى المعشمد من الكنيسة الكاثوليكية الذى كان يرجع تاريخ خلق 


لم يؤيد جوزيف فوربيه هذه النظريات الأكثر : تقدما فى هذا الاتجاه لا فى مقدمته 
ولا فى بحثه الفلكى .والتى كان يشكك فيها الفلكى المشهور لالاند ذاته وكان ملحدا 
مناضلاً وكان يود لى تمكن من وجهة النظر الفلسفية أن يسخرمن تعاليم روما كان 
فورييه يعتقد أن الحضارة المصرية تعود إلى خمسة وعشرين قرنا قبل الميلاد ومن هنا 
جا ء قول بوذابادت : « أريعون قرنا .. 
بچسارة لاريم اکا Je dus jo.‏ ا بارزا الاسوية إقد لذي ذلك 7 
إثارة المحافظين فى جروتويل وغيرها Lits sa‏ على استعداد لقبول فكرة عضوية 
ولكن أن يشكك فى تعاليم. الكئيسة ! ۴.1 

لنجدة فوربيه أسرع اثنان من زملائه فى جمعية العلوم والفنون > هما الأب چاتال 
( وقد رأينا أنه إنسان متفتح الفكر ) والجنرال دولاسالت ت ( السيف ) الجترال بعد الماء 
المقدس ( القس ) - رضح ال الأول أن الملاحظات التى أبداها مالم الرياضيات 
المشهور يناء على « أثار طيبة وممفيس » جعلته يصل إلى « استنتاجات » تناقضص 
» ظاهريا وليس واقعياء à‏ الرأى العليم الذى أفتى به بوسويه » يعد الرجوع إلى هذا 
الأخير دعماً أساسياً ** . 

» سترى فى الفصل ٠١‏ أن إكتشافات - جان - فرنسوا شامبوايون ستؤيد بطريقة غير متوقعة 
نظربات الكنسة . 

** بوسرت 605561 رجل دين وكاتب وخطيب قرنسى من القرن ١7‏ [ المترجم ] . 


213 


أما الجنرال دولاسالات فكان أكثر حصافة , فقد قال : إذا كان هناك فرق أحد 
عشر آلف سنة بين تقدير « البرج »« غير القابلة للنقض » والمبادئ « المعتمدة عالميا » 
للكتب المقدسة مما أدى إلى « تناقض » فيتعين علينا أن نعمل على التوفيق بين 
النظريتين . كيف ؟ إذا أخذنا فى الاعتبار أنه جاء فى رسالة بطرس الرسول أن « فى 
نظر المولى يوماً واحداً يساوى ألف عام وأن ألف عام تساوى يوماً واحداً .. » ثم يخرج 
المؤرخ الموسيقى والضايط السايق بهذا الاستنتاج المدهش : « نرى إذن من هذا النص 
أن الستة الأيام التى سبقت خلق الله للإنسان كانت من أيام المولى ويجب حسابها 
على أنها ستة آلاف عام . وتأسيسا على ذلك فإن [ .. ] رسوم الأبراج السماوية التى 
عرقنا بها المواطن فورييه وهى يحاول أن يعطينا فكرة صحيحة عن الفترة التى خلق الله 
فيها العالم لابد وأنها أدخلت فى حساباتها الستة آلاف عاماً المذكورة والتى تزيد عن 
الحسابات العادية [... ] أما عن الخمسة آلاف عام الباقية فليس فى إمكاننا أن 
نخطى خطوة أخرى أكثر من ذلك [ ... ] نرجى من القارئ أن يلاحظ أننا نقبل دون 
أى إعتراض أن الأيام بها أربع وعشرون ساعة وهو ما يعتبر أصعب فى تفسيره 
من [ الأيام التى هى ألف عام ] مع العلم بأن أعمال الخالق لا يمكن كشف أسرارها ». 

ليس من المعروف ما إذا كان جوزيف فورييه قد تذوق أم لا حسن الدفاع عنه هذا 
من زميله أما المؤكد هى أن هيبته كمحافظ لم تهتز ؛ فقد ظل يدير أمور عاصمة 
الدوفينيه لمدة خمسة أعوام أخرى مع العلم بثنه كان ينتظر أن يكون المقابل« لعمله 
المتصل والصعب.» فى كتابه المقدمة ليس المكافاة الضخمة التى أراد نابليون أن يمنحها 
له ورفضها هى » ولكن أن يعين فى مجلس الدولة وهي ما كان يرغب فيه بشدة . 


مدهش هذا القورييه ! ... فلنتصور كيف كان يوم من أيامه . لقد كان مسئولا عن 
إدارة منطقة من أكثر مناطق الإمبراطورية توترا لأسباب تاريخية واإستراتيجية » وهو 
فى نفس الوقت يشرف على تنفيذ أعمال ضخمة لتجفيف مستنقعات بورجوان » بقصل 
باستمرار فى كل موضوع تشريعى فى مرحلة إنتقالية صعبة » وهو معمق أبحاثه 
العلمية التى أدت إلى ظهور نظريته فى إنتشار الحرارة » ثم بعد ذلك كله يضع 
اللمسات النهائية على مقدمته العظيمة ويرد على أحد أعداءه بخصرص تفسيره للأبراج 
المصرية ؛ ويملى عشرين برقية لعامل تلغراف لايصل مداه إذا كان الجى صحوا إلى 
أبعد من مدينة ليون . ثم يسرع إلى قصر بوروجار ليراجع ما به من مستندات تاريخية 
وأخيرا عند حلول المساء يشرف على سهرة من السهرات التى كان ينظمها فى 


ee es 


214 


عائد من ميلائى إسمه هنرى بابل ) والتى تجعل من مقر إقامته إجتماعاً لإحدى 
الأكاديميات .. هذا إذا لم يفضل عن ذلك حضور إجتماع جمعية العلوم والفنون بصفته 
عضوا بها . 

وكان يجد أيضا الوقت ضسمن أشياء أخرى لأن يكتب فى ۱۷ فبرایر ۱۸١١‏ 
خطابا لفونتان يفيده أن وفاة دويوا - فونتائال جعلت كرسي التاريخ فى الجامعة 
شاغرا وأن لا أحد يمكنه أن يكون أكثر كفاءة من چان - فرنسوا شامبوليون ليشغله 
بعد أن « أثبت كفاعته بمعارفه النادرة »و« ياكتشافاته فى مجال علم الآثار ». 

كان الشقيقان شاميوليون - إعتبارا من 18٠١‏ من المواظبين على حضور سهرات 
دأن كوليديجيان مع الكونت دأرجو والماركى لى بوشاج والكونت دواوميى ( شقيق عالم 
المعادن ) وأوجوستان بيرييه ودوتيسييار ودى بلانتا ودوبيريا - سان يرى .... 


« مذكرات يفوربيه التى أشار إليها إيميه شاميوليون - فيجاك فى كتابه « يوميات 
دوفينيه » ترسم صورة لأجواء هذا البلاط الريفى لدار دوليديجيبار الذى يؤدى فيه - 
دارس اللاهوت السابق ( قورييه ) ليس نور الملك الشمس ( لويس الرابع عشر ) ولكن 
لورميدسيس « مبكسنيس gi‏ مانام لوديفان .. SE‏ « حقلات الموسيقي التنافسية 4 
وكان يقوم مثل نابليون فى فوزت انيل بتجارب فى علم الطبيعة ويطلق المناطيد ويقوم 
يتنظيم «١‏ تايلوفات حية » . كان بطرد الفئانين المتجولين وقيرهم من « المشعوذين » 
ولكنه يستسيغ العروض المسرحية مثل « العازب العجوز »* و « المكفهر الطيب » وكذاك 
حقلات الباليه التى كانت تؤديها عائلة شاليونى الشهيرة . 

جاك - جوزيف وجان - فرنسوا شامبوليون كانا : الأول منظم الحقلات والآخر 
مقدمها ومحبيها . إذ أن جميع الشهادات متفقة فى أن أستاذ التاريخ الجامعى كان 
يقوم بمجهود كله خفة ويريق وكوميديا يفتتن لها جوزيف فورييه .. من غير المعروف إذا 
كان أصغر عضو فى جهاز التدريس الفرنسى كله قد عرض فى هذا الأطار مسرحية 
« سكولاستومانى » والتى كان يهاجم فيها دون رحمة نظاما تعليميا يحتقر أى فكر 
نقدى وقائما على عبودية التراث السلطوى .. على الأرجح أن فوربيه - مهما كان رأيه 
فى ذلك - لم يكن فى إمكانه أن يرعى مثل هذه الإنتقادات . ولكن من ناحية أخرى كان 
« صغير » يعرض فى هذه الحفلات تقليده للتراجيديات الكلاسيكية والتى عثر عليها 
ونشرها ليون دولابرييار . لم تقاوم الرغبة فى عرض مقتطفات منها إذ أنها توضح 
حيوية هذا المؤرخ ذى العشرين عاما . 


+ تغافل عن وجوب أى تشايه مع وضيعه الشخصى . 


215 


مثال ذلك مسرحية « باجازية » * وقد عرضها بمناسبة ماردى جرا *” وفيها يفسح 
عالم الإستشراق المجال للكاتب الساخر ويحكى كيف حضر الوزير أكومات ليحيط - 
روكسان - محظية السلطان المفضلة علماً بوفاة سيدهما المشترك : 


كان إلى الأمام سائراً » والحرس تابعاً 
ولا كان الجى ساخنا » کان جلالته شاريا 
لا النبيذ لأن ديننا كما أنت عارفة 
منه طهر مطايخنا ( وهى فى ذلك يصير 
وعلينا خشى من شذاه الخطين ) 
ولكن شرابه كان بريئًا ولذيذا 
بالسكر واليهار والقرفة والبرتقال 
والليمون والمسك خليط للنشاط فعال , 
فجأة صوت السلطان فى المكان علا 
حوله إندفع من القوم من سما 
کان کالثور بعزم خاترا » حتى الخص ذهل 
مما سمع . فالصوت الرهيب Jets‏ 
روكسان 
آه !يا إلهى ! ماذا حدث للمسكين المبجل ؟ 
أكوامات 
التواء خطير فى العنق ! 
روكسان 


فقط ؟ 


* أو ه يايزيد » مسرحية اراسين كتيها عام 1715 وتدور أحداثها فى سراى تركى فى العصر 
العثمانى . ( المترجم ) . 


216 


أكومات 
كان فى ذلك الكفاية بما أنه به توفى !... 
روكسان 
أوف! .. ۰ 
أكومات 
لإنقاذه وهذه كانت الظروف 
سحب السلطان من داخل عريته 
دون حدوى ! إذ أن رأسه من ساعته 
وقبل نهاية اليوم كانت نحى كتفه إستدارت 
ولاشئ أوقف من عظيم الألم الشدة 
وهرولت الذقن ناحية الرقبة تتقدم 
والعيون مبهورة بهذا المنعطف تتفرس 
فرأت أمامها مالم تره أيدا 
رقبته قصمت والموضوع حسسم ! 
هذا ما علمته من أخر مرسال أقسم 
روكسان 
ياويلى ! ليس هناك إذن شك فى شقائى 
إنه بالفعل مات » هذا أكيد 
أكومات 
من قال لك ؟ 
روكسان 
قلبى 


217 


سكين أمامى فوق شوكة اعترضا 
وسط الوليمة أوقع خادم سارح 
املح على المفرش الليلة اليارحة 
فى الشارع كلب طوال الليل كان نابحا 
فاقاق نومى وكدت لذلك نائمة 
ووضع الخبز معكوسا ... 
أكومات 
لاشك Ge oil‏ 
التركى الأعظم لم يعد بينقا(11) 
هل القرئ الثامن عشر والتصرفات القريبة التى سادت « هكم الديريكتوار » والمغامرة 
النايوليونية والرومانسية البانغة كل من رفذى أن يشارك فى الهوجة الإمبراطورية دون 
أن يرتبط فى الوقت ذاته بالثورية اليعقوبية ( الجاكوبية )ولا بتقنين الأو .اع الجديدة 
الزاحفة لجأ إلى السخرية مثل بينجامان كونتسان وهنرى بال ( ستاندال ) . 
جان - فرنسوا شامبوليون فضل أن يضحك من ذلك الزمن بدلا من أن ييكى مرفما . 
لعله احتفظ بدموعه للبكاء على أول امرأة أحيها يولين بيريا التى توفيت ( يمرض 
السل ) قى يوليو7١١8١‏ وهى فى التاسعة والعشرين . منذ أن عرف لويز قبل ذلك 
تزال الأسرة محتفظة به فى « قيف » يقدم لنا وجها « جميلا » وإن كانت خطوطه غير 
منتظمة وتعبير ينم عن مرح طبيعى سلس . كل ما عرف عن الشاية المتوفاة وهى قليل : 
عن ضحكها وتحفظها الطبيعى » وعن مسحة الحزن التى إجتاحتها بعد إنسحاب 
ه صغير » هو فى صالح صورتها الجميلة .. نراهن على أن وفاتها أثرت فى جان - 
فرنسوا وكلفته أكثر من الدموم العايرة . 
هل أضافت ذكرياته عن لويز ديشان بعد أن هجرها فى أكتوين 18-5 إلى تعتيم 
حياة جان - قرنسوا ؟ لم تعرف علاقة نسائية فى تلك المرحلة من حياة هذا الشاب 
اللامع والمحبوب . وإذا حدث وأقرض الشعر الركيك فى صالون قورييه على حساب 
إحدى السيدات المسماه لويز وقد وصفها بأتها سمحة ومتواضعة فإنه لم يكن يقصد 


218 


بالتاكيد لويز الباريسيه وهو بالقطع لم يكن ليذكرها فى وسط كهذا . ولعله أيضا قد 
طوى هذه الصفحة القديمة مما سمح له بالحديث عن سميتها . يقول اين أخيه وهو 
دائماً متحفظ فى حديثه - فى كتايه « حوليات دفينيه » : « إن الخطاب الذى أرسله 
لصديقه سان مارتا لتسليمه عام 1841١‏ كان « وداعا » كله حنان ومواساة رقيقة قيقة (12) » 


إلا أن لهجة الخسااب اللرفق تدفع إلى الشك فى أن قطع العلاقة تم بطريقة سلسة 


مع ذلك يوجد دليل أى مق Re‏ أليماً فى 
حياته وهذا ليل جاء فى سياق خطاب أرسله صديقه جوجون تاجر الكتب الدوفينى 
أن ياف إلى باريسن لأن هذه الرحلة ر تكن قطعا مسد ل" . ثم يضيف :« إن 
السيب الذى أبقاه يعدا قد زال . الشخصية التى تعرفها CS qi‏ منذ أكثر من سبعة 
أشهر * ٠‏ » كان الجرح إذن ما زال حياً حتى أن چان - فرنسوا كان يمتثئع عن 
الذهاب إلى العاصمة حتى لايخاطر بلقاء لويز .. زواج السيدة قطع الطريق على خطر 
الوقوع مجددا فى علاقة حب جارفة . 

كان باختصار يعيش فى جرونويل حياة أستاذ جامعة إقليمية . محموماً ياعداد 
وتنظيم دروسه التاريخية الطموحة . كان يتردد كثيرا على منزل أخيه فى قيف حيث 
كانت أسرة جاك - جوزيف تستقيله بكل ترحاب Diag‏ . هناك فى غرفته الصغيرة 
بالدور الثاني حيث ما زالت أثار أبحاثه محفورة فى خشب السقف وفى غرفة المكتب 
الصغيرة حيث كانت تتراكم أوراقه وكتيه كما كان الحال فى شقته شقته الصغيرة جداً 
الواقعة فوق دار كتب جرونويل . . فى هذه الأماكن كان جان - فرنسوا شامبوليون 
يطرح أسئلته عن العلامات الهيروغليفية . 


فى 4؟ مارس ١4٠١‏ وصل إلى جاك - جوزيف شامبوليون - فيجاك خطاب من 
سيلفاستر دو ساسى فحواه كانت من النوع الذى يمكن أن يهدم جميع أمال آخيه بل 
وهدف حياته كلها إذ كتب هذا الرجل العظيم يقول : 

٠‏ ولازات ممتفظا بالأثر الطيب الذى تركه لى أخوك وإنى أهيب به ألا يدرك 
الآداب الشرقية أيد | . غير أنى لا أعتقد أنه يجب أن يبقى متعلقاً يحل شفرة نص 


+ كانت لويز قد ترملت فى 1431١‏ 


219 


على عمل شاق يجعل الإنسان EU‏ أحلامه أحيانا أنها Pa‏ 


تحذير قاس كان من الممكن أن يجهز على دياة الكثيرين . لعل الشقيقين 
شامبوليون فسرا هذا التشاؤم بما حدث من خيبات أمل متكررة للمستشرق الكبير . إذ 
أنه حاول كثيرا مع النص ولأشهر طويلة فى عام ۱۸٠١‏ دون أن يصل إلى أى نتيجة .. 
مثلما حدث مع غريمه السويدى داقيد أوكرياك 5 تقرييا . لأن أوكر بالد قد نجح - حيث 
فشل تماماً من سبق من الرواد - فى أن يقترح على الأقل أبجدية ما وأن يتعرف على 
تشابه يجمع بين مختلف الخطوط المصرية القديمة . أمام كل ذلك ماذا كانت فرص 
الرجل الشاب فى قيف ؟ 


]3 « السيكلوثيميين » ( الذين يعانون من تناوب النشوة والإحباط ) يتميزون بان 
التحدى, يعيد لهم النشاط . ففى حين يدقع حثهم على العمل إلى الانكماش فإن كلمات 
مثل تلك التى وجهها له أستاذه كانت كقيلة بأن تلهب « صغير » . هذا الذى إعترف 
لأخيه فى يوم من الأيام بأنه ينوى ترك المجال الفكرى وليتفرغ لأى عمل يدر عليه مالا 
أكثر - ها هى شعلة متقدة مقبلة على العمل . 

بعد أقل من ثلاثة أسابيع من تحذير دى بساسى له وصله خطاب من صديقه بسان 
- مارتان يسأله عن أيحاثه فى حجر رشيد . اعترف فى رده أن إعداد محاضراته قد 
عطلته بعض الشئ إلا أنه أضاف : « ... على الرغم من أن ماكتبه مسيى نو بساسى 
فى هذا الصدد لأخى ليس من النوع الذى يشجعنى [..] إلا أننى أمل أن أعود للعمل 
بنشاط فى هذا الموضوع ... » 

عدة عوامل تواقرت حينذاك لصالح المشروع . يجب أولا ألا نهمل أهمية الجو 
العائلى والمحلى المحيط . فالعودة إلى جاك - جوزيف أعادت له الشجاعة . الأسياب 
التي أثرت سلبيا على علاقاتهما مثل شطحات تلميذ الليسية ونفقاته كطالب شح يد 
الأخ الأكير وطلباته الملحة - كل ذلك إختفى . أصبحا متلازمين فى عمل واحد يجايهان 
الأعداء ء نقسهم ٠‏ طموحاتهما واحدة . يتبادلان المعلومات والأراء : موهية دراسة 
لأصول لدى الأول تقوم بتفذية العبقرية الخلاة دى الآخر . 


am De PE À 1۸1۰ 


220 


المعروضة . أهم قطعتين كانتا عبارة عن تابوتين ( أحدهما يحتوى على المومياء الخاصة به ) 
أهداهما للمكتبة مسيو دو مور عشية قيام الثورة وكان يعمل قنصلا عاما فى القاهرة . 
من المحتويات أيضا جزء من تمثال من الجرانيت الأسود بعض قطع أوشبتى بعض 
تماثيل من البرونز ووعائان كانوب ( بسنعود للحديث عنهما ) . . كان هذا الكنز 
« الصغير » موضوعا تحت إشراف المستكشف فى عام TA NAN‏ 

من المؤكد لنا أن جوزيف فورييه لم يكن لديه ما يمنحه لهذا المتحف الصغينى يعد 
عشر سنوات أمضاها فى جرونويل التي ريطها إسمه وأسماء أخرى يمصر conne‏ 
ولكن لابد وأن الأخوين شامبوليون قد عبرا عن أسفهما لأن جان - مارى دويوا - 
أيميه وهى دوفينى آخر من الحملة على مصر فضل أن يحتفظ بمجموعته فى ميلان وهى 
إحدى ضواحى جرونويل . 

فى مجتمع جرونوبل لم يكن فورييه وفيجاك وحدهما يشجعان « صغير » إذ كان 
للأب جانتال دور ملهم أيضا . وهى الذى كان مديره فى الليسيه قبل بضعة أعوام 
وأستاذه فى مادة القواعد وقد إلتقيا عند المحافظ وفى جميع الأماكن التى يجدى فيها 
تبادل للأفكار . 

كان الأب جاتال عالم لغويات . فى شهر مايى 180١‏ قدم إلى جمعية العلوم 
والفنون بحثا يعبر فيه من اعتقاده أن الحروف الأبجدية « بدأت تظهر على الأرجح فى 
مصر » وإن دراسة الحروف الهيروغليفية تظهرها « متشابكة مع رموز مختصرة ومع 
علامات نوعية » ولابد وأن المصريين قد قادهم تفكيرهم إلى « إحلال علامات ترمز إلى 
أصوات فقط محل العلامات التى ترمز إلى أشياء » . لابد وأن شاميوليون « صغير » 
قد تأثر إيجابيا يهذه الأراء العميقة ,(15 ْ 


توفی کلود جاتال عام ۱۸١۲‏ بعد نشر أول نص من تأليف جان - فرنسوا 
شامبولیون وهی « مصر تحت حكم الفراعنة » . .. لم يعثر على أثر للرسائل التي 
تيادلها مع تلميذه القديم : ولكن لايوجد مجال لأن نشكك فى أنه أدى دوراً فيما قام به 
المستكشف . 
قادها غييه كانت كافية لأن تحمس جا - فر وا قهو لم يكن يتحمل فكرة أن أ 
غيره يمكن أن يبحصبل على أغصان الغار ... فهى له وحدة وهى الذى يستحقها . وهكذا 
المحب إذا بدأ الملل يتسلل إلى قليه كانت الغيرة كفيلة بإشعال نار حبه من جديد . 


221 


في ذلك العام 18٠١‏ كشن الحديث بل لم يكن هناك غيره - عن نشر كتاب إتيان 
كاترومار الذى إستغرق تأليفه سنوات عديدة « دراسات جغرافية وتاريخية عن مصر » 
قإذا كان جان - فرانسوا شامبوليون لا يتحمل ولا يقبل أن يغامر أحدهم فيطأً أراضيه 
فإن هذا الرفض يتضاعف إذا كان المتعدى هو هذا « اليوليكارب » الخبيث والمتعنت 
قهو يحتقره إلى أبعد حد ؛ وزاد حنقه عندما إمتدح دوساسى كتاب غريمه على الفور. 
وكان دوسابسى صديق كاترومار وزميله فى المعهد ويريطهما علاقة عائلية .. ما العمل 
فى هذه الحالة ؟ لاشئ غير إستعادة المبادرة وإفهام الوسيط العلمى أنه « المصرى » 
وليس أحد غيره وهى الذى يفتح الطريق وينيره ! هيا يجب رفع اللواء .. 
الصغير ١‏ حثا مطولا أمام أكاديمية الدوفينيه ( ثلاثون صفحة من القطع الكبين مكتوبة 
باليد ) ه ضوعه « كتابة المصريين » * حدد فيه الموقف الذى وصلت إليه أبحاثه كما لو 
أنه أراد ن يسجل موقفه بالنسية لمنافسيه مع علمه التام بأن نتائجه ما زالت عائمة 


us, 


وموفده . 

تحديد مواقف أو بیان رسمی .. إنه مستند أخاذ مدهش فيه يرفع حجان - فرنسوا 
شاميوليون من جسارته المعتادة » يوجة تقده لكليمان السكندرى ولاذب أثانار كيرشار 
والمطران واريورتون على نفس الدرجة من الحدة الفظة فى خليط من الأفكار الحدسية 
العميقة والأخطاء البينة وذلك بأسلوب حى ولهجة نضالية .. من المؤكد أن مراقبيه 
إستشعروا وتنبؤا له بمستقبل واعد . 

قى ذلك اليوم السابع من أغسطس ١8١٠١‏ سمعه أعضاء أكاديمية جرنويل يؤكد 
أن الهيروغليقيات حروف كتابية وليست كما أدعى البعض ** أعمال نمطية زخرفية . 
ولكن يجب إعتبارها الشكل الأخير الذى اتخذته مختلف الكتابات المصرية ٠‏ سبقتها 
الكتابة المتصلة أو ديموطيقية التى هى « الأساس الأصلى لهذه المنظومة » . مضيقا : 
للهيروغليفية ؟ إن قى ذلك سير فى اتجاه معاكس للتفكير البشرى » .. !! 

تأسيسا على هذا التأكيد ( المشكوك فيه ) الخاص بسي التفكير من السهل نحو 
المركب » قدم « صغير » عدة إقتراضات جديرة بالاهتمام . أن الخط الديموطيقى 

+ على صفحة الغلاف كان العنوان الكامل هى « الكتابات القديمة المصريين « » مكتبة جروندويل 
مستند , 6 AF N0‏ 


++ منهم الأب روتلى . 


222 


الأصلى والذى كان يستخدمه المصريون فى أعمالهم اليومية يتكون من خمسة وعشرين 
حرقا » وإذا كان الخط المتصل ( الديموطيقى ) أبجدى فإن الهيروغليفيات تضم أكثر 
من ثمانمائة شكل ولا يمكن أن تكون كذلك بل هى أحادية المقطع . كما أن هذه 
الرموز أى الأشكال لايد أنها تعبر عن أصوات .ولولا ذلك لما كان فى استطاعتهم أن 
« ينقلوا » إلى الأسلاف أبسماء الملوك المصريين والأمم الأجنبية والقبائل .. » كما أن 
» الهيروغليفيات لم تكن رسما للأفكار » ولكن توجد كتاية رايعة - ذات طبيعة « رمزية » 
مكونة من رموز وأشكال وهى فى المعابد المصرية توضع فوق الهيروغليفيات » وقد أدى 
الخلط بين هذه الأخيرة مع الرموز إلى أن أصحاب المؤلفات الحديثة قد ه تراكمت 
منظوماتهم فوق بعضها دون أن يخطوا خطوة هامة واحدة نحى فهم هذه الكتابة المقدسة » . 
فهل قام هو بهذه الخطوة الهامة إلى الأمام ؟ إننا نراه يخطی إلى الام ۾ لکن 
سرعان ما يرجع للخلف .. تراه يؤكد أن الهيروغليفيات لم تكن حكرا على الكهنة وإن 
بعض العامة كانوا يستخدمونها أيضا وهذا مشكوك فى صحته . لكنه يخرج من هذا 
التاكيد غير المؤكد بفكرة مثمرة رهى أن ما دامت المنظومة أحادية المقطع فمن الممكن 
أن يتحلل على شكل أيجدية . 
« جميع المقاطع الأحادية فى اللغة المصرية كان لها مدلول محدد » دم يعرض يعد 
ذلك أن المزج بين العلامة المقطعية » المعبرة عن اليد (هى) أما العلامة المشيرة للوجه 
( إى ) تقرأ ٠‏ يعبد » . هذه التركيبة الدقيقة من مقاطع أحادية مصورة تشكل ٠‏ على 
ما يبدو المنظومة الويروغليفية المصرية » ثم يخلص إلى ما يلي : 
« يترتب على ماسيق عن الكتابات المصرية الأربع أن واحدة كانت تستخدم فى 
الشئون اليومية العادية وفى التجارة . والثانية الهيروجراماتيكية ؛ كانت تستخدم فى 
الكتايات الدينية (..) وتعرفها الطبقة المتعلمة من الشعب وكذلك الهيروغليفية التى 
كانت تستخدم فقط فى الكتابة على الممابد والصروح الأخرى . الكتابة المقبسة 
الحقيقية والتي لم يكن يقهما سوى الكهنة كانت هي الرمزية وكانوا لا يكشفون 
ميادئها إلا للخاصة والطبقات الأولى فى الدولة . ولم يكن السبب وراء ذلك هو لجداع 
الشعب أى لاستعباده [ .. ] ولكن للحقاظ على سرية حقائق عليا ليست فى متناوله 
۰ [... ] بفضل هذا النظام العاقل بأن أنشات ديانه للشعب وأخرى للمتنورين [ .. ] أن 
حكومة مصر لم تضطر يوماً إلى قمع المجددين وأن هذه الأرض الشهيرة لم تتلون 
أبداً بدماء التعصب » .. 


223 


فلسقة غريبة نايعة من شاب أشيع عنه أنه ( يعقويى ) ( ثورى متطرف ) ! ماذا 
إذن عن هذه« الأفكار المضيئه » المحجوزه الصفوة المستنيره .. وماذا عن 
D ann‏ المجددين » .. غير أن أهمية كلامه لا تكمن فى الشطط الأيديولوجى 
إنما فى التقدم الذى أحرزه كعالم تلغويات فى مجال أبحائه « أنتقدت بالطبع عودته 
إلى فكرة « الرمزية » والتي أسقطها معظم الباحثين ! هذه الهفوة وكذلك الخطأ المتعلق 
بالتسلسل التاريخى لمختلف الكتابات المصرية ( من « البسيط » إلى المركب ) لايمكن 
أن يغطيا على إبداعية فكرته الخاصة بالمعنى الصوتى والتصورى للهيروغليفيات : قمن 
حدسه هذا خرجت الحقيقة . | 

نعم أخطأ ولكن حقق أيضا تقدما وتنشيطا لمشروعه وطرح تساؤلات طريفة . لم 
يترك أحد من الجمهور الذى لمستمع « للمصرى » تقريراً عن الحدث . من المتوقع أنهم 
تاثروا بحماس الشاب » وتحت تأثير فيجاك وضمعوا ثقتهم فى نجاح أصغر أعضاء 
الأكاديمية الدوفينية سنا الذى سيحتفل بعد أريعة أشهر بعيد ميلاده العشرين . 


جان - أنطوان سان مارتان المكنى « بالأرمنى » كان أقرب زملاء دراسة جان - 
فرانسوا الباريسيين إليه . وسبق أن رأيناه يرجوه أن يؤدى له دور ساعى بريد الحب 
لتوصيل رسالته للويز ديشان ويفصح له عن آماله بعد أن أصبح أستاذا فى حل شفرة 
مخطوط حجر رشيد . مشاغل بسان - مارتان المهنية ومن بعدها مشاغله السياسية 
ستفرقهما قبل أن يتصادما بعنف . ولكن فى هذه الأونة التى نحن يصددها كان 
« الأرمنى » هى صديق المراسلة الذى يبوح له « صغير » بأسراره وهى ما أتاح إمكانية 
متابعة مراحل عمله بدقة وتطوره الفكرى . 
0 الحوار بين هذين العالمين فى اللغويات يتوه كثيرا فى منعطفات لا تنتهى وفى 
منحنيات « قضية يوليكارب » التى سبق أن أشرنا إليها ويجب أن نعود إليها هنا ! 
إتيان كاترومار - تلميذ دوساسى - كان متعمقاً قى اللغة القبطية كان قد نشر فى 
عام 18.١4‏ * بحئا فى « لغة وأداب مصر» * ثم أعلن عن قرب ظهور « دراسة جغرافية 
وتاريخية عن مصر ** وكان ذلك متزامنا مع إعداد جان - فرانسوا شاميوليون لكتابة 

» كان يكبر جان - فرنسوا بثمانى بسنوات . 

+ تشر فی ۱۸۱۱ 


224 


« مصر فى عهد الفراعنة » وهو البحث الذى كان قد عرض فكرته العامة أمام 
« جمعية العلوم والفنون يجرونويل » عشية سفره إلى باریس فی خريف ۱۸۰۷ . وكان 
واضحاً أن الكتابيين سيدخلان فى منافسة ستزداد حدة بقدر ما كان المؤلفان * 
ينفران من بعضهما لتصل إلى درجة الصراع المعلن . 

حاول الشقيقان شامبوليون أن يسبقا كاترومار بأن ينشرا « مقدمة » كتاب 
« مصر فى عهد الفراعنة » على حدة . إلا أن « بوليكارب » كسب الجولة فقد ظهر 
كتابه فى يناير 14١1١‏ أما مقدمة أستاذنا الشاب فى جرونويل فقد طبعت فى أكتوير 
٠6م‏ إلا أثها لم توزع على الجمهور سوى فى الأول من مارس ١8١١‏ .وقد عرضه 
ذلك إلى خطر إتهامه بسرقة أفكار غريمه فى مجمل إكتشافاته عن أُسماء المدن 
المصرية بإعادتها إلى تسميتها القبطية أى المسموعة لأنها هى الأسماء الفرعونية - 
وكان هذا بالضيط مايقوله كاترومان . 

استقبل جان - فرنسوا فى البداية الأمور ببساطة وكتب فى ٠١‏ قبراير ١41١‏ 
إلى سان مارتان يقول له أن نشر كتاب « بوايكارب » تسبب له فى « خوف أكثر مما 
تسبب من ضرر » لأن غريمه لم يقدم سوى أسماء ٠١5‏ مدينة فى حين ينشر هى ١74‏ 
إسما ثم أنه شعر براحة نفسيه بعد قراءة تعليق سان مارتان المادح لكتابه الذى أرسل 
له منه نسخة مطبعة لم تصحح . علارة على أن « المقدمة »” حازت تأييد جومار ولم 
يكن هذا يقليل نظرا لأهميته المزدوجة بصفته أحد قدامى الحملة المصرية قى ۱۷۹۸ 
ولكونه أيضا عالم جغرافيا وكان تأييده يحول دون تعرضه لذلك وكتب يقول لجاك - 
جوزيف فى ١‏ يونيى 1١41١١‏ أنه م فوج مفاجأة سعيدة »لما وجده فى هذا العمل « من 
أفكار تتطابق تماما مع ما كتبته » وهى ستساعد « فى تكملة وصف مصر » ©19) , 

أما أيال دى ريموز! ٠‏ دارس اللغة الصينية فقد كتب فى ۱۲ فبرایر ۱۸١١‏ إلى 
شاميوليون فيجاك أن أخاه الأصغر قد وضع نفسه مرة واحدة « فى مصاف العلماء 
المشهورين » وأنه لن يجنى من هذا العالم سوى الأذى لأنه على حق . 

« على حق » ؟ الأمور ستسوء فعلا :سيلفاستر دوسابسى الذى أرسله له صغير 
« المقدمة »وهى يشير إلى ماتدين به أبحاثه لتعاليم أستاذه فى الكولاج دى فرانس , 
أشاد علنا بكتاب كاترومار : إذن الأستاذ العلامة لم يكن مقتتعاً « بخبرته المصرية » 
وعليه فإنه سيثبت له« أنه يعرف اللغة القبطية كما يعرفها بوليكارب الذى لم يدرسها 

× نفور جان - فرنسوا لبوليكارب هى المعروف لنا . أما نفور كاترومار فتستنجه من كرهه البشرية 
جمعاء - فبالأولى منافسيه . 


225 


إلا سطحيا» . وكتب صغير فى أحد خطاياته أن الصحف «١‏ لم تعامل منافسه ينفس 
ايجابية دوساسي » مختتما خطايه بقوله « إن العدى الميت رائحته طيية » ياه !! 
بعد ثلاثة شهور تفاقمت الأمور . سيلقاستر دوساسى بعد أن أرسل له خطاباً 
رقيقا يشكره فيه على الكتاب ؛ نشس فى « المخزن الإنسيلكوبيدى » تقريرا كله تحفظات 
عليه غضب جان - فرنسوا : 
« مقاله س . دو س . فاجأتني ولكنها لم ترهبنى . كنت أتوقع عملا من هذا النوع 
ولكن لم أكن انتظر هنه أن يذكرني باستهرار بكتاب بوليكارب وبأن من الصعب أن 
يشتهر كتابى وسط بريق أمجاد صديقه » . 
وكان ذلك إعلاناً للحرب : ضغط جان - قرانسوا على سان - مارتان ليعان عن 
. رأبه الايجابى فى « المقدمة » وحثه على أن « يشهر كل طاقاته ضد بولیکارب » فهو 
Lille‏ سيرث « إستيداد » دوساسى قى الكولاج دى فرانس ... ثم أقنع أخاه بأن يشن 
الهجوم الماد ياسمه sl. Sail ess plis‏ إستلم نوساسى بعد عدة أسابيع خطاب 
عتاب مطولا فند فيه « مذكرته الكريمة » بدقه قاسيه جدا فهى يذكر أن أخاه لن 
« يستعيد ٠»‏ بأى حديد من كتاب مسيى « ك » لسبب بسيط هى أن كتاب أخيه قدم عام 
۷ إلى أكاديميه جرونويل وأرسل فى حينه إليه شخصيا - أى اساسى - 
كما أرسل إلى لانجلاس وجومار وقوريبه . كما يؤكد جاك - جوزيف أن أخاه 
لكى يرهن على « حرصه وحياده » و« عن رغبته فى عدم الدخول فى صراع " بأنه 
لن يكشف علنا » الأخطاء التى وقع فيها مسيى« ك » . ويختتم جاك - جوزيف كلامه 
حادا مهدداً وهو أمرغير عادى بالنسية لشخصية لها هذا القدر ثم يقول « إن الظلم قد 
يجهز على حماس أخيه بعد أن جمع مادة ثرية لدرجة « تجعله أفضل بكثير من أى 
شخص آخر » فى مجال فك شفرة الهيروغليفية 17) , 
ويعد بضعة شهور » سيحمل جان - فرانسوا نفسه السلاح فى خطاب لسان - 
مارتان . إن يعلن أن « لواء الحرب قدرقع » وأن « الوضيع كاترومار يرى صولجان 
الشرق يهتز بين يديه » وينهى كلامه قائلا : « إن بروتوس مثلك وكاسيوس صغير متلى 
لهما أكثرمما ينبغى [..] ضد قيصر بهذا الحجم التافه [..] دع كتابى « مصر » يظهر 
وسيكون نقطة خلاف ممتازة نلقى بها وسط أعدائنا .. ». 
إذا نحن توقفنا طويلا عند هذه القضية التاقهة عن منافسة حول من سبق من بين 


۽ هتا السخرية تخطت الحدود . 





226 


الحديث ونزعته ته إلى الانتقام وهو ما جعل الشقيقين شامبوايون فر قة قوماندوز أسقطت 
بالغللات وسط البرابرة - فما أن يظهرمناقض له إلا وسحيت يواه مارات ارون 
إذ إن عالم الإيجيبتواوجيا بثو بما يلور حوله من صراعات المسابسيات الوطنية 
والمنافع الشخصية والتحزب الشللى ولى أن ذلك كله يحدث لمصلحة مجد الآلهة . 
حرب « الجال » المصغرة هذه ضد « قيصر الصغير » لم تشتت فكر جان - 
الكتابة المقدسة . وإذ ساأله سان - مارتان عن موقفه منها رد عليه فى ١١‏ أكتوير 
۲ بما يلى : 
« لم أحرر يعد مؤلفى عن قواعد اللغة المصرية إلا أن خطة العمل فيه إكتملت (..) 
إنى قمت بتحليل اللغة القبطية أى المصرية لدرجة أنى على إستعداد لتدريس 
قواعدها لأى فرد فى يوم واحد ( ..) سابد بأن أثبت أن الكلمة المكونة من مقطعين 
هى فى الأصل مكونة من كلمتين أخريين . إن هذا التحليل الكامل للفة المصرية 
يعطيني دون أى شك " تاع أمسل النطومة الهيروغليفية وسوف اث ثبت ذلك (..) 
ولكن هس ! » 
هس ؟ بعد خمسة أشهر أصبح باحثنا أكثر ثرثرة وأفشى لمراسله إحدى أكثر ‏ 
اکتشافاته آهمية منذ أن شرع فى دخول مغامرة ‏ 
eu. »‏ بوجد فى الهيروغليفية بة نوعان من الرموز . 
)١(‏ ست رموز أبجدية [.. ] من حجر رشيد 
dde (*)‏ ]..[ محدل من محاكيات لأشياء فى الطبيعة 6 
لقد توصل بذلك إلى ثلاثة عناصر من الخل : أولا إن المنظومة الهيروغليفية 
CORRE TRES TER ALT Leur‏ 


x‏ أقل ما يقال عن هذه الكلمات إنها زادت عن الحد : أى أنها سابقة لأوانها فهى لن يقيمها إلا بعد 


عشر سنوات كاملة . 


227 


وأخيراً أن لها قيمة ( فونيتقية ) ( منظومة سمعية ) . هل يعد ذلك خطوة هائلة إلى الأمام ؟ 
هى فى جميع الأحوال خطوة بالفعل ٠‏ . 
إلا أن مطاردة الحقيقة لم تتم فى ميدان اللغويات فقط فهى يبحث أيضا فى 
مجالى الطقوس الدينية والمعتقدات . متحف المكتبة الصغير كان يحتوى على وعائين 
كانوبيين من الألبستر الجزء الأعلى لأحدها عبارة عن رأس قرد والآخر رأس ابن 
أوى وكان قد إصطلح على اعتيارهما رموزا للماء أصل الحياة عند المصريين القدماء . 
هل هذه هى الحقيقة ؟ للتاكد من ذلك قام جان - فرنسوا فى نوقمير 18411 بإجراء 
تجرية هى الأولى من نوعها عليهما . إن وضعهما فى ماء يغلى أذاب البلسان التحنيطى 
الذى يغلفهما وهو ما كشف عن شئ ملفوف فى قطعة قماش صدرت منه « رائحة 
حيوانية » .. هل هى كيد أم مخ أم مخيخ أم قلب إنسان ؟ لقد إكتشفها .. الإناء 
الكانويى يستخدم فى طقوس التحنيط . 
أفضل من ذلك قوله لسان مارتان إن هذه الطقوس هي جزء من عملية محاسبة 
الأرواح وأن الرءوس التى تعلى الأوانى الكانوبية -- لسيدة si‏ إبن es‏ أو صقر أو قرد - 
ترمز لصفات إلهية مثل الرحمة والعدل وروح الحياة وروح الوت . « توصلت إلى 
المنظومة الشاملة له المادية والفكرية التحنيط » صرخة نصر جديدة وخطوة أخرى إلى الأمام . 
فى خريف 18١١‏ عير له سان - مارتان عن دهشته ؛ لأن الياحث يشكك فى 
الجانب « القدسى » أى المخصص للكهنة دون سواهم للهيروغليفيات - وهى ماسيق أن 
أكده فى بحثه المقدم لأكاديمية جرونويل فى /ا أغسطس 18٠١‏ - إلا أنه هنأه على 
إكتشافه « وأن الكتابة المذكورة تعبر عن أصوات الكلام المتطوق » رد عليه أستاذ 
جرونويل : 
« ما زلت أدرس نص حجر رشيد والنتائج لا تتابع بالسرعة التى أود [..] 
الهيروغليفية ؟ هذا هى السؤال العظيم . لدى أفكار كثيرة إلا أنى لا أجروء على 
تصديقها إلا بعد أن أتوصل إلى شئ من النجاح [..] أرجى أن تكون مسرور! من 
تحفظى فى هذا المجال [..] لايمكن أن يحذر المرء نفسه من نفسه بما يكفى [..] لقد 
توصات إلى نتيجة قى غاية الأهمية . هو أقتناعى بأن شكلا هيروغليفيا واحدا - أى 
معزولا - لايمثل أى معنى ولكنهاموزعة فى مجموعات بدأت أميز يينها فى سهولة 
[..] المنظومة الهيروغليفية مثلها مثل مثل اللغة المصرية . مقطعية بالكامل ... » 
معرفته باللغة القبطية كانت مغيدة له جدا . إلا أنها هنا ولى لمرة واحدة تسيبت فى 


228 


فى نهاية أكتوبر 1415 ظهر له أخيرا كتاب « مصر تحت حكم الفراعنة » فى 
جزعين الذى هى فى الواقع كتاب عن جقرافيا مصر فى العصر القبطى . وقد عبر 
أسان مارتان فى خطاب له عن « سروره وإرتياحه » لأنه « أنجب طفلين بدينين قد يكون 
لهما بعض العيوب وإكنهما يعطيان على الأقل بعض الآمال » .و « بسيجنى المرء بعض 
ثمار عمله » - حتى لى كانت هذه الثمار محاطة ببعض الأشواك . اعتبارا من ٤‏ مايى 
6 كان نابوليون منفيا فى جزيرة إلبا ولويس الثامن عشر فى مقر التويلورى - في 
حين كانت جروئويل - ولأول مرة فى تاريخها الحديث - قد عانت من الام الاحتلال 
الأجنبى للقوات المتحالفة النمساوية الساردية . أقل ما يمكن أن يقال هنا هى أن عودة 
آل بوريون إلى عرش فرنسا لم تكن من ناحية المبدأ لتروق الشقيقين شامبوليون 
فبالنسبة للشقيق الأكبر فعلى الرغم من بعض الأخطاء التى ارتكبها مؤخرا فإن حياته 
العملية بأكلمها بدت مرتبطة برجال وبمؤسسات الامبراطورية أما بالنسبة للآخر CG‏ 
. جمهورى من قمة رأسه لأخمص قدمه . 

ومع ذلك فإننا نلاحظ أن أزمة النظام الامبراطورى ثم إنهيارها لم تثر قلق لهذا ' 
أى ذاك فلا يوجد فى مراسلاتهما سوى أثار قليلة نسبياً عن هذه الأحداث الرهيبة : كل 
شئ يشير إلى أنهما عاشا الكارثة الوطنية أو الشخصية على أنها عقاب على الأخطاء 
التى إرتكبها الذظام الامبراطورى وعلى تجاوزاته . 

من جهة آخرى تنجد توقيعهما أسفل خطاب لجهاز الأكاديميه لمدينة جرونويل نشر 
فى ۲۷ آبریل ۱۸١١‏ يؤكد أن فيه تشيعهما لنظام آل بوريون الجديد ويعلنان عن أنهما 
« يعبران عن عظيم تمنياتهما لسليل فرنسوا الأول النبيل الذى سيحافظ على ازدهار 
العلوم والفنون كما أنهما يحيطان بكل الحب صاحب الجلالة حفيد الملك الطيب هثرى 
الذى سيعيد إلى الأمة السلام والسعادة » . 

لم تكن الفترة من ١‏ إلى ٠١‏ أكتوير عندما قام« السيد » الكونت دارتوا 
شقيق الملك ورمز عودة« المتطرفين » بزيارة لجرونويل سوى سلسلة من الاحتفالات 
ولا نجد أى أثر لإستنكار الأخويين » أما فورييه فقد وقع على التعليمات الأتية 
لمعاونيه : «... ثلاث ساعات قبل مرور الأمير [..] يجب أن تكون الحشود ضخمة جداً 


229 


]..[ لاشك أن رجال الدين سيتدافعون للإاعراب عن تحياتهم [ ..] يجب أن تطلبوا منهم 
أن يساندوا أراعنا وأن يتجمعوا بملايس الاحتقالات على شكل مسيرات فى المكان 
والموعد المحددين [..] ستعدون اللافتات مكتوب عليها الشعارات مزينة يزهور 
الزنبق * (..) الأعلام التى سيحملها السكان سيكون لها أفضل تأثير .سيحملها 
رئسا ء المؤسسسات أو الشباب . يجب أن تعلو الهتافات من كل ile‏ . ويجب أن 
نسمع هذه الهتافات « يحيا موميى »و« يحيا الملك AT‏ يحيا الدوق دانجولام »« تحيا 
مادام »وى« يحيا آل بوريون » . 

هل كان هذا التأييد مفاجئاً ؟ 

بالنسبة لچاك - چوزيف كانت الأمور بسيطة بعض الشئ : كان مغضوياً عليه 
منذ يضعة أشهر أو على الأقل فى حالة عدم وفاق مع السلطات الأمبراطورية بعد وفاة 
دويوا فونتانال فى ١417‏ أصبح هى عميد كلية الآداب وكبير أمناء ومدير المكتبة إلا أنه 
قد فشل أيضماً فى أن يعين مفتش عام التعليم مثيراً فى هذا الصدد تكتلاً مناهضاً له . 
وقد كشف ذلك عن أن نجاح الشقيقين أثار أحقاداً حادة وعلى الأخص غيرة سكرتير 
فورييه وإسمه لوياسكييه . Tous.‏ من ذلك أنه كان قد سر فى 181١١‏ مركزه المحيب 
والذى كان يتمسك به جداً وهی رئيس تحرير « حوليات الإيزار » . 

لماذا ؟ لأنه سمح بنشر بعض الأخبار دون أن يعرضها على الرقابة تؤكد 
الخسائر الفادحة فى الرجال التى تتسبب فيها الحملات الحريية الامبراطورية وخاصة 
فى أسبانيا - كما لى أن هذا التأكيد لم يكن معروفا للكافة . فصدر مرسوم من 
المحافظ ( فى غيبة فوربيه بالمناسبة ) يفيده بأنه حرم من وظيفته ؛ لأنه نشر « معلومات 
ضارة ۸ ') » وقد أكد المحافظ بعد ذلك بتفسه على القرار فى تقرير قاس رفعه للوزير . 

لم يفقد فيجاك بذلك وظيفة هى من أهم عوامل سلطته فقط .. بل لعله كان قد 
خسر أيضا راعيا له وصديقا وعلى أية حال كانت علاقاته بالمحافظ قد تدهورت قيل 
إقصائه عن منصيه فى عام ۱۸١١‏ . هل تبحث عن أسباب هذا التحول فى نوع من 
التنافس الأدبى ؟ مهما كانت طيبة الرجل الذى كان أمينا عاماً لمعهد مصر فهو لم يكن 
ليقبل بسهولة أن تكون مقدمته العظيمة مدينة بهذه الدرجة لشابين مقريين جدا منه 
تعاونا معه فى العمل فلعلهما يعلنان فى يوم من الأيام أبوتهما له يتكمله أوعلى الأقل 


1 + شعار أسره البوريون ( المترجم  )‏ 


230 


نسب العوامل المجددة فيه لهما. إذ ليس من السهل أن تسامح أحداً على ما قدمه لك 
من خدمات يشكل معلن ولامع أكثر من اللازم . 

فى أيدينا شهادة عن هذه الأزمة وما إنفعال چاك - جوزيف إزاعها متمثلا فى 
خطاب حرره فى بداية AY‏ موجه لفورييه وهى ينضح بالضفينه ولهجته حادة جداً . 


« أحد أساتذهة الأكاديمية ]<[ یردد مئذ سكة شهور أنكم أوصدتم بابكم أمامى 
[..] وأن شعوركم ذحوى قد تغير [..] اعترف إن الاشاعة [..] جعلتنى أكثر خبرة فى 
علاقاتى معكم [..] لقد تمت الوشاية بأحد آفراد أسرتى * فى باريس عن أفعال لم 
تحدث وهى قير صحيحة بالمرة بقدر ما هى خطيرة [..] فى زمن أخر كنتم عبرتم لى 
عن عظيم كرمكم بأن تفاتحونى بشئ عنها . [..] إلا أننى لم أحظى بمثل هذا التعبير 
عن تقتكم بى .. « 

ويختتم فيجاك بلهجة كلها مرارة وتهديدية : « وينا ء على ذاك فإنى على يقين » 
يإسيدى » أنكم أن ترفضوا لى (1) استعادة الصحيفة اعتبار من ga ٠١‏ ؛ (ب) 

أن تعيدوا لى مجلدى ** كتاب شقيقى والذين كانا مرسلين لباريس [..] إنى فى 
اننظار شرف الحصرل على ردک بقارم السير أ 


هل حاول فورييه أن يسيئ لسمعة شريكيه المجتهدين الجرونويلوازين » هذا ما 
أوحاه لهما سان - مارتان . وأيده هيرمينى هارتلويان(20) . العودة السريعة العلاقات 
الطيبة بين المحافظ وفيجاك وعلى الأخص فى فترة المائة .- يوم + ٠‏ ثم الوصف 
يعمل على ألا يعرف أحد فى باریس دور الشقيقين شامبوليون فى تأليفه لكتابه وإن 
عملية تشويه سمعتهما لم تذهب إلى أبعد من ذلك . 

رأينا كيف أن ساسى ولانجلاس لايحتاجان لأى تحذير من علو شان الشقيقين 
فكريا وإجتماعياً . الموقف الذى سيتخذه سان مارتان فيما يعد يلقى بالشك حول صدق 
تحذيراته : قهل كان يستعد لأن يدير لهما ظهره قبل أن يتحول إلى العداء العنيف 
والى المضايقات المستمرة لهما ؟ 


* هل كان المقصود هى : حاك شاميوليون ؟ 

*+ « المقدمة » التى نشرت قى ١41١‏ 

**» التى أمضماها نايليون فى فرنسا بعد هرويه من منفاه فى جزيرة ألبا مارس )181١(‏ وهزيمته ثم 
العودة إلى منقاه اليعيد فى جزيرة ساتتيلان فى ۲١‏ يونيو 18١85‏ ( المترجم ) . 


231 


إذا كان للشقيق الأكبر أن يتعلل بمشاكله الأخيرة مع السلطات ليصور نفسه 
ضحية لنابليون معللا بذلك مشايعته لأسرة البوريون فإن الأخ الأصغر لم يخف قط 
ميوله الجمهورية وكان معروقا بعدائه المعلن لرجال الكهنوت والمتطرفين فإن دوافعه 
كانت ومنذ سنين طويلة تحركها مناهضه متنامية نحو النظام الإمبراطورى 

اعتبارا من ۱۸١١‏ تمتلى؛ خطاباته ينقد حاد لمغامرات نابليون العسكرية سواء فى 
أسيانيا أى فى روسيا . وكان بنقل باستمرار لأآخيه الإشاعات المتشائمة للغاية والسلبية 
جدا بالنسبة للآلة الحربية الامبراطورية ومثال ذلك كتب جان - فرنسوا فى خطاب غير 
مؤرخ ويمكن إرجاعه بالنظر لما ذكر فيه إلى أوائل 1411 أن الامبراطور نابليون وهو 
فى طريقه لابطاليا وظهر « وقد أبيض شعره خلال الحملة العسكرية الأخيرة » .. بعد 
ذلك ببضعة أشهر تحدث عن لقاء بين الامبراطور ويعض الشخصيات من « مدينتنا 
الطيبة » أعلن نايليون خلاله أنه سوف يوقع قريباً على إتفاقية قيينا وتعليق جان ٠‏ 
فرنسوا » إما أن الإمبراطور مجو أو أن الاشاعه كاذية . وهذا المقطع الأخير من 
إفتراضى يبدو لى الأكثر صدقاً 

كم بعد ثلاثة شهور نقل صغير لأخيه إشاعة توكد « أن الروس وحلفائهم نجحوا 
فى عبور ثهر الراين فى ثلاث نقاط مختلفة أما قى نابولى فان الملك مورا فى حالة 
يأس وفى البيمونتى الشعب مناهض لنا تماما . الويل للمهزومين ! » بعد يضعة أسابيع 
أخرى ١‏ علم الأستان الشاب لمادة التاريخ بجامعة جرونويل أن « الحكومة تتوقع أن 
يتم غزى الإسبراطورية وأنها تفعل كل ما فى وسعها لتجعل الشعوب تثور » .. ولكنهم 
«ا عتقدوا أنهم إذا هزموا الفكر العام سيكونوا أمثين [. .| فقضوا عليه وسيصيحوا 
Las‏ ضحايا جريمتهم » . 

اختصار تاريخى جميل يعطينا شرحا مسبقا لسلوك چان - فرنسوا شامبولیون 
أثناء عهد « عودة الملكية الأولى » . 


هذا الجمهورى لم ينضم أبداً للعهد الامبراطورى بشكل حقيقى . فقد خشى وهو 
لا يزال مراهقا بل أنه خاف لدرجة الهلع من أن - يجند فى« الجيش الكبير » ( جيش 
(sb‏ . وهى كمواطن يكره التسلط وكمؤرخ يشجب روح المغامرة البونايارتيه : 
ماهو الحكم الذى يمكن أن يقاوم المد المعاكس إذا هى امتد من قادش ) أسبانيا ) إلى 
A pui ad ea LR as‏ إلى العدد الهائل من 
مابى وهى يشعر « بسعادة رهيبة » . 


232 


عدة أسباب دفعته إذن إلى عدم استقبال النظام الجديد بموقف عدائى خاصة وأنه 
يؤكد على دبستوريته وعلى أنه سيحتفظ « بمكاسب الأمة » , ولكنْ هذا لايعنى عدم 
تعلقه بالجمهورية . وهذا هو السيب الذى سيؤدى به تصرفات غامضة جدا - فهو أما 
یصبح انتهازیا كتخيه وفى أحيان أخرى يدفعه إلى أن يعلن ولاءه بنفعيه ساخره مثل تاليران . 
وبالفعل ما أن وصل أل بوربون إلى قصر التويلورى إلا وكان فيجاك يهرول إلى 
باريس : وهدفه أن يجنب كليته الجامعية مصير المؤسسات الامبراطورية الأخرى وأن 
يحافظ على سمعته الشخصية ولعله أيضا يستعيد صفته الصحفية . 
على مستوى وزير الداخلية مونتي سكيى فقد طاليه جاك - جوزيف بأن تتولى 
« حكومة وصصاية » تصحيح « ظلم الحكومة السابقة » . كان فونتان لايزال محتفظا 
بمنصيه ( وفورييه أيضا ) وإستعاد لقبه الرنان « ماركى » وقد طمأنه على مستقبل 
جامعة جرونويل ورشحه لأن ينتخب عضوا منتسبا لأكاديمية الأداب وجعله ينال وسام 
الزنبقة . مما أثار سخرية أخيه والذى أقبه رفيق أى لبس مضيفا « تذكر أنهم هلكوا 
جميعا» ثم حذره أيضا من:الأوهام التى يغرقه فيها أصدقاوه الباريسيون . إنه 
يستشعر فى « رعب مخيف » إعلان عودة ذوى الأردية « السوداء » ( المتعصبين للكنيسة ) 
مما سيدقع « العلمائيين المساكين إلى إعلان تويتهم » ومثال ذلك ما كتبه لأخيه فى ٠٠١‏ 
يونيى 1415 فى بيتين من الشعر . 
« لأتى أعرف إلا عيبهم وتخايلاتهم المقبسة فيا صديقى أخشى الرداء الإسود 
ولاشيئًا آخر.. 
ويضيف موضحاً « تاكد أن الأمال الطيبة التى يعطونها لك ليست سوى الهدوء 
التام الذى يسيق عادة العاصفة ... » 
ثم يضيف فى مرارة : 
« إن الباريسيين هم باستمرار أسواً أوغاد أورويا . إنهم كالكلاب مستعدون دائما 
لتحية أول جيفه تصادفهم [..] إنهم يسعون إلى إنقاذ أنفسهم » هذا كل ما فى الأمر 
[--] [ ثم كتب فى ٠١‏ يونيى ۱۸١١‏ ] : لا مهما حاولت أن تطمأننى على حالة 
الجامعة فأنا أنظر إليك على أنك مؤقت فقط . إن رجال الدين وقد أصبحوا فى كامل 
سلطانهم لن يتركوا من بين أتيابهم فريسة ظلوا يفترسونها بأعينهم لمدة عشرين 
عاما ( ..) أما أنا فمصيرى واضح مثل ديوجين سأسعى لشراء يرميل ..» | 


233 


إنضواء als‏ حجوزيف تحت لواء التظام الجديد أثار سخطه : 


« .. لقد أسأت التصرف جداً . لايوجد سيب واحد يدفع لأن تفعل ذلك .. إنى لم 
أعد أعرقك أنت الذى يتعالى بكل تعقل فوق الرذيلة والغرور والإدعاء [..] إننا 
لسنا على إتفاق فى ذلك وإنى أتوقع بكل أسى أن الحال سيذال هكذا بالنسبة لأمور 
أخرى كثيرة إنتا لا نتشابه كثيرا فيما يتعاق بالأراء ياصديقى , وبما أنى تربيت على 
يديك ويجاتبك ولكنى أيضا مختلف عنك من الأساس ولعل ذلك راجع إلى الطبيعة .. 
وعلى الرغم من أن دوافعنا كانت تأتينا فى أحيان كثيرة فى اتجاهات عكسية فإ: 
(2 , 


أرجى آلا ينتج عن ذلك أبداً نقاش ji‏ غضب e‏ 


تشدد محمود ولكنه وقتى فبعد أيام قليلة سترى صديقنا حجان - فرئنسوا « تحول 
تماما ودخل مذهب « الواقعية » : 


« تقرب بقدر ما تتمكن من مسيو دو شوازول” .. ولاتدنسى أن أى كونت أودوق 
يحتاج « لزراع يمنى » وأنهم لايفعلون عادة شيئًا بأيديهم لأن رجلا من الطبقة 
الثالثة يرتفع إلى حيث هم ويتسلل تحت عباءاتهم ويحركهم طبقا لهواه وذلك فيه ما 
يرضى الجمهور [..] يمكنك أن تكون هذا الرجل ملهم مسيودى شوازول صانع كل 
شئ الذى يحتاجه الكبار دائما . الزمن موات [..] ستجد نفسك على خشبة مسرح 
تليق يك . إن دماغك يمكنها أن تقود سفينة وزير إنها موهبتك وأنت لن تتنفس 
بحرية ويسهولة بسوى فى هذه الارتفاعات . وعندما لا تهب الفرصة نفسها يجب 
CS‏ ..] يجب أن تعلم أنك إذا أردت أن تركب عربة الوزير فيجب أن تبيت فى 
قصره 4“ 


هل عرفنا ه صغير » أم أننا كنا نعتقد ذلك فقط ؟ هذه السطور الغريبة تظهر لنا 

أن« كاسيوس الصغير » تحول إلى ماكيافيل » إلى موسكا إلى أب هيريرا » إلى 

فوشيه ! أنت محيّر يا جان فرنسوا » مختلف ومتعدد جدا » وتعيش ليومك جدا ؛ تنفعل 

بسهولة وتلقائى جدا ولكنك تتحول بسهولة مفاجاة : إنك خليط من الفارس المغوار 
والفلاح الدوفينى القلق على إدخال محصوله إلى المخازن وعلى جز صوف خرافه .. 

كانت عودة الملكية الأولى موسم الحيرة السياسية فى حياة شامبوليون الصغير 

إلى جاتب فترة ظهور الانتهاز - التى لمحناها مرتين أو ثلاثا فى شخصيته « الشرقية » 


»* دوق دى شوازول - جوقار من مرتادى صالونات جروتويل ؛ رشحته الاشاعات ليكون أحد وزراء 
المستقبل . 


234 


ذات الدم الحامى والرأس المتحير كما كان هناك أيضا موسم تحول عاطفى سيكون له 
أثرعميق فى حياته كلها . كان يحاول نسيان لويز ديشان . وكانت بولين بيريا قد توفيت 
كما علمنا فى يوليو ۱۸١١‏ . ولم تمر بضعة شهور قيل أن يتقدم لخطبة روز بلان 
المسماه روزين وهى إبنة أحد أعيان المدينة وعلى صلة قرابه بعائلة بيريا : وهى يعمل 
فى صناعة القفازات وهى ما يعنى الكثير فى مدينة جرونويل . 

إلا أن طلب العريس ظل دون رد لفترة طويلة فهى لا يلقى قبول صاحب مصنع 
القفازات . يعطى يد ابثنته إلى مدرس عمره ثلاثه وعشرون عاما لا يكسب سوى 7٠١‏ 
فرنكا فى الشهر !! وعلاوة على ذلك قفإن سمعة الشاب ليست جيدة فى الأوقات 
الحالية .. إذ يقال أنه يصادق الأب جريجوار . هذ اليعقوبى ( جاكوبى ثورى ) عضو 
سابق فى الجمعية التأسيسية ومحامى تحرير اليهود والمستعمرات بل إن البعض يؤكد 
أن جان - فرنسوا ضالع فى محاوله هجوم بالقنابل فى أثناء الزيارة التى قام بها دوق 
دانجولام أخو الملك لجرونويل . 

ولم يكن نشر كتابه « مصر فى عصر الفراعنة » حتى لق أهداه إلى الملك لويس 
الثامن عشر فى شهر أغسطس 14١5‏ - ليغير من رأى صاحب المصانع : لا هذا 
النشر ولا هذا الاهداء قد ظهر على صفحات « حوليات جرونويل » التى أصيحت الآن 
فى يد أعداء آل شامبوليون .. أما الطامة الكبرى فهى أن جاك - جوزيف الواعى 
الفاهم الوصى الذى لا يخطئ لايساعده فى مشروع زواجه بانسة يراها تستحق أن 
تشارك أخاه مستقيله العظيم . 

المستقبل العظيم ؟ جان - فرنسوا يرى أن جيبه خال ومرتبه الشهرى 
بسيط والمجتمع العلمى متخوف للغاية منه وأن نجاحاته فى مشروع فك الشفرة ليست 
بالوضوح الذى يدعيه فى حين أن دكتور يانج المشهور جدا ( بسيكون له دور رئيسى 
فى بقية قصتنا ) يعلن فى لندن أنه يتقدم نحى فهم الكتابة الديموطقية * . وأن 
وضعه فى جروئويل أصبح مهددا يوصول أعدائه اليميتين المتطرفين و« الجحيزويت » 
إلى السلطة وهى فى النهاية يتألم بسبب إزدراء كلود بلان له . قهل أصبح على 
شقا اليأس ؟ ‘ 


* انظر على وجه الخصوصس فصل ٠١‏ 


235 


كلا ! إذا كان كتابه ه مصر » لم يلق بالفعل تأييد دوساسى إلا أن صديقنا عالم 
اللقويات لايزال يحتفظ بأعصايه هادئة 


« قرأت متلهفا ملاحظات أستاذى الكبير على الجزء الأول من كتابى » وإنه لمن 
نواعى سرورى ودهشتى أن أرى أن المفتش الأعظم لم يجد سوى أريع قشات ليحرقنى 
بها حيا » .بل وسترى چان - فرتسوا ولو لمرة واحدة رحب الصدر . فعندما قال عالم 
اللغوبيات الألانى هامر عن كتابه فى « المخزن الانسيكلوبيلى K‏ » إن مسيو شامبوايون 
قد سبق بكثير السادة دو ساسى وكاترومار » أرسل « صغیر » خطاياً أسان مارتان 
يقول له فيه إن ما فعله هامر هى« حجر الدب » ويخلص إلى : « لعل هذا يفسر القسوة 


إذن لم تكن بداية كتاب « مصر فى del All age‏ » سيئه فى الوسط العلمى . 


قصتنا معاصرة للغاية sense‏ 


236 


5 - الغول وزهور الزنبق 


« نابوليون وصل إلى فريجوس ! » الامبراطور فى فندق لى تروا دوفان - عهد 
..« له نصف إسمى » - سأنشر قواعدك للغة القبطية .. - جان - فرئسوا مؤيد 
بونابارتى حديث - أول حوار مع يانج - واترلو - « انقذ نفسك أولا » - الكازينو ... - 
القاموس والذئاب -- نخب الجمهورية - بؤرة للوشايات -« أريد أن أكون مسجل عقود ! »- 
الأخوان شامبوايون ٠‏ رجال خطرون ..... - مطرودون ! - هيا خروجاً ٠‏ إلى فيجاك . 


بنهاية شهر فبراير 141١١‏ إنتشرت فى البلاد همهمة ثقيلة مناهضة لنظام آل 
بوريون العائد للسلطة . والتذمر يصبح أكثر حدة وصخبه أعلى فى منطقة - تقاوم 
على الدوام أى أإستبداد مثلما ga‏ الحال فى الدوفينيه . استلم عدد من شخصيات 
جرنويل المرموقة عن طريق البريد رسالة جاء فيها أن الشعب الفرنسى « سوف يستعيد 
حريته فى الأول من مارس 18١6‏ فى الخامسة صباحاً ». 

لم يتلق الشقيقان صورا من هذه الرسالة مما يوحى بأتهما لم يكونا أى بالأحرى 
لم يعودا معتبرين من البونابارتين . إلا أنهما أحيطا علما بالرسالة ولذلك أمضيا الأيام 
الأخيرة من فبراير فى توتر كبير .. لكن ما هذا الذى يحدث , مر الأول من مارس دون 
أن يحدث ما يؤكد ما جرى إعلانه البعض وجاء الأحد ه مارس .... 

يحكى جاك فيجاك فيقول :« فى الصباح الباكر جدا من ذلك اليوم أيقظنى 
شخص من أقرب المقريين لى من داخل دار جاك - قوريبه لينقل إلى نبا نزول 
نابوليون على شاطئ مقاطعة بروقانس وأفاد بأن الذى نقل له هذا الكلام وصله من 
الخادم الشخصى اللمحافظ . وأن هذا الأخير قرأ بنفسه البرقيات التى وصلت إلى 
سيده حول الموضوع من المحافظات المجاورة وجدها فى جيوب سترته وهى يقوم 


237 


بتنظيفها . أسرعت إلى بيت أخى لأخبره بأن أحداث التاريخ ستتم أمام أعيننا وأننا 
سنلمس بأيدينا ما سيخط على صفحاته ويظل قيها إلى الأيد ... * ». 

عشية ذلك اليوم سلم أحد سعاة البريد بالقعل المحافظ برقية من زميله محافظ 
منطقة « القار » مؤرخة من فريجوس فى ؟ مارس تفيد « بنزول بونابارت إلى شاطئ 
خليج جوان وأنه متوجه إلى جرونوبل » قام فورييه على أثر ذلك بتوزيع اعلانات 
ألصقها فى أنحاء المديثة يحث فيها المواطنين على إحترام « حكومة صاحب الجلالة » 
وعلى « الحفاظ على المتلكات » والتعبير عن « إستيائهم العام » ثم أرسل تقرير إلى 
باريس مؤكداً أن السكان « فى غاية الفضب » وأن « لا أحد يناصر بونابارت » . 

لم يكن هذا. هى رأى فيجاك ففى رأيه « أن النب؟ استقبل بارتياح عام [..] واعتير 
الغزى الامبراطورى ** عملية إنقاذ جديدة ... » على الأقل فى حرونويل . لأنه كان قد 
جرى إعداد المديئة لكى تكون رأس جسر لإعادة البونابارتية للسلطة : إن قام أحد 
التجار الشبان وإسمه دومولان بزيارة قبل فترة قصيرة إلى جزيرة إلبا كما أن الطبيب 
الجراح لفرقة الحرس وهى من مواليد جروذويل - دكتور إيجرى كان قد غادر الجزيرة 
فى نهاية فبراير ليقيم اعتباراً من ه مارس فى ضواحى مسقط رأسه **" , 

فى الأول من مارس أصدر نابليون من فريجوس إعلائا يؤكد فيه أنه سيمضى فى 
طريق الثورة وأنه راعى حقوق الانسان والأمة . وصل مدينة دينى يوم ؛ وجاب فى ه 
وإلى مدينة لأمور فى مقاطعة دوفينيه ليلة ٠ ١‏ ليواجه يوم / « لافريه » وفرقته الخامسة 
وكانت أول تشكيل عسكرى أرسل لإيقافه ولكنه أعلن إنضمامه تحت لواء نابليون بعد 
بضع كلمات أضحت شهيرة . وحدث الشئ نفسه بالنسبة للواءين ١١‏ و ۷ بقيادة 
لابيدوايار ؛ وكانا منتشرين الدفاع عن جرونويل ... وهنا نترك الكلام لشامبوليون فيجاك : 

* السطور التالية مستوحاه إلى حد بعيد مما جاء فى كتاب ه هه . شامبوليون - فيجاك فى كتابه 
«فوربيه ونايليون والأيام المائة » 


*+ لاحظل غراية التعبير . 
ik‏ ترتب على ذلك أنه طورد دون هوادة بعد هزيمة واترلق 


238 


« رأيت من شرفة متحف المدينة مرور الكتيبة وعلى رأسها عقيدها .. ويعد أن 
إصطفت كلها فى الشارع بدأ هتاف » يعيش الإمبراطور» يتصاعد .. جرى الجنود 
بالخطوة السريعة ‏ ارتفع العلم نى الألوان الثلاثة * وأصبحت الكتيبة تهت لواء 
الامبراطور [..] 


« ومع اقتراب ب هبوط الظلام ؛ أصبح وصول الامبراطور مؤكدا [. .| فكان المحافظ 
والجنرال قد إستتفذا جميع الوسائل وكل سلطاتهما منذ الظهيرة . لم يكن العلم 
الأبيض مرفوعاً سوى فى تلب بعش الأرقياء له وكانوا قد تفرقوا باراداتهم . كان 
يكفى أن يطلق رجل واحد كله تصميم طلقة رصاص واحدة على العلم ذى الألوان 
الثلاثة ؛ ولكن هذا الرجل لم يوجد ** 


« حوالى التاسعة , تقدم الإمبراطور وهى على جواده وحده تقريباً وبشخصه نحو 
الباب الموصد ودق عليه بعلبة الدخان التى فى يده وهى يقول بصوت مرتفع : « إفتهوا 
.. هيا ! افتحوا .. إنهم لايفتحون ! .. » وعلى الفور إنهار الباب تحت الضريات التى 
توالت من الداخل والخارج ؛ وبعدها ذهب نابليون محمولا بأمواج من الحماس الشعبى 
إلى فندق « لى تروا دوفان » الذى يديره دليل بسابق فى الحرس القنصلى *** وكان 
محل إقامته معداً مسبقاً . ورأیته يمر عن قرب فى الميدان » تغطى معطفه الرمادى زيه 
العسكرى .لم يتوقف هتاف « يحيا الأميراطور » سوى لفترات قصيرة وهتف أحد 
رجال القضاء الواقفين إلى aile‏ « يحيا الإمبراطور مع الحرية ! - فأجابه 
الامبراطور على الفور نعم ! وهى يدي رأسه ناحيتنا , نعم ! تحيا الحرية ! » كنا 
واقفين على يمينه . 


« نزل الإ مبراطور فى « فندق لى تروا دوفان » مع الجنرالات يارتران درووه 
وكامبرون ٠‏ واحتل الدور الأول المطل على شارع مونتورج وعلى حديقة المدينة وهو 
قصر بسيط للغاية وأثاثه قديم وأكثر بساطة .. » أما قوريبه فقد غادر جرونويل ٠‏ قبيل 
دخول الاميراطور بلحظات تتقاذفه تعهداته والنداءات التى لاحقته وعدم ميله للإستيداد 
وإعجابه فى نفس الوقت بالانسان الفذ الذى أعطاه الكثير . 


» علم الثورة القرنسية أزرق ٠‏ أبيض ٠‏ أحمر أيضا أما علم الملكية البوريونية فهى أبيض وبه زهرة 
الزنبق [ المترجم ] . 

CE عن هذه الأحداث كتب الجنرال قائكد الجيش الملكى فى جبال الألب إلى جائب دوق وانجولام‎ “x 
. العجيب هو أن 5 تبيلاً واحدا من تبلاء الدوفينيه لم ينضم إلينا»‎ 

. ] ثم الابراطورى بعد أن أصبع بونابارت القنصل تابليون الامبراطور [ المتترجم‎ “xx 


239 


« ويقول فيجاك ؛ « خرج فورييه من جرونويل لخدمة الملك إلا أنه لم ينس مع ذلك 
ما يدين به للإمبراطور . ودفعهما إلهام سليم إلى أن يفترقا , وأن يؤدى كل منهما 
ترتيب دار المحافظة طبقا لذوق الامبراطور إذ كان يعرفه جيدا - فقد كان يتصور أن 
المسافر البطل بسيقيم فيها * 

إلا أن الحماس لم يفتر حول فندق « لى تروا دوفان » بل أخذ يتضاعف وكلما 
سمحت له الفرصة فى الفترات التى تفصل بين توقيعه على المراسيم التى تثبث أنه 
يحكم الإمبراطورية كان يخرج لتحية الجماهير المحتشدة التى جاءت تقدم له ه شظايا 
باب المديذة الذى اقتحمه بعلبة دخاته... » عودة إلى الأساطير !! 

نعود إلى نص جاك - جوزيف شامبوليون قيجاك : 

« فى اليوم التالى ۸ مارس ذهبت مع بعض أفراد عائلتى إلى شرفة حديقة المدينة 
لنرى نابليون عندما يطل من إحدى النوافرٍ المطلة على الحديقة ولدى عودتى إلى المنزل .. 


ليطلب مث الذهاب لقايلته شخصياً » . 


هرول فيجاك إلى دار البلدية ليتخذ رأى شارل رونولدون صديقه الذى إنضم منذ 
البداية للقادم الجديد . وهناك أعلمه العمدة أن تابليون طلب منه « أحداً يساعده فى 
إدارة مكتبه وكتاباته » فاقترح اسمه - وأضاف « وعندما كتب نابليون إسمه قال : 
إنه فأل حسئ . يشترك أسمانا فى مقطع كامل » ** فأسرع إلى حيث كان 
مطلوباً « تم إعلامه بوصولى ودخلت على الفور . وكانت غرفة الانتظار مكتظة بمن فيها .. » 


هنا يسمى أبسلوب « عميد كلية الآداب » ليصل إلى مستوى كاتب التاريخ . ولذا 


» اتجه المحافظ إلى مدينة ليون حيث أرسل نايليون إليه مندويين . لماذا ؟ وإذا بالهارب يعين فى ٠١‏ 
مارس محافظا لمتطقة نهر الرون .. لم يكن فوربيه يريد هذه الترقية .. وهو أقل ما يمكن أن يقال عن ذلك : 
فهو لم يفكر وى قي الوصدول إلى باريس ليعود إلى أبمائه العلمية وهى ما سيفعله بعد قليل . وسرعان ما 
علم أن فيجاك قد توسط له لدى الأمبراطور فى 5 مارس ( انظر سيأاتى ذكره لاحقاً ) ولذلك كتب له فى ١8‏ 
مارس خطاب شكر وعرفان يعرب له فيه عن أمله فى أن يرد له جميله Legs‏ فى ظروف مختلفة . ويذلك انتهى 
الخلاف المذى حدث بينهما فى 181١١‏ وطواه النسيان . 

++ شاميوليون ونابوليون . 


240 


« [... ] منضدة للكتاية يجوار المدفأة ؛ فى مواجهتها وضعت أريكه كان يجلس 
عليها الامبراطور ولكن فى اتجاه إمتداد الأريكة مواجها الباب وظهره للشباك . ممدأ 
ساقه اليسرى على مقعده وقدمه اليمنى على الأرض . قام وتوجه نحوى وقال لى 
بصوته المتلون والأخاذ وتميزه بعض المقاطع ذات اللهجة الأجنبية : « أنا سعيد يرؤيتك ! 
قيل لى عنك أنك من الشخصيات المحترمة فى هذه المدينة وذات المبادئْ المعتدلة . وهذه 
نوعية الرجال الذين أود أن أحيط نفسى بهم فى المستقبل .يجب أن نشرح الشعب 
الأسباب التى أدت إلى عودتى . لولاى لعرفتم ثورة جمهورية . إن آل بوريون لم يعرفوا 
فرنسا وإنى مقتنع Lots‏ اليوم أن قدرها لايمكن أن يتحقق سوى على يد حكومة 
لبيرالية .. 

« ولا كنت غيرمطلع على أصول إتيكيت القصور وغير متاثر بضعف جلال المكان 
الذى كنت أحدث فيه الإميراطور الذى لم أكن عرفته قط » قطعت حديثه ورأيت نفسى 
مندفعا بهذه الكلمات القاسية « إذا كانت هذه هى الشروط يامولانا فان فرنسا ستكون 
عند قدميك » لفظة « إنه .. ٠‏ ممتدة خرجت من وجه المكفير ومن فم غاضب لم تفت 
شفتاه سوى من جانبه الأيمن على الفور حذرتني من كسرى لقواعد هذا الإتيكيت . إلا 
أننى لم أتراجع لأقتناعى على الفور بأن تكرارى لهذه الكلمات بسيجعل منى رجلا غير 
مهذب ولكنه ليس متغطرساً . فرددت جملتى بقوة بعد أن غلفتها مع ذلك يهذه الحيطة 
الخطابية التى لم تكن جديدة على الأطلاق إذ قلت« لقسمحت لنفسى أن غ أقول 
لجلالتكم ... » دون أن أرفع منها الكلمة المتناهية فى قلة الأدب « شروط » . هزة رأس 
واكبت كلمة « نعم » قالها بحدة [..] وإستعاد العائد حديثه قائئلا : « أريد رجالا جددا 
وطنيين ومخلصين . إنظر إلى أين آل بى إتتقالى من محنة لأخرى من موسكى إلى 
فونتاتبلى . كان فى إمكانى الاإستمرار فى الحرب على نهر اللوار ولكنى لم أرغب فى 
حرب أهلية . إنى أنسحبت من أجل فرنسا والأن أنظر إلى مافعلوه بها . حقوقى ليست 
سوى حقوق الشعب . يجب أن نقول ذلك للشعب ويجب أن تكرروا له أنى لا أريد 
إقطاعيات ولا عبيد وأننا ستحافظ على السلام . يجب أن ننسى أننا كنا أسياد أمم 
أخرى [..] سنعيد النظر فى الدساتير من أجل سعادة الشعب . كل ما فعله يعض 
الأفراد أو قالوه أى كتيوه منذ سقوط باريس سأتجاهله إلى الأبد” أود أن تكون فترة 
ولاية ابنى هادئة . لقد عمقت التفكير فى السنوات الماضية بسنفعل كل * شئ من أجل 


+ جاءت هذه الجملة بنصها فى إعلاته الصادر من جولف - جوان فى الأرل من مارس 


241 


السلام .ا ستعد صحيفة المقاطعة وانشر على الكافة وأعلمهم بما قلته لك .. هيا . وعد 
قريباً لأراك » . 

ما أن رقى لمنصب ناشر أخبار الإمبراطورية إلا وكان فيجاك قد قفز إلى مكتبه ثم 
عاد إلى ضيف فندق لى تروا دوفان وقدم له مقالته المتضمنة سردا للحديث وللأحداث 
التى جرت سرعان ما تم « التصديق » عليها النشر . يتضح من المقال أن نايليون 
جرونويل يؤمن أن « قدر فرنسا لا يمكن أن يتحقق سوى على يد حكومة ليبرالية وأن 
الفرنسيين ولدوا لكى يحافظوا على الحريات العامة وليؤكدوا على مبادئ التساوى فى 
الحقوق والواجيات » وأن نابليون بعد أن إستعلم « ياهتمام شديد عن حالة الأرياف » 
قال « جئت لکی أبدد إلى الأبد ذكرياتهم عن النظام الاقطاعى والاقطاعيات 
والعبودية .. وإنى لا أجلب لهم سوى الخير » . 

بعد ذلك بقليل جاء أعضاء الأجهزة المختلفة فى المقاطعة ليقدموا أصاحب الجلالة , 
« فروض الطاعة والإجلال » وصف فيجاك نصه كالتالى : 

« جاء وقوفى بين أساتذة الجامعة بصفتى عميدا لكلية الآداب مرتديا معطفى 
الحريرى ذا اللون البرتقالى : سخر الإمبراطور من هذا الزى بشكل علنى وسالنى عمن 
قرر لنا رداءا كهذأ .لم أتردد فى القول يأتها الجامعة طبقا لأوامره وهى متضمنة فى 
قرار إمبراطورى وذكرت له تأريخه المرسوم ue‏ 

بعد ما أصيح حاك - جوزيف بسرعة « أحد معتادى التردد على هذه الحجرة 
الفندقية التى جعل ia‏ المساقر قاعة عرشه » وجد الفرصة لكى يفاتحه فى الموضوع 
الذى يهمه للغاية : مصسر . 

» ...... لفت هذا الاسم نظره بشكل واضح وأحيا الحديث . وتكلم عنها بسعادة 
بالغة . أجبته دون أن أقاطعه بأن هذا الموضوع يملأ تفكيرى - راح يتذكر روائع هذا 
[0..] إلا أن هذا لم يعجبه فقال لى بشئ من الحدة وهى يضغط بيده على ياقة ردائى : 
« لماذا لا تقرأ هيرودوت ! » 

ثم وصل الحديث إلى كتاب « وصف مصر» . ويشعر الإمبراطور بالفخر العظيم ؛ 
لأنه راعى هذا الكتاب ويطلب نسخة من الأجزاء الأولى وأضطر فيجاك أن يعترف له 


242 


بان « مكتبة جروتويل « التى يديرها » لم تر داع لأن تة 2 تقتنى نسخة من الكتاب * 
واستمر الحديث بيثهما : 

« ..... إما أن وضعه بعد أن خطا الخطوة الأولى فى حملته الخرافية ** لم يكن 
يشغله كثيرا وإما أنه کان وأٹقا مذه ققد إنتقل بنفسه إلى الحديث عن مولفات أخريئ 
نشوت بأمر منه قبل بسترابون وألاجلت وأوكليدس والقاموس المد :د كان العمل 
فى هذه الكتب قد يدأ قبل مائه عام , ٠‏ وجعلته ينفذ يمرسوم فى ثلاث ,سنوات » . ثم ذكر 
نابليون أسماء عدد من العلماء ولحسن الحظ كنت مطلعاً على ما يجرى فى باريس التى 
أعرفها D‏ متدرتى الرد على أسئلته المتعددة wa.‏ 6 


القوى ويعد LS La ass ei‏ ' - هذا ارش نون أن DL ea‏ 
قدم أخاه إلى الإمبراطور : 


عن إستمع الامبراطؤر باهتمام للعرض الذي قدمه لأعماله التى أدرك على 
الفور أهميتها وكان القاموس القبطى هو أكثر ما جذب إهتمامه : « إحضر كل هذا 
معك إلى باريس - وسنقوم بطبعه . إن ذلك سيكون أسهل بكثير من القاموس الصينى » 

نابليون يستمع لشامبوليون يحدثه عن مصر لم يلهم الحدث أياً من الرسامين 
الكبار : البارون جرو ولا برودون ولا جيريكو » وذلك لسوء حظنا . ولكن يمكن أن 
نراهن على أن بعضا من التأثير الكبير الذى وقع فيه الأ الأكبر قد إنتقل إلى حجان - 
فرنسوا . فمهما بلغ تمسكه بالجمهورية قلابد وأن « صغير » قد تأثر بالآراء 
الديموقراطية التى نادى بها سجين جزيرة إلبا الهارب وبالنبرة التى طبعت خطبه 
وبالوصف المثالى الذى نقله له أخوه : 

« بعد العرض*** عاد الامبراطور مترجلا تحيط به الجماهير المتدفقة . وأثناء 
سيره وسط الطريق صرخ بائع للفحم كان يقف على إحدى علامات الطريق موجها 
كلامه للإامبراطور الذى كان يمر أمامه « هل أنت بالفعل إمبراطورنا ؟ - نعم يا. 
صديقى - أنا الأمبراطور - إذن هات كفك ! » فمد الإمبراطور يده وصافح يد بائع 
الفحم وسط تصفيق الجماهير الحاد » . 


* بآمر خاص من وزير الداخلية الجديد كارنى أرسلت نسخة منه بعد قليل لجرونويل 
ils kk‏ ۵ ۸1 ولیست حملة ۱۷۹۸ 
٩ à dk‏ مارس 


243 


فى التاسع من الشهر قبيل الظهر عاد المسافر إلى طريقه فى اتجاه ليون . وقبل 
أن يتحرك قال لفیچاك : « أعرف أنك لن تسافر معنا . ولكن إلحق بنا فى باريس 
وسيكون ذلك يوم عيد ميلاد إبنى » الدعوة كانت رقيقة لدرجة أن عميد كلية آداب 
جرونويل اعتبرها أمرا فترك أسرته وسافر وراء سيده الجديد . وسيبقى إلى جائب 
العائد للحياة ة ثكلاثة أشهر عضوا فى مجموعة المحيطين به من العقول المفكرة 
التى راحت تحت رعاية لوسيان بونابارت ويمياركه من بنجامان كونستان تخترع 
« الإمبراطورية اللببرالية » . 

وهى بذلك قد أعطى امتداداً براقا وباريسياً مطبوعا pouls‏ شامبوايون للفقرة 
الدوفيئيه من مسلسل الأحداث الذى أصيح أسطورة فقد كتب أحد مؤرخى المدينة 
يقول : « إن دخول نابليون إلى جرونويل تعدى بكثير من عاشوا الحدث الذى تحول على 
الفور إلى إسطورة ... قبل الوصول إلى باريس كان إنضمام جرونويل حاسما .. »(1) 

لم يكن فى الإمكان ربط العشيرة الشامبوليونية بمغامرة ELU‏ يوم بعلنية أكبر 
ولكن مهما كانت درجة براعته هل كان فيجاك متدفعا دون روية فيما فعل ؟ من يقرأ 
وصفه الرائع للأحداث لا يمكن أن يوجه له أى اللوم . القادم إلى المدينة كان لا يقاوم 
وحديثه جذاب ... وسط حياة أديرت بكل هذه الحيطة تبدى عملية ربيع ٥‏ المتهورة 
كما أو أنها حفل صاخب تسوده التلقائية الصبيانية . 

لم تكن مائة يوم جاك - جوزيف شامبوليون - فيجاك بالصورة الوردية لقصص 
الجنيات التى نقلها لنا ابنه . ©) من يقرا هذا المؤرخ المقدس لذكرى أبيه يعتقد أن 
الأب أى على الأقل بوريين آخر ” 

كلا . لم يحدث ! إلا أن هذا الرجل الطموح عاش طوال هذه الأشهر الثلاثة كما 
كان يحلم أى إلى جانئب شخصية خرافية مشاركاً فى بعض اللحظات الهامة فى 
التاريخ الوطنى وأيضا فى هذه الحياة الأكاديمية التى ظلت لسنوات طويلة تداعب أكثر 
أماله د بريقاً . 


وقد وجد الوقت بعد أن بسافر إلى باريس ليضمع نفسه قى خدمة هذا الاميراطور 
الذنى سحره فى بضع ساعات قليلة أن يتقدم فى 15 مايى ببحث قرأه فى أكاديمية 
الآداب التى كانت إنتخيته عضوا منتسبا لها فى العام السابق . وكانت الدراسة عن 


# سكرتير بوئابارت السابق الذى تقل ولائه للبوربون . 


244 


تقويمات الشعوب القديمة وهو يبرز فيها أوجه الشبه المكتشفة بين التقويمات اليونانية 
والرومانية وكذلك التمائل بين كتاب الفلك لبطليموس ( الألما جنست ) والتقويم الجوليانى . 

حسناً . ولكن المثقف فيه ينسحب أمام خادم الأمير فى 19 أبريل بعد وصوله 
بأيام قليلة . نراه وقد دعى إلى حضور « بداية نهار الإمبراطور » - وهو ما يحيط به 
أقاريه بفرحة صادقة . وقد طلب الإمبراطور رأيه عن حالة الرأى العام فى الدوفينيه 
وفى إختيار محافظ جديد لايزار . فهل أصبح مستشار الملك ؟ كلا ! سيصبح أقل من 
ذلك : سكرتير اللجنة الدوفينيه التى تم تشكيلها حول لوسيان بونابارت * نائب 
الإيزار وعقل النظام الجديد المفكر وصديق » سابى . أحد رؤوس الليبرالية 
الجرونويلوازية . 

فى "١‏ مايى اتسع الدور الذى يؤديه فيحاك ليشمل فرنسا كلها . فقد كان 
سكرتير الجلسة التى رأسها كامبا سيراس . والتى جمعت كل هيئات الأمة المنتخبة من 
أجل مراجعة عملية الاقتراع الخاصة بمراجعة الدستور وقد أوضح هذا الاقتراع أن 
أغلبية الفرنسيين قد وافقت على « القانون الإضافى » الذى عرض عليهم . كانت 
الأغلبية كبيرة ولكنها لم تكن إجماعاً كما أرادها الليبراليون الجدد . كما أن الكثيرين 
إمتنعوا عن التصويت . وقد تلا نابليون بنفسه هذه الأرقام فى إجتماع عام فى الشان 
دوميه عشية سفره لواترلى . 

وقد كان لجاك - جوزيف لقاء آخير مع الإمبراطور الغارب » وقد وصفه فيه وصفا 
حيا يجس أن يكون بين صفحات « مذكرات من اللحد » ( لشاتويريان ) : « نظرته 
الأخاذة كانت تدخل إلى أعماقك لتغوص فى أغوار نفسك لتعرضها عارية أمام عينيه .. 
كان المرء يشعر بأنه يعصره دون مقاومة منه . ولكن دون أن ينزعج منه لأنه كان يستمع 
بدوره . كما أن جدية كلامه الفائقة وإلحاحها لم تكن تجرد الحديث معه من طيبة 
طبيعية . كان حديثه عن الأشياء الصغيرة لكل الناس وعن الأمور الكبيرة بأسلويه هى فقط ». 

ومع ذلك تمكن شأامبوليون - فيجاك من تبادل أطراف حديث سريع أخير مع من 
كان لا يزال السيد وذلك لدى اإستقباله لمجموعة ممثلى وفود محافظات الأرياف . وقد 
تقدم إليه بطلبين الأول بإنشاء كلية للطب فى جرونوبل كان الحديث قد جرى حولها 


» شقيق الإمبراطور ( ۱۸٤١ - ۱۷۷١‏ ) [ المترجم ] . 


245 


خلال إقامته فى المدينة فى شهر مارس وجاء الرد إيجابيا ثم أعاد فيجاك تذكير نابليون 
بوعده بأن تسلم نسخة من وصف مصر إلى مكتية الدينة bas A pu‏ : 
La ve‏ حصول على يسا البق الكى )وال اد تقده اوه عليه . de.‏ 
ا 

وإذ حان الوقت الذى أقيم فيه المنافع التى خرجت بها من فضولى ( كذا ) فإنى 
أجد أن ماجنيته هى : 

. وسام الليجيون دونور الذى حملته شهرين أو ثلاثة‎ )١( 

M (۲)‏ شطب وظائفی کاستاد وتمدد لكلية آداب جروتويل . 

(۳) إنهاء عملى كمدير مكتبة مدينة جرونويل . 

.)3( ثمانية عشر شهرا من النفى إلى جنوب فرنسا‎ )٤( 

أما جان - فرنسوا فقد إحتفظ من ناحيته بفكر أكثر هدوءا أى على الأقل بحيطة 
أكير . فلم یحظ بسوی بلقاء وأحد مع الشهاب | الفذ » ولكنه كان لقا م Aus He‏ 
البعش يقول إنها كا تمثيلية من جائي التساس العيم فإن الرد هى أن ليس قي 
إمكان كل إنسان أن ينجح فى إيهام الآخرين !! ثم إن التصريحات العلنية التى أدلى 
بها الإمبراطور وكذلك ما نقله جاك - جوزيف إلى أقاربه من أحاديث شخصية معه 
أثرت بالأمال التى أثارتها على جان - فرنسوا الجمهورى . أما نابليون الآخر المستبد 
زوج إبنه القيصر فرائز صانع العروش فقد اختفى .. وأما الذى مر بجرونويل فهو 
« الجاكوبينى » الذى صال وجال فى عام (١‏ من تقويم الثورة ) صديق أوجوستان رويسبير 
والجنرال النحيف الذى أخمد الثورة المضادة فى باريس بعد ذلك بعام ( قلاتل قانديميير ) . 

وقد كتب صغير ھی ۲۲ أبريل لأخيه - الذى أفاده بمقايلة ثايليون له - هذه 
« .. أنتظر بشغف نتيجة لقائك بالرجل الطيب الشجاع لاقيولات ** : إنى أنتظر منه الكثير 


* كان جومار قبل عامين قد إشتكى لبفيجاك من رفض الإميراطور توزيع هذه الأجزاء بسخاء . 
»× إحدى الكثايات المحببة له والمتعاطفة معه وهى كثيرة التى أطلقها العامة على تابليون . 


246 


[..] وإذا كنت مخطئا . فإن الفلسفة موجودة لكى تواسينا A ne‏ 

إذا كان « الفيلسوف » لا يخفى شكوكه قيمأ يخصه شخصيا فإنه أى جان - 
فرنسوا أكثر جسارة فيما يخص أخاه ففى 8" أبريل ثم فى 14 مايى يدفعه إلى أن 
يكون أكثر جرأة فى تناوله « لأعماله » :« إن ترددك قى القرارات لن يكون فى صالح 
أغراضك [...] إما أن اتخرج من الميدان وعلى رأسك تاج وإما تترك صفوف 
المكاضلين .. » . ثم ينقل له مؤيدا ما قاله المحافظ ديديه - الذى جاء بعد فوريبه والذي 
يجد جاك - جوزيف شخصاً ٠‏ غير حاسم » فى الوقت الذى انفتح أمامه « مستقبلا 
باهراً » إنه محق جدا فى ذلك :« يبدى أنك لم تذهب إلى باريس إلا لكى 5 تقرأ بحثا 
أمام الانستيتى . .. لن تجد أبداً فرصة مواتية أكثر من هذه [. ] السمان يعرفوتك . 
فاغتنم الفرصة ,131 عدت لكى تدفن نفسك فى المدينة الصغيرة فإن الإمبراطور 
الذى براك أحياتا مندك أريعة شهور يقول لك « أعرفك جيدا . نت » سيسالنا العام 
القادم بجفاء : « من أنت ؟ » 

فعلا ! صدیقنا چان - فرنسوا كان أيضا واقعيا » : كان الأستاذ شامبوليون وهو 
فى الرابعة والعشرين يتمتع بحضور طبيعى أكده التدريس الذى أضفى عليه هيبة 
فكرية مؤكدة . خلال فترة المائة يوم سيكون أحد قادة الحركة الليبرالية الجرونويلوازية 
معبراً بتلقائية لا تخلو من خطر عن زواج كاثوليكى على الحلوة والمرة بين فكر ؛ 
أغسطس * و148١‏ برومار ** وسيؤدى هذا الدور بنجاح رفع من بريقه سفر أخيه الأكبر 
فقد حمله هذا الأخير حمل ومسئولية الصحيفة التى وضعها الهارب من اليا على كاهل 
عميد كلية الآداب . 

هذا الجزء يقدم لنا نموذجاً مثالياً للفرق بين رؤية المعاصرين ورؤية المراقبين الذين 
يبعدهم الوقت عن الأحداث . بعد قرن ونصف من الحدث فإن إرتباط رجل مثل جان - 
فرنسوا شامبوليون - « صغير » بنابوليون يبدى غير مفهوم . فبقدر ما يبدى مقبولا 
إنضواء الأخ الأكبر الإنتهازى الطيب والطموح المجد الرجل الاجتماعى ذى الحيوية 
الطبيعية وقد إنقاد تحت تأثير الإتصال المباشر وطيبة الرجل العظيم الذى شده إلى 
حاشيته بقدر مأ يبدى إرتباط الأخ الأصغر محيراً . 


+ ليلة الرابع من أغسطس ١1/86‏ التى ألفت فيها الجمعية التبسيسية الثورية جمع إمتيازات الإقطاع 
( المترجم ) 
ET‏ ۸ برومار - اليوم الذى أجبر فيه بونابارت الماك من مصير أعضا الديركتوار ea‏ 


247 


كيف لايرى حينناك - إلا اى كانت ا موسيقى العسكرية قد سدت أذائه والحب البؤذابارتى 

جميع الجوانب أكثر مما فعلت فى ۱۸١١‏ ؟ هل لأن التحالف لم يعد برأسه لا الكسندر* 
ولاق اتسا till‏ * ” اللذان تأثرا قليلا يسحر المنتصر فى معارك أوسترلينز وقاجرام ؟ 
ولكن التحالق الأن أصبح فى يد ولينجتن ويلوشار ذوى الفك الحديدى ؟ 


چان - فرنسوا الذى حلل بذکاء خلال مراسلاته » خطابا بعد خطاب » حال 
التفكك التى وصلت إليها الإمبراطورية وكذلك سقوط المنتصر والذى كان ينظر بعين 
المقرخ إلى هذا الأفول . يقدم نفسه على الرغم من كل ذلك فى الأحداث أولا يصفته 
صحفياً يدير « حوايات الإيذار » التى ظلت أثلاثة شهور صوت البونابارتية الجديدة فى 
الدوفينيه ؟ ثم كمناضل سياسى مرموق فى المجتمع الفيدرالى » الذى حاول أن يحى 
هذا التيار الليبرالى والإمبراطورى المشترك . ثم وأخيرا كجامعى محاولا الإبقاء على 
كلية الآداب التى هجرها عميدها لأن هذه الإمبراطورية المتسلطة ( والتى كانت الأقرب 
إلى فكره الأمبراطورية الليبرالية ) كانت ملعونة من المتعصبين للكنيسة فإنه بسيحارب 
من أجلها جرونويل التى إختارها نابليون لتكون العلامة الأولى فى طريق عودته كانت 
مهد وعاصمة « الامبراطورية الجديدة » التى لم تدم طويلا . ولكن يجب ألا نعتقد أن 
فده المدينة الليبرالية فى معدنها قد إنضمت للنظام الجديد مرة واحدة .. عودة الملكية 
الأولى لم تحظ بالقبول .عودة ظهور المهزوم فى 1414 كان لها بريق, .. فمن ذا الذى 
يمكن أن يقاوم « بسحر العجائب » غير أن أهل الدوفينيه لم يكونوا يوماً من القوم الذين 
يؤمنون بالأشباح ... ليس كلهم ... أضف إلى ذلك أن الملكية كان لها فيها - كما ,سبق 


فى الواقع كانت الايام المائة الجرونوبلوازية حربا صغيرة بين حزيين يتصارعان 
فى ميدان مكشوف دون أقنعة : المكيون الذين يصاريون فى العان وياصرار بالقدر 
نفسه الذى يناضل به أطراف النظام اليونايارتى والجمهورى 
أما « البوريونيون » . كما كان يسميهم شاتويريان - فقد كان على رأسهم 
الماركيز دويينا - عمدة المدينة القادم - والماركيز بلانيللى دو لا ثالات - الذى سبقه 
كرة قصيرة ثم تلاه . والأشقا ء سيلقى والسادة دو يوشاج ولى بالسيز ودوشاليون 
( جميعها أسماء نجدها ‏ عند ستاندال وقد يعلق عليها بأوصاف غير كريمة ) أما 
« الليبراليون » فقد تجمعوا -- أى تصارعوا -- حول شارل رونولدون والكونت دو بارال 


* إسكندر الأول إمبراطور روسيا ( ١18.١‏ - 1856 ) [ المترجم ] . 
++ امبراطور النمسا ثم رئيس الكوتغدرالية الجرمانية فى [۱۸٠١‏ المترجم ] . 


248 


« ... أعلن أهل جرونويل أتهم حماة أسرة بونابارت ٠‏ لقد منحوا أحد أعضاء الاسرة . 
مكانا كنائب فى البركان يتقاضى 18 فرنكا فى اليوم . هذا التعيين مقبول بشكل عام 
لآن الأمير دى كانينو* شخصية قوية ويعرف كيف يقف فى وجه أخيه الذى هو عنيد 
بعض الشىء** مثل سلفية قيصر والإسكندر» . 
إذا كان الملكيون يضمون الصفوف فى هذا العداء المؤقت - لى أن الأورليانيين 
كانوا يناضلون وحدهم - فإن منافسيهم كانوا منقسمين على أنفسهم جداً . كان 
البونابارتيون يجدون أن الامبراطور أصبح تحت تأثير «الديموقراطيين» والمعتدلون 
كانوا غير مرتاحين اذلك . يسمعون أنه إذا أضطر فسيبطش بأصحاب الألقاب 
«السابقيين» والجاكوبييون (الثوريون) كانوا يفقدون صيرهم بسيب مماطلته فى ١‏ ضى 
على طريق العودة للحكم الشعبى . وهم يلاحظون - وقد زادت المرارة فى أنقسه م - 
أن الهارب من جزيرة ألبا لم يتخل عن رداء المستبد الذى ظل يرتدية ولم يتركه وهى فى 
المنفي وفى طريقة عودته كالنسر من مدينة لأخرى » وإذا كان هو «الثورة على حصان» 
كما كان يقول فذلك يرجع إلى المطية أو الظروف ولايرجع إلى تطور داخله - إنه 
لایحیط تفسه إلا بالاعیان وهم يخونونه مثل فوشیه › تعلیق شامبوأیون - «صغیر» : 
«الجاكوبيون ثائرون ضد رجل ساعدوه لكى يتخلصوا من «صاحب الكرش»*** 
وبطانته وهم يصرخون ضد مايسمونه الفضيحة وعدم الصدق بالنسبة للدستور الذى 
يؤجل إعلانه إلى مالاتهاية» . 
«إلى مالانهاية» كلمة مبالغ فيها جدا ! فبعد ستة أسابيع من عودته إلى مقر 
التويلورى كان «القانون الإضافى لدساتير الإميراطورية» الذى جرى إعداده تحت رعاية 
بانجامان كونستان ولوسيان بونابارت ليقتح الطريق أمام نظام الليبرالى قد عرض على 
بضع مئات الآلات من الفرنسيين الناخبين الحصول على موافقتهم عليه - إلا أن هذا 
النص (الذى كان يعكس بصورة مقبولة فكر أتصار الجمعية التأسيسية (الثورية عام 
) لم يحظ باعجاب ليبرالى الدوفيتيه . 


* أو لوسيان بونابارت » وكان جان فرنسو) يطلق عليه اسم «أمير الكلب الصغير» وهى ترجمة حرفية 
لكلمة كانينى بالإيطالية , 

. «بعض الشىء» ؟ بمعثى كثيرا جداً‎ Hk 

++« لويس الثامن غشر . 


249 


«كان يجب وضع دستور جديد لأن قى فرتسا يعد ذلك ووسيلة لإلهاء الجماهير التى 
تخدعها مثل هذه الأمور الغامضة تحب أن تراها تظهر من جديد .. ولى من أجل أن 
تضحك عليها فقط [...] كارتى" الذى لايضدك أيدا - هى الوحيد الذى عالج هذا 
الأمن بجدية ...» . | 
لم يكتف جان - فرنسوا بالسخرية ؛ إذ أعرب عن بعض تحفظاته على المشروع . 
دإنه لايعجيثا كما ينبعى ولكن مادمنا مضطرين للانضمام للإمبراطور فإننا نوقع عن 
طيب خاطر مع بعض التحفظات مثل : تعم » مع التعديل عندما يحين الوقت الملائم 
[...] الأصوات الهجومية كانت عديدة لدرجة أن محافظة جرونويل اتخذت قراراً 
بمنعها . سينتج عن ذلك أن العديد من الناس الذين أرادو التصويت بهم سيصوتون 
بلا أى سيمتنعون عن التصويت» . 
وهو ما حدث بالفعل حتى فى هذه المديتة المشهورة يرجال القانون ويحب سكاتها 
التقاضى - أو ريما لهذا السبب - حيث زاد عدد الممتنعين على الذين صوتوا بتعم . 
ومع ذلك يجب مسائدة العدو الأول امعان لأوروبا العروش والكثائس «غول 
كورسيكا» الذى تحالف ضده لورد كاستريه وميترئيخ . فى صحيفته - كما فى 
الجامعة - كان صغير ينادى يتعبئة الجهود ويكد من أجل إقامة «الفيدرالية» التى عملت 
قى الدوفينية والمناطق الأخرى من أجل إعطاء هيكل تنظيمى لمختلف الإتجاهات 
الليبرالية . قى جرونويل ركز المجهود على منطقتى الإيزار والدروم . 
وكانت الفيدرالية تنظيما معتدلاً جداً لا علاقة له «بالتوادى» الثورية القديمة . كان 
يرأسها عمدة المدينة يعاوتة كيار الموظفين وأساتذة الجامعة والأطباء ومسجلى العقود 
والمحامون أى الطبقة الثالثة .. وهى ما يعد وضعا جرونويلوازياً خالصاً أى أن الوضع 
كان مطمنناً جداً .. 
فى الأول من يونيى ١8١١‏ ناشدت الفيدرالية الدوفينية وقد اجتمعت الجماهير فى 
دار البلدية تحت رئاسة بيرياسان يرى بهذا التداء : «إن الوطن فى خطر : إن البطل 
الذى أختاره الشعب الفرنسى ارئاسته (يعترض) على المشروعات الطموحة التى تداعب 


* وزبر الداخلية 


250 


افكار الملوك الذين تجرأوا على التخطيط لتجزئة بلادنا الجميلة قرنسا .. يجب علينا 
نحن أن نجهض هذه المشروعات ..» .. وكتب جان فرانسوا لأخيه : 
«إننا معشر الدوفينيين تتحرك ببطء واكن إذا ما بدأثا العمل فإن الأمور تسير على 
مايرام فإذا كانت الفيدرالية قد قامت [...] فإن ذلك يرجع إلى ماقمت به وعلى الرغم 
من صراخ طافئى الأثوار* [...] إنهم مايزالون يرفعون رؤوسهم ؛ أخشى أن نجد 
أنفسنا مضطرين اجِرّها فى نهاية الأمر» . 
«طافئو الأثوار» هم «ذووى غطاء الرأى الأسود» »هم «المتعصيون للكنيسة» هم 
«الجيزويت» ولكن ماذا كان يعنى «بجزها» ؟ هل كان يعنى اللجوء إلى موس الجييوتين 
بفن البلاغة وه لم يكن إذن دمويا ومتطرفاً فى مجال اللغويات فقط .. 
وها هى صديقنا عالم اللغة وقد تحول إلى كاميل ديمولان** على صفحات 
الصحيفة التى يديرها «تداءات إلى الشعب» كلها حماس وتضخم من أهمية الاحتفال 
الذى جرى فى باريس فى ساحة «لوشان دومى» والتى أريد لها أن تكون نسخة أخرى 
من الاحتفالات الضخمة التى جرت فى ١4‏ يوليى ١74١‏ - فلنستمع إليه إنه لجسور! 
«الجمهور الضخم من المرتعدين إرتعب من عملاء متولى شئون «جان»*** الذين 
يصولون ويجولون بحرية رافعى الرأس ومنطلقى اللسان .. السلطات لاقيمة لها 
ولاتفعل شيئا ولاتريد أن تفعل شيئا [...] الجزوة مشتعلة فى الصحيفة فقط . إنى 
أكذب ‘ أكذب ¢ أكذب...» 
كتب اندريه جيد بعد ذلك بقرن «إن الإيمان يعوض الصدق..» وهذا يسمى الآن 
«بروباجندا» (الدعاية) غير أن جان - فرنسوا لا يكتفى بالكذب من أجل الوطن بل إنه 


× يطلق جان فرانسوا هذه الكناية الشائعة على رجال الدين . 

#4 صحفى وكاتب وثورى فرنسي قام بدور هام قى الثورة الفرنسية متاديا إلى اللجوء إلى السلاح 
عشيه اندلاع الثورة (؟١‏ يوليو) اعدم بالمقصلة )١1984-1950(‏ (المترجم) . 

+++ جان 6800 حاليا مدينة بلجيكية بالقرب من فرنسا الشمالية الشرقية وصغير يقصد بمتولى 
شئون جان - الملك لويس الثامن عشر - الذى لجا إلى هذه المدينة بعد وصول نابوليون قادماً من جزيرة اليا 
(المترجم) . 


251 


يلجا إلى كافة الإمكانات المتاحة ويضع طاقاته كلها فى أمور واقعية وقام بمالا يفعله 
الملثقفون عادة بأن إهتم بتغذية الفقراء ! «قدمت مدرسة الليسيه هدية وطنية إلى 
نايوليون . أريعمائة فرنك خرجت من جيويهم الصغيرة » إنهم تصرفوا كالهة صغار» . 

إنه لايكف عن العمل من عشر إلى أثنتى عشرة ساعة فى اليوم متوترا » مشتعلا : 
مرهقاً . هل تعدى بذلك المعقول ؟ فقد وصل هذا النداء من صديق مجهول : «عزيزى 
العميد ؛ «صغير» فى المازل يعمل بكل قواه من أجل «الفيدرالية» . كنت أود ألا يأخذ 
ذلك وقته كله لأن أعماله أهم» , 

ميوله البونابارتيه وصلت إلى قمتها فى اليوم ذاته الذى أنهار فيه تصف الاله ٠‏ 
غير أن أهل جرونويل لن يعلموا بالخبر سوى بعد أسبوع كامل قفى ١14‏ يونيى 161١١‏ 
ظهر ا. قال الذى تورط فيه يكل جسارة الذى قارن فيه بين الشرعية الوراثية لآل بوريون 
وشرعية الامبراطور «النابعة من الشعب» الذى أعطاها من قبل إلى هوج كابية قبل أن 
يسحبها من أحفاده . ويكرتب على ذلك كما يقول صغير «أن نابوليون هى أميرنا 
الشرعى الوحيد». 

سيتعلم المؤرخ شامبوليون على حسابه الخاص أن الشرعية لا تنتج بالضرورة من 
الانتخاب الشعبى ولكن كثيرا ما تخرج من نتائج الحروب . وفى حالتنا هذه كانت 
سلطة تعيين الملوك فى يد واينجتون يساعده يلوشار . لى ان جروشى* فعل مثل ديسيه 
فى مارنجى لكان مقال الثامن عشر من يونيى شارك بقدر كبير فى رفع شامبوليون إلى 
المجد . الا أن الأمور لم تكن كذلك وهى ما سيتسيب له فى بعض المشاكل** . 

مهما كانت درجة انقماس الأخ الأصغر فى التاريخ الحديث فيجب الا نتصور أنه 
قد تحول تماماً عما كان قد أصبح هدف حياته كلها : فك طلاسم كتابة المصريين 
المقدسة . العجيب فى الأمر أن فى تلك الأونة التى اشتدت فيها العواصف بين الأمتين 
الإنجليزية والفرنسية عشيه معركة واترلى والتى بدا فيها أن الحصار الخانق قد اكتمل 
تماماً على فرنسا » بدأت أول علاقة مباشرة بين باحث جرونويل وصاحب الاسم الذى 

* جروشى - كان يقود لواء الفرسان الاحتياطى فى معركة واترلو ولم ينجح فى منع التقاء الجيوش 
الإنجليزية والروسية فى معركة واترلى التى أنهت حياة نابوايون السياسية والحربية فى 18١١‏ فى حين نجح 


ئيسيه فى موقف مشايه فى معركة مارنجى 18٠١‏ الذى اتنتصر فيها بوتابارت العائد من مصر (المترجم) 
** كان هذا المقال هو أكثر ما أخذ عليه يعد ذلك يشهور . 


252 


سيظل يقلقة لا يقرب من خمسة عشر عاماً ‏ وسيكون أشهر منافسيه . وظل كثيرون 
ولدة طويلة يعتقدون أنه سبقه تماماً على طريق حل الشفرة : توماس يانج . 

فى ٠١‏ توفمبر أرسل أستاذ التاريخ الشاب بجامعة جرونويل الجزئين المكونيين 
لكتابة «مصر فى عصر الفراعنة» إلى رئيس الجمعية الملكية فى لندن ومرفقا يهما 
خطاب يعبر عن الاحترام الشديد ومؤكدا على أن لعمله جانباً فى مجالى الجغرافيا 
وكتابة أسماء المدن . وانتهز الفرصة ليعلن عن قرب صدور جزء تال يتعرض لكتابة 
المصريين القدماء . 

وأشار جان فرنسوا من جهة أخرى ازملائه البريطانيين أنه فى عمله على حجر 
رشيد لايعتمد سوى على نسختين (واحدة منهما صنعت فى لندن) وأنهما غير 
متطابقتين مما يضر بأبحاثه وإذا تم صب نسخ من قالب أثر رشيد الجميل» لتوضع 
تحت تصرف جميع مكتبات أورويا الكبرى فإن ذلك سيعتبر «هدية لمحبى الآداب [...] 
جديرة بالجدية والكرم الذين تتسم بهما الجمعية الملكية,9) . 

لم يتلق رئيس الجمعية المكلية فى لندن خطاب جان - فرنسوا إنما سكرتيرها 
العام توماس يانج ورد عليه قى ١١‏ مارس 14١١‏ بعد أسبوع من مرور «غول 
كورسيكا» بمدينة جرونويل , لاننتظر بالطبع أن تتضمن مراسلات علامة إنجليزى أثرا 
لحدث تافه كهذا . ولايمكن أيضا أن نقول أن رده على غريمة الشاب كان مشجعا . 

لاتوجد إشارة إلى «النسخ» المطلوية لمكتبات أورويا من الحجر الذى اكتشقه 
الملازم يوشار . إذ يكتفى يانج فى هذا الصدد أن يؤكد أن «الذين يؤذون الاعتناء 
بدراسة هذا النص سيجدون أن النسختين صحيحتان بالقدر الذى يسمح بالتاكد من 
معانى معظم الكلمات» لايوجد فى هذا الخطاب من يونج جملة واحدة تخلو من سهم 
مصوب إلى مراسله (هؤلاء الذين يودون الاعتناء بهذا النص سيجدون أن النسقتين 
صحيحتان بالقدس الذى يسمع بالتاكد من معانى معظم الكلمات..» 

أما بقية خطاب العالم الإنجليزى فهى متعمقة جداً فى الجدل الذى سيدور حول 
الاكتشاف مما يجعلنا تحيل قراعته إلى مكانها فى تطور الأحداث*. 


فی ٠١‏ يونيى عندما كان جاك - جوزي شاميوليون - فيجاك فى حقل عشاء دعا 
* راجع قصل ٠١‏ 3 


253 


إليه لوسيان بونايارت - أمير كانينى - فى مسرح الباليه - روايال أن علم بنتيجة 
معركة واترلى وقرب وصول الملك المهزوم إلي قصر التويلورى . أما خطاب مندوب 
چرونوپل فی الشان ب و . ى - إلى أخيه فقد احتاج أربعة أيام أخرى أكى يصله . 


فی ۲۰ يونيى لم يكن جان - فرنسوا قد عرف بعد بالكارثة عندما حرر خطاباً 
لجاك - جوزيف بعد أن حصل على وسام الليجيون دونور (جوقة الشرف) : «سيدى 
الفارس . أهنئكم على ما حصلتم عليه من معانى التكريم الإمبراطورى . أشارككم 
السعاءة والابتهاج اللذين يغمرانكم بكل تاكيد .... » لابد أن قراءة هذه الجمل فى 
نهاية شر يونيى كان لها تأثير السخرية المرة .. 
بعد الكارثة لم ينطو صديقنا أستان التاريخ ذى الأربعة والعشرين عاماً فى الحزن 
والمرارة بل إنه يواجه الأمر بصلاية ورباطة جاش يوجبان الاحترام خاصة لدى شخص 
يعانى من تبدل حلات النشوة والإحباط مه . لنقرأ ماكتبه اجاك - جوزيف فى حينه ؛ 
«القاعدة الوحيدة التى يجب أن تتبعها هى أن تنقذ نفسك أولاً . أما فيما يتعلق بى › 
فلى الله يفعل ما يشاء . عندما عبرت عن رأى فكان ذلك لأنى أمنت بصحته ولازات 
أعتقد ذلك [...] إذا لامك أحد على جاكوبينيه صحيفتك . أجب بشجاعة أنى المسئول 
مادامت هذه هى الحقيقة . إذا احتاجوا لضحية فإنى لها . ليس لدى زوجة أى ابن : 
كل واجبى ينحصر فى شخصى وهذا ليس بالشىء الكثير , أنى أشعر أن ذلك 
سيؤثر فيك كثيرا . ولكن لايهم » استخدمنى كقطعة من الإسفنح , المهم هى أن 
ثخرج سليما معافى من الأزمة» . 
الأزمة ؟ بل أكثر من ذلك بكثير . قل عاصفة أصح !! اليوم ونحن نقرأ مستندات 
العصر نندهش لأن اتهيار نايوليون - هذا الزلزال العنيف - تولدت عنه حالة من 
التردد . هن وقوع المارد الأرض كلها ولكن فى أى اتجاه ؟ ومصلحة من ؟ 
تشهد الرسائل التي بعث بها جان - فرنسوا لأخيه فى بداية شهر يوليى على هذا 
التردد . فهو يتحدث فيها عن تتويج «نابوليون الثانى» ألم يتنازل الإمبراطور عن 
العرش لصالح الإمبراطورة ؟ والذى حدث هو أنه بدلا من أن يجد نقسه قى دور المنبوذ 
راح الأستاذ شامبوليون يصق حالة الهلع التى احتاجت «طافئى الأثوار» . 


254 


وجرى الحديث أيضنا عن تتويع دوق دورليان . فى البداية قلة هى التى كانت 
تنادى بعودة آل بوريون لأنه بدا أن إنهيارهم الفورى والتعيس قد أنهى مصيرهم تماماً 
قى مارس 18١١‏ . إلا أن لندن كانت تفضل هذا الحل . وكما سنرى فيما يختص 
بتابوليون فإن ويلنجتون وكاستتلرياه يقودون العمليات . 
إلا أن بعض المواطنين الفرنسيين كانوا غير مستعدين لتسهيل المهمة لهم تشهد 
على ذلك هذه السطور المتخوذة من خطاب جان - فرنسوا إلى جاك جوزيف الذى كان 
قد أخبره بالكارثة . الخطاب مؤرخ الأحد ٠١‏ يوني : 
«خطابك الصغير [...] أدهشنا إلا أنه لم يقت فى عضضنا . لقد حان وقت تحديد 
مصير فرنسا . إنها لن تضعف وإن تتشكك فيما تختاره بين الخزى والش ف وبين 
الحرية والعبودية للاجنبى . لا تخشى علينا من أى شىء - الهدوء يسود ه .ينتنا . 
إذا تحرك أصحاب النية السيئة - سيعاقبون ..» . 
لدى اقتراب الجيش التمساوى - الساردى بقيادة الكونت بوينا في فقجر 6 يوليو 
من أبواب جرونويل فإن عاصمة الدوفينية ستظل فخور لقترة طويلة لأنها كانت آخر من 
قاوم فى فرنسا كلها . يسرد جان فرنسوا ما حدث لأخية فى خطاب مؤثر مؤرخ أ 
يوليو الساعة ١١‏ . 
«قصف المدافع توقف الآن فقط . تقدم النمساويون في طابورين للهجوم على مدينقنا 
جرونويل » الأرل من تاحية باب تريكلواتر والآخر من باب دوبون [...] تتقدمهم 
المىسيقى . تقدم هؤلاء السادة بخطى قصيرة كما لى أنهم فى حفل زفاف ٠‏ يدو أن 
«طافئى الأنوار» كانوا قد شجعوهم على التقدم وأنهم لن يلقوا مقاومة فأساعا 
التقدير ببشاعة . إذ ما أن أصبحوا أمام الأسوار إلا وكانت المدافع الفرنسية ويثادق 
مجندينا [تنهال عليهم] فانسحبوا إلى الضواحى حيث استقبلتهم طلقات المدافع 
فطردوا منها . بدأت المعركة فى السادسة وانتهت فى العاشرة والنصف وكانت 
حامية للغاية . أرسل النمساويون مفاوضا من جانبهم [...] أعلن عن وقف إطلاق 
النار لمدة أريعة أيام [...] زوجتك زويه التى كانت قد وضعت منذ امس أخذت الأمور 


بشجاعة المحاريين [...] لم أشرب في حياتى مثل هذه الراتافيا* الجيدة .20 . 


× مشروب كحولي يستورد من جزر الباسيفيكى (المترجم) . 


255 


لايوجد ما يطبع هذا النص باليطولة فهى بدا بالحديث عن حفل زفاف وانتهى 
شوب الكموليات . لايحاول جان - فرنسوا أن يخدع أحدا . أهم بطولاته انحصرت 
فى «طمأنة السيدات» . غيره كثيرون يجعلوهن يققدن صوابهن فى مثل هذه الظروف . 

باختصار استسلام جرونويل تم في ٠‏ بولبي : قلعة الدوفيتية أصبحت فى أيدى 
الغزاة ابتداء من المواطنين الذين أغضيوا المتطرقين وكذلك حلفاؤهم «طافئى الأتوار» . 

احتاجت بلورة الحل البوربونى عدة أسابيع ليكتمل . ولم يتم رفع علمهم الأبيض 
على مباتى جرونويل سوى فى ٠١‏ يوليو يعد شهر كامل من واترلى . حانت ساعة 
الانتقام الكبير . وزاد من عنفها درجة خوف المتطرفين وأن المدينة كانت أكثر المدن 
بوتابارتية أو ليبرالية . 

لايمكن أن نتحدث عن الجى العام الذى ساد هذه الأشهر من صيف 14١١6١‏ 
بأحسن مما فعل أوجان دو فوجيه : «التشدد الذى ساد الملكية الثانية تناقض مع 
الاعتدال الذي ساد الأولى [...] كان من المتوقع أن تتطلق نار الأنتقام الأولي فى 
4 عندما كان على ضحايا الثورة أن ينتقموا لقترات تفى طوبلة أو لاعتداءات 
قاسية أى لأسر كاملة ثم التضحية بها على المقصلة [...] غير أن الضراء التى تحملوما 
ينيل لم تقلل من قدرتهم [...] لقد حدث بعض الشطط فى السلوك واكن لم تحدث 
عمليات انتقام منظم [...] قي عام 141١١‏ كان المطلوب هى الانتقام من وضع مثير 
السخرية ومن هروب مزرى تصرف الجميع أثتاءه دون تحكم [...] الألام الكبيرة 
سامحت . الكرامة المجروحة كانت فى منتهى القسوة60) 

تنطبق هذه الملحوظات على جرونويل أفضل من غيرها . وكما كتب عنها جيزو" 
في «ذكرياته» كانت جروتويل مهد المائة يوم » » ورأى البعض أنه من الضرورى ضرب 
البونابارتيه بقسوه فى المكان ذاته الذي انفجرت فيه أولا.» 

ضرب «الإرهاب الأبيض» عاصمة الدوفينية ضريا مباشرا وإن لم يأخذ الشكل 
الدموى الذى كان عليه فى كل من مرسيليا ونيم وأفينيون . إلا أن الانتقام أخذ فيها 
أشكالا قانونية وإدارية وثقافية على درجة كبيرة من الانحطاط البشع علي يد شخص 
اسمه راندون سان مارسال . عينه الكونت دى ريفسكى » ياور إمبراطور النمسا وقائد 


» كان حبنذاك موظلقا فى وزارة العدل . 


256 


قوات الاحتلال : مفتشا عاماً للشرطة وقد فعل راندون ما يكفى لأن يجعله يهرب بعد 
سته أشهر فارا من العقاب الذى طالبت يه الجماهير الغاضبة وقد تم تهريبه لتفادى 
أزمه بين باريس وقييتا ٠‏ 

العمليات الانتقامية الحقيقية - غير تلك التى قام بها موظف متطرف ويلا ضمير . 
- جاعت على يد جمعية سرية اسمها «كازينى» يرأسها الماركسى دوشاليون - متطرف 
مشهور Mio‏ فترة طويلة وقائد «الحرس الوطنى راكب الخيل» وكانت هذه الجمعية هى 
التى تنظم وتنفذ العمليات الأنتقامية . إذا كان الكازينى هى الوكر الذى حيكت فيه أسوء 
الضريات قإن شاليون وقظته المأجورين وجدوا لهم منافسين بل وغرماء فى مقر 
الشرطة والمنطقة العسكرية ودار العمودية : وقد أطلق على هؤلاء جميعا لقب «جاكوبيى 
اللكية» . 


لم يسرع جاك - جوزيف شامبوليون - فيجاك فى العودة إلى مديتته حيث , 
أنضواؤه تحت العلم المثلث الألوان بعد إعلان ولائه الملحوظ لعلم آل بوربون ذى الزنابق 
كان سيجلب له مشاكل فيها أكثر مما سيجلبه له فى باريس . تمركزت إذن على جان - 
فرنسوا كما كان يريد بالفعل - كل الأحقاد . وكان عليه أن يحارب على أربع جيهات . 

جبهة الصحافة أولا : لم يتردد السادة الجدد فى أن يفرضوا خروج «صغير» من 
«حوليات الإيزار» الصحيفة التى الذى جعل منه يؤرة للييرالية . كتب الصحفى المناضل 
لأخية خطابا بدا فيه أنه يأخذ الأمور من جانبها الطيب : 

بعض المقالات . لم يكن مقبولا أن تنفث الساخن والبارد فى نفس الوقت . إن ذلك 
لايليق بك ولابى واعترف لك أن الشجاعة لم تكن لتواتينى لكى أحرر الصحيفة 
بصورة جيدة تتفق والجى العام السائد . لعل فجرا جميلا يشرق مرة أخرى» . 
سيكون أكثر عنفا ومؤثرا جدا فيما يختص بالجامعة وسيعبر عن ثورته الغاضبة 
بلغة المؤرخ . 
«من الخطر دائماً أن تفتح باب حديقتك للعدى . سينتهى به الأمر دائما A dla‏ 
مطبخك . تكفى تجرية خمسة عشرة قرنا لتأكيد ذلك » . 


257 


ولكن أقسى التجارب وطأه عليه ستكون بصفته باحثا أكثر من كونه صحفيا أو 
مرييا . مشكلة الأخرى كانت حينذاك هى مصير قاموس اللفة القبطية الذى وعده 
بطبعة فى أقرب فرصة نابليون الذى كانت تحيط بشخصة هالة من نور متجدد فى 
جروثويل يوم 4 مارس ٠.‏ 
الواقع هى أن مخطوطه قدم لأكاديمية الآداب فى VA‏ مايو . الواقع أن جان - 
فرفسوا لم يغرق نفسه فى بحار من الأمل لأن اللجنة المكلفة بإعطاء أمر الطبع كانت 
مشكلة من دوساسى ولانجلاس وكوسان . وكانت علاقاته بالأول والثانى قد ساءت جداً 
كما رأينا - علاوة على ذلك فإن لانجلاس وكاترومار اللدود قدما مشروعاً متافساً . 
وعلى الرغم من الظروف السياسية المواتية إذ كان تايوليون لايرّال قى التويلورى - فإن 
الآفاق لم تكن مشرقة : 
«ها هى قاموسى ألقى به إلى جماعة الذئاب المفترسة وبين براثن منتقدى المعروقين . 
يجب أن يكون عملى ممتازا لكى لايقواوا عنه أنه مكروه . وعلى العموم فإني 
مستسلم مقدماً . علمقي كتابى الأول" حقيقتين كبيرتين . الأولى أنه يجب أن تسير 
بخطى ثابتة على الرغم من الصراخ النايع من الغيرة والكرامة المجروحة . والأخرى 
وهى الأكثر مواساة للنفس هى أنك تصل دائثماً للهدف بالنية الطيبة والاقتناع التام أنه 
لايوجد ما تعاتب نفسك عليه وسط عمليات الاضطهاد التى تنتظرك مع كل خطوة تخطوها». 
أخذ «خبراء» الأكاديمية قرارهم فى ١‏ يوليى بعد شهر من هزيمة واترلى عندما 
كان المتطرفون - وكان ساسى واحذا متهم - ققد تمكنوا من جميع مفاتيح السلطة . 
فيجاك الذى كان لايزال فى باريس علم لتوه بالرفض وأفاد أخاه بالنباً . اعتبره جان - 
فرنسوا صفعة على وجهه : إن العمل لايرقى لأن «يطبع على حساب الحكومة» . | 
كان وعد نابوليون فى هذه الظروف ضارا لعملية نشر الكتاب .. كنا قد لاحظنا 
أن آمال جان - فرنسوا لم تخدعه فى هذا الصدد , غير أنه لم يكن ضحية بداية ظلم : 
سياسى فقط وإنما الحكم عليه كعالم كان من محرر التقرير (وهو ساسى) لأنه أكد في 
تقديمه للعمل أن «الهيروغليفيات ليست سوى علامات محتملة للغة الكلام وليست 
علامات فكرية [...] وهذا التاكيد يبدو متهورا جدا . بالنظر للبراهين المتوفرة من 
العصور القديمة كلها ...» 


۽ كتاب «مصر فى عصر القراعنة» 


258 


تحول هذا المأخذ على شامبوليون -- كما تقول مدام هارتلوبان الذي كان يبدى فى 
حينه مبررا - إلى تقريظ من أعلى درجة للطالب المعاقب [...] الذى تجراً وأكد أن 
للبيروغليفيات [...] مدلولات سمعية" » . 
رد فعل شامبوليون «صغير» كان فى منتهى العنف فى خطاب أسرع بارساله 
لأخيه فى ١؟‏ يوليى 14١١‏ . لهذا النص أهمية كبرى - إذ أنه يحتوى على كل شىء : 
الإساءات الشخصية وصراع الحداثه والمخاوف السياسية والآفاق المستقبلية . ولايجد 
الشاب فى كل اتجاه سوى أسباب للمرارة سواء كان ذلك فى اتجاه إنتصار المتطرفين 
وأصحاب الزى الأسود أى من ناحية احتلال القوات الاجنبية المدينة أو بالنسبة لرفض 
طبع كتابه واخيراً فيما يتعلق بالنقطة التى فاض بها كاسه وهى انتخاب كاترى مار فى 
الانستتيى . كل ذلك يبرر نشرنا لمقتطفات مطولة من هذا الخطاب الذى هى كشف 
حساب رجل فى الخامسة والعشرين . 
الموضوع الأول : رفض طبع قاموس اللفة القبطية على حساب الحكومة  :‏ 
«التقرير الذى كتبه «الجيزويت * »جاء كما توقعته : سم زعاف تحت السكر , فلأته غير قادر 
على مهاجمة الموضوع فى صليه فقد تحول إلى الشكل . إنه كالدودة استعصنى طيها قضم 
الورقه أى قطعها راحت تغطيها بريالتها [...] خبث تقرير هذا الجيزويتى واضح جدا أعامى . 
إنه سيد الموقف الآن ..» 
الموضوع الثانى : ما العمل فى القاموس المرفوض من الجانب الرسمى ؟ عندما 
تقل له جاك -- جوزيف العرض الذى تلقاه من مسيو / جرينى الذى يقترح على 
الشقيقين أن يقوما «بالطبع» ويتولي هو «الباقى» أى التوزيع جاء رد أخيه الصغير 
«أرجى ألا تكون من الجنون بحيث تورطنى - بناء على قوله - فى مصاريف تتعدى 
بكثير إمكاناتى وإمكانات أسرتك مجتمعة فى الأوقات التى نحن فيها وسط ثورات 
عنيفة تمزق «وستستمر تمزق» وطننا ا منكوب . يجب ألا تفكر سوى فى الحياة 
الجسدية [...] لقد انتهى عصر الأمجاد الأدبية» 


+ كثيراً ماسيستخدم شامبوليون هذه الكنية لأستاذه السابق متهما بذلك إياه بالأراء الرجعية ووسائله 
غير الصريحة وال لتوية 


259 


الموضوع اثالث : إنتخاب كاترومار فى أكاديمية الأداب وما يعنيه : 
«.. لقد قبل الانستيتى قى عضويته أعدى أعدائى وأنت تعلم مثلى تماما كم أن نجاح 
بوليكارب هذا رهيب قى ضرره لأعمالى . أعتقد قد أنه من غير المفيد أن نستمر فى 
صراع سينتهى بنا إلى أن تسقط فيه صرعى أجلا أ عاجلاً . روح التحزب تسود 
فى فرنسا بأكثر مما كانت عليه فى أى وقت مضى . إن لون القبعة سيحد درجة 
جودة الرأس الذى تغطية . كل شىء إنتهى تماماً من هذه الناحية . 
الموضوع الرابع مستقبل الشقيقين فى جرونويل : 
ag ee sel‏ [...] عندما علمت بوصول الغريب إلى جروتويل . لماذا 
عتقدت أن الصحيفة كانت مازالت لك أهل تعتقد أن هذه النوعية من الرجال سوف 
es‏ التى أعيدت بها إليك" [....] إن العصابة الجهنمية المسيطرة على 
جرونويل أعادتها إلى المتآمرين الذين كانوا انتزعوها منك ..» 
إلا أن هذا الجان - فرنسوا الذى يحذر أخاه عن حق من «الأوهام» سيعيش هو 
نفسه فى أخرى »٠‏ وأن كانت غير خطيرة : 
«مادمت تعرف المحافظ الجديد** قلا يرال هناك أمل فى أن تستعيده . أقول الأمل 
ولا أقول من المؤكد لأن المحافظ سيحاط عند وصوله بشخصيات Je‏ ..] ستلبسك 
أفضل رداء [...] لاتغفر لك أبدا مقابلاتك"** ولاوسامك”*** هذا الوسام سيصيح 
حبلا حول رقبتك [...] إذا حضر المحافظ إدخل فى زمرة اتباعه وإحضر معه واجعله 
يعيدك إلى منصبك [...] وإن كنت أشك فى التجاح [...] ولازلت أدعوك أن تغسل 
يديك على حسابى أنا ...» 
ماأعجبها من شخصبية .. هذا الاستاذ الشاب ڏو الرأس الساخنة ! واضح الرؤيا 
دائما (تقريبا) شهم إلى أقصى حد - وإن كان ميالاً إلى أن يكون عرضة للإحساس 
بالاضطهاد على طريقة روسى . ولبعض من التعصب العلمى وكذاك لشىء من الحماس 


. بواسطة تايبوليون‎ à 

«» مسيى دى موثليفى - الياور السابق للإمبراطورة جوزيفين والذى تحول إلى حزب المتطرقين واصيح ٠‏ 
على عكس ماكانا يثملان - من ألد أعدائهما . 

++» مع تأيوثيون . 

++ »+ الليجيون دونور (جوقه الشرق) . 


260 


الجاكوبينى بمثل ستاندال . هل كان به شىء من السذاجة ؟ بالتاكيد ! حقود ؟ بالتاكيد ! 
بل ومع شيء من العنف ... ولكن ما كل هذا الحماس وطلاقة التعبير والألمعية ! وتحت 
زيد أهل الجنوب تجد عمق أهل الجبال المرتفعة .. 


لم يهزم بعد على الرغم من كل شىء صديقنا «المصرى» ! كان العدى يحتل مدينته 
و«السود» حاملوا اللواء الابيض يطاردونه والعمده الجديد بلانيللى د لاقالات يأمره 
بان يغلق المكتبة التى هو أمينها فى غياب أخيه وكليه الآداب مهدده بالوفاة - اليست 
اختراعا من اختراعات «الغول» الشيطانى ؟ الإشاعات كلها تعلن قرب سقوطه . 
و«طافئى الانوار» يطردونه من «حوليات الإيزار» بعد أن جعل منها الناطق بلسان 
البونابارتية الليبرالية الجديدة فى المنطقة › إلا أنه لايعترف بالهزيمة فلم يترك 
اميكروفون الذى هو الحوليات دون أن يلقى تحديا سافرا للمتطرفين فى صورة «تخب 
إلى الجمهورية» الذى سيؤدى إلى نفيه : 
شارب صسادق والكأس فى يده 
يحتسى المدام نخب اين ديونيزوس 
والم ييب يختم ذش يده 
مثله أنا أيضا لى غرامى 
تخب الجمهورية إلى الأب ° 
لم تكن قريحته الشعرية على مستوى حماسه الوطنى والانكى من ذلك أن قسمه 
لم يكن كما ادعى أبديا لارجعة فيه .. غير أن الذى يجب أن يؤخذ فى الاعتبار هنا 
ليس معرفة ما إذا كان شامبوليون ينافس بيرانجية" أو إذا كان ولاؤه الجمهورى من 
معدن أكثر صلابة من قاتلى الملوك السابقين الذين أعلنوا ولاءهم بعد ذلك للتاج الملكى . 


* مؤلف أغاتى ومطرب فرنسى إشتهر بأغانيه الوطنية VAS)‏ - 1601) . 


261 


الأهم من ذلك هو الجانب الفدائى فى شخصيته : فقى الوقت الذى تظهر فيه بوادر 
الإرهاب الأبيض نراه يرتدى غطاء الرأس الكاشف عن ميوله نحو الجمهورية . 

وهى لايكتفى بالتحديات العلنية . فقد يدأت المنشورات توزع فى صالونات 
. جرونويل وسرعان ما توجهت الأنظار إليه على أنه محررها : فهى تهاچم «مطفئى 
الأنوار» و «ذوى القيعات السوداء» . مثل ذلك ما جاء فى أحد هذه ا منشورات وهى على 
هيئة محاكاة ساخرة لسفر الرؤيا يظهر فيها نابوليون فى صورة الحيوان AU‏ 
القادم من البحر .. فصاحة صديقنا الجاسكونى (والدوفينى أيضا) تنطلق دون رابط 
فى هذا النص لدرجة أغضبت المحافظ الجديد الكونت دومونليفى - وهى الذى كان جاك 
- جوزيف يعتقد أنه يعرفه بالقدر الذى يسمح له يأن يحتويه - فقد نسى المحافظ أن 
أكثر المتطرفين تشدداً هم الملكيون السابقون الذين أصبحوا خدما لآل بونابارت . 

فى 58 يوايى 14١6‏ وضع جان - فرنسوا شامبوليون تحت مراقبة مباشرة . 
ويجدر أن تنقل هنا النص الصادر عن مفتش الشرطة راندون سان مارسيل الذى 
سيق أن تكلمنا عنه : 


«آخذين فى الاعتبار روح التمرد التى تحرك بعض الأفراد ٠»‏ يضاعف من جرمهم 
أنهم فى ضلالهم هذا سيئى النية » ومن خطورتهم أن إستنارتهم” ومكانتهم فى المجتمع 
تجعل المثل الذى يعطونه بسلوكهم وبالتعبير عن أرائهم يضاعف من الأضرار التى 
يتسببون فيها - نظرا لكل ذلك قررنا ما يلى : يوضح تحت الرقابة الفورية السيد 
شاميوليون - فيجاك الأصغر ء الاستاذ بكلية جرونويل [...] إلا إذا عدل من سلوكه 
. [...] أن تحدد له أى محل إقامة آخر» . 
حركه الكماشه تشتد حوله , إذ إن حرية حركته هى التى استهدفت** . وصفه 
للمناخ العام السائد فى جرونويل بيدى قير مبالغ فيه إذ كتب عن ذلك لأخيه يقول : 
«الكارينويون””* لهم اليد العليا فى المدينة . من المؤكد أنهم مكلفون أو كلفوا 
أنفسهم بأعمال الشرطة العليا . الاعتقالات تتم يوميا . البداية كانت فى الطبقات 
الدنيا وستنتهى يمش يرقنون الملابس الفرنسية . الجميع يرتابون فى أقرب الناس 
إليهم , الوشاية هى سيدة الموقف» , 
* يعاقب لاستتارته !| موقف متنتاسق! 
+× نفس المعاملة كانت من نصيب جاك -- جوؤيف فى باريس 


٭٭× أعضاء تتظيم الكازينى - انظر ماجاء من قيل 


262 


من الطريف أن نقارن هنا بين هذا التقرير الحى للأحداث من شاهد عليها - إن 
لم يكن ضحية لها -- ويين ماكتبه شامبوليون - فيجاك فى كتابه ' فورييه ونابليون' . 
الأسلوب هنا يصبح أكثر سلاسة والنغمة أكثر اعتناءٌ . يعد التاكد من تطايق الأحداث 
مع الواقع ويعد أن عاد لينضوى تحت لواء الملكية فإن الأخ الكبير يردد ماقاله أخوه : 
إنها لبركة آسنة من الوشايات يطلقها ويديرها قس متزوج وإثتان أى ثلاثة من 
الماراتين* أهل ٩١‏ » وهم محترفى الأجرام تناسيهم جميع العمليات الإرهابية سواء 
كانت بيضاء أى حمراء ويتواون بسبب تكوين شخصيتهم جميع الأعمال القذرة التى 
تخدم طبقة غير طبقتهم مثلما يفعل الخدم قى المسرحيات الكوميدية بأن يكذبوا لصالح 
asus‏ 
" ماراتييون '" محترفون أو متطرقون خلص ٠.‏ المهم هى أن أعداء الشابوليونين 
الذين انتزعوا منهم صحيفتهم راحوا الآن يهاجمون قلعتيهما الأخزيين : الكلية والمكتبة . 
فى 19 نوفمير كتب جان فرنسوا لأخيه :" لاشك أن كلية الآداب ستلفى بأكملها .[...] 
لم يحصل بعد أى شئ بصورة رسمية ( ولكن ) هذا لن يتأخر"" وفى جميع الأحوال 
فإن بيلون وانا وأنت وبيريا سان برى*** سنكون من المطرودين . لقد إنتهيتا .. 
فلنرى ما سبستخلصه هذا الشاب " ا منتهى " من هذه التجرية السيئة من نتائج 
غير متوقعة منه فى صورة " خطة لحياة جديدة مدينة وأسرية » يرسلها إلى آخيه طالبا 
منه أن مقرأها » يتمعن » : 
» ... أى أن أدخل فى سلك « موثقي العقود » فى جرونوبل ستقول لى أنك تريد أن 
تتحول من أسقف إلى نجار ويماذا ستفيد العمة الأسقفية إذا لم تأت بالخبز . علما 
بان الدقيق موجود فى المطحن لم يعد هذا وقت المستويات » وبا لمناسبة فإنى أعرف 
العديد من موثقى العقود أكثر احتراما وتجيلا من كتبية أساتذة ( ... ) أما فيما 
يتعلق بى فأنا مصمم على ترك مهنة التعليم العمومى .. » 
ولا يخشى «صغير» أن يخوض فى الحديث عن النواحى الأكثر حساسية فى 


* نسبة إلى جان - بول هارا 113081 .©.ل » ضحية ( عشيقته ) شارالوت كورديه وهو يعتبر رمز 
للأرهاب (المترجم) . 

AV lu VA تحقق ذلك فى‎ »» 

+× عدیل جاك - جوزيف - وقد كان نائب رئيس الفيدرالية ' (الليبرالية ) خلال فترة المأئة يوم 


263 


المشروع .. لاحظ ثيرة الحديث : 
« النقطة الرئيسية هى شراء المكتب ... كثير من موذقى العقود لم يحصلوا على 
مكاتبهم سوى بالزواج ... بالتسبة لى فإن علاقاتى بالحب جيدة لدرجة أنه مستعد 
ليمد لى يد المعونة فى هذا الشأن . بابا بلان مقتنع تماما بأنى ساتزوج إبنته .. 
روزين وأنا متمسكان جدا بذلك . أن مسيى بلان يكرر بالاستمرار أن هذا العالم 


« إن وضعى كموثق عقود يعطينى مايلى : 
١‏ - ضمان موقف صلب ومريح . 
؟ - ألا أجد نفسى بعد قليل من الآن ( ... ) عالة على أسرتى . 
؟ - أن أتمم مشروع زواج أتمسك به من الناحية العاطقية من ناحية الشرف ٠‏ 
4 - أن أجد نفسى بعد فترة قصيرة بمنأى من الثورات . 
ه - وأشيرا هذا هو الوضع الذى ( ... ) يسمح لى بالتخاطب مع جنيات الشعر 
والفن والأدب دون أن يسئ التعامل مع الأدب إلى التعامل مع الثقود . أى ساحصل 
على الورد دون الأشواك . 
ينتج عن كل ما سبق أنه بالنسبة لى خارج توثيق العقود 

لانجاه لي مشاركة ممتازة منه فى رسم صورة له !! 

ومع ذلك فإن جاك - جوزيف يحصل بعد قليل على آراء مختلفة من أخيه : 
« «مازالت الإشاعات تتردد عن المكتبة . إذ يدعون أننا لانوجد يها أثناء النهار 
أماليلا فإن إجتماعات خطيرة تعقد فيها وهى ما يتنافي مع التفكير السليم » يقال 
أننا تركنا المكان لأحد السعاة فى هذه الأوقات الحرجة . لأن عندما يأتى إليه بعض 
الضباط النمساويين يقول لهم أتطوان إن أمين المكتبة خرج وأخذ معه المفاتيح الخ إلخ .. 
Le‏ فيما بدعونه عن اجتماعات فلست أدرى من أين جاعا بهذه الإشاعة غير المعقولة : 
يحتلهما كل ليلة ومنذ ثمانية أيام شرطيان لكل مهما وأن عملاء للشرطة يحومون 
حول المكتبة . عندما أدخل المبنى كل ذلك يختفى لا أدرى أين . إلا أن إلشىء المسلى 


204 


فى ذلك وهى أيضا مضحك أنى أسمعهم يهمهمون بعد أن أكون أوضحت الأمور بعد 
وصولى مبكراً ويهدوء تام . لم يتكلموا أبداً معى ؛ لأنهم يودون أن يقبضوا على 
المتآمرين وهم فى حالة تلبس». | 
«عملاء الشرطة» .. حتى لى كان جان - فرنسوا يستخدم أسلوب ال مناضلين 
السياسيين فى الكتابة فهى لا يبالغ فى الواقع كثيرا . لأن الواقع يفترض أن مهد اعادة 
البونابارتية إلى السلطة . أى مدينة جرونويل استحقت معاملة متشددة . بوجه خاص . 
عملية القمع أدارها رياعى لايرحم : المحافظ الكونت دومونليفى وقد سبق أن رأيناه وهو 
يعمل » القائد العسكرى الجنرال دوناديو* ء» قائّد قوات الشرطة ؛ الكونت دوياستار 
والعمدة الماركيز دوبينا** جميعهم من مجموعة الكازينو ومن مؤيدى «ذوى الرداء 
الأسود» ومن مناصرى الكونت دارتوا . كان وجود هذا الأخير يطمئن أصحاب أكثر 
الأراء تطرفا بعد ما قام به من أعمال عاصفة فى ربيع 1841١‏ . 
عاد جاك - جوزيف شامبوليون إلى جرونويل فى نهاية العام وقد اتخذ لنقسه 
سلوكا شادئًا للغاية يتناسب والظروف ويتفق مع ما يقال عنه هذه الأيام أنه «سار 
بجانب الحائط» . 
كتب يقول عن هذه الفترة بعد ثلاثين عاما فى كتابة «فوربيه ونابوایون» : «أما أنا 
فقد قبلت بالكامل ويبساطة النتائج المترتبة على ما قمت به وإقتصرت تماماً على عملى 
كاستاذ وكام مكنبة وهى مهام كنت أشمر أنها سيموت امتماي پیا أو أنى 
سأضطر إلى أن أختنق أنا فيها وكان مصدر هذا الشعور نايع من العديد من 
الإعراض» ايس هو الذى يشرب مثل أخيه المجنون «فى نخب الجمهورية» إنه ينتظر 
انسحاب حمى الانتقام من مدها . 
إنه شخص باريع . ولكنه أيضا رجل عواطف وهى ما سيتسبب له فى أذى كبير 
fan‏ إذْ جاء إليه شخص إسمه «مسيى رافييه تاجر من كلارمون قيران» يريد أن 
يذهب إلى مقاطعة سافوا ليستشفى بمائها » ولكن ليس لديه جواز سفر اذلك . واضح 
جداً أن هذا الشخص من المغضوب عليهم وهى يحاول الهرب إلى الخارج . ولم يطل 


* وصفه الكونت موليه في مذكراته يأنه «حقير» بمعنى الكلمة . 


«+ يقول عنه ستاندال إذ كان زميله فى المدرسة المركزية (ليكول سنترال) : دمتطرف يقوم بى عمل 
وهى يتناسى نظافة اليد ..متطرف خطين .. جيزويتى بمعنى الكلمة» . 


265 


المقام بالضيف قبل أن يتعرف فيجاك على شخصيته الحقيقية : إنه الجنرال درويه 
دارلون أحد أخر جنرالات الجيش العظيم الذين اغتمد عليهم نابوايون فى واترلى . 

هل تشاور الشقيقان ؟ واقع ما حدث هو أنه «مسيو راشيه» اختبا طوال فصل 
الشتاء قبل أن يخرجوه من المدينة فى عربة عامة انقل الأفراد ثم إصطحبوه حتى مدينة 
شامبيرى وكانت هذه المدينة حينذاك أجنبية وتتيع السافوا . ومن هناك اتجه إلى 
ميونيخ حيث كان يقيم الأمير أوجان دو بوهارينه 

- على الرغم من أن هروب درويه دارلون لم يكتشف من الشرطة إلا بعد فترة 

طويلة* فإن «ملف شامبوايون» كان ثقيلا كما تقول مادلين يوريوان : «لم يكن اللوم 
الواقع عليهما راجعا إلى تهافتهما علي استقبال «سارق العروش» بقدر ما كان بسبب 
عدم إعلانهما عن تويتهما الصادقة:7!!) وفى ؟؟ فبراير 1411 يندد الكونت دوياستار 
مفتش الشرطة الملكى» لدى ديكاز وزير الشرطة بالأعمال التى يقوم بها «رجال خطرون 
مثل شامبوليون»** ويرويى وبواسونيه الذين لعبوا دورا رئيسيا خلال المائة يوم وسرقة 
السلطة (كما أنهم) يزيدون من شعلة التمرد الضار فى صفوف الشعب (بواسطة) 
الأكاذيب الضارة التى يروجونها [...] كانوا على رأس «القيدراليين» وكل من هى شرير 
يركز نظره عليهم .. » ومع ذلك يقر باستار أنهم «أفراد غاية فى الذكاء إذ أن سلوكهم 
الظاهرى لاينم عن أى شىء خطير يلامون عليه [...] لكنهم يلتقون [..] فى اجتماعات 
تضر بمصااح الحكومة120) , 

لكن بعد عشرة أيام قإن ديكاز الذي كان يعتقد فى تعقل وحتى تلك اللحظة أن 
«الأقوال التى تبودلت» منها الكثير الذى «يكتفى بتسجيله» ومنها «القليل فقط الذى 
يستدعى ملاحقة أصحايه بسبيه» انتهى إلى وجوب ايعاد «الأقراد المذكورين» عن 
مقاطعة الإيزاى . ينتهز باستار الفرصة المتاحة وفى 14 مارس أرسل مدير الشرطة 
بالمذكرة الآتية : 

«جرونويل قى ١9‏ مارس 181١1‏ يعتقد السيد المحافظ أنه فى الوقت الذى عادت 
تنتشر فيه الإشاعات الكاذبة التى إن صدقها الشعب فإنها لابد وأن تزكى تطلعات 
إجرامية - أنه من المفيد اتخاذ إجراءات نشطة ضد هؤلاء الرجال الذين لايقدسون 


٭ كما سياتي ذكره بعد ذلك يقليل ٠.‏ 
+» المستهدق هنا على ما يبدى هو جان - فرنسوا . 


266 


شيئا [...] منذ فترة طويلة والرأي العام يشير إلى الأخوين شامبوليون* علي أنهما من 
أعداء الحكومة ويزيد من خطورتهما أنهما يجمعان بين المرائية الشديدة والمهارة 
العظيمة والفكر والمعرفة [...] . 
كونت دوياستار 

لم يتم تنفيذ أمر الإستبعاد سوى بعد عدة شكاوى واحتجاحات والتماسات .. 
وفى خطاب للمحافظ بعد سفر الشقيقين إلى «منفاهما» على الرغم من أنه كان قد ترك 
جاك - جوزيف يعتقد أن القرارسيلغى .. كتب إلى ديكاز يبرى القرار يل يؤكد عليه 
ويطالب بتنفيذه ٠‏ | 

«الأخوان شامبوليون ينويان التوجه إليكم بالتماس ضد إبعادهما . بالنسبة لى 
فإنى أرى أن ذلك ضرورى في الوقت الحاضر وسيكون له أثر طيب للغاية على الأمن 
فى المدينة ..» يوجد لدينا الدليل على أن ذلك التدخل هو الذى حسم الأمر وهو عبارة 
عن خطاب من صديق قديم من فيجاك : اسمه دوجيه وكان قد عين في وزارة الخارجية 
وقام بعدة وساطات لصالحهما فى الأوساط السياسية وال مثقفة فى العاصمة ونجح فى 
خلق اتجاه عام لصالحهما . ولكن ليس لدى الجميع ...» 

إذ كتب دوجيه إلى جاك - جوزيف يقول له «لولا الخطاب الشؤم لقائد الشرطة 
فإن قرار إبعادكما كان سيلغى إن ذلك يعتبر قمة فى عدم الولاء . لقد بدا لى البحض 
متعاطفا مع موقفكما . مسيى سيلفاستر دوساسى** الراهب السابق لن أنقل لكما هنا . 
ما قاله . إنه شخص حقير - يجب أن يترك هكذا يفسد فى مكانه حتى يأخذ الرأى 
العام المستنير منه الموقف المناسب . وداعاً ياصديقى وخذا معكما زاداً كبيرا من الصبر 
وقبول الأمر الواقع . إنكما قى أشد الحاجة إلى ذلك لتحمل شرور الناس بكل شجاعة»(13 

فى خطابه «الشؤم» أشار مونليقى إلى أن الشقيقين شامبوليون يبديان «أسفا 
شديداً لأنهما سيذهبان إلي محافظة تكره حتى اسم بونابارت» .. الواقع أن المدن التى 
ذكرت قى بادئ الأمر للمنفيين كانت : دينى وقالانس وأكس ؛ محافظتا بروفانس 
والألب الجنوبية كانتا مشهورتين بميولهما الملكية » وهذا هى السبب الذى جعل نابوليون 
يحرص لدى عودته أن يذهب فوراً إلى الدوفينيه . 


. مجتمعان فجأة في الاتهام‎ Loan La à 


++ لم يحدد دوجيه كيف أن هذا «الراهب» اساء إلى زميله وتلميذه السابق ولكن من الواضح أنه رفض 
التدخل لصالحهما . 


267 


«السادة شامبوليون» لما لم ينجحا فى الغاء قرار إبعادهما , سعيا ونجها فى 
الحصول على وجهة أخرى وكانت فيجاك مسقط رأسهما حيث مازال يعيش والدهما 
وشقيقاتهما الثلاث وبيعض الأصدقاء وحيث لايعكر المناخ السياسى أى تعصب . لم 
ينس جاك - جوزيق أنه عاش فيها دون أية مضايقات ولكن دون - عمل - فترات 
الإرهاب (الثورة) وتيرميدور .. 

إلا أنه هى الذى شعر بوطأة عملية طردهما المشترك بأكثر مما شعر بها أخوه . 
وهى إذا كان قد نجح فى أن يصطحب معه إبنه «على» فهو ترك زوجته وطفليه الآخرين . 
وهى فراق أقسى عليه من قسوة فراق جان فرنسوا من روزين التى كان لازال يأمل فى 
أن ياخذها زوجة له - ومن أقرب أصدقائه إلى قلبه أى جوستان تيفونيه . 

لابد وأن قوق ذلك كله بالنسبة لجاك - جوزيف شعوره بالظلم من أن يعامل مثلما 
يعامل أخوه - تتذكر أن جان - فرنسوا توسل إلى جاك - جوزيف لكى يلقى عليه هو 
كل المسئوليات السياسية الخاصة بالأيام المائة وخاصة «جاكوبينيه» الصحيفة . كان 
ذلك كرماً منه وكان أيضا موقفا واقعياً . 


إذا تفحصنا سلوك الشقيقين خلال الأشهر الممتدة من ربيع 18414 إلى 141١1‏ 
ستلاحظ ادي الاخ الأكير تحولات عديدة فى مواقفه من خدمة ملك ثم الآخر (والعكس 
أيضا) وميلاً قويا إلى أن يقف دائما إلى جائب السلطة القائمة من علم مث الالوان 
إلى علم أبيض » من وسام الزتيقة إلى وسام جوقه الشرف أى ما يسمى بلغة العامة : 
الإنتهازية . هذا الرجل المحبوب والذكى النشط جعل فى انتها زيته كثيرا من الرقة 
وقليلا من سوء النية وهى موقف يندس جدا أن توقع عليه المحاكم أى عقاب وأقل منها 
الشرطة » فهما - سواء هذه أو تلك - تعرف جيدا هذه الترددات الأيديواوجية وتعتبر 
بالنسبة لهم شيئا مالوفا . 

أما سلوك جان - فرنسوا فهو مختلف جداً . فحتى بعد إنضمامه لرجل المائّة يوم 
لايكف عن الإعلان عن «ليبرالية» أساءت إليه . وهى يعمل بناء على ذلك فى توجيه 
«نداءات إلى الشعب» واینشر نخبه في صحة الجمهورية» وفى كافة كتاباته السياسية . 
وفى نشاطته العلنية داخل نادى «الوحدة*» وداخل الفيدرالية . طوال تلك الفترة 


* هذا التادى «المناهض للكازينى» كان جمعية سرية ليبرالية فى 1811 المحامى جوزيف رى يساعده 
الفنان الرسام سيمون تربول وجان - فرنسوا شاميوليون ثم إنتضم إليهم ببرائجية دولادورم وفيليكس ريال ٠‏ 


268 


المضطرية التى كان مصير البلد يتحدد فيها بين الألوان الثلاثة أزرق وأبيض وأحمر 
وتحت شعارات النحل (نابوليون) الزنبقة (آل بوريون) أو البنفسج (الجاكويية) على 
مقامات جاكوبيه كبيرة أى كنسية صغيرة فإن جاك - جوزيف كان من الاعيان وجان - 
فرنسوا رجلا حزيياً . لماذا إذن يعامل هذا مثل ذاك ؟ كان لهما شركاء : ييريا سان 
يرى وبواسونيه وپولون وهی آسماء شاركت فى «نادى الوحدة» أى فى الفيدرالية ولم 
يمسوا بعد أن عبروا في الخفاء عن شيء من التوبة وهى ما كان الأخ يرفضه لولا أن 
«صغير» نصحه بغين ذلك . 

هل لأنه أثار غيرة المعديد من الناس هل لأن تجاحه كان أسرع مما ينبغى ؛ على 
العموم كان بروز جان - فرنسوا أوضح وألمع من ألا تطول الفضيحة التالية لهذا العمل 
البارز أخاه أيضا . هی الذى أراد أن يتحمل وحده كل شىء لكى ينقذ أخاه من إنتقام 
المتطرفين جر معه أخاه الطيب إلى حيث المغضوب عليهم . 

ويناء على ذلك يجب أن نعتبر أن جاك - جوزيف هنا كان ضحية حماس جان - 
فرنسوا الوطنى . إن ما يؤخذ عليه يبدى تافها للغاية ويمكن إرجاعه على الأكثر إلى 
التقلبات التى نسج منها رداء الحياة فى فرنسا فى زمن رأينا فيه قاتلا للملوك يصبح 
وزير الملك وملكيا يصبح كاتم أسرار «القول» فى جزيرة سانت إيلان . 

كان من الممكن بالطبع أن يؤخذ على جاك - جوزيف خرق خطير للقانون للدور 
الذي أداه فى هروب درويه دارلون . ولكن هذا التحدى للسلطة لم يكن له أى دور فى 
إبعاده ونفيه : فهو يقول فيما كتب إنه على الرغم من أن كل ذلك قد جرى على بعد أريع 
خطوات من مقر المحافظة فإن «مسيى دى مونليقى محافظ إيزار الجديد والجنرال 
دوناديى القائد العسكرى للمقاطعة لم يدركا أن الكونت دارلون قد مر لفترة قصيرة 
بجرونويل (حسب ما جاء فى تقريرهما) إلا بعد أن كان الجنرال قد أمضى فترة طويلة 
فى موينخ»!14) 

وكما يحدث فى كثير من الأحيان فإن شامبوليون - فيجاك لم يعاقب على 
«الجريمة» التى اقترفها بالفعل ولكن للتى ارتكبها مثله العديد ممن عاقبوه ألا وهى 
التكيف مع الظروف  ..‏ 


269 


ها هما الشقيقان مضطران لترك جرونويل فى ١؟‏ مارس 18١1‏ ويصحبتهما 
الطفل «على» فى طريقهما للمنزل القديم قى حارة لابودوسكورى . وكان الأمر الصادر 
لهما يحتم عليهما ألا يقضيا أكثر من خمسه عشر يوما ليقطعا المائة وخمسين فرسذاً 
الثى تفصل بين جرونويل ومسقط رأسهما وأن يقدما أنفسهما إلى محافظ مقاطعة 
اللوت خلال الخمسة أيام التالية اوصواهما هناك . 

قبل ذلك بيومين أرسل المحافظ مونليقى مذكرة سرية لزميله فى كاهور وسلم 
الشقيقين جوازيهما . وتستحق النصوص الثلاثة أن نذكرها لأنها تعتبر يمثابة صور 
جسدية وسياسية للرجلين - كما كان يراهما بدقة عملاء الملكية : 

«السيدان شاميوليون لفتا الأنظار بحماسهما فى اعتناق قضية بونابارت وفى 
المجهودات التى قاما يها لمساندته . الأخ الأكبر كان عميدا لكلية الآداب وأمينا لمكتبة 
المدينة . وكان قد طلب من يوتابارت لدى مروره فى هذه المدينة وحصل مته على رياسة 
تحرير صحيقة «لوجورنال دوليزار» وهو بذلك أول من نشر مستندات الاستيلاء على 
السلطة - ومن هنا ثبعه إلى باريس حيث عاد منها وقد نال وسام جوقة الشرف . إنه 
لماح وذكى وحسن الكلام مثقف جدا وشكله وسيم . جميع هذه الصفات تصبيح ضارة 
للغاية عند إساءة استخدامها . 

«الآخر مثقف جدا مثله وهى أيضا استاذ بالاكاديمية ويهتم كثيرا بالآداب 
الشرقية وكان خلال فترة السلطة سكرتير لجنة القيدرالية - شكله ليس على نفس 
درجة ملاحة الأول إلا أنه أكثر حيوية مما قد يجعله عند التحرك أكثر خطرا . 

آما الجوازات أرقام ۲۰٤‏ و ٠١٠‏ فهى تطلب من السلطات «أن تسمح بالمرور على 
الطريق المؤقدى من جرونويل إلى فيجاك مرورأ بليون وأوريلاك [...] لمسيى شامبوليون 
- فيجاك (چاك - جوزيف) أمين مكتبة* يرافقة إبنه البالغ من العمر ستة اعوام ونصف . 
موطنه فيجاك - ومقيم فى جرونورل السن ١٣عاماً‏ الطول : ٠,٠١۷‏ مترا الشعر : 
كستتائي غامق » الجبهة : متوسطه » لون العينين : بنى à‏ الأنف : رفيع الفم : متوسط 
اللحية : بنى الذقن : مستدير الوجه : مستطيل لون البشرة : فاتح : علامات مميزة : 
لايوجد 


, ألفيت جميع القاب الرجلين الجامعية‎ à 


200 


والمسيى شامبوليون الصغير (جان - فرنسوا) أمين مكتية مساعد السن : Yo‏ 
عاما : الطول ١,7١‏ متر . الشعر : أسود ٠‏ الجبهة : عريضة , لون العينين : أسود » 
الأنف : مفلطع" الوجه : مستدير تماماً » لون البشرة : أسمر » علامات مميزة : بعض 
الأثار البسيطة للجدرى 

ثمن الجواز : فرنكان 

أفضل خلاصمة لهذه المرحلة نأخذها من جان - فرنشوا نفسه من خطاب أرسله 
بعد عشره أعوام إلى المرأة التى أحبها قعلاً آنجيلكا باللى** : 
كان معظهم زملائى وتلامذتى جعلنى شخصا يارزا فى تلك الأيام المضطرية هزيمة 
الحزب الليبرالى سلمتنى مكتوق الأيدى إلى الحزب المنتصر وهى فى قمة عنقه» . 


* لم يذكر ذلك أى مصدر آخر . 
vx‏ راجع الفصل ١4‏ 


271 


۷ - منفی وسط ذویه 


عبر الإرهاب الأبيض - «السيدان شامبوليون فى أجازة» مؤامرة ديدبيه - جان - 
فرنسوا والرقباء - «ماما الحبيبة التى فى فيجاك» - روزين وهيلويز - الدجاجة الجميلة 
والديوك - أو كسيللو دونوم -- مدرسة «لانكستريه» - «سعة صدر السلطات» - والد 
فى مستوى أدنى من الوحوش» - القواعد اللغوبة الصربة — ستكون جرونويل ve.‏ 


ألقى باستار وموليفو الشقيقين شامبوليون ومعهما الطفل «على» على طرق مازال 
يخيم عليها شبح الإرهاب الأبيض* وهى المؤدية إلى مقاطعة كارسى . كانت فرنسا 
حينذاك - وجذوبها على الأخص - تعيش مرحلة ما أطلق عليه اسم «مجلس النواب 
التائة**» والمحاكم الاستثنائية و«الجاكوبيين» البيض والانتقام العظيم «لطافتى الأنوار» . 

مدينة نيم عرفت من جديد لعدة شهور الحروب الأهلية الدينية بين كاثوليك 
وبروتستانت فقام بعض مثيرى الشغب من الكاثوليك باسم الملك بمطاردة البروتستانت 
مفترضين أنهم (يدينون بالولاء للمغتصب) . والمرحلة من تولوز إلى موتبيلييه كان 
«الجنزاريون» نسبه إلى لون علم الكونت دارتوا الأخضر الذى كانوا يحملونه - 
يعتزمون إقامة «المملكة الأوكسيتانية» المؤيدة للمتطرفين - بدعوى أنهم بذلك يسرعون 
فى التخلص من المركزية الجاكوبية . أفينيون وأوزاس كانتا واقعتين تحت رحمة 
مجموعة من الرعاع بقيادة «بلطجى» يدعى بوانتى يعيثون فيها عنفاً وفساداً : حتى أن 
المارشال درون أعدم دون أية محاكمة وألقيث رفاته في تهر الرون كما أغتيل الجنرال 
رامال ثم قطع جسده إريا وهى على فراش الموت على يد قتله مخمورين . 

يبدى أن هذا هو السبب الذى جعل المحافظ مونليقى يأمر بأن يسلك المنفيون طريق 
الجيل عبر الماسيف ستترال إلى ليون وأوربياك الأقل عنفا متحاشياً أسوأ الظروف أى 
أن يقعوا فى أيدى عصابات من ذلك التوع + 





د لون العم الملكى (التترجم) 

LE‏ وهى الذى انتخب فى أغسطس ٥‏ .کان 6 من نوايه من الحزب المتطرف «5ة5أع/اء والذي 
أطلق عليه هذا الاسم هو الملك لويس الثامن عشر المناهض له بسبب تعارضه مع مزاجه وتفكيره الكارة لأى 
شكل من أشكال التطرف فقام بحله فى سبتمير 1417 . 


273 


أعطى جان - فرنسوا سرداً غريبا للغاية عن هذه الرحلة ضمن خطاب وجهه إلى 
أوجوستان تيفنيه -- يجب عند قراءته إضافة السخرية المستترة فيه حتى يتضح التهكم 
الذى يغلقه المديح الموجه إلى السلطة تضليلا منه للرقباء . 
«عبرت في رحلتى محافظات الرون وإوار العليا واليوى دو - دوم والكوراز والكانتال 
واللوت . جميعها يقطنها سكان على درجة من العمش تمنعهم من رؤية لماذا يتحتم 
عليهم حب مليكنا الطيب [..] هؤلاء المتوترون كانوا يريدون أن يتمتعواعلى الفور 
بالخير الوقير والوئام أيضا . وهذا غير ممكن الآن وعليهم أن ينتظروا أن يحتل 
خدام مولانا الطيبون ومحبى المبادىء السامية جميع المراكز وأن يحملوا بجميع 
الامتيازات ..» 
تكمل هذه السطور الساخرة سطوراً أخرى مشفرة لابد وأنها «دوخت» السادة 
موظفى «المكتب الأسود» .. ولكن فيما عدا هذه العيثيات البسيطة فإن سلوك جاك - 
جوزيف وأخيه الأصغر كان سلوك المواطنين المنتظمين . استغرقت الرحلة الخطرة إلى 
موطن الرأس الفترة المقررة لها . فقد أمضيا أسبوعين ليقطعا المائة وخمسين فرسخا 
التى تفصل جرونويل وفيجاك مع الأخذ فى الاعتبار الالتفاقات التى أضطروا أن 
يسلكوها فوصلوا إلى هدفهم في ۲ إبريل 1۸1١‏ . 
ما وجداه هناك هل كان سجناً pi‏ متوى ؟ هل كانا فى رحلة ايتعاد تسمح بتقييم 
الأمور ؟ هل سيواجهان مسئولين من نوعية الرياعى المتعصب الذي عانيا منه فى 
الإيزار : مونليفى وياستار ودوناديى ويينا ؟ هل سيجابهان فى اللوت عصاية سوداء 
أخرى «كازينى» آخر وهما نجلا تاجر الكتب الجاكويى ؟ 
قط ! تشير المستندات الرسمية المتعلقة بهذه المرحلة الفريدة والتى يمكن 
مراجعتها كما تشير مراسلات «المتفيين» أن سلطات اللوت ألتى سلما لها بدأت يشىء 
من الريبة والتخوف - إذ لابد وأن يكونا من المشاغبين الخطرين جداً ما داما يعاملان 
على هذه الصورة - ولكن سرعان ما أبدت نحوهما تفهما ذكياً واستبدات بالمضايقات 
والإزعاجات التى تعرضا لها على يد سلطات جرونوبل الجديدة مودة حقيقية جديرة 
باهل جاسكونيا" . 


* الجاسكونيون مشهورون بأتهم يميلون للمياهاة والمغامرة ولكنهم أيضا يتصرفون بذكاء وبراعة , 
وأصبحت الصفة جاسكوني تطلق على شخصية لها هذه الصصفات . 


274 


أصبح مصير آل شامبوليون بين شخصيتين : الكونت دولوزى مارنيزيا - محافظ 
اللوت والبارون دى كامبانتى - مساعده قي فيجاك . لاتعلم الكثير عنهما إلا أن ما 
نعرفه يشير إلى أنهما تصرفا كأناس محترمين يهمهم السلام الاجتماعى ولايبحثون 
عن عمليات إنتقامية . ويكفى قراءة تقاريرهما للتآكد من ذلك : 

فی ۳۰ مارس ۱۸١١‏ عندما إستلم المحافظ لوزى مارينزيا رسالة من باستار 
يطلب منه فيها أن يضع هذين الشخصين تحت رقابة [...] قانوزية» فإنه كتب إلى 
مساعده فى فيجاك يطلب منه إقادته عن جميع التفاصيل المتعلقة يهذين المنفيين ويسأله 
إذا كانت هناك خطورة في أن dés‏ القادمان فى علاقات «مع بعض الرؤوس السيكة 
فى المدينة» ولكنه يضيف فى الوقت ذاته مذكراً أنه إذا كان من الواجب الحفاظ على 
«الأمن العام بوسائل تتسم بالعقل ويعد النظر» فإنه من الواجب أيضا «المساس يأقل 
قدى ممكن د بحقوق المواطتين» و «الايتعاد عن أى إجراء متشدد لا لزوم له» 

يقول مساعد المحافظ كامبانى في رده «أن هذين الشخصين هما نجلا تاجر كتب 
صغير أصله من جرونوبل» وأن «الأخ الأكبر قد حصل على مركز مرموق لنفسه وآخر 
لأخيه بعد أن تزوج هناك زواجا جيدا» ولا كان الأثنان غريبين تماما بالنسبة لسكان 
فيجاك بعد غيابهما الطويل عن أعينهم فإن إقامتهما فى هذه المدينة لا تمثل «أى خطر». 

ويستطرد مسي دى كامبانى فائلا «بداً لى السيدان شاميوليون فى غاية التأثر من 
الاجراء الذى أتخذ حيالهما [...] قد ترون أن تلبى رغبتهما الملحة ألا يعلم العامة أى 
شىء عن سبب وجودهما فى فيجاك لقد أشاعا أنهما هنا فى إجازة [..] إنهما 
يتعهدان بالبقاء الدائم وسط عائلتهما وألا يقايلا سوى الأشخاص المعروفين بولائهم 
القضية العادلة [..] يبدى طلبهما مقبولا بالنسبة لى [..] من جهتى ساعمل على عدم 
استخدام الوسائل التى قد تجرح شعورهما..» 

قام مساعد المحافظ بالطبع ويصفته ممثلا حجيدا للسلطة العامة بمصادرة 
جوازيهما غير أن هذه المذكرة تعطى فكرة عما ستكون عليه علاقاته بجاك -- جوزيف 
وجان - فرنسوا . إذ ستتطور من حالتها الطيبة هذه إلى نوع عن الصداقة وخاصة مع 
الأخ الأكير ولعلنا نستشعر تدخله فى تحرير المذكرة السابقة وخاصة فيما يتعلق 
«بالقضية العادلة» و«عدم جرح شعورهما» . ليس واضحا إذا كان «صغير» قد عمل 
بقوه على نسيان أنه ضحية إنتقام المتطرفين . لكنه التزم برغبة أخيه » صديق رجال 
السلطة ورجل الأوسمة والأصول وغير الميال للعب دور الشهيد .. 


275 


لذلك فإن السلطة التى خلطت عن خط فى جمعها الرجل شبه الرسمى بالثائر » 
عادت - وهى تمارس على يد رجال عاقلين مثل لوزيه - مارنيزيا وكامبانى إلى التمييز 
بين الذى لاينتظر سوى العودة إلى رضا «العصر» عنه والذى لايجد غضاضة فى 
وضعه كضحية بطش السلطة المكروهة . 

الواقع أن مواقف الشقيقين ستتباين بعد قليل فيما يتعلق بالإطار الذى يمضيان 
فيه مدة «نفيهما» لم يتوقف جاك - جوزيف عن ا لإحساس يأنه متبوذ ومهان فى موطنه 
على حين لم يلبث أن اكتشف شيئا من السحر فى هذه المناطق النائية . لقد سبق وأن 
اكتشفنا أن جاك - جوزيف من فئران المدينة وأن جان - فرنسوا فأر حقول .. 


بشائر الخير النسبى التى بدأت معها فترة الإقامة الإجبارية فى فيجاك كادت أن 
تتحول إلى فال شؤم بالنسبة للشقيقين بسبب حدث أثار اضطرابا كبيرا في جروتويل 
والدوفينية كله يعد وصولهما إلى الكارسى بفترة قصيرة : هذا الحدث هى ما عرف 
«بمؤامرة «dass‏ , 

فی ٤‏ مايى 1481١1‏ قامت أريع مجموعات مشكلة كل واحدة متها من مائة قرد 
تقريبا بعضهم من الجنود المسرحين والبعض الآخر من القلاحين السكارى قدموا من 
جريزيقودان والوازان من طريق فيزيل وايبانس - قاموا بالهجوم على جروتويل 
وحاولوا الاستيلاء على المدينة وكان على رأسهم وقام بتجنيدهم جان - بول ديدييه 
المدير السابق لمدرسة حقوق جرونويل وكانت آراؤه السياسية تتردد بين الليبرالية 
والثورة المضادة والأهم من ذلك أنه كان رجل أعمال ديونه كثيرة للغاية ومستعد للقيام 
بای عمل ينقذه من الإفلاس . كاد إهمال وعدم يصيرة الجنرال دوتناديى أن يتسببا قي 
أن تتغلب عليه هذه المغامرة الغبية . 

لصالح من كان يعمل ديدييه وعصاباته ؟ نابوليون الثانى ؟ إنتشرت الإشاعات 
تؤكد أن المتآمرين كانوا على يقين من أن ابن الإمبراطور (ملك روما)" أو الإمبراطورة 
كان فى انتظارهم فى المدينة , sf‏ لعل الأمير أوجان دو بوهاريه*” كان معسكرًا فى 


+ كان فى الخامسة فقط فى ذلك الوقت فقد وإد فى ۱۸١١‏ [المترجم] . 
«* اين زوجه الإمبراطور الأولى جوزيقين - هينه نابوليون نائباً لابنه نايوليون الثانى ملك روما [المترجم] 


276 


الجيال .. ترددت إشاعات أخرى تقول إن دوق دورليان الذى أصيح فيما بعد الملك لوى 
- فيليب - أو الأمير دورانج هما اللذان كان بعمل لحسايهما ديدبيةه . 

بالنسبة لآخرين كانت عملية استفزازية من تدبير فوشيه (وزير الداخلية فى عصر 

كان من الطبيعى أن يؤكد البعض أن الأوساط الليبرالية واليونابارتية فى 
جرونويل كانت ضليعة في العملية إلا أن شارل رونودون إبن العمدة السايق الذى كان 
على رأس هذا التيار السياسى وصديق جان فرنسوا شامبوليون الحميم تمكن من أن 
يثبت أنه قد رفض المشاركة فى هذه المغامرة كما أنه منع أصدقاءه من التورط فيها . 
علاوة على أن سمعة ديدييه في الأوساط الليبرالية الجرونويلوزية كان مشكوكا فيها 
جدا وأنه جند الرجال من المدن المجاورة فيزيل ولامور وايبانس ومن الأرياف . 

جاء القمع دمويا : أعدم ثمانية عشر متأمرا (من بينهم ولد فى الخامسة عشرة) 
رميا بالرصاص فى ساحة المدينة قبل أن يتم القبض على ديدييه الذى فر إلى سافوا 
وترحيله ومحاكمته محاكمة سريعة وقطع رقبته على الجبيوتين فى ميدان جرونات في 
العاشر من يونيى وأدى هذا القمع إلى الدفع بالمدينة فى أحضان المعارضة المريرة 
لاسرة بوربون . إذا كانت جرونويل تفتخر بأنها عبرت مرحلة الثورة دون إراقه دماء 
ابتداءٌ من الاجتمعات التي مهدت لها فى قيزيل )١1844(‏ فى المائة يوم . فأعتبرت هذا 
القمع الدموى «إهانة» لها( . 

على الرغم من نفيهما من جرونويل منذ ستة أسابيع عندما إندلعت العملية فقد 
كان للشقيقين أصدقاء كثيرين من أعداء النظام حتى يشكك في ضلوعهم بطريقة أو 
أخرى مع المتأمرين أضف إلى ذلك أن ديدييه كانت له علاقات عمل مع بيريا - سان 
برى أخى زوجه فيجاك . وكان هذا يكفى لكى تتوجه شكوك الرياعى الرهيب فى قمعه 


نحوهما. 
غير أن مونليقى ذاته اضطر إلى أن يصرف النظر عن أى ملاحقة لهما وكتب إلى 


«على الرغم من أن ميول الشقيقين شامبوليون تدفع بسهولة إلى الاعتقاد بأتهما 
لم يكونا بعيدين عن القلاقل الأخيرة فى جرونويل إلا أنه لايتوفر لدى ولاخطاب واحد 


277 


ولاأى محرر من السيد شاميوايون الكبير له علاقة بالموضوع ؛ يوجد خطاب واحد من 
الأخ الأصقر كتب باسلوب غامض قد يدفع إلى بعض الشكوك إلا أنها شكوك واهية 
وهى أيضا صعبة التفسير بقدر ما يسهل نفيها» . 
خطاب من «صغير» ؟ لم يكن الكونت دومونليقى يجهل شيئًا بالطبع عن مراسلات 
جان - فرنسو) مع أصدقائه فى جرونويل فهى كان يدقق فيها تدقيقا بواسطة موظفية . 
ولما كان جان فرنسوا على علم تام بهذه الوسائل التفتيشيه ققد إنتهزها فرصة 
لكى يقصح عن رايه للرقباء . مثال ذلك فى هذا الخطاب المؤرخ 5" إبراهيم 1811 يعد 
كلاثة أسابيع من وصوله إلى كارسى* » المرسل إلى صديقه أوجوستان تيفونى : 
«يجب عدم تفسير صمتى على حساب قلبى . لولا الشرطة الموقرة التي تعتقد أن من 
واجبها أن تراقب مراسلاتى لكتيت لك أكثر مما أفعل الآن . وعلى الرغم من أن 
خطاباتى لاتحتوى على شىء يمكن أن يثير حفيظة أكثر الفنانين حساسية [...] 
ولايعلم هؤلاء السادة أن لدى الأصدقاء ألاف الأشياء التى يودون تبادلها ويعتقدون 
أن أى مراسلة مستمرة تعنى «خطة» أو «مؤامرة""» لا أعرف [...] إذا كانت عيونهم 
عيون صقر أى حتى دجاجة*** ويمكنها أن تقراً مضمون هذه الرسالة عبر ورقها 
فإن من دواعى سرورى أن يجدوا هنا تعبيرى الصادق عن عمق إزدرائى ولى 
الشرف أن أكون - المطيع جدا والمتواضع جدا [لم يكتب قلمه شيئا بعد اكون] ٠‏ 
بعد بضعة شهور أى فى نهاية ١417‏ فضل شامبوايون , بدلا من تحويل خطاباته 
إلى تحد دائم الرقباء » أن يجعلها تمر فى سرية عن طريق محام اسمه ماتر لوبينى من 
مدينة قيلفرانش .. دى روروارج . على بعد أربعين كيلى متر من فيجاك الذى أصبح 
«صندوق بريد» لحلال الألغاز الذى أصبحت كتايته مشفرة .. 
هل حدث قبيل سفر الشقيقين شامبوليون أو منذ سقرهما أن طب منهما أن يعلنا 
«خضوعهما» ليتفاديان أمر النفى ؟ كتب محافظ الإيزار فى إحدى رسائلة لوزير 
الشرطة أن «إبعاد» الشقيقين «كان له تأثير عظيم على مؤيديهم» وأن «اثنين من كبار 
المتعاطفين معهما - جاء اليطنا خضوههما ومعهما المحامى بواسونية - خشية أن 
يلقون المصير ذاته» . 


» قبل عملية ديدييه بيضعة أيام 
*#» السطر موضيوع فى النصى الاصلى تحت الكلمتين 
× +× قى النص الفرنسى 85868586 أ فريخة الأرض وأسمها الشعبى هى 5016 أو غبية (المترجم) . 


278 


وقد علم «صغير» بذلك فضحك كثيرا على ذلك وكتب خطابا آخر لتافينة : 
«إن الاعتدال الذي عبر عنه بواسونيه” منذ ٩‏ وفى الفيدرالية عام 14١١‏ يستحق 
هذه الخدمة بدلاً من الروح الثورية والتعطش للدماء والعنف المتطرف التى هى أراء 
صديقك » مناضل الثورة القديم الجاكوبيين في جرونويل كما يعلم الجميع . 
على الرغم من أن النظام الذى فرض على صديقيذا المنفيين قد أصبح انسانيا 
جداً بفضل مسيو دى كامبانى فإن عميد كلية آداب جرونويل السابق كان يتحمل وضعه 
«ليس سجيئاً ولكن...» بشكل سىء للغاية جعله يقوم بعدة محاولات فى كافة الاتجاهات 
ليخرج من هذا الوضع . 
أعد ابنه إيميه فى كتابه «الشقيقان شاميوليون» قائمة (ص١١١)‏ بالخطايات التى 
أرسلها جاك - جوزيف إلى الحكومة (؟؟ مارس و ؛ إبريل و ٠١‏ سيتمبر) وإلى 
محافظ الإيزار لكى يرفع عنه العزل . كما أنه يذكر المخاطبات التى أرسلها محافظ 
اللوت لنفس الغرض إلى وزير الداخلية (لينيه) والشرطة (يوكاز) وكان قد تأثر مع 
الوقت بالأسباب التى يقدمها شامبوايون - فيجاك . وكان صديقه الوفى دوجيه يساند 
كل ذلك فى مكاتب الوزراء . 
تجمعت هذه الأسباب فى خطاب وجد وسط أوراق الأسرة وهو موجه لأحد 
الأشخاص المذكورين : 
« .. السيدان شامبوليون لايزالان من الشباب وهما يكرسان وقتهما كله 
للدراسات الجادة [..] يكادان لايختلطان بتحد** إذ كان يجعلان من إختصارهما عن 
العالم تعود ضرورى [...] هل لانهما إنتزعا من عاداتهما هدفهما بصورة مؤقتة - 
لبيضعه أيام””* بسبب أحداث لايصدقها عقل » أصبحا فجاة رئیسا حزْب کان موجودا 
قبل أن يولدا وعلى الرغم من بعدهما التام عن الفضائع الرهيبة فهل يمكن أن يحرضا 
على ترك النظام وعدم احترام الأشخاص والممتلكات؟» 


* كان المحامى يواسونيه منذ أكثر من عشرين عاماً أحد زعماء التيار الجمهورى فى محافظة الايزار 
الأكثر نضالا . 

*» شامبوليون فيجاك الا لمعى يتعامل هنا مع الحقيقة على هواه .. 

عدبي مائه يوم على الععوم 5 


279 


كله حرينر هذا الجاك - جوزيف ؛ يلتف ويتمايل ... 
باختصار فإن المدرسين الشقيقين وإن كانا يعاملان باعتدال من سلطات محافظة 
اللوت » معاملة تحولت مع الوقت إلى تعاطف » فقد استمرا على هذا الحال مهمشين 
لعدة شهور وكان أن استخدما كل موهبة لديهما وكل سحرهما (بالإضافة إلى 
التعاطف الذى أحيطايه وخاصة فى الوسط العائلى) لكى تتبدد الرقاية عليهما وتتبخر 
المخاوف مثهما وأن تعود الأمور إلى طببيعتها ٠‏ 
من المعتقد أيضا أنه لم يتجمدا فى موقف من اليأس طويل الأمد بل إنهما بدءا 
يؤمنان بقرب الرجوع السريع إلى رضاء السلطات عنهما بعد أقل من ستة شهور من 
إقامتهما فى مدينة مسقط رأسهما . فى ٠١‏ سبتمير 18١1‏ كتب جان فرنسوا إلى تيفويه . 
«يبدى أن حل الملك للجمعية الوطنية ينيىء بحدوث تغيير سعيد فى توجه الأحداث . 
سيحصل المتطرفون على كل شىء وصاحبك قد يكون على حق . فهو يعتمد اعتماداً 
كبيرًا على الروح الدستورية الحقيقية إلى تحرك الوزارة" » التى ستسرع يرفع الظلم 
وتصحيح الأخطاء التى ارتكيت باسمها [...] يبدوا أن الوزير الذي حل مكان فورييه 
سيتخذ توجها آخر » فهى إذ يرى أن قضية المتطرفين أصحبت خاسرة يتوقف عن 
إتتهاج عن سياسة التساهل الزائد التى كان يعاملهم بها ....]» 
ويكمل صغير خطابه بما نقل إيه من أن مونليفى لايعارض عودة الشقيقين إلي 
جروتويل إذا كانت عودتهما لن يكون لها تأثير كبير على ألرأي العام فى وضعه الحالى 
.. أن «تمتعهم يكل هذا التأثير فى جرونويل كان نقمة عليهما وكذلك كل هذا العدد من 
الناس المتمسكين بهم» ومع ذلك فإذا «طلب رأية فإنه سيكتب تقريراً يؤيد فيه بالتأكيد 
طلبهم..» 
الأسرة ... !! عندما عادا فى أبريل إلى منزل حارة لابود وسكورى حيث أمضيا 
السنوات الأولى من حياتهما : الأول حتى السابعة عندما وضع فى رعاية «لاكاتينو» 
والآخر حتى سفرة إلى جرونويل وهو فى العاشرة »لم يجد جاك - جوزيف وجان - 
فرفسوا سوى والدهما وأختيهما . كانت الأم قد توفيت منذ عشر سنوات تقريبا. 
يتروننى تزوجت من أحد الحرفيين من المنطقة - أما يتريز التى تدير المكتبة أو بالأحرى 
ما تبقى منها ومارى التى ترعى المنزل . 


* وزارة ريسوليد - دوكاز 


200 


تيريز كانت فى الثانية والأربعين وتعنست وستبقى هكذا ومارى وكنيتها «ميون» 
وهى فى الرابعة والثلاثين : هى أيضا لان تتزوج ولعل كان ذلك بسبب أن ليس لها 
مهرا* أى «ضطة» . إنها المفضلة لدى جان -- فرنسوا الذي يصغرها بخمس سنوات 
وقد وجدت فى «على» ما يعوضها عنه . لاشك أن الجو العاطقى الذى كان سائداً قديماً 
عاد إلى الظهور فورا بين «صغير» وأختيه إن كانتا تدللانه جداً لأنه طفل المعجزة حلتا 
فى كثير من الأحيان مكان والدتهما فى العناية يه لذا بعد أسبوع من وصوله كتب جان 
- فرنسوا يقول لتيفونيه : 

«وجدت أسرتى متشوقة لرؤيتى من جديد بالقس الذى كنت أتمناه . سعادتى كانت 
ستكون مكتملة تماماً لولا أنى تركت أشياء كثيرة ورائى هناك [...] أنا دو ينى حتى 
النخاع بدت لى فيجاك كبلد جديد ..» 

لكن هناك الوالد .... جاك شامبوليون تاجر الكتب المتجول الدوفينى فتوة سوق 
بوكار المرح . زوج السيدة العليلة جان - قرنسوان جاليى التى سمحت له ضطها بشراء 
الدكان » رجل الشرطة فى ۱۷۹١‏ » الرجل الذي يودع أحد أولاده فى حضبانة سيدة 
غريبة عن الأسرة ويدع الآخر يترك المنزل وهى في العاشرة إلى مدينة بعيدة - هذا 
الرجل ام يعد - وقد بلغ الثانية والسبعين - سوى صورة كاريكاتورية لما كان عليه وهو 
كاريكاتور زاعق ومثير للمشاكل . 

إنه يعاقر الخمر بكثرة . هل يعود ذلك إلى أنه يريد مواساة نفسه عما آأت إليه 
المكتبة ؟ أم أن العكس هو الصحيح وأن مكتيته بدأت تنهار يسيب سكره ؟ بعض 
المؤرخين المتعاطفين يقولون إنه «ترك نفسه يسير وراء أصدقاء السوء» » حسنا . الواقع 
هى أن الرجل الذى قابله الشقيقان لدى عودتهما كان منهارا جسدياً وساحباً أسرته 
وراءه فى طريق الإفلاس التام . 

هل فاجأهما هذا الوضع ؟ سيق أن أتيحت لنا فرصه الحديث عن العلاقة الغريبة 
بين المكتبى وإبنيه . أى آب أخر كان سيذهب لتحيتهما فى لحظات مجدهما عند إفتتاح 
جامعة جرونويل أو عندما رقى الابن الأكبر إلى مركز عميد الكلية . فبالنسبة لرجل 
كانت حياته كلها مكرسة للكتب والتجارة فيها » كم هى منعش ومقرح أن يرى إبنيه الأول 
وهو بعد فى الثلاثين والآخر فى الثامنة عشر وهما يرتديان زى الاستاذية الجامعى : 


* فى معظم بلاد الغرب العروس هى التى تأتى بالمهر . (المترجم) 


281 


خصوصا أن بائع الكتب الجوال السايق لم يكن قد فقد ميله للسفريات إذ كان 
لايزال يواظب على السقر كل هام فى شهر يوليو إلى بوكار ليتزود بالكتب . فإذا هى لم 
يحضر للقاء ولديه عند وصولهما لقمة النجاح فى موطن رأسه فى الدوفينيه قلايد أن 
سبب ذلك إما | كان عائداً إلى قرار بوليس يمتعه من الحضور (ولكن الأوامر كانت فى 
تلك الحقبة تتفير باستمرار حسب الظروف السياسية ثورة ؛ بونايارت ٠‏ آل بوريون ...) 
أى إلى أن م.ستقبل إبنيه كان يهمه بقدر اهتمامه بالقنينة المحبة وسيدات اللوت 
صاحيات السمعة السيئة . 


الواقع طق أن العلاقات بين الأستاذين والعجوز سائت جداً ولم يكن حجان - 
فرنسموا يناديه سوى ب«الريس» - وهى تعبير لاينم أبداً عن حب اين لأبيه ٠‏ وقد يكون 
هذا هى السيب الذى ترجع له حالة الاكتئاب العميق التى انتابت الأخ الأكير لعدة 
شهور والأخ الأصفر لعدة أسابيع من اقامتهما فى فيجاك , 

علاية على ذلك فهناك أسباب أخرى كانت تجعل الشقيقين يعتبان على والدهم , ' 
أسباب أخرى أهمها أنهم كانوا مفلسين تماماً ويس معنى ذلك MES Lait‏ يشعاد 
أمالهما (بالنسبة لجان - فرنسوا على الأقل) فى الميراث » ولكن مستقبل شقيقتيهما 
العوانس هو الذى أصبح فجأة فى مهب الريح بسبب قسق الوالد المجون - خلفية 
كيئية لحياة ضاعفت الظروف السياسية المتقلبة من وطأتها الثقيلة أصلا . 

- فلنحاول تصور هذه الحياة التى تجمع ستة أفراد (منهم «على» الصغير) داخل 
المنزل بحارة لابود وسكورى الذى لاتعرف الشمس طريقه ولا حتى الدور فوق الأرضى 
مالية الوالد ولنتصور أيضا حالة المكتبة التى تبعد عن المنزل ببضعة عشرات من 
الأمتار فى الساحة القريبة والتى هرب منها منها زيائتها بسبب الرجل السكير . کانت تریز 
كم كان الوضع الجديد يعتبر سقوطا رهيبا بعد ما عرفاه من حقاوة بهما فى 
المجتمع الجرونويلوازى : الليلة عنه فوريه ثم عند بيرييه أى اسره رونولدون ٠‏ أو عند ال 
مارسيى أو تيسار . كم كان وضعهما الان مريرا ! عبر جاك - جوزيف عن ذلك كثيرا 
في خطاباته لزوجته والتى ينتهى أحدها بهذه الكلمات اليائسة «... لا تجدى هنا بعد 


282 


جهد جهيد أربعة أى خمسة أفراد يمكن تبادل حديث عاقل معهم [...] الدقائق هنا تمر 
كالايام والأيام كالشهور والشهور کالقرون Us‏ 
نقس النغمة تجدها فى البداية لدى جان - فرنسوا . إكتشفنا خطاباً وجهه 
لتيونى مؤرخاً في الأول من مايى يوضح ذلك تماماً : «.. أمضى وقتى هنا بحزن شديد 
.. أتثائب وأسب طوال النهار [...] لا أعرف متى سأتمكن من رؤية جبالنا الجميلة مرة 
مانا لالصدقاء ٠‏ هل يقوا حميعا في جروتويل أن فى بارس مثل دوجي ا 
صناعات محلية - لايهتمون سوى بالخيل واللعب Gal sil à tes‏ ]...[ 
لايوجد مجتمع - إن هولاء الشياطين من أصحاب الآراء السياسية يقككون أوصال 
الصالونات تماما ..» 
هذا من كان يكتبه طوال الشهور الأولى من إقامته في اللوت وفى نهاية الربيع . 
إلا أن النغمة it‏ .ومع الأخذ فى الاعتبار الجى العائلى الثقيل على نفسه سنجد 
شاميوليون الصخير يته يتفتح كالزهرة فى مسقط رأسه - هذه المدينة الصغفيرة - يعد أن 
مسه الجو النقى بحيويته ويعد أن أضفى وجود شخص كريم يجانيه إشر di‏ لنفسه , 
ثراه يفكر فى روزين (ولعلها زادت سحرا مع البعد) ويستعيد دوره الحيوى كمنشط 
للحركة الفكرية ومحط أنظار الصالونات وهى الدور الذي كان يؤديه طوال الستوات 
وجود كريم ؟ سبق أن ذكرنا بعض مقتطقات من خطاب أرسله إلى صديقه العزين 
أ جوستان تيفونيه يتكلم له فيه «صغير» عن «ماما الجميلة والحبيبة في فيجاك» . 
لم يكن هذا تلميحاً عابراً منه إن يضيف «صغير» دانه كابن مطيع «يحترمها» قد 
قبل مبررات هذه «الأم» خاصة وأن تدخلها كان يستوجب 3 تقديرا أكبر لأن دفاعها كان 
«لصالح رجل يتسلى كما تعلم بالقيام بتعمال تضايقها وهى فى ثبات عميق» . وفى 
نهاية الخطاب وبعد أن أوضح له كيفية إرسال خطاباته عن طريق مدينة فيلقرائش يقول 


» تحفظ مرحلى جداً . 


283 


جان - فرنسوا لتوينية : «هذه فكرة أخرى من أفكار ماما . أنظر كم هى طيبة وكم 
نحن مدينون لها» , 

بعد ذلك بعدة آشهر فى " مایو ۱۸۱١‏ نقراً ما يلى من خطاب مرسل لتيقنيه 
أيضا : «إن سفر أخى هزنى جداً : كما أن هذه الأم الطبيعية والعظيمة التى كلمتك 
ie‏ عدة مرات سافرت هي أيضا إلى الريف . أنا إذن وحيد »٠.‏ 

من هى هذه «الوالدة الكريمة» التى يكن لها هذه البنوة العاطفية ؟ يعد وفاة جان 
- فرانسواز يعشر سنوات والثى كان يضايقها وهى Ja Lil‏ هى إحدى شقيقاته ؟ 
نشك جداً فى ذلك هل هى إحدى المرضعات القاطنة فى حارة لابودوسكورى / إن 
الدفا :ء عن صديق مذتب يدقع إلى الاعتقاد بأنها إمرأة متعلمة هل هى إحدى الجارات ؟ 
تتعدد الإفتراضات .. 

هناك افتراض أخر سنرى فيما بعد“ عند الحديث عن الأزمة المالية التى ستواجهها 
الأسرة والتى سيتعامل معها يشجاعة صديقنا المكتشف . إنه حصل على مساعدة 
سخية جداً من «الأصدقاء الحقيقيين» آل جانسيون . ومن جانبه يذكر صاحب كتاب 
«الشقيقان شامبوليون» أن هذين الزوجين ذوى النفوذ الكبير والثروة الضخمة (الزوج 
سيصبح عمدة فيجاك** فيما بعد) قد أحسنا إستقبال المنفيين . كانت مدام جانسيون 
(إسمها قبل الزواج كان مارى دى فلوران) فى السادسة والأريعين فهل هى هذه الأم 
التى تكرر كلام جان فرنسوا عنها*”” . 

سنكتشف مع اسثمرار مطالعتنا لمراسلات المكتشف وجود سيدة إسمها آديل 
سيقول عنها لأخيه أن تعلقه بها يوازى تعلقه به . وهى ما يؤكد درجة من الإرتباط 
ليست هينة كما يؤكد بحثه عن الأم وهو بمثابة إحدى العلامات المميزة والمؤثرة فى 
حياة هذا الرجل ذى الأحاسيس ال محبطة , | 

هذا الرجل الذى لم يذكر ولا مرة واحدة عير مراسلاته المليئة بالحياة والعواطف 
أمه المذكورة فى شهادة ميلاده التى لم يرها قط منذ أن تركها وهو فى العاشرة » نراه 
الان بعد أن تخطى الخامسة والعشرين وفى فى خضم أعتى العواصف السياسية 


٭ انظر س 300 
pile Ca mx‏ ۱۸۱۷ حتی ۱۸۲۵ 
+++ حصلا على هذه الإشارة الكريعه من عدام سيمون فواساك 


284 


واقعا تحت الحاح مستمر لموضوع الأم . الواقع أن حياة جان - فرنسوا هذا الإنسان 
العاطفى والإتفعالى والذى سيب له حرمانه من الأم ألاما مؤكده . هذه الحياة قد 
تغيرت يسيب هذه «الأم الموجودة فى فيجاك» . 


بعد أن انتزعه هذا الظهور العاطفى فى حياته من الحزن » وجد جان - فرنسوا 
رأينا لأن يلبى له هذا الطلب كما أن نفى العريس لم يكن من الأمور التى كانت تجعله 
يغير رأيه : مدرس مقلس وثورى مندفع وفوق كل ذلك منبوذ ! كل ذلك ما كان ليقتع 
عاقلا 4 
مع ذلك الشاب لم يستسلم . كتب لصديقه جيمس بوزى « .. كلمتنى عن روايتى . 
لا أعرف إذا كان الأب ب . قد سحب كلمته [...] إن هذا لايؤش فى كثيرا لأنه متقلب 
المزاج [...] كما أن للقمر أوجه متعدده كذلك الحال بالنسية لحمايا القادم» حما 
المستقبل ؟ بعد ؟ هكذا هم الشباب ! طبعا !! إذا كنت فى طريقك إلى اكتشاف اللغة 
القدسية لأقدم شعب فى التاريخ فإنك لا تابه كثيراً بالتقلبات المزاجية لصاحب مصنع 
وحتى يحين زمن الجد فلنفكر فى فى روزين ونتكلم عن روزين مع تيفونيه بالطبع 
فى 0" أبريل 1415 
«وصلنى الآن خطابك يا عزيزى الصغير ووصلنى فى اليوم ذاته واحد من (روزينتى) 
أن القدر الذى بليت به أصبح أكثر إحتمالا مادمث أحصل على مواساة الحب 
والصداقة» 
الأمر إذن لم يعد نفخة عاطفية قصيرة فقط . ويعد عام كامل يعبر لصديقه ذاته 
فى إحدى رسائله أنه يهنىء نقسه لما يلقاه من «حب كهذا من جانب صديقة حقيقية 
حنونة» .. 
بالنسبة للمنفى فإن الحب والصداقة لايتعارضان يل يتفاعلان كما يوضح ذلك هذا 
الطلب الملح الذي أرسله لا وجستان : 
« .. إنى أوصيك بإلحاح أن ترى أحد الأفراد كلما أمكن ذلك : إنها تحب صحيتك 
وأن ما يسعدنى أن أجدها تتفق معى فى ذلك ؟ حاول أن ترقه عنها قدر الإمكان 


205 


وإمنعها من أن تترك نفسها للأفكار السوداء التى تراودها كثيرا وتؤلها ألا عظيما . 
اخترع لها روايات” لو رأيت أن فى ذلك ما يريحها »... 
مهما كانت رغبته فى أن يضمن الترفيه عن روزين فإن «صغير» لايعبر عن هذا 
التفكير الليبرالى المشهور عنه فى مجالات كثيرة أخرى عندما يتعلق الأمر يقراءات الفتاة . 
فهى لايقيل تلبية «نزوة» هاتين الفتاتين** المتمثلة فى طلبهما قراءة كتاب «لانوفال ‏ 
إيلووين”**» عندما نقل تيقونيه رغبة الفتاتين فى أن يشترى لهما رواية روسى ؛ رد جان 
- قرنسوا ؛ نعم جان - فرنسوا شامبوليون !! «إن أقل ما يقال عن هذا الموضوع هو 
أنه غير ضرورى» 5 
ويذ يف صاحبنا المكتشف مؤكداً أنه إذا كانت من الممكن لإبنة العم أن تقر مثل 
هذه الروا 4 «لأنها ياردة بطبيعتها» فإن روزين «لها عقل نشط يمتلىء بسهولة بأوهام 
لامعة ولها أحاسيس شاعريه قد تجد متعة زائدة عند قراءة هذه الصفحات المتوهجة 
من آدب روسى بما يؤذى شخصيتها [...] قد أتمكن بعد ثلاثين عاما من إعلامهم برآي 
[...] حتى ذلك الحين يمكنهما أن تتخيلا أنهما قرأتا الرواية وستكون النتيجة واحدة ...» . 
هذه الكلمات الأخيرة عندما يكتبها رجل مثقف حر تصيح مثيرة للحيرة .. وكلمات 
أخرى عن «متعة زائدة» فهى تفوح منها رائة التزمت الدينى النابم من «أصحاب الرداء 
الأسود» لدرجة تزكم الأنوف . بوسويه ذاته لم يكن يندد بغير ذلك لتائباته لأنهن قرأن 
«مسرحيات السيد راسين» . «صغير» فى دور القس آخد الاعتراف ؟ لعلنا نواسى 
أنفسنا بأن نتخيل أن روزين عصت حبيبها البعيد - إلا إذا كان تيفوينه ذاته هى ... 
«إحتفظ فيجاك بتراث التعليم المرح - كما يقول إيميه شامبوليون - فيجاك - 
وكانت صالونات عائلات ديليون وجانسيون ويراديرول وتولييه””” .. إجتماعاتها حية 
وتبحث دائما عن الترفيه الجيد» . سرعان ما اكتشف الاستاذان اثناء «إجازتهما» أنه 
على الرغم من المظاهر الخشنة يعض الشىء » فإن المدينة الصغيرة كانت بها ثروات 


+ حول دقصة » أنه فى «إجازة» فى فيجاك - على سييل المثال , 

*»* روزين وإبته عمها . 

**» «جولى أى لانوفال بلوويز» رواية لجان -- جاك روسى عنوائها الفرعى يدل أكثر على مضمونه 
«خطابات متبادلة بين عشيقيين يقطنان مدينة صغيرة على سفح جبال الالب» (المترجم) 

دونو عائلة حدة الشقيقين شاميوليون ‘ 


286 


محببة لهما : جمال المكان أولا وسحر التنزه على صفاف نهر اللوت وفى الشوارع 
العتيقة للمدينة القديمة التى ترجع إلي القرون الوسطي المغطاة يحجر بازالتى صمغير 
وبسحر قاعة السوق وساحة السوق الواسعة وبقصر النقود المسمى قصر سوالى . 
وبالميدانين العالى والمنخفض وميدان العقل (لاريزون) .. فهل كان الإنتقال من شارع 
لاجران رى بجرونويل إلى شارع الكابوسان قى فيجاك يمثابة الوقوع من عل يعد أن 
أصيع البارون دى كامبانى يتعامل معهما كصديق أكثر من نذائب المحافظ ويعد أن 
أصبحت الرسائل تمر عبر فيلفرانش ... هل مازالا يشعران بأنهما محبوسين فى قفص ؟ 
جاك - جوزيف » نعم - جان فرنسوا لا. مراسلات الأخ الأكبر لم تكن سوى 
مناشدة مطلولة من أجل العودة إلى الحرية . أما رسائل الآخ الأصغر فهى تاد لات فى 
نزوات السحر الغريب الذى يقلف الاغتراب ومن المزايا المقارنة بين مقاطعتى ! وفينيه 
والكارسى وعن النساء هنا وهناك وإذا إتفقنا على أن البعد عن روزين لايمزق وجداته 
بل إنه يسمح له بتجميل علاقته بها عن بعد وهى فى الواقع علاقة عقلانية أكثر Lie‏ 
علاقة قلوب » وأن دخول هذه «الآم الفيجاكية» في حياته فتح له أفاقاً لم يكن قد عرفها 
من قبل من العطف ٠‏ فإن كل ذلك يجعلنا نتجرأ فنقول أن هذا الجان - فرنسوا وهو 
فى سن الخامسة والعشرين كان سعيدا » في فيجاك على الرغم من سلوك وثورات أبيه . 
سعادة متواضعة . متكمشه . محدودة ؟ سعادة برجوازى ريفى سعيد باللذات 
الصغيرة التى يجلبها الهواء النقى والغذاء الشهى ؟ هذا هو الواقع » لم يكن هذا هو 
شامبوليون المواقف السامية .. إذ لايمكن أن نجد هنا عصر خوقو ولا أسرته الثامنة 
عشر ء ولكنذا نسجل أن هذا الرجل العبقرى والذي سيموت ميكرا عاش هذه 
الإستراحة فى مسقط رأسه يشىء من الرضا بدرجة سمحت له بأن يتخلص من حمى 
الاستكشاف لفترة طويلة ليهدأ قليلاً ‏ وأنه أنتظر سته عشر شهرا كاملا من الإقامة 
وسط مسرات منطقة الكارسى المتواضعة قبل أن يطلب من صديقه تيقونيه أن يرسل له 
معدات وأدواته كباحث .. «هدنة» تثير الدهشة تشبه كما لى أن المارد أنتيه* الذى وطة 
الأرض فى مسقط رأسه قد أسكت عيقريته المأساوية وأكتفى يبممارسة الحياة .. 


* مارد من الميثولوجيا اليونانيه إبن يوسبيدون وجاليا إلاها البحر والأرض . وكان كلما اراد أن يشحن 
نفسه بالقوة وضع رجله على الأرض التى كان قد وإدبها » خنقه هيراقليس بأن جعله مطلقاً بين السماء 
والإرض [المترجم] . 


257 


حياة الجسد » حياة محيبة لديه - أفضل ما قاله عنها جاء فى خطايات كتبها 
جان - فرنسوا لصديقه جان فيسيه* فى فيجاك (بعد أن عاد إلى الدوفينيه) من نهاية 
۷ حتى خريف 14148 » فى هذه الخطابات تظهر الثمانية عشر شهرا التى قضاها 
فى منفاه فى صورة تلونها حياة إجتماعية باسمه للغاية . هل يعتبر ذلك من باب 
التجميل الذى يسيبه الحنين إلى الوطن ؟ ولكن ليكون هناك إحساس بالحنين لوطن ما 
يجب أن يستثيره الجى مثلا أى الاقامة أى بعض الأشخاص .. 
«جروتوپل في ۱۷ ليسمين SAV‏ 
ما هى رأيك فى شخصى » يا جان قلبى في الساعة الواحدة التي هى الآن ؟ [...] 
ذكراك تشارك .جميع الأفكار السعيدة اللذيذة والمحببة التي جلبتها معى من قيجاك 
[...] أجد أن جرونوبل من عدة نواحى تيعد مائة آلف فرسخ من فيجاك [...]) تعرف 
طيعاً أن الميزان يميل يصورة طبيعية فى صالح موطن الرأس”** 
... إنك بجابنى أكشر مما تتخيل وأنا أقطع الطرق من شارع دى كايوسان وميدان 
دولاريزون . بل لايمكن أن أكون فى ضوء القمر إلا وأراك تحرك يديك في الميدان 
العالى (بلاس -هوت) أى تتفعل بشدة مع خيالك العاطفى والكوميدى جداً . صدق أو 
لا تصدق إثى أتحسر فى أوقات كثرة على تلك الساعات التى كان يضيعها أهالي 
بورجوازية فيجاك فى النوم مثل بقية الناس والتى كنا نستغلها معا فى مرح بأن 
نلقى بالحجارة أو بأن نطقىء فانوساً أى أن نتبع خطى أحد الأفراد أو أن ثغنى 
أغنية إيطالية عاطفية على الرقم من مفتش الشرطة فوسار أو بأن تخرف ... 
.. كلمتى قليلا عن اللعوب اللذيذة الحساسة المبهجة التى تسيبت فى كل هذه الضجة 
وحطمت كل هذه القلوب . هل لازلت تستمع إلى صوت ضبحكاتها الحلوة والعذية ؟ 
لى أثى تقت يوما أن يكون لى وزيل جميل وعرف ديك فقد كان ذلك هو اليوم » على 
الرغم من كثرة منافسى فإن ذلك لايهم وأمام الشدائد كن شجاعاً . كنت سأصبح 
مثل غيرى . 
وقى إبريل ١414‏ 
«ذهبت الفرخة الجميلة تقرق على ضبقاف الجارون . لابد وأن ديوك فيجاك فى نشاز 


» إين مسجل عقود قرية ليفيردون المجاورة وقد أصيع فيما بعد محافظ الرهونات . 
Le LES ao‏ سيقول عكس ذلك لأفالى جروتوبل . 


288 


وهم يغئون الآن فى غيابها . وإذا كانت الفرخة في فيجاك منذ أن عاد الرئيس 
صاحب الزى الإنجليزى قلايد أنه ذهب من فوره يفرد ذيله أمامها .. هثاك أشخاص 
يعتقدون أنهم سيعودون إلى الشباب إن هم غيروا بروكتهم . يالها من بشرية !! 
يجب أن يفهم فى النهاية أنه لايكفى أن يكون له عرف ولكن ما يعد ذلك هى المهم' 
ليكون ديكا وخصوصا أن يكون ديكا جيدا . إنهم قليلون فى سنذا وكم فى عددهم 


فى سته ؟!» . 


فى سبتمبر ۱۸٩۸‏ 
«...شبان فيجاك ايسوا دمثى الخلق على الرغم من إنهم لايفعلون شيئا تقرييا . إن 
معظهم لايريد في مجال الحب سوي الذبح والأكل دون أن يفطنوا إلى أهم الجواتي 
عذوبة وتشويقا فى هذا الأمر . أنى لا أطالبهم قط بان يغرقوا فى عواطفهم شمن غير 
ا متاح لجميع الاس أن تكون لهم عواطف وأقل من ذلك هم الذين يمكنهم إثارتها . 
ولكن ما أنصحهم به هى أن يبحثوا عن صحبة النساء وأن يحبوا قله منهن وأن 
يحترموهن جميعا وإن يعملوا على إسعاد أى قاتهن دون أن يطليوا منهن تضحيات 
لايمكن ولا يجب أن يعطيها سوى القلب .. إن هم إراد أن يخرجوا من الحالة 
الهمجية التى يعيش فيها أى كان يعيش فيها معظمهم دون حتى أن يدرى». 
تتردد فى هذه السطور أصداء روائيى وفلاسفة العصر , وهى شىء مضحك إن 
صديقنا جان فرنسوا كان ذا قلب دافىء وأسنان نهاشه وقلم حى - وخاصة عندما 
كان يقلد بسخرية كتابات الآخرين . لقد سبق أن لاحظنا ذلك وسنلاحظه قيما يعد . 
مايلفت النظر من ناحية أخرى فى هذه المراسلات يين اللوت والايزار هو الاشارة 
المستمرة إلى الأضرار التى يتسبب فيها الجانب المتميز لرجال الدين وللرقابة المتدينة 
و«طافئى الأنوار» كثيرا ما كان يرسمهم بقلمه الرشيق فى صورة كوز مخروطى الشكل 
مقلوب بحيث كان مكتشف الهيروغليفيات يستمتع باستخدام الكتابة بالصور .. 
«المنيوذ» لم يتغير حتى يعد أن عادت له حقوقه ووظائفه . أفكاره ستطور وميوله 
الجمهورية ستتواعم مع الإمتيازات التى سيحصل عليها من الملوك . وعداواته لأهل 
الكنيسة ستقل حدة لدى تعامله من رجال دين مرموقين -وحتى مع اليايا نفسه إلا أنه 
سيبقى إلى النهاية عدوا «لطافىء الأنوار» والرقباء والوشاة الواشاة . كما أنه سيبقى 
واعيا بالا يتبراً أبداً من أصوله المتواضعة . وقد كتب يوما عن صديق تزوج من أنسة 
من النبلاء : 


209 


«العامة مثلك ومثلى لم يعودوا يحتملون التكلف وادعاءات من يسمون أنفسهم نبلاء . 
إننا إذا رضينا بأن نزعن اسخرة فهى فقط تلك التى يفرضها الحب لأن هذا الأمير 
سيظل دائما يتحكم فينا كمستيد شرعى . وان تكون أنت ولا أنا الذين سينقضون 
سيادته المستحقة . وعلى العموم فإن الحب مولانا وسيدنا له جانب جيد جداً : أنه 
لايعير اهتماما بالمخطوطات القديمة . 
(الأستان وعالم الآثار هى الذى يتكلم ..) 
«والحب مولانا وسيدنا» - ها هو جان - فرنسوا كله شباب وطلاقة لسان محتفى . 
به وسط أبناء وينات قيجاك يبدى أسعد المنبوذين . سنجده عند سيدة إسمها مدام 
سارت وذاك قى فبراير ۱۸١١‏ يقيم محكمة الكياسة ويتهم فيها رواية آتالا* «بالسخف» 
والشهداء «باللزوجة» ويعلن أن «إمبراطورية - سينار فى خطر» ويصدر يناءً على ذلك 
قرارا بالتعبئة العامة» في حضور مجلس للتجنيد تكون الرغبة فى إثارة الاعجاب هى 
التى توجهه ٠‏ وذللك يسبب غياب الفكر» .. 
يبدى أن الكياسة تكشف أحيانا عن أكثر من الرغبة فى البريق داخل المجتمع . 
سيدة أسمها أديل كانتالوب آثارت فيه أكثر من الرغبة في كتابة الشعر . وهى خلال 
إحدى جلسات محاكمات لعبة الصالونات قد حكم على «ماد موازيل أديل» بألا «تزداد 
جمالا» (مع أن ذلك من المستحيلات) ولكن عليها أن تحتفظ بالمزايا التى حبتها بها 
الطبيعة فإن ذلك يدفع إلى الاعتقاد بأن هذا القول قد يكون نوعاً من الاعتراف . هناك 
عدة مؤشرات على وجود من كاتنت تسمي «أديل» فى هذه الفترة من حياته .. ولكن قد 
تكون أديلا أخرى . توجد بين أيدينا قصيدة هجاء (!) ضد مدام آديل ح . وهی على 
ما يبدى موجهة لسيدة أخرى . 
آما هذه القصيدة الغزلية القصيرة فهى على العكس » توع من الهزل ألفها جان - 
فرنسوا على شرف إحدى بنات فيجاك : 


«إلى الآنسة هيبى برو 
« بقيت بقرينا لبعض من الوقت 


فإذا بكل شىء لرؤياك ينعم بالهناء 
+ رواية لشاتوبريان (المترجم) 


290 


وهواجيزنا للشباب تعود قلويهم تدق 
كم يخسر الغافلون عن رؤية محياك ! » 
حسنا ! كنا نعرف منذ فترة طويلة أن جان - فرنسوا شامبوايون لم يكن رونسار . 
إلا أننا كنا نود لى أنه تمكن من محاكاة الشعراء الحقيقيين . كما أننا ذكرنا أيضا أنه 
يكون أفضل من ذلك فى الهجاء ! 
أثناء وجوده فى فيجاك كتب شاميوليون الصغير يعض الكتييات السياسة مثل. 
«الدستور حوار بين الك المسيحى - جدا والتركي الأعظم» و«نزول بيرتران إلى' 
الحجيم» وتحت عنوان «أوريست فى الجحيم» كتب هجام مسرحياً ينتقد ينتقد فيه ضياط 
ذلك العصر 2 | 
تقول هيرميتى هارتلويان التى نشرت يعض مقتطفات منها أنه كتب على عجل 
بعض الدراسات : «الرجال كما هم» ينم عن تشاؤم بدائى «العناية الإلهية والقدر 
والحظ» يعالج فيها الأخير بأفضل من سابقيه وحرية الإختيار وهى مديح مختصر لقوة 
الإرادة لم يكن رونسار ولاكانت بل كان عليه أن يصبح شامبوليون . 


انتهت مرحلة اللهى . وقبل أن يعود إلى قاموسه وكتابه فى قواعد اللغة القبطية 
(فقد أتاح له رفض اللجنة لها في يوليى 18١١‏ الوقت لكى يثريه ويصحح)) وإلى 
مشروعه الكبير قى فك أسرار اللغز الهيروغليفى وجد جان - فرتسوا تفسه مدعوا إلى 
مهمة ذات ثلاثة أوجه : مساعدة أخيه فى تفنيد الإفتراءت التى إستهدقت أمين مكتبة 
جرونويل (أى هو نفسه) والمشاركة فى الإبحاث فى الآثار المحلية التى يقوم بها جاك - 
جوزيف وأن يدفع إلى الأمام فى مقاطعة اللوت بالتعليم المشترك وهى فكرة جديدة من . 
اختراع أخيه الذكى والمتحرك جاك - جوزيف . 

الإشاعات سروت فى جروتويل («إذا أردت أن تعدم كلبك...") لم تتعلق بخطر 
الشقيقين على «الهدوء العام» ولكنها طالت شرف الأخ الأكبر إذ أن الإتهامات التى 
بدأت توجه له بصورة غير مباشرة ثم أكدتها عدة رسائل تحمل معان غامض تحولت 9 
مع الوقت إلى اتهامات صريحة كتبها أوجوست دوكوان خلفه فى إدارة المكتبه يأنه باع 
أو تبادل كتباً مسجلة فى قوائم المكتبة - مخطوطات وغدرها - مع صديق جا رسيل"* ٠.‏ 


* مثل فرنسى بقيته هى «شه عنه أن مصاب بالجرب ( المترجم ) . 
se‏ راجع الفصل الثانى . 


291 


لم يتهمه أحد مباشرة بأنه قام بهذه العمليات لمصلحته الخاصة ولكنه تأثر بميوله 
الخاصة وتصرف دون الرجوع إلى مجلس إدارة المكتبة . 
وجد شارل - أوليقفيه كاريوتال رسائل من جارييل خاصة بأوراق المفكر 
السويسرى ونشتاين لاتدع مجالا للشك فى وجود تيادلات (هل كانت مفاوضات أم 
عمليات بيع وشراء) وهويعتبر أنها «تدين» المكتبى( . كلمة الإدانه هنا تعتبر قاسية , 
كان جاك - جوزيق إنساناً نشطاً يداخل بين مسئولياته المختلفة . وبين أعماله 
ومبادراته . ولذاك فإنه من غير المستبعد أن يكون ولعه بالكثب قد أثر بالسلب فى 
قراراته لدرجة جعلته يخلط بين عملياته الشخصية وتلك المتعلقة بوظائفة . ولايذهب أحد 
إلى أيعد من ذلك . لم يصدر ضده أى قرار إدانة . فى وقت كان العميد السابق يعامل 
فيه بفظاظه - ولكنه عزل من مناصبه . وقد شعر باهانة كبيرة كانت لها بالطبع آثارها 
على أخيه الأصغر . | 
تظاهر جان - فرنسوا بأنه لايرى فى هذه العملية سوى مؤامرة من بعض 
الطموحين الحسودين وكتب إلى أوجوستان تيفونيه فى ١١‏ مايى 14131 يقول : 
«ماذا تقواون فى جرونويل عن الكواسر الجائعة التى تتصارع على وظيفة المكتبة ؟ 
إن هؤلاء السادة يفقدون عقولهم خاصة عند إصابتهم «يحمى البحث عن وظيفة,” 
[...] لكى تتمكن من الصعود يجب عليك الزحف على بطنك هذا هى المثل السائد هذه 
الإيام [...] دوكوان الكبير الذى يؤهله الرأى العام لكى يخلفنا بعد حين [...] يعمل 
ويكد ليثبت مقدماً ولاحقا [...] ما سبق أن كررته لك وهى أن أدناً البشر وأكثر 
الأوغاد إثارة للإشمتراز هم من يطلق عليهم اسم الادباء ...» . 
هل لتحويل الأنظار بعيداً عنه أن قام جاك -- جوزيف إبتداءاً من يونيى 1417 
بمساهدة اخيه بمشروعه الجديد ؟ لقد خصص شهوراً طويلة من وقته للتنقيب عن 
الآثار فى موقم أوكسيلودونوم . هو آخر معاقل الغال التى وقع قى يد قيصر الذى 
وصف يتفسه الحدث فى الكتاب الثامن من «التعليقات» . كان من الواضح أن الموقع 
يقع فى منطقة كارسى . ولكن أين ؟ في كاهور ؟ فى فيراك فى لوزاش ؟ أم فى 
كابدوناك هذه القرية المطلة على فيجاك . 


+ التاكيد فى النص الأصلى 


292 


إذا كان «المنقبان» قد شرعا فى عمليتهما فذلك لايرجع فقط إلى محاولة نسيان 
مكتيتهما العزيزة ولكن جاء تنقيذا لطلب ملح من المحافظ الكونت دولوزيه - مارنيزيا 
المولع بالآثار القديمة ودراستها والذي أراد بهذه الطريقة أن يسجل أنه ليس من الذين 
لايعرفون ويقدرون زميلا مشهوراً مثل شامبوليون فيجاك صديق ميلان ومراسل مجلس 
«المخزن الإانسيكلوبييدى» والعضوقو المنتسب لأكاديمية الآداب ' 

مستندا إلى النصوص اللاتينية التى فى يده كشف العميد السايق يجامعة 
جرونويل بالقرب من كابدوناك 030061086 بقايا أوان رومانية . ويما أمكنه من 
إستدلاله منها تعرف على مختلف البيانات الطوبوغرافية التى جاءت فى وصف المنتصرين 
للمكان . ومنها برزخ يصل بين «القلعة » والهضبة المجاورة ونهر صغير ونقطة مياه 
وهى ما يشرح السبب الذي جعل المقاومة تطول . ويقول جاك - جوزيف في كتابه” 
الدليل أقيم . على حد قوله أن كابديناك بنيت بالقعل على موقع أوكسيلودونوم ٠‏ ويذلك 
نجع فی تاید شعبيته وسط أهل فيجاك . 

وجاء فى تعقيب جان ليترون على هذا المؤاف أنه «لايعرف سوى عدد قليل من 
العلماء تمكنوا - فى مجال الجقرافيا القديمة - من معالجة (مسائلها ) بمثل هذه 
الحصافة وحلها بمثل هذه الثقة » , 


كيف اشترك الشقيقان فى الحملة من أجل التعليم التعاونى المسمي «بالمدرسة 
اللانكاستريه» كانا كلاهما- - معلمين ذوى موهبة فذة*”* , الأول كان مريياً لأخيه HAS‏ 
فى الثانية والعشرين والآخر أستاذا جامعيا في التاسعة عشرة. مربيا بالإضافة إلى 
أن المستوى العلمى المتقدم الذي وصلا إليه كان بأن علما أنفسهما بانفسهما وكان ذلك 
كافيا لكيلا يقدسا أسلوب الأستاذية التقليدى . كل ما هو متعلق بنقل المعرفة كان 
يدخل في نطاق إهتمامهما : وكما كان أخوه معلمه الأول - بين كا مالز ودوسار - أخذ 
جان - فرنسوا على عاتقه تعليم «على» إبن أخيه واساعات طوال متذ أن بلغ السن 
الذى يمكنه فيه أن يتعلم . 

* الأبحاث الجديدة عن المدينة الغالية أوكسيللى دونوم التى حاصرها يوليوس قيصر (نشر فى باريس 
عام ۱۸۲۰ وحاز على جائز الاسنتيتق ألا أأادما'|» 


*» نسية إلى منشئها فى إنجلترا جوزيف لانكاستر . 


293 


فى باريس خلال الماتة يوم إنشغل جاك - جوزيف بين مشاغل أخرى عديدة إلى 
المشاركة فى أعمال «لجنة إصلاح التعليم الابتدائى» التى شكلها كارتى وزير الداخلية 
حينئاك . أنيط هذا الجهاز بعد ذلك يأدم جومار . المسكول الأول عن كتاب وصف مصر . 
وكانت علاقته يفيجاك وثيقة جدا وكان قد إكتشف خلال إقامته فى لندن التعليم 
«اللانكستيرى» والمتمثل فى أن تجعل الأولاد الأكثر 5 تقدماً يعلمون زملائهم بوسطة 
أدوات ملائمة . 

كان بعض أعضاء الطبقة الأرستوقراطية المستنبرين أمثال البارون دووجيراندو 
لکا ن لاتير ومسي دى لابورد هم الذين اقترحرا فى الأول من مارس وذخا 
(يوم نزول نابوليون على شاطىء خليج - جوان) إنشاء جميعة للتعليم الأولى . وما أن 
عين كارنى وؤيراللداخلية إلا وأخذ الفكره لحسايه . صدر فى ١7‏ إبريل مرسوم بانشاء 
«لجنة التعليم التعاوني» والتي تولاها جومار فيما بعد مع وجیراند ولاستيرى ولايورد 
وج ح ب سای أول الدروس بدأ فى 11 يونيى 18١1‏ بالمقر الكائن فى | شارع جان 
- دى - يوفيه - ثم وقعت واترلى بعد ذاك بأيام الا أن ذاك لم يؤثر ش على المؤسسة الجديدة . 

بعد ذلك بأربعة شهور تقريبا فى 4 أكتوبر 1616 كتب جومار لجاك - جوزيف 
شامبوليون - قيجاك . الذى كان مشاركا فى الأعمال الأولى للجنة والذى انحسب يعد 
ذلك بهدوء إلى جرونويل - يدعوه للمساهمة فى المشروع إينما كان محل اقامته وكانت 
هذه هى الفترة التى كان الأمل يراود فيهاالشقيقين فى تفادى ضريات «طافىء 
الأتوار» . بعد ذلك فى عام ١417‏ عندما أعطيت دفعة جديدة للتعليم التعاونى - على 
الرغم من معارضة المتطرفيين علي يد رواييه - كولار وزير التعليم العام عهد إلى 
المحافظين بمهمة تشجيع المبادرات الخاصة يذلك فى محافظاتهم . وكان متهم لوزيه - 
مارنيزيا فى اللوت . 

وما لم تكفى حفريات أوكسيللودونوم فى شغل أيام جاك - جوزيف - وجان - 
فرنسوا بالكامل فقد انطلقا فى الوقت ذاته فى محاولة إدخال طريقة التعليم الحديث فى 
مقاطعة كارسى ويما أنهما كانا مهمشين فقد كان ذلك أفضل وضع لهما للدخول فى 
هذا المجال الهامشى 

الشيء القريب هو أن الطريقة اللانكاسترية دخلت فرنسا فى الوقت الذى كان فيه 
منشؤها فى صراع مع سلطات بلاده مما إضطره أن ينفى تفسه إلى كندا عام 1١414‏ 
حيث توفى يعد عشرين عاماً مفلساً ومنسياً . غير أن أفكاره استمرت فى طريقها بعد 


294 


أن كانت أخذت مشعل مبادرات مماثلة فى نفس هذا الاتجاه قبل ذلك بثلاثين عاماً قام 
بها جوزيف هيريى فى باريس . 
يوجد مستتد يشهد على الحماس الذى إستجاب به أهل فيجاك تشجيع باريس 
لهم فى هذا الموضوع . فى ٦‏ إبریل ۱۸۱۷ كتب مساعد المحافظ البارون دو كاميانى 
إلى المحافظ لوزيه مارنيزيا يفيده أن «جميع المجهودات تبذل فى فيجاك من أجل تنمية 
طريقة تعليم لانكاستر وذلك بقضل يعض السكان الذي تبرعوا من أجل مصلحة الطبقة 
الأقل يسراء . إلا أن مشاركة خاصة من وزارة الداخلية ( من ۸ إلى ٠٠٠١‏ فرنك) 
ستساعد على تخطى بعض المقاومة الراجعة إلى بعض الاعتيارت الخاصة ..» 
لم يأتى ذكر الشقيقين شامبوليون خاصة وأن جاك - جوزيف كان قد غادر 
فيجاك قبل بضعة أسابيع » ولكن لايمكن أن نشك فى أن الانطلاقة التى اتخذها التعليم 
التعاونى فى مدينة كارسى الصغيرة والتى كان يها عدد من الفصول يفوق عددها فى 
عاصمة المحافظة كاهور يرجع إلى الدينامية المستنيرة لنجلى صاحب مكتبه الميدان 
الأسفل , | 
سفر جاك - جوزيف اباريس أوقف إندفاع المشروع إلى الأمام على الرغم من أن 
جان - فرنسوا وقد أصبح وحده فى الميدان - جعل مدرسة التعليم التعاوتى تستمر 
فی ۲۰ آبریل ۱۸۹۷ كتب يقول لأخيه أنه تجح فى أن ينتزع من الوزير 5٠.٠٠‏ 
فرنكا للمدرسة الانكاسترية» كما أنه حصل على وعد بأريعمائه فرنكا لعام 1814 
وتبعيين متخصص فى هذا النوع من التعليم . 
وفى © يونيى كتب لجاك - جوزيف : 
«نحن في انتظار المدرب لطريقة لانكاستر وسنجعله يبدأ فوراً . وأنا أفكر فى حضور . 
محاضراته » 
ثم فی ٣‏ یولیو : 
«لم يبدأ المدرب بعد دروسه الأولية ولا حتى ألف باء : الدكك غير جاهزه إلا أنه يأمل 
فى أن يبدأ فى ١5‏ الحالى . لقد استلم الصندوق الخاص بالأقلام والألواح 
والطباشير . المحافظ شاسه مهتم إهتماما يالغا بانتشار الطريقة . 
ومدرسة فيجاك يحتفى بها قى جميع المحافظات المجاورة . وقد سارع محافظ 
التارن بمراسلة زميله في اللوت يقول له أنه يفكر فى إرسال متدرب إلى فيجاك 


295 


(سيقيم فى المدرسة العامة) ليتعلم الطريقة ويتقلها إلى ضفاف التارن . بل يتردد 
أيضا أن الأميرون سوف تقرر (مع مرور القرون) ذلك أيضا . لاداعى بالطبع أن 
أقول أن كل رؤساء المؤسسة” فى المدينة يعارضون بكل قوتهم لانكاستر » مؤكدين - 
وعلى الأخص الراهب - أن الطريقة سيئة للغاية . وهم ليسوأ وحدهم .... » 
وأخيرا فى ١١‏ أغسطس : «المدرسة للانكاسترية بها الان ٠١‏ تلميذا» » وقد عثرنا 
على عدة اعترافات بالتقدير من الذين اكملوا المشوار وقد اعترفوا بريادة الشقيقين فى 
إدخال هذه الطريقة التعليمية فى كارسى وسنكتشف بعد قليل أن مشاركة المكتشف 
فى هذا النوع من التعليم قد إكتملت فى الدوفتية وترعرعت . 
كان جان فرنسوا قد عمل لعدة شهور ويدقة تثيرا الإعجاب فى تاليف كتاب 
القواعد سهل ومزين باللوح في نفس الوقت*" وكانت يقول الأحد أصدقائه فى جرونويل 
في توفمبر 1415 أنه جرب مع إبن اخيه «على» طريقه جديدة يمكن تطبيقها على أولاد: 
أخرين . لاشك أن هذه الطريقة فى نقل المعرفة دون الاعتماد علي هيكل الأستاذية 
والتى تسوى بين التلاميذ والتى تعتمد على الوسائل التوضيحية - هى التى استفاد 
منها على يديه عددا كبيرا» من أبناء جروتويل مثل أبناء أسر تيسار ومونبيه وبيران 
ورومان وآخرين حسيما قال إيميه أحد من أيناء أخيه . 


وصل الأخ الأكبر فى نهاية الأمر إلى هدقه بعد تسعة شهور من المحاولات 
والإجراءات والتظلمات والدفوع . وهو إذا كان مغتايًا ومحسوداً في جرونويل ففى 
باريس كان يتمتع يشبكة من الأصدقاء وأشخاص مدينين له يخدمات وزملاء أثيتوا 
تضامنهم معه في محنته . أقدم أصدقائه الوفى دوجيه أدى الدور الأساسى للمطيباتى 
إذ كان يلقي ترحيبا متعاطفا ومتفتحا إينما ذهب . 

فى كل مكان ؟ كلا ... لقد سبق أن ذكرنا تعليقاته المستاءه من موقف الباورن 


ل المؤسسة الدينية 000 بالطيع 0 
++ نسخه من الكتاب ساعت لمدام أديل لازالت محفوظة حتى الآن . 


296 


دوساسى - المتطرف وسط المتطرقين الذى صده دون أى حياء حين جاء يطلب منه 
خدمه لصالح زميل كان من تلاميذه ٠‏ تعليق «صغير» : 
«أما «الرابين”» فلا تخفض من قيمة نفسك وتذهب لقايلته إنه رجل يعرف أوضاعنا 
وإذا كان لديه شىء من المروءة لكان ضحى بكل الأفكار الصغيرة ليجعل هذه 
الأوضاع أقل قسوة . إلا أنه لم يحاول . إنه طرطوف لى كان يساوى لكرهته . إني لا 
أنكر ماله من موهبة وعلم رفيع . إلا إنه بدون روح وهو يذلك ليس رجلاً وإذما هى 
كتاب متحرك» . 
جاء سلوك الصديق السايق جان سان - مارتان با مثل مخيباً للآمال إذ تحول إلى 
الحزب «الأسود» وتعامل معهما معاملة معتتقى الدين الجدد بطريقة جافه للغاية » قى 
حين تعامل رجل مثل لوى لانجلاس وكاترومار دوكانسى (الذين كانا متشددين للغاية 
فى السابق مع جان --'قرنسو!) باهتمام ورعاية . 
خاافا للمساعدات التى حصل عليها الشقيقان القادمان من فيجاك من حلقاء 
قدماء لهما مثل ميلان ودابيه وفوريه** بل وجومار أيضا*** ومن علماء تعاطقوا معهما 
مؤخراً مثل أراجو وكوفييه . فقد إستفادا من تطور عام للأراء التى اتجهت من 
الإرهاب الأبيض نحو الليبرالية الحذره التى سيجسدها دوكاز . 
هذا الأخير هو الذى وقع وهى مازال وزيرًا للشرطة قبل أن يرأس الوزارة على 
القرار المؤرخ فى Ÿ‏ نوفمبر 18١7‏ الذى يسمح «للسيد شامبوليون الكبير [...] أن يعود 
إلى جرونويل للإقامة بها تحت مراقية مفتش الشرطة العام [...] أما بالنسية للسيد 
شامبوليون الصغير فإنى أترك لمحافظ الإيزار حرية إعادته إذا لم يجد ضررا من وراء 
ذلك . 


لابد وأن هذا «الضرر» كان موجودا بما أن جان - فرنسوا استمر لفترة طويلة 


* دأب جان فرانسوا على إطلاق كنية «الجيزويت» أو «الرايين» أى رجل الدين اليهودى على البارون 
سيلفاستر دو ساى (المترجم) . 

+» فورييه تصالح مع الشقيقين شاميوايون بعد المرحلة التى تلت «المائة يوم» أى بعد عودة نابوايون إلى 
المنفى . 

. سيختلف مع الشقيقين بعد ذلك بعشرة أعوام‎ au 


297 


لايتمتع بسعة صدر السلطات وقد كتب لصديقه تيقونيه : 
Un‏ له من رقی ساحر ذلك الذى عاملنى به الكونت دو مونليقو [...] لى أنه تصرف 
يعكس ما فعل وأرجهنا معاً كانت حقوقه على من إمتنان وعرفان بالجميل أثقلت 
كاهلى : يوجد من الناس نوع لاتريد أن تدين له بشيء» . 
فى 15 يتاير 14١1‏ أرسل إلى محافظ اللوت «قرار المجلس الملكى» الذى ينص 
على أن «السيد جان - فرنسوا شاميوليون قد أعفى من الرقابة التى كانت مفروضة 
عليه قى فيجاك» .. إلا أن «الرباعى الجهنمى» الجرونويلوازى أستمر فی عناده إلى أن 
وصلت إلى لوزيه - مارنيزيا (محافظ اللوت) وكان لايكف عن الدفاع عن الشقيقين 
شامبوليون من كاهور ولكنه كان يصدم بإستمرار بعناد زميله فى الايزار » مذكرة 
تذكى مرة أخرى «وان الرقابة التى كانت مفروضة على السيدين شامبوايون فى مدينة 
فيجاك قد رفعت بطريقة مطلقة وهما أحرار تماما يذهبى إلى حيث يريدون» المذكرة 
مؤرخة فى ١١‏ مارس* ۱۸۱۷ . 


هذه المرة وجد «كازينى» جرونوبل نفسه يتلقى الإستنكار والتوبيخ . القرار الجديد 
يشمل الشقيقين ولايفرض عليهما ضرورة الإقامة فى جرونوبل ليوضعا تحت رقابة 
باستار ويينا وهو ما كان يريد جاك -- جوزيف أن يتحاشاه بأى شكل يعد ما لقاه من 
تصرفات تثير الاشمئزاز من السلطات ومن زملامه في مقاطعة الدوفينيه . وقد كان 
مصمما على قطع علاقاته بالمدينة التى نجح فيها نجاحاً مبهرا فى القترة من الثورة 
(برومارن) حتى واترلى ( هزيمة يابوليون) , 

عندما غادر جاك - جوزيف مدينة فيجاك فى بداية إبريل ۱۸۱۷ إتجه إلى باريس 
حيث حصل هناك على جواز سفر . ولم يمنحه إياه البارون دوكامباني دون أن يرسل 
إلى دوشاسيمى الذي حل محل لوزيه - مارنيزيا محافظ اللوت مذكرة يقول فيها أن 
«شامبوليون الأصغر سيبقى بعض الوقت فى فيجاك حيث يقيم مع والده» ثم يضيف 
مساعد المحافظ «الشقيقان شامبوليون طوال فترة إقامتهما فى فيجاك كان سلوكهما لا 
غبار عليه [...] إنهما يتمتعان هنا بالتقدير والاحترام بفضل مواهبهما وعلمهما . 





* القريب أن التاريخ الموضوع فى المذكرة هى 18١١‏ إلا أن كافة المستندات الموجوده بالملف تشير إلى 
أن التاريخ الصحيح هی ۱۸٩۷‏ . 


298 


فضل جان فرنسوا أن يمد إقامته فى فيجاك لأسباب مختفة . كانت معاملة 
. أسياد جرونويل الجدد أسواً مسن ألا تجعله يشارك أخاه إزدارئة لما أسماه « أثينا 
الدوفينيه » وإن كان بدرجة أقل ولفترة أقصر حيث عرفا أولى ساعات مجدهما . إن 
باريس لاتمثل أى إغراء يالنسبة له : مازالت ذاكرته تحتفظ بصورة كلها مرارة 
« لعاصمة فرنسا القذرة » وللمؤامرات التى تحاك على ساحتها . إنه يحب بالفعل 
المدينة المتواضعة التى ولد فيها والتى عاش فيها عاما هادئاً . ثم إنه لايريد أن يتخلف 
عن مسئولياته فى التعليم التعاونى . وكانت الشئون العائلية على درجة من السوء 
تستدعى أن يتولاها أحد . ولما كان جاك - جوزيف غير قادر على أن يبقى ساكنا 
لحظة واحدة » ثم أنه يرفض أن يبقى لفترة أطول فقد قرر وضع وزر هذا الواجب كله 
على آكتاف « صغير » . 
« الرئيس يقوم بضجة جهنمية !» هذا ماكان يفضى جان - فرنسوا به لأقرياءه 
بعد أن كان يضيق بتصرفات نويات هياج والده . وكانوا جميعا . على علم 
بتجاوزات « العجوز غير المحترم » ؛ كانت فيجاك قد تعودت على صراخ هؤلاء 
السكارى الذين يجويون شوارعها فى المساء بين شارع دى كابو سان وميدان 
لا ريزون ... الأب كارامازوف ! 
ياليت الأمر قد اقتصر على الضجة الليلية ! استدان الرجل ثمانية ألف فرنك . 
ولا لم تعد المكتبة تدر دخاد يذكر وكان زملاؤه فى السكر من المقرضين رجال أعمال 
لايرحمون أخذ يبيع ممتلكاته الواحدة تلو الأخرى : الكرمة * ثم الحديقة والأثاث وإذا 
استمرت الامور هكذا فإنها ستطول أيضا الدكان ومن بعده المنزل أيضا وإذا لم يقعل 
sai‏ شيئًا فإن أختى جان فرانسوا تيريز ومارى سيكون مصيرهما إلى الملجأ .. لخص 
جان - فرانسوا الموقف لأخيه فى خطاب بثاريخ ١‏ مايى ۱۸١۷‏ بعد أسابيع قليلة من 
سقره المتسرع : 
« ... كنت متعجلا وصول أخبارك بقلق شديد على أمل أن تحدد لى فى خطابك 
الخط الذى يجب اتباعه حتى نتفادى رؤيه المحضرين وهم يغزون المتزل . وقد حدث 
بسبب الرجل الذى جعلته السماء للأسف أباً لنا ويسببك أنت أيضا بقدر قليل .. 


+ التى كان قد اشتراها أبان الثورة الفرنسية ضمن « الممتلكات الوطنية » . 


299 


... لقد قدر لى أنا الذى لايفقه شيئًا فى الأعمال أن أتحمل كل خيبة الأمل 
وقرفها . لم أجد طريقة أخرى لمنع بيع الأثاث سوى أن أتعهد بدفع ٠١‏ فرنك فى 
البداية يوم الأحد القادم ثم كل شهر حتى استيفاء الدين . مخططى هو أن أسحب 
حوالة يستمائه فرنك على أوجوستان * كان قد عرضها على عند سفرى . لم أهعش 
فى حياتى أياما أفظع من اليومين الماضيين . أحماك جزءا منها لأنك سافرت دون 
أن تحل هذه المشكلة وكان أسرع هذه الحلول هى الحجر ** على « الرئيس » . الذى 
سلك سلوكا شنيعا معى خلال هما حدث ... مدام جانسيون عادت تلح على وكدت أن 
أقع فى خلاف معها ومع زوجها لأنى رقضت قبول المبلغ الذى عرضماه بطريقة كلها 
رقة عندما علما نبا الكارثة .. يالهما من صديقين حقيقيين . كنت تخالهما يطلبان 
منى خدمة قى حين أنهما لايمكن أن يقدما لى خدمه أكثر نفعا أنا من تلك ؛ » 
فى NV‏ مايى كتب جان فرنسوا إلى أوجوستان تيفونيه : 
« ها أنا أجد نفسى يا عزيزى الصغير . مضطرا الآن لقبول ما سبق أن رفضته 
(..) يهم سفرى إلى المثفى . ها أنا أجد نفسى - جزئيا بسبب أخى الذى تركنى 
وسط مشاكل عائاية معقدة فى حيرة ملحة . (...) أعطيت حوالة بمبلغ ۷١١‏ فرنك 
تسحب من موسيى بريزون دوليون *** وأرسلت إليه حوالة بنفس المبلغ مسحوبة 
عليك (...) ويذلك ياصغيري تكون آنت الذي سيتحمل تفقات الحرب ... » 
الديون الأكش إلحاحا تم تسديدها ٠‏ أخيرا وجدت المال اللازم لتفادى الأحداث 
المؤلة التى أعدها لنا الرئيس ... » وابتعد خطر توقيع الحجز علينا . لم يصدق الرجل 
العجوز نفسه : « فم الرئيس يقطر عسلا ولبنا ... » هذا ما سجله جان فرنسوا . ولكن 
لم تمتد سعادته طويلا إذ ما أن طالبه ابنه بأن يبذل جهداً من جانيه لسداد الدين 
الخاص يصديقه ديلكى أكير الدائنين إلا وتظاهر أنه لايسمع شيئًا . وقد وصلت درجة 
سخط «صغير» من « أنانية ودناءة » العجوز أن كتب فى ۲١‏ مايى/1811 « طالما أنه 
يأكل فهو لايهتم بشئ . إن ذلك يدفعتى فى مرات عديدة إلى غضب شديد لا أعرف ما 
سأقعله له . رجل من هذه النوعية يعتير أدنً من الوحوش ... ) هذا هو أيوه .. وليست 
له أم ! , 


» تيفوتيه . 
*» إجراء قانونى بإعلان شخص غير مؤهل للقيام بيزى عمل تجارى أو تبادلى .. . 
le xx‏ صلة قرابة بعاكة بيريا . 


300 


فى النهاية كانت الخسائر خطيرة لدرجة لاتسمح اجان فرنسوا أن يحلها بواسطة ‏ 
سلفة بسيطة . إنه لن يتمكن من الحفاظ على مصالح أختيه فى المنزل والمكتبة دون أن 
يتنازل عن حقه فى الميراث " وبقول ببساطة : « أن بيق لهما مع ذلك ث Er‏ € 
وماذا عن مصر ؟ هل نسيها وهى على ضفاف اللوت بين قصائد الفزل 
والحجوزات ؟ كلا . وهى إذا كان قد يقى لشهور طويلة دون أن يعمل فى المشروع 
الأصلى الكبير : فك الشفرة - وإذا كانت مستنداته قد بقت فى جرونويل فهى لم يتوقف 
عن العمل فى قاموس وقواعد اللغة القبطية . وكان قد حمل معه المخطوطين الكبيرين 
فى سنة الهجرة ** 1815 » ومهما كان مجروحاً من رفض وانتقادات سأسى فى 
أغسطس 18١6‏ فهو من الذكاء لدرجة تجعله ياخذ فى الاعتبار الامتراضات 
والملحوظات التى سجلها عليه « الريين » فى جينه . كتب لأوجستان تيفونيه ما يلى : 
« أستس فى أعمالى الأدبية بحماس قوى . قواعد اللغة المصرية *** أنتهيت 
منه تقريبا والقاموس الكبير أذ أبعادا تليق فى حالتها الراهنة بالذى يؤلقه . كل يوم 
يزداد الكتاب تخانة ومؤلفه يسير فى الاتجاه العكسى .. » 
« سيصل عدد صفحات هذا القاموس إلى الألف ويتعداها عن قريب وهى ينوى أن 
يعود « بمولوده € هذا إلى جرونويل على هيئة أربع أجزاء من حجم الكوارتى . 
فيما يتعاق بمشروع لغز الهيروظيقية نفسه سنجده متحفظا ومشدودا فترة طويلة 
كما لى أن البعد عن جرونويل منفياً منها كان بمثابة حكم بالابتعاد عن الدراسات 
المصرية القديمة . هل أصيب بنوع من العمى عنها أى التحريم عن دراستها وهى بعيد 
عن المدينة التى أقام فيها من 18-17 بأبحاثه ونشر فيها أولى نصوصه المتعلقة بوادى 
اليل ؟ 
بعد بضعه أسابيع من سفر أخيه وصل من لندن عدد من مجلة مانظى ريقيو 
Monthly Review‏ منشور يها عرض لکتاب « مصر فى عهد الفراعثة » وهى الكتاب 
الذى نشر قبل ثلاثة أعوام فى باريس . خلاقاً لما فعله دو ساسى كان الناقد 
الانجليزى مؤيداً له لدرجة دفعت «صغير» أن يقول على الفور تجاك جوزيف : 


+ جاك - جوزيف سيتخذ نفس القرار . 
** هجرة 16916 فى النص الأصلى ( المترجم ) 


++ تعنى هنا قواعد القبطية التى تحدث مع نابوليون عنها وليس الكتاب الذى ظهر سبق وفاته والذى 
هى أحد أعماله الرئيسية 


301 


« ... قرأت مقالى على القور . إنه يضيف لجدى بالقدر الذى كنت أن آتمناه . 
قدم كاتب المقال ساسى كما لى أنه يساندنى وكما لو كنت تلميذه الذى يشرفه جداً . 
لابد وأن هذا سيعجبه . هذا أقضل ! الانجليشمان لايؤاخذنى سوى على شئ واحد 
. وهئ أنى أهملت استخدام المستندات التى أوردتها لنا الكتب المقدسة التى هى 
مصادر التاريخ الحقيقية حسب قوله . ويضيق أن أراء عن هذه الكتب تبدى أنها رأى 
مسيقه لإنسان غير مؤمن أكثر منها عدم إنحياز منصف لفيلسوف . طبقا لهذا 
التقرير فإنى ساموت دون توية خالصة . إن الأراء التوراتيه لكاتب المقال تكفى لكى 
أشمئزن من كل الأشياء اليهودية الممكنة . إنه يؤكد بثقة تثير الإعجاب أن سيزوسترلى 
ليس سوی 0818ل (...) كل ذلك أثبت لى ماكنت اعتقده منذ فترت طويلة وهى أن 
الالان أيضا الإنجليز لم يخرجوا بعد فيما يتعلق بالمعرفة الحقة من مرحلة 
الحضاتة ... » 
سترى أن هذه « الحضانة » ستكون خصية ... الشئ الحقيقى هو ان الحوار بين 
الباحث الفرنسى ومناظريه البريطانيين إن هى قام على الأسس التى حددها مراسل 
المانقى ريشيى لم يكن من الممكن أن يستمر ولكنه توماس يانج لن يلبث أن يثبت له أنه 
توجد فى لندن أدوات عمل أخرى غير التوراة . 
يبدى أن المديح الواصل من لندن آثار لدى «صقيره» نوعا من فك العقدة . ثم إن 
الهدوء فى فيجاك بعد حل المشاكل العائية المؤلة كان يساعد على العمل الذى يتطلب 
دقة متناهية . لماذا إذن لا يحضر مراجعه مهما كانت صعوبة النقل ؟ فهى ليست على 
كل حال مسلة ولاحتى حجر من البزالت الأسود اكتشفه الملازم بوشار بالقرب من 
مصب الثيل . 
فى 16 يوليى ۱۸۱۷ كان قد اتخذ قرار اليقاء شهرين أو ثلاثة أخرين فى كارسى 
ali‏ مرة أخرى إلى خدمات عزيزة أوجويستان : 
۰ « .. لايد وأنك سحيت أوراقى من مكتبى » أقصد من مكتبى السابق * وفى 
موجودة الآن لديك (...) المطلوب أن تختار منها : 
)١(‏ صورة بالحفر لكتايات مصرية ويونائية » كبيرة وطويلة وملصوقة على 
قماش + . أنها نص حجر رشيد * . 
(؟) نفس النص الهيروقليفى ملصوق على كارتون ٠‏ 
(؟) رزمة أوراق معنونة أيجدية مصرية + . 


* التلكيد فى النص الأصلى . 
302 


. دفتر معنون كتابات مصرية بخطوط ديموطيقية أو شعبية‎ )٤( 
سطرا‎ ١" نسخة مكيرة لنص رشيد . کل سطر مرقم - يوجد يها‎ ).. .( )( 
. وتحت كل سطر توجد كلمات بالفرنسية واليونانية‎ 


(1) أخيرا مجلد کوارٹی (...) اسمه «مخطوط رشید » مؤلفه م . امیلهون (...) 
بوجد كلام يونانى * 

طالب من تيقونيه إن يجمع كل هذه المستندات فى « طرد مشدود الوثاق » ويوجهه 
لمسيى جارى مدير بريد فيجاك . الطريف أنه لم ينس أن يقثرح على صديقه أن يضم 
داخل الطرد «مسرحياته التراجيدية » فهى لايهمل سهراته المكرسة « للتعليم المرح » 
لدى مساعد المحافظ ومدام سارت أو عند مدام جانسيون . 

وهكذا سمحت الأشهر الثلاثة الأخيرة من النفى فى كارس لجان - فرتسوا أن 
يتحاور من جديد مع ألهة النيل . تزامن مع وصول المستندات المطلوية من تيفونيه فى 
الأول من أغسطس زيارة قام بها له طبيب من الكانتال الدكتور رولهاك وهى واضع 
كتاب اسمه « منظومة ايتمواوجية عامة » يدعى فيه أنه اكتشف مفتاح يسمح بحل 
شفرة الحروف الهيروغليفية لم يأخذه «صغير» على محمل الجد . إلا أننا تعرف أن 
لاشئ ينشط عبقريته الخلاقة بقدر المحاولات dudit}‏ له : مع أنه ليس جدير بالثقه فإن 
الطبيب القادم من أوربياك سيلعب دوره فى إثارة نخوة الباحث . مع عودة الطموحات 
العلمية داهمه إحساس بالانعزال فى فيجاك باريس ؟ إنه لايفكر فيها سوى فيما يخص 
جاك - جوزيف الذى أخذ يظهر فيها من جديد . راودته قكرة لبعض الوقت : السقر 
إلى روما المليئة بالعديد من الآثار والمخطوطات المصرية . مونسينيور دى بوهسيه رجل 
الدين المثقف والليبرالى صاحب كتاب فينولون الذى أعجب به ستاندال كان قد رقى إلى 
رتبة كاردينال وكان يستعد للسفر إلى المقر البابونى فهل يمكن أن يقوم بدور سكرتير 
المونسيئيور الذى كان فى علاقة مراسلة مستمرة ووثيقة مع أخيه طوال ثلاث 
سنوات ؟ .. عبر عن رغبيته فى القيام بالرحلة « على حساب أمنا الطيبة الكنيسة .. » 
إلا أن المشروع لم ينجح . 

لابد إذن من جروتويل لقد تفير الجى السياسى العام فيها بعد سنتين حتى قبل 
أن يبعدا عنها . كان مونتليقى وباستار قد بدءا ينعطفان فى اتجاه ليبرالى أخذ يتطور , 
وهو ما يكشف عن التعليمات التى كانت تصلهما وعن الشعور الشعبى العام . هل تردد 

+ هذا هو النص « المعتمد » للنص اليونانى لحجر رشيد , 


303 


جان - فرنسوا فى العودة لكى لايضع نقسه تحت رحمتهما بسبب ما لاقاد منهما من 
مضايقات ؟ 

جاء تعيينه محافظ جديد اسمه شويان دارنوقيل المشهور بليبراليته فى نهاية 
سبتمبر 1411 لتبدد جميع شكوكه حول هذه النقطة . 

إلى جرونويل نعم ولكن لعمل ماذا ؟ لم يبق جاك - جوزيف ساكناً منذ وصوله 
إلى باريس ٠‏ تودد الحديث حول إنشا ء كلية للفلسفة فى جرونويل لإعادة كلية الآداب 
التى حلت فى ١41١1‏ فى شكل أخرى كان من المفروض أن توضع الكلية الجديدة 
تحت رعايه الأب الدمث دوسورد الذى عين خلقاً ليال على رأس الجامعة وأن تتضمن 
قسما للتاريخ كان سيؤول كرسيه بالطبع إلى جان - فرنسوا. لكن كان « طافئو 
الأنوار » متيقظين وتوقف المشروع . واكتقى المنفى المعفى عنه يما وجده فى الدوفيتيه 
وهى وظيفة مدرس فى المدرسة الملكية ودور المسئول عن مدرسة تعليم تعاونى على النمط 
الذى أنشا عليه مدرسة فيجاك والتى ستبقى فى النهاية أهم إنجاز له خلال هذه 
القترة . 
وسافر فى / أكتوير إلى جر ويل a ages Genus‏ تلميذه وأبن أخيه الذى کان 

قد يلغ الثامنة وارتبط به جداً . ذهب ليلقى زوجة أخيه زويه المرحبة به دائما بحرارة 
وهذه الروزين التى سيطرت على أحلامه خلال فترة أدائه لدور « الولد الشقى » لمقاطعة 
كارسى التى دامت ثمانية عشر شهرا . 

اقترب جان - فرنسوا من عامه الثامن والعشرين . طعام اللوت الشهير - من 
ملبسات وفواجرا وشرية الجاريور إلخ ... - لم يفده إطلاقا فقد نقص وزته والهواء 
النقى ذاته لم يجد قى أن يبعد عنه حالات الالختناق التى تنتابه ولا أزمات السعال 
الطويلة ولا الارتفاع المفاجئ فى درجة حرارته » وكثيرا ما كان يضطر إلى أن يبقى 
ممددا إلا أن مزاجه أصيح أكثر مرونة . وإذا كان لايزال على موقفه من عدم إعطاء 
الجنس البشرى إعتبارا كثيرا ( وخاصة الأدياء ) ققد اكتشف فى فيجاك أصدقاء 
حقيقين مثل أسرة جانسون وأسرة جيرى وجان فيبيه . كما أنه لم يترك هذه « الأم 
المحبوية والطيبة » بغير ألم . 

لم ينمى شامبوليون الأصغر متاعه الايجيبتولوجى فى مدينة فيجاك فقد عاش قيها 
فترة من الاجترار الهادئ . ولكن بعد المطبات الهوائية العثيقة التى خاضها فى ١81١‏ 
وقبل المحن الكبيرة والانتصارات الخطيرة التى ستعرفها العشرينات ٠‏ مرحلة مثمرة 
لاتوجد عيقرية لاتؤجج توهجها لحظلة سعادة . 


304 


6 - روبيسييير جرونوبل 


استقيل كالنتصر - شويان دارنوقيل ٠‏ الليبرالى - دوناديوى « ا مضللون » - هل 
هم ماسونيون ؟ - جاك جوزيف ومسيوداسية . - التطيم التعاونى فى مواجهة « طاقئ 
الأنوار »- عودة إلى الهيروظيفية - جلسة تاريخية فى أكاديمية الدوفينيه - روزين 
أو الزواج ا مريك - «الاتحاد» « وأصحاب الرداء الأسود » - فضيحة جريصوار - 
« يحيا اكلك - يحيا الدستور » - البارون دوساز الرهيب . - استيلاء عالم آثار على 
الباستيى ... - غير مذنب ! - « كأس ا مراره الجرونوبلوازى انتهى بالنسبة لى .. » 


ياله من شخص غريب الأطوار هذا السيباستيان فالكيه دى بلانتا » نجل أحد 
أعيان جرونويل . بهرته الثورة » تطوع فى الجيش وهو فى العشرين وأصبح عقيداً وهى 
بعد فى الخامسة والعشرين وجنرالا فى الثلاثين » على الرغم من أنه كان صديقا للويس 
شقيق القنصل الأول إلا أنه فضل أن ينفى نفسه بعد إعلان قيام الإمبراطورية ومع ذلك 
نجح فى أن يجعل نابوليون يعينه مفتشا لأكاديمية جرونويل ( وهى المركز الذى كان 
يصبى إلى شغله بشدة جاك - جوزيف شامبوايون* ) ثم يناصر قضية أسرة البوريون 
منذ ۱۸١١‏ ويؤلف فى ١81١5‏ قصيدة على شرف الكونت دارتوا عنوانها قصيدة غنائية 
للزنايق ضد غول كورسيكا ويرأس محكمة جرونويل الخاصة التى أرسلت ديدييه إلى 
المقصلة . 

معجب متحمس الفيلسوف «كانت» وتلميذ للمربى السويسرى العظيم يستالوتزى؛ 
أنهى حياته هو فى علاقه حميمة مع ( الفليسوف ) جان دوبيران ... شخصيته نجحت 
فى أن تثير حيرة أهل زمانها بتجاوازاتها على الرغم من كثرة ما حدث فيها من 
شطط . وصف في : تاريخ حياة الدوفيتيه 6غ أمناة0] نال 6أدامة81001 يهذه 
السطور : « رجل وسيم جدا ذى فكر متعدد الجوانب أمضى حياته فى الثرثرة وفى 
تسويد الورق بالكثابة السطحية فى كافة المواضيع » . 

إن اعتناقاته لمبادئ غير مبادئه ثم العودة عنها والتغيرات المفاجئة لأفكاره فى 
مختلف الاتجاهات وكذلك خطبه وحملاته » سلطت الأضواء بشدة على پلانتا العجيب . 
إن حياته تلخص فى الواقع الجو الروائى الذى اتسمت به بداية ذلك القرن فى الدوفينيه 


* وشغله فى البداية الأب لاكوست مرشح مناصرى الكنسية . 


305 


مازال « منقيا » فى فيجاك ولکنه کان متیقنا آنه سيرى جرونويل وسكانها يعد فترة 
قصيرة - خطاباً إلى تيقونيه تجعل المرء يحب الواصف والموصوف : 
« ... إنى لسعيد بأن أرى عزيزنا الطيب بلانتا فى صفوف الدستوريين ضد 
المتطرفين » وكان الأجدر به ألا يتركهم حفاظا على شرقه ومن أجل راحتتا . إن قلب 
هذا الرجل يخدعه باستمرار [ ... ] لذلك فإنى لا أفهم لماذا أنا ميال له [ ... ] أحب 
أن آراه وهى يدعم المبادئ اللببرالية فإن القضية تستحق هذه الفصاحة .. 
ثم يضيف «صقير» هذه المللحوظه التى تكشف الكثين عن « قليه » ذاته وهى الذى 
خدعه أحيانا :* 
Las‏ ينتصىس أصدقاء الدستور وإذا وجد عيب فهو فقط أنهم يهاجمون المتطرفين 
بأكثر مما يتبغى ٠‏ 
كنت أود كثيرا أن أرى الذين كانوا ينادون بالاعتدال فى 1411513141٠6‏ 
يتصرفون بأكثر من ذلك فى 1811 . لكن هذا هو حال البشر يغالون دائما فى 
استخدام السلاح الذى كانوا يخشونه قبل أن يصبح فى حوزتهم » . 
كان المتوهمج سيباستيان فالكيه دوق دى بلانتا المنتمى لهذه النوعية ( المتطرفة / 
الليبرالية ) الذى وقف فى ٠١‏ أكتوير 817 شلال اجتماع لأكاديمية الدوفينيه يطالب 
)١(‏ هل يمكن تنوير الشعب ؟ 
(؟) هل من حقه الحصول على التعليم الأولى ؟ 
كان من جراء هذه الدعوة أن الردود جاءعت حماسية وتنزع إلى تعبئة المثقفين 
الدوفينيين فى موجة «تقدمية» شاركت فيها أيضا الاريستوقراطية الليبرالية المعاصرة - 
مثل الدوق دود وداى ٠‏ والدوق دولاروشفوكو والفيكونت دو موغورانس وکان هذا الأخير 
مهتما جدا بالتعليم الشعبى وهى بالمناسبة سيؤدى دورا هاما فيما بعد فى حياة جان - 
فرنسوا العملية , 


* فى فيجاك , 


306 


كان «صغير» يعرف وهی فى العرية التى تحمله ويجواره الصغير « على » من 
ضفاف الرون إلى ضفاف الإيزار أنه سيلقى مدينة تم عزل العديد من متطرفيها 
مواقفهم السياسية تمائل موقف بلانتا . واكن هل كان يتصور أن الأكاديمية العلمية 
ْ الاحتفائى الذى هو بمثابة قسماً يؤدى من أجل الثورة التعليمية ؟ هل كان يثمل بعد أن 
طرد منها على يد حكومة ريشوليى - فى استقبال حماسى فى نفس المدينة وتحت حكم 
الوزارة ذاتها . 

فى ١‏ أكتوير أى بعد سويعات من الخطية الحماسبية التى ألقاها سيباستيان . 
پلانتا » خطيب التعليم الجماعى » استقبل أصغر الشقيقين شامبوليون وهو يهبط من 
العرية التى أقلته - استقبال الأبطال المنتصرين . إذ وجد نفسه كما كتب لأخيه 
وجل« النخب فى صحة الجمهورية » عدى« الكازينى » استقبل استقيال الاين الضال 
العائد الذى لم يكن التيه من اختياره ولكنه تحمل بجلد عذاب النقى . 

تجمع حوله أعز أصدقائه : أوجوستان تيفونيه . وشارك رونولدون وهوج بلان 
وأسرة بيريا وأسرة بيربيه وأسرة نيسار والجنرال دولا سالات وساقوا دى رولان وسابى 
وفرانسيه دو تانت والطبيب ييلون ... ياه !! إن « الحزب » الليبرالى استعاد حيويته منذ 
الوقت الذى كان يضطر فيه إلى الاختباء من القبضة الحديدية لمونليقو وياستار 
ودوناديى وبينا . الأول والثانى نقلا إلى مناصب أخرى وكان الثالث على وشك الابعاد 
أما الرابع فقد أوشكت فترة حكمه أن تنتهى . 

غير أن الحزب « الأسود » لم يكن مستسلماً . إنه يحاقظ فقط على ذخيرته هنا 
وفی باریس أيضا - وإذا كان نجم دوبيتا هو الذى يلمع الآن فإن بلانيللى دولا قالات 
فى انتظار أن يحل محله وإلى جواره يقف قوم مثل سيلثى ودى بوشاج وشامبوابون . 
الإرهاب الأبيض توقف » نعم ولكن قواته تقف فى صفوف الاحتياطى ( للملكية ..) يل 

لا يهم ؟ إن جرونويل الذى دخلها جون فرنسوا فى هذا الشهر العاشر من عام 
۷ دخولا لافتا مدينة مفتوحة . لايقف أحد على قمتها .. كل شخص فيها يمكنه 
إسماع صوته أى عرض أفكاره . ولولا غياب شاميوليون - فيجاك النشط الذى ذهب 
يشق لنفسه طريقاً فی باریس لاعتقدنا أننا عدنا إلى الأعوام C3 Mo — 8٠‏ 
فورييه الطيب والعزيز العجون دويوا -- فونتانال . 


307 


يرجع هذا الاتفراج فى الأساس إلى رجل واحد هو فرانسو] - شويان دارتوقيل 
الذى اختاره كل من الملك ودوكان ليحل مكان التعس المحافظ موثليقو . أصله من 
نورماندى وهو من سلك القضاء وتولى مناصب رفيعة فى باريس «٠‏ معتدل فى تفكيره » 
مجتهد جدا أفى عمله » (1), 

لم يأت هذا التعيين من ضرية حظ ؛ فقى نهاية 14١5‏ رأت السلطة - أو بالأحرى 
رئيس الوزراء دوكان - أن عدم شعبيتها تزداد بسيب التشدد القمعى الذى يمارسه 
أشخاص مثل باستار ودوناديو ولذلك أرسلت إلى الإدارة العليا الخطاب الدورى 
التالى :» صاحب الحلالة لويس الثإمن عشر يرى أن جهود الإدارة يجب أن تبذل نحو 
تقريب الأفكار وريطها بالحكومة » 

فى نفس الوقت أرسل المارشال مارمون ؛ دوق دوراجوز فى منطقة تضم الإيزار 
والدورم والرون محمل بلقب نائب الملك وكان معروفا بأنه خدم البوريون خدمة عظيمة 
عندما ترك الأميراطور فى أخر مارس 4 ,إلا أنه احتفظ بش من الشعبية لدى 
الشسعب اليسيط . وكانت المهمة التى كلف يها «هى إعادة السلام بهذه المناطق 
ومعه الهدوء والثقة » وقد أعلن مارمون فى إحدى جلسات الأكاديمية الدلفينية إعادة 
بعض الضباط المحالين إلى الاستيداع بنصف مرتب وكذلك العفى السياسى عن بعض 
الأقراد . 

كانت مهمة شويان دارنوقيل إذن هى نزع أسلحة العصابتيين أى اللييرالييون 
العائدون لمواقفهم والمتطرفون الجامحون . لم ينجح فى مرحلة أولى سوى - كما يؤكد 
إيميه شاميوليون - فيجاك - ه الوصول إلى نتيجه مؤسفة » وهى أنه « جعل الملكيين 
المتحمسين يفقدون صبرهم » (3 ). أكثرهم حماسة كان دون شك الجنرال - - كونت 
دودوتاديى الذى يصف أصدقاء المحافظ الجديد بأتهم رعاع . 

وكانت المصائب قد انهالت عليه وجعلته فى ثورة دائمة : فعلاوة على فقدان 
أصسدقائه أعضاء« الكازيتى » لسطوتهم حدثت له كارثة شخصية : فأثناء المحاواة 
الانقلابية التى قام بها ديدييه فی مايو ۱۸١١‏ لجا أحد قادة الانقلاب إلى منزله فى 
الوقت الذى كان هو يطارد أفراد المؤامرة فما كان من زوجته الكونتيسة إلا أن أوت 
المتمرد وأنقذته ! : وتقول الإشاعات أن هذا المتمرد لم يكن سوى أوجان دى بوهارنيه 
ذاته .... الوغد : وانتشرت القصة فى جميع أركان المدنية . وترتب على ذلك أن حدث 
ما يلى ونرويه على لسان جان - فرانسوا كما نقله لجاك - جوزيق : 


308 


« قام الجنرال دوناديى يفضيحة جديدة خلال حفل ساهر مقام فى دار 
المحافظة : إذ أنه رأى زوجته الجنرالة تلعب الورق على مائدة السيد المحافظ Sie‏ 
وصوله . فانتابته ثورة غضب وأخذ زوجته من زراعها وأعادها إلى منزلها وهى أقرب 
إلى الموت من الحياة فما كان من مسير دارنوقيل إلا أن استمر بكل هدوء قى اللعب 
معبرا عن احتقاره لهذه الإهانة الهمجية .. إذا استمرت الأمور على هذا الحال فإتنا 
سنشهد مبارزة بالسيوف عن قريب . » 
صفحة من صفحات رواية « الأحمر والأسود » .. مثلما جاء أيضا فى هذه القصة 
التى يرويها الأب دو سورد الرئيس الليبرالى الجديد للأكاديمية فى خطاب للمحافظ : 
« .. رأيت الجنرال يتوجه نحوى راكبا حصانه ويصحبه عدد من الضباط فأسرعت 
بوضع يدى على قبعتى لتحيته وإذ به بدلاً من رد التحية يقول لضباطه [..] بصوت 
عال : 
« إذا فى الطريق صادفت وغداً صح عالياً : إنه صديق شويان » (4) 
هل تعدى دوناديى الحدود ؟ يتردد فى باريس أن نجمه آفل . من جان - قرانسوا 
إلى أخيه : 
« يزداد الجنرال الجليل سعيرا من يوم لآخر . إن مقته للمحافظ وصل لدرجة أته 
يتيق سوى خطوة واحدة قبل أن ترى المتطرفين يعملون تقتيلا فى الليبراليين . إذا 
حدث شر وسقط المحافظ فإنى أرى أن أى أمل فى السلام والهدوء سسيكون 
مستحيلا . إننا نقف جميعا على الأشواك . » 
وصل نياً إزاحة دوناديى عن منصيه فى نهايه الأمر إلى جروتويل فهو لم يكتفى 
بدقعه سكان جرونويل إلى فقدان حلمهم بل ضلع فى باريس فيما أسمى « بالمؤامرة 
على سطح الماء * » مع شاتويريان : 
« ... كنا فى انتظار التخلص منه خلال الليل . إلا أن المسعور رأى أنه من واجبه 
أن يجعلهم يدفعون ثمن تجرأهم عليه وأن يكون خروجه بضجه . فهلى الرغم من 
سوء الج الشديد فقد أمر يجمع الحامية العسكرية بأكملها فى ساحة السلاح [...] 
كان المتطرفون قد قاموا طوال الليل بلصق الإعلانات التى تحض على الثورة إلا أن 


+ التى استهدفت فى منتهى البساطة خطف املك . 


309 


ذلك لم يكن له أى أثر. منذ أن غادر الرجل العظيم الجميع يضحك ويغنى دون خوف 
من إثارة شكوك الشرطة . لقد كنا عاقلين « فقد نصحنى المحافظ بذلك وكلفنى بأن 
أقول ذلك للأخرين . » . 
« أن أقول ذلك للآخرين»... ! جان - فرنسوا مكلف يمهمة - أى حتى « بمهمات » 
من محافظ الإيزار ؟ قيل ثلاثة أشهر من عودته من « المنفى » هاهى المواطن السيئ؛ , 
الجاكوبى وقد رقى إلى مستوى الرجل الموثوق فيه من ممثل آل بوريون فى جرونويل . 
لقد توطدت بينهما علاقة من نفس نوع العلاقة التى كانت تريط فورييه يشامبوليون -- 
فيجاك قبل ذلك يعشرة أعوام مع فرق بسيط هو أن صاحب السلطة الجديد لايمكنه أن 
يؤثر على العالم الشاب بنفس مقدار التأثيرالذى كان لعالم الطبيعة المشهور على أخيه. 
إيقاف دوناديى عن العمل فى أكتوير 1618 وكذلك دوبينا - وإحلال المعتدلين 
الجترال لودرى ديزيسار وروابيه -- دولوسن محلهم - دعم موقف شويان دارنوقيل - 
وبالتالى موقف « صغير » ولكنه لم يهدئ النفوس . جوقة « الكازينى » بقت على موقفها 
التحفز . خاصة بعد أن حصلت على مناصرة « خطيب الحروب الصليبية » الأب دو 
روزان الذى كان على رأس « جمعية الإرساليات » ولم يكن بعيدا عن الامتقاد بأن 
وجوده فى الدوقينيه « فى محاريه الكفار » ستراه قريبا وهو يتحول إلى العمل . 
« طافئى الأنوار » بدءوا يتحركون . وقف فى مواجهتم حزب الذين يعتبرون 
أنفسهم دعاة الاستنارة وأحد روادهم هى جان - قرانسوا . 
هل كان على صلة بالحركة الماسونية الحرة ؟ إن موضوع علاقة الشقيقين 
شامبوليون بالحركة غامض جداً . ولكن من ذا الذى لايعلم أن هذه الحركة كانت - من 
الأب تيراسون حتى فورييه - على علاقة بكل من يمكن تسميتهم بما قبل علم المصريات 
( عصر ما قبل الإيجيبتواوجيا ) ؟ كل شئ كان يشير إلى ارتباط الرجال المهتمين 
بالأبحاث الاستشراقية بالماسونية - كل شئ من أسرار الوزيس إلى اسطورة إيزيس 
وأوزبريس والبحث عن « النور » الشرقي ٠‏ والطقوس المعقدة المتعلقة بالدخول فى تيار 
الاستئارة الأوروبية من خلال فون بورن وموزار . 
علاوة على ذلك فإن معظم الأصدقاء الجرونويلوازيين الشقيقين من جوزيف 
فورييه » عضى بارن فى محفل « القلوب الأمنيه » إلى شارك رونودون وابنه » ومن هوج 
بيريا إلى أوجوستان تيفونيه ومن بيلون إلى فروسار إن معظم أصدقائهم ومؤيديهم 
وزملاء الشقيقين شامبوليون كانوا أعضاء فى الحركة الماسونية الحرة . | 


310 


كل شئ كان يؤدى يهما إلى الماسونية ليس فقط للأسباب الأيديولوجية والعلمية 
التى ذكرناها ولكن لأن هذا الانضمام كان يلتقى وميول جاك - جوزيف الطموح وجان 
- فرنسو' الليبرالى . أى أين يمكن أن تجعل لك أصدقاء أقوياء ؟ وأن تقيم أقضل 
التحالفات ضد « طافئى الأنوار » و « المتعصبين للكنيسة » و « المتطرفين » . 

إلا أن الإثباتات الدالة على انضمام أى منهما غير متوفرة ويقدر سهولة إثيات 
ارتباط هنرى بايل بالماسونية بقدر استحالة إيجاد مؤشر واحد قيما يتعلق بجاك - 
جوزيف أو جان - فرانسوا . ومع ذلك كم كان التقاخر بانتساب « رجل الأنوار » - بين 
كل الرجال - ضحيه القمع ومن خلال أسرار الطقوس الغامضية والمثيرة للخيال 
للانتساب للماسونية مرغويا فيه من الشقيقين . 

فى مذكرة أرسلها السيد / أ . بيهان إلى جان يويوت - ونشكرهما هنا هما 
الاثنين - والأول هى من الخبراء فى هذا المجال - يستبعد تماماً أن يكون الشقيقان قد 
انضما إلى الحركة الماسوزية فى جرونويل . لايذكر مسيى بير بارال شاميوليون فى 
مقاله :« قرن من الماسونية الجرونويلوازية ( دولا - .هلما ( » المنشور فى 
كراسات التاريخ 16أ0'01510 0311615 65 ا والتى تنشرها جامعة كلارمون - 
فیران P).‏ كان لابد أن يلفت نظره اسم شامبوليون ... مع العلم بأنه ه محفل أصدقاء 
التسامح » تأسس فى جرونويل فی ۱۸۲۲ وهی ینتمی إلى مذهب ميسراييم . ولكنه لم 
يدم طويلاً وانحصر فى بعض الأعضاء المقبولين . إن تجنيد رجل كشامبوليون فى 
جرونويل أو باريس أو فى غيرهما كان لابد أن يذكر بل وأن يشاد يه أيضا . 

فى ١1‏ إبريل ١411‏ وصل جاك - جوزيف شامبوليون فيجاك إلى باريس ويد 
تسلقه الصبور لأسوار القلعة - العاصمة التى القوه من فوقها غداة هزيمة allo‏ . لن 
نهمل أبداً محاولات الأخ الأكبر لأنها تدخل فى إطار الأفاق - يل أنها ترسم الأفاق 
ذاتها - التى ستجرى فيها مجهودات جان - فرنسوا - النهائية من أجل إيجاد حل 
الشفرة . 

التحالفات والانفراجات والمؤامرات والهجومات المضادة وأعمال التقويض وفك 
الحصار ... لقد كانت هذه السنوات الخمسة من حياة شامبوليون - فيجاك ( 1417 - 
١‏ ) الباريسية مثل سنوات الدعوة بالموعظات التى قضاها يوحنا المعمدان على 
ضفاف نهر الأردن للإعلان عن قرب قدوم المسيح . مع فارق بسيط وهو أن العميد 
السايق لكلية آداب جرونويل لم يحظ بسعفات الاستشهاد ولكنه سيحصل على الفشل 


311 


ثلاث مرات ويالتالى الفشل النهائى فى الحصول على عضوية الأكاديمى فرانسين وكان 
من أسباب القشل الرئيسية فى المرتين الأخيرتين بسبب الغيرة التى أثارتها اكتشافات 
أخيه الأصفر , 

إذا نحن اعتبرنا بداية الحملة الباريسية لجاك - جوزيف بمثابة هجوم أولى من 
أجل إعداد أوروبا العلمية لكى تحسن إستقبال عبقرية أخيه فأنها فى الواقع تتلخس 
فى انتصار ضلخم وهو العلاقة الحميمة على المستويين المهنى والعاطفى التى أقامها 
المثقف القادم من فيجاك مع يون - جوزيف واسبيه السكرتير الدائم للانستيتى قسم 
التاريخ والأداب القديمة* لم تكن هذه العلاقة « حب من أول نظرة » بين داسييه والمنقى 
إلى كارسى : فعندما قدمهما ميلان ابعض كان الرجلان يعرفان بعضهما منذ أكثر من 
عشر سنوات كما أن شامبوليون الكبير عضو منتسب للأنستيتو . إلا أنها كانت عملية 
استمالة متبادلة بين الرجلين . 

لقد اتيح لنا أن نتعرف على إمكانات الشقيق الأكبر فى استثارة إعجاب وتعاطف 
الآخرين . وكان صديقه الجديد - داسيه - المشهور والمبجل يتمتع بنفس هذه الميزة . 
كان قد نشر قبل أربعين عاما ترجمة ممتازة لكتاب سيروبيديا لجزينوفون ( محاولة 
سيحاول تكرارها كل من كانت له رغبة دراسة اليونانية ) وبعد ذلك لم يفعل شيئا . هذا 
العجوز الدمث الأخلاق الذى عبر الثورة والإمبراطورية دون أن يخطئ أو يخون . كان 
يكتفى بالإعجاب بزملاءه الشباب ومساندتهم فى أبحاثهم وبالإشادة بهم بعد وفاتهم - 
أعلام العلوم الفرنسية . 

« مسيى دوساسى ترجم [...] مسيق لانجلاس كتب مذكرات مسيو كاترومار بعض 
الجمل المفيدة ٠‏ مسيى داسييه يتلاعب بالكلمات ...» بعض مما كتبه جان - فرنسو! إلى 
أخيه فيما بعد . هذا المتلاعب بالكلمات سيقعل الكثير لصالح المكتشف مع الأخذ فى 
الاعتبار أن التعاطف الواثق الذى يكنه لفيجاك كان قد بين الأمور بوضوح للرجل 
العجوز. 

بفضل ما يتمتع به من الحضور الاجتماعى الخلاق الذى هو مزيج مقن من 
الوصولية وتقديم الخدمات والعاطفة والذى يجعل منه أحد مخترعى مانسميه اليوم 
العلاقات العامة - « وضع جاك - جورزيف يده » على بون - جوزيف . مع إضافة 
تجديد شخصى جدا لاسهاماته العلمية. «هذا السكرتير الخاص » كان يكتب أهم ما 
جاء فى خطب المديح الأكاديمى»التى كانت تثير أى تحافظ على سمعة السكرتير الدائم : 
م أثبت سن . أ . كاربونال بمراجعة أسلوب الكتابة نصاً وراء الآخر , أن مشاركة الرجل 


. الذى سيصيح أكاديمية المخطوطات والأداب‎ Kk 
' كل مهن يقيل فى الأكاديمية يسمى « خالد » [ المترجم]‎ kk 


312 


' العجوز لم تكن تد 86 تتهدى مع مضى الوقت سوى بعض ٠‏ التتعديلات الخطابية » 
وتصحيحات للنسخ 

كما كان داسييه يعتمد على جاك - جوزيف فى تنفيذ مشروع ه عصره » الكبير وهو 
الجرد الكامل« للآثار » فى فرنسا وهو المشروع الذى حاول أن يقنع به بابوليون قبل عشر سنوات . 

.لكن إذا كان اجتهاد الأخ الأكبر شامبوليون قد أعطى لاستاذه العجوز خصوية 
خلاقة جديدة فإن ذلك قد أثار فى نفس الوقت الريبة والأحكام المسبقة . تأثير سحر 
شامبوليون لم يكن قاعلاً على الجميع : لقد أثار نجاحه السريع أكثر من اللازم وتلوناته 
السياسية المختلفة ( على الرغم من أن أحداً فى ذلك الوقت لم يكن لديه دروس يعطيها 
للأخر فى هذا المجال ) ووضع يده بالحيلة على قبطان الباخرة الأكاديمية - أثا, زوايع 
كثيرة مثل تلك التى أثارهما الامتياز الذى منحه الملك لدوكاز . 

عندما رشح عميد كلية آداب جرنويل السايق نفسه لأكاديمية المخطوطات فى بداية 
أبريل * 1414 سانده داسييه بالطبع كما أيده ليونار دو سونيرى الذى كان زميلا 
لاخیه فی الکولاج دو فرانس › غير أن جان - قفرسوا لم يخفى من موقعه فى جرونويل 
مضاوفه à‏ ها أنت الن بين أيدى السادة أصحاب الكرامسى . أرجى من الله ألا ' 
يعاملوك مما فعلوا مع الرفيق فورييه *" أعتقد أنهم قادرون على ... » (۷ أبريل 
04 . 


وضوح رؤيا نابع من الحب الحقيقى : جاك - جوزيف انهزم بواسطة الجهة المكونة 
من الحسودين وطافئى الأنوار وأفضل مثل لهم هو راءعول روشات . هذا الدارس 
المغمور للغه اليونانية فاجمه بول لدى كوربيه - المعروف بأنه من الكتاب السياسيين 
أكثر منه لغوى والذى خسر فى انتخايات الأكاديمية هى أيضا » هاجمه على طريقته : 

« ... مسيى pts‏ روشات هذا المدافع الأنيق عن الكنيسة *** كان قى إمكانه أن 
يتعلم كأى فرد بأن يذهب إلى المدرسة إلا أنه رأى أن ذلك لن يفيده : بشئ ففضل أن 
يعثل عن أن يتعلم . حصل على عشرة وظائف كعالم ولم يتمكن من ممارسة واحدة 
منها علماً بأته حصل عليها ولم يعمل على أن يستحقها 7 » 

* التص الفرنسى !141 - وإكن واضح جدا أنه خطأ مطبعى [ المترجم] . 

** الذى قد فشل مؤخرا فى الحصول على موافقتهم . 

*»*» معروف من الوسط العلمى بأئه ممثل الكئيسة بيثهم . 


313 


باختصار » رفض ترشيح جاك - جوزيف * وألمه ذلك جدا . كما آلم ذلك بون - 
جوزيف أيضا . هذه الإهانة الموجهة لشخص من محاسيبه رادت من ترابطهما . وهو 
ما سیؤدی دورا رئيسيا ليس فى اكتشافات جان - فرنسوا بقدر ما ستؤديه فى 
الاعتراف يعبقريته . كما أن هذا الامتحان الأكاديمى ألقى الضوء الكاشف للعداوات 
والصداقات . فهو إذ غامر بالدخول فى ميدان مكشوف فقد تمكن تيجاك من رصد من 
أين تأتى الطلقات وفى أى موقع تقف الطفاء . كانت إذن معركة كاشقة . فيما عدا 
داسييه إذن ٠‏ لم يكن افريق شامبوليون أن ينتظر أن يأتيه الوون من السادة أصحاب 
الكراسى .... 


بينما كان الأخ الأكبر يتلقى الضربات السيئة بعد أن دخل الأتون الباريسى وهو 
يسعى لتوسيع رقعة ساطاته وعدد تحالفاته - كان الأخ الأصغر يدعم مواضمعه فى 
جرونويل . إحدى مظاهر التعبير عن الاحترام بل عن « السلطة » التى حازها المنيوذ 
القادم من فيجاك بعد عودته إلى جرونوبل بستة أشهر هو تكليفه بمهمة دبلوماسية فى 
ربيع 1814 . كان المطلوب هو تجميع واختيار المستندات المتعلقة بالأراضى التى تردها 
فرنسا إلى ملك ساردينيا والبييمونت . وهكذا ويعد أن تحول إلى مستشار دبلوماسى 
كتب فى V‏ أبريل 181١48‏ إلى جاك -- جوزيف : 
« وصلنى الآن قراى تعيينى كوميسير! للبحث عن مستندات الملكرة والمستندات 
المتعلقة بماركيزيه سالوس وبكارمانيول ** اللتين يطالب بهما ملك سارديذيا . والتى 
قد تكون موجودة فى مجلس المحاسبات [ ..| لابريدون إعطاء صاحب الجلدلة 
الساردية سوى ما هو لازم ولاشئ أكشر من ذلك [...] سوف اجعل زميلى يدفع ثمناً 
غالياً لما يريده *** [...] إذا كنت تعرف أى مواطن سارديني فى باريس أساله عما 
يريد عمله بكونتية سالوسى وماهى العلاقة بين جرونويل وهذا البلد***".., 
وكتب إلى جان فيسييه فى ١5‏ أبريل 


» كما سيرفقض ترشيحه هرتين بعد ذلك فى \AYE yg A1.‏ ۰ 
** موضوع طريف بالنسية لشخص جمهورى النزعة فى خدمة أسرة بوريون . 


*«*»* الكونت كوستا ؛ من جئوا : والذى سيصيح صديقا له وسسيعرض عليه شفل كرسى التاريخ 
بجامعه شوريث وهو ما سيرفضه يعد تردد . 


*#»**» مقاطعة ساقوا أعيدت إلى بلاط توريثى عام 1814 


314 


« أمضى نصف أيامى فى تحزيك أوراق قديمة فى أرشيف البرلمان يحثا عن 
عقود قديمة لها علاقة بتاريخ الدوفينيه . باقى الوقت أمضيه فى مقابلة أصدقائي 
ولايبقى لى سوى نصف سماعة من الوقت لأقوم بقلة قليلة من الغزل لصاحبة الحق قى 
ذلك . » 
« نصف أيامه .» النصف الباقى لايبقى فيه باطلا . دسيلوماسى بالصدفة عالم : 
لغويات بالمهنة . ولكن جان - فرنسوا كان قبل كل . شئ مربياً خلال هذه الشهور وذلك 


أولاً : بصفته معلم أين جاك - جوزيف وهو يريد بذلك سداد الدين القديم الذى 
عليه . 


ثائياً : بصفته مدرس مادة التاريخ فى المدرسة الملكية 

ثالثاً : وأخيرا وعلى وجه الخصوص بصفته مديراً للتعليم التعاونى فى مقاطعة 
الدوفينيه وهى ما كان قد كرس له وقته فى مقاطع اللوت . 

عندما وصف نلك الأيام لصديقه فى فيجاك جان فيسيه اعتبر أكثر هذه 
المشغوليات صعوية » « تعليم » أبن أخيه على « فهو شتت الفكر كال معتاد . أعلمه اللغة 
اللاتينيه وهى عملية ليست هينه . إذا وجدت صعويه بل صعوية كبيرة جدا فى هضم 
ا مياد الأوليه لأى مادة فإنك ستجد صعوية جمة فى جعل آخر يقضمها . ولكن من 
واجبى أن أمر بهذه التجرية . إن الطبيعة تنادى وإنى استجيب .. » 

فی خطاب لأخيه فى نفس العام ۷ أبريل - كتب جان - فرنسوا مشيرا إلى ما 
يدرسه لعلى وكان حينذاك فى التاسعة : « لاتينى » فرنسى ٠‏ قليل من الجغرافيا . قل 
لى إذا كانت هذه الخطة تروق لك .. » عودة لعلاقة الشقيقين خمسه عشر عاما إلى 
الوراء .. 

بالنسبة للتعليم الكلاسيكى كان أمله أن يعود إليه من الياب الواسع فقد أعطاه كل 
من المحافظ ورئيس الجامعة الأب دى سورى « هشيم جامعى نبيل » ؛ الأمل فى أنه 
سيسترد كرسيه لمادة التاريخ . غير أن الكلية المسماة بكلية « الفلسفة » , لم تعد إلى 
الوجود ( لأن الكلمة لم تعجب آل بوريون ) وكان على جان - فرنسوا أن يكتفى 
بتدريس مادة التاريخ فى المدرسة الملكية مقابل مرتب ضئيل ١,8٠١‏ ,فرتكا فى العام . 

كانت مهمته الأساسية التعليمة فى الواقع هى إدارة المدرسة المسماة بمونفلورى. , 
ياسم المكان الذى احئلته مدرسة التعليم التعاونى قبل أن تنقل مع بداية العام الدراسى 
إلى دير قديم بالقرب من جرونويل وكان اسم المدرسة فى البداية المدرسة 
اللائينية . 


315 


يمكن أن نتصور عدد الطليات الملحة التى انهالت عليه قور عودته وكان ذلك غداة 
نداء دويلانتا من أجل التعليم الشعبى - والذى أصيح الهدق الأسمى لمعركتهم وهى 
المعركة التى سيكون هى قائدها العام . وذلك بمناشدة شويان دارنوقيل النشطة ويتأييد 
الأب دو سورد . علاوة على بعض كبار التيلاء الليبراليين ومنهم الكونت دى لاستيرى 
والكونت دى لابورد الذين عيروا عن تحمسهم المشروع .. وكان التمويل متوفرا .. كيف 
إذن التخلص من المسئولية ؟ . 

خاصة وأن طافئى الأنوار أخذوا يوزعون الحرمان من الكنيسة . ولما كان من 
الصعب عليهم أن يعلنوا عن مناهضتهم للتعليم الشعبى فإنهم كانوا ينددون بطريقة 
« مستوردة من الخارج » وتم فرضها خلال « يوم الاغتصاب » على يد « كارنى قاتل 
الملوك .. وعن ذلك كتب صغير لآخية « يطوف ميعوثوهم من محل لآخر . يقولون أن 
الماس ونيين هم الذين أخترعوا هذه الطريقة ... ويذلك يكون من التقوى كفريق 
الإعلانات الدالة على قرب موعد اقتتاح المدرسة التعاونية . 

يالها من قضية يدافع عنها الأب دى روزان . فهو يعلن أن المناولة المقدسة الأولى 
سترفض للأولاد الذين سيذهبون إلى هذه المدرسة وتحول إلى حامى حمى العفاف كما 
جاء فى هذه السطور التى كتيها جان - فرنسوا لآخيه : « قبل أيام قليلة هدد مسيى دى 
روزان بأنه سيأمر يضرب والقتل بالسونكى المتلصصين الذى يقفون عند أبواب الكنيسة 
لشاهدة السيدات وهن خارجات . الكنيسة محاطة بالفعل يجنود مسلحين إنها مهزلة 


م امنا هه 


محشنقنةك . » 


لم يكن صديقنا عالم اللغويات فى حاجة إلى أكثر من ذلك ليندفع إلى ساحة 
الصراع . يدأ تسجيل أسماء التلاميذ مع بداية العام 1414 . وجاء النجاح باهراً . 
وفی ٠١‏ إبريل كتب «صغير» لصديقه جان فيسييه يقول : « أدير مدرسة للتعليم 
التعاوتى أقمتها فى مدينتتا على الرغم من صصياح طافتئى الأنوار* الذى لم يمنع أن عدد 
الأولاد المسجلين بلغ اليوم ثلاثمائة وأن المدرس الذى عينته ممتاز » 

المسئولون المباشرون للمدرسة مونقلورى كانوا ثلاثة من أصدقاء جان - فرتسوا : 
الشقيقان فروسار ودوران وقد جمعوا المدارس التى كانوا يديرونها . أما هى فكان 
يكتفى بالتدريس وكان يرسم جداول تعليمية ملونة الغرض منها جعل التعليم محيبا لدى 


» أشار إليهم فى الخطاب يثلاثة أقماع وهو الرسم الدال على معدة إطقاء الشموع . وهى يكرر ذلك 
باستمرار . 


316 


الأطفال يجذبهم له سحر الصور الملونة . أشرك معه فى هذه العماية صديقه المثال 
تريول الذى أسس معه ومع جوزيف رى الجمعيه اللببرالية السرية المسماه «الاتحاد» . 
فى بعض الأحوال كان ذوى الرداء الأسود يعرفون كيف يدعمون التعليم الشعيى : إذ 
أنه عندما افتتح مدرسة فى قيف بالقرب من منؤل الأسرة دهش جان - فرنسوا 
بحصوله على تأييد قسيس الكنيسة وكذلك تأييد زميل له من قرية مجاورة sale.‏ | 
الأتوار ليسوا جميعها فى جاتب واحد ... ومع ذلك فإن قرارات العزل الكنسى الصادرة 
من الحزب الأسود أخذت تتضاعف بالنسبة لهم . واعتبرت مدرسة مونفلويرى وكرا 
حقيقيا الجاكوبيين مما جعل مسئول المارسة ال لكية يهددون باتهم سيعزلون جان 
HY‏ . ما الذى كان يمكنه أن يحفذه أكثر من ذلك ويريطه يصورة 

وثق بهذا « الدير» التعاونى الذى تنتشر فيه الأنوار بدلا من رائحة البخور ؟ 

إنه كان يريد أن يكون مربياً وهى يتمتع بالموهبة لذلك . ولكن هل كان مرييا حقاً 
حتى التخاع ؟ 

لقد سمعناه يتأفف بعض الشئ يخصوص «على». أما بخصوص مونفلورى فنحن 

« لم تعد هناك سعادة فى التعامل مع الأولاد أكثر من التعامل مع الرجال » . 

بعد قليل يعيد جان - فرنسوا شامبوليون اكتشاف غذاء قلبه وروحه » سنجد 
مراسلاته امتلات وفاضت فجأة بإشارات وأشكال مرسومة كما لى أن النيل غمرها فى 
مصر فوقه كالشمس محلقة مسيطرة ساحرة بل مبهرة لدرجة تحجب الرؤية تماما ! 
مصر .. 

هذه السنة 1814 التى تقع بين الانسحاب إلى فيجاك وعواصف 187١‏ السياسية 
تعتبر إحدى أكثر الفصول إشراقا فى حياة المكتشف . فقد ظل لمدة ثلاث أو أربع 
سنوات أسير السياسة ( أو التاريخ ) التى استحوذت على فكره تماما . ثم تلاها 
التعليم .. هاهى يسترد أنفاسه الآن دون أن يستغنى عن أى منهما وراح يديم النظر فى 
اللغرز ليحلة . 

كما يحدث فى كثير من الأحيان معه قإن التعبير يبدأ بالثورة ويالغضب : ui‏ 
خطاب يتاريخ / أبريل ١818‏ إلى جاك - - جوزيف يعبر عن « غضبه » لأنه لم يتلقى 
« صورة مشفوفة من التص الهيروغليفى لحجر رشيد » مضيقا بمرارة : « إن هذا 
يكيلنى تماما » يداى وقدماى ... » قدماه؟ ممكن ولكن الباقى لا : ويشهد على ذلك بیان 
الانتصار - الجزئى - الصادر ضمن خطابه لشاميوليون فيجاك الذى كان قد نقل له 
الاهتمام الذى قال فورييه أنه يوليه لأعماله . هذا الخطاب مهم جدا وأساسى : 


317 


« أسعدنى جداً أن يكون مسيو فورييه مهتما بدراساتى الهيروغليقية . أعتقد 
أن ذلك يسترعى الاهتمام [...] سأتمكن فى نهاية الأمر من وضع الكلمة الفرنسية 
المقابلة لكل رسم هيروغليقى مستخدماً الصورة الزنكوغرافية التى وفرتها اللجنة* 
[...] أعرف الآن أين ببدأ وأين ينتهى النص الهيروغليقى بالنسبة للخط المكتوب أو 
اليونانى المقابل له . وسوف أثبت أن الثاثين على الأقل ناقصان ... » 
يذهب مكتشف لغن الهيروغليفية المتحمسش فجأة إلى أبعد من تقريره عما قام به 
حتى الآن إذ أنه يقدم رؤية شاملة للعمل الضخم وإعادة نظر أخرى فيما فعل إنها 
« دراسة فى الأسلوب» ** الخاص يه » : 
« لايوجد فى عملى شعوذة ولا أسران . كل شئ يأتى نتيجة للمقارنات وليس 
طبقا لنظام مسبق . لقد اكتشفت أدوات التعريف والقرد وجمعه ويعض حروف 
العطف إلا أن كل ذلك لايكفى لتحديد النظام الذى تقوم عليه هذه الكتابة » أن نتائج 
عملى قلبت رأساً على عقب جميع أفكارى التى كنت كونتها عن الهيروغليفيات حتى 
الآن .أعتقد إنه يجب العودة إلى ما قاله كليمان السكندرى *** » فيما عدا بعض 
التعديلات الطفيفة . إلا آتى لايمسكن أن أصل إلى النهاية دون صورة اللجنة 
المشفوفة . 
لم ننتهى بعد من هذا الخطاب الكاشف إذ يجب أن نذكر أيضا هذا الاعتراف - 
الذى هو أيضا بيان بأهدافه موجه لأخيه وأستاذه حيث نكتشف بوضوح طبيعة الرجل 
التى هى مزيج غامض من الرومانسية ( قبل ظهور التيار الرومانى ذاته ) ومن جسارة 
الفرسان ومن الزهو مع وضوح القكر وصفاء النفس التى يتسم بها آهل الجنوب ليس 
ذلك فقط بل يكشف أيضا « سياسته » العلمية وما يسميه « منظومته الأخلاقيه 
وألدينيه » **** 
کان أخوه قد ذكر له احتمال نشر كتابه عن قواعد اللغة القبطية الذى آثار اهتمام 
نابوليون لدى مروره بجرونويل فى بداية الأيام اللمائه ( كان الأخ الأكبر يشعر أن 
بإمكانه تحريك الجبال لولا الأكاديميات .. ) وجاء رد «صقير» كالأتى : 





+ لجئة مصر الموضوعه تحت مسئواية جومان وهى التى تتوالى نشر وصف مصى منذ 1۸۰4 ولم يکن 
جان - فرنسوا يكف من انتقاد ما تنقله من هيروغايقيات مما سيؤدى فى النهاية إلى خصام جومار معه . 

en‏ عنوان الكتاب الذى أثقه ريثيه دیفارت فی ١٦۳۷‏ والذى يعتبر منعطفا هاما فى تاريخ الفلسفة 
[ المترجم ] 

عي راجع التصل ٠١‏ 
جعده التى تستعبر من الروحائيات البوذية بعض أقكارها كما يتضح هن يعض الإشارات المتثائره فى 
مراسلاته . 


318 


« أعتقد ياصديقى العزيز أن ليس هذا وقت التفكين فى ذاك ولا هى الموضسوع 
املح . وعلى العموم فليس لدينا المال لذلك . ولا أرى داعيا للإستدانه" فى هذه 
الأوقات العصيبة التى نعيشها . يجب أن نركز تفكيرنا فى مستقبلنا الجسدى أما 
المجد فسياتى عندما يريد [...] أما الشهرة فإنى أسخر منها بكل عواطفى . ليست 
هذه نكثة بل هى التسلسل الطبيعى لنظامى الأخلاقى والدينى . أنه يرتى إلى الراحة 
النقسية ويؤدى إليها دائما . [ ...] على الرغم أنى لم أعرف حتى الأن لاراحة الجسد 
ولا الفكر ولاحتى راحة القلب . يعتبر هذا الأخير الجانب الضعيف وللأسف بالنسبة 
لى فيبدى أنه هو الذى يقود وجودى كله ** هذا هو قدري ... 
إذا كانت لدی إمكانات نشر شئ فسيكون ذلك دون أدنى شك هو ى ئى المتعلق 
بالهيروغليفية . فذلك فيه بعض الإثارة ولعله يحرك فضول عالم الآداب ألا ع يبدى لى 
فى ثبات عميق . أما ما آراه الأن من تحركات فإنها تبدى لى على الرغم من حيويتها 
شبيهة بتحركات من يسير أثناء نومه على الرغم من أن عينيه مفتوحتان .. » 
نجد كل شئ فى هذه السطور . هل يجب أن ننظر إلى هذا الخطاب على أنه 
وصيته بعد أن بلغ ثلثى عمره كله - جان فرنسوا كان فى الثامنة والعشرين عندما كتب 
الخطاب ولم يبقى أمامه سوى أربعة عشره سنة ... ففيه نجد وضوح الرؤيا . والحزن 
والاسلوب المتحمس وهذا التواضع الشكلى الذى هو قمة التعبير عن الزهو وهو ما 
جعله يصف عمله « بالإثارة » علماً بأته يلتهم كيانه كله ويتسامى به ؟ 
أرفق بهذا الخطاب ورقه ضمنها مائة من الأشكال الهيروغليفية ومعها تراجمها 
بالفرنسية تقريبية مثل الصحراء - المملكة - المعبد - التمثال - الألهه ... مهما كان 
هذا المستند غير كامل - إذ يجب أن ننتظر أريع سنوات أخرى من المجهود المستمر 
ووصول بعض القطع الأساسية التى وصلته من مصر قبل أن تنتشر الأنور - فهو 
يعتبر - هذا المستند - مسودة إكتشافه النهائى . ثم أنه يضيف عموديا فى الهامش 
ملحوظه أساسية بالنسبة للخطاب والورقة المرفقة : « لا داعى لأن أوصيك باستخدام 
الورقة المرفقة بحيطة كبيرة فالمتلصصين ليسوا نادرين . إن هذا السطر يكفى لإعطاء 
المفتاح لكل الباقى » يمكنك مع ذلك أن تريها لفورييه (8). » 


+ هى المدقق هذه المرة ٠‏ 
** سيتزوج جان -- فرنسوا بعد ذلك بستة أشهر . 


319 


لقد أصبح «صغير» داخل المعيد - فى قاعته الخارجية نعم ولكنه فى الداخل 
بالفعل ... وها هى الأن مغطى بالتراب المقدس وسط النخبة المختارة - لكن سيكون 
عليه قيل الصعود الأخير ودقع الباب المغلق النهائى أن يمر عبر تقلبات عديدة عرفها 
القرن . إلا أنه كان يعلم قى هذا الربيع من عام أن الاشارات الدالة على الطريق 
قد وضعت ليسلكه حتى النهاية وأن « الراحة » التى يصبى إليها لن يعرفها غداً وأن 
القدر قد مسه بمخاليه المصتوعة من حجر . هل يمكن أن يسبقه أحد ؟ الإشارة 
كانت واضحة . 


. فى الرابع والعشرين من يوايى 1414 عقدت جمعية العلوم والفثون في جرونويل 
مقيما ف ۰ له يكن قد حشر الجاسات مثذ شمين نوات ت إلا أنه أعلن فى ذلك 
اليوم أن لديه مداخلة هامة ومع ذلك فإن الحضور لم يكونوا بكشرة : ستة أكاديموين 
فقط ومنهم الجنرال العزيز دولاسالات .. « القله السعيدة » كما يقول ستاندال” لقد 
إستمعوا إلى بعض الإكتشافات . لم يصل لنا من صداها لتا سوى النذر القليل واكنها 
نقلت مع شئ من التفصيل ضمن الخطاب المرسل لجاك جوزيف فى ۱۸ أبريل . 

لم يكشف لنا أرشيف الإكاديمية الجرونويلوازية الكثير عن هذا الموضوع . إذ 
يذكر به أنه جرى الإستماع لتقرير نايع من اللجنة الزراعيه فى بوردو حول زراعة 
البطاطس بالاضافة إلى أريع مداخلات : QUI‏ من ديرياسان يرى - عن « مقطوعاتث 
من تاريخ القانون الرومانى »و« ثلاث خطابات لم يسبق نشرها لثولتير » ومداخلة من 
» مسیو كوستا » کومیسير ملك ساردینیا » ( نظیر جان فرانسوا فى الحوار الدائر 
حول مركيزية دوسلاوس ) ومداخلة من « مسيى شامبوايون الصغير » عنوانها « شرح 
لجزء من نص حجر رشيد . هل أثارت هذه المداخلة أى ضجه ؟ كتب محرر محضر 
الجلسة بتسطيح مثالى ما يلى : 

« قرأ السيد شامبوليون الصغير أجزاء من شرح لحجر رشيد المشهور . بل إنه 
أوضح شرحه على صورة رسم عليها رسوما هيروغليفية من السطر الأول والأخير من 
الخنص » ويعد أكثر من قرن من هذا التاريخ كان تعليق الكومندان ج ودار على هذه 
الجلسة التاريخية أكثر حيوية : 

» شاميوليون هو بلاشك مؤسس الإيجيبتواوجيا ( علم المصريات القديمة ) . 
الحركة العلمية التى تلت إكتشافاته [...] بدأت فى فرنسا فى جروزويل وأتجرأ فقول 
فى الأكاديمية الدوقينية فى 4؟ يوايى ۱۸۱۸ . من حق جمعيتنا إذا أن تفتخر ..» (9) 


"Happy Few" *‏ بالإنجليزية فى النص [المترجم] 
320 


مبالغات ؟ بالطبع هى كذلك لأن جان - فرنسوا عام ۱۸۱۸ کان لايزال يعيداً عن 
هدقه . إن « هذا الميلاد » الذى ذكره الكوماندان جوستار لم يكن سوى الإرهاصات 
الأولى لعملية الولادة ولم يكن الميلاد قد تم فعلا . فلى أنه توقف عنه هذا الخد المذكور 
فى خطاب شهر إبریل وفى عرضه الذى قدمه فى يوليى 1814 لكان بدى اليروفيسور 
جان - فرنسوا شاميوليون كأحد الرواد العبقريين متله مثل كيرشار وزوريجا Es‏ 
وأكربالد . فى مرحلته الجرونويلوازيه كان شاميوليون قد لحق بهذه المجموعة وكان عليه 
بعد ذلك إن يتقدم عليها . 

يجب فى جميع الأحوال أن نسجل هنا أن هذا المعلم الشاب المقيم فى محافظة 
بعيدة عنه باريس الذى لم يؤلف سوى كتاب وأحد هىم مصر فى عصر الفراعتة » وهى 
كتاب أوضح فيه أنه محاولة أرسم صورة فقط للحياة المصرية الفرعونية » كان على 
الرغم من ذلك واحداً من مجموعة دارسى مصر القديمة الذين يشار إليهم على أنهم 
الأساتذة الكيار فى مادتهم .وى «صغير» هو الذى توجه إليه قنصل انجلترا فى 
الاسكندرية هنرى سولت يخطاب توصية بالرحالة الفرفسى كايو ( والذى سثلقاه Ca‏ 
بعد ) لأنه « بفضل إكتشافاته الأخيره فى هذا اليلد قد شرف نفسه ووطنه » . سولت 
سيكون له دور مفيد ومثير للإضطرابات أيضا فى بقية القصة إذ أنه أحد الرجال الذيم 
كانوا بيدهم مفاتیحها . 

كان جان فرنسوا إذن ينظر إليه على أنه أحد الذين تطلب متهم الضمانات والذين 
بواسطتهم تحصل على الشهرة ... هل عومل تيوتن هكذا قيل التفاحة أى جوتنيرج قبل 
مطبعته ؟ 


كان قلب صديقنا الشاب كما قال لنا هو « نقطة ضعفه » لقد كان مثل يلانتا 
المجنون يخطئ دائما من هذه الناحية . لقد أحب شان - مارتان الذى أصيح من 
البداية ولويز التى تزوجت من آخر . وماذا عن أوجوستان ؟ « ماما الجميلة »فى 
فيجاك ؟ نعم هنا قلبه لم يخدعه . ولكن ماذا عن روزين ؟ 4 يعتقد أنه يحيها -وهى التى 
كان يرمز لها بحرف ر فى خطاياته لتيقونيه .. هل كان فى إعداده للإقترا تران يها نوعا 
من حب التغفلب على مقاومة شخص غبى ؟ إن كلود بلان لايريد مصاهرته ؟ إن فى ذلك 
سببا وجيها لكى يكون ألمافيقًا ضد هذا البارتولى . إستمر تاجر القفازات فى مراوغته 
طوال خمس سذوات وهو باق على إصراره . وطوال هذه السنوات الخمس كانت روزين 


321 


تراسله وتؤكد له بالقدر الذى كان مسموحا لبنت مثلها أن تفعله عن تعلقها به . فكيف 
لايتاد شر هو يذلك فى الرقت الذى صده فيه العديد من الئاس وتفى وحورب وحسد وكره ؟ 
لم يكن لرفض عم يلان له من تأثير سوى أن يزيده عنادا . لكن رفض جاك - 
جوزيف كان من الممكن أن يثنيه عن مشروعه . لكن أخيه الأكبر » أستاذه والوصى عليه 
لم يعرق فى أوقات كثيرة كيف يجد من أندفاعات قلب المراهق بطريقة متوا متوازية . ولكن 
هذه المرة كان يإمكان حججه أن تكون dei‏ . هل روزين هى الزوجة التى يرغب أحد 
العلماء قى الاقتر تران يها 5 ما الذى تعرفه ؟ هل تتمتع بحسن التمييز المطلوب ؟ 
بقية القصد تجعلنا نميل إلى تأكيد رأى الأخ الأكير . إلا أننا نسجل ونحن نحاول 
أن نضع الأمور فى إطار ١۸١۸‏ أن ما نعرفه عن زويه بيريا وأبنة خالها روزية بلان لا 
يدعمان نظرية جاك - جوزيف . إن خطابات الأولى تعكس ضحالة التعليم ( وهى 
تنادى زوجها ياسم الاسرة شاميوليون كما تفعل النساء البورجوازيات فى مسرحيات 
( لابيش ..) غيرآن ذلك لايقال البتة من ذكاء أكيد فى فهمها للناس وأمور الحياة . هل 
هى أكثر ثقافة من روزين التى كانت تلح فى طلب قراءة روأية هيلويز الجديدة ؟ كلا بل 
إن المرارة التى كان يكنها الأخ الأكبر لروزين قد يكون سببها أنها كانت أكثر علما 
ومع ذلك فكم هى واهية الحجج التى يسوقها «صغير» للرد على تلك التى تجعل 
قيجاك يضغط عليه بها لكى يعدل عن هذا الزواج متها وأن يلحق يه قى باريس : 
« أنا معروف فى جرونويل .كما أن لى يها أصدقاء وسمعة طيبة : مكانتى فيها 
مستقرة وليس بها ما يدفعنى إلى الشكوى . وسأقوم هنا بأفضل من باريس 
بالأعمال التى خططت لها [..] كنت أفضل ألا أكون ولدت من الأصل مادام من 
الصعب على أن أرضى فى نفس الوقت كل الأشخاص الذين أحبهم كثيرا . إبق لى 
على صداقتك كلها ! لعل أقل الأوقات استحقاقا لها هى التى أشعر فيها لأى درجة 
هى ضرورية بالنسية لى وكم سيكون قاسيا على أن أراها بدأت تهون ... » 
باختصار ... فيعد أن أطاح « جان - فرنسوا » يتحفظات حماه وفضل عدم 
الاستماع إلى تحذيرات « مرشده الروحى » تزوج بروز ( وكنايتها روزين ) بلان فى ؟ 
ديسمير 1481١6‏ فى كاتدرائية جرونويل - الذى لم يتمكن الأب دورزان من منع دخولها 
على هذا الشاب ( خاصة وأن عديله هوج كان فوق ذلك كله عضوا فى الصركة 
الماسوتيه ) . 


322 


قبل أسبوع من هذا التاريخ جرى أمام مسجل عقود جرونويل التوقيع على عقد 
زواج السيد / جان -- فرنسوا شامبوليون « الضايط بالجامعة الملكية وأستاذ التاريخ 
بالمدرسة الملكية بنظام الدوطه على « الآنسه بلان » التى تقدم له بخلاف جهاز محترم 
للعروس ضويلة بنظام اللقدم على الميراث » - مقدارها ثلاثون ألف فرنكا - وهى مبلغ 
كبير جد بالنسية لذلك الزمان * 
ولكن كيف لاندهش إزاء تغيب على الأقل بين الشهود- ليس فقط جاك - 
جوزيف ** وجميع أعضاء الأسرة فى فيجاك واكن أيضا جميع أصدقاء الأستاذ الشاب 
فيما عدا هوج بيريا وبريزون.موضوع آخر مثير للدهشة وهو بقاء الزوجين دون أطفال 
لدة سته أعوام تقرييا - وأن الأب سينتظر مدة شهرين قبل أن يحضر لرؤية طفلته 
زورابيد وكان ذلك خلال توقفه فى جروذويل وهو قادم من ياريس فى طريقه إلى 
تورينى . 
- بنفس قدر عدم سعادته كإبن لم يكن جان - فرنسوا زوجا سعيداً هذا القلب 
المتنجج لدرجة شرهة والتى كانت كل خطاياته أكثر دفئاً وإلحاحاً وإنفتاحاً من مراسليه 
لم يعرف مع زوجته ( يقدر ما توفره لنا الشواهد ) سوى تبادل عاقل ومعتدل فى 
العلاقات وفى الأمور المثزلية . أن تكون روزين قد أحبته واعجيت به فليس فى ذلك شك 
ولكن أهم ما يميز خطابات روزين بالنسبة للباحث فى سيرته هى وجودها أصلا ضمن 
المراسلات الضخمة لشاميوليون الصغير . 
جاء الوصف الأكثر بلافة لقصة هذا الزواج التعيس شمن خطاب له موجه 
لصديقته الإيطالية أنجيليكا بالليى*** : 
« فى يحكى عن السعادة يایزلي. , **** أخطات مثل كثيرين مثلى ]...[ لقد عشت 
حياتى كلها وأقمتها على أساس أن اعتقادى الراسخ أن الإنسانية التى سارتبط بها 
أن يمكنها أبداً أن تملا قلبى . قير أنى إضطررت إلى ذلك ريما بسبب مراعاتى 
الزائده جداً للأصول ... عندما كنت لا أزال صغيرا جدا فى السن وجعلتنى العلاقات 
العائليه أقابل أناييس”**** مرات عديدة . كانت تتمتع وهى فى السادسة عشرة يكل 
المزايا الخارجية وبعقلية مثقفة وانفتحت على العالم بالبساطة وعدم الثقة بالتفس 
الناتجة بالطبع عن تربية تلقتها فى مؤسسة تكاد تكون رهبانية. أثار إهتمامى 
الشديد يها عدم خبرتها وسذاجة تصرفاتها وكما أنى أصيحت محور إهتمام أناييس 
فتعلقت بى بالقدر الذى آتيح لها ...» 


+ على الرغم من أن المبلغ ام يسدد بالكامل من قبل إلجا فإن ذلك يمثل دخلا مقداره أربعة ألاف فرنك 
... أى بحبوحة لايآس بها . 


** فى حين أن زويه كانت حاضرة ووقعت . +++ راجع القصل ٠٤‏ 
#++» كثاية أعطاها لانجيليكا ياللى . دع ا كتاية عن روزين ٠‏ 


323 


اعتقدت أناييس وقد سحرتها أشكال وتحركات المجتمع أن السعادة تكمن في أن 
تيدى سعيدة وظنت أنها ستجدها فى إرضاطا لذاتها وتجاحاتها فى الصالونات وهو 
ما يتحول إلى غرور . هذا هو المازق الذى تقع فيه معظم نسائتا القرتسيات ولم 
تشذ أنايس عنه فى ذلك . قرأت العالم من خلال تظرة مختلفة عنى ويحثت عن الهناء 
خارج المشاعر الصادقة وداخل إطار من أشخاص لم يعرفوه قط . كانت متعلقة بي 
ولكن على طريقتها ؛ وعلى الرغم من قتور عواطفى الواضح فإن ذلك لم يمنعها من 
أن تظهر على العلن لم هى تفضلتى . لقد فعلت كل مأ يمكن دون جدوى لكي أشعرها 
بعدم توافق شخصيتنا . 

الظلروف السياسية عامى 1414 و ٠۸٠١‏ حدثت فى هذه الأونة وساهمت قيها 
مضطراً بقدر كبين نشط [...] خسرت كافة وظائفى . ثم أعتدى على حريتى بعد ذلك 
بقليل وإضطرت إلى الحياة فى Bal QU‏ تسعة عشر شهرا وعلى بعد ٠١١‏ فرسخا 
من مدينة اعتقدوا أن فى وجودى بها خطرا ليها . 
مشرد زواج لم يكن هناك ما يفرضه وام يكن يبشر يسعادة لى من الطرقين . كنت 
مضطهداً فى ذاك الوقت : فوجدت قى تعاستى سبياً نبيل لإصرارها [...] على 
العلاقة وذلك على عكس رغية أسرتها [...] كاتت أناييس تعيسة بسببی . هل کان 
من حقى أن أتردد . خط الواجب كان محددا أمامى . رياط لايقصم جمعنا [...] 
تعلقت أكثر بالدراسه [ التى أعطت ] معتى لوجودى ... » 

هل كان ذلك من أجل تقيتم الصورة لكى يثير أعجاب منافسة لزوجته ؛ جائز ولكن 
الوصف مقتع . 


تزوج » ۰ أستقر » لا ... إذا كان الاستقر قرار هى الوصف الذى يطلق على 
موان فی سلو قو يتيع Blu‏ مع وضعه كأستان - يرجوازى . إذ 
يمكن أن تصبح من الأميان وتبقى ثائراً ... وبالفعل إستمر المواطن شامبوليون يشد 
إهتمام ويثير قلق السادة أعضاء « الكازينى » والجمعية الدينية 0019176081100 
والمخبرين الذين نشرتهم المحافظة فى جميع أنحاء مدينة جان بول ديدبية وجوزيف رأى 
وهترى يال" ... ويدلا من أَنْ يهداً زاده اليسر المادى ميلا لمشاكة السلطة القائمة . 

علاوة على ذلك بدأت صحته تتدهور. فقد زاد تكراى نويات الدوار والدوخة الغثيان 
التى تنتايه منذ أكثر من عشر ستوات أين هو هذا « النوم العميق الفلاحى » الذى 
كان له حتى الآن أفضل دفاع ضد المرضر . كانوا يعالجونه بواسطة العلقات . ثمان ثم 
عشرون ثم ثلاثون . كان ذلك يرهقه جداً ولكن قدرته على التصارع مع المرض بقت 
متوهجة : 


* الذى سيمضى عدة أسابيع فى جرونويل بمتاسبة وفاة أبيه خلال صيف 1811 . 


324 


Gi La «‏ معافى منذ يومين . الدم الذى كان يتراكم بخبث فى رأسى قمعته 
أريعون علقة بعنف . لقد تم ترويضه كما سيتم قطع الرعاع الفرنسيين الذين 
وصل بهم التبجح أنهم يرفضون أن تقص رؤسهم على يد الأريستوقراطيين 
الطيبين » 
طالما أن الأمور فى يد المحافظ المختار شوبان دارنوقيل فإن صاحب « نخب 
إلى الجمهورية » فى ١4١١‏ يقف ساكنا تقريبا . ولكن بقى « الاتحاد » ملتفاً حوله 
فى وجوزيف رأى والمثال تريول أحد مراكز الليبرالبية الدوفيينية يقطن كان أحد الأماكن 
التى يأوى إليها المتمرد ذى الأفكار السيئة . ومن المعتقد أنه هى الذى ألف« ترئيمه » 
رلها مدندنا بمناسبه مظاهرة دينيه نظمتها إرسالية فرنسا التى يديرها الأب روندان 
مع « المتطرفين » . وقد لاحظ الليبراليون أصدقاء شامبوليون وجود بعض «٠‏ الثويين » 
المتطرفين من أيام الثورة فى الركب الدينى بعد إستمالتهم واستقلال سذاجتهم إلى 
الصفوف المقايلة : 
جاكوبيون فى ثلاثة وتسعين 
تحولوا عن مبادئهم برشاقه 
فهم اليوم قى حمية الجمر 
حاملين صليب الإرساليه 
وبالرغم من مظهرهم التقى وسط الجمهور اللئيم 
داندى : داندون 
الطاقيه الحمراء تحت السوداء 
داندى - داندون [...] 
حضرت الفيكونتيسة التى 
فطمتها عن العصا* لمدة شهر كامل 
حنان الزوجيه يمناسبة الإرساليه المقدسة 
ووقف ضابط بجانبها 
لإضافة المرح إلى المسرحية 


* إشارة إلى ها كان يشاع عن أن الجنرال دوناديو كان يضرب زوجته . 


325 


داندی - داندون 
داندى - داندون 

هاجم «صغير» عديداً من الناس : أهل السيف والكنيسة وكذلك الساسه الذين 
غيروا مواقفهم والرجال المخدوعين و« طافتئى الأتوار » وأهل المجتمع أليس فى ذلك 
الذى لابد وأنه أخذ يتسا متى سيعود تلميذ الليسيه المشاغب فى عام ۱۸٠٠‏ إلى 
رشده ؟ ولماذا يصر على أن يزامل خلاصة ما فى جرونويل من عقليات سيئة ؟ 

وأكن « صغير» لم يعد صغيراً . لقد كان أصلاً وهو فى الخامسة عشرة غير قابل 
للإنقياد وهى اليوم يحتد فى رد فعله : « إنك تسامحنى على الأذى التى سببته لك وأنا 
أسامحك على ما لاأسامح عنه أحداً : وهى الظلم [...] إنى أتحدى أن يذكر أحد بيتاً 
أكون قد دخلته منذ زواجى فيما عدا المحافظة ! » 

حسن ! ولكن لم تعد المحافظة فى ذلك الوقت ضمانة بورجوازية حتى إن الجنرال 
دوتاديى قد بلغ به الحد أنه كان يصف جميع الذين يرتادونها « بالأرغاد » وغلی 
الرغم من ذلك إستمر المحافظ شويان دارنوقيل متمسكاً بمواقفه فلم يحسن أن يظهر 
فى العلن بصحبة من كان يطلق عليه لقب « رويسبير جرونويل» أى شامبوليون الصغير 
بل أكان لايابه بآن يوصف هو ذاته بأنه جاكويى عندما إصطحب معه الأستاذ الشاب 
فى لوج الأويرا الخاص به . 

للأسف وقعت ثلاثة أحدات متتالية فصمت الثنائى شويان - شاميوليون » وأعادت 
إلى الأذهان ذاكرة مرحلة الإرهاب الأبيض الذى أجتاح الدوفينيه عام 14١٠6‏ . فقد حل 
دوساز محل موزليقى ويامفيل - لاكروا محل دوناديى أى المركيز دويلا نيلى دولاثالات 
محل بننا ٠‏ إذا كان « الكازيتى » قد بدأ يصدأفأن عجلة « الروليت » فيه كانت لازالت 
دائرة وتوزع أضرارها . 

فى البداية هذد انتخاب الجمعية الوطنية الجديدة التوازن الهش القائم منذ سنتين 
فى جرونويل بين المتطرفين والليبراليين . سبق لنا أن أشرنا إلى أن لويس الثامن عشر 
كان قد حل فى عام ١١۸«البرلان‏ المفقود» خاصة أنه قد كره تطرفه منذ البداية 
وكانت جولة الانتخابات الجديده ستجرى فى سيتمر 1819 ... فما هى ياترى الدور 


, (10( 


326 


السيئ الذى تعده « جروليبر » ( جرونويل الليبرالية ) هذه المره لأسرة بوريون ؟ 

لم يكن سيئًا فقط بل شنيعاً ! إذ إقترح جوزيف راى - صديق جان - فرنسوا 
وزعيم جمعية« الاتحاد » ترشيح الأب جريجوار المشهور وهو الأسققف السايق 
الدرستورى وأحد أشهر شخصيات الثورة ( ولكنه لم يكن ضمن مئ قتلوا الملك ) وكان 
أيضا من معارف الشقيقين شامبوليون ... محرر اليهود ومحرر المستعمرين . مع هذا 
لم يحضر حتى إلى جرنويل للقيام بالدعاية الانتخابية ولكن كان لإسمه وحده ما يكفى 
من إشعاع لكن ينجع وبمساندة من المتطرفين الذين كانوا متلهفين على توجيه صفعة 
لحاشية الملك المعتدله : أنظر إلى أين تؤدى الانتخابات الحرة !! 

علقت صحيفة « لوجورتال دى دييا ٠‏ على ذلك بقولها « فضيحه فرنسا ! عار 
الإيزار » .. وألفيت نتيجة الانتخايات : وكانت النتيجة أن الذى انتخب هى أحد زعماء 
الليبرالية الدوفينيه كامى تيسار - الذى كتب عنه ستاندال أنه لم يسامح نفسه قط لأنه 
حقق الثراء من صناعة مشروب الراتافيا .. هذا النوع من الأحداث لايخرج منه محاقظ 
سليما ! إضطر شويان دارنوقيل المسكين إلى أن يحزم حقائيه . وإذ هى يستعد للرحيل 
جاء نیا مصوع الدوق دوييرى وكان هو الذى سيرث العرش , مطعوناً يبخنجر فى ١7‏ 
قبرایر ۱۸۲۰ وهى حارج من دار الأويرا على ید عامل إسمه لوقال . رؤى حينذاك أن 
يد الجوكؤبيين وراء الجريمة ! ونحج المتطرفون بأن ينتزعوا من الملك قرار عزل صديقه 
العزيز ديكاز ووجد الجرونوبلوازيون البارون الأشهر دوساز يهبط فى دار المحافظة .. 
وهلل لذلك السادة أعضاء « الكازينى » ولكن هل كانوا على حق ؟ على الرغم من كون 
«صغيره حزينا لإقصاء شويان فإنه تأثر فى بادئ الأمر إيجابيا بهيبة وحضور الرجل 
وبديناميته ثم فضل أن يتحفظ فى إبداء رأيه . | 

ثم جاء الفصل الثالث للتراجيديا التى ستحول مدينه جرونويل السعيدة التى وصل 
إليها جان - فرنسوا فى أكتوير 1814 إلى ميدان متاوراث « لطافئ الأنوار » 
المأروحين فى مايى ۱۸۲۰ ذاد جرونويل - العاصمة الأولى للمسائه يهم - ولى العهد 
لم تال باریس جهداً إذن لتتمكن من إستمالة قلعة المعارضة : الدوفينية : فهل سينجع 
هذا الأمير الطيب فى إزاله نقمة ناخبى الأب جريجوار ؟ الزيارة كانت نكبة ! فى الثامن 
لدستور" » لم تكن هذه الأزدواجيه لتزعج الضيف الجليل ولكنها أثارث سخط « توى 


* بمعنى الضمانات الليبرالية التى وعدت يها الأسرة البدريونية لدى عودتها من المنفى . 


327 


الرداء الأخضر » من حاشيته وكلهم من مؤيدى أراء والده . وصف ماحدث : من جان 
- فرنسوا أجاك - جوزيف : 
« هذان الهتافان اللذان كان يجب أن يتطلقا من نفس الحنجرة أصيحا متناقسيين 
وظهرا كما لى أنه مقدر لهما أن يطيلا أمد الأحقاد والتحديات . إرتكبت حمقات من 
جميع الجهات ولم يظهر الاعتدال على أى جهة . ألقى بعض أقراد ااشرطة بأوامر 
خاطئة دون شك بالقبض على أشخاص يهتفون : « يحيا الدستور !!» ثم أدت بعض 
أعمال العنقف والغباء المقرط لياوران الأمير الذين أعلنوا وسط الجماهير أن هتاف 
« يحيا الدستون » هتاف إتقلايى . أدى كل ذلك إلى إحماء رئوس بعض الشياب 
المتحمس . ويذلك لم يكن من الممكن أن تمتد إقامة الأمير بيننا وقيل أنه غير راض 
تماماً عن جرونويل وهاهى مديتتتا المسكينه تواجه الشكوك والافتراءات . لا يوجد 
حديث سوى عن الاعتقالات والخراب القادم قرييا . فلنعتمد على حكمة الملك ولننظر 
إلى المستقبل يثقة , لاشئ غير ذلك ومع ذلك فهى كثير" . » 
« حكمة الملك » ؟ الحكمة هنا هى حكمة المحاقظ المسئول عن التعبير عنها والقيام 
بتنفيذها . وفى هذا الصدد آدى سلوك دوساز بعد ذلك إلى تبديد الأمال التى وضعها 
فيه شامبوليون - الذى كتب إلى آخيه يقول عنه بأته « باع نفسه للمتطرقين وأصبح 
أداة سلبية لدرجة الغباء بين أيديهم » . 
« يغياء » ؟ هنا مكمن خطأ تقدير أستاذ التاريخ . لأن دوساز ليس يغبى على 
الإطلاق بل إنه أحد أفضل الرجال الذين تقدموا الصفوف على يد « أعيان فرنسا » 
وهی إن لم تقدم أمثال ميرابى ودانتون وهوش فهى أبرزت أشخاصا مثل ديكاز ولوس . 
وإذا كان اليارون مشهورا جداًفهى ليس بقل من ذلك عن ذلك تطرفاً ققد وجد 
هذا الرجل فى التوتر القائم فرصة التخلس من بعض الليبراليين المعينين فى جرونويل 
على يد وزارة ديكاز مثل العمدة روايه دولوش والجنرال لودرى ديزيسار الذى تجرأ على 
الاشتراك مع جان - قرنسوا شاميوايون فى تحرير كتيب صغير يحذر السلطات العامة 
من مغية التطرف القمعى و « الاستحواز على السلطة » . 


.... بالتسبة الرقيب - على مابيدى‎ LES à 


328 


نشر هذا النص الغریب فى باریس لدی كوريار فى ١1‏ مايى ١41١‏ مع خمسة أو 
ستة آخرين تحت عنوان جماعى « gel‏ » إنه يشبه الريبورتاج الصحفى القصير ويقع 
فى أريع صفحات يصف تجاوزات « حزب طافثى الأنوار » - المدنيين الذين يهتفون 
« يحيا الملك ! وتبا لكل الباقى والعسكريين الذى يستلون سيوفهم وهم يصرخون : 
« إقطع رقبة هذا المتحرر » أو« أول من يهتف سأقطعه أرباً ! » 

التعقيب الذى ينتهى إليه نص الكتيب وهى بدون توقيع ولكنه بليغ . يقول : «إن 
مكتسبات الثورة ( إذ لايمكن أن تنفى أنها جاءت بكثير منها يمكن أن ينفى ذلك إلا من 
لانظر له ) تكلفنا الكثير حسبما يقال ويعتبر ذلك سبب أخر لكى نزداد تمسكا بها يكل 


قوة * » 
« مكاسب الثورة » ... هكذا !! كتابة ذلك فى 18٠١‏ كان كفيلا بأن يعود على المرء 


أسابيع قليلة كانت كافية ليحصل دوساز على إقالة رواييه - دولوش وعلى إبعاد 
اودرو ديزيسار - ليحل محلهما : فى العمدية أحد رجال الكونت دارتوا فى مقاطعة 
الدوقينيه الماركى بلانيللى دولاقالات وفى الحامية العسكرية الجنرال الصاخي لامفيل - 
لاكروا وإذا كان هذا الأخير أقل ضرواة وبدائة من دوناديى فهى لم يكن أقل منه تطرفاً 
فى عدائه لأى شكل من أشكال الليبرالية . لكن ما حدث هى أن نار الثورة كانت تتأجج 
تحت السطح فى مختلف أتحاء أورويا الغربية فى ذلك الوقت وفى حين كان نابوليون 
يصارع الموت فى سانت هليين ( توفى فى ه مايو ۱۸١‏ ) إنتشرت موجة بونابرتية 
مستوحاة من اسطورة المائة يوم أكثر من حقائق «الزوا ج النمساوى» من بروكسل إلى 
تورینو ومن فرانکفورت إلى باريس . 

تجمعت الأسباب : من ضباط بنصف مرتب يحركهم حنين جارف للإمبراطورية أو 
سبب أكثر بساطة وهو التخفيض القاسى فى عدد القوات المسلحة الذى قرره فى 
٠‏ وزير الحرب لاتور - مويوريه إلى جمعيات سرية من نوع « الاتحاد » الذى جر 
جوزيف راى جان فرنسوا شامبوليون إليه وإلى شباب داعبت أفكاره مقدمات 
الرومانتكية الوليدة وهمشتة السياسة المناهضة للتضخم المالى الذى إتبعها لوس 


» يبدى أن ج . ف . شامبليون لم يحرر سوى ريبورتاج زيارة الأمير . 


329 


ودوشيللال وأصحاب الأملاك الوطنيه , الذين بدأت تهددهم مطالب الاقطاعيين 
السابقين . جميع ناك الاسسباب تجمعت لتكون تياراً عاتياً متعدد الأطراف إجتاح فرنسا 
وعبر أيضا جبال الألب . وهى الفترة التى أنتشر فيها التيار الكاريونارى * فى فرنسا 
- قادماً من إيطاليا - وسرعان ما انضم إلى عضويته عشرات الآلاف . 

كيف إذن نندهش لأن الملكية العائدة إلى السلطة 5 قد إختارت شخصية في وزن 
البيمونت الايطالى والتي تنشط بداخلها. أفكار es‏ دوساذ كان فى 
راتوش الرايع بقمع التيارات الثورية التى يقودها أمثال ا * وجميع الليبراليين 
المهووسين ؟ لقد كان فى إمكان ستاتدال أن يجعل أحداث روايته تجرى فى مسقط 
في شخصين جان - فرنسوا القوية وشخصية ديل دونجى الصغير وكيف لانجد لدى 
بادون جروتويل ( دوساز ) السحر التاسع من شخصية الكونت دويارم ) . 

هاهى إذن دوساز فى موقعة وقد عکست « مذكراته » وسواس واحد كان يلح عليه 
وهي قصم ظهر الثورة المتئججة فيما ورا ء جبال الآلب والتى كان من المحتم أن تعبرها 
أن أجلا أو عاجلا إذ كتب يقول : 

« عندما طلب منى إدارة مقاطعة الإيزار - عهد إلى أيضا برقاية بوليسية واسعة 
جداً على المقاطعات المتأخمه للبيمونت وعلى نقس هذا البلد وأيضا على السافوا وعلى 
جنيف فقمت بزرع مخبرين سريين على الحدود فى تورينى وفى شامبيرى وجنوا وأحيانا 
متقطعة فى ميلانى وجنيف . مراسلات هفؤلاء العملاء أفادت يوجود مشاريع 
غامضة [...) وكل ما كان يدور حولى وتحت نظرى كأن يؤكد شكوكهم ...» 


بينما كان ينشر شباكه التى سيقع فيها الثوريون من المناطق المحيطة كان دوساز 
يشجع « طافئ الأنوار » على الإنتقام من الحزب الليبرالى الذى ينتمى إليه الشقيقان 
شامبوليون . 

فى نهاية يوليى 17١‏ علم جان فرنسوا أنه وأخاه قد طردا من المكتبة ( وكانا قد 
أستعاداها العام السابق ) لأسباب سياسية كما هو واضح : فطلب على القور مقابلة 
نوعية العلاقات التى كانت له مع السلطة . 


» جمعية سياسية سريه نشأت فى إيطاليا لمناصرة الافكار الليبرالية فى أوائل القرن التاسع عشر 
وإنتشر فى فرنسا فى تلك الفترة ( من 14٠١‏ حتى 147٠‏ ) 
** بطل رواية ستلندال [ المترجم ] 


330 


وجد شامبوليون أمامه رجلا« محرجاً [. ..[ من خلال أدبه الجم » وهو يوضح له 
أنه بريد أن يبقى « محايدا » فى هذا الموضوع المتعلق بالمكتبة . كيف ؟ هل يمكن أن 
يكون الرء محايداً بين العدل والظلم ؟ ويضيف الضيف أن مثل هذا الصمت « سيطلق 
العنان للإفتراء وتشويه السمعة » بل يكون رفضاً بينا للعدل يصيب أثنين من الأبرياء » 
أبرياء ؟؟ بدأ المحافظ يتململ مذكراً « بالأراء السيئة » التى عبر عنها الشقيقان 
شاموليون فى العديد من المناسات . وعلى الفور يعبر جان - فرنسوا عن غضيه : 
« إذا كانت تحت يدكم أعمالا غير قانونية قمنا بها فأحيلونا إلى القضاء المختص !» 
تغضبه . هنا يقفز جان فرانسوا من فوق مقعده ويطالب بالأدلة وهنا يقع المحافظ فى 
خطأ غبى - وذلك على الرغم من ذكائه المعهود - فأخرج من درجه ملفا يضم CR‏ 
قوله - نصوصا تعكس ميول فيجاك المؤسفة عندئذ ينظر جان - فرنسوا إلى محدثه 
باحتقان قائلا : 

« من هو الإنسان الحقير الذى سمح أنفسه أن يعتدى على حرمة مراسلات 
خاصة ؛ منذ متى تعامل المراسلات العائلية كالة للاتهام ؟ هل تجرؤون على تقديم 

مثل هذه الأدلة ضدنا إلى القضداء ؟» 


أمام هذا النقد الشديد لم يجد البارون دوساز سوى ايبرر موقفه إلى أن يقول 
ببساطة أن الحكومات مضطرة لأن تتصرف بهذه الطريقة وأن الحقيقة هى أن هذا 
النوع من الإجراءات لم يبداً بعد عودة الملكية إنما هى إجراء قديم لم يلغ بعدها .. dis,‏ 
ذلك اليوم فإن البارون النيل سيضمر للرجل الذى أهانه بهذا الأسلوب وإضطره إلى أن 
يكشف وسائله » كرها عميقا له مايبرره . ومن بعد سيكون الصراع بين الرجلين دون 
هوادة * 


فى نهاية فبراير ۱۸٠١‏ ألقى المحافظ القبض على عميل من ساردينيا « كان 
لا يجالس سوى أكثر الرجال خطورة فى جرونويل » : وجدمعه مشروع مؤامرة أعدت 
فى تورينى ولها تفريعات فى جرونوبل وليون . اسرع دوساز بتحذير بلاط بيمونت - 
وساردينيا - إلا أن صاحب الجلاله ملك ييمونت وساردينيا فاده ils » dils‏ من حب 
شعويه له » .غير أن الخطاب الملكى وصل إلى محافظة جرونويل عندما كان « فیکتور 
أيمانويل » قد إضطر إلى التنازل عن العرش ( من كثرة عواطف شعبه ) ولجأ إلى 
فرنسا .. كيف لا يجد البارون المتشدد قيما حدث سبباً يزيده تشككاً » ؟ 


» يقول ايمية فيجاك - شامبوايون فى الشقيقان شاميوايون أن عمه فى حمية النقاش نعت البارون بأثه 


331 


عتدما تحولت شكوكه إلى يقين قرر دوساز أن يفتح مراسلات مواطنيه قوجد فيها ' 
البراهين التى كانت تنقصه حتى الآن : وفيها أن الكتيبة العاشرة كانت ضالعة فى 
المؤامرة . وعندما استدعى الضباط للتحقيق إتهم المحافظ العديد منهم بأنهم إشتركوا 
فى إجتماع تأمرى . أجابوا بأنهم إجتمعوا فعلا عند مسيى روذوادون ليشريوا كاسا من 
الخمر » . فقفز دوساز من مقعده حسب قوله هو شخصيا : « غير صحيح ! لم تشريوا 
خمرا بل أن كوب ماء واحدا لم يشرب » خلال الاجتماع ٠‏ 

شريوا آم لم يشريوا » الهم هى أن محور هذه المناقشات كان شارل رونولدون ابن 
عمدة المدينة قى العصر الأمبراطورى وهى أحد شخصيات الحزب الليبرالى والصديق 
الحميم لجان -- قرنسوا شامبوليون . كانت القصة منذ بدايتها تمس عن قرب 
البروفيسور الشاب » كما أن الرسائل التى فتحها المحافظ الرهیب كانت بها دلالات 
كاشفة لهذا الموضوع : فقد تردد فی خطابات «صغير» اسم « شارل » الذى أصبح 

« فى العشرين من مارس قبيل الساعة الثامنة أسرع نحوى أحد المخبرين قائلا 
أن تجمهرا كبيرا يتبعه وهى يتجه إلى مبنى المحافظة . وبالفعل غزت عدة مثات من 
الأقراد الحديقة وتعرفت فى وسطهم على بعض جنود الكتيبة العاشرة [...] حشد كبير 
منهم وصل إلى مكتبى [...] فتحت الياب ثم قفلته على الفور بعد أن دخل مندويان منهم 
المؤامرة [...] قلت له أنى سأرديه قتيلا إن هى تحرك [...] وأنه سيعرف نفس المصير لو 
مرت خمس دقائق دون أن تكون دارى قد أخليت تماما من المتظاهرين » . 

« [...] رجانى روتوادون أن احتقظ يهدوئى مؤكدا أن أحداً لايكن له أى ضغينه 
وأن هدف هذه الحركة الوحيد هى إحلال العلم المثلث الألوان محل العلم الأبيض كما 
حدث قى باريس بعد أن تتازل لويس الثامن عشر عن العرش للدوق دورليان ٠‏ [0..] 
أجبته أن كل ما جاء فى تأكيدة هذا غير صحيح وكررت عليه تهديدى بأن يجلى عن 
المقروأن يصرف الجميع وإلا فإنى سأنفذ تهديدى [ ... | بدالى رونولدون مترددا . 

» 0 أطلقت سراحه ‘ ٠‏ 

« خرجت من المحافظة [...] لدى وصولى إلى ساحة السلاح أحاط بى مائه من 
الشباب يحملون العلم الثلاثى الألوان وهم يهتفون : « يسقط المحافظ »« يسقط 
القفنديانى * »+« يسقط الشوان* » كنت أقف وحدى مرتديا زى المحافظ حملت السيف 
فى يدى وهددت باستخدامه ضد من يقترب منى إلى أن وصلت إلى فسقيه قى وسط 


» أسم أطلق على الثوريين الملكين المتاهضين للثورة الفرئسية فى غرب فرنسا وكان على رأسهم من 


332 


الساحة فاستدت ظهرى إليها وصددت المهاجمين بما يكفى من وقت لوصول جذود 
قادمين من موقع قريب لنجدتى [0..] 
« الجنرال دى لاكروا * [...] قرر تفريق التجمهر ٠‏ ولكنه فعل ذلك يتراخ وصلت 

درجته إلى حد أنه لم يلق القبض على أحد ولم يصادر علم ثلاثى واحد من الأعلام التى 
التفوا حولها . لقد اعتقد أنه فعل أكثر مما ينبغى لأنه ضرب بمسطح سيفه المدعو 
رونولدون الذى وجده واقفا وحده وقد رد عليه هذا الأخير بعدة ضربات من عصاء [...]. 

« أجيرتنى مشاركة مدرسة القانون قى الإنتفاضة إلى أن أصدر قراراً باغلاقها 
مؤقتا كما أمرت باعادة الطلبة إلى بلادهم [...] [...] إن ميول سكان جرونويل 
المناهضة الملكية بدأت تتسلل إلى نفوس الشباب دون أدني مقاومه لهذا التأثير الضار 
[...] ألقيت القبض خلال الإضطرابات على بعض القادة إلا أن روندلدون والعديد من 
الضباط بتصف مرتب تمكنوا من الهروب ...» 

لم ترد كلمة واحدة فى هذه المغامرة الغريبة عن جان - فرنسوا شاميوليون ** 
ولاعن « القادة » الأخرين اللبيراليين : بلانتا الذى لابد وإنه شعر أنه فى هذا الجى مثل 
السمك قى الماء ؛ تريول » أوجوستان تيفونيه » فليكس ريال والآخرين علما بأننا نعرف 
أن صديقنا عالم المصريات كان مشتركا إشتراكا فاعلاً فى هذه العملية , 

يقول إيميه شامبوليون - فيجاك على الرغم من حذره التام لدى الحديث عن أراء 
عمه وسلوكه السياسى خوقاً من أن يظهره كانسان مثير للشغب -- « شارك شامبوليون 
الأصغر فى هذا التمرد بعد أن إستدرج فيه رغما عنه يسبب صداقته لرونولدون 
وتيقونيه وياتيست فروسان الخ qe.‏ 

ومع ذلك فإن صاحب كتاب الشقيقان شامبوايون فضل أن ينقل هذه اللحوظه 
الشيقة عن جان فرنسوا : « كان شامبوليون الصغير يقول فى ذلك الوقت بعد أن قبل 
بشئ من الفلسفة الموقف الذى وضعته فيه الظروف « ريما يجبئ يوم يظهر فيه 
الإستيلاء على قلعه جرونويل دون إراقه دماء على يد عالم أثار فى سجل أعمالى الأدبيه 
فى زمن غريب »(12) 


* آى بامفيل لاكروا ٠‏ . 
*+* نوساز سيلزم دائما الصمت حياله . 


333 


ماذا يعنى « إستيلاء على قلعة » ؟ فى كتالوج معرض شاميوليون الذى نظمته 
مدينه جرونوبل عام ١1147‏ تحت رعاية جميع المؤسسات العلمية فى المدينة مثل المكتبة 
والأرشيف والمتحف والليسية والذى كتبه المؤرخ ج. و . دوريماز نقراً ما يلى : « فى 
٠‏ مارس 185١‏ [...] إشترك جان -- فرافسوا شامبوليون مع تيفونيه ورونولدون فى 
محاولة إتقلابية إختلط فيها الجمهوريون والبوتابارتيون وأنصار دوق دورليان . هاجم 
شامبوليون واستولى على حصن راتی .... (18) » 
وتضيف هيرمينى هارطويان فى كتابها عن سيرة شامبوليون هذه التفاصيل 
الإضافية لطريق اللموى للدي إلى الح قلقم قولب عل on‏ 
الأيواب وتجنيد يعض أقراد إحدى سرايا الكتيبة العاشرة للمهمة س وات م بو 
من حاملى الرماح كانوا يعملون فى الاسطبلات أن يقاوموا . ولكنهم حوصروا داخلها 
وأغلقت عليهم الأيواب والنوافذ فحيدوا تماما . بعد دقائق قصيره إمتدت يد شجاعه - 
وهى يد شامبوليون أنزلت العلم الأبيضي TU UT cs‏ قمه حصن رابو 
با 


... الحرأس « حيدوا » وحاملق الرماح حيسوا علم الملكية أنزل والعلم ثلاثى 
الألوان رفح ا ما يكن لداب بم اا إلى مناطق بعيدة ... ألم يمش على قضية 
ديدييه سوى خمس سنوات ودوساز يجمع فى يده أدلة على التأمر مع الخارج أكثر مما 
جمعه بالانتا رئيس المحكمة الاسثنائية . كما لم يكن الجى السياسى بعد عام من إغتيال 
دوق دوبيرى وبعد أن ترك موثليفى ويينا مكانهما لدوسان ويلا نيللى أكثر تأييداً 
« للجاكويين » ولأصدقاء المغتصب مما كان عليه الحال فى ١415‏ . 


لاشك أن شامبوليون الصغير قد جايه خطرا عظيما بعد أن ثيت إشتراكه فى 
محاوله إنقلابية . كان البارون - المحافظ والجنرال بامفيل متعطشين للإنتقام خاصة 
وأنهما اساءا التقدير مثل سلفيهما وصاروا أضحوكه أمام الناس قطالبا بضرورة تنفيذ 
عقوية مثالية على روندلدون وأصدقاءه . فهل يعنى ذلك المثول أمام محكمه عسكريه ؟ 
الملك كان رحب الصدر وأرسل على عجل إلى جرونويل المارشال فیکتور دوق دويللون 
اتهدئة النفوس وتأييد الشجعان وإجراء التحقيقات وإقامة العدالة . 

المارشال الدوق شخصيه غريبة آخرى . فهو مثال للجندى الذى وصل إلى رتبته 
بالصدفة . أصله من مدينة فالانس عازف موسيقى متجول وتتطوع فى الجيش تحت 
اسم فيكتور . كعازف ترومبيت لفرقة المتطوعين فى العام الثانى من التقويم الثورى .. 
وكان اسمه الحقيقى هو كلود بيران . الكسندر دوما كتب عنه مرة فى أحد مؤلفاته أنه . 


334 


شارك حياة « الآنسة موجيه »؟ الواقع أن نابولیون جعله فى ٠۷‏ ۸۰ ما ریشال فرنسا 
وفى 6١‏ ١اجعل‏ من هذا الشجاع المقدام قصير القامة الجعجاع ودوقاً لدوبللون ( دون 
أن يكلفه بقيادة ذات بال ) . بعد إنضوائه تحت لواء آل بوربون بمنتهى البساطة كلفوه 
بيعض المهام المتواضعة . ومنها هذه المهمة على سبيل المثال . 

عند وصوله إلى جرونويل نما إلى علم عازف الترومبيت أن أحد أعيان المدينة وهو 
جنرال على المعاش كان قد ألف عددا من المارشات العسكرية لتعزقها فرقة لوائه 
الموسيقيه ولم يكن هذا الجنرال المتقاعد سوى صديقنا القديم جوبار دو لاسالات الذى 
كيرا ما رأيناه عند الشقيقين شامبوليون ليساعداه فى أبحاثه الموسيقية المستمرة » 
ذهب.المارشال قيكتور بنفسه عند رئيسه السابق لزيارته - مما كان له يالغ الأثر فى 
تفوس سكان جرونويل فحوروا اسمه من باللون إلى بوسولاى" . 


أول من أفادته هذه الزيارة كان جان - فرنسوا شامبوليون الذى صدر قرار 
بالقيض عليه . ومن كان أقدر على الحديث عنه بأحسن الكلام ومن موقع العارف 
بالأمور إلى الزائر صاحب السلطة سوى الجنرال الطيب دولاسالات ؟ فهو مديون له 
بالعديد من الخدمات وهى زميله فى الأكاديمية الدوفينية وأفكاره السياسية قريبة جداً 
مته ؟ باختصار جاء القرار بان عالم اللقويات حامل العلم المثث الألوان لن يمثل أمام 
القضاء الاستثنائى ولكن أمام محكمة أقل خطورة من المحكمة الخاصة التى تكلمنا 
عنها فى السابق . 

عاد جاك - جوزيف على عجل من باريس لمؤازرة أخيه أمام محامى الإدعاء الذين 
جندهم المحافظ ... مذكرة الدفاع عن جان فرنسوا - الواضح أنها بقلم اخيه الأكبر - 
من المحفوظات التى رجعنا إليها وكان ذلك بالنسبة لذا بمثابة فك شقرة هيروغليفيات 
فيجاك بدلا من خا صغير ٠‏ المكتوب » وعلى العموم فأن هذه المسودة تستحق تحق فك 
ألقاها ضدى [. .] السيد المفتش تريجيزى فى ٤‏ أبريل حول بعض الإعاءات المقدمة 
ضدىيى .. » ويعد هذه اليداية المبنيه على البراءة المجروحة ذهب الشقيقان بعيداً قى 
الهجوم المضاد . | 

]..[ إعطاء البيانات أى جمع الحقائق وعرضها فى حياد‎ lun: النياية العامة‎ ie 


وجميم أجهدة الشرطة قدحت [ غير مقرم : لم براقع سوت وا on Jus‏ 


» باللون بالفرنسية ٠٠ا‏ عااه8 أى القمر الجميل وبوسولاى هى jf Beau Soleil‏ الشمس الجميلة 
[ المترجم ] 


335 


شهادة واحدة يمكن تقديمها باعتيار أنها قائتمة على أسس ذات بال [...] يعتقد السيد 
البارون دوساز أن فى إمكانه أن يتهمنى بأتى ظهرت وسط جماعة من المتمردين Le]‏ 
السيد المحاقظ كان موجودا شخصيا فى المكان مع القوة المسلحة .[...] لقد ألقيت 
الدروس من الثامنة إلى العاشرة يوم الثلاثاء ٠١‏ مارس . كما فعلت تفس الشئ 
الأريعاء ۲١‏ » الخميس ۲۲ تناولت الغذاء فى المدينة مع بعض الأساتذة وهم سيشهدون 
بذاك . أما الجمعه ۲۳ إذ كنت مريضا [ غير مقرق] ٠‏ .. . إن سمعتى هى ملك 
لأسرتى ولأصدقائى و [ لوالدى أى لوطتى ؟] وللتعليم الذى LT‏ ف بالانتساب إليه منذ 
أثنى عشر عاماً » ولعلى أقول أيضا للتاريخ الأدبى الفرنسى من خلال الأعمال التى 
نشرتها والتى أعدها للنشى . يجب على إذن ألا أترك نفسى تتأثر سليا بالظلم ...» 

الجملة الأخيرة لنبلها تساوى أكش من الياقى كله الذى يقوم على القول المشهور : 
لاتعترا ف أبداً ! »كما أتذا نسجل هنا هذا الدفاع الغريب : أنا وسط المتمردين ؟ 
المحاقظ نفسه كان موجودا وسطهم أيضا ! 

باختصار : كان دفاعهم هو أنه غير مذنب والتذديد بالمحكمة وهو لايخلو من 
الجسارة : فقد رأينا عندما نقلنا عن مصادر مؤيدة لقضية شامبوليون أنه إث شترك فى 
تمرد يصعب وصفه بأنه کان « مسلحاً » وأكنه تمرد أخذ بالقعل شكلا من أشكال 
الانتفاضة الشعبية مهددا لممثل السلطة الأول فى المنطقة فى جسده ومستميلاً يعض 
أفراد القوات المسلحة ومعلنا بأعلى صوت وقوفة إلى جانب تغيير طبيعة النظام سواء 
كان ذلك لصالح مناصرى دوق دورليان أو يوتابات . 

غير مذنب ؟! كان موقفا تكتيكيا لايعكس الحقيقة , إن ما تلى ذلك من الإفراج عنه 
هو شهادة لصالح هذه الحكومة الملكية » فهى نفس الحكومة التى إقتصت من الشقيقين 
لانضمامهما لحركة المائه يوم ولكنها أعقت عن هذا المريى الذى نزل إلى الشوارع إلى 
جانب جنود متمردين وتحدى دون تحفظ الوضع القائم ويتضح أنه توجد حالات يكون 
من الأفضل أن تكون فيها معلماً مكللا بالشهرة يمكنه بذلك أن يخدم أمجاد التظام على 
أن تكون صاتع مفاتيح أى عامل يناء » هذا هو وضع جان -- فرنسوا شامبوليون فى 
مارس ١185١‏ . 

كان ثمن ذلك بالتاكيد أنه اكتسب كنيه « روييسبير جرونويل » وهى تسمية كان 
سيسعد لى أمكن الإستغناء عنها فى وقت كانت الرياح تهب كالعاصفة - من محافظة 
جيرتويل إلى أكاديمية المخطوطات والأداب - فى إتجاه الثورة المضادة ء ويالفعل ما أن 
مرت ستة شهور إلا وتشكلت الحكومة برياسة شيللال التى أتت بالمتطرفين إلى مركز 


336 


السلطة . وهكذا کان البارون دوساز - قى الدوقينيه - يستمرئ إنتصاره ويرى هيبته 
تزداد جلالاً يسبب وضوح الرؤيا التى أثيتها عندما توقع حدوث قلاقل شهر مارس 
8١‏ والصلاية التى واجه بها . 

روييسييير ؟ لجا جان فرنسو) ذاته إلى هذه المرجعية فى خطاب حرره أثناء 
وجوده فى مقاطعة كارسى : كان يشكر فيه يعض سكان جرونوبل عير صديقه تيقونى 
لخدمة أدوها له ثم يضيف : لعل فى ذلك إلقاء الشكوك حول إنسان يود لو لم يعرف عنه 
أنه أدى خدمة « لروييسييين متلى » .. 

مهما كانت أوجه الشبه قليلة جداً بين أصغر الشقيقين شامبوليون وصاحب قوانين 
« شهر يريريال » إبان الثورة إلا أنه كان - كما نقول فى أيامنا الحالية - « يساريا 
جداً » يجب ألا ننسى أن الجمعية السرية المسماة « الاتحاد ٠‏ وكان “as sl‏ 
كان هدفها الأول ليس أقل من « تشكيل أركان قيادة حركة ثورية للمستقيل (5) 
وهذه الجمعية هى التى أثارت « فضيحة » إنتخاب جريجوار الثورى وعضوا الجمعية 
التأسيسة للثورة الفرنسية - فى انتخابات مقاطعة الإيزار . ويهذه المناسية فإن محرك 
« المؤامرة الأخيرة وصاحب فكرتها - جوزيف راى - حكم عليه غيابياً بالاعدام وإضطر 
إلى أن يلجا سياسيا إلى أنجلترا . 

فى ١146١١‏ دفع جان -- فرنسوا دمن « النخب فى صحة الجمهورية » بان نفى .. 
وفى لأته « عبر من القول إلى الفعل » فإن حالته كانت أخطر يكثير . لأن النخبي 
بمناسبة ما أشيع عن وفاة الملك ... أى أنه قاتل رمزى لثملك ... ومن هنا حصل على 
كنية « روييسييير » التى ظلت تطن فى أذنيه فترة طويلة .. - 

لم يتمكن البارون دوساز من جره أمام قضاة المحكمة العسكرية . إلا أنه سيجعل 
من حياته جحيماً بما له من وسائل تستحيل معها إقامة شامبوليون فى الدوفينيه فقد 
سحيبت منه وظيفة التدريس فى المدرسة الملكية . أما مدرسة مونقلورى فقد أغلقت 
أبوايها فى العام التالى .ومن جهة أخري كان قد صدر قرار يعده بإنشاء كرسى 
للتاريخ قى الجامعة : هذا القرار ألغى . 

هذا أرسل «صغير» لأخيه صرخة النجدة ! وجاك - جوزيف الذي كان يمضى 
بضعة أسابيع من خريف كل عام ( ما عدا خلال فتره القضية ) فى منزله فى قيف إلا 
أنه كان يرفض الانغماس فى « حمى » جرونويل -- لبى هذه المرة النداء وعاد إلى هناك 


337 


فى يونيى 1417١‏ بعد أسابيع قليلة من وفاة بونابارت فى سانت هيلين . وكانت مناسبة 
لكى يعاتب أخاه الصغير : هل كان ذلك سيحدث لوأنه إصطحبه إلى باريس ليكون 
بجوار مسيو داسييه بدلا من أن يتزوج هذه الزيجة التى لا تليق به ويعود إلى 
جروثويل ؟ 
كان لدى جان - فرنسوا ما هى أقضل من الدفاع عن حياته الخاصة إذ قضل 
إطلاع مرشده العزيز على آخر أعماله فى مجال الخط الديموطيكى وقى رسم سبعمائة 
شكل هيروغليقى وهيراطيكى على ألواح معدة للطبع الليتوغرافى . لقد كان فى حالة 
إعياء كامل من الإنقعالات النقفسية والعمل ... Ja‏ كان يعرض على أخيه نتائج أعماله 
ليبرر إقامقه فى جرونويل أم كطالب تأشيرة سقر إلى باريس ؟ الإجابة هى لاتعرف . 
إلا أن الشئ الواضح ولابد أن جاك - جوزيف ردده له هو أن الوقت قد حان لكى 
يستخلص النتائج المترتبة على التدهور الرهيب الذى طرا على موقفه فى جرونويل 
المتزامن مع التقدم الهائل الذى حققه فى أبحاثه العلمية . كل شئ كان يتفق ويساعد 
على إتخان قرار الخروج » ( أو الصعود ) إلى باريس . 
فى ۸ یولیو کتب إلى جاك - جوزیف من شیف : 
« شريت أخر قطرة فى كأس المرارة الجرونويلوازى . لا يوجد ظلم واحد يمكنه 
أن يطولنى الأن وليس لدى شئ ما أخسره هنا [...] قرى المجلس ( الأكاديمى ؟) فى 
۳ يونيو أنه توجد أسباب تستدعى الحمضى فى القضية وأن الوقائع المنسوبة إلى من 
إختصاص القضاء العادى [...] كانت هذه هى الضرية الأخيرة التى يمكنهم 
توجيهها إلى [...] العالم كله يصرخ لى : غادر » سافر ١‏ رفه عن نفسك [...] 


* 


سأسافر* . 


لم تكن الإجراءات القانونية ضده قد توقفت إذن وكان على صغير أن يواجه 
« المحاكم العاديه » . كيف والظروف هكذا تمكن من مغادرة جرونويل والإيزار كلها 
ومن الهروب من البارون المرعب ؟ كل شئ يدعو إلى الاعتقاد بأن هذا المحافظ المتشدد 
قضل أن يغمض عينيه -- فهى فطين كذلك - ليتخلص من مشكلة حية وليحرم جرونويل 
من مثير محتمل للشغب وليهدى باريس مكتشفاً عبقرياً . مجموع هذه الملحوظات أو 


+ كتب لاخيه فى خطاب أخر : « أفضل أن يرسلونى إلى سيبيريا عن أن أمضى شهرين أخرين فى هذه 
المدينة التعسة ! » . 


338 


الإفتراضات هى بمثابة دفاع عن الإدارة خلال مرحلة عودة الملكية . تجعلنا نقرر أنها 
- فيما عدا قلة من المتطرفين - كانت تميل جداً إلى النسيان .. سافر فى ١١‏ يوليى 
يبصحبة صديقه دوقليار - إذا أنه كان أضعف من السفر وحده - CH LS ,G‏ 
لتتصرف فى الشئون الجارية » ويعد إستراحة دامت ثلاثة أيام فى ليون وصول جان 
فرنسوا إلى باريس فى ٠١‏ يوليى ٠ 185١‏ 

جان فرنسوا عمره الآن ثلاثون عاماً أمعن البحث فى رموز مجهولة . كان معلما - 
ألقى بنفسه فى أكثر المعارك السياسية ضراوة وغامر بحريته بل بحياته من أجل 
أفكاره . أحب سيدتين وتزوج من الثالثة . سلح نفسه بالاداة العلمية والأسلوب وجمع 
المواد وعقد التحالفات وأثان العداوات من أجل هدفه الأساسى . 

منهك قبل الأوان ٠‏ ينخر المرض داخله ولعله الدرن . تلاحقه الاختناقات والغشيان 
على لوحه المليئة بالصور والرموز والعصافير وأوراق اللوتس والكتبة الجالسين 
العرية التى ستوصله إلى باريس . 

کان چان - فرتسوا . هو اليوم شامبوليون . يستعد ليكون المكتشق . كم هو 
بعيد الآن « روپیسپییر ! ا 


339 


- أوديب : من قرن لآخر... 


» نقش مقدس على الحجر » - اللغز ا معلن - العصور الثلاثه « لإعاده - ا معرفة » 
كيرشار العظيم - الدور الذى قام به لايبنتز - واريورتون وماليين - جينى وصينيون - 
الأب بارسليمى الذكى جدا - نيبوهر ا مقدام - تحبة إلى زوويجا - أثنان من الأبطال 
وحجر - تلقائية نبيل سويدى - تحت أعين الأخوة هامبولدت ... 


« ختم موضوع على شفاة الصحراء » .. الصورة الأدبية لشاتوبريان وإن كانت 
تيدى عرجاء إلا أنها توضح بأقضل الكلمات « الصمت الأبدى « الذى ختم به قرار 
الإمبراطور تيودوز بتحريم إستخدام الكتابة المقدسة للحضارة النيلية . ومظما فعل الأب 
سيكار فى هيرمويولبس عام ١16١‏ حدث أيضا لفاسلاب ويوكوك ونوردن وساقارى 
وقولنى وهم أعظم العلماء المرافقين ليونايارت عندما وقفوا بشاهدون بعيون مبهورة 
حوائط المعايد والمسلات التى نقشت عليها صور لكتبة وهم يقدمون للملوك « لانعرف 
ماذا ... » 

نظام الكتابة كان مشفراً - وإن لم يكن كذلك فى البداية ؛ إن إن الكتابات المبسطة 
- الهيراطيقة والديموطيقية - تثبت أن الكهنة / الكتبة لم يعملواً على أن تبقى كتاياتهم 
سرا للعامة - ولكنها أصبحت مشفرة منذ الفترة التى أصبح فيها إحتمال وقوع المبادئ 
التى 3 تقوم عليها السيطرة المتاصلة فى الزمان على الكون إحتمالاً قائمأً فتضيع هذه 
السيطرة تحت هجمات الفرس والمدونيين والرومان 

فعلى سييل المثال بإذا حدث أن حرم أحد غزاة إيطاليا أى فرنسا إستخدام اللغة 
الوطنية فى الكتابة فإن استمرارية هذه الكتاية ستكون مؤكدة من خلال ألف وسيلة , 
أما فى مصر فى نهاية القرن الرابع الميلادى فإن صدور الأمر الإمبراطورى عام ١/84‏ 
جعل فهم الكتابة الهيروغليفيه غير ممكن بعد وفاة أخر كهنة أمون . 
الترجمة الكاملة لكلمة « هيروغليف » - وهى التى أعطت أقدم إمبراطورية فى التاريخ 
بناؤها الفكرى والروحى سوى لغز مطروح على علماء اللغويات فى جميع بلاد العالم يما 
فى ذلك مصر ذاتها . اليونائيون والرومان المعاصرون لأخر أجيال الكهنه الكتبة راحوا 
هم أيضا يتلعثمون ويتحسسون الطريق دون جدوى بعد أن أصيحوا غير قادرين على 
نقل مبادئ هذه الكتابه ووسائل حلها بطريقة سليمة . 


341 


إذا تحن فى الواقع بحثنا عن يداية محاولات قك الشفرة فسنضطر إلى الرجوع 
قى القرن الأول إلى شيريمون وهيرماييون لكى تحصل على مراجع ذات يال . إذ بينما 
كانت الحروف الهيروغليفية تحفر على الجدران القائمة على ضفاف نهر النيل من 
سايبيس إلى قيله كان العلماء اليونانيون أى البيزنطيون يعتبرون أنهم يتعاملون مع 
القضية وهم يعكفون على حل شفرة العلمات التى إخترعها الآله تحوت - والتى جعات 
is‏ الثقافة اليوتائيه de‏ هيرمس ٠‏ 
مرسلة الباحثين في حجر رشي 

كل شي يدأ فى القرون الأولى من التقويم الميلادى بتدخل « أشباه العارقين 
بالامور » تدخلا مشوها ومتتاقضا وهم ما أطلقنا عليهم اسم « الجزافيين » من - أياء 
الكنيسه « العلامة » والرهبان والرحالة والمؤرخين . فمن الإسكندرية إلى ييزاتطه أخذوا 
يجمعون ولعدة قرون ( وهم يعتقدون أنهم يفهمونها) المعلومات والنصوص والإفتراضات 
بل وأحيانا أجزا ٠‏ بسيطة من نصوص مكتوية بلفتين . سرعان ما سيصيحون هم 
أنفسهم موضع بحث يدلا من أن يكونوا ياحثين . ومن خلال هذا المنظار المشوش 
بسبب الأقوال المنقولة والتقريبيات والتراث بدأت بعد ذلك باثنى عشر أى خمس عشر 
قرتا أعمال علماء اللفويات . 

مرحلة البحث الحقيقى بدأت حول عام ١14٠‏ على يد أثاناز كيرشار ونحن نتساءل 
هل قتح هذا الأب اليسوعى القادم من مقاطعة هيس الألمانية سيلا أمام البحث أم أنه 

الشئ المؤكد هى أنه جزع شجرة المعرفة التى ضريت جذورها فى أرض تقريبيات 
عصر التهضة والذى يعتبر كيرشار وريثها المباشر . من هذا الجزع سيتفرع العديد من 
أهل عصر التتوير » أهمهم قى هذا المجال جايلونسكى ؛ واربورتون ٠‏ بارتيليمى » جينى 
ى زويجا كل فرد من هؤلاء شارك باكتشاف أو بطرح مشروع بحث مثمر أو حتى بخطأ 
ساعد على الفهم . المرحلة الثالثة نشات مع إكتشاقف حجر رشيد. إذ قبل الرجوع إلى 
هذا النص الأشهر المكتوب بلفتين مختتلفتين * كان محكوم على أعظم المفكرين أن 
بلعبوا لعية« حذر فذر » . ومع يداية القرن التاسع عشر أعطى اكتشاف هذا اللوح 


» لغتان وثادثة كتايات . 


342 


الذى هى بمثابة « الواح العهد » دفعة هائلة لعمليات فك الشفرة الحقيقية ويعد أن 
إستعصى على عالمين من كبار الباحثين على الأقل سمح هذا الحجر الدكتور توماس 
بانج أن يستولى على حصون المقدمة لهذه القلعة المتيعة , التى هى بمثابة جزر 
الكاريبى بالنسبة لمكتشف أمريكا . وأخيرا جاء جان - فرنسوا شامبوليون ليجعل من 
هذه اللعبة الإلهية علماً . 


إذا كانت الأحجار العتيقة ترفض أن تتكلم قإن الوسطاء كانوا منذا البداية 
يعرضون أنفسهم للباحث أو للزائر . بالنسبة للباحث عن الحل فى المرحلة الأوروبية 
القديمة كان الوسطاء ذوو الشهادة الغامضة والعلم المشكوك فيه هم - من بين أخرين 
- شيريمون وهيرمابيون وهورابوللون وكليمان السكندرى . أول هؤلاء بقى مجهولا 
فى طى النسيان حتى منتصف القرن التاسع عشر . وهو الوحيد من بين هؤلاء الشهود 
الذين لم يحسئوا الانصات الذى أشار بشئ من وضصوح الرؤيا * إلى أن الأصوات 
والصوى تتداخل فى الكتابة الهيروغليفية . 

المساهمة التى تی بها الثانى - وهى مذكوره فى كتاب «التاريخ» لأميبان 
مارسولان - كان يمكن أن تكون ذات قيمة حيث أنه جاء بترجمة تقريبية بلفتين لنص 
يزين مسلة أقامها رمسيس الثانى فى هيليوبوليس وتم إهداؤها إلى القيصر أغسطس 
فى القرن الأول . إلا أن هذا المستند الذى يعتبر من أجداد حجر رشيد لم يجد من 
يستغله من الباحثين . أما هور ايوللون وكليمان السكتدرى فقد قدما للعصور التاليه** 
لهما وصفا للمنظومه الهيروظيفية أدخل الباحثين إلى مجاهل التيه . تقوم الطريقة 
البحثية للأول على ضرب أمثلة لاحصر لها يحاول أن يثبت بها المسفة الرمزية 
والمجسدة للأفكار التى تعير عنها هذه الكتابة . وقد كان اخياله الخصبي تأثيرا ترفيهيا 
حقيقيا لعلماء اللغات . فهى على سميل المثال يؤكد أن كله « يفتح » تكتب بصورة 
الأرتب ؛ لأن هذا الحيوان تبقى عيونه دائما مفتوحة والرقم خمسة تمئله النجمة ؛ لأن 
النجمه لها دائما خمسة أضلاع . 

إلا أن العلم المعاصر يميل إلى إعطاء هذا المتلاعب بالكلمات حقه يسيب بعض 
أرائه ذاث القيمة . 

أما كليمان السكندرى وهو أحد أساقفة الكنيسة وأحد أبائها أيضاً » فقد كان 
أكثر طموحا إذ عمل على إقامة نظام متكامل يميز فى الهيروغيفيات بين عدة طرق 


5 راجع هترى سوتاس - مقدمة الطيعة الجديدة « للخطاب إلى المسيد دأسييه \AYY‏ ص اا 
kk‏ الأول في مؤلقاته د هيروغليفيكا » والأخر فى « السترومات» 


343 


للتعبير : الأول مياشر عن طريق المحاكاة » والثانى رمزى عن طريق المماثلة بين الأشياء 
لنفسه أنه وضع بصمته أمام التاريخ على الطرح الذى ظل سائداً فى التاريخ القديم , 
وهى القائل بأن الرموز الهيروغليقية هى نوع من الكتاية يعير الرمز الواحد فيها 
عن فكرة وأنها كتابة رمزية * . | 

هذا التصور « المتسامى يمصر » من خلال كتايتها » وهو التصور الذى زاده 
الأفلاطوتيون الجدد أبناء عصر النهضة الإيطالى «مثالية» حسيما يقول فى كتبه إريك 
إيفرسان . هذا التصور ظل ملقياً يثقله على البحوث فى الشأن المصرى حتى نهاية 
القرن الثامن عشر لدرجة أن كل مجهود وكل عبقرية الباحثين من زويجا إلى يانج 
ومن أكريواد إلى شاميوليون سيتركز تحديدا فى البحث عن الصوت الكامن وراء 
الفكرة ** ... 

pile‏ اللغويات الكبير هنري سوتاس (أ) يرى فى الخطأ التوجيهى الذي إرتكبه 
الرموز ذات الأشكال عظيمة الايحاء يمكن أن تكون مجردة من قيمة الفكرة وأن يبلغ 
بها الحال أن ترمن لأصوات فقط مثلما هو الحال بالنسبة لحروفنا التى تشكلت 
بالصدقة ؟ 

فى تلخيص نقول إن الباحثين المعاصرين دخلوا مهنة اليحث مسلحين بهذه 
البوصله التى تشير إلى الشمال فى اتجاه . 

ولايمكن أن نقر بأن رائدهم أثاناز كيرشار قد نجح فى أن ينأى بنفسه من هذه 
الأحكام المسبقة التى أصيب يعدواها عن طريق الأقدمين العظماء بل أنه زادالطين بلة 
فى بعض النقاط . وإذا ظلت شهرته كبيرة قلا يعود ذلك إلى أنه كان « أخر البوليماتيين 
» أى علماء عصر النهضة الذين درسوا وخاضوا فى جميع العلوم والفنون تقرييا - 
فحسب » وإنما لأنه شارك مشاركة مهمة فى البحث الهيروغليفى أيضا . فهو الذى 
وضع مبداً أن اللغة القبطية هى اللغة التى كان يتحدث بها قدماء المصريين بعد 
صياغتها فى حروق تشيه الحروف اليونانية وهى تعتبر بذلك الصدى الصوتى 

فى محاضرته الأولى فى الكولاج دو قرانس » ندد جان - فرانسوا شامبوليون 
بعنف بالجيزويتى كيرشار ليس لأنه ساهم فى تضليل من سبقوه فحسب » ولکن لأنه 
وعلى الأرجح كان ينتمى إلى نظام كنسى يمقته « رويسبيير جبرونويل » أيضا . 


* الاشارة الوحيدة لقيمتها الموتية ترجع كما رأآينا إلى شيريمون . 
+» وسنجد ترديدا لهذا الخطأ الأساسى حتى فى الصقحة الأولى من «شطاب إلى مسيوق / داسييه » 
فى طبعته الأولى . 


344 


إذ يقول « الجزويتى كيرشار [...] ضلل معاصريه عندما نشبر [...] ما يدعى 
أنها ترجمات للأساطير الهيروغليفية المندوتة على مسلات روما وهى ترجمات كان لا 
يصدقها هو ذاته . فقد وصلت جرأتة إلى أنه كان يدعم ترجماته بنصوص منقولة عن 
كتاب لم يكن لهم وجود أصلا * [...] لاالعلم ولا الأثار ولا التاريخ كان فى إمكانه أن 
يجنى ثمرة واحدة من أعمال كيرشار [...] المليئة بالرمز شديد الغموض والأكثر 
إثارة السخرية ! » (2) 
وحتى عندما يجد نفسه مضطراً لأن يعترف لكيرشار بحقه فى أنه « ساهم فى 
نشر دراسة اللغة القبطية » فإن شامبوليون ينجح فى الإستهزاء به مرة أخرى فى هذه 
النقطة ٠‏ وذلك يأن يؤكد « أنه حتى فى هذا المجال لم يتمكن أبونا القس من التخلص 
من شعوذته المعتادة إذ سمح لنفسه بادخال العديد من الكلمات فى قاموس الأغة على 
أنها كلمات قبطية لأسيب واحد هى أنه كان يحتاج لها لدعم شروحه الخيالية ¢ 
مشعوذ ؟ مالم موسوعى ؟ رائد ؟ إن اثانانز كيرشار كان من الشخصيات العامة 
فهو من أبطال عهد يمكن تسميته « ما بعد عصر النهضة » ولد - كما تقول كاتيبة 
سيرته جوسلين جودوين - « إما متأخرا أكثر من اللازم أو متقدماً بأكثر من اللازم « 
فهو لم يكن فى أهمية كيبلار ( الذى كلف كيرشار بأن يخلفه فى قيينا ) ولا نيوتين 
تزين غلاف الأعمال الكاملة للأب أثاناز صورة له كتيت تحتها هذه العبارة 
الضخمة : « الرسام والشاعر يصرخان دون جدوى : هاهى ! إن وجهه وإسمه معروفان 
فى جميع أرجاء الكرة الأرضيا ؛ وك فى حدينة قوادا مقاطعة هاس في . ۰ قام 
مكان À Lu‏ فی مایانس وقورزبورج وهايلنجستادت هرب من جيوش جوستاف - 
أدولف ليجد نفسه وقد بلغ الثلاثين من العمر فى مدنية أقينيون حيث وجهه العالم 
المشهور نيقولابيراسك إلى دراسة اللغة القبطية من أجل البحث الهيروغليفى . 
الجزء الهام من بحوثه فى اللغويات أجراه فى المدرسة المركزية للجيزويت فى 
روما » التى كانت تنتشر فيها المسلات شامخة على قعداتها أو مهملة هى وفى جميع 
» أوديب المصرى AEgyptiacus‏ 95 . غير أن فك الرموز لم يكن سوى أحد 
الموضوعات العديدة التى إهتم بها هذا « المشعوذ » المتعدد المعرفة فى دراساته . 
فهو رجل عمل على أن ينزل داخل فوهة بركان الفيزوف لكى يشاهد عن قرب ثورة 
بركانية .. كما أنه درس أسباب مرض الطاعون . وكان يراسل ليبنيتز وقام يتدريس 


à‏ هذا ما كان فى مقدور جوزيف شامبوليون أن يعرفه عام 1451 وهو لم يكن متاخاً لكيرشار 
فی VUEV‏ 


345 


المنظور الى الرسام نبقولا بوسان » وشارك مع وليام جاسكوتي قى إعداد المتظار 
الفلكى ورمم بيده كنيسة يسوع فى روما وأسس أول متحف فى التاريخ والذى أطلق 
عليه بيساطة شديدة paul‏ » كيرشار نوم Us‏ 

هل هذا هو كل ما قام يه ؟ بالطيع لا ... فهو موّلف موسورجيا أق تيفرساليس 
« الموسوعة المهسيقية العالمية » ويذلك يكون هذا الأب اليسومى كيرشار أول عالم فى 
الموسيقى ( بعد بواس ؟ ) فى التاريخ والمنظر العبقرى لعبور الأسلوب اليوليفونى إلى 
المرحلة الياروك . كما أنه صاحب مؤلف دراسى عن السمعيات ينتهى بهذه العيارة : 
« الصوت هدو القرد [اقلد ] للضوء » ولعل شاميوليون قد وجد فى هذه الكلمات مادة 
التفكير . ولكن هل هى عبسارة صحيحة ؟ خطا بالتأكيد ... ومع ذلك أليست إحدى 
» اللاحقيقيات » ألتى تنبسق منها شموع الحقيقة ؟ ولايمكن أن نختم حديثنا عن العالم 
المتعدد المعرفة أثانان قيل أن نذكر أنه كان حسيما يؤكد البعض مخترع « الفانوس 
الستنتروفونى » وكان يستخدمه فى كتيسه متتوريلا ليستدعى رعايانا فى دائرة قطرها 
خمسه كيلومترات (4) ' 

وبتاء على ذلك كيف يمكننا ألا نشارك جان فرنسوا احتقاره * لهذا الرائد المفعم 
بالحيوية والميال للتهويل والخارج عن الصف والفارق فى التهيؤات الذى يرى فى 
الهيرغليفيا رقصة هائله تقوم بها أشكال عجيبة ذات معان سرية أى عالم .خاص لايدخله 
ولايستخدمه سوى قله قليلة من الدارسين . 

لقد كان مالتاكيد عالم لغويات غريب الشأن هذا الذى وقف أمام خرطوش يحتوى 
على اسم الفرعون العظيم تحجوتمس الثالث الذى يقرأه علماء المصريات: « الأشكال 
المعمرة التى يتخحذها الالة رع » وقرأه هو : « القلعة السماوية لكوكب الأرض تحميه 
من جميع الأفوال المعونة الإلهية لأوزيريس الجن الأجاتى الرطب ... »كان أبونا هذا 
يتمتع بخيال خصب جداً إذ كتب هذا النص « إن الأثار الطيبة لأوزيريس الإلهى يجب 
أن تجلب عن طريق الطقوس المقدسة وسلسلة الجنيات حتى يمكن الحصول على خيرات 
النيل » على أنه ترجمة لمجموعة من الرسومات ترجمها العلماء الذين خلفوه فى 
كلمة « gas‏ »0 

ومع ذلك يعثير الأب اليسوعى أثانان كيرشار أحد أقراد مجموعة الآياء 
المؤفسيس [ للإيجيبتواوجيا ] لا لأنه أكد بتوجيه من بيكولا بارساك كما رأينا من قبل - 


+ عير عنه منذ نباية القرن السايع عشر قس يسوعى أخر وهو الأب مينا سترييه والانجليزي واكئز 
ومؤخرا الراهب دريوتون الذى ندد يهذه ٠‏ الغرائب المتصوقة » فى حين أن كتاب معاصرين محترمين مثل إبريل 
إيشرسان ومادلين داقيد لهم اراء مختلفة حول هذا الموقف السلبى . 


346 


على الدور المحورى للغة القبطية : (« الصوت .... القرد المصاكى للضوء ) فحسب 
وإنما لأنه كان ييحث أيضا بكل جوارحه 6١5٥0۸31۸3‏ مصرية » تعبر die‏ 
الهيروغليفيات ‏ يجب أن نضع محاولته إيجاد طريقة الكتابة توحد فيها جميع لغات 
العالم ( على مستوى الكتابة فقط ) ضمن مشاريعه ذات الصبغة الكونية - وكاتت 
الهيروغليفية ستلعب دوراً أساسيا لهذا النظام - أن يقوم أحد قساوسة القرن السابع 
عشر اليسوعيين المعاصر لبوسيويه - بكل هذا العناء وبكل هذه الاستنارة لإقناع العأ 
الكاثوليكى بأن يتفهم الوثنين عنده « الأصنام » ( الأموات منهم بطبيعة الحال ) بدلا 
من إقصائهم ولعنهم » هو تعبير عن عظمة فريدة من توعها كما هو الحال أيضا 
بالنسبة لحميته فى البحث عن مبداً ديانة كونية فى الثيوجونيا ( ميحث أصل الآلهه 
وتحررهم ) المختيأة فى داخل الكتابة المشفرة لمصر القديمة . 

كلها مشاريع نبيلة جديرة ين تجذب إهتمام جان فرنسوا شامبوليون إلا أن عالم 
اللغويات فى داخله إعترض على أن هذا العالم المتعدد الثقافات والذى سلح نفسه 
بمعرفة اللغة القبطية لم يقم أى علاقة بين اللغة التى فيها مفتاح اللغز وبين الكتابة 
المطلوب حل طلاسمها . 

ليست أقل أمجاد الأب أثاناز أنه كان مراسلاً للفيلسوف لايبنيز ولفترة ما مصدرا 
لوحى أفكاره إن اسم هذا الرحل العظيم ليس مرتيطاً بجذور السياسة الفرنسية فى 
مصر* فحسب بل كان أيضا مشاركا فى المغامرة الكبرى للدراسات الهيروغليفية - 
فقد أعلن لايبنيتز لفترة أنه من تلاميذ كيرشار مؤكدا أنه « سيعرف الخلود » لأنه إعثبر 
أيحاث الأب اليسوعى فى الكتابة الكونية أحد المثل العليا للتفكير الموسوعى الذى 
De arte Combinatoria &Lis die ps is‏ و إذا كان لايبتيتز عاد بعد عام ١11/٠‏ 
لايرى فى « إختراعات هذا القس » سوى ألعاياً فكرية صغيرة وطريفة أكثر من كونها 
مفيدة . إلا أن اهتمامه استمر مركزا على تاريخ الكتابات وعلى الهيروغليقيات واضعا 
إياها مقابل الحروف الصينية التى بدت له أقل « شعبية » أوه رمزيه » ويغلب عليها 
الجانب « الفلسقى » أو« الثقافى » . 

يصعب وضع لايبنيثز ( الفيلسوف عالم الرياضيات ) فى زمرة مكتشفى حل اللغز 
إلا أن فكرته العميقة التى قاومت الزمن عن مختلف أنواع الكتابة أوضحت فى العصر 
الكلاسيكى أن الهيروغليفيات بالنسبة لأحد أكبر المفكرين فى تاريخ العالم الغربى 
لايمكن إعتبارها سوى أنها مرادفة « للرموز» التى تعمل على « رسم الأشياء » . 


+ راجع التمهيد ص 24 


347 


إذا عدنا إلى موضوع الكتابه « الفلسفية » أو الكونية التى تستخدم الأفكار يدلا 
من الأصوات وهو الذى أدى إلى خلط الأمور بالنسبة لباحثى الهيروغليفيات التاليين 
سنجد أن أحد المشاركين الأساسيين فى ذلك هى المونسنيور ويلنز أسقف تشستر الذى 
أخذ عنه لاببنيتز بعض الأسائيد : فهى فى كتايه « بحث فى الوصول إلى لغة فلسفية » 
towards a philosophical language ) AA‏ 555 ) يمتبرالهيروةليفيات 
منظومة من الصور اليدائية ئية جديرة بأن يستخدمها ا - هذا كان رآیا فى 
الأبحديات . 


قر اتور هین تتجمع كافة معطيات الل ال يكن جيه قبل 


. حجر رشيد‎ LOS ١ 


نان بول - إرنست جابلونسكى وهى ابن باحث لاهوتى من مدينة دانتزج صديقاً 

كتابه Pantheon AËgyptiorum‏ عالم الآلهة الممسرى ) (Vt.‏ على درأ اسة 
إيزيس وأوزيريس بواسطة معجم م قبطى بإيجاد مفتاح Jali‏ + 

أهمل جان - فرنسوا شامبوليون هذا الباحث الال مانى لفترة طويلة . بل أنه سخر 
فى خطاب لأخيه مكتوب عام ١4:5‏ من محررى كتاب «وصف مصره الذين « يعزقون 
على طريقة جايلونسكى » . بعد عشرين.عاما فى محاضرته الأولى فى الكولاج دى 
قرانس إسترجع نفسه وأفكاره المسبقة عنه واعترف بما لمؤلف كتاب «٠‏ البانتيون » من « 
ثقاقة واسمعة » إلا أنه أكد على أنه لم تكن لديه الوسائل التى تسمح « يترجمة أسماء 
الألهه المصرية بواسطة اللغة القبطية » وذلك لأن « العناصر الصوتية المكونة لأسماء 
اعلم الاصلية للألهة المصرية فى التصوصس الهيروغليفية لاصلة أي بالكتابة الإملاثية 
التى أضفاها عليها جابلونسكى ولايمكن أن تستجيب لترجماته » (D‏ 

جايلونسكى وقع هو الآخر ضحية للإيديوجرافية * واتحجيم الكتابة المقدسة 
المصرية فى إطار اعتبارها رموزاً و« رسومات للأشياء » .كم من عقود مرت قبل أن 
لتاريخ الكتابة حيا المجهود الذى بذله جابلونسكى بعد أن أكد بالطبع .على فشله التهائى 
cils‏ الدراسات الإيجيبتولوجية المعاصرة له قد تناسته فى حن أثر الذين تناسهما 
هو فى محاضراته كانا قد عرفا فى عصرهما وفيما يعد أيضا أمجاداً مستحقة وهما 
واريورتون ويارتيلمى . 


+ الرمز يشير إلى فكرة 


348 


يصعب فهم السبب الذى جعل صاحب «خطاب إلى مسيق دأسبيه » وهو يصدد 
تقديم كشف حساب أبحاث من سبقوه - يسقط هذين الباحثين علما بأن شهرتهما لايد 
وأنها الحت عليه فى شبابه , إذ أن الكتاب الذى ألفه واريورتون بعنوان «بحث فى 
هيروغليفيات المصريين» والذى حقق نجاحاً هائلا فور نشره فى فرنسا كان متوفرا فى 
مكتبة جاك شامبوليون * فى فيجاك . كما أن كتاب الأب بارتيليمى «رحلة الشاب 
انشارییس» الذی نشر فی ۱۷۸۷ لابد وأنه سحر لب تلميذ مدرسة ابسيه جرونويل مثله 
مثل جميع زملائه المراهقين على الرغم من أن موضوع الكتاب هو اليونان وليست 
مصر . باختصار تجاهل شامبوليون ذكر الاثنين ضمن الرواد الذين أشاد يهم يعد أن 
وصل إلى الشهرة والمجد .. إلا أن ذلك لايمنعنا من الإشارة إلى ما قدماه وهو ما يقره 

انتهى مطاف هاريورتون بأن أصبح أسقفا ومن ألد أعداء قواتير , إلا أن هذا لم 
يمنعه من أن يؤلف أكثر الكتب « فلسفة » فيما يتعلق بالجدل الدائر حيتذاك حول 
الهيروغليقيات وجاء تقدير الأنسي؛لوبيدبين له على هذا الأساس l.‏ لم يكن فى 
الإمكان الإبتعاد عن رمزية كيرشار بأقضل من ذلك فى وضوح الرؤيا ومحاولة إيجاد 
تفسير عقلى وتاريخى لمنظومة الكتابة المصرية ولا بأجرا من ذلك . 

ومع ذلك يجب ألا نخطئ فى تقدير الشخص ذاته . كان واريورتون ينادى فى 
كتايه الأصلى " 1/0568 01 The divine Legation‏ "2 أجل تجديد الدراسات 
التوراتية وهو ما قاده إلى إيراز مشاركات مصر الهائلة فى تاريخ البشرية . كم جاء 
مترجمه إلى الفرنسية ليونار دى ماليان فتخطى دوره كمترجم وأعد بجسارة الكتاب بأن 
أعاد تبوييه حول مركز واحد وهى الذى يرر عنوانه ومعناه ( بحث فى الهيروغليقيا 
المصرية ) وجعل منه قصلا محوريا من تاريخ و« مستقبل » الكتابة . ١7‏ مؤلف 
واربورتون ومالبان حيته نشرة مجهولة التوقيع ومنشورة فى ١١45‏ قى 
باريس "على أنه من « الروائع » إذ يكفيه أنه أثبت أن « الكتابة الهيروغليفية مهدت 
للاختراع العظيم للأبجدية ». 

وضع مؤلقا كتاب «بحث فى الهيروغليقية» حديثهما فى إطار جميل من التطور 
المستمر للتقدم القكرى : قدما التحية بشئ من التحفظ لهورابوللون وكليمان السكندرى 
منتقدين أى فكرة عن « قوة سرية » أى طقوس خفية » وساخرين بقوة من كيرشار 
المسكين ثم وصفا عملية العبور من الرسم لكتاب الأفكار ومن الرمز إلى الشئ المشروح:: 
ومن الشئ اممثل إلى الخط المتصل . بل إن الأسقف الانجليزى يذهب إلى الإشارة إلى 


* راجع الفصل ١‏ 
++ محفوظ شمن أوراق جاك جوزيف شامبوايون - فيجاك . 


349 


الهيروغليفية . وهو بعثبر أن الأبجدية العبرية خرجت من الكتاية الجديدة وهى يدورها 
مرتبطة إرتباطا لاينفصم عن اللغة المنطوقة . على هذا الأساس تكون الكتابات « شيئا 
كلياً ومتنوعاً » مر من « حالة الرسم إلى حالة الحرف » 29) وتفرض الحالة المصرية 
نقسها على الجميع بوضوح لايقبل المقارنة , 

الحيثيات التى ساقها واريورتون ومالبان تعتبر قمة فى العقلانية وهى بالمناسبة 
تتحدث عن « كتابة للأصوات |٠ Je‏ مرتبطة بالمتطوق * مجهود تسطيحى ؟ جائز › ولكن 
كما يقول واضعو (10) Who is who in Egyptology‏ بعد زمن طویل : « إنه الکثاب 
الوحيد قبل مرحلة شامبوليون الذى أشار إلى الأسلوب الصحيح » ... أسلوب العمل 
من أجا حل الشقرة بالطبع ومع ذلك فلم يحاول واريورتون دخول المضمار ولعل ذلك هى 
السبب .لذى جعل جان - فرنسوا شامبوايون يفضل ذكره بعد قرن كامل تقريباً ضمن 
سجل عظماء الباحثين فى سر الهيروغليفيات . قى حين أن مادلين دافيد تتكلم عن 
« خطوة حاسمة » وتعلق بهذه الكلمات على ما قدمه الأسقف الانجليكانى : 

« الطريق مهد ومع ذلك بقى كل شئ على حاله منتظرا الإستكشاف والاكتشاف 
[:.] لمع بريق أمل حل الشفرة بعد أن درس الهيروغليفيات المصرية وقارن أشكالها 
المتتايعة مع الأخد فى الاعتبار المشاكل اللغويستيه التى استبعدها واربورتون » (11) , 

فى خط موان البحث عن فك الشفرة سواء بواسطة المقارنات أى التداخلات اللغوية 
أو حتى بوصف عملية التطور التلقائية أوسائل التعبير » تطورت محاولة فضفاضة 
لشرح المنظومة المصرية بالمقارنة أو بالمقابلة مع اللغة الصينية ... وهى اللغة التى 
اعتيرها لايبنيتز كما رأينا من قبل أكثر « فلسقية » من لغة وادى النيل . 

ترتبط بهذه المقارنات الجسورة ة أسماء نيقولا قيريه الذى اعتبره شاميوليون فيجاك 
« معلماً فى النقد وسعة الثقافة » وإتيان فورمون الذى استغل بذكاء جواراته مع 
شخص يدعى أركاديوس هوانج . وهو شاب صينى أحضره معهم قساوسه فرنسيون 
إلى فرساى أصل شخصية أوزيك التى صورها ديدرى فى رويته « المراسلات 
الفارسية » وأخيرا اسم الكونت دوجيتى . 

ماذا عن مشاكل الأسيقية ؟ يؤكد فريريه على أسبقية حضارة وادى النيل على 
الرغم من أنه يقول أحيانا أن « المصريين يشبهون الصينيين » . غير أن هذا ليس 


(1Yo) « سيستوحي دويروس منها يعد عشرين عاما كتايه « دراسة التكوين الألى للغات‎ à 


350 


موضوع النقاش لأن الإشكالية تتلخص فى طبيعة وقيمة المنظومتين . تقوم الكتابة 
المصرية فى رأى فريريه على « علاقة مصورة » منحيا تماما وجود رموز صوتية وهى 
تعبير رمزى أى مصور فى حين أن الصينية تقوم - فى شكلها الجزاقى - على ساس 
« علاقة مؤسسية » وهى تعتبر لذلك فى تصوره ذات قيمة أعلى . 

أخذ الكونت دوجينى الأمر يصورة مختلفة . فهو يعلن فى البداية أن الصيذيين 
مستعمرون مصريون ( وخزعيلات أخرى ) ثم راح بطريقة أكثر جدية بحاول المقارنه 
بين مجموعات من الرسوم الهيروغليفية وجذور الكتابة الصينية يخلص إلى القول 
الجسور بأن المصريين هم الذين أعطوا منظومتهم الكتابية إلى الصينيين ينيين . لم تخلى 
تهيؤاته هذه من بعض الروًا الثاقبة : قهى يشير إلى أن طرق الكتابة المصرية الثلاثه 
تكون وحدة واحدة . ويضيف دوجينى أيضا أن هذه الرمون* لاتوجد بها حروف متحركة 
ولوأن علماء اللغويات قد أخذوه على محمل الجد لكانوا وفروا على أنفسيم بعض 
الأخطاء التالية لهم - وهو ما أفاد شامبوليون . 

شاركت إذن الدراسات الصينية الوليدة أستاذيها الأول أيل دو ريموزا زميل جان 
- فرنسوا شاميوليون السابق فى الكولاج دى فرانس فى تقدم الدراسات المصرية . 
إلا أن هنرى سوتاس يرى أن هذا التداخل« أضر بأكثر مما أفاد لأنه ذهب إلى أيعد 
مما ينبغى » حتى من شامبوليون ذاته » . 


متى سنتوقف عن تجميع شخصيات هى بمثابة أبطال روايات ضلت طريقها فى 
هذه الملحمة اللغوية ؟! لدينا واحد أخر : الأب جان - جاك بارتيليمى . المولود في 
كاسيس . وعلى الرعم من أنه كان مرتديا اللباس الغامق على الدوام فهو لم يدخل أبداً 
فى السلك الكنسى أو الرهيانى . ومع ذلك فقد كان واعظاً حتى باللغة العربية . فكان 
يتحدث عشر لغات شرقية وكان أعظم دارس للنقود والميداليات فى عصره . نشر عام 
٤‏ شغشراميات شائيتيه ويوليدور إلا أن المجد الذى مسه كان يسيب نشره كتايه 
الأشهر بعد ذلك بثلائين عاماً بعنوان رحله الشاب أناشارزس إلى اليوتان فى منتصف 
القرن الرايع ثقريبا مثل العصر السوقى . 

صاحب كتاب حظى بشعبية هائلة وقس علمانى جداً ولكنه أيضا وبالتأكيد عالم 
بالمعنى الحقيقى » عمل قبل ذلك بسنوات طويلة ويجد فى فك شفرة الإيجديه البالميرنية 


* فى بحث قدمه عام 1155 


351 


والفينيقية . ثم بدا يحقق فى اللغز المصرى وذلك بدراسة قطعة من القماش : خرج من 
هذا البحث يتقرير قدمه لمجموعه الآثار القديمة المصرية والإتروسكية واليونانية 
والروماتية للكونت دو كايلوس يلور لأرل مرة (فى ۱۷١١‏ ) . إحدى الأقكار الأكثر 
تحديداً فى تاريخ الابحاث فى المصريات والأكثر أصالة منذ أن ربط كيرشار بين اللغه 
القبطية واللغة الفرعونية موحداً بيتهما . إذ قال : « الهيروغليفيات المنقوشة على الاثار 
المصرية تتجمع فى أشكال بيضاوية [...] لكى ترمز على الأرجح لأسماء الملوك أو 
الآلية * », 

بيضاويات أم خراطيش - كما تسميها الآن - الاكتشاف كان حاسما ٠‏ إذ تمكن 
من فصل مجموعة من العلامات . هذه المجموعات من المفروض أنها مرتبطة بأسماء 
ملكية أى دينيه هى فى الأساس محدودة العدد ... أخذ البحث بذلك يتحدد ويتركز 
وسنرى فيما بعد أنه عن طريق أسماء الملكوك الأجاتب مثل يطليموس وكليوياتره ثم 
ا ملوك الوطنيين مثل رمسيس وتحوتمس وصل آخرالباحثين - شامبوليون ويانج إلى 
الهدف . | 

يتوقف الواعظ العلامة فى بحوئه وإكتشافاته عند توضيح دور الأشكال 

« البيضاوية » بل إنه وضع هذا المبدأ الأساسى الذى تمخض عنه الكثير وذلك بأن أكد 
أن مفتاح الشفرة ان يأتى عبر دراسة المؤلفين اليونانيين واللاتين وإنما من « دراسة 
الأثار التى ستتكلم بوضوح » . ما أراد بارتيليمى عمله وهو دارس أثار محترف هو 
إعادة دراسة النصوص إلى إطارها الأركيولوجى . 

لم يخف صاحب « الرحلة » أنه مدينه لواريورتون Jus‏ على براعة وأصالة وصفه 
لتطور الكتابة من مرحلة لأخرى من الصورة إلى الحروف . وصل الطريق الصحيح 
عندما قابل بين« الهيروغليقيات كرموز تمثل الأفكار »و« الحروف التى ليست سوى 
رموز تمثل الأصوات » فهو يتقدم على الدرب القويم عندما يقول« عند إختراع الكتابة 
الحالية استخدمت الهيروغليفيات المعروفة كعناصر مكونة للأيجدية الحديقة » (12) , 
معتى ذلك أنه أشار إلى الوحدة الأصيلة التى تجمع بين مخف الكتابات المصرية . 
شعاع ضوء جديد . 

ثم يقول الأب بارتيليمى قى وداعه : « أعددت حجراً من أجل البناء (13) ويمكننا 
أن نطبق عليه ماقاله هی عن زميله لاكروز « تمر لحظات يشعر فيها المرء بالفخر عندما 
يعتقد أنه وضع يده على حقائق فاتت على بقية البشر ... » 


» هذه القكرة جاءت أيضدا على لسان جيتى وأكن يعد ست سئوات . 


352 


« يعتقل المرء أنه وضع بده ؟ » لاياسيدى القس أتك وضعت يدك يالقعل ۰ چان ` 
لوكلان يلخص مشاركة هذا البروفانسالى صاحب الزى الأسود فى عملية البحث 
الكبرى فى « أريع مداخلات هامة : تطايق القبطية والمصريه القديمة * والعلاقة المحتملة 
بين هذه الأخيرة واللغات السامية » العلاقة بين الأشكال الهيروغليفية وأشكال اللغة 
المكتوبة المرسلة وقيمة « البيضاويات » [ الخراطيش ] التى تحيط بالأسماء الملكية , » 
ياله من فن ؟ 

فى ختام كتابها عن الأبحاث الخاصة بالهيروظيفيات والكتابات الأخرى والتى 
أشرنا اليه عدة مرات 55 مادلين داقيد على أنها تنوى « إثبات أن أعمال شاميوايون 
نيعت - باسلويها فى البحث - من حركة حل الشفرة التى إفتتحها بارتيليمى .. 
الواقع أن هذا البحث يضفى لمعانا خاصا وهاجاً على الصورة والأعمال الككيرة - 
والمتعددة - التى قام بها هذا المواطن الكاسيسى وذاك دون التقليل من أهمية ما قام به 
من سيقوه ومن جاعوا بعده . 


الآثار هى التى ستتكلم !! ببد وأن هذا النداء الذى أطلقه جان - جاك بارتيليمى 
وهى الذى بحث من ناحيته فى قطع من القماش وليس على أحجار محفوره - وصل 
إلى أذان المتكشف الألمانى الكبير وعالم اللغفويات كارستين نييور والذى ترجع شهرته 
أصلاً إلى فك شقرة الكتابة المخروطيه *" وأكن لم يكن كتابه عن رحلاته إلى الشرق هو 
الكتاب الوحيد الذى قرأة يونايارت قبل حملته على مصر . بل كان أحد مراحل البحث 
فى الهيروقليفية , 


* ولعل كيرشار يطالب عن بعد يابوة هذه الفكرة . 

+ النصوص التى رقعها كارستان نيبور عام 119/4 فى بيرسييوليس كانت السبب فى فك شفرة 
الكتابات المخروطية كتب بياتريس أتدريه .. لیکمان ( فى كتالوج معرض مواد الكتابه بمعرض الجران باليه - 
امايو -» إبريل 1901 ) حوالى عام 2 A.‏ اتضع تماماً أن الكتابة المخروطيه ت تحتوى على أسرار الحضارة 
بيرسبيوايس وييهيستون هى التى سمحت بحل الشقرة . كان النص الواحد مكتويً ثلاث لفات جميعها بحرو 
مخروطيه ولكنها مختلفه : الفارسى القديم والعلامى والأكادى ( البابلى ) وهى اللغات الثلاث المستخدمه فى 
الامبراطورية الفارمسيه تمكن ح .ف . جروتفائد 'دى تيوتجان والقس الايرلاندى هتكس من قراعة الأولى منذ 
الخروطية تالى بعد ذك على مراحل خالل الذرن اناسع عشر ht ta‏ 
JE‏ وكانت تغطى لغة حضارةلمواها التسيان هى حضارة سومر وهكذا فإن ن الكتابه السومرية ت تعتبر أقدم 
الكتابات التى وصلت إلينا وتسبق بذاك ( يقرنين أو ثلاثة ) الكتابة الهيرئغليفية . 


353 


عاش نيبوهر فى القاهرة فى ١17‏ واهتم بدراسة الحفريات المقدسة وعلق عليها 
قائلا إنها تشبه « الكتابة الابجديه » ثم أوضح أن هناك فروقا بين « رموز كبيرة وأخرى 
صغيرة » وأشار إلى أن الكبيرة ققط هى التى تعتبر « رموز حقيقية » أما الصغرى 
فهى تؤدى دور « الحروق الأبجدية » ولها قيمة صوتية . كما لاحظ بوضوح أن عدد 
الهيروغليفيات أصغر يكثير مما تعبر عنه ولايمكن أن تكون هناك علامة لكل كلمة أو كل 
فكرة . وكانت هذه ال ملحوظة عميقة جدا . إستعارها شامبوليون بعد ذلك ينصف قرن 
من الرحالة الالمانى بعد أن قرأ مؤلفه ( حول عام 18.57 ) وهى بذلك تعتبر مراحل من 
مراحلة عملية حل الشفرة . 


العالم الدانماركى يوجين زويجا لم يكن عارفا بأثار مصر مثلما كان كارستان 
نيبوهر ولكنه كان قارئا لكتب بارتيليمى مقه . عنوان كتايه الرئيسى هى 66 لاذلا 86 
origine obeliscorum‏ (۱۷۹۷ ) وهو يوضح أن البحث مع زويجا خرج من مرحلة 
البحوث الفكرية إلى مرحلة دراسة الأشياء إن أن هذا الباحث تناول بالدراسة أهم 
الأثار المصرية القديمة الممثلة لحضارة وادى النيل . 

ولم يكن ذلك من أجل حل شفرة الكتابة وإئما لنقلها على الورق يطريقة 
وكان هذا Sue‏ آثاريا حقيقيا . 
me - gl‏ حي dub qua‏ نديد صديق شامبوليون شم مسا اقام فى روما وكا 
إليه فى بادئ الأمر هورفضه الحاسم النظريات الرمزية على طريقة كيرشار ولم يكن 
هذا بجديد . غير أنه توصل إلى ملاحظتين قويتين للغاية الأولى أن هذه الكتابة أبعد ما 
تكون مخصصة لقلة من العلماء والكهنة العارفين بأسرار الديانة ولا الطقوس الدينية 
وأكنها كانت « مستخدمة من الطبقة المتنورة من الأمة المصرية » (14 ( « وكانت تستخدم 
فى تحرير النصوص سواء الدنيوية متها أو المقدسة . والملحوظة الأخرى وهى أفضل 
من الأولى : أن هذه المنظومة الكتابية لابد وأنها تحتوى على عناصر صوتية * , 

بهذا يكون يورجن زويجا قد خطا الخطوة الرابعة الهامة قى البحث الهيروغليفى 

وهى التى تلى الإدراك بتطابق اللغتين القبطية والمصرية القديمة ( كيرشار ) ثم وحدانية 


× وهی الحقيقة التى سبق وأن شعر بوجودها كل من واربورتون ثم نيبوهر . 


354 


جميع الكتابات الهيروغليفية وأخيرا تحديد أماكن الاسماء المكلية فى الخراطيش 
( بارتيليمى ) ويعتبر إذن حلقة هامة فى سلسلة الباحثين وأخر مرحلة من مراحل 
التطور التى سبقت إكتشاق حجر رشيد . 
وعلى الرغم من أن مساهمة زويجا قد جددت بعمق معطيات البحث وأن كتابه ظهر 
عام ١917‏ أى قبل سفر بونابارت إلى مصر بعام كامل فإن تحية جان فرنسوا 
شامبوايون له فی عام ۱۸۳۱ فی خطابه التلخيصى جاعت على النحو التالى : 
« أراد ( من سبقوه ) معالجة المشكلة بالمواجهة أى بشرح التصوص مسبقا قيل 
التعريف على أكثر عناصرها بساطة [...] لقد اعتنی زویجا بعمل کشف کامل ودقيق 
أجميع العلامات الهيروغليفية الموجودة على المسلات والمبانى المصرية القديمة » . 
وهكذ تمكن العالم الدانمركى قبل أن تضع المنية حداً « لأعماله المفيدة » من تمهيد 
الطريق أمام من جاءوا بعده ليس كعالم وثائقى فحسب وإنما كرائد فى المجال الحيوى 
الذى هى إدراك القيمة الصوتية للهيروخليفيات . 
سيق أن عرضنا الظروف الفريدة التى صاحيت اكتشاف الحجر المسمى بحجر 
رشيد فى يوليى 11/14 والسرعة الفائقة التى أدرك بها مكتشفوه أهميته العلمية ثم 
إستيلاء الانجليز المنتصرين عليه بعد أن أرسل اللورد الجين العالم ويليام هاميلتون إلى 
الاسكتدرية لجرد وإستعادة الكنوز التى جمعها الغزاة بعد هزيمتهم وعلى رأس هذه 
الكنوز بالطبع الحجر البازالتى الضخم المنقوش باللغتين . وكانت شهرته قد عمت جميع 
الأوساط . 
قبل أن يحتل مكانه فى مدخل القسم المصرى من المتحف البريطانى بمدة طورلة 
أخذت منه عدة صور طبق الأصل وعرفت طريقها إلى باریس فى 59 ١فقد‏ قام ح . - 
ح . مارسيل بعمل نسخة ليتوفرافية منه بينما طبق عليه نيقولا كونتى طريقة الطبع 
بالحفر - الناعم . وأخيراً صب عليه 1 . راينى- دوليل قالبين ( كانت تسمى حينذاك : 
كبريت ) وفى العام التالى قدم الجنرال دوجا وهو من أوائل القادة الذين ابحروا من 
مصر يعد هروب يونابارت طبعتين من نصوص الحجر الذى اكتشقه بلير بوشار (15) 
إلى «الأنستيتو» : النص - با مناسبة - ناقص حيث أن الصيغة الهيروغليفية مته 
مبتورة ( بها 77 سطرا فقط من +١‏ تقرييا ) والديموطقى ينقصة ثلث النص واليونانى 
تنقصه " سطور من مجموع الأريعة وخمسين سطرا الأصلية . 


355 


تشير مادلين دافيد إلى أن حجر رشيد لم يكن ايتسيب بذاته فى حل شقرة اللغة 
الهيروغليفية وإنما يعتير « اكتشاف حاسم فى هذا الصدد بمعنى أنه أثبت منذ البدايه 
العلاقة بين الكتابة الديموطيقية والهيروغليفية من جهة والرياط اللصيق فى العلاقة بين 
هذه النصين والترجمة اليونانية له من جهة أخرى » 

سمحت الترجمة التى أجريت على الفور للنص اليونانى بملاحظة أن النظريات 
القائلة بان الحروف المقدسة كانت مخصصة التعبير الرمزى عن أسرار مكنونة لفسلفة 
سرية وأو علوم لاثنشر ستنهار فور التاكد من أن الجزء الأسفل من النص هى ترجمة 
للنصين الهيروخليفى والمرسل اللذين يعلوانه وهى ما كانت الظواهر كلها تشير اليه . 
سرعان ما اتضح أن النص لايتعدى كونه قرارا صادرا من الهيئة اللاهونية لمدينة 
ممفيس نحو تقديم التحية الواجبة للفرعون البطلسى بطليموس ايفانوس (PONT)‏ 
شى من قبيل ما أصدره المحافظ جوزيف فوريه من أجل تنظيم استقبال حافل للكونت 
دار توا فى جرونويل " . 

قى الوقت الذى كان قيه العامة يمرون مشدوهين أمام الكتلة البازاليتة السوداء 
التى انتزعت بفضل نيلسون من أيدى خلفاء بونايرت كان علماء القارة يعكفون على 
الدراسة والعمل ضمن جهة كانت اللجنة المصرية التى يشرف عليها كونتى ثم لانكريه 
الذى كان أول من علق الإكتشاف ثم جومار - قد بدأت تحرير الكتاب الصرح « وصف 
مصر » . ومن جهة أخرى أخذ بعض علماء اللغات يدرسون صوراً طيق الأصل من 
نصوص رشيد التى وصلت من القاهرة لمحاولة قك شفرتها . فقد أعتبر الحصول عن 
نص واحد بلغتين وهى الأول مذذ زمن هيرمابيون ** , سيبا يسمح بالإنتصار السريع 
للباحثين ٠.‏ . 

غير أن الإله تحوت - أمير الرموز - لم يكن يرفرف على باريس وظلت فخاخة 
مدفونة فى رمال متحركة . أما قى جرونويل فكان واد قى الحادية عشره ينام وسط 
الكتب التى تفرش غرقة صغيرة وضعه فيها أخوه الأكبر كما كانت تغطيها مخطوطات 
وكراسات بلغات أجنبية تحتوى على علوم الشرق العتيق صاحب الاقف السنين وفى 
وجميع الأنحاء كانت كتبية من الباحثين تتقدم لمحاولة الرد على أسئلة أبى الهول . 

يتقدم الكتيبة بطلان : أولهما الحرفى الأصيل الرجل الذى ظل يجسد الدراسات 
اللغوية الشرقية طوال العشرين عاما الماضية والذى كان يعرف من اللغة العريية 


| * واجع فصل ٠‏ : 
aux‏ الذى تمكن رويجا منذ البداية التعرف على أهمية . 


356 


( اللكتوية ) والفارسية أكش من أى فرد أخر فى أورويا وهى سيلفاستر دوساسى . 
والأخر هى المثل الأعلى للهاوى المثقف - يكل ما فى هذا الكلمة من معنى سامى - 
النبيل السويدى » الصديق المقرب من الملك جوستاف الرابع الذى ترك كل وظائفة 
الرسمية ليقيم فى روما حتى يتفرغ لولعه المسيطر » للتعرف على جميع مكونات وجميع 
عصور عالم البحر المتوسط وهو : جوهان دافين أوكربالد . 
كان اسمه الحقيقى إسحق سيلفستر وهو ابن موثق للعقود مقيم فى باريس يحمل 
هذا الأسم ثم أطلق على نفسه اسم دوساسى قبل أن يحصل من تابوليون ؛ على الرعمٍ 
من أنه كان يبغضه وكان يناهضة ولكن بحرص - على لقب بارون › وكان وهى فى 
العاشرة من عمره يترجم ويكتب بسلاسة باللغتين اللاتينية واليونانية ثم تمكن تماما من 
اللغات العبرية والفارسية والعربية وعلى أغلب لغات الشرق . عمل فترة موظفا قى دار 
النقود ثم تخصص عندما أقترب من سن الثلاثين فى تاريخ العرب ثم فك شفرة 
النصوص المحفورة فى سيبوليس التى رفعها نييوهر . 
عندما قامت الثورة الفرنسية كان ساسى وهو فى الثانية والثلاثين أحد أساطين 
الاستشراق الأوروبى - ثم زاذت شهرته يعد ما نشر كتابين عن النظام الديتى عند 
الدروز وفى قواعد اللغة العريية » وكان أحد مؤسسيى المدرسه المختصصه للفات 
الشرقية عام ١790‏ قبل أن يدخل الانستيثو والكولاج دى قرانس حيث تولى فيه 
كرسى الدراسات الفارسية » وتتلمذ عليه جان - فرنسوا شامبوابون إعتباراً 
من ۱۸۰۷ . 
لى أن أنه تم استفتاء العلماء عام ۸٠۲‏ قيمن يختارونه لأداء دور أوديب المكلق 
يحل لغز رشيد لاجمع الكل على إختيار سليفاستر دوساسى ! كان فى قمة صحته وهو 
فى الساسية والأريعين » ذائع السيط بقضل دراساته عن نصوص برسييوليس وقد 
تسلح بنظام خاص لامثيل له فى المقارنة بين النصوص المختلفة الغات يشغل باله 
بالتواضع الزائد والثقة الزائدة بالنفس وإذلك فقد بدا كانه هى أفضل المرشحين لتيديد 
ظلام الأسرار الهيروغليفية . 
فلنستمع إلى شاميوليون وهى فى أخر أيامه يفتتح سلسلة محاضراته فى الكولاج 
دوفرانس حيث احق بأستاذه المسن عتدما كان فى الثلاثين من عمره : 
« اعتبارا من 14-7 قام عالم ميجل بدين له بالكثيرون هذا فى فرئسا لما وصلت 
اليه الأداب الشرقية من إزدهار وإنتشار فى باقى أورويا بفضل انتاجه المهم وهى 


357 


الاستاذ البارون سيلفاستر دو ساسى - بعد أن حصل على صورة طبق الأصل من 
حجر رشيد - بدراسة النص الديموطيقى بالمقارنه بالنص اليونانى ونشر ملخصا 
لابحاثه فى خطاب موجه لمسيى شابتال وزير الداخلية فى ذلك الوقت . يتضمن هذا 
النص المكتوب الأسس الأولى لفك شفرة النص الأوسط * وذلك يأن حدد مجموعة 
حروف تمثل أسماء العلم : بطليموس ؛ أرسيئويه - أسكندر à‏ أسكندرية » المذكورة 
فى عدة أماكن من النص اليونانى (17) » . 
كانت العواصف التى هيت على علاقاتهما - والتى سنتعرض لها فيما بعد- قد 
هدأت يما يسمح له بان يعبر عن عرفان مستحق بالجميل للعالم الذى شارك بأقضل ما 
يمكن - بعد جاك جوزيف ويأسلوب أخر يعد فورييه - فى تكوينه الفكري وتشكيل 
اسلوب عمله وسمح له أيضا بتوضيح النجاح المحدد الذى بلغه صاحب «الرساله الى 
مسيو شاريتال ». 
إنه فى الحقيقة يجمل من دوره بأن أغفل ذكر الخطأ فى التوجيه الذى ارتكبه 
وتسبب فى فشله وهو أعتقاده بأن النص الديموطيقى هو نص ابجدى خالص وقد أدى 
به ذلك إلى ان يقوم بعمليات تقريية أغلبها خاطىء بين هذا الإشارات والخص الپونانى . 
وأذلك فإن حديث شامبوأيون فى هذا المجال عن دور الاسس الأولى لفك الشفرة » حتی 
لى أنسحب ذلك فقط على النص الأوسط يعتبر نوعاً من المديح الأكاديمى ينكر جميل 
بارتيليمى وزويجا وأخرين إلا أن العالم العلمى يشبه البندول الذى يتاأرجح بأستمرار 
حسبما تفرضه الظروف - ظروف علاقات' القوى والحفلات العامة . 
ستتاح لنا الفرصة - كما اتيحت لنا من قبل - أن نذكر مراحل عديدة من المبارزة 
التى ألقى فيها المعلم ( « الحيزويث « 9 » الرابين » كما كتب عنه «صقير» لاخيه 
جاك جوزيف ) بكثير من السم وقليل من العسل بل أنه وصل به الحال إلى حثه 
المشهور له ** وهو مازال مراهقا فى جرونويل على الابتعاد عن البحث الهيروغليقى . 
ail‏ فضل جان فرانسوا قبل وفاته بعدة شهور أن ينتقى ويبرز ضمن كل ما أخذه 
عن استاذه دى ساسى الأقضال دون الصفعات . 
جوهان داقيد أوكر بلاد لم يحظ سوى بتقدير شامبوليون . قليل من رجال هذا 
العالم الذى يعج بالرموز كما تعج اوحة من لوحات أوتشيللى بالسهام والسيوف - عبروا 
نحو الاخرين ( ومنهم شامبوليون ) عن نزاهة متواصلة يهذه الدرجة ورشاقة سلوكية 
بهذا الصفاء . لقد أضفى الأمين عام السابق لأركان حرب ملك السويد على مجال 


. الديموطيقى‎ x 
221 راجع قصل ه ص‎ ** 


358 


الدراسات المصرية وهى لازال فى المهد أسلوياً وسلوكيات لى أنها حافظت عليها لكانت 
هى الرابحة. بل لعل تناسى تلك السلوكيات بعد 1477 قد إختصر حياه باحثنا صاحبي 
الأكتشاف * 
فلنترك الكلمة من جديد لليروفيسور شامبوليون : 
» سلك السيد أوكريلاد المستشرق السويدى صاحب الثقافة الفزيرة التتوع 
والمعرفة المتحمقة جداً باللغة القطبيه نفس الطريق الذى سلكه دوساسي بأن قارن بين 
التمبين : 
نشر** تحليلا لأسماء العلم المذكورة فى النص المكتوب بالحروف الديموطيقيه 
وأستخلمى فى نفس الوقت من هذا التحليل أبجدية مصرية مختصره للديموطيقية أى 
الكتابة الشعبية . بدا هذا النجاح الأول كما لى أنه يؤكد الأمال التى تولدت عن 
حجر رشيد . لكن اذا كان آوكربلاء محظوظا فى تحليله لأسماء العلم اليونانية فهو 
لم يتوصل الى أى نتيجة عندما حاول أن يطبق مجموعة العلامات التى توصل الي 
مدلولاها فى النص المكتوب لهذه الاسماء اليونانية على يقية أجزاء النصس 
الديموطيقي». 
وجد شامبوليون - حسيما قال فى محاضرة عام 145١‏ - سببين وراء إخفاق 
السويدى : الأول عندما لم يقدر أن المصريين القدماء كانوا يسقطون عدداً كبيرا من 
الحروف المتحركة كما يفعل العرب والعبريون ؛ والأخر أنه لم يتخيل أن الكثير من 
العلاقات المستخدمة فى هذا النص كانت « من مجموعة العلاقات ذات القيمة الرمزية » 
غير أن كاشف أسرار الهيروغليفية لايتوقف عند هذه السلبيات وانما يتخطاها بأن 
يخلص إلى أنه بقضل أعمال أوكبرلاد بعد مجهودات دوساسى ثبت أن « الكتابة 
الشعبية للمصريين القدماء عبرت عن أسماء العلم الأجنبية يواسطة علامات ذات قيمة 
القدمة التى كتيها للطبعة الجديدة « للخطاب إلى مسيق دأسييه €‘ 
« الأبجدية المختصرة » الديموطيقية التى وضعها جوهان داقيد أوكريلاد كانت 
تضم سته عشر حرفا استخرجهم من الأسماء الأول للملوك المذكورين وهم اسكندر 
ويطليموس *** وييرينيس ثم تعرف العلامة السويدى على أسماء أخرى منها كليوياترا 
وديوجين وانطياكوس وأنتيجونا وذلك على برديات مختلفة . وفى يناير ١8١١‏ أعلن أنه 


#6 فى خطاب وجهه أيضا لسيلاستر دو ساسى . 
++» كشف أوكريلاد أنه امكن من التعرق فى البداية على بطليموس . أما دوساسى فقد بدا باسكندر . 


359 


قام بترجمة السطور الخمسة الأولى الى اللفة القبطية حيث تحرف على الكلمات : 
شه : » صغير » رجل » ستة » انتصار » شمس ٠‏ بل وايضا صوت ( 

هل كانت الطريقة تعتمد على التخمين وأكتشاف الترديدات أكثر من الإعتماد على 
الدراسة المنظمة حسب خطة موضوعة ؟ بكل تأكيد ! غير أن ذلك يعتبر فى النهاية 
أحدى الوسائل التجريبية فى البحث عن الحل . والواقع أن أوكربلاد لم يتخطى قط 
( إذا أمكن القول ) حل شفرة الأسماء اليونانية الأصل . وينأ » على ذلك فقد أيقن بعد 
خمسة عشر عاما من العمل أنه لن يتمكن من احران أى تقدم واستسلم تاركاً الى 
زميله توماس يانج أفضل اكتشافاته التالية لعام NA. ٠۲‏ فقد كان يراه أقدى منه على 
الوصول بالأمور الى غايتها قبل أن ينسحب من السباق ( ويموت وهى فى الخامسة 
والخمسين ) . عبر النبيل السويدى للشباب جان فرنسوا شامبوليون عن تقديره 
وتضامنه الأخوي . ويمكن الرجوع فى ذلك الى المراسلات المتبادلة * بين الأستاذ 
الجروتويلوانى الشاب وأشهر منافس ( فى ذلك الوقت ) لسيلفاستر دوساسى . وهى 
تتضمن خمس رسائل فقط أثنتان من أوكربلاد وثلاثه من شامبوليون . اللهجة فيها 
تتسم بالقوة والسرعة والأدب . وهى خالية من أدبيات الصالونات وتركز على تبادل 
المعلومات والجدل حول نقاط علمية . علاقة رجال أحرار يحترمون أنفسهم . 

فى 7١‏ فبراير 1417 كتب داقيدا أوكريلاد من روما الى جان فرنسوا ليشكره 
على إهدائه كتاب « مقدمة لمصر إيان حكم القراعتة » ** وهى يعبر عن « تأثره لهذه 
اللفتة الكريمة »وى« اعتزازه بأن يتمكن من تبادل المراسلات الأدبية بينهما » علما يأنه 
لايهتم منذ فترة طويلة « الا قليلا بالأدب القبطى » 

قيما يخص « المقدمة » فهى يرى « أنها مليئة بالملاحظات الممتازة » وتجعل المرء 
« يطوق إلى مطالعة الكتاب الذى تقدم له » هل توجد شبهة تهكم فى السؤال الذى 
بطرحه عن «الاسهامات ( التى يمكن أن تقدمها ) الكتب القبطية لصاحب المقدمة ؟ يلى 
ذلك اعتراضات حادة خاصة بالعلاقة التى يقيمها شامبوليون بين منطقة الفيوم 
واللهجة « الباشمورية » ومع ذلك يؤكد أوكريلاد أنه ليس « متعنتا » بل مستعد لان 
يقنعه زميله الشاب بغير ذلك » . أما بالنسية للأبجدية المصرية فعالم اللغويات السويدى 
يقول عنها بثسلوب يجمع بين أثارة الأفكار والتواضيع المؤثر : « ... يبدى لى أنكم 
ستتفقون معى حول مدلولات الحروف الساكنة لأن الحروف المتحركة يمكن أن نصنع 
بها كل ما زيد*** وبالمناسبة فان خطابى إلى مسيو دوساسى يتضمن أخطاء عديدة 


. جمعها وتفضيل باطلامنا عليها السيد ج كيتيل وقد ذكر اسمه مرات عديدة هنا‎ à 
راجع فصل ه‎ ok 
. #ب» كآن نسقطها على سبيل المثال‎ 


360 


منذ ذلك الحين من تحديد دلائل عدد كبير من الكلمات ولا لم أتمكن من فهم عدد كبير 
دن مجاميع الحروق ة ني ير م تمجاء ن لامر تحايلى لهذا الأثر - وقهو على العموم 

النهاية ها تير الأعجاب وتجعل مره يأسف لأن جوهان داقيد أوكريلاد لم يراع 
Le‏ ... وكان هذا الأخير حساساً لغاية ولم يظهر فى رده أى نهم سوقى المعرفة 
ولكن كان جان فرنسوا سعيدا بأن يرى شخصية على هذا القدر من الشهرة متقد 
فى إبحاثها وهى عالم اللغويات الذى يصادق زويجا ويتخاطب على قدم المساواة مع 
دوساسى والذى يعيش فى روما بعد أن زاى الشرق - تخاطيه بهذه اللهجة التى تنم عن 
التقدير والاحترام . من المؤكد أن ذلك أثار فيه الكثير من الأعتزان بذاته . 

غير أن رده الذى جاء بعد إنتظار ثلاثة شهور لم يكن على المستوى المنتظر فهو 
يتناول فيه خلافه مع كاتورمار * مؤكداً أن «من ميادئة أن يتفادى الصراعات الأدبية» 
وهو ما يؤكد جانيا فى شخصيته يبعد كثيرا المباديء عن السلوك . 

فى ٠‏ بثاير A10‏ ** يرسل الأستاذ الجرونويلواى الشاب جزئى كتايه « محسن 
فى عهد الفراعثه » ویرفق بهما خطاباً يتناول فيه مرة أخرى و« بتعنت » ( وهى الكلمة 
التى استخدمها فى خطاب ) مسائل أسماء المدن المصرية القديمة تهاية الخطاب 
مفقودة وكذلك للأسف رد جوهان داقيد أوكريلاد . هل تضايق السويدى من إصرار 
مراسله الشاب على الدفاع عن أراءه ؟ 

إن ما ينم عنه هذا التبادل فى نهاية الأمر هو الإحترام الذى sta‏ جان - 
La‏ الذى أيداه أوكريلاد تجاه أعمال هذا الريفى المجهول ذى العشرين عاماً هل 
يعتبر هذا تمريراً للشعلة من يد للأخرى ؟ كلا . لان النبيل السويدى الذى توفى عام 
6 كان يعتبر أن الدكتور توماس يانج هى الأقدر على حل اللغز *** , 

لم تكن المعركة قد أنتهت لعدم وجود متعاركين . فانسحاب سيلفاستر دوساسى 
يفت من عضد الجميع ٠‏ بل على العكس .. 


ik‏ راجع قصل ه 
134 التاريخ يقترحه مسيق كيبال وهو ماتؤيده جميع الشوافد . 
+*» اتظر الفصل التالى . 


361 


فى الوقت الذى تحرر فيه جان فرنسوا شامبوليون من العواصف السياسية التى 
دامت من 1816 حتى 148148 ومن أثار « نفيه » إلى فيجاك والتهديدات التى نجمت عن 
مغامرة« استيلائه على الباستيل » عام 1481١‏ . ذهب ليقيم فى باريس ليقف فى 
مواجهة أبى الهول - فى ذلك الوقت كان هناك ما يقرب من عشرة من الباحثين من 
مختلف التخصصات يلح على أفكارهم لغ الهيروغليفية . 

فى عام 1404 نشر باحث مجهول دراسة فى : تحليل للنص الهيروغليفى 
لحجررشيد ولم يعبه سوى شئ واحد : فهى يقدم ترجمة لأربعة عشر سطرا من النص 
المقدس ( أى ما يربو على ثلث الفصل الأصلى ) يواسطة الأربعة وخمسين سطرا 
للنص اليوناتى المبكور ريعة ...+« إن هذا العمل لا يمكئه أن يصمد أمام أبسط 
أمتحان له » هذا ما أكده شاميوليون عام 1/11 . 

نشر الكونت بيلس ح . بالين عام 1417 «فى دراسة الهيروغليفيات » يحاول فيه 
تجميع لغة رمزية مبنية على تاريخ الأديان . وهو يقول « إن الحدث الهيروغليفى يعبر 
عن نظام الأشياء » وليس له أى دلالة صوتية . وبذاك نكون قد عدنا فجأة إلى كليمان 
السكندرى وهو رابوللون وكيرشار ... من وجهة النظر اللغوية كانت هذه المحاولة 
ضعيفة فى استدلالتها لكى تؤخذ بعين الاعتبار : وام يفت جان - فرنسوا أن يسخر 
من غريمه وهى يراسل أخاه . 

هل يستوجب البحث أن نذكر أعمال الأب جوهان سيفران حتى لانكون قد أهملنا 
أى عنصر من عناصر السلسلة : قدم فى ۱۸١١‏ ما أسماه« فرضية » أكثر من كونها 
حلا ترجمة لثلاثين علامة من المخطوط الهيراطيقى ؟ أقل ما يمكن أن يقال عن هذه 
المشاركة هى أنها لا تلفت قط نظر مؤرخى البحث العظيم . واكننا سنراها تثير اهتمام 
توماس يانج ٠‏ 

اسم يتردد مرارًا هى اسم الأخوين هومبوادت : الكساندر وفيلهالم ‏ على الرغم 
من أن هذين العالمين لم يشاركا مباشرة وبصفة شخصية فى المسالة المصرية . أول 
الشقيقين قارن فى كتابه « مناظر من سلسة الكوريليارا » وهو يتكلم فيه عن « معايد 
السكان الأصليين فى أمريكا » بين « اللوحات » التى رسمها الفنانون المكسيكيون 
وهيروغلفيات وادى النيل وهى بذلك شارك بالمقابلة فى إضعاف نظرية الأفكار المكتوية . 
أما الأخير فقد وضع سلطته العلمية الكبيرة كعالم لغويات فى خدمة أفكار شامبوليون 
وقد شارك بعد عام ۱۸۲١‏ فى أن يحصل على حقه العادل والمستحق . ومن هنا تأتى 
الصداقة التى جمعت بين الرجال الثلاثة . 


302 


لم يبتعد عن الساحة جميع المستشرقين الفرنسيين الذين درسوا فى حينه فى 
المدرسة الخاصة وفى الكولاج دى فرانس على يد ساسى ولانجلاس وأودران * بل 
شاركوا جميعا بطريقة أى أخرى فى المشروع الكبير : كاترومار » سان مارتان » 
اوترون وريموزا . 

كما ظل القدماء مثل الكسندر لونوار على إصراره لا يستسلم ثلاثون عاما بعد 
محاولاته الأولى *" محاولين إلقاء الضوء الكاشف على اللغز ... ومثل علماء اللغويات 
الكبار مثل فولنى والهواة الجسورين مثل ربيو الذى إدعى فى 1415 أنه اكتشف 
الحقيقة - وجومار الذى اعتقد عتقد أنه على الرغم من كونه alle‏ جغرافيا فإن ماضيه 
كمساح لوادى الثيل إلى جوار الجنرال بونابرت وسلطته التى اكتسبها بصفته 
المستول عن « وصف مصر » يعطيانه a‏ مشروعا غير منقوص فى الكشف عن كل 
ما يتعلق بمصر . ثم ماذا نقول عن فورييه ؟ لكن هل من المعقول أن نكون كتينا المقدمة 
التاريخية للوصف دون أن نشعر بحقنا فى أن نلقى الضوء على المناطق المظلمة ... ؟ 

سبق أن أشرنا إلى الانتقادات التى وجهها جان - فرنسوا شامبوليون لوصف 
مصر وأنه ذهب إلى حد وصفها بأنها « ماء مغلى » فقد وجد على وجه الخصوص أن 
ما نقل من العلامات الهيروغليقية كان يتسم بتقريبية مشينة : إن بعض إنتقاداته كانت 
من العنف لدرجة تكاد تقترب من الظلم إذا تذكرنا فى الظروف المادية وأولها المناوشات 
العسكرية التى عمل فى كنقها لاتركيه وجوادا وفيلار ودوتارتر ورودوتيه ومارسال .. 

فى محاضرته الأولى فى الكولاج دوفرائس وهى فى شتاء عمره سيعبر كاشف 
اللغز عن عدل أكبر إن حيا الموهبة الفزة التى تمتع بها مناقسوه . كما حيا ماقاله عنه 
هؤلاء المناقسون الذين قاموا برقع النقوش فى صيف 18٠١‏ بين دفعتين من إطلاق 
الثار تحت حماية دوسيه اويليار وهم فى ردائهم العسكرى فى درجة حرارة خمسين 
مئوية فى الظل الذى تتردد الأثار فى إلقائه عليهم ودون أن تكون فى حوزتهم الأدوات 
الدقيقة العلمية المطلوية . 

ويؤكد شاميوليون فى 187١‏ - بعد أن ذكر الظروف التى أحاطت يفقورييه ورفاقه 
وهم يقومون بأبحاثهم : « إن هذا العمل العظيم يؤكد - لدى دراسته فى إطار الإهتمام 


++ راجع المقدمة . 


363 


الحق يتقدم المعارف التاريخية - على أن أكثر المعلومات قيمة كانت 5: تختبئ داخل هذه 

المخطوطات الهيروغليفية التى تزينت بها دون استثنا ٠‏ جميم الآثار االصوية ... | 
ثم تحدث جان - فرنسوا شامبوليون وهى لا يزال يقطو دماً من بعضى الجروح عن 

« الرحالة الانجليز ولعلهم كانوا فى حماسهم الزائد مدفوعين برو من المنافسة الوطنية 

أكثر من اهتمامهم المفروض بالعلم » حاولوا أن يقللوا من قيمة العمل العظيم . ثم 

أضاف ليبدو أفضل من منتقديه موضحاً أن « الأبحاث المفيدة a:‏ قام بها الا 
٠‏ وهويكون بذلك قد عاد إلى اب الموضوع . 


364 


٠‏ - الرائد ذو الوردة 


كتلة من البازالت فى ا متحف البريطانى - توماس يانج « الظاهرة » - كما لو كذا 
نتلاعب ... - ترجمة « فرضية » - وإنجتون عالم اللغويات - هدوء شامبوايون -مقال 
فى الانسيكلوبيديا بريتانيكا - بطليموس ! - مباراة فرنسا - انجلترا ؟ -« ... إنه 
إذن من الرواد » - الحدس والأسلوب . 


يستحيل أن تدخل المتحف البريطانى دون أن يشدك على الفور هذا المغناطيس 
paul‏ حجر رشيد. منذ أن تدلف من بوابة الصالة الفسيحة للغاية التى خصصها 
مسئولى المتاحف الإنجليز للآثار المصرية تستقبلك كتلة اليزالت * الأسود - ١‏ مترو 
۰سم فی ٩۰‏ سم و٣٣‏ سم سمك تقریيا - وهى مائلة قليلاً داخل حزام حديدى 
وتحاصره باستمرار أفواج تبدى كما لى أنها قدمت بذات الحمى التى استوات على 
الملازم بوشار ومعاونيه عندما استخرجوا هذه التحفة من أساسات قلعة رشيد القديمة 
فى إحدى ليالى يوليى ١7/49‏ . مكان للذكرى ؛ حجر فلسفى منضدة الساحر . 

فى بياض فى نصاعة الطباشير تبرز النصوص الثلاثة كالمعجزة وسط الكتلة 
السوداء . تيدى كما لى أنها صنعت بالأمس فقط . 

الذى لا يشاهد كثيرا هى النص الصغير الأكثر حداثة المنقوش فى 
خلفية القاعدة : « تمالاستيلاء.عليهفى مصر بواسطةالجيش البريطانى ١8٠1١‏ 
gi. Captured in Egypt by The British Army, / 18 01.‏ بالفعل غنيمة حرب 
استولى عليها الفريق تورنر الذى نفذ تعليمات ويام هاميلتون وصادرها من فوق سفينة 
فرنسية ونقلها عام ۱۸٠0۲‏ من الاسكندرية إلى بوسموث قبل أن توضع فى المتحف 
امشهور . وكتب فى تقريره : « غنيعة مجيدة للسلاح البريطانى [ ... ] لم تنتزع من 
أيدى شعب أعزل ** ولكن أخذت بشرف وطبقا لقوائين الحرب . » 


٭ بعض علماء المصريات تساطوا مؤخرا عن طبيعة هذا الحجر .. إلا أننا سنتمسك بالتسمية الكانسيكية 
ونعتبرها مؤكدة . 
++ ضمئيا : كما قعل الفرنسيون , 


365 


قوانين الحرب ؟ قد نرجع إلى تلك المقولة أحياناً خلال سردنا لوقائع هذه « المباراة 
بين فرتسا وإنجلترا » التى ستشهد مواجهة لاهوادة فيها بين الوردة * والديك ** 
متناسين أن فى القرن السابق لم يتردد واريورثون ( الإنجليزى ) ومالبان 
( الفرنسى ) فى خلط معرفتهما ووحدا قلميهما فى بحثيهما عن كأس المجد فى 
وأدى التيل . 

انختلط إذن بجموع زوار « البريتيش ميوزيوم » . هل نندهش أم نتضايق لدى 
سماعنا لكلام المرشد السياحى وهو بدلاً من أن يشير إلى أعمال الباحثين الأوائل 
لمعهد مصر [ انستيتودى كار ] يبرن أمجاد نلسون التى لولاها [ والحمد الله ! : 
ai U [ Thanks god‏ نقل الحجر من المركب الفرنسى إلى سفن صاحب الجلالة ؟ 
تندهش ؟ لا !! نيتسم ؟ نعم ! 

إلا أن الألواح والصور التى تزين الحوائط المحيطة - الأرقام والشروح والتعليقات 
التاريخية والصور الشخصية - تستدق منا اهتماماً أكبر ؛ إن يتضح منها أنه إذا كان 
شعب لندن الطيب - لندن وغيرها أيضا - لم يعد يجهل شيئًا من معانى النصوص 
المشهورة فإن ذلك يرجع إلى عبقرية عالم يريطانى اسمه توماس يانج استكملتها 
المجهودات التى تسثحق التقدير - وإن كانت ظلت خاطئة لفترة طويلة - والتى قام يها 
جامعى فرنسى مجد أسمه شامبوليون + 

تزين الحائط المجاور صورتان لوجهين : إلى اليسار . فى مكان بارز . صورة 
الدكتور يانج كلها جلال ومعروضة بعظمة أكبر يفضل إخراج لورانس لها . ؟ ثم إلى 
اليمين - بشكل فرعى وبريشة ليون كوانيه المسطحة لكل شىء صورة جان - فرنسوا 
شامبوايون الذى يبدى فى حزن تعبيرات وجهه كما لو كان موصوماً بالعلاقة المشينة 
التى تميز سارق أعمال غيره . علماً بأن كل من كان خارج دائرة المتحف البريطانى 
يعلم أنه هى الأب الشرعى لاكتشاف سر الهيروغليفية . 

ولكى تكون الأمور أكثر وضوحاً فإن مكتبة المتحف تبيع للزوار كتيبا أنيقا عنوانه 
حجر رشيد 51008 085613 116 تزينه صورة توماس يبانج المذكورة على صفحة 
كاملة ونفس صورة شامبوليون منشورة بتحرج على نصف صفحة . يصف الكتيب 


× رمز لإنجلترا ( المترجم ) . 
** رمز لفرنسا ( المترجم ) . 


366 


اكتشافات العالم البريطانى التى استغلها أستاذ جروتويل بدأب بأسلوب يصعب معه 
فهم لماذا وكيف توج هذا الأخير يلقب مؤسس علم المصريات فى نهاية الكتيب . إلا إذا 
كان مدلول كلمة ه موؤّسس » هنا هى العامل الفنى الذى يحفر الأرض بالمجراف تحت 
إشراف ال مهندس العبقرى . 

ولكن إذا عدت إلى باريس وليطمئن قلبك فتحت قاموس لاروس الصغين Le Petit‏ 
Larousse Illustre‏ ستجد ما يلى تحت اسم يانج » توماس : « عالم فيزياء إنجليزى . 
اكتشف التداخلات المضيئة » ولا شىء غير ذلك . يكقفى أن تعبر المانش ليكون يانج 
هناك هى المكتشف الحقيقى لأسراز الهيروغليفية - هى هنا « عالم فيزياء 
انجليزى «. 

سنرى كيف أن العلم البريطانى المعاصر سيتفادى مثل هذه المعارك وأن كتاب 
10م اوتا 5 0«الالا 0'5لالا لوران داوسون وإيريك أبهيل (1!) - ضمن أخرين يكتب 
عن يانج أن اكتشافاته « لا يمكن مقارانتها باكتشافات شامبوليون » الذى يتم تقديمه 
بكل وضوح على أنه أبى علم المصريات . 

ليس مؤكداً أن مدرسة المصريات القرنسية - فيما عدا استثناء واحد - هو 
سوناس فى « مقدمة 177 لخطاب إلى مسيو داسييه » - تحيى بتفس الدرجة من 
العدل توماس يانج الرائد . ولذلك فسنعمل قدر جهدنا على ألا تغفل أياً من الأضواء 
التى سلطها هذا العبقرى على اللغز المصرى . فهو يعتبر « كيرشار » حقيقى العصر 
الحديث الذى كان بالنسبة لعلم الضوء ما كان جوزيف فورييه بالنسبة للحرارة . 


ولد توماس يائج فى يونيى ١/5‏ فى ميلفرتون ؛ سومرست من عائلة من 
الكويكرز تعلم القراءة وهى فى الثانية من العمر . ولما بلغ السايعة تعلم اللاتينية 
واليونانية والرياضيات . وما أن وصل إلى الثانية عشرة إلا وكان يتكلم العبرية 
والفارسية ويرع فى استخدام معدات البصريات . وفى الرابعة عشرة كان قد تمكن من 
اللغات العربية والفرنسية والإيطالية والاسبانية ونلتها السيريانية والكالدية . 

وليظن المرء أنه يسمع صدى لتاريخ حياة جان - فرنسوا شامبوليون مع فارق 
واحد هى أن شاب مقاطعة سومرست كان أكثر إنفتاحا على العلوم الوضعية أكثر من 
شاب مقاطعة كارسى ... 


367 


قادته دراساته الطبية وهى فى العشرين من عمره إلى مستشفى سينت بارتولوميو 
فى لندن حيث بدأ ظهوره ييرز فى تمكنه من مادة الاوفتالمولوجى ( الرمد ) -- حتى أنه 
الى فى تلك الفترة المتقدمة محاضرة مجددة أمام الجمعية Royal Society LIL‏ 
عن خصائص العدسة البللورية . ثم واصل دراساته وأبحاثه فى إدنيره وابتعد عن 
أخلاقيات وأسلوب حياة الكويكرز وأثبت أنه رجل مجتمع مثالى ويعزف على آلة الفلوت 
ويؤدى الأدواى الترفيهية فى المجتمع - حتى أن بعضهم يقول أنه أصبح راقصاً محنكا 
على الحبال ... ويذاك يكون الأول من نوعه فى مجموعتنا الغريبة من حلالى شفرة 
البيروغليقية ! 

وها هى يصل إلى جوتنجن حيث مسه شيطان علم اللغويات ؛ إذ اكتشف أعمال 
الأب جوهان سيقران * الذى كان يعكف على دراسة الكتابة الهيراطيقية مدعيا أنه 
اكتشف أيجدية تضم ١١‏ علامة » ورد عليه توماس يبانج مؤكدا فى نقاش عام أن تلبية 
متطلبات الصوت والتعبير الإنسانى تقتضى وجود ما لا يقل عن ٤١‏ حرفا . 

ثم نجده مرة أخرى بعد وقت قصير فى كيمبريدج حيث كناه أساتذته وزملائه 
« بالظاهرة » . وهناك تعرف على وليام جيل ( الذى سيؤدى دوراً فى الصراع 
الايجبيتواوجى الكبير فى العشريتات من القرن إلى جوار شامبوليون ) ويد السلسلة 
الطويله والعظيمة من تجاريه على الضوء . وسرعان ما أصبح سكرتير الجمعية الملكية 
للعلوم ثم عضوا فى كلية الأطياء البشريين الشهيرة 5لةأءأولاط5 College of‏ 
ممارساً فى الوقت ذاته مهنة الطب والأبحاث عن العلاقة بين الصوت والضوء . مهتم 
بإدسخال الغاز إلى لندن وتقنيقيات بناء السفن ومديراً لجلة Nautical Almanac‏ 
المناخ البحرى ومستشاراً للأدميرالية البريطانية فى المجال الفلكى ... 

عندما توقف عن ممارسة الطب فى عام 14١4‏ كان ذلك لكى يعمل فى مجال ... 
التثمينات ! الشركة التى طالبت تعاونه معها كانت تبحث عن حاسب جيد لكى تفتتح 
خط نشاط جديد لها . وهو ما يجعلنا نعتقد أن هذا الرجل المتعدد المواهب اختار هذا 
الطريق لكى يتمكن من الاستمرار فى تحويل أبحاثه عن آليات عمل العين وبناء القرنية 
والتكيف والاستجماتيزم مما جعله مؤسس علم الفيزيولوجيا البصرية . 

دون أن يهمل دراساته الخاصة بالعين والضوء والألوان » وفى نفس تلك الفترة 
اندقع مشاركا فى المغامرة المصرية الكبرى . إذ بدأ كل شىء بالنسبة له فى أحد أيام 


368 


شهر يونيى عام ٤‏ عندما أحضر له أحد أصدقائه سير راوز يروتون الذى كان 
يعرف اهتمامه باللغات القديمة يردية ديموطيقية ليشغل يها أوقات فراغه التى يقضيها 
فى الريف . اليس فى ذلك مادة لترفيه هذا العقل الشامل الذى يثير كل شىء فضوله ؟ 

الشك لا يدخل قط قلب الدكتور يانج وحيث يفشل عالم لغويات كبير مثل ساسى 
أى علماء اللغة القبطية المشهورون مثل أوكربلاد أى كترومار .. ينطلق هى . وهاهى يقبل 
على فك ألغاز ليس بردية بروتون فحسب وإنما أيضا النص الأوسط لحجر رشيد .. 
وهى لا يسميه « ديموطيق » ولكن « أتكوريالى » . 

وهى عندما يدخل المغامرة - يفكرة أن يلهى فقط كما يقول - كانت شهرته كعالم 
معروف ومحترم مؤكدة - وكان ثريا بالقدر الذى يسمح له بالتوقف عن ممارسة الطب , 
وله أصدقاء عديدون وعلاقات فى لندن وعبر أورويا . ثم إن حجر رشيد فى متناول يده 
إذ كان يكفيه أن يدفع باب المتحف البريطانى للوصول إليه . وسرعان ما يتصل بالرجل 
الذى قيل له عنه أنه يفوقه فى اللغة القبطية أكثر من أى فرد آخر فى العالم ألا وهو 
أوكربلاد والذى قيل عنه أيضا أنه يئس وابتعد عن المشروع العظيم . 

وعلى القور يضع العالم السويدى تحت تصرف القادم الجديد جميع الاكتشافات 
التى توصل إليها وعلى وجه الخصوص أبجديته الديموطيقية المشهورة المشتملة على 
ستة عشر حرفا والتى كانت تعتبر فى زمانها قمة الاكتشافات فى مجال علم 
المصريات . لم يمض وقت طويل قبل أن يكتشف أن منظومة أى كريلاد غير فاعلة البته . 
غير أن ما قدمه له أوكريلاد * فى بداياته جعله يتساوى خلال بضعة شهور مع أكثر 
الباحثين علماً . 

دخول توماس يانج الحلبة كان كاسحاً : ففى خلال ثلاثة شهور تمكن من اللحاق 
بجميع من سبقوه بل وتخطيهم أيضا . ففى الثالث من أكتوير عام 18١4‏ أرسل إلى 
سيلفاستر دوساسى ويعد ذلك بقليل إلى مجلة أركيولوجيا 81016010015 « ترجمة 
تقريبيةللنص الدنكوربالى ** » ( الديموطيقى ) توصل إليها بقضل منظومة عبقرية 
للتقريب والتبويب السطرى والمقارنات المادية للعلامات المختلفة » بل تجرأ أيضا وأخذ 
يطبق نفس المنظومة على النص الهيروغليفى - حتى أنه أعلن عن قرب حل لغز النص 
الهيروغليفى « الذى مازال سليماً . 
+ سينفى دائماً أى أهمية له . 
*»* أعيد نشره فى العام التالى بالتوقيع السرى الغريب 1ب ج د فى ll Museum Criticum de‏ تصدر 
فى كيمبريدج . 


369 


كيف تمكن هذا الطبيب العبقرى - ولكن دون آى تأهيل فى اللغويات - علما dt‏ 
يتكلم عشرة لغات شرقية قديمة ولكنه غير ضليع فى اللغة القبطية التى تعتبر تعتير طريق 
الدخول الأساسى إلى فك الشفرة -- كيف أمكنه أن يحقق التقدم بهذه السرعة فى 
ساحة يجويها كم ضخم من المتخصصين أفضل منه تسليحا لخوض تلك المغامرة على 
مايبدى ؟ لنقراً هذه الملحوظات التى أفضى بها عالم اللغويات التمساوى دويلهوقار : 
« لم يكن فى مقدوره إلا أن يقارن مقارنة مادية بحتة بين النصوص ... إن ما قاده فى 
استتباطه هى حدسه الحسابى . إلى أن حصل بفضل مقارناته وتكيقاته الرياضية على 
نتائج مثيرة فعلا للدهشة إذا أخذنا فى الاعتبار عدم كفاية الوسائل المستخدمة . » 

بالطبع لم تكن ترجمته بعد وباعترافه هو سوى « إفتراضية » * إلا أن تمكنه من 
التعرف السليم على يعض المجموعات منذ أن كتب رسالتهإلىساسى ومقاله فى 
الأركيولوجيكا أى بعد ثلاثة وأربعة أشهر فقط لشىء مذهل . وهو ما يؤكد عليه هنرى 
سوتاس : « منذ نوفمبر ۱۸١١‏ توصل يانج يقفزة واحدة إلى النقطة التى أن يتخطاها 
[si‏ «. @ 

هل سهل ما توصل إليه كل من ساسى وعلى الأخص أوكريلاد من التعرف على 
بعضى الكلمات من عمليات التبديل والتوفيق التى سمحت ليانج من القيام بهذه القفزة 
الضخمة إلى الأمام ؟ لن يعترف العالم الانجليزى بذلك أبداً ولا بالقدر القليل SAS:‏ 
يقول فى التعليق الذى قدم يه« لرسالته إلوساسىٍ »فى أكتوير 1/1١5‏ موضحاً : 
« أعتقد أنه بامكانى أن أعتير ترجمتى مستقلة تماماً عن الأيحاث الذكية لأركريلاد » 
وعندما يكتب السويدى فى إحدى رسائله : « إذا صدق مسيى دوساسى القول فإنكم 
استخدمتم أبجديتى بكاملها تقريبا وكذلك قراءاتى ... » فيرد توماس يانج على الفور : 
م لا يعكنتى أن أدعكم تقولون أن استخدامى لمعظم قرائتكم المتضمنة فى خطابكم 
الأول يرجع إلى موافقتى على ما توصلتم إليه من نتائج ‏ ولكنها ترجع إلى أبحاث 
مستقلة قمت أنا بها . الواقع هى أن الثلاثة أسماء التى يسهل جدا التعرف عليها 
اكتشفها مسيى دوساسى أما الستة عشرة والثمانى عشرة كلمة الأخرى المذكورة فى 
خطايكم كانت أيضا الأكثر وضوحا للعين : ومن الطبيعى أنها اتضحت أمامى كما أنها 
اتضحت أمامكم حتى لو لم أسمع قط عن خطايكم . » 


٭ اعتراف مرحلی فقط كما سترى ... 


370 


ولكن إذا كان حدس الطبيب الانجليزى أفضل من روحه الرياضية - حسيما 
يقول سوتاس - فإنه من الظلم البين أن نفعل ما فعله سيرييتر لوباج - اونوف * 
ونصف محاولات التهديف الأولى ليانج بأنها « غير جديرة بالاھتnمام Worthlessnes58‏ 
حتى لو أن هذه المحاولات لم تتحول إلى هدف داخل الشباك .. 

كيف يمكننا تلخيص هذه المجموعة الأولى من النتائج ؟ فى ثلاثة أى أريع نقاط . 
أولاها تتعلق ببداية القراءة ... فبفضل تخريج ذكى جدا لبعض السطور فى النصين 
المصريين تمكن الطبيب الانجليزى من التعرف علي بعض المجاميع . النقطة الثانية 
تتعلق بالمدلول الصوتى المحتمل للحروف الهيروغليفية : وهى ما يضع تحته طبيب 
الضوء الأسطر بذكاء ( حتى لى أنه تراجع عن ذلك بعد أريعة أعوام ) النقطة الثالثة 
تتعلق بتنقيح ما سبق أن تصوره العديد من الباحثين ** وهو أن الكتابة المرسلة 
( الديوطيقية ) هى من مشتقات الهيروغليفية . أما « الاكتشاف » الرابع الذى قام 
به فی خريف ۱۸١١‏ حسبما يقول الباحث نفسه - وهی أن « البيضويات » أو 
» الخراطيش » تشير إلى أسماء الآلهة والملوك . فقد سبق ورأينا كيف أن بارتيليمى 
وجينى وزويجا قد وضعوا أسس هذا المبدأ ولكن دون أن يستخلصوا النتائج المترتبة 
على ذلك مثلما فعل توماس يانج ببراعته الفكرية وخصويته العقلية . 

تأثر سيلفاستر دوساسى بالبحث الذى وصله من لندن للدرجة التى جعلت منه منذ 
ذلك الحين المداقع عن الباحث الانجليزى وأن يعتبره لدة سيع أو ثماني سنوات 
المكتشف الأكثر احتمالا للغز . مفضلاً إياه على طلبته القدماء فى مدرسة اللغات 
الشرقية ومنهم شامبوليون . هل كان رد فعله الأول رد فعل عالم ؟ إن عالم اللغويات 
بداخله كان يدفعه إلى اعتبار يانج هاويا خطيرا . ولكن هذه الشخصية المرموقة فى 
التجمع العلمى رأى فى سكرتير الجمعية الملكية فى لندن زميلاً مساويا له فى القدر . 

ثم يجب ألا يغيب عنئنا أن ساسى كان شخصية تحركها معتقدات سياسية قوية . 
وفى الجدل الكبير المشتعل فى ذلك الوقت بين « الغول » و« زهرة الزنبق » كان يعتبر 
الانجليز يطبيعة الحال أفضل حماة لآل بوريون ... وأستاذ جرونويل الصغير من زيانية 
بوئايارت . 

سيواصل توماس يانج أبحاثه فى اللغويات دة ثلاثة سنوات متصلة بين كتابة 


» انظر فيما بعد فى ذات القصل . 
+« منهم شامبوایون . 


371 


مقال عن عصب العين وإلقاء محاضرة عن التداخلات المضيئة ومشاركة فى نقاش عن 
الملاحة كما واصل تبادل الرسائل مع ساسى وأوكريلاد والشقيقين هومبولدت ومواطنيه 
نيبى جال ويانكس : إنه يتحسس طريقه هو أيضا كعالم حق ويصحح أخطاؤه ثم يعود 
من جديد وهكدا .. أعلن فى خطاب لساسى مؤْرح فى ١‏ أغسطس 18١١‏ أن الحروف 
الديموطيقية ليست كلها حروفا أبجدية إن أن بعضا منها لها مدلول رمزى ... وهى إذا 
كان يتحسس طريقه فإن ذلك كان فى منطقة قريبة من الذور . 

كانت تلك هى المرحلة التى يرجع إليها كما رأينا من قبل أولى تبادل الرسائل بينه 
ويين جان - فرنسو) شامبوليون " بمناسبة إهداء شامبوليون كتايه مصر فى عهد 
الفراعنة للجمعية الملكية ( سكرتيرها فى ذلك الوقت كان توماس يانج ) . وكان هذا 
التيادل معبرا جداً » إذ أن الانجليزى كان يتكلم من عليائه كرجل واثق من عمله 
ونتائجه القريبة ويريد أن يعترف الآخرين بنجاحاته وتفوقه . 

كتب توماس deuil poils‏ الفرنسى يقول له أنه أرسل لساسى منذ ستة شهور 
« ترجمة ظرفية مع شرح للأسطر الأخيرة المكتوبة بالهيروغليفية « ٠‏ وهو لم يكن يشك 
فى أن المعلم الفرنسى الكبير قد أحاط تلميذه علماً بكشف له هذا القدر من الأهمية .. 
ثم فى جملة تالية يسحب كلمة « ظرفية » : ويقول ببساطة « ترجمة الكتابة المصرية 
لحجر رشيد » ثم يضيف الدكتور يانج مزايداً : « بعد التعرف على معاتى العديد من 
الحروف الهيروغليقية . وجدت بعضها واضحة جداً فى تصنا ** المصرى : فهى بالتالى 
ليست سوى حروف أبجدية . .. » لا يمكن إذن أن نؤكد بأكثر من ذلك الجلال المتعالى 
على الأسبقية والتفوق . إذ لا يصح أن نقول لهذا الشاب الذى يؤكد أن لديه ادعاءات 
تنافسية أنه وصل متآخراً وأننا اكتشفنا مفتاح اللغز بالفعل هكذا وقبل أن يقضى 
ولينجتون على كل أمال « الأمبراطورية الجديدة » بكلائثة شهور . كان يانج يحاول بذلك 
أن يقضصى تماماً على أى أمال أو حتى تخيلات قد تراود شاب جرونويل . 


ومع ذلك فلم يبد على جان - فرنسو) أى تأثر سلبى فى رده فى 9 مايى ولا حتى 
أى اندهاش . بل يرد بكل برود أن ساسى لم يطلعه على « النتائج التى توصل إليها 
( مراسله ) بعد المجهودات العلمية المتعلقة بحجر رشيد » ( أى أنها طريقة مهذبة 
للقول : إذا كان فيها شىء جديد فإن استاذاً مثل ساسى لم يكن ليحجبها عنى .. ) 
» راجع الفصل ۷ . 
++ لاحظ صيفة الجمع هنا ( بالنسبة لحجر رشيد بالطب ) . 


372 


ويختثم خطابه بأن يستعير من يانج تنازلاً وقورا فيقول : « لا أتمكن من إبداء رأى إلا 
بعد أن أطلع على بحثكم الهام » . لم يخش أن يقلب الأوضاع ووضع نفسه فى 
مكان الحكم ... 

سيحصل جاك - جوزيف على هذا التعليق الواثق : « يريد الدكتور يانج أن يؤدى 
دور أبى الهول إلا أن روح عائلة يوسى ليست بداخله إنه يعتقد أنه يفهمنى وهى لا 
يفهمتى » ٠‏ أول تقارع بالسلاح سيبقى افترة طويلة معلقاً . يعد ذلك . 

الشىء الغريب اللافت هو أن الحرب الدائرة سمحت عام ٥‏ بتبادل هذه 
الرسائل التى 3 تحتوى على لب الجدل العظيم فى حين أن السلام الذى حل بين لندن 
وباريس بعد تنازل نابوليون عن العرش لثانى مرة قد رفع من كافة الحواجز المادية أمام 
تبادل المراسلات لم يساعد على التواصل المكتوب بينهما . وسيبقى الحال هكذا لمدة 
سبع سنوات » الصمت الكامل إلى أن تسمع صرخة الباحث الفرنسى : «وجدتها 
يوريكا {C4‏ 

هل نقر - خلاقا لما يؤكده يانج - أن جان - فرتسوا لم يحصل من ساسى على 
الخطاب الذى وجهه الطبيب البريطانى للمستشرق الفرنسي الكبير فى " أكتوير 1/814 
والذى يحتوى على أهم تأود يلاته ؟ أى أنه لم يعط لتفسه الوقت لقراءة هذا المستند الذى 
كان يمكن أن يفير مجرى حياته بأن يقضى على طموحاته ؟ هذا ما تؤكده مدا 
هارتلویان » ولا يوجد دليل واحد يؤكد العكس . 

الواقع هى أن لا شىء فى مراسلات « صغير » التالية يجعل المرء يعتقد أنه أحس 
بنار القذيفة وهى تمر بجانبه - وهى القذائف التى ستقضى بعد أساييع قليلة على 
الحرس الامبراطورى .... هو - الذى واجه بكل التحدى المتصلب كاترومار وجومار 
نجده هنا يتصرف يبرود يحسده عليه مناظره . إلا أننا نعرف بفضل خطاب سيق 
ذكره حول مقال للدكتور يانج *يخص المقدمة - أنه لم يكن ينظر باعتبار لعلم 
( اللغة أو التاريخ ) البريطانى إذ كان يرى أنه يصلح فقط فى التعليق على التوراة 


« وجدت فى أوراق شامبوليون المعنونة « شامبوليون فى الليسيه » المقال الذى نشره يانج فى المجلة الشهرية 
Monthly review‏ حول الكتاب الأول لشامبوليون وكذلك على نسخه كتيها بخط بده ( وكان ذلك فى تبويب 
غريب داخل الملف ) جاء المقال إيجابيا فيما عدا تحفظ شامبوليون الخاص بالمصادى اليهودية . أغرب ها جاء 
فى المقال هى جملة يعبر فيها العالم الإنجايزى عن أسفه لأن الفرنسيين سيطروا على مصر لأن « المناخ 
التدميرى الذى يسود هذا البلد كان يمكن أن يقضى على شباب زائد عن الحاجة وأصمبع مصدر اضطراب 
لجيرانه الأوروييين » !! 


373 


واستخراج ابتهالات للمولى العلى القدير .وهى الخطأ الذى سيضطر إلى الإقرار به يعد 
قليل ... 
وعلى العموم فإن ما قرأه جان - قرانسوا هو مقال نشر عام 1411 فى مجلة 

Museum Criticum‏ التى تصدر فى كيمبريدج بقلم توماس يانج ومع ذلك فإن ذلك 

لم يثنيه عن شكه . 
دما أعرفه عن اكتشافات الدكتور يانج ( خطاب !؟ أغسطس 18١7‏ إلى أخيه ) 
التى جاءت فى الخطاب * الذى كتبه عن حجر رشيد يطمئثنى من ناحيته . لقد كتب 
لى أوكريلاد أيضا أنه انسحب واستسلم أما الربين * * قيهن لاا د ستحق الذكر [. 8 
أمامى الوقت الكافى لكل أعمالى عن حجن رشيد . ومع ذلك فإذا أتاحت لى مجلة 
Museum Criticum‏ التى أنتظرها يوميا - فرص الكلام عن أعمالى فلن أدعها 
تفوتتی [...] فى انتظار ذلك فإنى مستمر فى« القواميس » . 


تتوماس يان الإتسان ٠‏ يكفى أن ننظر إلى البورتريه الذى سمه له لورائس وهما 
الشواهد العديدة تؤكد ذلك" سما 7 . لقد عبر توماس يائج الحياة على سحابة من 
مفتاح للاكتشاف التالى . متعدد المواهب ومعبود الكثيرين ‏ عظيم الهيئة كالأمير - 
تعودل على أن د يتقدم الصفوف بصقة دائمة لدرجة أنه لم يتقبل إلا أن يكون هى المنتصر 
منذ البداية وعلى طول الخط وإلى الأيد فى مجال اقتحمه باهمال - كما لى كان يلهو - 
بعد هذا الكم الضخم من علماء اللغة . 

لاشىء كان يؤهل يانج ليكون الشخص الذى يحل شفرة الهيروغليقيات سوى 
عبقريته فى النجاح .. وربما أيضا أنه رجل تور بجميع أشكاله ومنها التنوير . كان 
محبا اللفخامة ٠‏ ودودا شغوفا بمعرفة À‏ كل شىء sb‏ شیء مھیتا للرقص والموسيقى , 
يتكيف مع وضع لا يعترف له فيه بأنه المنتصر الأوحد ؟ 

قال عنه صديقه وكاتب سيرته أنه « لم يكن يتحمل أى مبالغة . HS ot].‏ 
الرجال كرما وانفتاحا على الآخرين متحررا تماماً من أى أشكال الحسد أو الغيرة » . 


» لم يعثر عليه , 
٭٭ س . دو ساسی . 


374 


مهما بلغ إعجابنا بهذا النوع من الإنجليز العظماء من عصر بيت ونوكس ونلسون فإن 
بقية القصة ستثيت أنه غير مستعد فى لحظات سعادته المتكررة أن يعترف بأفضال 
الآخرين أى أن يقبل أن يرى أحداً يتقدمه أى يسبقه سواء كان أوكربلاد أوتيخسن * أى 
مواطنه بانكس وأيضا شامبوليون جميعهم سيجدونه ينازعهم بشراسة مدققة فى أى 
أسبقية لهم على اكتشافاته هى . جئتورأيت وانتصرت . 

فى مواجهة هذا الميروكوسيو القادم من مقاطعة سومرست المتالق الصاعق 
والرشيق مثل سهم زينون الإلهى يبدو جان فرنسوا ثقيل الحركة مثل فلاحى الكارسى 
أى راعى غنم من جبالها . إنه يكد فى عمله منذ ستة أعوام يكوم نقوده العلمية قطعة 
قطعة حجرا وراء حجر ويملأ زلعه باارموز ... صبر طويل .عبقرية الآخر تتكون من 
الحدس والتقدم المفاجىء والاختراقات الصاعقة ... ولكن القائد العظيم ليس هو الذى 
يدخل موسكى فى الصيف وإنما الذى يحكمها فى الشتاء . 

هل ترجع قمة اكتشافات الباحث اللتدنى إلى 1461١6‏ ؟ يعتقد هنرى سوتاس كما 
سبق أن أشرنا أن اختراقه الكبير فى عام 184١5‏ لم يدعمه بعد ذلك أى اكتشاف ذى 
معنى . غير أن المقال الطويل مصر الذى نشره فى الانسيكلوبيديا بريتانيكا طبعة 
يببقى فى نظر الأجيال التالية أهم مشاركة له قى كشف اللغز ** . ولذلك فإ 
اهتمامنا سيتركز عليه . 

إننا أمام نص طويل يملأ عشرين صفحة من الإنسيكلوييديا تليه أربع صفحات 
من الرسومات والصور . بعد عرض عن الميثولوجيا والتاريخ . والمؤوسسات وتواريخ 
مصر القديمة هناك خمس صفحات مخصصة « لتحليل مخطوطات رشيد الثلاثة » . 
يبدأ بذكر الظروف التى اكتشفت فيها كتلة البازلت المعروضة فى المتحف البريطانى ثم 
يشير إلى أن سيلقاستر دوساسى كان أول من درسها بجدية . 

ثم يقوم يانج كرجل العلوم الدقيقة باحصاء عدد المجموعات المعزولة فى النصوص 
الثلاثة ثم يحاول المقارنة بينها عددا بعدد من نص لآخر . أخذاً فى الاعتبار أن 
الخراطيش تشير إلى أسماء الملوك والآلهة . فهى يشير إلى أن كلمة مئك مذكورة ثلاثين 
مرة فى النص اليونانى وأن مجموعة من الرموز مذكورة /! مرة فى الديموطيقى . وأن 
بطليموس ذكر ١١‏ مرة باليونانية وأن مجموعة محاطة بخرطوشة تظهر أريع مرات فى 
* أحد الذين عملوا على حل شفرة ه المخروطيات » والذى عمل أيضا فى مجال الهيروقليفيات . 
++ العديد من مؤرخى اكتشاف سر الهيروغليفيات يؤرخون هذا المقال فى 1815 إلا أننا نتمسك بالتاريخ الذى 
تذكره الإنسيكلوبيديا ذاتها بعد مائة وخمسين عاما . الواقع أنه حرر قى 1814 ونشس فى 1815 


375 


النصٍ المقدس ... كشف اسميطليموس الذى يرجه له إهتمامه فى البداية هل كان 
سهلاً ياستخدام هذا الأسلوي ؟ بعد ذلك بخمس سنوات كتب شاميوليون فى كتابه 
» المختصي » 5أاع2:6 : 
« أى شخص يقوم بدراسة مطولة للتص الديموطيقى فى حجن رشيد لا يمكن أن 
يشك يعد أول مراجعة للخص الهيروغليقى أن الخرطوش يحتوى على اسم بطليموس 
... » [ ولكنه يضيف ] : « أن الاكتشاف الحقيقى هو أن تقراً حقيقة من النصس 
تطبق قيها هذه المداليل كلما ظهرت فيها هذه الحروف »© , 


هذا هو ما أشار به دوساسى ليائج منذ يناير 1411 ؛ إذ قال له : « أعتقد بالفعل 
أنه بالإمكان أن تحدد فى حالات عديدة كما فعلتم المكان الذى تحتله هذه الكلمة أو 
تلك من القص اليوناني فى الخص المصرى الابجدى [ ديموطيقى ] كما يمكن أن 
نفعله بالنسبة لنص هيروغليفى خالص وإكن أن تحدد بعد ذلك مدلول الحروف التى 
تتكون منها الكلمة وتقديمه فى كافة الحالات الأخرى : فهذا هوالمحك .» 

السبب قى أن يانج لم يصل سوى لقراءة غير مكتملة يرجع أصلا إلى إنه لم 
يدخل فى حساباته بعض الاكتشافات التى توصل إليها غريمه الفرنسى الشاب ألا 
المقدسة . ولكن بصورة أقل لما يحدث فى العبرية أو العربية . 

عرض توماس بانج فى مقاله هى عبارة عن تسجيل لسلسلة من رص المعلومات 
وصفها البعض بأتها حسابية والآخر بأنها ميكانيكية . إلا أن حلال الشفرات المحترف 
هنرى سوتاس * يذكر بأن هذه هى الطريقة الطبيعية فى العمل فى هذا المجال . وأن 
هذه الطريقة il à‏ ستخدمها لاعب ال Puzzle‏ ومركب لعب الميكانى كانت تسمح له 
بالذهاب بعيدا ... المعتقد اليوم أن من ال كلمة التى يدعى أنه اكتشقها نصفها 
كأن بصورة تقريبية . 

تكشف قراءة مقال الانسيكلوييديا المطول أن يانج جرب التقريب والمقارنة يحرك 
قطعة شطرنج هنا وأخري هناك » يجرى تداخلات وتكوينات ؛ يتحسس ويجس ويخمن 
das‏ دون أن يقيم نظاماً ولا حتى بروتوكولا للاكتشاف ٠‏ إنه قام بتد بتبويب الحروف التى 
تعرف عليها فى أريع قئات : الآلهة - الملوك - الأفراد - الحيواثات . ٠‏ يسرف فى عرض 


4 مشفر سابق فى إدارة الشفرة يوزارة الخارجية , 


376 


الاقتراحات ومحاولات الشرح » أما كلمات إلهوإلهة فهى مميزة بوجه خاص » وكذلك 
بطليموس وييرينيس . الأول بهامش خطأ بسيط والأخر بصورة يشويها شىء من 
المجازفة . 

إن « قراعه » لاسم بطليموس الذى تعرف عليه فى خرطوش سيق أن حدده 
ساسى وأوكريلاد تنم عن ابتكارية فذة . هناك ثماتى علامات مرتبة داخل الخرطوش : 
مريع قرأه حرف ب » هلال وكان بالنسبة له ت » شكل عقدة - استبعده على أنه لا 
يعنى شيئًا » أسد ممدد » مشيك للشعر قرأه « أوله » شعر قرأه « يا » » عودان من 
القصب منتصبان حرف « ى » وشكل عمودى حدده يأته « وى » المجموع يصيح 
« بيتوليمايووس » ... يرافى : علما بأن الترجمة السليمة التى قام بها شامبول ن هى 

يلاحظ سوتاس أنه « أدخل فى تركيب اسم بطليموس عناصر متتافرة أبجدية 
( ب .ت ٠١‏ ) مقطعية ( ما -و س ) ثلاثية ( أوله ) ورمز لادلالة له ( الحبل المعقود ) 
وبالتالى فبعد أن بدأ بداية سعيدة توقف فى منتصف الطريق [...] هذه الطريقة التى 
تحتوى على أسلوب نقدى لم تسمح له بالذهاب إلى نقطة أبعد [...] فكره يتمتع بدرجة 
عالية جدا من إمكانية الحدس [...] ينطلق من فكرة مسبقة يتضح أنها سليمة ولكنه لم 
يعتنى بالتدقيق ... » 4 

يبدى أن عالم المصريات النمساوى دويلهوفار قد قيم هذه العملية المبهرة وغير 
الدقيقة فى آن واحد تقييما عادلا إذ يقول : إذا كان يانج قد بدأ بالفعل قك شفرة 
الهيروغليفيات مع بعض التحفظ على بعض التخمينات السليمة فإنه لم يخط يالخطوة 
الضرورية ايعبر العتبة التى فتح بابها . » عندما يلتقى باسم إله الأموات أنوبيس فهى لا 
يتعرف عليه و ( بالاستيعاب ) يطلق عليه « سيرييريوس » حامى الجحيم 
اليونانى .. » . أخطر من ذلك : « من المثير للدهشة أن اسما لإله آخر - وهى يتاح لم 
يستوقفه على الرغم من أنه تكرر عدة مرات فى حجر رشيد وأظهره النص اليونانى 
وعلى الرغم أيضا من أن يانج قد اكتشف القيمة الصوتية الحرفين الأوليين ب » ت 
داخل خرطوش يطليموس . » 

الشرح الظرفى الذى يقدمه دويلهوفار لهذا النوع من الكبح أى توقف العبقرية 
التخمينية عند الطبيب العظيم هى : 


377 


« إن هذه الدراسات * كانت بالنسية له وطبقاً لقوله هو« سعادة تجلبها بعض 
'ساعات من أوقات الفراغ » ولكنها سعادة راحت تبتعد شيئا فشيئا كلما زادت معرقته 
باللصريين القدماء . كان يأمل فى أن يكتشف كنوزا من العلوم الطبيعية المصرية التى 
الهمت فيثاغورس حسيما يقول . ولكن كلما تقدم فى فهمه النصوص كلما اتضح له 
أنها Ÿ‏ 3 تتحدث سوى عن الآلهة والفراعنة والأموات وخاصة الأمواتث وهى أبداً لا تتكلم 
عن الفلك أو التاريخ .» (© 

هل وضع إذن توماس يانج ( أى وجد ) نهاية لأبحاثه لأنه ثم يتمكن من اكتشاف 
مواد تكفى لأن تجعلها أبحاثا علمية ؟ الفكرة جديدة .. إلا أنها قد لا تستهدف إلا 
جانبا واحداً من المسالة . لأنه لو كان ذلك صحيحا فلماذا عمل يانج بكل هذا الاصرار 
على جعل المجتمع العلمى الأورويبى يقر ما هو منافى للحقيقة الجلية ولأبسط مبادئ 
العدل أنه ليس أول من اكتشف الحل وليس هذا فحسب بل أن إكتشافاته كانت شاملة 
وخاصة يه وحده أيضا ؟ 

ستعود للحديث ** عن الصراعات الرهيية والقضايا التى رفعها العالم الكبير 
وأصدقاؤه لإثيات أبوته للاكتشاف . حتى ذلك الحين يتحتم علينا أن نشيى - مع شبه 
اجماع من الباحثين المعاصرين - إلى أن السبب فى أن توماس ياني لم يتمكن من أن 
يثبت أمام التاريخ إدعاؤه بأثه هو المكتشف , لا يعود إلى خيبة أمله لعدم وجود 
معطيات علمية كافية فى عالم المصريات وإنما لأن الأسلحة اللفوية والأدوات التى لا 
غنى عنها لكل باحث فيها لم تكن فى حوزته . 

ففى موضوع يتعاق باللفويات كانت العقبة الكؤود التى اعترضت طريق الدكتور 
يانج هذا الطبيب العبقرى والمفكر العالمى هى أنه لم يكن عائأ لغويا *** عندما وصفه 
مسيوسوتاس بأن « فكره حدسى لأقصى درجة » فهو لم يهجوه » بل إن مايدعو 
للدهشة فيما يتعلق بالجدل العظيم الذى دار بين الطبيب الانجليزى والمؤرخ - عالم 
اللغويات الفرتسى أن هذا الأخير هى الذى استخدم الفكر العلمى الدقيق فى حين لجا 
الأول إلى تفكير العلوم الانسانية . 

ظهس فى عام /ا1851 مقال فى المجلة الجادة المشهورة ادنيره ريفيو 
Edinburgh Review‏ بقلم شخص يدعى جيمس براون يقول فيه إن ما افتقد 


* فى اللقويات المصرية القديمة . 
٭٭ فى قصل ١۲‏ . 
*»** ويضيف لنا جان فليب اوار : أنه لم يكن يعرف اللغة القبطية . 


378 


شامبوليون بالمقارنة بيانج هوه أن يتنقس الضباب الكثيف الذى يغلف لندن بدلاً من 
جو باريس الأكثر خفة ؟ وكان عليه أن يحارب عدم التصديق أو الشك وكذلك 
الاعتراضات الباردة والمدققة التى يبديها مثقفونا بدلاً من إثارة إعجاب 
الأوساط اللامعة التى تبدى أكثر من نصف إقتناعها بمجرد سماعها بأى اكتشاف 
له بريق ...» (6) 

باستثناء الاعتبارات المناخية ( التى يصعب التشكيك فيها بالفعل ) يبدى أن السيد 
براون قلب وضمع الجمل : فى أى المدينتين ساد عدم التصديق والشكوك والاعتراضات 
والتدقيقات ؟ السيد يانج الشخصية اللامعة ونصف الاله المعجز وإن كان يضطر إلى 
أن يتحسس طريقه وسط « ضباب لندن الكثيف » فإن النور الذى يشع منه كان كافيا 
لكى يجذب إليه إنتباه الفراشات . إذ أنه فى حالتنا هذه ولو مرة واحدة اثيرت 
الاعتراضات والتشكيك ال منظم وعدم التصديق على ضفاف السين لدى الفرنسيين 
الهوائيين محبى التفاخر والشوقينيين ... | 

قبل أن نعود إلى جان - فرنسوا شامبوايون وهو منكب فى إصرار على حجر 
رشيد أى بالأحرى على النسخة التى فى يده يجدر بنا أن نذكر هنا جانبين من جوانب 
النقاش . 

يجب ألا يدخل فى روعنا أن ما دار بين العالم اللندنى الشهير والاستاذ الفرنسى 
الشاب الذى يصغره بسبعة عشر عام كان بمثابة مباراة فى الكرة بين انجلترا وفرنسا 
> بين الديك والوردة - يناصر كل فريق مشجعون متحمسون على جانيى بحر المانش . 
ظل توماس يانج يتمتع فى باريس بمؤيدين متحمسين له ولقضيته ليس يسبب أمجاده 
وسحره الشخصى ( وتجاحاته الأولية الكاسحة ) كما رأينا فحسب ؛ وإنما أيضا 
بسبب الغيرة التى أثارها الشقيقان شامبوليون وكان ذلك أكثر من بعض إدعائات 
الدكتور يانج ويكل قسوة عالم مصريات إنجليزى . 

فی فرنسا كان سيلف استر دوساسى هى أول من جسد قى شخصه هذا الولع 
الهيروغليفى الإنجليزى مستخدماً أكثر الخيانات انحطاطا ضد باحث جرونويل إِذْ كتب 
ليانج فى ٠١‏ يوليى 1416 * : 





» يعد عدة أسابيع من أول تبادل للخطايات بين يانج وشاميوليون ( راجع فصل ١‏ ) 


379 


« إذا كان لى أن أنصحكم بشىء قهو ألا تحيطوا السيد شامبوايون بكثير من 
اكتشافاتكم . إذ يمكن له أن يدعى فيما يعد أنه كان الأسيق . إنه يعمل جاهدا فى عدة 
مواضع من کتابه * على الإيهام بأنه اكتشف كلمات كثيرة من نص رشيد إنى أخشى 
أن يكون ذلك تىماً من الدجل بل إنى أضيف أن لدى أسباباً كثيرة à‏ تجعلني أعتقد 
| ]لد آن السادة اركريلاه وكارو مار وشامبرايون قد حقوا باشمل تقدماً حقيقيا في 
قراءة النص المصرى لأسرعوا بإحاطة الجمهور علمأ بها وأن غير ذلك يكون مثيرا 
للدهشة ويعتبر تواضعاً نادرا بالفعل أشك فى أن أياً منهم قادر عليه . » 7) 

كانت هذه تسديدة من السموم غير متقنة متقنة أولاً لأن فيما يتعلق بالسويدى دون 
الفرنسيين الآخرين - فإن التواضع كان كما سبق وأشرنا - علامة مميزة لشخصيته . 
وثانيا أن العالم الحق - وكان ساسى فى موقف يجعله يتيقن من ذلك جيداً - لا 
يكشف سوى عن معطيات أكيدة ومؤكدة إذ يوجد هامش بين « التقدم الحقيقى » 
والاكتشاف المثيت علميا كان باحث جروتوبل يرفض تخطيه فى ذلك الوقت . 

سيعترف البارون فيما بعد بخطئه وسيتوقف عن محاريته عندما يتقدم شامبوليون 
بإثباتاته . كما أنه سيحييه يعد وفاته يما يعتبر تعويضا له . غير أن « الحزب 
البريطانى » سيختار لرياسته إدم جومار . وهو الذى استمر لسنين طويلة يزود 
« مصرى » جروزويل بالمستندات التى فى حوزته بمىفته مسئولا عن كتاب وصف مصر 

ثم قطع صلاته به ولم يتوقف عن الإعلان عن إيمانه باسبقية توماس يانج فى الكشف 
وعن تحفيزه المستمر له لكى يتتصر أى شىء أفضل من أن ينجح هذا الشاب الذى 
لم « يذهب أبدا »إلى مصر » ** 

مسالة أخرى متعلقة بالجدل بين توماس يانج وجان - فرنسوا شامبوليون هى 
المتعلقة ياستخدام الأخير لاكتشافات الأول وعلى الأخص ال مقال المطول المعنون مصير 
فى الانسيكلوييديا يريتاتيكا المنشور قبل أربع سنوات من إطلاق شامبوليون لصرخته 
«وجدتها » . 


الانكوريالى ل ا ار یانج لساسی مام ۱۸۱٤‏ .لم يهتم 


* مصر فى عهد القراعنة . 
+× ولايانج بالمناسبة , 


380 


المتخصصون طويلاً بمعرفة إن كان شامبوليون اطلع عليها أم لا .. فلم يعر المكتشف 
اهتماماً كبيرا بذلك على مايبدى فهى يتكلم عنها بإهمال لا اصطناع فيه . 


أما فيما يختص بمقال عام 1818 الذى اعتبره علماء انجلترا لفترة طويلة 
الأساس الحقيقى لعلم المصريات الحديث عوضاً عن« رسالةإلىهمسيوداسييه » 
فالنقاش لا يزال مفتوحاً . فمدام هارويان التى لا يمكن أن نشك فى أنها أرادت أن 
تسىء إلى شامبوليون تعتقد أنه من المؤكد أن المكتشف قد إطلع عليه بعد فترة قصيرة 
من نشره وإضافة إلى مجموعة مستنداته « دون أن يعيره أهمية تذكر » ° . 


يوجد آخرون يتشككون فى إمكانية حصول الباحث الفرنسى على نسخة من مقال 
الانسيكلوبيديا , وبالتالى أن « يسرق » العالم البريطانى . منهم على سبيل المثال لوياج 
- دونوف الذى نفذ صيره من إدعاءات جون لايتثى كاتب سيرة يانج الذى يصر على 
إثبات أن الفرنسى إكتفى « باستعارة » اكتشافاته من الطبيب اللندنى -فهو يؤكد أن 
ذاك يعتبر « اتهاماً دنيئاً » .. ذلك لأن المقال المذكور لم يكن إلا فى يد عدد قليل من 
الأشخاص ؛ ففى عام 181١‏ أى بعد ثلاثة أعوام من نشره اشتكى سير وليام جال من 
أنه لم ينجح فى الحصول عليه فى لتدن ... وكذاك فى عام 1474 كتب عالم اليونانيات 
الكبير جان لوترون إلى يانج يطلب منه نسخة لأن النص غير موجود فى باريس (° . 


تعتقد أنه بامكاننا أن نشير هنا - لوضع حد لهذا الجدل - إلى التوضيح الذى 
حين قال : « لقد تعرفت على آخر أعمال السيد الدكتور يانج يعد وصولي إلى باريس 
بقليل قى سيتمبر 141١‏ :107 » .. أى قبل « رسالةإلى مسيوداسييه بعام كامل .. 


جدال غير مجد ... لأنه من الواضح أن مهما كانت الومضات الفكرية ليانج 
جديدة وجسورة وعبقرية والتى توصل إليها بالمقارنة ثم التعريف بطريقة تدريجية 
فسمحت له بان يتقدم نحو النور إلا أن شامبوايون كان يسلك طرقاً أخرى . .. خلف 
الفارس المقدام الذى انطلق من المواقع المتقدمة راكضاً حيثما « توحى له به قريحته » 
سار شامبوليون فى تؤدة بطريقة منظمة وعلمية من إثبات إلى إثبات مؤسساً بواسطة 
أسلويه متظومة تفسيرية . 


381 


قبل أن نعرض لقضية الشعوذة التى سترفع بعد قليل ضد شامبوليون * نرى 
مناسباً أن نذكر هنا تقديرين متناقضين لأعمال توماس يانج : الأول يمتدحه وهى لعالم 
المصريات القرنسى هنرى سوتاس الذى يفتخر بأته « دقع بالحياد إلى آخر الحدود » 
فى صدق على ما دی . والآخر لزميل له بریطاتی سیر پیتر اوباج - وونوف - عمل 
وقد وضع فى مجهوده هذا قدرا من العتف لا يخلى من الظلم نحو مواطنه اللامع . 

مظه مثل القارس الذى يقفز بفرسه بمنتهى القوة فيقع إلى الجانب الآخر . قفز 
لوياج - رونوف إلى أبعد من هدفه حتى أنه إفتقر إلى العدل نحو توماس يانج - والأثة 
أراد أ , يعيد الحق إلى جان - فرنسوا شاميوليون - وسنرى كيف أن المنحدر الذى 
كان » يه أن يصعده كان قاسيا ! ! - فقد وصل إلى حد أنه رفض أن يعدل بالنسبة 
للطبيب عالم الأنوار الذى تحول إلى عالم لغة ** . 

كتب عالم اللغة الفرنسية هنرى سوتاس بعده بريع قرن ما يلى : 

... الافتراضات التى توصل إليها يانج بالتعرف على المكان الذى توجد فيه 

يعضى كلمات النص اليونائي فى النص الهيروغليفى ثبتت ثبتتك صحتها جزئيا .وا كان 
النص مليئا ببعض العلامات المعبرة عن أفكار واضحة جداً ومتكررة فان التحليل 
بواسطة المقارنة أصبح ممكناً بالتحكم فى المتكررات . وعلى الرغم من العديد من 
الفراغات فان يأنج تمكن من ملئها ببراعة . 

من بين ال ٠‏ علامة أو مجموعة هيروغليفية التى تقدم بشرح لها عام 1١8315‏ 
توحد ماثة تقرد يبا معظمها مأخوذة من نص رشيد وتم التعرف عليها يتجاح حقيقى 
| ] والدهش أن يانج قد نجح بسرعة ودقة فى تحديد مكان الرجوع إلى أول السطر 
فى النص الديموطيقى وفى النص اليوناتى [...] إن النتائج التى توصل إليها يانج تثير 
بعض الاعجاب [. ..] لقد اتهم بأنه كان يعمل بطريقة « حسابية » علماً بأن بداية أى 
عملية لحل الشفرة يجب أن تتم بهذه الصورة . إذ أن سلسلة من عمليات القياس 
والإحصاء تظهر أو لا تظهر فكرة حدسية . تتم مواجهتها بعد ذلك بالوقائع التى يؤكد 
أو تنفى . لقد تمكن ياتج دون أى خطأ تقريبا من عبور المرحاتين الأولى والثانية إلا أنه 
لم يتمكن من تخطى الثالثة . فهى إذن من الرواد بحق » (! 





و انظن فصل ؟1 
mu‏ راجم فصل ١١‏ 


382 


لماذا لا نعطى الآن الكلمة لشامبوليون وذحن على وشك أن نلتقى به من جديد وهو 
قى عمله - إن أنه لم يكن أقل الناس عدلا تجاه يانج ؟ 
ه أعترف بأنه كان أول من نشر بعض المبادئ الصحيحة عن الكتابات المصرية 
القديمة . وأنه الأول أيضا الذى حدد بعض الفروق الصحيحة التى تخص الطبيعة 
العامة لهذه الكتابات وذلك بأئه حدد مداليل العديد من مجموعات الحروف بواسطة 
مقارنة مادية بين النصوص . كما إنى أقر أيضاً أنه نشر قبلى أفكاره عن إمكانية 
وجود بعض علامات صوتية تكون قد استخدمت لكتابة أسماء العلم الأجنبية فى 
مصر بالهيروغليفية. وأعترف أخيراً أن مسي يانج كان الأول أيضا - ولكن دون 
نجاح كامل - الذى حاول أن يعطى مداولا صوتيا للهيروغليقيات المكونة للاسمين 
بطليموس وبيريئيس ٩ ٠‏ 
تحية جميلة من المكتشف للرائد الذى أصر بغرابة على وصف شامبونيون بانه 
ناثبه ووريثه الفرق بينهما كان الذى يفصل بين الهاوى العبقرى والمحترف ( الذى لايقل 
عنه عبقرية ... ) والفرق أيضا يعود إلى مايميز الإكتشافات الصغيرة عن الإكتشافات 
الكبيرة والإلهام عن العقل » والذكاء الفطرى من العلم » والظرف والمصادفة من الدليل » 
والحدس عن النظام المنهجى . 


383 


“! من الموضوع‎ ELT 


هارب ؟ -« لم تعد روما داخل روما » - إما الآن أو أبدا ؛ - الشروط الثلاثة لفك 
الشفرة - قائمة بثلاثمائة رمز - إشراقة احتفالية - د إبرة كليوباترة » - مستندات 
هويو - أوريكا ! وجدتها ! - أمام الأكاديمية - صمت غريب - من البانتيون إلى 
ا مختصر - مسيو دوباذكاس واللك ... 


د أن تجعل صمت التاريخ يتكلم ... » 
مبشليه , 


فى الواحد والعشرين من يوليو ۱۸١١‏ نزل من المركبة العمومية القادمة من ليون 
بشارع الكوك - هيرون فى باريس رجل أسمر البشرة قصير ممتلى شعره أسود 
منحنى الظهر قليلا محمل بحقائب ثقيلة . عمره ثلائون عاما ولكن يبدو أكبر سنا . يبدو 
قلقا أن يكون هناك من يتعقبه . هل هو منفی »› أم ثائر من الكاريونارين هارب ؟ 

الشهور الأخيرة التى قضاها جان - فرنسوا شاميوليون فى جرونويل أرهقته . 
هرب بالكاد من قضية أمام المحكمة العليا قبل أن يمثل أمام زملائه ليحكموا عليه 
ويعزلوه . وتحت تهديد ملاحقات جنائية جديدة سافر . لم يكن هرويا إنما هى شئ 
ديشبه ذلك . كنية « روييسيير » فى ذلك الوقت لم تكن مديحا ولا هى مطمئنة . 

عندما طرد من الدوفينيه قبل ذلك بخمس سنوات واضطر للاقامة فى فيجاك كانت 
تلك الهجرة الأولى أقل إثارة للقلق والمرارة . كان حينذاك بصحية جاك - جوزيف 
و« على » . ولحق بأسرته ومنزله والمدينة مسقط رأسه والريف الذى عاش فيه طفولته 
والمناظر المحببة إلى قلبه.. أما الآن فهو شبه هارب » ملعون . مرهق ومضطر إلى 
العيش فى باريس التى يكرهها فى هذه « العاصمة القذرة لفرنسا » المليئة بادباء 
يزدريهم ورجال سلطة يحتقرهم . 

كان نابليون قد توفى فى جزيرة سانت هيلين قبل ثلاثة شهور .. وكان الخير لايزال 
طازجا - فهو لم يصل إلا فى نهاية شهر يونيى إلى جرونوبل - وقد أثر فى رجل مثله 
- شجب المستيد بجسارة ومقت فيه الغازى ولكنه وحد قدر فرنسا لعدة شهور فى 


385 


شخص هذا اليطل العائد من المنفى . ثم كيف لا يشرك مع وطنه الروحى - مصر 
صاحب مغامرة عام ١,94‏ الكيرى ومؤسس « معيد «Institut du Caire 3 all‏ 
مع الأب لافيوليت * إنهار فصل من فصول حياته . مه مثل العديد من شباب ذلك 
الزمن .. مثل ستاندال وموسية هی فى حداد . 

الحرن العميق المنحوت قى الوجه الغريب لهذا المسافر له أسباب أخري أيضا . 
اليست عودته إلى باريس مظهرا من مظاهن الفشل ؟ لقد اعتقد أنه سيدير حياته فى 
جرونوبل بأن يدرس فيها ويؤسس فيها الجمعيات ويتزوج فيها ويقيم فيها أعمق 
الصداقات ويحصل من أهلها على أصوات التأييد والإعجاب والإهتمام من أكاديميتها 
التى استقبلته وهى يعد فى السادسة عشرة ... إن جرونويل كانت المدينة المختارة .. 
وها هى قد لفظ متها , 

ألم يفشل فى حياته منذن الآن ؟ لقد خسر عمله وهى الآن فقير ولم يسدد له حماه 
دوطه روزين وقد مضى على زواجه ثلاث سنوات كما أن زوجته لم تنجب يعد . إنه 
يصل إلى باريس بعد أن قصل من التعليم العالى وانتهت آماله فى التعليم التعاونى 
السنين لحضارة لم ير من أثارها سوى بعض الأحجار وبعض قطع قليلة جدا وصغيرة 
من القماش العتيق الممزق . 

خمسة أقدام وثلاث بوصات هذا هو الطول الذى قدره أحد الأطباء لطول قامته 
عندما التقيا فى ذلك الوقت . أى أقل بقليل من ماثة وسبعين ستتيمترا التى قدرها رجل 
شرطة جرونويل المنبوذ عام ۱۸١١‏ . هل يرجع ذلك للارهاق ولأن بداية إصابته بداء 
الدرن قد قوست ظهره ؟ يقول الطبيب جانان أن له « رأسا ضخما بعض الشيء 
بالنسبة لجسمه . شعره أسود كثيف ورفيع جداً . عيناه لونهما بنى غامق ووجهه - 
يميل للاصفرار يلاحظ أيضا فى بياض العين وهى ما يجعله عريى المظهر ... » ** 

فى كتابه « ذكرياتفترةعودةالملكية » صورت الماركيزة دومابيه بهذه السطور 
القليلة شامبوليون وقد دخل مغامراً « المجتمع المراقى » يعد بضعة أشهر من وصوله 
إلى باريس أبان نجاحاته الأولى : 


+ كناية تنابليون [ المترجم ] 
«» وصف أرسله مام 16115 أى بعد أشهر قليلة من وفاة شامبوليون الدكتور هيوبار - فرانسوا جانان - عالم 
الفراسة الدماغية وتلميذ جال - وعلى علاقة شبه عائلية يجان فرنسوا - إلى جمعية الفراسة . 


386 


« رأيت منذ بضعة أيام عند مدام دى موسكالم » السيد شامبوليون وهو أول من 
اكتشف معانى الهيروغليفيات والذى تمكن من ترجمة بعضها ولا يزال هذا الاكتشاف 
الجميل فى مرحلة الطفولة إلا أنه بامكان مسيى شامبوايون أن يوسع أفق اكتشافه لأنه 
ليس متقد متقدما فى السن وهى مُجد فى عمله ولا يكل . إنه دمث ومتواضع لا يعير عن 
نفسه بسهولة ولا يعرف كيف يدعم بريق أعماله .. الهجوم عليه شديد كما يهاجم كل 
الذين يستكشفون كرواد أحد منابع الشهرة اللامعة والمفيدة ... » 
أما وصفه المعنوى فيما وراء هذه اللمسات التأثيرية فهى بنفسه الذى رسمه قبل 
ذلك التاريخ بثلاثة أعوام فى خطاب مؤرخ ؟١١‏ نوقمير 181١8‏ أرسله من جروذويل إلى 
أخيه الذى كان يستحثه لكى يلحق به فى باريس : 
لم أفكر قط فى أن أقيم بصفة دائمة فى هذا المسرح الكبي [ الذى هو باريس ] . 
إنى أفضل أن أكون الأول قى قريتى على أن أكون الثانى فى روما [...] إن العاصمة 
لاتناسبنى [..] سأحقق هنا وريما أفضل من باريس الأعمال التى خططت لها . أما 
أنت فقد وادت لتدير الأعمال ولتحريك وتوظيف الأشياء الكبرى [...] وتعرف العالم 
بهقداى معرفة شخصين معا [..] أما أنا فإن كنت ولدت قى الهند لكنت أصبحت من 
الدراويش المتأملين : إنى أكره الحركة ولا أحب أن أكون سوى داخل دائرة محدودة 
[...] ترى أنت الايجابيات فى الحياة أما أتا كفيلسوف شرقى مؤصل فلا أرى فيها 
سوى المظاهر . [. .] أضع فى إطار واقعى ماتعتين ه أنت تطرفاً . أن أقيم فى 
باريس يعتبر بالنسبة لى مجهوداً يفوق طاقتى ...]مل أغسلس * أقول !+ ما 
ليست داخل روما إنها موجودة بالكامل حيث أكون أنا .. 
خليط لذيذ من الفخر والإنطواء على الذات . خليط معهود فى الواقع إذ أن هذا 
يقسر ذلك . إذا كانت باريس فى جروتويل فإن ذلك يرجع فى ذات الوقت إلى التفاهة 
العدوانية « للقطيع » الأدبى الباريسى وإلى أهمية شخصية المتوحد . 
إننا لانردد يما فيه الكفاية كيف أن هذا الشخص شديد الحساسية الذى هو 
حجان - فرنسوا كان هشا للغاية ووحيدا . إنه الرجل بلا أم والرجل الذى يزدرى أباه 
والرجل الذى لم يقترن بزوجته إلا لاهتمامه بالشرف والذى ظلت حالات حبه جميعاً دون 
وصال . كما أنه يلاحظ أن كل شئ تقرييا يفصله عن أقرب صديق له وهى أخوه ما عدا 


» لقد وضع كورناى هذه الجملة الشهيرة لا على لسان أغسطس Laits‏ على لسان سرندريوس ( القصل 
الثالث ؛ منظرا ) . 


. 387 


المغامرة العلمية العظمى فهى التى تجمعهما معاً . لعل هذا يكفى لوصف الحالة الفكرية 
التى كان فيها هذا المتأمل المطارد هناك والمراقب هنا لدى وصوله إلى باريس مفتتحاً 
معرکته فیها .. 

ما هی المأوى الذى سيتوجه إليه فى هذه الليلة من شهر يوليى ١841‏ هذا الرجل 
القمحى اللون الذى ألقى به وسط الأدغال الياريسية ؟ لقد وجد له جاك - جوزيف 
مكاناً ملائماً للإقامة فوق مسكنه هى8؟ ش مازارين على بعد عشرات الأمتار من 
الأنستيتى * . السين وحده يفصله عن مقر لجنة مصر . كما أن الكولاج دوفرانس قريب 
والمكتبة الملكية أبعد بقليل ولكن كتزه هى فهى بداخله وهى يحمله معه .وإذا كان هناك 
ما ينقصه فإن جاك - جوزيف يملكه فى الانستيتى المجاور - أوى يرسله له يبساطة . 
يمكنه أن يضع مكتبه وكتبه والصناديق المحتوية على مستنداته ولوحه ورسوماته تحت 
سقف الدور الثالث الذى كان فيما سيق أتيليه الرسام هوراس قارنيه . هذا هى أفضل 
چانب للأمور . 

الأفضل حقا ؟ كلا ! لأن لعل ماكان يدفع مسافرنا القلق إلى تفاؤل أكير هى أن 
أخاه الأكبر كان قد توصل بالفعل إلى احتلال مكانة مرموقة فى باريس فى قلب عالمها 
العلمى . نعم ! لم يكن جاك - جوزيف رئيس جامعة ولا عضو أكاديمية ولا أمين متحف 
ولا أستاذا فى السوريون وإكنه كما رأينا من قبل الذراع الأيمن - إن لم يكن الأنا 
الأخر لصاحب المقام الرفيع والمشهور جداً مسيى داسييه » السكرتير الدائم لأكاديمية 
المخطوطات والآداب » الحكم فى مجال الثقافة والمتحكم فى شهرة المشهورين وسرعان 
ما سيصيح جاك - جوزيق محافظ المخطوطات الأصلية للمكتبة الملكية وهو المركز 
الذى ظل يعمل لسنين طويلة من أجل الوصول إليه والذى زاد من قوة قبيضته على عالم 
الأيحاث , 

نعم كان شاميوليون - قيجاك يواجه غضب وزير الداخلية القوى جدا مسيى 
دوكورييار وعلي وجه الخصوص وزير الأديان مونسيئيور دوفرانسينوس أسقف 
هيرمويوايس رائد حزب « طافئ الأنوار » بطل التزمت وقاهر الحداثة . ولكن كان له 
خلفاء فى كل مكان أقوياء ونشطاء حتى تخوم السلطة 

صحيح أن الأخ الأصغر لم يكن فى وخليفة لها مستقبل لأنه وقع تحت سيطرة 
شيطان بحث علمى سامى . إلا أن مثل هذه الايجابيات كانت تنشط أماله فى حالة لى 


+ هازال المنزل قائما ويحمل لوحة تشيد بشاميوليون واكتشافه . 


388 


تبقى له شئ مذها ... کل شئ هنا أصبح تحت أمره . المستئدات : الاتصالات › 
المناقشات ؛ تيادل الآرا Re‏ * ماعدا أصل حجر رشيد ... كما أن داسييه يستقيله 
متى أراد بمشاعر أبوية وقد د تصالح مع فوربيه وعاد إلى لقاء زملاته القدامى فى 
الكولاج دى فرانس مثل ريموزا وشيزى ولترون ولبعض الوقت مع سان - مارتان مع 
احتفاظه بعلاقات مهنية طيبة مع جومار وحتى لو أصر على اعتبار نفسه منيوذا فقد 
أصبح فى الواقع فى قلب الساحة عند مدخل المعبد . 

ومع ذلك تكشف أولى رسائله عن قلق مؤلم . إذا كانت باريس الامبراطورية أصلا 
لم تكن تعجبه فما يالك يها وقد أصبحت يوريوتيه ؟! وعندما احقت يه روزين فقد عمل 
ذلك على أن يدرك نك كيف أن هذه الجرونويلوازد بة الصغيرة غير متأقلمة قلمة مع مستقيله الذى 
ینفتع آمامه على الرغم من كل شئ ؛ . كانت خجولة غير متوائمة متوترة باستمرار أكثر 
ريفية منه وأثبتت صدق توقعات جاك - جوزيف ويدلا من أن تدعم إنطلاقة فى المغامرة 
التى بدأها فهى تعرقله . 

القضية الکبری التی کانت تشغل باریس عندما وطئت قدماه شوارعها فى يوليو 
١‏ لم تكن هى فك شفرة اللغة البيروغليفية والتى ظل مجال اهتمام بعض 
الملتتخصصين - مثل يانج وأصدقائه فى لندن ومصر وفى باريس المحيطين بساسى 
وجومار * . وإنما القضية الكبرى كانت مرة أخرى هى عمر الزودياك - أى رسم 
الأبراج السماوية والرسم المصرى القديم . 

لم ننس الصراعات التى فجرها فى بداية القرن وخاصة فى جروتويل والجدل 
حول قدم سقف قاعة مظلمة صغيرة فى معبد دندرة والذى أتقن رسمها فيلار وجواوا 
فى كتاب وصف مصر كما رسمها أيضا فى خط مواز لهما قيقان دونون .. المشكلة 
المطروحة لم تكن أقل من تحديد تاريخ خلق العالم . كانت التوراة وعلى أساسها 
الكنائس المسيحية - تحدد تاريخ هذا الحدث العظيم باريعة آلاف عام قبل المسيح . 
.غير أن بعض العلماء الذين درسوا هذه القطعة الفلكية أرجعوا تاريخها إلى خمسة 
عشر ألف عام قبل الميلاد . وكانت الفضيحة ! لقد تهدد الايمان أى على الأقل سلطة 
روما والمجاميا المقدسة !! وما كان شامبوليون من آنصار التاريخ القصير المبنى على 
دراسة متأنية للمعطيات الأثرية واللغوية فقد جاء موقفه - أراد أم لا - مناصرا للحزب 
الرومانى .. 


» أما أوكريلاد الذى كان قد أعلن أنه عرض عن الاستمرار فى أبحائه فقد توفى قبل ثلاث سنوات 


389 


هذا الجدل الذى فتر لبعض الوقت عاد ليشتعل من جديد يسبب قرب وصول هذا 
الرسم نفسه إلى باريس بعد أن نقله إلى فرنسا شخص يدعى سوانيه الذى عمل لفترة 
محافظاً فى عهد الأمبراطورية . أثار هذا الحهر الملعون كما وصفه أحد خطياء 
dif ils‏ نوتردام - المتتظر وصوله عام ۲ - أثار مرة أخرى امتاقشات الحامية 

ولم يكن ذلك يرجع إلى أن شامبوليون كان يعلق أهمية أثرية عظمى على هذه 
القطعة التى كان يعرف أنها تعود إلى عصور متأخرة وأنها محملة بالرموز أكثر من 
المعلومات العلمية . ولكن كيف يدع مثل كل هذه التخريفات والخزعبلات تقال وتنشر ؟ 
غريزة الفارس المحارب التى بداخله حقزته وجعلته يكتب بحثا من أريع وثمانين صفحة 
ثم « خطابا إلى مسيوبيى» ليوقف تخريفات أنصار « التاريخ الطويل » مثل جومار . 
الذى عاد - بالمناسية - فخقض التاريخ وجعله اثنى عشر ألف عاماً بدلا من خمسة 
عشر ألفا .. ثم بعد ذلك يقليل سيتمكن بعد أن فك شفرة الهيروغايفيات من اثبات 
صحة افتراضاته * . 

ما يهمذا فى هذه القضية ليس قيمة هذه النظرية أو تلك يقس ما يهمنا التوتر 
الذى تسيبت فيه بين جان - فرنسوا شاميوليون ومجموعة «٠‏ المخضرمين » بدءاً 
بجومار . كان المسئول الأول عن وصف مصر قد بدأ يضيق ذرعا منذ يعض الوقت 
بالانتقادات الحادة غير المنصفة آحيانا التى وجهها - هنا وهناك - الشاب شامبوليرن 
إلى الصور الأركيواوجية المنشورة فى الكتاب الكبير فاعتير نقفسه مهانا - كما شعر 
سان مارتان المدافع عن وجهة النظر ذاتها - وأن أطروحة شامبوليون الموثقة التى 
انتصرت فى الجدال قد جعلته مادة للسخرية . وكان أن ألقى العداء الذى خرج إلى 
العلن منذ ذلك الحين بثقله الكيير فى سلسلة المناقشات التى ستلى ذلك فى إطار 
مايمكن تسميته « قضية شامبوليون » 

كانت معركة هامشية من أجل نجاح غالى التكاليف » أما المعركة المهمة فى 
الحقيقة والتى سيكون الرهان فيها هو حياة جان - فرنسوا شامبوليون ذاتها والتى 
ستدور رحاها خلال الأشهر التالية فهى معركة حل شفرة اللغة الهيروغليقية . أصبح 

من الضرورى جدا بالنسبة له أن يصل إلى هدفه ويسرعة إذ أن الحل السريع للغز 
هو الذى سيسمح له - مستلهماً فى ذلك الاستراتيجية النابوليونية - يكسر طوق 


» إذ تمكن شامبوليون من قراءة كلمة أوتوكراتور على الزوبياك بعد ذلك ببضعة شهور فلم يصعب عليه أن 
يثبث أنه يرجع إلى العصن الرومانى . 


390 


الحصار الذى يهدده وإرياك « الحسابات » التى تواجهه . 

أدرك - وهى قابع فى مقر إقامته أسفل سقف منزل شارع مازارين حيث كان 
بامكانه سماع الأصوات الصادرة من الأكاديمية المجاورة . أدرك أنه قد ذهب يعيداً 
فى التحدى وأنه قذف بقفازه إلى مستويات عليا . أبعد وأعلى من أن يكتفى الآن 
بالأعمال العادية مما یفعل آی مدرس تاریخ أو لغويات مشترم * يتحتم عليه هذه المرة 
فى شحذ كامل لكافة طاقاته أن يحل المعضلة . 

يجب علينا آلا نهمل هذا الجانب من الأمور فبينما كان يانج يرفه عن نفسه مدعياً 
عدم المبالاة بالتعامل مع الرموز الهيروغليفية فيما بين تجريتين من تجاربه فى علم 
البصريات ٠‏ ويينما كان أمثال ساسى وجومار وكاترومار يراجعون البرديات يعد إحدى 
المحاضرات أو بعد زيارة للسيد الوزير أو بعد حفل عشا ۾ كان هى - جان فرئسوا 
منكباً على ملفاته وعلى قوائم أسرات وعواميد رموزه مثل الجندى المحاصر الذى 
سيموت جوعاً إن هى لم يجد طريقا للهروب من الحصار . هذا الشامبوليون فيما بين 
عامى ١؟‏ و 5” نراه رافعا سيفه وظهره إلى الحائط . فى حالة ميئوس منها ؟ بل فى 
مواجهة التحدى على كل حال ... لم يكن الموقف شبيها بذلك الأخر الذى صرخ فى 
وجه العاصمة : « باريس !! الصراع يخصنا أنا وأنت الآن !! » وإنما كانت الأمور 
أكثر مأساوية فهى التوتر الرهيب بين أوديب والكائن المخيف الذى يلوح له بتهديدات 
قائلة , 

هل كان اللغز لا يزال حقيقة على ختمه الكامل لم يمس بعد نشر المقال 
المطول الذى نشره يانج فى الانسيككوبيديا بريتانيكا ؟ فلنستمع إلى ما يقوله جان - 
سان مارتان . تلميذ دوساسى ذو المقام الرفيع أمام أكاديمية المخطوطات والآداب فى 
۸ فبرایر ۱۸۲۲ : 

« ... إذا نظرنا إلى ماتبقى لنا من المصريين [...] فإننا نتأسى عندما نتذكر أن 
هذا الشعب الذى اتخذ كل هذه الاحتياطات لكى ينقل إلى الأجيال التالية ذكرى ديانته 
وقوانينه وعلومه وتاريخه لم يترك لنا سوى أثار بكماء مغطاة بكتابات مازالت غير 
مفهومة ويبدى أنها ستكون لفترات طويلة سببا فى أن يعرف العلماء معنى اليأس .. إلا 
إذا وهبنا الحظ .. الذى نريده أكثر مما نأمله - فجأة كتلة ضوء هائلة تسمح لنا 
بالسير بخطى ثابتة على دروب ظلت مجهولة حتى الآن » . 

يأس العلماء ... لقد كان سان - مارتان يبالغ فيما يختص بيانج ويصورة مختلفة 


٭ وهی مرکز لم یعرض عليه أجد على كل حال . , 


391 


بشامبوليون ... إلا أن الكلام يشهد على درجة الشك الذى ظل يخيم على المحيطين 
يساسى - قاضى المعارف - وذلك يعد أكشر من ثلاث سنوات من تاريخ نشر 
اكتشافات الطبيب الانجتيزى , 

بعد ذلك التاريخ بأريعين عاماً كتب إيمانويل دى روجيه خليفة شامبوايون الثانى 
على كرسى المصريات فى الكولاج دى فرانس بشئ من الجسارة : « يمكن أن نؤكد بكل 
شجاعة أن جميع أختام الكتابة الغامضة كانت مازالت سليمة لم تفتح عندما مد جان 
فرانسوا شاميوليون يده ليكسرها » إذا نحن تصورتا حركة يد الشاب وهى تمتد في 
عام ١» ٠۰‏ نعم !! إنما إذا حدث ذتك فى 1485١‏ حيث نقف الآن فليس ذلك صحيحاً 
تماماً . سبق أن أوضحنا الجانب الظرقى والتاويلى يلى والمتقطع لاكتشافات يانج .. إلا 
أنها كانت موجودة فعلا . .. أما ماكان شاميوليون والعلم ذاته يبحثان عنه فقد كان 
منظومة متكاملة لحل الشفرة , 


حدد د هنری سوتاس فی م مقدمته لر سالةإلىمسيوداسييە ` مام 1۲ الشروط 
تكون ملماً dd out of {ar none +289 UE‏ 0 
الكتابة الملستخدمة » ح ) أن يكون قى حوزتك عتصر وأحد مضمون يسمح 
بالإنطلاق . 

بالنسبة للنقطة الأولى والثالثة كان لدى حلال الشفرة معطيات أساسية جيدة : 
مضمون نص رشيد كان معروفا أولا فى ترجمته اليونانية . وثانيا عن طريق الحل 
الجزئى تشقرة النص الديموطيقى التى قام بها ساسى واوكربلاد وعلى وجه الخصوص 
يانج . أما بالنسبة لنقطة الانطلاق فهى كما نعرف - تحديد اسم بطليموس ( الذى 
يمكن إرجاعه إلى يانج ) داخل أريعة من الخراطيش المحفورة على حجر رشيد . 

كان بالطبع الجزء الثانى من المشكلة هو الذى يوقف بل وأحيانا يقود بعض 
الباحثين إلى اليأس وهو المتعلق بطبيعة النظام الذى تقوم عليه الكتابة التى يستخدمها 
كبنة آمون . هل هى رسومات تعبر عن أفكار أى أشياء ( ايديوجرام ) أى إشارات 
رمزية ؟ هل هى LUS‏ أبجدية أى مقطعية مزدوجة ؟ هل نكشف بها رموزا * لا تمثل 
شيئًا أى ليست لها معان بالمعنى المعروف أى لها فقط مدلول تفقيطى بل زخرفى ؟ 


* مثلما فعل يائج . 


392 


رأينا وسنرى أيضا أن شامبولويون سيسير قيما يتعلق بجميع هذه النقاط 
الأساسية أو بمعظمها - على غير هدى يناقض نفسه ثم يغامر ويعود إلى ما ساقه , 
لا يخشى قط كباحث أصيل أن يلغى كل * شی ليبداً من جديد قناص وراء الحقيقة , 
متواضع وسط كبريائه العظيم » طيع ووثاب » متعصب ونادم » مهرطق » ينتكس 
ويعترف ... 

إذا كان جان - فرنسوا شامبوئيون هو الذى سار من خطاً إلى حقيقة ومن طريق 
خطأ إلى آخر يؤدى إلى النور إلى أن نجح فيما فشل فيه آخرون أو اقتريوا من الحقيقة 
دون أن يدركوها فذلك لأن أحداً قبله لم يكن يمتلك الثلاث خصائص التى لا غنى عنها 
احل اللغن : كان لغويا ومؤرخاً وفناناً . إذا وضعنا فى الاعتبار طبيعة الكتابة المقدسة 
وعلاقتها باللغة القبطية وتشابهها ببعض اللغات الشرقية الأخرى » وإذا وضعنا أيضا 
فى الاعتبار دورها فى العصور القديمة جداً وقبل كل شىء الثلاثين أسرة والثلاث 
أمبراطوريات التى يتكون منها تاريخ مصر الفرعونية ؟ وإذا وضعنا أخيرا فى الاعتبار 
جمال هذه الحروف والعناية التى حفرها بها الكهنة والكتبة فلايد أننا سنجد أن ما 
يحرك الباحث هى إعجاب وتدقيق جمالى لانهائيان فى تعامله مع الهيروغليفيات التى 
هى نحوت من أجل الآلهة والملوك والأهم من ذلك أنه كان قادراً - لأنه رسام ممتاز - 
على نقلها رسماً . 

رأينا شاميليون يناضل بكل قوته منذ طفولته الأولى يخزن اللغات ويقارن بينها 
ويقارن بين كتابة وأخرى من العبرية إلى العريية » من الفارسية إلى السريانية ومن 
الكالدانية إلى الأثيوبية وعلى وجه الخصوص القبطية بل بلغ به الأمر أن استخدم 
أبحاثه فى مجال اللغة الصينية فى بحثه هذا . 

كما أننا رأينا مدرس التاريخ الشاب فى جرونويل يكدس ويقارن ( بمساعدة أخيه 
صاحب كتاب حوليات اللاجيد * بين التواريخ والأزمنة وبين اسماء الأسرات 
والميثولوجيات المقارنة : إن المرء لا يتعامل اسنوات طويلة مع مراجع الاسكندر 
وكليوياترا وقمبيز وقيصر دون أن يعطى ذلك لنظرة وأذنه وحواسه المشدودة Sa‏ 
وعيقرية خاصة . 


كما أننا رأينا فى النهاية العناية والاعجاب الذى كان يفحص بها ويدقق ويطلب 


» ملوك - معروفون أكثر بتسمية البطالة . وهم سلالة لاجوس زميل الاسكندر . ( المترجم ) 


393 


من صديقه دويوا رسم قطع هذه المجموعة الأثرية وتلك وكيف كان يجرد الكنوز التى 
ضمها متحف مكتبة جرونويل الصغير . قى حالة غياب مثل هذا الحس الجمالى هل 
كان يمكنه أن يكتشف النور ؟ 

يجب أن نضيف إلى كل هذه الايجابيات بعض مصادىن القوة الأخرى التى حدثت 
بالمصادفة وعوضته عن بعض السلبيات التى أخرت حتى ذلك الحين باحث فيجاك 
وجرونوبل وهى ندرة المستندات وعدم دقة الصور أو الرسومات المنقولة عن الأصول ؟ 
ففى ذات اللحظة التى بدأ فيها شامبوليون ما يمكن أن نسميه إنطلاقته الحاسمة كانت 
تخرج من مصر روائع ياعداد تفوق تلك التى خرجت منها فى عصر الرومان أو إبان 
حملة يوتابارت . 


مجموعة من « جامعى التحف » اذكياء وجسورون : قنصل فرنسا دروقيتى 
وقنصل انجلترا سولت ومواطنه بانكس ويعض الرحالة الأقل أنانية مثل عالم التاريخ 
الطبيعى الفرنسى من مدينة نانت : كايى أق المهندس المعمارى جان - نيقولا هفويى 
( الذى سيكون دوره حاسما فى قصتنا ) كل هؤلاء راحى ينزعون قطعة قطعة أجزاءاً 
من المشهد الثقاقى المصرى الرائع : لوح وتمائيل وتوابيت - ثم بعد قليل مسلات كلها 
ذهبت عن طريق البحر تثرى مجاميع المتاحف الأوروبية الكبيرة من تورينى إلى لندن 
ومن فلورانسا إلى باريس . 

كانت قرصنة مخجلة . ولكنها أيضا عملية تجميع مستندات مفيدة . إذ يدون هذه 
السرقات المتظمة التى أثرت الرجال المعينين من حكوماتهم الأروبية لحماية رعاياها لا 
لينهبوا البلد وثراثه لكان جان - فرنسوا انتظر فترة أطول بكثير ليحل اللغز . ألم يكن 
حجر رشيد ذاته الذي هو المفتاح - ثمرة سرقة مزدوجة - إذ وجد القناص الفرنسى 
من يصيده . 

ابتداء من عام 1817 أفادت دون شك الموجة الثانية من ه مجموعات التحف » 
التى آدارها دروفيتى وسولت ونفذها بلزونى « جبار مدينة بادوفا الإيطالية » الذى كان 
فى إمكانه تحريك قارات باكملها والتى لم تقاومه سوى الأهرامات - هذه الموجة الثانية 
أفادت دون شك أهداف الباحث : إذ لولا المسلة الصغيرة التى انتزمها بانكس من فيلة 
واولا بردية كازاتى التى اشتراها بلاط قرنسا ولولا الرسومات التى رفعها هيو, 
لتأخرت مصر دون أى شك قى « التطق €« 


394 


قد نتأسى إذا تمكنا من التمييز بين الإكتشاف العلمى للشرق ويين غزوه المادى 
والعدوان العسكرى عليه وتقطيعه إربا وسرقة تراثه . هذا غير ممكن .. وعلى الرغم من 
الجهود التى تمكن شامبوليون من بذلها فيما يعد وهو أرض مصر من أجل ابقاء 
التحف فى مكانها * الذى شيدت عليه قبل ذلك بأريعين قرنا ومهما كان أوجوست 
مارييت هذا المحافظ الحقيقى مفيداً بعد ذلك إلا أثنا يجب أن نقر أن مصر لم تبح 
باسرارها بالتعذيب .. 


هل نؤرخ لبداية المرحلة النهائية لحل شفرة الهيروغليفيات بالنسبة لجان - فرنسو) 
شامبوليون بتاريخ إقامته فى باريس فى ١؟‏ يوليى 187١‏ ؟ أم بشهر مايى السايق 
عندما طبع فى جرونويل كتيبا من سبع صفحات وست لوح يتضمن المبادئ الأساسية 
لدراسته عن الكتابة الهيراطيقية - التى هى تبسيط نبيلللكتابة المقدسة : أم نؤرخ لها 
بالمحاضرة التى ألقاها عن نفس الموضوع فى شهر أغسطس 185١‏ أمام أكاديمية 
المخطوطات والآداب تلبية لدعوة من أخيه ومن مسيق داسييه . 

كل ذلك لا يهم . إنما المهم هو أنه فى صيف هذا العام 187١‏ - أى قبل سنة من 
صرخة « وجدتها » ! - قدم « أول تجميع للنتائج النهائية الأكثر خصوية » (©) . فقد 
أثيت بعد دراسة متأنية ودقيقة لكتابالأموات وللعصور المنقولة فى وصف مصر وهو 
يقارن علامة بعلامة وصورة بصورة إن الكتابة الهيراطيقية « ليست سوى تبسيط 
المنظومة الهيروغليفية » وأنها لا تختلف عنها سوى بشكل العلامات « ويجب النظر 
إليها على أنها اختزال الهيروغليفية » . عن الكشف المقارن الذى أعده فى هذا الصدد 
والمتضمن ٠٠١‏ علامة كتب هنرى سوتاس بعد ذلك بمائة عام يقول : « إنه لشئ 
مدهش اليوم ألا نجد فى هذا الكشف سوى هذا العدد القليل جدا من الأخطاء » 4) 

هكذا يكون المبدا الأساسى لوحدة - أو على الأقل لصلة القرابة القوية بين - 
طرق الكتابة المصرية الثلاثة - قد تحدد فى أغسطس ۱۸۲١‏ ولكن إذا كان هذا 
الاكتشاف قد غدا أحد الأسس التى سيقيم فوقه شامبوليون عمله فإن تطبيقه على نص 
رشيد بدا غير فعال لفترة طويلة إذ يقول المتخصصون أن نقاط الالتقاء بين شكلين 
لذات النص بنفس اللغة قليلة للغاية . ويرجع ذلك مثلا إلى تبديل مكان أحد المنطوقات 
أى تعديل فى الشكل الإملائى . وفى هذا الصدد يلاحظ هنرى سوتاس على سبيل المثال 


* علما بأثه أحضر بعضاً منها إلى باريس . 


395 


أن اسم الإله العظيم بتاح يكتب ابجدياً فى الهيروغليقية ولكن بغير ذلك فى الديموطيقية 
... وهكذا اتضح أن نقاط التشابه التى اكتشفها يانج بان طابق بين النصين تناقضت 
باستمرار مما تسيب فى حيرة الباحثين الذى كانوا يتحسسون طريقهم بتلك الطريقة . 


التوصل إلى المبدأ الهام حول وحدة الكتابة المصرية لم يجنب جان - فرنسوا 
شامبوليون من مغبة الوقوع فى الاخطاء وفى فقدان الطريق الصحيح المتعلق بالجانب 
الجوهرى لهذا الأسلوب فى التعبير . إذ ظلت نظريته مشوشة لمدة عام آخر ولم تمكنه 
من الوصول إلى ماسيصبح مشاركته الفذة ألا وهى التحليل الداخلى - الطيفى - 
للكلمات أو لمجموعات الرمون . 

منذ أن قام بخطوته الحاسمة فى ربيع 1414 والتى ضمنها فى خطابه المؤرخ 15 
إبريل إلى جاك - جوزيف ( « لا يوجد فى عملى شعوذة ولا سرية » ) مرققا بها قائمة 
هامة لتآويل الرموز * - وهو لم يتوقف عن التأرجح والتردد فيذهب من تطرف لآخر 
فيما يتعلق بطبيعة المنظومة الهيروغليفية ذاتها وهل هى ايديولوجية أم صوتية ؟ 

إذا كان قد تجرأ فى محاضرته أمام أكاديمية جرونويل فى أغسطس 18٠١‏ أن 
يعلن بكل الثقة وأكثر مما فعل نيبور أى زويجا قبل يانج أن الكتابة المقدسة صوتية 
( لقظية ) فى طبيعتها فقد تراجع منذ ذلك الحين وتاه لفترة طويلة متجها ناحية التأويل 
الادديوجرافى أى حتى الرمزى . وهى يعترف فى خطاب ٩‏ أبريل 1481١4‏ لأخيه إنه عاد 
إلى أفكار كليمان السكندرى أى - فى الآأساس - إلى الايديوجرافية وها هى يعد شهر 
واحد يضع يعض « الرتوش » على وجهة النظر هذه : « سأقول لك باختصار أن ترتيب 
العلامات الهيروغليفية يتبع ترتيب كلمات جملة من اللغة المنظومة . » إلا أنه يؤكد « إن 
الهيروغليفيات لا تعبر عن أصوات يذاتها » . وإذ به يتوفل فى منطقة ضبابية فيضيف 
تأكيدين سيتقضهما فيما بعد على أنهما غير صحيحين وهى أن الكتابة الديموطيقية 
سبقت الهيروغليفية وأنها أبجدية بحتة . 

بعد ذلك بثلاث سنوات قبيل مغادرته جرونويل ألقى محاضرة أمام أكاديمية 
الدوفينيه موصومة بالفكر الإيديوجرافى فهو يؤكد فيها أن العلامات الهيروغليفية هى 
« رموز لأشياء » وليست أصواتا وثراه فى نفس المرحلة يتوه فى دروب غريبة فينزلق 
ناحية الرمزية ونحى طرق تأويلية شديدة الغرابة إذ بلغ به الشطط إلى حد كتابة أن 


* راجع قصل 8/ ص 320 


396 


.. ا أنه يعبر عن القدرة القتالية‎ AU 


لكن سرعان ما سيعود إلى التدقيق العلمى .. وهى المرحلة التى أخذ يتمرن فيها 
باستمرار على نقل طرق الكتابة الثلاثة من واحدة إلى أخرى . إلى أن تمكن - طبقا لا 
تقوله كاتبة سيرته مدام هارتلويان ومن بعدها علماء المصريات لوياج - روتوق ونافيل 
ودويلهوفر - من « عمل ما لم ينجح أحد فيه قبله وهى ترجمة نص ديموطيقى رمزا رمزا 
إلى الهيراطيقية ثم ينقله بعد ذلك إلى الهيروظيفية (5) لكن هذه الحرفية الخارقة لم تجد 
قبولا لدى هنرى سوتاس إذ يجد أن هذا يعتير من قبيل « الأسطورة الطريفة وليست 


حقيقة » 


يبقى أن نخلص إلى أن فى بداية صيف عام 141١‏ كان « صغير » يكدس 
الأسلحة والذخائر إلا أنه فى المحاضرة التى ألقاها فى أغسطس لايزال مشيعا 
بالتفسيرات الإيديوجرافية ومع ذلك فإن جعبته كانت قد أصبحت حينذاك واسعة وغنية 
ومتنوعة ومراجعه غدت تزداد ثراءا بسرعة جعلته يشعر بقرب بلوقه الهدف . وأصبح 
كل ما يكتبه الآن.يتم عن ثقة بالنفس منتشية . 


وفى نهاية عام 185١‏ التى عصفت يها زوابع عديدة إيتداءاً من أيام جرونويل 
العنيفة حتى سفره قلقاً للإقامة فى باريس ( الذى كان بمثابة « الهروب إلى مصر » 
بالنسبة له ) ستهيط على الياحث أحد الالهامات التى ستضعه على الطريق الصحيح . 
إذ أنه سيقر - بعد أن أكد على وحدة المنفلومة الكتابية المصرية - الاستحالة المادية أن 
تكون الهيروغليقيات محرد إيديوجرامات يسيطة . 

ففى يوم عيد ميلاده الثلاثين فی ۲۲ ديسمبر A۲1‏ جاء ته فكرة - كيف أنها لم 
تخطر على يال من سيقوه * وعليه هو شخصياً ؟ - أن يجرد عدد الرموز الهيروغليفية 
فى حجر رشيد وكذلك الرموز الديموطيقية وعدد الكلمات البونانية جردا lus‏ 
فأصابه الذهول عندما وجد فى مقايل 445 كلمة يونانية ١‏ هيروغليفية 0 كيف 
يمكن أن يكونوا إذن إيديوجرافات يعبر كل مهم عن فكره أو اسم أو شئ ثم 
ذهب قى حساياته إلى أبعد من ذلك محلادً المجاميه الهيروليفية فوجدها تن 70 
٠‏ رمزا ويالتالى يوجد فارق دائم بين العلامات والكلمات والمعاني . 


+ ومع ذلك رأينا كيف أن نيبوهر قد سجل مثل هذه الملحوظة قيل نصف قرن . 


397 


الخلاصة التى فرضت نقسها هى أن هذه الكتابة لا يمكن أن تكون رمزية أو 
إيديوجرافية فقط ولا أبجدية بمعنى الكلمة ولكنها يجب أن تكون صوتية أى على الأقل 
تتضمن عديداً من الرموز من ذلك النوع وهكذا قام چان - فرنسوا شامبليون 
باستخدامه الطريقة الحسابية اليحتة » وهى فى متتاول أى دارس لكتب الأقدمين e‏ 
بخطوة حاسمة أخرى بعد الأولي المتمظة فى إثبات صلة القرابة التى تجمع الكتابات 
الثلاثة وهذه الخطوة الجديدة هى التعرف على الجانب الصوتى الجزئى للهيروغليقيات * 
فإذا أضفنا إلى يقينه بأن المنظومة الهيروغليفية - واحدة ونصف صوتية وأبجدية 
بشكل جزئى ل تختزل استخدام الحروف التحركة فيمكتنا أن نعتيره قد جمع جزم 

يجب يطبيعة الحال تطبيق المبادئ التى تستهدف الوصول إلى إقامة المنظومة - 
على الخصيص المطلوب حلها إتطلدقاً من نقطة البداية الث أتاحها لش ره عل امس 
بطليموس الذى يدعى يانج أبوته عن حق . سيق أن ذكرنا جملة شاميوليون التى أكد 
بها أن أى شخص قام بدراسة جدية النص الديموطيقى لايمكن أن يشك فى أن 
الخرطوش يحتوى على اسم بطليموس » إلا أن المشكلة الحقيقية تكمن فى العثور على 
نسيج هذا الاسم وتحليله وهو الاسم الذى تعرفعليه الطبيب الانجليزى ولكنه لم يفك 
شقرته يصورة سليمة . 

سيق أن رأيتا أن الدكتور يانج جمع فى تقسيره لكتابه اسم الفرعون اللاجيدى 
( البطلمى ) الحروق المتحركة والساكنة . والرمون الأبجدية والمقطعية والثنائية المقاطع 
ويعض الرموز الأخرى « التى لا تعنى شيئاً » : وكل ذلك مجتمعا يقرأ بتوليمايوس 

فى انتظار إمكانية تو ضيح النقطة الغامضة المتعلقة بالحروق « الثى لا تعنى 
شيئاً » قام العالم القرنسى بتصحيح ترجمة زميله الانجليزى على مراحل قلم يحتفظ 
سوي بالحروف ب ت ل م س . وهى بذلك يعترف يموهية سلفه فى التخمين ويبين حدود 
قنه . وكان على شأمبوليون أن يوسع من نطاق تطبيق طريقته حتی تلخذ شكلها العقلى 
وألكى تتسع . 

فى يناير 1455 وصلت إلى جان ليترون عالم اللغة اليونانية الكبير وزميل 
شامبوليون السابق وأفضل من حال النص اليونانى لحجر رشيد صورة ليتوجرافية 


٭ التى سبق أن إفترضها نيبوهر وأكدها زويجا ثم هى نفسه عام ۰ ومع بعض التحفظات يانج عام 1414, 


398 


لمسلة صغيرة مقامة فى جزيرة فيلة ومخصصة لكليوباترا . كان هذا الأثر ( الذى سمى 
« إبرة كليوياترة » يسبب صغر حجمه ) قد آثار منافسات قوية بين قراصنة الأثار 
المصرية القديمة إلى أن نقلت فى عام ۱۸١١‏ إلى كنجستون هول فى مقر إقامة وليام 
بانكس صديق الدكتور يانج والذى كان يتشكك كثيرا فى منافسه الفرنسى . 

كانت لهذه الصورة الليتوجرافية أهمية عظمى . فهى وإن كانت مكتوبة جزئيا فقط 
بلغتين لآن النصوص المنقوشة على قاعدتها لا تترجم الكتابات المصرية مثلما كان 
الحال فى حجر رشيد ( الكتابات الأولى * تنقل مناشدة موجهة من كهنة إيزيس إلى 
بيطليموس الثامن إيفرجيت المكنى « السجين » وإلى زوجته وأخته كليوياترا 7 Lai‏ 
الكتابة الأخرى فهى بروتوكلات ملكية ) (8) اسم كليوياترا موجود يها بوضوح وقد علم 

عليه وليام بانكس بالقلم وهى الذى قام بنسخ المستند الذى تسلمه ليترون ومنه إلى يد 

شامبوليون . تقول مدام هارتلويان : 

« شعر حلال الشقرة برعشة كهريية إيجابية لدى: مشاهدته للمستند إذ وجد فى 
الخرطوش الملكى الثانى اسم كليوياترا مكتوبا تماما كما كتبه هوعندما كان ينقل 
النص الديموطيقى إلى هيئته الأسلية » (© 

يجب قبل أن نتحول إلى لب الأمور أن نشير هنا إلى أحد الإنتقادات الأكثر 
ترديداً فى حق جان -- فرنسوا من غرمائه الانجليز : 

إدعى كل من بانكس ويانج - وكلاهما ضد الآخر -- أسبقيته فى التعرف على 
اسم كليوياترا ويوضح الأول أنه علم بذلك على التسخة المرسلة إلى باريس . حدث هذا 
بالتاكيد !! ولكن ماذا فعل كلا الباحثان الانجليزيان بهذا العنصر العظيم من معطيات 
البحث ؟ لقد بقى الأصل فى حوزتهما لشهور دون أى فعل أكثر من تحديد مكان 
الخرطوش حامل اسم الملكة . 

أما جان - فرنسوا فهى لم يكتشف ماسة فحسب . لأن ما نعرفه من النتائج التى 
توصل إليها يسمح لنا بالاعتقاد بأنه لم يكن فى حاجة البتة لمنافسيه الانجليز لكى 
يتعرف ثم يفك الشفرة ويحلل اسم الملكة وهو الذى سبق أن عاينه فى النسخة 
الديموطيقية فى البردية المسماه بردية كازاتى . 


× نقلها من الأصل وهى فى مكانه الأصلى الرحالة النانتى كايو MA ge‏ 


399 


بمقارنة الخرطوشين لبطليموس وكليوياترا التقى مرة جديدة فى الاثنين بهذا 
الاسد الممدد والذى كان مدلوله فى الحالتين هو حرف ل . سبق أن أشرنا إلى الفكرة 
التى تلح عليه منذ طفولته والتى نتجت عن رؤيته لشكل الأسد المحفور فى واجهة مدفاة 
منزل الأسرة - وكذلك العلاقة التى أقامها بين اسم الحيوان وأسمه هى . فكتب لأخيه 
يقول بسعادة : « هذآن الأسدان سمساعدان الأسد لكى os‏ ! » 

هل سنكون جديرين بالتصديق إذا أوضحنا هنا أثنا يسطنا هنا هذه العمليات ؟ 
لا أحد يوضح تعقيد المسار الفكرى لشامبوليون بأفضل مما قعل هنرى سوتاس : 

« [...] تعرض وضوح رؤيته منذ البداية للامتحان لأن حرف التاء ) يختلف فى 
بطليموس وكليوباترا . لن نعبر بما فيه الكفاية عن إعجابنا بالوسائل الفنية والواثقة 
التى استخدمها الباحث لحل الحالات المختلفة [...] أليس ما يميز حلال الشفرة الجيد 
هو أن يتصرف فيما يخص بطريقة دقة العمل مثلما يفعل يروتيه * ؟ إذا قارنا بين شرح 
المعطيات المزدىجة ك » س والتبادل بين ر » ل ( نلاحظ ) أن الششرح الأول نايع من 
المقارئة بين ذات الخراطيش يأشكالها المختلفة » أما الثانية فهى نابعة من المواجهة بين 
المخطوطات الجنائزية بالخط الرسل وكان لا يمزال غير مفهوم والثالثة مسن سعرفة 


اللهجات القبطية 
بالمرة نقول أن حلال الشفرة / بروتيه حقق اكتشافا جديداً ومهماً . فحكاية 
حرف د لخت ف بطل موس نه 2 بارا اترا كشف له أن الكتية المصريين كان فى 


إمكانهم الاختيار بين هيروغليفيات مختلفة لتدوين نفس الصوت .. وهو ما يعقد المسألة 
... دون أن يتسلل إليه اليس أشار إلى هذه الأشكال التوأم والمتناقضة ياسم 
ال« هوموفون » .. وهكذا انفتح الطريق من جديد . 
وعندئذ أصيب يحالة من التهم سيطرت عليه . أخذ يكتشف . من خرطوش لآخر 
جميع أسماء الملوك الذى خمن جان - باتيست بارتيليمى ببراعة أنها توضع فى هذه 
الأطر البيضاوية المجيدة . وها هى أسماء اسكندر وقيصر تيبريوس وجيرمانيكوس 
دوميئيسيان وتراجان تندفع من وسط المخطوطات كما كانت تفعل فى زمن مضى من 
كتب الأب دوسار - ثم يكتشف كلمة أوتوكراتقور - وهو لقب امبراطورى يرتبط باسم 
قيصر وهى الذى سيسمح له بضمهن على التوالى إدعاءات يانج الذى قرأه أرسينويه 
ومؤيدى التاريخ المطول ارسم الأبراج الذى جعلهم يقرون بوجود اللقب الاميراطورى 


» بروتيه أحد آلهة الميثولوجيا اليونانية منحه أبوه يوسييدون إله البحار ملكهة النبوة وقرائة المستقبل وكذلك 
اللهوى فى أى شكل يريد ( المترجم ) , 


400 


الرومانى على معبد دندره فوجدوا أنفسهم فى موقف صعب حتى يؤرخوا له باثنى 
عشر قرنا قبل الميلاد * 

كان هذا الاختراق داخل التاريخ الجريكى رومانى وهو يروى بالهيروغليفية مثيراً 
لدرجة أنه شده نحو خلاصة خاطئة . وهى أن الكهنة المصريين لم يكونوا يستخدمون 
الهيروغليقيات الصوتية سوى عند كتاية أسماء الملوك الأجانب ٠‏ وسترى أن هذا الخطا 
سيصبح نقطة انطلاقة فى كتابه « رسالةإلى مسيوداسييه » وسيسيطر على قكره 
ليضعة شهور وأنه لن يتخلص منه سوى على مضض شديد . 

بوجه عام كونت له مقارناته بين مضامين خرطوش كليوياترا ويطليموس رأسمال ' 
أساسنى مكون من أثنى عشر رمزا : ب ت ل م س كن را أى أى أى ** تم تحديد 
مكانهم والتعرف عليهم ووضع مداليلهم الحقيقية ومعانيهم ا يقي بعس الحروف الغريية 
التى أعطاها يانج وهو يقرأ فى إرتباك اسم بطليموس -« القيمة لاشئ 

وجد الإجابة على هذه المشكلة المحيرة فى يوليو ۱۸۲١‏ بمناسبة الجدل الدائر 
حول الزودياك مع جومار وبين . إذ لاحظ وهو يرقب المجرات التى تزين الأثر الفلكى 
الصغير المأخوذ من معبد دندره كما يقول دويلهونار « أن خلف بعض أسماء النجوم 
المكتوبة بالهيروغليفية برسم نجمة صغيرة . تجمة صغيرة خلف اسم النجمة ؟ وفجأة 
سطع النور . فيقر بوجود ما أسماه بالحروف 5أ0616]10102 وهى رموز صامتة تضاف 
إلى نهاية الكلمة لكى تميز بدقة أكبر مجاميع تكتب بنفس الإملاء ولكنها 
مختلفة صوتيا . إن هذه الرموز تعتبر عاملا أصيلاً فى المنظومة الكتابية المصرية فى 
مجملها . » 

إذ تجد على سبيل المثال فى العديد من الخراطيش وخاصة خرطوش كليوياترا 
رسماً لبيضة مائلة : وهى رمز للمؤنث . وكذلك بالنسبة للنباتات إذ يشار إليها بساق 
نبات مثلثه يعلوها تويج زهرة والحركة يشار لها باليرجل الذى يأخذ شكل ساقى رجل 


+ 


نمسی . 
هذا ال « 0616010211 » يمكن نعطيه لشامبوليون ذاته ! فهى يسير بخطى 
عملاقة نحو الهدف . كل أسبوع يكتشف جديداً .. إلا أن مايدهشنا فى هذه المرحلة هى 


+ راجع ص 390. 
«» واضع طبعا أنه ليس نظاماً بدون حروف متحركة . 


401 


ا ا ا ای م کش اد 
يكون على tirs‏ 

وج Les. A on‏ نعرف ماذا D en a de que‏ 
بما أخرجه إلى العلن فإننا نقول لأنفسنا أنه لفترة ما تغلب « المزاح الدوفينى » الذى 
ا Le‏ 


dat rat‏ م حاشو م تنشر علما بأنها أت كما س سترى دورا هاماً 
فى حياة شاميوليون الصغين المهنية . لعله أعتقد قد أنها 53 تتضمن تقريبيات أو أخطاء 
كثيرة بحيث لم يسمح بنشرها . وعلى العموم فقد كتب لأخيه : 
« البيراطيقى * فقط هو الذى قى وضع الكمال » ولن يكون أبدا أفضل مما هى عليه 
اليوم بعد عشر سنوات . إ۷ أتنی آفکر فی إعادة بناء کل الدیموطیقی بشكل أكثر 
تطورا وعمقاً أنتظر رأيك » 
وهو بالقعمل سيراجع عددا هاماً من النتائج التى عرضها فى محاضرة 
۲ اغسطس ۱۸۲۲ 
« الكتابة الديموطيقية مثل الكتابة الهيروغليفية وأيضا مثل الكتابة الهيراطيقية كانت 
أيديوجرافية بطبيعتها . إن الرمون البسيطة التى تكونها مأخوذة دون أى تعديل من 
المنظومة الهيراطيقية. هذه الرموز البسيطة لدى مرورها إلى الكتابة الديموطيقية 
كانت فى كثير من الأحيان تتداخل طبقا لقواعد خاصة بهذا النوع من الكتابة وهو 
ما يميزها فى الأساس عن الأوليين » . 
هل كان أقل ما فى محاضرة .جان - فرنسوا شامبوليون جودة هو التأكيد 
على الجانب الأيديوجراقى sà gl‏ الكتابات - وموضوعها كان عن الكتاية 
الديموطيقية *” مما جعل الحضور يستقبلونه بحفاوة كبيرة على الرغم من أن هذا 


* بمعنى دراسته هو عنه , 
++ كان هذا ملخصاً فقط : أما الكتيب المكتوب فهو يتضمن ما يقرب من مائتى صفحة . 


402 


الحضور كان فى الأصل متحفزا ضده حتى أن بعض النظرات كادت تخترق جسده . . 
وما أن عبر فى نهاية المحاضرة عن وعده يأن يعود بعد فترة وجيزة إلى مستمعيه الذين 
دعاهم مسيو داسييه ليعرض عليهم حصادا أجد وأغزر حتى دهش للغاية بأن رأى 
الجمهور غير الودى تجاهه من حيث المبدأ يعبر له عن تأييده الحار . 
ساسى «il‏ ساسی da gs‏ الخصوص وقف ثم تقدم نحوه )33 يديه بين بديه 
هل وضع هذا حدا للحرب ؟ 
كانت فى جميع الأحوال بداية هدنة ستتضح اتصبح سلاماً فى البداية ثم حلفاً 
فى النهاية . كان هذا الحدث مؤثرا للغاية فى حياة الباحث المهنية لأن عداوه سيلفاستر 
دوساسى لم تجرح أحساسه المرهف فحسب منذ عشرة أعوام ولكنها كانت تؤثر سلباً 
عليه على المستوى العلمى وتحد من حركته وتثير ضده الحزب «٠‏ الانجليزى » . تبدد 
الغيوم هذا فى صيف ۱۸۲۲ سيسهم فى التفتح القريب لجان - فرانسوا شامبوليون . 
رأينا كيف أن هذا المديح لم يغشى وضوح رؤية الباحث ... إذا كان « الجيزويت » 
يصفق له بكل هذه الحرارة ألا يرجم ذلك إلى أن المحاضر فى حديثه عن الكتابة 
الديموطيقية يدا وكأنه يغيى فكره عن التفسير الفونيتيكى الصوتى للمنظومة المصرية 
ويعود إلى فكرة الإيديوجرافية التى يتمسك يها ساسى ؟ 
سنقرا فيما بعد فى « ملخص » شامبوليون : 
« بقيت باصرار على هذا النهج الخاطىء إلى أن أجبرنى وضوح الحقائق إلى الإقرار 
بالمدلول الصوتى لمجموعات كثيرة من الهيروغليفيات المهجودة فى المخطوطات التى 
تغطى الأثار المصرية فى كافة العصور » . 
فى بدأية سبتمبر 1497 كان شامبوليبون الصغير قابعاً فى المخزن / المكتب 
بالدور الثالث فى شارع مازارين وهى فى حالة نشوة ومحموم مثل أحد ملاحى 
كرستوفوس كوإومباس وهى يقترب من شواطئ الهند ٠‏ وراح يجمع العشر أو الأثتى 
عشرة معطيات أساسية التى جعلته يجمع اشعة الضوء ويركزها بإصرار وعناد لكى 
يحقق الاختراق النهائى الحاسم . 
أن تكون اللغة القبطية هى أغة تخاطب الآلهة أنفسهم وكذلك الملوك والكهنة الذين 
بدأت كتاباتهم تتكشف له - فهذا ما نعرفه منڌ زمن كيرشار . ولكنه - أى جان 


403 


بالنسبة له لدرجة أنه كان يتكلم بها وحده ولذاته لإسعاد نفسه . كان هذا من 
الإيجابيات الرئيسية كما سنرى . 

وهى إذا كان يتكلم القبطية مثل أحد الكهنة المسيحيين فى وادى النيل فهو يتدرب 
منذ سنين طويلة على نقل نص من طريقة كتابة إلى أخرى فى الثلاث كتابات الفرهونية. 
إن حرفيته فى هذا المجال حتى لى لم تصل إلى الدرجة التى يحلو لمدام هارتلوبان أن 
تمتدحها فهى قى جميع الأحوال لا مثيل لها . سهولة حركة اليد تساوى حركة الكلام . 

إنه اكتشف أو هضم الخمس أو الست مبادئ أساسية التى ستسمح له بالسيطرة 
وتركيب وتنظيم ! < 3 4h sl J sl dilil à‏ . أولا أن الطرق الكثلاث للكتابة ومنها OUI‏ 
الهيراطيقية والديموطيقية لا تختلفان بتاتاً سوى فى الشكل الهيروغليفى الأصلى . 

ثم أن الهيروغليفيات لها قيم صوتية وايديوجرافية وأن الأصالة العظيمة لهذه 
المنظومة تكمن بالذات فى هذه الثنائية المشتركة وتظهر فى كل لحظة فى العملية 
التعبيرية وتتطلب من الذى يفك شفرتها مجهوداً مستمراً من التركيز والتجميع بين 
الصور والأصوات إذ أنها متداخلة على الدوام . 
بشكل هيروغليفى بحروف أبجدية أى أبجدية ومقطعية فى آن واحد أى رمزية - وذلك 
يجعل هذه المنظومة طبيعية للغاية ولكنها معقدة أيضا للغاية , 

وقد اكتشف أيضا أن الكثير من العلامات يمكنها أن تأخذ نفس الدلالات من نص 
لآخر فى حين أن علامات أخرى ليست لها سوى وظيفة صامتة تهدف إلى الإشارة إلى 
التفريق أى تحديد الطبيعة أى الوظيفة أى جنس الشخص أو الشئ الموضوع فى الاعتبار 
وهى يعرف فى نهاية الأمر أن الحروف المتحركة لا تؤدى فى هذه الكتابة سوى دوراً 
بسيطا يقترب من العدم مثلما هو الحال فى العربية أو العبرية . | 

تأسيساً على هذه المعطيات العامة التى هى ثمار حوالى خمسة عشر عاماً من 
الدراسة * بدأ عملية فك الشفرة المنظمة معتمداً على الإثنى عشر رمزا التى كشفت 


AYY — NA V + 


404 


عنها خراطيش العاهلين البطلسيين . ما أن كشف وطبق المبدأ المحرك للمنظومة بمعنى 
التداخل الوثيق والدينامى للمصور والمسموع يمكن حينئذ القول إن لم يكن شامبوليون 
قد إكتشف عمليا لغز الهيروغليفيات (!!) لأنه سيعبر من اكتشاف إلى اكتشاف تالى 
فعلى الأقل أنه مهد الطريق نحى الحل الشامل . 

هنا يكمن الفرق الجوهرى بين الباحث القادم من جرونويل وطبيب لندن اللامع . 
هذا الأخير يتحرك مثل الصاعقة من علياء سحابته المضيئة يلقى هنا وهناك بسهمه 
ويقذف ببرقه فوق هذه اليقعة آى تلك ذاهيا من حدث إلى صدفة , من كشف صغير إلى 
فكرة تقريبية معطيا للحدس براءات الأوسمة . أما الآخر فهى يجمع الأساحة من على 
الأرض ويجمع ترسانته ويسير من معرفة إلى اكتشاف - ينسحب من نقطة ما ويجمع 
حينذاك قواه بعد توقف يعيد فيه النظر ولا يكتفى أبداً باللف حول العائق بل يهاجمه 
ويحدده ويسويه بالأرض . يذهب من المعرفة إلى العلم بواسطة المنهج .. وذلك لا ينفى 
الإلهام أى ضريات الحظ , 


يهم 14 سبتمبر 1459 صحا جان - فرنسوا شامبوليون من نومه ميكرا . كل 
يوم يمر أصبح له قيمة من الآن فصاعدا . فيأتى له يحصاد جديد من المستندات 
والمقارنات . إذ منذ الاستقبال الحار من الأكاديمية المحاضرة المحاضرة التى ألقاها 
عن الديمقوطيقية أصبح مثل المغناطيس . كل شئ يتركز فى اتجاهه ويذهب نحوه 
وبداخله وصولا للنجاح . يعد أن كان منبوذ!ا محاصر! وقد وصل تقريبا للحظة اليأس 
قبل أريعة عشر شهرا ها هى الآن وقد هب الريح قى شراعه أو كما يقول العربى 
الذى بداخله فقد حلت عليه « all‏ & « 

أصوات الصباح الأولى الملتصاعدة من شارع مازارين الهادئ لم تكن لتشتت 
أفكاى الباحث القابع فى مخزنه بالدور الثالث . جاك - جوزيف خرج إلى الإنستيتى 
المجاور حيث يهيمن على المكتبة . الصباح سيكون خيراً لباحثنا : فقد استلم لتوه 
صورا طبق الأصل من رسومات محقورة نقلها جان - نيقولا هوبيى (D‏ أثناء إقامته 
فى مصر والنوية ( 1414 - 1414 ؟ ) وهى أستان العمارة فى مدرسة القنون الجميلة 
وعضى فى الانستيتو * ومشهور باناقة رسومه ويدقة ملحوظاته . وكانت الرسالة التى 


٠‏ * كان المسئول عن بناء قوس النصر بميدان ليتوال فى باريس ٠‏ وكان شاميوليون ينوى أن ينشر معه كتابا 
مشتركا عن مصر .. إلا أن الفكرة لم ترى النور . 


405 


وصلت شامبوليون عبارة عن خراطيش متقولة من « بارولياف » من معيد أبى سمبل 
وهو مايعتبر خبرا مباركا بالنسبة للباحث الجائع . 

أخذ يدقق فی أول مستند من رسومات هیی . برز وسطه خرطوش يرمز بالطبع 
إلى اسم ملك . أخذ جان - فرنسوا يفرك عينيه . إذ أن المجموعة التي أمامه تتكون 
أولا من اسطوانة تشبه الشمس لونها طوبى أحمر ثم شئ مثل حرف له ثلاة آرجل 
تعلوه سئيلة لها ثلاثة فروع " وأخيراً علامة مزدوجة على شكل مشنقة مستديرة 
( مثل تلك التى تكمل خرطوشه بطليموس وقيمتها هى حرف س ) هذه المجموعة لاتمثل 
ولاترمن لأى ملك يطلسى أو رومانى : إِذ أن حجان - فرنسوا قد اكتشقهم جميعا . يجب 
البحث فى اتجاه آخر . فكرة سابقة ؟ محتمل . 

لم يصعب عليه إعطاء مدلول س أى س مشدوده للعلامة المزدوجة التى على اليمين 
( تقر الهيروغليفيات كما يعرف سواء من اليمين إلى اليسار أي مسن اليسان إلى 
اليمين ) ولكن ما هذه الأسطوائة الشمسية التى على اليسار ولونها طويى أحمر ؟ هل 
هو شمس : بالقبطية الشمس إسمها رع .. قى هذه الحالة إذا كان الرمز المزدوج 
الختامی ينطق س أو سيس وإذا كان الأول هى رع فيكفى أن يكون الحرف الوسيط 
المثلث الأرجل له قيمة ال م حتى يكون هى . ؟ چان - فرئسوا - راح يكتم أنفاسه .. 

- أمام خرطوش أكثر الفراعنة شهرة ومجداً : رمسيس ولعله أعظمهم على الاطلاق 
رمسيس الثانى ... كيف لا يفقدا هدوءه ! هنا أمام عينيه يحتوى هذا الخرطوش علي 
اسم ملك وادى الثيل العظيم ؟ بل أكثر من ذلك ثبت له أن نظريته التى كان يعتقد أنها 
ا تليق سوى على أسماء الوك الأجانب في اامصور الاخرة بسكن تم بي كي 
أقدم العصور ء أزمنة الأسرات العظيمة لمصر العتيقة ؟ هو الذى كان يحاول أن يخترق 
الزمن من طريق جانبى ثانوى وجد نفسه مدفوعاً فجأة إلى الساحة الرئيسية أمام 
بوابة الزمن الضخمة يعبر فى قفزة واحدة القرون الغامضة وليجد نفسه وسط الضوء 
الكامل . هل هذا معقول ؟ رمسيس ! 

كيف يتاكد من أن ما يراه ليس حدس تخمینی أو خلط بین رغباته وواقعه 
العلمى ؟ فمسك يورقة ثأنية من مستندات هويى . ها هو خرطوش آخر يضم مجموعة 
رموز أخرى غير معروفة حتى الآن . مختلق هى الآخر عن الاسماء المتآخرة التى تعود 
عليها . وراح يتامله فى عجلة محمومة . إلى اليسار طائر ايبيس . ثم نفس الإشارة 


» هذا القرع يصفه علماء المصريات يأته ثلاثة ذيول لثعلب مثك معقودة . 


406 


ذات السيقان المثلثة والواقفة . والذى سبق أن سجلها فى الخرطوش الذى أرجعه 
لرمسيس وأعطاها دلالة حرف م - وفى التهاية هذا الشكل الشبيه بالمشنقة أى عامود 
إنارة الذى يقرأ س فى الخراطيش الخاصة بالملوك اليونانيين والرومانيين وإفتراضيا 
فى خرطوش رمسيس الأخير . 
أليس الإيبيس هو الإله تحوت العالم » صافى الذهن مخترع الهبروغليفية ذاته !! . 
وإذا كانت قراءة هذا الرمز هى تحوت بالفعل والرمز الثانى قيمته م والأخير س أو إس 
فيكون الاسم هى تحتمس - لعله الثالث المجيد والفاتح . هائل ! نجحت أول مضاهاه 
والمعجزة تؤكد معجزة أخرى .. ماكان فيه مخاطرة فى القراءة المنقصلة لرمسيس أو 
تحتمس نقص إلى أقل درجة ممكنة إذا ما أجرينا مقارنة بين مجموعتى الافتراضات 
فالأولى تساعد الأخرى وتعضد بعضهما ها هى بعد خطوتين متتاليتين سريعتين قد 
دلف إلى قربى إثنين من أمجد الفراعنة . 
يجب ألا ننسى هذا الخطاب الذى حرره فى ۲١‏ أبريل ۱۸٠۹‏ إلى جاك - 
« لغتى القبطية مستمرة على نهجها السلس وأجد بالفعل سعادة عظيمة فى ذلك 
فأنت تدرى ولا شك أن السهعادة لايمكن أن تكون صغيرة عندما أتكلم لغة أعز 
أعزائى امينوفيس الثالث وسيتوزيس ورمسيس وتحتمس .., * » 
وها هى الأن لا يكتفى يستمرئ نطق أسمائهم كما لو كانت قطعا من الحلوى 
فحسب بل إنه يتعرف عليهم بعد ثلاثة عشر عاماً ويقرأهم أيضا !! لا يمكن أن 
يكون على الأرض إنسان أكثر سعادة من جان - فرنسوا قى صباح ذلك اليوم 
٤‏ سبتمير 1417 
كريستوفر كولومبس كان يأمل فى الوصول إلى شواطئ الهند وإذ به يكتشف 
جزر الهند الغربية ولن يتمكن من تحديد مكانها بدقة أى حتى تسميتها .. وشامبوليون 
كان يجتهد لحل شفرة اللغة الهابطة نومياً لآخر عصر الأسرات فى وادى النيل 
باعتيارها جسراً نح معرفة الفترات التاريخية العظمى فانعطف ليجد نفسه فجأة عند 
قمة الحضارة المصرية . مهما كان تصويبه عاليا ومهما كانت جسارته طموحة فهو لم 
يحلم قط بالوصول إلى كشف مبهر ومباشر وكامل على هذا المستوى . إنه بالفعل أمام 
نظام ليس مزدوج بل ثلاثى إذ أن الهيروغليفيات تعني فى ذات الوقت وبالتناوب أصواتا 





» أنظر صن 182 


407 


وأفكاراً وهذه الأخيرة تتمثل فى معنى حقيقى أ مجازى . رع وتحوت ‏ شمس وطائر 
المجموعة المكونة من م س فلها معنى وهو : « ولدته» . المنظومة أصبحت الآن كاملة 
تماما . 


يعيش حجان فرانسوا منذ toi‏ أو خمس ساعات حالة شديدة من الانقعال والقلق 
تصعب السيطرة عليها . فقد أجبر نفسه باصرار على التجرية والمقارنة إلى المراجعة 
فى المستندات التى حصل عليها من هويى للتحكم والسيطرة على الانفجار النورانى 
العثيف .. لم يعد يتمالك نفسه . كيف لا يحيط علما الشخص الذى شاركه الامه 
وصاحيه أو أرشد خطاه بالخبر العظيم ؟ 

قبيل منتصف النهار اندفع حلال الشفرة ( أخيرا ب يستحق بالفعل اللقب ! ) وفى 
يده مجموعة أوراق على السلم إلى شارع مازارين ربخل سريعة وصل إلى مكتبة 
الأنستيتى / المعهد ٠‏ ودفع الباب إلى مكتب جاك - جوزیف وهى يصرخ : « تمكنت من 
الحل » ثم - حسبما تقول الأسطورة التى يسردها ابن أخيه ريميه ومن كذثرة ما تدردد 
أصبحت تتمتع بقوة القانون التاريخى - إنهار فى حالة من « الإغماء الصرعى » * 

أن تكون هذه الأغمائة قد قد استمرت لعدة ساعات أو لعدة أيام ( ؟ ) - أسطورة 
أخرى - المهم هى أن تبييض مسودة الملحوظات العظيمة التى قام به چان - فرنسوا 
شامبوليون فى ذلك الصباح قام به بقدر كبير أخوه الأكبر ls pl.‏ - جوزيف 
أبحاث أخيه خطوة خطوة وسطر سطر وإذا كانت هذه المرحلة الأخيرة تكتسى أهمية 
أكبر بل قد تكون من نوعية مختلفة إلا أنها كانت مالوفة له . وطبقا لما يذكره ابنه ريميه 
فإن المسودة الأولى لما سيطلق عليه اسم خطاب إلى مسيوداسييه والمحرر فيما بين 
٤‏ و ۲۲ والؤرخة ٥‏ وتليت أمام الأكاديمية يوم ۲۷ كانت بقلم جاك - جوزيف . 

ولكن حذارى ! فبسبب الحيطة امتناهية بل وأكثر من ذاك بسبب الدقة العلمية 


» توجد عدة تفسيرات لهذا المرضى الفريب . منها أنها « كوما المرض السكرى » وعندما استشار المؤلف 
الدكتور لوبيتكى استيعد هذا الفرض . لأنها إذا كانت على الشكل الموصوف وفى تلك الظروف فلا يمكن أن 
يخرج جان - فرنسوا متها حياً . وفى رأى هذا الملتخصص المرموق قد تكون الحالة من حالات الثاركوليبيا 
الخدار ( حالة مرضية تتميز بنوبات نوم عميق قصصيرة ومفاجئة تتواكب مع فقدان العضلات لقوتها ) إلا أن 
هذه النوبات لا تدوم أكثر من عشرين إلى ثلاثين دقيقة . ١‏ وليك مهن ير أن مصدس عذه الحالة يرجن عى 
الأرجح إلى سيب تفسى عصبى أكثر منه متعلق بالأوعية الدموية بة . إلا أن أى ته تشخيص لا يمكن أن يكون سهلا 
بالنظى إلى عدم الدقة الأسطورى الذى يتسم به هذا الحدث . 


408 


لحلال الشفرة فإن المحاضرة المشهورة التى استمع إليها كل من سكرتيرها الدائم 
وأقرانه لا تعكس بشكل مباشر ما حدث من معجزة صبيحة ١4‏ سبتمبر ويكفى أن نقرأ 
نص موضوع الخطاب إلى مسيى داسييه عن الأيجدية الهيروغليفية الصوتية 
التى استخدمها المصريون لتحرير ألقاب وأسماء وكنيات الملوك اليونانيين 
والرومان على أثارهم فنلاحظ أن العلاقة ضعيفة للغاية بين « يوريكا » ( وجدتها ) ! 
فى ١5‏ سبتمبر وما سيتم إبلاغه للمجتمع العلمى بعد ذلك بثلاثة عشر يوم . ويجب 
الانتظار نهاية نص الخطاب قبل أن نقرأ أن الكتابة الصوتية لم يخترعها الكهنة 
المصريون لكتابة أسماء الوك اليونانيون والرومان ولكنها أخترعت « فى قترة متأخرة 
للغاية » . لا إشارة واحدة إلى رمسيس أو تحتمس .. 

بثير الدهشة هذا الجانب من عبقرية هذا الجنوبى المتحمس والميالغ والمتهو . والذى 
يستطيع مع ذلك أن يحتفظ لنفسه بالجانب الأساسى من اكتشافه الذى هزه . زا كما 
هز مجال المعلومات الذى تجول فيه لفترة طويلة . فهل يمكن أن نتصور بورتن مثلا أول 
من يعوب بعد اكتشافه منابع النيل ويكتفى بأن يعلن أنه وصل إلى الشلال السادس . 

لم يتمكن أحد من إيجاد شرح مقنع لتحفظ حلال اللفز .. ذكر بعضهم الدقة 
العامية كسبب .. إنه بالفعل سبب وجيه إذ أن بضعة ساعات من المقارنات بل ويضعة 
أيام فيما بين ١4‏ و ۲ سبتمبر قد تبدو غير كافية لهذا الزوج من علماء اللغة . وكان 
سيل المستندات ( والأثار ... ) قد بلغ درجة جعلت جان - فرنسوا محقا فى أن يعطى 
نفسه فترة زمنية للتفكير . ولكن يجب أن يكون المرء واثقا للغاية من نفسه ( فى هذه 
الحالة نكون بصدد غرور أكثر من كوننا أمام حالة . حذر ؟ ) لكى يحتفظ بهذا الكشف 
تحت إبطه . 

نرى فى هذا الإخفاء المغرور والمتعقل نوعاً من التحية لهذا الشرق المحجب وإلى 
هذا السر الذى ظل محفوظا لكل هذه الفترة الطويلة ولهذا الكتمان * ( كذا ) والذى 
أجان ماسينيون فى الحديث عنه .كما هو تحية لسر هؤلاء الأموات الذين دفتوا رقات 
الملوك - الألهة تحت أضخم تراكم من الأحجار تمكن الرجال من تشييده وختم مقابر 
الفراعنة إلى الأيد ... إن السر الذى احتفظ به من مسه الالهام فاصبح المكتشف هو 
رمز عظيم من المشاركة مع العالم الذى أفشى سره . 

باختصار نقول إن الشقيقين شامبوليون : واحد يملى والآخر يدون - ولعله أيضا 


+ بالعربية فى النص الأصلى [ المترجم ] ويشرحه المؤلف على الهامش : بإنه حق الإخقاء الذى يلجأ إليه 
المؤمنون وخاصة الشيعة فى علاقاتهم بالسنة من أجل سلامة مجتمعهم . 


409 


يشارك يأسلويه الشخصى فى أناقة النص المكتوية به الرسالة أخذا يعدان على عجل 
المحاضرة - ولو أنها كانت محدودة الحجم سواء للاسباب التى ذكرناها للتو ولان 
الأكاديمية لا يمكنها أن تمنح للباحث الشاب سوى ساعة واحدة فهى مع ذلك ستكون 
بمثاية بيان رسمى بميلاد علم جديد : إذ حل علم الايجيتولوجيا محل ما كان يسمى 
بالاجيتبوجرافيا . 

احتاج إعداد النص وطبع بضعة عشرات من النسخ لتوزيعها على الحضور 
المتوقع وإرسال دعوات لبعض شخصيات أجنبية ( مثل يائج وهوميوادت ) عدة أيام . 
وكان يجب أيضا اختيار الاشخاص الذين توجه لهم الرسالة . كانت الرسالة ستوجه 
فى البداية إلى « سيى البارون سيلفاستر دوساسى رئيس الأكاديمية » . إلا أن جان - 
فرنسوا هو الذى قرر أنها ستوجه لا إلى المعلم الذى أيد آرائه فى مرحلة متأخرة للغاية 

.وإنما إلى « الرئيس العزين » داسييه الذى لم يضن عليه بالرعاية قط . 

وجاء يوم /الا سيتمبر 1857 دون فى السجل المكتوب باليد للأكاديمية الملكية 
للمخطوطات والأداب أن بعد مشاركات عديدة من السادة : دو ديموزا وجومار 
وسیلفاستر دوساسی دعی مسيو شام بوليون الصغير إلى قراءة بحث على 
الهيروغليفيات الصوتية (13) , 

الجو كان ممطرا والصالة مزدحمة . قرأ مكتشف السر الذى كان سيحتقل يعيد 
ميلاده الثانى والثلاثين بعد ثلاثة شهور . الصفحات الثمان التى اختصر فيها كتايه 
مؤفتا والتى نشرت ينصها فى طبعة أكتوير من صحيقة العلماء 06 !نامل 
5 نتصوره وجلاً مأخوذاً فهو الذى وصفته الماركين دوساييه بأنه غير قادر على 
« التعبير عن نفسه بسهولة » ولا على « دعم بريق أعماله » وأكن وياعتراف جميع 
الشهود كانت المحاضرة مثيرة الغاية , 

احتفى داسييه وساسى وريموزا وهومبوادت بالشاب ولكن ماذا عن يانج ؟ كان 
الطبيب الانجليزى جالسا إلى جوار المحاضر وأخذ موقفاً طييا بل أنه لم يبخل عليه فى 
بادئ الأمر يتهانيه * هل هى ثورة ؟ عصر جديد ! إنه لم ير الاشيا ء على هذه الصورة 
بل على أنها تكملة لأعماله هى قام بها شاب موهوب . كتب إلى وليام هاميلتون - الذى 
انتزع حجر رشيد من الفرتسيين - : « حتى لى أنه استعار مفتاحا إنجليزياً فإن 


*» سنرى فى الفصل التالى ماذا كانت أراءه الخفية . 


410 


المزلاج كان صدءاً لدرجة مخيفة لا يستطيع أى ذراع عادى مهما كانت قوته من إدارته 
فيه [...] إن حياتى تبدى كما لو أتها طالت يالحصول على مساعد أصغر سذاً .. » بعد 
ذلك ستتغير اللهجة والأغنية ذاتها أيضا . أما فى الوقت الحالى « فالسعادة 
المحلقة ( اليوفوريا ) » هى السائدة . 
بعد بضعة أيام أمكن لجان - فرنسوا أن يكتب خطاباً لأخ زوجته أندريه بلان . 
« هذا الاكتشاف الذى أعلمت يه الانستيتو فى VV‏ سبتمير أثار الدهشة وفرض على 
الجميع حتى أوائك الذين وقفوا بعيداً عنه لأسباب حزبية أن يصفقوا ويؤيدوا . [..] 
وبعد ذلك بيومين أعلنت الصحف عن الموضوع والشي؛ الذى أدهشنى وليس بالقليل 
أن (العلمالأبيضى)81306 (ا8ة306!(] * كان من أول من تحدثوا عن 
المحاضرة ٠٠.‏ » (14 
كتب لاموتيور أونيفرسال |010/©615©6لا الا1/1001]6 ا عرضا فى أول أكتوير . جاء 
فيه !« يتضح من الدراسة الأخيرة للأكاديمية أن بعض الهيروغليفيات تكتسى مدلولا 
صوتيا . واكتشف مسيو شامبوليون الصغير أبجديتها نقلا عن الأثار تفسها . الرموز 
التى جمعها توازى الحروف الساكنة والمتحركة للأبجدية اليونانية . عند تطبيقها على 
الكتابات الهيروغليفية التى تزين الأثار المصرية تمكن من التعرف بسهولة فى معظمها 
على اسماء الإسكندر الأعظم ويطليموس وكليوباترا وييرييس . » 
ملاحظة من السيد لوكلان (15) : و عرض الموضوع فى المقال واضح لدرجة أنه 
يمكن التعرف على العلامة المميزة لآل شامبوليون عليه بشكل بين » . إلا أننا سنسمح 
لأنفسنا أن نعترض على هذا المعلق العلامة أن صاحب المقال أعطى على الرغم من ذلك 
إلى « آل el‏ » سباط ليضريوا أنفسهم بها يما أن جميع الاسماء المذكورة على أنها 
اكتشفت من الباحث الفرنسى يدعى غرماؤه الانجلين بأنها اكتشافاتهم هم . إننا نعرف 
اليوم القيمة الحقيقية للحجج المتبادلة . ولكن فى أكتوير ؟17 اكتست هذه التفاصيل 
نشرت رسالةإلى مسيوداسييه فى نصها الكامل منذ نهاية شهر أكتوير على يد 
فيرمان ديدى « صاحب مطبعة الملك والإنستيتى » وصاحب مكتبة يشارع جاكوب - على 
هيئة كتيب يحتوى على 44 صفحة وأريع لوحات مزينة يصور عديدة . 
إن قراءة هذا النص المشهور جيداً والذى يكاد يكون مهملا فى آن واحد تثير 


من الصحف ( اليمئية ) المتطرفة 


411 


الدهشة آحيانا. فمتذ السطر التاسع للصفحة الأولي نقرأ أن الكتابات المرسلة 
المصرية هى كتابات « إيديوجراقية » * مثل الهيروغليفيات ذاتها أى أنها ه تصف 
أفكاوا ولا تصف أصوات الاغة » التصحيح أن يذكر سوى في الطبعة الثانية إن صحح 
المؤلف نفسه يآن قال « نصف الأفكار تاره وأصوات اللغة تارة أخرى »وفى 
صفحة " يأتى ذكر « هيروغليفيات تتمتع بامكانية التعبيرعنأصوات الكلماث 
مستثنية يذلك الطبيعة العامة لرموز هذه الكتابة » . إن الذى يجعل هذه المرجعية إلى 
« الطبيعة العامة .. لهذه الكتابة » مثيرة للدهشة هى أن « رسالة إلى مسيوداسييه » 
تظل فى تاريخ العلوم المرجع الرسمى للطبيعة المزدوجة - الصوتية والإيديوجرافية - 
للكتابة | قدسة لقدماء المصريين ... 
« لايمكن اعتبار الكتاية الصوتية المصريين منظومة ثابتة لا تتغير مثلما هى الحال 
يالتسبة لأبجديتنا , لقد تعود المصريون علي التعبير المباشر لأفكارهم » والتعيير 
بالأصوات لم يكن سوى وسيلة ثانوية فى كتاباتهم الإيديوجرافية - ثم مندما ظهرت 
لهم فرص متكررة لاستخدام التعبير بالأصوات فقد عملوا على زيادة نطاقات 
استخداسها إلا أنهم لم يستغنوا قط عنها على الرغم من ذلك فى كتاياتهم 
الايديوجرافية المعتمدة من الدياتة ومن الاستخدام المستمر لها لعدد كبير من 
القرون . » 
ويعد أن قدم التحية لاسلافه ساسى وأوكريلاد ويانج قام جان - فرنسوا 
شامبوليون بوصف عمليات فك الشفرة التى لجأ إليها بالنسية ليطليموس وكليوباترا 
والاسكندر وبيرينس والأباطرة الرومانيين . وخلال السرد أخذ يذكر المبادئ التى أقام 
عليها منهجه والتى ستعطيه قيمته العلمية : 
« ... هن أجل التعبير عن الأصوات والمتطوقات واكى يشكلوا بذلك كتابة صوتية أخذ 
المصريون هيروشليفيات تمثل أشياءاً مادية وتعبر عن أفكار تيدأ أسماؤها أو الكلمات 
الدالة عليها فى لغة الكلام بالحرف المتحرك أى الساكن الذى يراد تصويره » 


* التاكيد موجود فى النس الأصلى . 


412 


ثم أخذ يعدد الكلمات القبطية لابوى ( أسد ) ويملها أسد ممدد له قيمة حرف ل » 
سه . (إناء من الأليستر ) حرف ن توت اليد : حرف ت ؟ وو » القم » حرف إلخ . 
ولكن إلى أى حد يمكنه أن يمسك عن البوح بالسر الذى يكاد يخنقه وهى تطبيق 
الهيروغليفيات الصوتية ليس على الاسماء الأجنبية المتأخرة فحسب وإنما على أسماء 
ملوك الأسر التى حكمت خلال مراحل الذروة التى بلفتها الاميراطورية اأجديدة ؟ وهو 
الكشف الذى سقط عليه كالصاعقة فى ١4‏ سبتمبر مثلما حدث لذلك الرسول وهى فى 
الطريق إلى دمشق وهل سيحتقظ به انفسه حتى النهاية ؟ كلا . ولكن سيقذف به فى 
شكل افتراضى وظرفى إلى معشر العلماء ليشغلهم به : 
« إنى على يقين من أن نفس العلامات الهيروغليفية -- الصوتية المستخدمة للتعبير عن 
أصوات أسماء العلم اليونانية والرومانية تستخدم كذلك فى النصوص الإيديوجرافية 
المنحوتة قبل وصول اليونانيون إلى مصر بفترة طويلة جداً وكانت لها فى ذلك الوقت 
وفى بعض الحالات . ذات القيمة التعبيرية للصوت واللفظ للتى فى الخراطيش 
المحفورة فى عصر اليونان والرومان . [...] إن تطور هذا الواقع الثمين والحاكم 
يخص ما قمت بيه من عمل حول الكتابة الهيروغليفية الخالصة . ولا يمكننى أن 
أوضحه فى هذه الرسالة دون أن أدخل فى تفاصيل مطولة للغاية . 
واذلك فإنى أعتقد ياسيدى أن الكتابة الصوتية كانت موجودة فى مصر منذ زمن 
قديم جداً وأنها كانت أولاً جانباً ضروريا للكتابة الايديوجرافية ...» 
يقول « إنى على يقين ... » ثم يمتنع عن تقديم البراهين . فهى لازال يحتفظ بها 
لنفسه , ولكن لا أحد من المستمعين المعنيين الذين تزاحموا فى تلك الليلة داخل قاعة 
محاضرات الأنستيتى فاته أن يعدد الافتراضات وأن يزكد الاحساس الذى تولد لديه 
من أن هذا الشاب لن يتوقف عن هذا الحد . بان « عمله فى مجال الكتابة الهيروغليفية 
البحتة » لا زال يخفى العديد من المفاجات .. 
أكثر الأمور لا معقولية هو أن نعتبر هذه الأيام من سبتمبر 1857 نهاية بل إن 
المرء قد يرى أنها فى الواقع نقطة إنطلاق . فمن ١4‏ سبتمبر إلى ١‏ منه لا يقدم 
جان - فرنسوا شامبوليون كشف حسابه . بل راح يجمع أسلحته وهى فى وقفته أمام 
الأنستيتو يدا كمالى أنه فى استعراض مثل الذى تقوم به الجيوش قبل انطلاقها إلى 
ساحة معركة صعبة . فلتقراً ما يقوله ه سوتاس : « لقد وجد نفسه بذلك وقد وضع 


413 


تحت يده ترسانة لامثيل لها من الوسائل ... سلسلة من الأحداث هي التى أخرت 
اكتشاف عام 5 منها : عدم كفاية المصادر والحالة السيئة للمواد الأساسية وعدم 
دقة الكتب المنشورة وتأخر وصول المنسوجات فى حين أن غيره من الياحثين كانت 
الأصول فى حورتهم »٠‏ 

لم يتوقف شامبوليون بعد ذلك عن المضى قدماً وكما يقول كاتب تمهيد رسالة إلى 
مسيوداسييه أن هذا الكتيب لم يكن سوى « مقدمة عمله الضخم » أى ملخص 
المنظومةالهيرىغليفية * والذى سيتقدم به المكتشف إلى المطبعة بعد خمسة عشر 
شهرا . والرسالة ستدخل جزءاً من الطبعة الثانية للملخص التى نشرت عام ١4548‏ 

ته مع الطبعة الأولى المعطيات العلمية التى أرسلها المكتشف طوال عام 1877 إلى 
أكاديمية المخطوطات والأداب . وسنرى بعد ذلك ** كيف أن المفاجأة التى فجرها جان 
- فرنسوا فى ۲۷ سبتمبر 14857 لم تجعل جميع معارضيه يعدلون مواقفهم منه بل 
على العكس من ذلك تماماً ما حدث ليعضهم . فيقضل داسييه وأيضا ساسى الآن . 
عاد الأنستيتى يفتح له أبوابه إلا أن كل خطوة سيخطوها سواء فى مجال الأبحاث أو 
فی مجال النشر سيواجه فيها بالعديد من العقبات . 

يعتبر الملخص توسعا وتعميقا ضخما لمسيرة شامبوليون . ففضلا عن السرد 
التاريخى الذى يقدمه لأبحائه - ولما أتى به أسلافه ومنهم يانج فهى يؤكد هنا بشكل 
أكثر وضوحاً على دور « الرموز الهيروغليفية الصوتية » كما أنه يعبر فيه عن أكثر 
. التعريفات عمقاً وإيجازاً لأسلوب التعبير الهيروغليقى ! « إنها منظومة معقدةوهى كتابة 
تصويرية ورمزيبة وصوتية فى آن واحد وفى ذات النص وذات الجملة بل أكاد أقول فى 
ذاتالكلمة » . يحتاج الأمر العديد من الأعمال المطولة والدقيقة جداً للوصول Jai Late‏ 
باسكال وإينشتاين إلى هذا النوع من الصياغة المختصرة الدقيقة , 


ومع ذلك فإن جان - فرانسوا شامبوليون لم يكن يعتقد أنه وصل إلى نهاية 
أبحاثه . بل على النقيض من ذلك فإن ما يتضح من دراسة هذه المرحلة من حياته وفى 
* « رسالة إلى مسيى داسييه » ستصبح جزءاً من الملشصىأدخل عليها بعض التعديلات . 


+» أنظر فصل ؟١‏ 


414 


التى تبدأ من نشر الرسالة إلى نشر الملخص وتوزيع « البانتيون» قبل سفره إلى 
إيطاليا هى عمق وكثرة العمل الذى يؤديه ونشاطه المحموم كباحث أيضا ثم كجامع 
ومستغل لاكتشافاته . إنه كالأعمئ الذى استرد يصره وراح يجرى كالمجنون من منظى ٠‏ 
إلى متحف ومن وجوه النساء إلى مناظر غروب الشمس . إنى أرى ٠‏ إنى أقرأ . إنى 
تحررت من الخطأ !! 


إذا كان كتاب ملخص المنظومة الهيروغليفية لقدماء المصريين قد ظ ر فى 
الأسواق فى يناير ١454‏ على حساب الدولة فإن ذلك يرجع جزئياً إلى تدخل شه عمية 
غير متوقع ظهورها فى هذا الدور كملاك حارس لحلال الشفرة والتى لن يتوقف تدخلها 
تدخلاً غاية فى النفع لشامبوليون طوال العشر سنوات المتبقية له فى الحياة . 

من ذا الذى كان سيختار - إذا طلب منه أن يحدد من بين عظماء رجال عهد 
البريون الجديد . الشخصية المرموقة وذات الفكر المحرر من الأفكار المسبقة لطبقته 
لدرجة إنتشال « رويسبيار جرونويل » من برائن أمثال موتليفى وهوسان » ويقتح له 
جميع أبواب البلاط الملكى والمجتمع - كان سيتجرأ ويختار : الدوق دويلاكاس ؟ إذ لم 
يكن هناك أكثر تطرفاً فى تفكيره المحافظ من هذا الأثير لدى لويس الثامن عشر ولا 
أفضل تمثيلا لمن كان جان - فرنسوا يسميهم « طافئى الأنوار » . 

هى بييار - لويس - كازيمير دى بلاكاس دولبى » نبيل من الأرياف سليل أسرة 
عريقة مشهورة جداً وقليلة الثروة فى آن واحد وقد تعرف وصادق وهى فى المنفى فى 
فيرونا الكونت دويرفونس الذى أصبح فيما بعد لويس الثامن عشر . كان قد قضى 
فترات من عمره فى سان بيترسبورج وهارتوال وحارب فى فاندى وأصبح فى عام 
4 وزير البلاط الملكى أى أقرب معاونى الملك . وقد منعته الشهرة التى اكتسبها 
بأنه من أكثر الناس تطرفاً - وذلك بناء على طلب الحلفاء - من أن يتولى رياسة 
الوزارة . وفيما عدا جيرمان دوستال التى امتدحت عقليته فإن الجميع كانوا يعتبرونه 


415 


متعاليا ويدون ثقل , كما أن شاتويريان الذى شارك هذا الرأى قد رماه ببعض من 
سهامة ! 

0 « إن سيد دوبلاكاس يتمتع بالشجاعة والشرف [...] إنه من سلالة عريقة . وهى 
ابن أسرة فقيرة ولكنها عريقة معروفة فى مجالس الشعر والسلاح . التزمت الذى يميز 
حركاته وثقته الكاملة فى ذاته وتمسكه بدقة الاتيكيث يحفظ لأسياده نبالة عادة ماتتبدد 
فى الشدائد [...] خبير على دراية فى بعض مجالات الأثار القديمة ومن هواة الفنون 
ولکن دون خيال وفاسق : [...] هدوء أعصايه هى من سمات رجل الدولة لو لم يكن هذا 
الهدوء سوى وثوقه فى عبقريته [...] إن المرء يشعر أن النبل العظيم الذى بداخله قد 
أجهض ... (15) » 

الواقع أن الدوق دوبلاكاس كان محباً لدراسة الأثار . وقبل أن تتيح له مكانته 
كسفير فى نابولى فرصة تجميع أثار يونانية ورومانية وإتروسكية فى مجموعة ممتازة 
كان يعطى اهتماماً بالغاً للأيحاث الخاصة بالشرق - ولإقامة متحفه الخاص ... لم 
يتمكن من حضور الجلسة الأكاديمية المنعقدة فى ۲۷ سبتمبر ۱۸١١‏ إلا أن صديقه 
الدوق دودوفيل ( شخصية ليبرالية سنلقاها فيما بعد ) أعطاه عنها تقريرا حماسياً وهو 
ما دفع الدوق النبيل إلى العمل على لقاء هذا الجاكويى الشاب الذى كان مصيره 
مطبوعا بخاتم العبقرية الذى جعل عوالم بكاملها تفيق من سباتها .. مما يجعلنا 
نعتقد أن « طاقيئ الأنوار » هذا احتفظ فى داخله يقبس ... 

فى يناير 1485 فى اللوفر ويمناسبة عرض الأثار التى أحضرها من مصر 
القنصل دوفان تعرف كازيمير دى بلاكاس على كاشف أسرار الهيروغليقية .. لايد وأن 
هذا الأخير قد بغت عندما إضطر أن يعترف أنه وجد فى هذا الذى يمثل قمة الاستبداد 
فى التياى المحافظ أحد المعجيين به ثم راعيا له ثم بعد وقت قصير صديقا له . بعد عدة 
أسابيع من هذا اللقاء سلم بلاكاس لجان - فرائنسوا هدية من الملك عبارة عن صندوق 
من ذهب عليه الحروف الأولى من اسم الملك وتحتت عليه هذه العبارة ؛ « من الملك لويس 
الثامن عش ر إلى مسيوشامبوليون الصغيريمناسبة اكتشافه أبجدية الهيروغليفيات » . 


416 


كان الدوق يريد أن يوضح للعالم الشاب pl‏ الملك أن أعماله أصبحت متذ ذلك الحين 
موضوعة تحت حماية النظام الملكى « لكى يحميه من أى تشكيك لاحق سيصدر من 
منافسين تأخروا فى الوصول إلى ما وصل إليه » (17) . 
تحول مذهل فى المواقف : أصبح « رويسبير جرونويل » المعجب « بالأب 
لافيوليت » ( نابوليون ) . ضحية مونتليفى ودوناديى ودوساز , منتقد « الحرب الصليبية 
الاسبائية » ... أصبح تحت الحماية المباشرة « لصاحب الكرش » وذلك بفضل الرجل 
اموثوق فيه من حزب « السود » » من الفاتيكان ! ولكن سنرى أن صديقنا عالم 
اللغويات القادم من الدوفينيه سيسير مشوارا طويلا فى هذا المجال ... 
مقابلة مع الك ؟ تعهد بلاكاس لجان - فرنسوا - الذى لم يتردد أبداً - فى أن 
يدير له ذلك فى أول مناسبة وهى ما وفره نشر الملخص فى نهاية شهر مارس 1۸۲٤‏ . 
استقبل الملك المريض بالنقرس الكتاب وصاحبه الذى سعد لذلك جدا - استقبالا طيبا . 
إلا أن الملك لم يشر قط كم كان بلاكاس يتعشم إلى رحلة لإيطاليا على حساب الدولة . 
وهى الرحلة التى ظل الباحث يحم بها لقترة طويلة ولكنه سيضطر الانتظار لشهرين 
اخرين قبل أن يقوم بها . | 
كان جان - فرنسوا قد بدا قبل ذلك مشروعاً أكثر جسارة من الرحلة وكان ينتظر 
أن يعود عليه ولو لمرة واحدة ببعض العوائد ا مادية . إذ أن على المرء أن يعيش وعلى 
الرغم من الشهرة التى اكتسبها خلال بضعة أسابيع إلا إنه لم يكن لديه أى دخل 
ثابت . ولذلك فقد غامر بالدخول فى حقل قد لا تكون له فيه دراية سابقة كعالم لغة وهو 
مجال « عالمالالهةالمصرى « Le Panthéon Egyptien‏ 
فی خطاب کتبه لحمیه « العم » كلود بلان - الذى كانت صحته فى تدهور سريع 
وهو ماكان ليدفم به إلى الوفاء بدوقه روزين لها ولزوجها التى وعدهما بها قى عام 
۸ - أعطى كاشف لغز الهيروغليفيات فى 4؟ يوليى 1457 الأسباب المالية وراء 
مشروعه الجديد : 
« لايد وأنكم تلقيتم [...] المنشور والإعلان من كتاب جديد سأقوم بنشره من مالى 
الخاص تحت عنوان اليانتيون المصرى . وسيكون فى طبعة فاخرة وسيبلغ ثمن 
المجلد العادى ٠١٠١‏ فرنكا وأنى أقوم بهذا المشرووع دون أن أخشى الخسارة لأن فى 
الزمن الذى نجن فيه الكتب الغالية الثمن هى وحدها التى تشترى وتباع دون عناء . 


417 


ثم أنى لا أعغرض نفسى لآى مجازفة مادام الكتاب سيظهر فى السوق على فترات 
شهرا بعد شهر وإذا حدث أن عرضت نفسى لأى خسارة فسأكون صاحب قرار 
إيقاف النشر . [ .. ] لدى بالفعل عدد من المشترين مقدمًا لكى أغطى مصاريف 
أول نشرة ولعلكم قد علمتم بالفعل من صحيفة لومونيتور أن الملك ذاته قد اشترى 
مقدمًا ثلاثة نسخ [ .. ] وأنى على يقين من أنى لدى الوصول إلى النشرة الثالثة أو 
الرابعة سأكون قد حصات على ريح كبير ... ) 
ويعد أن « قدم بضاعته » إلى حميه بأسلوب مختلف عن الذى حرر يه « رسالة 
إلى مسيوداسييه » واصل جان فرانسوا خطابه بأن أعلن إلى مسيى يلان أن الملك قد 
أمر كذلك بطيع « كتاب آخر » ( هو« الملخص » بالطبع ) دون مقابل وأنه « طبع أكثر 
من نصفه » وأنه سيضمن له « مكاسب كبيرة نوعا ما » .... ثم يحاول جان فرانسوا 
تبرير حالته المادية المتردية لوالد زوجته وحالة الشظف التى تعانى منها 
أسرته م بالحرب المستتزفة للطاقات والمؤسقة من جميم الويجوه سوام بالنسبة للملوك 
أى بالنسبة للشعوب » والتى بدأتها الحكومة فى أسبانيا بناءا على توصيات وزير 
للخارجية اسمه شاتويريان الذى يريد أن يعجل باعادة حكم البوريبون المستيد 
or‏ وراء جيل اليرانس.» 
ويخلص هذا التقرير عن الحالة العامة للأسرة بنظرة متفائلة . لقد كان روح البنت 
العيقرى وهى فى مواجهة « حماه العزيز » مثل زوج الابنة فى مسرحية للمؤلف 
المسرحى الكوميدى لاييش : 
« لقد كدحت ويمكتنى أن أفخر بأنئى كونت لنفسى شهرة كبيرة بالقدر الذى يجعلنى 
لا أخشى من الفشل إذا حدث وعرض على صركرًا يعود ببعض النفع على [ ..] 
إن المستقبل مفتوح أمامى وإن يمر وقث طويل قبل أن أجنى ثمار أعمالى كلها [ ..] 
وعلى أن أتسلح بالشجاعة والإعتدال فى كل شئ .. » 


يا لهذا الشاب و« اعتداله فى كل شئ » ! ... واولا فورة الغفضب ضيد الحرب 
التى يقوم بها مسيق دوشاتوبريان ( وهى عملية لم تكن لتغضب رجلا محافضا مثل 
( مسيق بلان ٠‏ ) فإننا أمام زوج إبنة يستحق التقدير » ومع شئ من الحظ سيتمكن 
من أن يدر لتقسه دخلا مناسبًا . 


418 


كفانا تهكمًا ! فى يونيى 1475 أعلن الناشر تاديرى بالقعل عن نشره على دقعات 
لكتاب عن« اليانتيون المصرى » : مجموعة من الشخصيات الأسطورية فى مصر 
القديمة . مأخوذة عن الآثار » اانصوص كتبها شامبوليون الصفير والرسومات 4ل ج 
ح دويوا هل كانت هذه عملية ترفيهية تهدف إلى الكسب فى الأساس ؟ إحتوى هذا 
العرض لعلم اللاهوت المصرى.القديم سواء على المستوى القنى أو العلمى : صعويات 
جمة رصدها جان يويوت فى مقال نشر فى نشرة الجمعية الفرنسية للأثار القديمة فى 


أكتوير ؟19/85: 

« من وجهة النظر النقدية كان المطلوبي هو تزيين بعض الأشكال غير 
الملوتة ده موثوق فيها من التاحية العقائدية » بالرسومات » : 

فهل كانت تسمح معارف حلال الشفرة الهيروغليفية وموهبة صديقه دويوا * بحل 
هذه المشككة ؟ من وجهة النظر العلمية كانت المصادر الموجودة تحت يد شامبوليون 
تادرة فحاول أن يكملها باستخدام رسومات بصورة طبق الأصل ملونة أحضرها من 
مصر بلزوتى ولورد بالمور » وبعض القطع التى استعارها من مجموعات الأب 
دوتيرسان . صديقة القديم فى لابى - أى - بوا - أى من محافظ متحف ليون - ليون 
أرتى - الذى كان معجبا به اعجابًا بلا حدود . 

تسبب نشر ملازماليانتيون من يوليو 14875 إلى سيتمير 1458١‏ له فى هم مستمر 
وضاغط وفى إرهاق دائم وكان مغامرة علمية جعلته يعرض نفسه لإنتقادات حادة من 
المتخصصين البريطانين الذين وجدوا فى عمله هذا عيبا فى الدرع الذى يمكنهم النيل 
منه من خلاله وليجعلوه يدفع ثمن إتتصاراته ولكنه كان فى الوقت ذاته مصدرا 
لاكتشافات رائعة . 
2 وصفاجان يويوت شامبوليون « وهى يقوم بوضع صورة معقدة - بطريقة غير 
دقيقة - أخذها من الأكوام المتراكمة من غير نظام الحوارات الهيرميتكية - والتى 
تعتير أن هناك نصف إله غير مخلوق يظهر فى صورة إله يخلق نفسه له وصفات 
الجنسين » ثم يصل إلى هذه الخلاصة التى قالها آأخوه على أسانه آخوه يعد بضعة 
سئوات من وفاته فى مقال ظهر فى مجموعة الکون (T8) : L'Univers‏ 


+ الذى إلتقينا به من قيل فى ۱۸٠۸‏ وهو يشارك چان فرانسوا فى صب قوالب الرسومات المحفورة - والذى 
sa} JS‏ أقرب أصدقاءه . 


419 


« ديانة الفراعنة كانت موحدة للاله توحيدا خالصا ؛ يعبر عن ذاته خارجيا 
بواسطة تعددية رمزية 2 يمعنى أن الاله واحد صفاته جميعًا وملكاته كان يشخصها 
ممثلون نشطون أو ألهة مطيعة » ( هذه النظرية سياخذها عنه ويعمقها بشكل خاص 
أول التلاميذ الفرنسيين لحلال الشفرة وهى إيمانويل دى روجية ) . 


حتى قبل أن يحظى جان - فرانسوا شامبوليون بلقاء الملك صادف لحظة 
إنتصار مثل تلك التى يسعد بها أعظم المكتشفين ويروا فيها أنهم وصلوا لقمة المجد 
أى أنهم بلغوا الهدف أو اختتموا حياة عملية ناجحة : 

ففى 5١‏ أيريل 81 عقدت الجمعية الأسيوية أولى اجتماعاتها السئوية برياسة 
لويس - فليب دوق دورايان . يحيط به تائبا الرئيس الشهيران الكساندر فون 
هوميوادت وفرانسوا رينية دوشاتويريان وأعظم مثقفى ذلك العصر : داسييه » ساسى 
وديجوزا . 

كانت كلمة الرئيس التى ألقاها لتحية صاحب الكشف بمثاية أعلان عن دخوله 
طبقة النبلاء ... وتثما كانت هذه التحية 3 قد أتته من عائلة أورليان الفرع الأصغر 
البوريون فإنه ضمن بذلك الحصول على رعاية ان تكون حكرا على الفرع الحاكم فقط : 

« إن الاكتشاف الوضاء للأبجدية الهيروغليفية تشرف ليس العالم الذى توصل 
إليه قحسب وإنما الأمه بأسرها * ولها أن تفخر لأن أحد الفرنسيين قد تمكن من 
أختراق هذه الأسرار التى لم يكشف عنها الأقدمون أبدًا سوي لقلة من المريديين 
المضموئين وكشف شقرة هذه الرموز التى كانت جميع الشعوب الحديثة قد يست من 
إكتشاف معناها » (19) , 

وجبهتة مزينة بكل هذا الغار ذهب جان - فرانسوا شامبوليون القاء الجمهور 
الودود حين ظهر له شخص ضخم الجثة على وجهه إبتسامة الصديق : المارشال 
سوتية وزير الحربية الذى كلقه نابوليون فى عام 181١‏ بحماية جبال الآلب فى مواجهة ' 
القوى المسلحة الثمساوية الساردينية - والذى ذهب الشاب شاميوليون للقائه بصفته 
هذه فی شامبيرى لحفذه على الصمود : وهى النصيحة التى لم يتبعها سوشية سوى 
يتكاسل . قال المارشال لعالم اللغويات « الزمن تغير جدا إلا أنى أمل أن تكون قد 
تصالحت مع الأوضاع الجديدة 6 


سنوات . 


420 


وإذ إرتبك الشاب بأن يسمع ذلك من إحدى صنائع نابوليون فقد فضل أن يلل 
صامئًا » صمت کسر حدته ملی الفور مسیو دو شاتوپریان - قصير القامة 3 تتدلى على 
جبهته بعض من خصل شعره وهى لايزال قى حماسه بسبب حرب أسبانيا التى قدمها 
إلى الملكية لكى تكون على قدم المساواة مع الإمبراطورية والتى إعتيرها شامبوليون 
على نفس القدر من الجنون عن التى سبقتها : 

« إن الذى يرى الشمس طالعة أمامه لا يمكن أن ييكى على الليل الذى يتلاشى » 
هذا ماقاله الفيكونت دوشاتويريان 

- ومع ذلك يا اكسلانس * بصفتى مصرى قديم فإن نصفى يبقى دائما ورائى ٠‏ 

- إنك تتكلم بالهيروغليفية . 

- أود أن أقول أن طالما قلبى ينبض فى صدرى وموجود جانب الشمس التى 
أحييها بإمتنان , فإنى ساظل أتامل نجوم الليل تتلالا وهى التى أضائت لى الطريق » 
كل منها بنور خاص بها » (20) . 

إن رجلنا الريقى لواثق من نفسه فى تحد وهى يواجه العظماء ء : لقد إنتهى زمان 


الاتحاد والقيدرالية ولكن لم ينتهى زمن الوفاء - حتى لو أن الوفاء الذى أصبح يربطه 
بمصر التى كشفت له عن سرها قد ألقى بظله على إرتباطاته القديمة . 


فى الأول من مارس 1814 أعلنت له روزين من جرونويل أنه رزق بإبتة . سيطلق 
عليها أسمًا لا يمكن أن يكون سوى شرقيا : زوارييد ** إلا آنه لن يتعجل كثيرا 
الذهاب لتقبيل الأم والتعرف على الطفلة . وسينتظر فرصة السفر إلى إيطاليا فى نهاية 
شهر أبريل ليدير الوقت اللازم ويتوقف فى جرونويل لهذا الفاصل العائلى وهو فى 
طريق السفر . 

كان استقبال المديثة التى خرج متها هاريا عام ۱۸۲١‏ هو استقيال الفاتحين .. 
» الزيارات كانت « تقتله » من الصباح حتى المساء » . إبتته ؟ 


eee‏ سي 
+ كان شاتويريان قد ترك لتوه مركزه كسفير فى لندن ... 
kot‏ تحريف اسم « زهراء » ( المترجم ). 


421 


» صاحبتنا » الصغيرة بدينة وكلها دهون وهى تؤدى دورها على أكمل وجه تأكل 
وتصرخ وتأكل . وتنام وتصرخ من جديد وبنفس المقدار . يدعون أنها تشبهنى . لقد 
تعرفت فيها الفعل على لون بشرتى وأهدابى أما بالنسبة للباقى فلتكن مشيئة الله ». 
خمسة أسابيع قضاها فى إحتفالات عائلية كانت كافية لاسعاده . فى ُ يونيى 
غادر إلى إيطاليا وهى مقتئع أن « الطريق إلى ممفيس يمر من تورينى » . 
لقد أعد أسلحته إعدادا جيدا . الجوهر هو الكشف » أما إنارة مصر فلا زالت 
تحت الإعداد . الجانب اللغوى داخل جان فرانسوا شامبوليون لم يقم بالفتح سوى 
لخدمة القتان والمؤرخ . 


422 


٠‏ -القضية 


أصدقاء وأعداء - التحالفات الأريعة - جومار وكاترومار - المسكين 
دكتور يانج .... دفاع سيرييتر - عناد سير الفريد - تحکیم ۷۷/۸٥5۷1٥‏ ضراوة الترتار 
- حكمة جان كايار - المتعنتون 


لا يمكن أن تكتشف أمريكا دون سايق إنذار ولا أن يوجد جاليليى دون قضاة ولا 
أن توقظ خمسة عشر قرنا من سباتها دون أت تجعل النائميين يتأوهون . أن الضربات 
| الإفتتاحية الثلاثة المتمثلة فى الرسالة إلى مسيو داسييه و « البانتيون » و « الملخص » 

مع الإضطرابات التى أثارتها داخل عالم العلماء ورجال الدين أيضا وكذلك الإحباطات 

التى تسيبت فيها عند الرواد والمنافسيين وزملاء المكتشف كان لايد أن يتسيب كل 
ذلك فى ضجة كيرى . 

أى مكتشف لابد وأن يسير فترة على دربه دون حماية إذ يكفى أن تحرز تقدمًا 
خارقًا لكى تصبح هدقًا للجميع . وما بالك إذا كان هذا المكتشف ذا شخصية حادة 
الطباع وعنيفة فى الإنتقاد وعمره الصغير يزيد من غضب الشيوخ الذين فشلوا فيما 
نجح هى فيه . 

وهكذا فإن فارسنا الجاسكونى صنع لنفسه خلال ثمانية عشر شهرًا - من 
سبتمبر ۱۸۲۲ حتی مارس ۱۸۲٤‏ - من الأعداء أكثر مما تمكن دارتانيان من دحرهم 
وظهره إلى الحائط والسيف فى يده مشهراً . 

نعم كان عدد المناصرين له وإاقضيته يتضاعف حول المجموعة الأساسية المكونة 
من جاك - جوزيف وداسييه والدوق دى بلاكاس وفيروساك مدير صحيقة النشرة 
ff, Le Bulletin Universel &ilail‏ التف حولها أيضا فورييه وأراجو وكوفييه وبدى 
ولابلاس ثم ولاسباب أخرى شاتويريان علاوة على انضمامات أخرى لها أهميتها 
ولكنها لم تتم كما سنرى دون تردد وبعض التحفظات بل ويعض الندم وهى الثلاث 
شخصيات التى لايجادلها أحد فى مرجعيتها فى مجال اللغات وهم سيلفاستر دو 
ساسى وجان ليترون وقيلها لم فون هامبولدت . ويجب أن تضيف أن « رويسييير 
جرونويل » كان يدعمه عدد من كبار النبلاء بخلاف الدوق دی بلاكاس مثل الدوق دودوقيل . 


423 


أما المتشككون ومهاجمى« الدجال » فلم يكونوا أقل نشاطًا وذلك إنطلاقًا من 
قطبين : باريس ولتدن إن يجب أن تنوه يعدم صحة ما بدعيه العديد من المؤرخين أن 
نضال « المصرى » من أجل تقنين إكتشافه إتخذ طايعًا وطنيا . إذ أن أعداءه كانوا 
على نقس درجة النشاط سواء فی فرنسا أو انجلترا وجرى التشكيك فيه ينفس المقدار 
( أى أكثر ) سواء فى باريس أو لندن أى تورينى أى برلين . 

إن الجدال حول الإكتشاف لم يكن فى جوهره حول علم بلد بذاته صحيح أن 
» حزنا انجليزيا » أخذ يتحرك وكان توماس يانج هق محركة وشهيده إلا ان العديد 
من علماء الآثار البريطانين ومنهم وليام جال وهنرى سولت ثم جون ويلكنسون انقصلوا 
عنه ليتضموا إلى حزب « المصري » . صحيح أيضا أن العديد من اللغويين الألمان 
مثل كلايروث وهاز كانوا من أنشط المناهضين اجان - فرانسوا . غير أن الكسندر 
وقيلها لم هامبوادت سرعان ما ترأسا جوقة المدافعين عنه إلى جوار أخرين من 
الباحثين الإيطاليين والنمساويين والهولنديين . 

فى باريس استمرت الإنقسامات لفترة طويلة بين مختلف المدارس وإذا حاوانا أن 
نرتب دعاة الحرب المقدسة ضد صاحب «الملخص بنا على درجة ضراوتهم فى 
مهاجمته فبإمكاننا أن نذكر جومار وكلايروث وكاترومار ويانكس أو بانکس وسان - 
مارئان أو جوليانون وراؤول - روشات أو سان کوینتینو ولانسی : ومن باب تبسيط 
الأمور تقول أن à‏ لال اللغز كان يحصارب أريع تحالفات : الحرب 
« الاتجليزى » و « حزب القساوسة »ثم المجموعتين التى أطلق على الأولى « التلاميذ 
القدماء » والأخرى « قدماء المحاريين « ۰ 

فلنبداً من جديد سرد الوقائع بهذه المجموعة الأخيرة التى كان يرأسها 
آدم چومار . 

بالنسية للمسئول الأول عن كتاب « وصف مصر » - الذى لا يمكن أن ننكر 
المشاركة الهائلة التى قدمها فى مجال التعريف يوادى النيل - فإن أى فرد يدعى أنه 
بعرف عن مصر أكش من الذين وطاؤا أرضها بأقدامهم فيما بين 54/ا١‏ , ۱۸۰۲ فهو 
بالنسبة له ملعون على الرغم من أن كثيرا من زملائه الذين من حقهم أن يدعوا 
مرجعيتهم بالنسبة « للمشاهدة العينية » مثل فيفان دونان * وفورييه . سامحوا 
« المصرى » لجسارته بل وشجعوه فى أبحاثه . أما جومار فلم يغفر . فمنذ اللحظة ٠‏ 


+ توفی عام ۱۸۲۰ 


424 


التى أدرك فيها أن الشاب المقادم من جرونويل عقد العزم على المضى قدمًا فى أبحاثه 
ليتخطى المخزون ( الهائل ) من المعلومات التى وفرها « وصف مصر » قرر أن يهدم 
سمعة هذا السفيق . 

هذا التمسك المرير بذكرى الماضى الذى طغى على بعض « قدماء مصر » حمل 
لواءه ودعمه أيضا الحديد من العلماء » سنجمعهم تحت تسمية « قدماء الكولاج دى 
فرانس » ريموزا سان مارتان » ليترون » شيزى وكاترمار الذين زاملوا جان - 
فرانسوا عامی ۱۸۰۸ » ۱۸۰۹ وكائت أعمالهم تثير الأعجاب بالفعل , غير أن أمجاد 
« المصرى » وضجيجها تسبب قى خسوفها . لماذا هى ؟ لماذا تركزت الشهرة حول 
أعماله هى ؟ ومن وجهة نظر دارسى الحضارة اليونانية لماذا يفطى إحقاق حقوق 
مصر فى عظمة حضارتها على تفوق الحضارة اليونانية المعترف به حتى الآن ؟ 

تمكن عالم فى حجم ليترون فى نهاية الأمر - يعد تردد ومئاورات ت ( أثرت جدا 
على نفسية جان - فرانسوا الذى أطلق عليه غاضيًا كثية « ذى الشعر الاصقر » ) - أن 
يتحكم فى هذا الحقد المزدوج . ولكن يبقى البعض الآخر - الأقل منه أهمية - على 
غيه على وجه الخصوص جان سان - مارتان » « الأرمنى » والذى كان من 
أقرب أصدقاء « المصرى » فى باريس .. بعد أن حاول أن يجعل ساسى وفورين 
يتاهضان شاميوليون » خصص « الأرمتى » آخر سنى حياته لازعاج حجان فرانسوا 
لدرجة أنه شرع فى تأليف كتاب عن تاريخ مصر وهو ما لا يدخل فى مجال تخصصه 
وذلك فقط لكى يضايقه . أما إتيان كاترومار فنحن نعرف أنه لم ينته أبدا من تصفية 
حساباته مع شامبوليون منذ ظهور أعمالهما فى نفس الوقت عام ١84١4‏ * ولم يذهب 
أحد قط أبعد من « بولیگارب »فى نفى اكتشاق ۱۸٩۲‏ نفيًا قاطعا . 

أما الفريق الثالث من المهاجمين فهم - مما هى الحال دائما كلما كان الأمر 
متعلقا يشاميلوليون - « طافئى الأنوار » . يقف فى الخطوط الأمامية لهذا الجيش 
الصليبى شخصيتان : مونسينيور دی فریسینوس وراتول -روشات . وكاتت هذه . 
الشخصية الدينية المرموقة - إذ كان وزيرا للأديان - تخشى بصورة مرضية ملحة 
عليها أن تمس آخر التطورات التى طرأت على علم المصريات من قريب أو يعيد 
« التواريخ » الواردة فى التوراة لدرجة أنه لم يأخذ فى إعتباره المواقف المؤيدة 
لنظريات الكنيسة التى إتخذها صاحب رسالة إلى « مسيى داسييه » وعلى وجه 
الخصوص عام 181١‏ . الواقع هى أن فريسينوس كان « متطرفًا » أكثر من كونه ه صاحب 
رداء اسود » وكان الذى يرعيه هو« رويسبير حروتويل » وناشر «التعليم التعاونى» الذى أضر 


+ راجع فصل ه 


425 


ياحتكار « التعليم الدينى » أكثر من خوفه من الباحث DATA NE EE‏ 
النظر إلى « الدوفينى الشيطانى » ذه تتفق ونظرة وزير الداخلية - كوربيار - له . 

عر فام ال مومه فر وجل لجع الديش في اليس العلمى : راول روات 
دارس الحضارة اليونانية المنتخب فى الأكاديمية والذى هزأ به بول لوى كوربية كما 
سبق أن أشرنا * وكان جان فرانسوا لا يكل من السخرية منه وكان يصفه يأنه 
م« سلطان اليوسقور » . وإذا كان تمكنه من مادة المصريات أقل بكثير من سيطرته 
على مادته هى - حيث كانت عظمة ليترون تمحوه تماما - فإن ذلك لم ينتج عنه سوى 
مضاعفة كراهية راؤول - روشات تجاه شامبوليون ( وإن كان قد تمكن من السيطرة 
عليها قبل عام من وفاة هذا الأخير ) . 

هل ينسب إلى هذا الحزب كثيب ظهر دون توقيع فى باريس عام ۱۸۲۶ غداة 
ليور « الملخصس » ينفى أى قيمة علمية لأعمال شاميوليون الصغير ؟ الرجوع إلى 
بعض الطموحات الأكاديمية قد توجه البحث ولكنها لا تكفى لتحديد المسئوليات . إن 
النص يعيبر عن نفسه : 

« يوجد حلال للشقرات يعمل فى وزارة العلاقات الخارجية كان على علم بالحروف 
التى حددها يائج ويعرف أيضا أن أسماء الملوك التى ذكرها المؤلفون الكلاسيكيون 
توجد داخل « الخراطيش » وهى بذاك يكون قد توصل إلى نفس النتيجة دون أن يصرخ 
بكل قواه ليطالب بمكان فى أكاديمية المخطوطات (") » 

. غير أن طلقات المدافع الرشاشة الأكثر كثافة والأكثر دقة هى التى أطلقت من 
عام 14177 حتى 1417 من لندن وعلى وجه الدقة من الشلة المحيطة بتوماس باينج . 

ما كان يحرك هؤلاء المناضلين من كتاب المنشورات بالتأكيد هى التمرد ضد 
الظلم والإحباط اللذين منى بهما الرائد اللامع ( يانج ) إلى أن أصبحوا من المشهرين 
على يد جون ليتسن . إلا أننا سنلاحظ أن الجدل بين مؤيدى وأعداء شاميوليون استمر 
مفتوحا فيما وراء المانش ويين البريطانيين المقيمين على ضفاف نهر النيل . 

تركنا يانج وهى فى حالة من عدم التوازن بسبب ما سمعه لدى قراءة « رسالةإلى 
مسيوداسييه » . وكان مجاملا لشامبوليون بعد أن تأثر بالحفاوة الحارة التى قايلته 
بها الإنتيلجينسيا الياريسية . غيزن أن رد فعله الدقيق كشف عنه مقال غير موقع 


٭ راجع قصل ٠‏ 


426 


صدرفى لتدن عام 145 فى المجلة الفصلية 1567167 (011311611 ثم أعيد تشرة 
بتوقيعه هذه المرة فى نفس العام فى كتاب عنوانه : 

«دراسة حول بعض الإكتشاقات الها صةبالأدابالهيروغليقيةوالأثارالمصرية 
ومعها الأبجدية الأصلية من وضع الموّلف والتى طورها مسيوشا مبوليون * » 

يوضح توماس يانج أنه لم يذهب إلى باريس لحضور الجلسة الشهيرة لأكاديمية 
ليشرف بوجوده تظاهرتين علميتين تقعان فى دائرة تخصصاته : إحداهما فى 
أكاديمية العلوم التى دعيت للإجتماع للإستماع إلى محاضرة يلقيها أحد أشهر 
أعضائها فى مادة طبيعة الضوء وهى العالم فزينال والأخرى في أكاديمية المخطوطات 
لحضور جلسة تقرأ فيها رسالة إلى مسيى داسييه . 

من هذه التجرية المزدوجة يخرج بملحوظة لاذعه فى حق جان - قرانسوا 
شامبوايون : فبينما يعترف عالم الطبيعة الفرنسى « فرينال » يأسبقية الأبحاث التى 
قام بها العالم البريطانى فإن عالم لغويات جرونوبل أمتتع ( عن الاعتراف بأسبقية يانج 
فى اكتشافاته الهيروفليفية ) - حسبما يقول يانج * . وهو لم يشر هنا إلى حقيقة 
واضحة وهى أن تفوقه فى مجال التداخلات الضوئية كان أكبر بمراحل عن ذلك الذى 
يمكن أن يدعيه فى المجال اللغوى . ثم يضيف الدكتور يائج : 

« .. لا يمكن أن أتهم مسيى شامبوليون يأى نية مخلة بالشرف ولا أريد أن أتنازل 
عن صداقته .. » ثم يشير إلى تبادل الرسائل بينهما عام 141١4‏ ثم يضيف «٠‏ .. هل قام 
باكتشافاته قبل أن يقرأ أعمالى ؟ است فى وضع يسمح لى بأن أؤكد ذلك [ .. ] إلا 
أننى لا أقبل إدعاء مسيى شاميوليون أن منظومته يمكن تطييقها على العصور 
القديمة جدا .. » 
المقدسة [ .. ] لأن كتابة الأسماء الأجنبية بالهيروغليفية هى من تاليف اليوتانيين » . 

ويعد أن أعتقد أنه بذلك قد ألغى تمامًا أى أهمية لإكتشاف غريمه الذى يسمح 

بقهم النصوص المصرية مهما كانت الفثرة الزمنية التى ترجع لها à‏ عاد الدكتور 


An account of some recent discoveries in hieroglyphical literature and Egypt antiquities + 
including the author's original alphabet as extended by Mr, Champallion . 


*ه فى الصفحة الثاتية من الرسالة توجد تحية إلى ت يانج وريما لم يقرأ شامبوليون هذ الجزء فى الجلسة . 


427 


يانج ليدعى أسبقية اكتشافه للأبجدية الهيروغليفية : ألم يتمكن بالقعل من أن يكون أول 
الذين تعرضوا على ه تسعة حروف مصرية » على حين لم يضف القرنسى سوى 
3 ثة أو أربعة حروف أخرى » ؟ 

وهنا تصدر الخلاصة :«ه إنى أؤكد أولويتى فى كل هذه الأيحاث ولايمكن أن 
أمنع نفسى من الإعتقاد بأن ( مسيى شامبوليون ) سيصل فى النهاية إلى أن يقر بأن 
الأفضل لشرفه وسمعته أن يعترف بمطالب الأخرين العادلة .. » (©) ٠‏ 

رد قعل جان - فرانسوا على المقال غير الموقع فى المجلة الفnصlية Quarterly Review‏ 
كان حادا . تجاهل أن المقال لا يمكن أن يكون سوى بقلم يانج وطالب بأن توضع 
الأمور فى نصايها . الرد الأول الذى جاءه من يانج تقادى الجدل : 

« إن كاتب المقال عن كتابكم قد أساء تحليل ما إنتقده كما فعل بالنسبة لما قمت 
بدراسته قبل بضعة سنوات . وعلى العموم فإنى أرجع إلى كتابى فيما يتعلق بأبجديتى 
أما فيما يختص بكتابكم فلا شأن لى به . وقد أعتنيت بأن أميز بين ما يخصنى وذلك 
بان ذكرت الأماكن التى نشرت فيها . وإنى لا انكر أنكم ربما توصلتم إلى نفس النتائج 
دون أن تكونوا على علم بنتائجى › غير أن نشر الكتاب بعد بضعة شهور 
کشف کل شئ 

إن الهجوم يأتى من العالم البريطانى من لندن . إِذ أن المقال الذى نشرته 
الكوارترلى رفيى والذى تحدث عنه مع جان - فرانسوا كما لى كان بقلم طرف ثالث 
ظهس فى الكتاب بتوقيعه مع بعض التعديلات الطفيفة فى التفاصيل ! وكان لهذا 
الاعتراف ما يثير الدهشة إذ كان توماس يانج قد أعلن لتوه تخليه عن الاستمرار فى 
المشروع : إذ أعلن فى خطاب له مؤرخ فى ١‏ سبتمبر 1417 عن قراره عدم اكتشاف 
حلول للهيروغليفية يعد الآن « إن شامبوليون يقوم يجهد يكفى لكى لا يفوته شئ هام 
بعد الأن ولذلك فأنى اعتبر دراساتى المصرية منتهية » (©) , 

لايد وأن نشر كتاب شامبوليون « الملخص » يعد ذلك ستة شهور قد دفعه إلى 
التمسك يقرار الانسحاب من إكتشافات يوضح شامبوليون فى كتابه يدقة متناهية ما 
جاء به كل منهما بما لايدع أى مجال لمطالبة علنية أيا كانت بعد ذلك . وعلى الرغم من 
ذلك ظل توماس يانج على اعتقاده بأته ضحية ظلم بين ورهيب . واستمر يدقع أو يغذى 
انتقاداته يواسطة حملة رسائل مستخدما تعليلا غريًا للوصول إلى هدفه . فكتب على 
سبيل المثال إلى سان كوينشيز محافظ متحف تورينى يقول له : 


428 


« بامكان مسيى شامبوليون أن يؤرخ لمنقلومته بحصوله على اسم كليوياترا * 
وذلك من مسيو بانكس إلا أن هذا الرحاله العظيم قد حصل على المعلومات التى 
أوصلته إلى التعرف على هذا الاسم وبنائا على اعترافه هو شخصيًا من خطاب أرساته 


للسيد / ياكس فى مصر » . 
وأخيرًا فى خطاب إلى الكونت بوللون مؤرخ فى ١؟‏ ديسميس 1851 ينفث الرائد 


“Champollion received thé name of Cleopatra as ascertained in Egypt by Mr. 
Banks from my letters, it is hence that himsell dates the origin of his System : 
Ergo OPERA illius mea sunt . And I willingly add, of this new Achilles 
FORTEMQUE IN FORTIA MISI !"**: 
» إذا كان الباحث الرائد قد عدل عن الاستمرار فى أبحاثه الشخصية فإن « حزيه‎ 
Las لم يتنازل عن الاستمرار فى نضالة ضد شامبوليون طوال القرن كله بل ويعد ذلك‎ 
سير وليام بانكس فى مصر وأنطونى نيبى ورويرت يورتون فى لندن كانا على رأس‎ . 
مناصرى عالم الطبيعة الانجليزى ضد عالم اللغات القرنسى ومع ذلك فقد ارتفع صوت‎ 
14 إنجليزى قادم من مصر ليؤكد صحة إكتشاف صاحب « رسالة إلى مسيوداسيبه‎ 
هثرى سولت كان فى الأصل رساما مغرما بالشرق والإستشراق ويتمتع يموهبة‎ 
ويعد أن أقام لفترة طويلة فى الحبشة عين‎ 14٠" حقيقية . سافر إلى إفريقيا عام‎ 
بعسد أن تعرف على بلزوتى الشهير المسمى‎ 181١1 قنصلا لانجلترا فى مصر عام‎ 
بالمارد » محرك المعايد . جمع مجموعة آثار هائلة الحجم . تنافس مجموعة‎ « 
, دروقيتى الذى سنلقاه قيما يعد‎ 
إلا أن هذا الفنان الرسام - الديبلوماسى - جامع التحف كان قد حاول هو الآخر‎ 
حل شفرة الهيروفليفيات . وبينما كان يعتقد أنه قد اقترب من هدقه جرى نشر‎ 
إكتشافات يانج وباتكس وشامبوليون . بعد ذلك بعامين ظهر له فى لندن « بحث حول‎ 
دكتوريانج ومنظومة مسيو شامبوليون فى الهيروغليفيات ) » وعلى الرغم من‎ 
. أن ذلك غير صحيح‎ Lu, سيق أن‎ » 
شامبوليون حصل على اسم كليوباترا كما تاكد مستر بانكس قى مصر من رسائلى له . وهى يؤرخ‎ « «+ 
لمنظومته اعتبارا من هذا التاريخ ويذلك يكون عمله هو عملى أنا وانى أضيف فيما يتعلق بهذا الأشيل‎ 
) ٠١١ أكيليوس ) الجديد : وقد بعتت الجسور إلى الجسارة » ( من ليجيية حول حجر رشيد . ص‎ ( 


429 


العنوان والتذكير بكل احترام بالدور الريادى الذى أداه مواطنه الأشهر هو تحية مدوية 
لحلال الشفرة الجرونويلوازى . 

« فى البداية كنت متحيدًا ضد المنظومة الصوتية التى بدت لى مبهمة مبنية على 
افتراضات ( ص ١‏ ) بعد أن قمت بدراسة جادة توصلت إلى تقييم أدق لقيمتها ٠‏ إل 
تمكنت من إثبات جميع النقاط التى تقدم بها مسيو شامبوايون بنامًا على رسوماتى 
الشخصية [ .. ] وفى إمكانى أن أضيف بريقا لهذا الاكتشاف [ .. | كلما إجتهدت فى 
العمل كلما لاحظت صلاية هذه الأيجدية الصوتية وصحة الاستنتاجات التى توصل 
إليها مسيى شامبوليون ص ( 17 ) [ .. ] من المؤكد إذن أن الهيروغليفيات الصوتية 
كانت مستخدمة منذ المراحل الأولى للملكية المصرية [ .. ] ولا أتردد فى أن أقول بأن 
أى قرد مزود بمعرفة متعمقة للغة القبطية يمكنه قبل فتر ة لا تطول من قراءة كل هذه 
المخطوطات » . ( ص ۷١‏ ) . 
ينتهى كتاب هنرى سولت بملحوظة كتبها فى اسكندرية فى ۷ اُغسطس .۱۸۲٤‏ 

« كدت أعدل عن نشر هذا الكتيب بعد أن اطلعت على آخر كتب شاميوليون 
الإبن ( كذا ) .. وصلتنى فى الثالث من أغسطس نسخ من « ملخص » مسيق 
شاميوليون عن طريق مسيى أناستازى » وعلى الرغم من أن الكتاب نشر فى عام 
1474 فريما يكون قد وضع قائمة الأسماء قبل ذلك . ويذلك فإن مما ينج صدره مثل 
صدرى أن أفكاره قد أكدتها مصادفة غريبة » إذ يلتقى شخصان تقصل بينهما مسافة 
شديدة البعد على الكرة الأرضية ويدون أى إتصال بينهما فى التوصل عن طريق 
الاستنتاجات ذاتها إلى ذات الخلاصات حول موضوع على هذه الدرجة من التعقيد 
[ ... ] وهى على ما يبدو يؤكد صلابة الأسس التى أقمنا عليها عملنا . إن أيجديتة 
الصوتية تأكدت الأن بصورة قاطعة . وهو ما طمأننى على سلامة التفكير فى المضى 
قدما فى نشر هذا البحث » . 

لم يكن هذرى سولت الانجليزى الوحيد الذى تمكن من التعرف منذ البداية على 
الأهمية العظيمة لما أتى به شامبوليون . فى نابولى حيث كان يعيش معظم الوقت 
التقى به سير وليام جال المتخصص فى الحضارة الرومانية وخاصة حضارة يوميى 
عام 1875 . وإذا كان هذا العالم الانجليزى من أصدقاء توماس يانج فقد كان متحفظا 
يعض الشئ تجاهه . ولكن سرعان ما راجع نفسه وإرتبط بعلاقات صداقة مع جان 
فرانسوا ولم يتوقف عن التدخل لصالحه لدى مواطنيه . 
خطاباته ليانج تتحدث عن نفسها ففى أحدها كتب يقول له أنه يحاول إقنا ع « هذا 


430 


الشاب الممتاز « } child‏ 586 ) الذى هو جان - قرانسوا أن يعترف يسلفة 
م کحماه » ۴۵۸٩۲ - in-Law)‏ ) وفی خطاب أخر يدافع عن مؤلف «الملخص » قابّلا : 
« أود أن يعرف الجميع أن شامبوليون لم يخف أيدًا إكتشافاته الجديدة يل إنه 
أطلعنى شخصيا على كميات هائلة من أشياء لم تنشر قط لدرجة إنى لو أردت لكان فى 
إمكانى أن أدعى أنى تفوقت على المخترع ؛ فى حوزتى حجر رشيد كله إبتدط من 
السطر الخامس . قسمها هى كلمة كلمة ومن تحتها مقايلا بالقبطية . ولقد نصحته يما 
يكفى لدرجة أنى أمل أنه سينشر ما يعرفه الآن وهو لايقارن فى شئ بما سبق له 
نشره » 
لم تنجح وساطة سير وليام فى شئ وإكنه لا يمكننا أن نعزوى ذلك إلى جان - 
فرانسوا الذى كتب فى ؟١‏ سبتمبر 1851 إلى عالم الآثار سليم النية فى نابولى : 
« تعلمون أنى على أتم أستعداد لكى أعطى يائج كامل حقه بالعدل ولست أتا الذى 
يحرك قط مثل هذه المواضيع القديمة [ .. ] إنى لا أفكر فيها أبدا وإنى على 
استعداد إلى عودة مراسلة مسيى يانج الذى بادر يايقاف علاقات المراسلة معى كما 
إنى على استعداد لإعادة علاقات الصداقة القديمة التى تريطذا . ولقد خطوت 
الخطوة الأولى بأن كتيت له بالامس لأعرض عليه خدماتى فى ياريس وإمداده بنسخ 
كلكية مرسومة لاآثار التى قد تهمه . وبالتالى فهى الوحيد الآن الذى يمكنه أن يجعلنا 
نلتقى من جديد كما كنا فى السابق وإنكم ستشهدون لصالحى لى أن الأمور لم تسر 
على النهج الذى أمله بكل صدق ومن كل قلبى » . 


الخطاب للدكتور / يانج الذى يشير إليه جان فرانسوا مؤرخ فى ١١‏ سبتمير وقد 
ضم إلى «أعمال » يائج ولكن البحث فيها عن رد للدكتور يانج لا يجدى 0 

سيقول البعض أن سعة الصدر من شيم المنتصر وليس المهزوم وأن عالم 
الطبيعة اللندنى كان يشعر حين ذاك بأن حقه مهضوم أو أنه أهين أى أنه وقع فى طى 
الأوربيين يحيون تفوق أعماله . فبعد ساسى وليترون الذين وصفاه بالمشعوذ فى 
كل من الكسندر وقليهالم فون هامبوادت اللذين ظلا لفترة طويلة أوفياء ليانج . وتشهد 
على ذلك هذه الرسالة التى كتبها الثانى - وهى عالم اللغويات وكان فى قمة مجده , 
تنقلها عن مادام هارتلويان : : 


431 


» توصلت بعد دراسة مطولة لأعمال شامبوليون إلى إقتتاع كامل أن هذا الإكتشاف 
الجزء الأكبر من الكتابة الهيروغليفية أبجدي lits.‏ كان بعضهم قد توصل إلى كشف 
بعض الرموز الصوتية فإن من الواضع جدا أنهم لم يكونوا ليتوصلوا إلى حل شفرة 
أهملوا دراسة الهيروغليفيات SL‏ المطلوب مكتفين أكثر مما ينبغى بدراسة 
مخطوطات حجر رشيد » (6 

رد فعل الدكتور يانج وكذلك جومار كان سلبيًا ولكن مفهومًا . إلا أن المرء لا 
يسعه سوى أن يأسف لأن الإثنين قد عبرا عن ذلك بدون أى تحفظ ويدون رجعة ٠‏ 
al‏ في تأكيد موفف ٠‏ شامبوليون الاين الایجاہی ول فی es ol dsl‏ 
عادل لما يستحقه كل من الغريمين من إشادة . أخذ الجدل يتفاقم ويزداد حدة دون أى 
اعتبار لوفاة كلا الطرفين فى وقت يكاد يتزامن لدرجة أن وصمل الحال حتى بعد 

لیس من العدل أن نتهم عالم الضوء dits‏ المسئول عن الاتهامات التى وجهها إلى 
جان - فرانسوا شامبوليون بالقرصنة والسرقة جون لايتسن عندما نشر وقدم عام 
۲ الجزء الثالث من مقتطقات من أعمال توماس يانج Miscellaneus Works of‏ 
Y9‏ 11101135 أنه شئ عادى أن يدقع الرجال العظام ثمن تطرف مؤيديهم ومريديهم 
ثم أن لم يكن شامبوليون أيضا قى منأى من حجر الدب . 

ولكن بعد أن أسرف باتكس ويورتون ويانج أيضا وجون لاتسن وأخرين فى 
تماديهم أضطر أستاذ مدرسة المصريات الانجليزى ذاته إلى الوقوف فى نهاية القرن 
لكى يدافع عن صاحب الاكتشاف ضد الحملة التى شنت ضده فى بريطانيا العظمى ٠‏ 
سيريتر لوياج - رونوق ولد فى جزيرة جارنوزى ولا يمكنه أن ينفى عن نفسه بعض من 
الجذور الفرنسية والتى يعكسها اسم أسرته , غير أنه ليس من العدل أن نرجع دفاعه 
إلى أى رد فعل اديه من هذا الذوع . 

فى الثانى من يونيى 18447 قام رئيس الجمعية التوراتية لعلوم الآثار فى لندن 
Biblical Society for Archaeology of London 7‏ سين بیتر بوضع حك 
لعل المسصسريات يعل أن عير عن دفشته لان عدا من مواطئينه 


432 


مازال يصر على عدائه العالم الفرنسى « مثما يفعل الرقيب بوزفوز الذى تلح عليه فكرة 
فساد مستر ييكويك » . يعبر لوياج - رونوف عن أسفه لأن لايتش وأمثاله وصل بهم 


الحال إلى معاملة شامبوليون على أنه سارق يستحق الرثاء » وإلى التأكيد أن أغماله 
ليست سوى نهبًا لاعمال بانع . وذلك كنتيجة د للدجل السقيق الذى ندد يه كل من 
ساسى وليترون » ثم يضيف د 


« صلة منهج شامبوليون يابحاث دكتور يانج واهية لدرجة أن حتى كلمة استعارة 
لا معنى لها هذا . أن مؤلفاته أخذت شكل الإثبات بالرياضيات [ .. | أما عمل الدكتور 
توماس يانج فتعريفه ليس بحل شفرة وإنما على أنه سلسلة من الاستكشافات الحدسية 
إن أسباب نجاحه أى فشله واضحة للغاية فقد كان يعمل بطريقة ميكانيكية مثل التلميذ 
الذى يترجم من اللاتينية : 06ا0710اأ/ا 800183 ب الأسلحة والإنسان إذ يقرأ 80028 : 
Que iso Ja, Virum &Ks du]‏ يقرأه حرف واو « يسبب غياب المنهج وليس 
ليائج أية فكرة عن المنظومة الصوتية ( فونيتكية ) وهى على العموم لم يدعى ذلك 
[ .. ] فيما يتعلق بالهيروغليفيات على الأقل [ ..] ويما أن بطليموس كان إسم الملك 
الوحيد المذكور علي حجر رشيد فلم تكن هناك أى صعوية فى التعرف عليه كما ذكر 
ذلك شاميوليون [ .. ] كل شىء ( عند يانج ) كان إفتراضا وحدسا وحذرا فيما يختص 
LIL‏ الهيروغليفية . لقد تعود الحديث عن اكتشافات شامبوليون على أنها إمتداد 
لإكتشافاتة هى | ..] إن هذا إتهام مشين . 

« إن اكتشافات عام ۲ تلتها اكتشافات أعظم . الأبجدية الصوتية كانت 
مقتاح ( حل الشفرة ) ليس فقط بالنسبة للأسماء اليونانية والرومانية وإنما لأسماء كل 
العصور [ .. ] لم يكن فى إمكان شامبوليون أن يتعلم شيئًا من يانج أو من أى فرد 
أخر . من خلاله هو وحده ومن خلال منهجه تمكن عالم المصريات أن ينطلق ليحتل 
المكانة التى يحتلها الآن » . 

رأينا كيف أن هنرى سوثاس كتب فى مقدمه لطبعة الاحتفال السنوى «لرسالة 
إلى مسيوداسييه « أن سير بيتر لوياج - روتوف تطرف فى التعبير عن استيائه فكان 
قاسيا أكثر مما ينبغى على يانج لدرجة أنه نفى أن يكون له أي فضل فى الاكتشافات 
التى وصفها شامبوليون نفسه أنها « هامة » وذلك فى « ملخصه » الصادر عام ١855‏ 
وفى محاضرته الافتتاحية فى الكولاج دو فرانس عام 8١‏ ... صحيح أن يانج لم 
يتوقف فقط عند التعرف على اسمى بطليموس وبيرنيس وأن المجموعات التى أمكن 
التعرف عليها كانت عديدة وتعد بالعشرات ولكن النقطة الحاسمة فيما قاله لوياج - 
رونوف هى التى تتعلق بالجانب « الحدسى »و « الفرضى » والميكائيكى لجميع 
خطوات مواطنهة . 


433 


أن التوضيح الذى جاء على اسان سير بيتر لوباج - رونوف أمام جمعية علم 
الآثار فى بلمزيورى ومهما بلغ من علنية ومهما بلغ صاحبه من أهمية وشهرة فهو لم 
يكن كافيا لوضع حد للجدل الدائر . إذا بعد سبعة عشر عاما حرر أحد نظرائه كتييًا 
بعذوان « حجر رشيد » * ( 1913 ( The Rashead Stone‏ عادت فيه العلاقة بین 
شامبوليون ويانج إلى الإطار الذى وضمعها فيه يانج لنمر كالكرام على الأخطاء أو 
التقريبيات التى تمتلئ يها القصة التى يسردها العالم مستر بادج عن اكتشاف حجر 
رشيد ونقله إلى لندن - فهى يتكلم على صفحات بأكملها عن « نابوليون » وذلك قبل عدة 
سنوات من تتويج يونابارت ويؤكد أن نسخا من النصوص المنقوشة على الحجر وزعت 
على « جميع جامعات أوريا » - وسبق أن رأينا أن شامبوليون كان يشتكى من عدم 
حصوله على نسخه واحدة منها - ثم أن يقلب الرموز الموجودة داخل خرطوش 
بطليموس كما هو محفور فى حجر رشيد بدلا من الذى يزين مسلة كليوياترا التى 
اكتشفها بانكس فى فيله ( لأن ذلك يخدم براهينه لأن يانج إرتكب أهم أخطائة لدى 
ترجمته العديد من رموز خرطوش رشيد ) . 

ولكن فلنترك المكان اسين القرد واليس بادج نفسه : 

« .. فى عام 1877 قائمة الحروف الأبجدية المصرية التى وضعها يائنج صححها 
وأكملها ** ح . ف - شامبوليون الذى تمكن فيما بين هذا التاريخ وسنة وفاته من حل 
شفرة أشكال هيروغليقية لأسماء وألقاب العديد من الاباطرة الرومانيين *** ووضع 
قائمة للهيروغليفيات ووضع منظومة للقواعد ولحل الشفرة التى هى الأساس الذى أقام 
عليه علماء المصريات أبحاثهم وأعمالهم بعد ذلك . 

أف .. قالها فى النهاية !! ولكن يبقى فى ضمير القارئ وكذلك زائر البريتيش 
ميوزيوم حيث يقدمون يانج عام /1141 وحتى الآن على أنه هو أول المكتشفين ولا يزال 
هو الرجل العبقرى الذى إخترق الحواجز واكتشف المبدأ الجوهرى للجانبي الصوتى 
للكتاية المقدسة وبدأ بالفعل حل الشفرة إلى أن جاد أحد التلاميد المجدين وتمكن من 
« استكمال » أعماله بفضل تقنيته فى المقارنة الجيدة .. يعد ما يقرب من قرن من 
محاضرة /1؟ سبتمبر 14877 لا يعتبر هذا تعبيرًا عن تفتح فكرى : ولكن تغير الحال 
بعد ذلك وأعادت المدرسة الانجليزية تقييمها لعلم المصريات بصورة جوهرية ومتعلقة . 
+ الكتاب الذى يباع الآن فى البريتيش ميوزيوم بقلم كارول أندرون ( 1441 ) 
+» هى نفس التفسير « اليانجى » للتتميئ أى « المعاون » 
»+ سبق أن رأينا لأى درجة يجافى هذا العرض الواقع . 


434 


أفضل دليل على ذلك نجده فى المقالات المخصصة ليانج ثم شامبوليون قى الطبعة 
الثانية 9 من لإوواواملزوع هأ وطلالا 5أ وملالا الصادرة عام ۲ بقلم وارن دواسون 
وإيريك أبهيل . يصف عالما المصريات البريطانية مواطنهم بأنه « رائد » كانت 
« اكتشافاته على الرغم من جزئيتها أبعد ماتكون عن التفاهة وإن كانت لا تقارن 
ياكتشافات شاميوليون فى حين أن صاحب « رسالة إلى مسيودأسيية » قدم بوضوح 
تام على أنه : « الأب المؤسس لعلم المصريات » . 

المدهش قى الرفض المستمر للمدرسة الانجليزية لقبول الواقع هى أنها لم تعر 
اهتمامًا كبيرا لرأى أشهر علمائها جون جاردنر ويلكنسون الذى أقام فى مصر منذ 
۰ وكان بانكس ويانج قد حذراه من شامبوليون حتى أنه رفض مقابلته وكان يتكلم 
عنه دائما بسخرية . ثم إذبه عنداه وفاة أبى علم المصريات تقدم له تحية لا مثيل لها * ' 


٠ لم تكن المصدر الذى خرج منه أعتف هجوم وأكثره تركيزا ضد شامبوليون‎ Lil 


العنف كله خرج من باريس وكان « التارتار » هو أشد المدعين العموميين شراسة . 


كان يقال أنه من أصل قوقازى ومن هنا جاءت كلمة « الترتار » وكان عضوا فى 
أكاديمية سان بيترسبرج ومتمكن من العديد من اللغات الأسيوية مثل السنكرتة 
والصينية واليابانية وأقام فى باريس منذ عام 14١١‏ فارضا وجوده كاستاذ فى 
الدراسات الشرقية وكانت له علاقات طيبة مع شامبوليون . ومع ذلك فهو لم ينتظر وفاة 
المكتشف للتعبير عن تحفظاته . ولكنه نشر فى ١١‏ سبتمبر 187 بعد ستة شهور من 
وفاة « المصرى » - واسوء حظ كليروث قبل بضعة شهور من نشر كتأب « القواعد » , 
كتابه دراسة نقدية فى أعمال المغفور له شامبوليون فى الهيروغيفيات (°) وتسبق 
العنوان حكمة من بلين باللاتينية Nitor Verius Quam splendor‏ ( ابحث عن 
الحقيقة قبل الفخامة ) . 

مع قراءة الجملة الأولى تضح الأمور فى أعين القارئ لأن الناقد عندما يستهل 
كتابة بالقول أنه لا يهدف « أبدا إلى التقليل من شأن ما يستحقه أحد » فمن المؤكد أنه 
يدخل الحلبة والخنجر فى يده . 





» أنظر فصل 19 صن 635 , 636 


435 


كتب كلايروث « منذ عشر سنوات والحديث المتحمس يدور حول اكتشاف 
الأبجدية الصوتية التى قام به المغفور له مسيى شاميوليون إلا أن عددا قليلا من الثاس 
هم الذين يعرفون بدقة ماهية هذا الاكتشاف أو ما أتى به يالضبط . إن الدكتور يانج 
هو دون أى جدال ممكن صاحب الريادة فى هذا الكشف وكان ذلك عام 1418 عندما 
تعرف على الدلالات الأبجدية لمعظم الرموز الهيروغليفية التى يتكون منها إسما 
بطليموس وپرينيس [ .. | وإذا كان من الواجب أن ننظر إلى تحديد قيمة الحروف 
السبعة على أنها الأساس الذى أقام عليه مسيى شامبوايون أبجديتة الصوتية فإن فطنة 
العالم الانجليزى لم تتخطى هذه الصدفة السعيدة وترك إلى منافسة الفرفسى جنى 
ثمار المجد الذى يستحقة إكتشاف مبنى على الفكر وقايل للإثبات » . 

إن مثل هذا التفكير غير المنطقى يثير الدهشة : إذ كيف يكتب عام ۱۸۳۲ أن 
يانج هو« دون أى جدأل صاحب الريادة فى الكشف » ويؤكد أن تحديد مدلول بعض 
الحروف هو« الأساس الذى قامت عليه الأبجدية الصوتية » ثم يتقهقر فجأة ويسلم 
سلاحة الشاب القادم من جرونويل بأن يعترف بأن ما حدث بالنسبة ليانج هى بمثابة « 
صدفة سعيدة » ( ويا له من إعتراف بالفضل هزيل إذا جاء على اسان عالم مثه .. ) 

وأن « المجد المستحق لاكتشاف مينى على الفكر وقابل الإاثبات » ( وهى الوحيد 
الذى يمكن للعلم أن يقبل به ) يعود لشامبوليون . تناقضات كثيرة فى حديث لجامعى 
من برلين ! 

ثم يواصل كلابروث بحثه بأن يؤكد على طول فترة الدراسات والمجهودات التى 
قام بها الباحث الفرنسى . كما لى كان يريد الإيحاء بأن العمل طوال خمسة عشر عام 
فى الموضوع قبل إدراك النجاح ينم عن عدم الذكاء ... وبعد ذلك يقوم بتبديل تاريخ 
النص الذى ينقده ويجعله صادر قى عام ۱۸۲١‏ أى قبل عام من ثاريخه الصحيح . 
ويقول أن شامبوليون قدأكد عام أن الپيروغليفيات « رمهوز 
لأشياء وليست « الأصوات » وإث هذا الخطأ الكبير الذى وقع فيه المصرى والذى 
قنام يبتصحيحه ينفسه بعد ذلك وهى الخطأ الذى أثيتت منظومته اللاحقة كلها عكسه ... 
إن إبراز هذه النقطة بعد إثنى عشر عاما تعنى أن مكتشفًا من المكتشفين لم يكتشف 
شيئًا لأنه كان يتحسس طريقه قيل إكتشافه بساعة واحدة , 

ثم يتحول كلايروث إلى تحليل «اليانتيون »و »ا لملخص » ليزيد من خطورة 
إتهاماته : « يجب أن نشعر بالأسف نحى شامبوليون لانه ترك مسيرته المنهجية التى 


436 


نهجها فى عمله الأول [ ... ] إذا أن الصدق الذى يتسم به هذا النص إعتراف به كل 
المحايدين . كم كنا أحرى بمسيى شامبوليون ألا يترك أبدًا هذا المنهج فى أبحاثه 
التالية .. » وهكذا فان الإتهام الذى يوجهه كلايروث لشامبوليون المتوقى هی عدم 
الأمانة الفكرية . أن يختلف فى الرأى حول إلايديوجرافية والفونيتيكية وحول الأدوار 
الخاصة التى أداها كل من يانج وشامبوليون كان من صميم حقوقه الشخصية . ولكنه 
أن ينتظر وفاه المكتشف ولا ينتظر تشر د« كتاب القواعد » الذى نشن بعد الوفاة وهو 
الكتاب الذى توقعت أوريا العلمية كلها أنه سيكون الوصية العلمية التى تركها صأحب 
« رسالة إلئ مسيوداسييه » لكى يطاق هذه الدقعة من الإفتراءات والاتهامات كل ذلك 
يعطى فكرة عن ماهية شخصية كلايروث . الذى زاد من بشاعته وهى يكتب مايلى : (9) 

« إذا كان من الواجب اعتبار الهيروغليفيات رمورًا لأصوات فإن حل الشقرة 
يصبح سهلا [ .. ] إن الأمل الذى نجم عن هذا الافتراض قد أثر كثيرا على الاتجاه 
الذى سلكه مسيو شامبوليون فى أعماله الأخيرة . والإمكانية التى لاحت له بان يقرا 
sai‏ ( ! ) الهيروغليفيات لى إتضح أنها بالفعل رموز صوتية قد شاركت دون شك 
بقدى ليس بالقليل على إقتناعه بأنها بالفعل كذلك ! » 

طريقة تفكير مذهله ! : فلأن أن القيمة الصوتية للمنظومة الهيروغلفية كانت أكثر 
« سهولة » لأن هذا ما يناسيه - أن اكتشقف شامبوليون هذه القيمة . لماذا إذن لا 
يؤكد بالدليل والحجة أن جاليليو أكتشف أن الأرض مستديرة لأن إثبات ذلك كان جليا 
أى أن كولومبوس اكتشف أمريكا لكى يريح بحارته المرهقين . 

لم يكتفى كلايروث بذلك بل ذهب إلى القول« لاشئ يسمح أو يبرر [ .. ] ذلك 
الافتراض ( أى القيمة الصوتية للهيروغليفيات ) وإذا سايرنا المكتشف « فإنه لا يوجد 
شئ لا يمكن أن نجده فى مخطوط [ .. ] تدشين معبد ؛ مدح أميرة [ .. ] قصة 
فتوحات سيزوستريس » وإن باحثا جيدا إذا أعطى مؤشرا عاديا على أن ما يبحث عنه 
فى خراطيش الآثار المصرية هو أسماء ملوك مصر المختلفين الذين جاء ذكرهم فى 
كتب الأقدمين وهى مكتوية بحروف أبجدية بعد قليل من الحروف المتحركة . اتوصل 
إلى نفس النتائج التى توصل إليها مسيى شامبوليون » . 

يعنى ذلك أنه بعد أن أتهم الفرنسى فى نزاهته الفكرية راح كلايروث ينعته بالغباء 
لأنه إحتاج اوقت طويل لحل شفرة كتابات « لم يكن من الصعب اكتشاف معناها » وأنه 
بعد أن أثبت عدم بصيرته فإن مشعوذ جرونويل « قد إخترع بنفسه بعض الكلمات 


437 


وأنشاً ينفسه اللغة » التى كان مطلويا منه فك شفرتها . لدرجة أنه لكى « نثيت سطحية 
الافتراضات الموجودة فی أعمال شامبوليون »« فلعلتا نحتاج لعددى من الصفحات 
يوازى ما ملاءه هذا العالم فى أبحاثه » 

فى النهاية ويعد أن كل من الطرق على صدقة فارغة التى هى أعمال هذا الرجل 
الذى لم يقعل شيئًا سوى أنه اكتشف ما كان فى متناول أى فرد وأنه فعل ذاك باللجىء 
إلى ألفن ى« الافتراضات التى لا أساس لها » إكتفى كلايروث بأن يخلص إلى أن حل 
شفرة الهيروغليفيات بمعنى الكلمة ليست فى متناول « الفكر الناقد الإتسانى » إنما « 
الحدس الإلهى فقط هى الذى بامكانه إحداث هذه المعجزة » وهو بذلك قد منع جسان 
- قرانسوا شامبوليون أكاليل غار لم يحلم يومًا بالحصول عليها . الحدس الإلهى .. 


إن أكثر ما يصدم المرء من كلايروث هى التوقيت الذى أصدر فيه منشوره . فلو 
أنه كتب ما کتب عام ۱۸۲۳ أو حتى ۱۸٠١‏ غداة تشر « الرسالة » أو « الملخص » 
لكان ذلك مقبولا منه . إنما on‏ فعل ذاك فى فترة زمنية كان جان - قرانسوا 
شامبوليون قد أحضر فيها سواء من إيطاليا أى من مصر على وجه الخصوص كما 
سنرى جميع الإثباتات التى تؤكد صلاحية منظومته فى القراءة » وهو ما سيقي ء 
بعد ذلك جميع ( تقريبا ) علماء المصريات . ولهذا السبي رأينا إبران هذه المحاولة 
اليائسة للنقى . لا لكونها حدثا علميا وإنما كعملية غوص فى تاريخ الانفعالات 
الإنسانية . 


يغلق ملف القضية المثارة ضد شامبوليون قط , سواء فيما يتعلق باسيقية 
الكشف أى حتى بالجاتب الجوهرى الفاعل فى متهجه . فيما يختص بالنقطة الأولى 
البلجيكى جان كايار ! 
« من النادر التوصل إلى إكتشاف كيير دون أن يكون هناك من يدعى وله فى ذلك 
بعض من ألحق - فى الإدعاء بأنه تمكن من الوصول إليه من قبل . فيقال مثلا أن 
اكتشاف مسيو ومدام كورى للراديوم أصلها البعيد ملحوظة لمسيو باكرال عن أملاح 
اليوران . علما بآثه لا توجد علاقة مثل القائمة بين محاولات يأنج واكتشاف شامبوليون 
٠: [‏ ] وان نكرر بما فيه الكفاية أن يانج لم ينجح قبل شامبوليون فى قراءة ليس 
سطرين من مخطوطة هيروغليفية ولكن ولا أى جزء من جملة واحدة . أنه لم يقعل سوى 
التخمين بنسبة تجاح أكبر مما نجده فى محاولات سابقة » (10) 


438 


أما فيما يتعلق بالنقطة الأخرى - هل توصل شامبوليون — سواء قبل أى بعد 
أخرين فى تقديم منهج سليم لفك شفرة الهيروغليفية ؟ فقسيظهر كل خمسة عشر أو 
عشرين عاما شخص ينفى ذلك . وهكذا نشرت صحيفة لوفيجارى منذ فترة مقالا بقلم 
متخصص فى « أسرار المصريات » يشك فى أى قيمة علمية لصاحب « رسالةإلى 
مسيوداسييه » . وإذ نذكر هذه الخزعبلات فذلك لأننا نذكر بأن كتابة أية سيرة لا تجد 
لها نهاية أبدا كما أن أى رأى يمكنه أن يجد منبرا ليعبر فيه عن نقسه . 

فهل نختار إعطاء الكلمة النهائية لجان - فرانسوا شامبوليون : لا يوجد شئّ 
أسمه« كلمة نهائية »فى المادة العلمية . إلا أن« المصرى » كتب هذه الكلمات 
البسيطة التى يمكن أن نختم بها كلامنا فى هذا الموضوع : 

« أنى لن أطالب بشئ . سأترك إلى الذين يعرفون الموضوع التفريق يالعدل بين 
ما قمت به ويين ما فعله الأخرون وأن يقولوا ماذا كان عليه وضبع الدراسات المصرية 
عندما التقتها والنقطة التى أوصتلها إليها (11) » 


439 


- الطريق إلى ممفيس يمر من تورينو 


قصة حب - ثلاث قوادين - دور جومار - استقبال البييمونتبين الحار -« إنه 
اشئ مذهل » - الخطابات المرسلة للدوق دو ياذكاس - الفن المؤسس ..« سباضى » 
- مجموعة سوت - أكاديمى نعم « من وراء جبال الآلب » لا - بايستوم ومصر - قبعة 
الكاردينال ؟ - مسلة من الورق المقوى . 


يوجد بين جان فرانسوا وإيطاليا ما يجب تسميته قصة حب . ليس لأن المرأة 
التى أحبها أكثر من أى أمرأة أخرى كانت تقرض الشعر بحماس من نار ى أحد 
مفعمة بالعواطف الجياشة مع أهل البلاد الواقعة وراء جبال الآلب سواء كانوا سادة 
صغار أو سيدات عظام » وزراء أى حوذية » ثوار أو ملكيين » مرشدين أى متسكعين 
مجرمين أى بحارة » متصوفين أى ملحدين ؛ رجال علم أى قانون » مخادعات أى سيدات 
مخادع » رجال بوك أو شحاذين » شعراء أو عتالين علماء فى اليونانية أي فى النياتات .. 

كانت علاقة عل درجة من العاطفية والإلهام جعلته يتذوق هناك ما كان يكرهه هنا 
إبتداء من رجال الكنيسة . حتى ليخال المرء أنه ما أن عبر قمة جبل مونت - سينيس 
إلا وكان د سواد » « رجال الكنيسة قد خفت حدته فى عينيه وقد أصبح أكثر مرحا . 
استراه يصادق الأياء والمونسنييورى بل والكرادلة Lai‏ - حتى البابا نقسه أقام معه 
تحالفاً طريفاً . 

لا تهم هنا مسألة أصول أجداده وهل كان أصل اسم اجداده هو سكيامييليوتى 
أى كامبوليوتى أو كان أبوه التاجر المتجول يتسكع طويلاً عند منطقة الحدود الفاصلة 
بين الدوفينيه والساقوا والبيمونت : كل ذلك لاقيمة له بالنظر إلى العلاقات التى نسجتها: 
الحياة والبحث والعلم والفن والصداقة والحب بين المكتشف وما كان يطلق عليه فى 
ذلك الوقت البلاد الإيطالية . 

مثل ستاندل الذى جعل أجمل رواياته تحدث فى دير لايقع قى جرونويل ولكن فى 
يارما وأن يضفي على شخصية وزى شرطة أحد الطغاة كل هذا السحر » فقط لأنه 
إيطالى ( وفى حالة حب ) » فإن شامبوليون يجد فى رجال الدين ألف صفة جميلة 
وكذاك تدى الدبلوماسيين ورجال البنوك طالما هم بيمونتيون أوتووسكانيون أى من رعايا 


441 


ملك الصقليتين . سنرى طبعاً السخرية تظهر على السطح من وقت لآخر فيما كتب عن 
مواعيد وسائل النقل أى لامبالاة رجال المكتبات أى بعض مجرمى كلايريا . إلا أن 
اللهجة التى كتب بها خطاباته من وراء جبال الألب كانت مفعمة بالحنان ولدى عودته 
النهائية إلى فرنسا فى نهاية ۱۸١‏ سيكتب من بولونيا يقول إنه سيكون « ناكراً 
الجميل لى أنه لم يكن إيطالى القلب » . | 

عثدما يصقه عالم المصريات البيمونتى سيلفى كورتق بأنه « أبن أشهر من أبناء 
فرنسا » ولكن أيضاً من أبناء إيطاليا » فإن ذلك لا يعتبر عملية سرقة ميراث . لم يقض 
المكتشف سوى ثمانية عشر شهراً خرج وراء جبال الألب . غير أن الغنيمة الفكرية 
والعاطفية التى خرج بها من هناك لها ثقل ضخم فى حياته وفى أعماله » وسنسمعه 
يردد كثيراً حتى 1894 أن الطريق إلى ممفيس وطيبة يمر من تورينى . المرحلة الأولى 
من غزوته - أى أكتشاف الشفرة - قامت على حجر رشيد المرحلة الثانية - أى كشف 
الحجاب - جرت فى إطار متحف أكاديمية تورينى - إنتظاراً للمرحلة القالثة - أى 
القوص - فهى التى ستجرى على ضقاف الثيل . 

إذا كان قد أقدم على هذه الرحلة فى البداية قبل أن تطأ أقدامه أرض مصر 
المقدسة - من تورينى إلى روما من أجل اكتشاف البراهين الملموسة على تفوق الفن 
الفرعونى وإذا كان قد توصل اذلك بما يتخطى أماله جميعاً - فهى لم يبحث عن أخفاء 
إعجابه بمجموعة الأثار الرومانية وكذلك وليس بدرجة أقل أثار يومييى وبايستوم . 
بالتظر إلى هذه الروائع زاد إنتقاده لياريس بأكثر مما فعل من قبل » هذه المدينة التى 
تسودها حياة الصالونات والعبث وتعم فيها الغيرة والتى لم تعرف كيف تجمع الكنوز 
التى يتحتم عليه أن يذهب إلى تورينى لإكتشاقها ... إنه يحب « حياة » نابولى و« 
عخلمة » روما و« حرية » قلورتسا . إنه يحب إيطاليا . 

ولكن أكثر الغراميات طهارة تنتظر « الوسيط » وقد قام رجال بهذه المهمة التى 
طالما یتم التندید يها وهم اودقيكى كوستا وبيرناردينى دروقيتى ولويس - كازيميرد 
وبلاكابس الاسم الأخير سبق أن عرفناه جيدا . أما الأخران فيصورة أقل , 

لعلنا لم ننسى المهمة التى أنيطت بأصغر الأخوين شامبوليون لدى عودته من 
« منفاه » فى فيجاك عام ١414‏ وهى دراسة أرشيف مقاطعة الدوقينيه والأوراق التى 
قد تؤكد صحة مطالبات بعض العائلات الإيطالية . وإنه قام بأبحاثة وهو على إتصال 


442 


يممثل لملك بيبمونت وساردينيا . رأس عائلة ساقويا . هذا النظير هى الفارس لودوقيكو 
كوستا . والعمل المشترك تولدت عنه علاقة صداقة حقيقية بينهما . 

ادى عودته إلى تورينى » إقترح كوستا على حكومته تعيين أستاذ جرونويل فى 
مركز دبلوماسى فى بلاد الشرق أو فى وظيقة تعليمية فى البيمونت . وكان ذلك قبل 
عدة سنوات من بلوغ جان فرانسوا الشهرة . على الرغم أن الاقتراح قد رفض فإن 
مسئولى تورينى كانوا يركزون نظرهم على هذا المثقف الدوقيتى الذى تربطه بأحد 
نبلاءعهم الشبان الأكثر موهبة علاقة صداقة وهى علارة على ذلك محب لإيطاليا بشكل 
واضح . وأصبح كوستا بذاك همزة الوصل الحية بين شامبوليون وتورينى . 

قبل ذلك يريع قرن ومن نفس هذا البيمونت خرج برناردينى دروقيتى محامى 
بارنابيا الذى أعجب بالثورة الفرنسية ثم وقع فى سحر الجنرال بونابارت هذا النيزك 
الذى هبط من فوق جبال الألب عام 1/45 لكى يخضع أورويا الأمراء وكبار رجال 
الدين . وقد خرج جيش بييمونتى لينضم إلى جيشه بعد موقعتى أركول وريقولى وكان 
المحامى القادقام من بارنانيا أحد مستنفرى هذا الجيش إلى جوار الجنرال كوللى 
وأظهر شجاعة ويساله فى مانتوا . وعندما قرر المنتصر قى أركول الإتجاه إلى الشرق 
إختار دروقيتى الذى أصبح برتبة نقيب أن يتبعه إلى هناك . 

هل أصبع ياورا لمورا ؟ أن اسمه لايظهر فى تقارير الحملة إلا أننا نقرأ إسمه 
فى أحد النصوص يقول أنه شارك فى معركة مارتجى . ويما أن المعركة دارت فى ٠١‏ 
يوني . ٠18أى‏ فى الغزوة التى كان الجيش موضوعاً تحت قيادة كليبار ولا يال على 
أرض مصر فلايد وأن دروقيتى كان مرتبطاً بأحد المقريين لبونابارت ( مثل ملك 
نابولى القادم ) حتى يتمكن من الأبحار عام 1/19 على المويرون ( المركب والذى 
هرب عليه بونايارت ) .إلا إذا كان ذكر اسمه قى تقارير معركة ماريتجى كان بداقع 
من حب المؤرخين البيمونتين له . 

ما حدث هو أن بفضل القنصل الأول ( بونابارت ) أصبح دروقيتى عام 18.7 * 
فى مصر قنصلاً لفرنسا فى إسكندرية فى الوقت الذى كان فيه ماتيو دوليسيس يتهى 
مهمته هناك . وكان دروقيتى قد يدأ مهمته مساعدا له .لا يمكن آن نعرف ما الذى كان 


* يعض المصادر الأخرى تقول ١8.5‏ 


443 


سيفعله دروفيتى لى أنه بقى على أرض وطنه خلال الريسورجيمنتى * . إن مواهبه التى 
إستخدمها في صر اكش في جميع الأحوال عن شخصية غير حادية ولى أن Sa‏ 
لم يكن دائما على نفس مستوى جسارته وخياله ولكن سيظل اسمه مرتبطًا إلى الأبد 
بيناء الدولة المصرية على يد محمد على والذى كان له أحد المعاونين الأجانب الأكثر 
استمرارية وكقائة . ومرتيطا أيضا يمود علم المصريات الذى خدمه - يخير أى بشر 
ناهبًا للآثار فى جشع ويعبقرية ( لا مثيل لها ) . 

مهما كان تقييمنا لهذا المقامر الذى جعل - مثلما فعل زميله البريطانى هنرى 
سولت - من السرقة المنظمة الفرع الأكبر لعلم المصريات فإنه الرجل الذى خصص له 
قراس | - دوشا تويريان هذه السطور من كدايه « رحلة ... » من ياريس إلى القدس : 

١‏ طلبت إيصالى إلى مسيو دوروفيتى ** قنصل فرنسا فى اسكندرية . تكلمت 
حتى الأن عن قناصلنا فى الشام يقر بما يفرضه علَّى واجب الاعتراف بالجميل لما 
قدموه لى . هنا سآذهب إلى أيعد من ذلك وأقول أننى أقمت مع مسيو دروقيتى علاقة 
أصبحت صداقة بمعنى الكلمة مسيى دروقيتى وهى رجل عسكرى متميز ولد فى إيطاليا 
الجميلة إستقبانى بالبساطة التى تميز الرجل العسكرى وبالحرارة التى تنشاً داخل 
الأشخاص الذين يعيشون فى محيط مشمس سعيد .لا أدرى أن كان هذا اانص 
سيقع بين يديه فى الصحراء ء التى يقيم قيها الأن . وإن كنت أود ذلك حتى يعرف أن 
الزمن لا يضعق أبدا أحاسيسي نحوه وأنى لم أنس قط التائر الذئ عبر لى عنه ودى 
يودعنى على الشاطئ : تأثر تبيل للغاية عندما مسح بيد معاقة فى خدمة بلده دمعة 
عبرت عن هذا التاثر . لا أملك رصي ولا حماة ولا ثروة . ولكن إذا حدث وكان لدى كل 
ذلك فلم أكن لاستخدمها ويكل سعادة سوى لصالح مسيو دروقيتى » (1 

بهذه « اليد التى تشوهت وهى تخدم يلدها » قاد حملات أقل فى عسكريتها عن 
زمن أبى قير » . لأن الحملات التى قادها ومعه ضابط فرنسى يدعى بوتان 
والمستكشف النانتى كايو بطول نهر التيل وحتى الشاال الأرل ثم فى واحتى الدظة 
وسيوه تحولت يسرعة إلى أهداف أثريه وهى لم تكن نزيهة . 

فى حين لجأ زميله الانجليزى سولت إلى معاونة جان باتستا بلزونى « عملاق 
بادوفا » لينتزع من وادى الملوك ثرواته . لجأ دروفيتى إلى خدمات المثال إين مديئة 
مارسيليا جان جاك ريفى الباحث عن الأشار الذكي الذى قام بتقطيع معبد الكرنك 


+ « النهضة » بالإيطالية وتطلق على الحركة الفكرية والسياسية التى أدت إلى توحيد إيطاليا فى القرن التاسع عشر ( المترجم ) 
** المقر السابق لكليبار - وكان دروقيتى يريى قيها الحمام والسمان , 


444 


من 18١١‏ حتى 18597 . الملاحظ فى هذا الصدد أن قنصلى القوتين 

2 أثيرا فى مصر كان مثالا يحتذيه ممتلى أى مبعوثق النمسا ويروسيا والسويد 
أسيريى ومينوتولى وإنستازى . كانت هذه هى العاداث المتبعة فى ذلك الوقت : إذا 
تحن نذكر ذلك فهذا لايعنى أننا نؤيده . 

عظيمة من التماثيل والألواح والبارولييف والأدوات الجنائزية والبرديات ومعظمها 
مأخوذة من مقابر طيبة وتعود إلى الإمبراطورية الحديدة Lilo.‏ كان صثعة بونایارت 
ققد أصبح مغضويا عليه من يبلاط فرنسا الذى تعلل بأصوله الأجنبيه وعين مكانه 
بيافوان 


أصبع دروفيتى بدون دخل ثابت إلى أن أعيد إلى مركزه فى عام VAS‏ فحاول 
الإيطالى واكنهم رأوا أنهم لا يمكلون المبلغ المطلوب واف الشي؛ حد بالنسية 
الملطات الفرنسية وا أن السبب الرفض لم يكن ثمن الصفقة وك شخصية البق 


السياسية وربما أيضا للمخاطر مثل الذى تسبب فيها الزودياك التى قد تتسبب فيها 
أى آثار تعود إلى العهود القديمة فى مواجهة تعاليم الكنيسة . 
عاد دروا فيتى إلى أهل يلد فى البيمونت يعرضه يعد أن سثئحت فرص لذلك عندما 


سافر الكونت كارلوفيدوا إلى مصر والنوبة عام ٠۸١١‏ وهى من الرحاله المشهورين 
وتمكن من رؤية روائع مجموعة القنصل السابق فى الاسكندرية . وعند عودته إلى 
تورينى ضغط على أصدقائه ذوى النقوذ بروسييره بالبو وشيزارى دى سالوتزو لكى 

في نفس الوقت كانت المفاوضات قد بدأت من جديد بين دون بيرت ردينى دروقيتى 
( الذى أعيد إلى منصبة وألقابه كقنصل لفرنسا ) وياريس وإعتبارا من شهر سيتمين 
A۲‏ فأصيح شاميوليون الذى تحوط به هالة اكتشافه أحد أشد المؤيدين لشراء 
مجموعة دروقيتى .وكان هذا الآخير يلح على سرعة استقيال المكتشف فى مصر 
وعلی مشارکته له فی « أبحاثه » . 


فى ١١‏ يناير 1/856 علم صاحب « رسالةإلىمسيوداسييه » أن بلاط توريتى 
اشترى فى نهاية المطاف مجموعة دروقيتى وعلى الرغم من أن ذلك كان من المفروض 
أن يكون فى إتجاه ميوله الإيطالية إلا أنه تلقى الخبر كما لو كان هزيمة شخصية له . 
إذ أن الرفض الذى قوبلت به طلبات صديقه بلاكاس الملحة كان بمثابة إيقاف لإنطلاق 
سلطته الوليدة .. جومار هو الذى أقنع کوریبار پان یتحدی إرادة صديق الملك الأثير . 


445 


3 كان يعلم وهى المسئول عن« وصف مصر » أن وصول المجموعة إلى باريس 
سيكون يمثابة تتويج لاكتشاف سيتمير 1857 : وهذا بالتحديد ما كان يخشاه جومار 
لو كان حلم حياته هو أن يدير بنفسه متحف باريس المصرى اليس هذا هو التطور 
الطبيعى لحداته العملية أى حقة المكتسب ؟ « كشق «٠»‏ مقايل »« وصف » ؛: سيستمر 
هذا الجدال قى تسميم جى سنوات المراهقة لحياة علم المصريات . 

مهما بد تصرف جومار مدمرا فى نظر المؤرخ فى القرن العشرين وهو يميل إلى 
رقبة كل شئ من خلال تطرة شامبوليون له إلا أن من الصعب إدانته دون تروى . فقد 
كان جومار صاحب مشروع إقامة متحف وإقتناء مجموعة أثرية . 

م ن عام 1416 أرسل إلى وزير الداخلية خطابا يتحدث فيه عن مشروع إقامة 
« قاعا للأثار المصرية فى متحف اللوفر » تذ تضم إلى آثار ه تسترد من لندن » وإلى 
تسخة من « حجر رشيد المشهرر » و « مجموعة دروقيتى »2 . .. وهى أحمل ما عرف عنه 
الآثان المصرية » . 

عالم الجغرافية الذى شارك فى الحملة على مصر كان قد تلقى خطابًا من 
برناردينى دروقيتى يمتدح فيه الروائع التى جلبها من مصر العليا بمساعدة ريفى ويعبر 
فيه عن أمله « أن تكون فرنسا التى يحبها بكل جوارحه منذ عشرين عاما كوطنه » هى 
التى تحصل على مجموعته لوضعها فى متحف باريس . 

لآن جان - قرانسوا شامبوليون كان على وشك أن يسلبه سلطانه فى المجال 
المصبرى Losie‏ أصبح أسمه ومجده كمكتشف مرتبطين باقتئاء مجموعة دروقيتى 
أصبح أدم جومار مثناهضا للعملية وتوصل إلى إقناع رئيس الوزارء كوريبار والملك 
بعدم الإلتفات لها . 

من رقض باريس إلى رفض آخر . وصل دروفيتى إلى مرحلة اليأس واكتقى 
بتسليم روائعه إلى بلاط تورينى الملكى اليسوا هم مواطنوه ؟ وكانت عاصمة البيمونت 
- ساردينا مدينة جميلة ويتكاثر فيها الرجال الموهويون - وإذا نجع فى إقناع 
شامبوليون بالمجئ إلى مصر قإنه ان يعدم الوسيلة التى تسمح بإيجاد روائع أخرى له , 

قرر حان فرانسوا أن يقبل الخسارة بصدر رحب ومادامت المجموعة لن تأتى 
إليه قسيذهب هى إليها .كان هدفه قى جميع الأحوال هدفًا علميًا مهما كان موقفة 
المالى مترديا فإن الشئ الجوهرى بالنسبة له لم يكن الحصول على وظيفة مدير متحف 
ولا حتى إثراء ممتلكات باريس الثقافية وإنما كان تعميق إكتشافة والتأكيد على تمكنه 


446 


الكامل من كتابة ستؤدى قرائتها إلى رفع الحجاب عن أم الحضرات جميعًا . فإذا 
كانت مجموعة دروقيتى فى تورينى . فالى هناك إذن السفر . وكان قد بلغه أن صديقه 
لودوفيكى كوستا أصبح وكيلا للوزارة فما أن بلقه نبأ قرب إقامة مجموعة دروفيتى 
3 العاصمة البيمونتية حتى أمسك بالقلم وكتب له الزميل عام 1414 رساله جاء فيها : , 
« .. كنت أنتظر فى باريس مجمعة دروفيتى للأثار المصرية التى هى متحف متكامل 
كانوا يمنوننا باحضاره إلى قرنسا . علمت اليوم أن صاحب الجلاله ملك سردينا 
إقثثاها ولن يكون العلم قد فقدها إذن مادمت أصيحت من ممتلكات عاهل عمل 
أجداده الكثير تلصالح الأداب ويلد خدم علماؤه العلم خدمات جليلة [ .. ] تنشر فى 
باريس ولندن وفيينا وفى بروسيا وروسيا أنياء كل ما يصل من أثار سصرية . 
وسيصبح الكتالوج المفضل لمجموعة دروقيتى حيث يوصف ويشرح كل؛ مئ شرحا 
وافيا حتى لا يحتاج العلماء مشاهدته بذاته - سيصبح كتايا ودليلا هما للفاية 
بالنسبة لهم . المخطوظات فى البرديات هى أيضا ذات أهمية كيرى [ .. ] فهل 
تعتقدون أن حكومتكم ستقرر عمل هذا الفهرس وهذا التبويب بصورة تخدم الأداب ؟ 
» فى هذه الحالة سأكون على استعداد للذهاب إلي توريتى للإقامة فيها لبضعة شهور 

( .. ) ولما كنت أمضيت حياتى كلها أدرس الأثار المصرية ولما كانت لى فى هذا 
: الصدد أعمال رأت أوريا العلمية أنها ذات أهمية فإنى على يقين من أتنى أفضل 

الاشخاص استعداد لتبويب وتنظيم المجموعة الهامة التى إقتناها مليككم فى فهرس (2) » 
لا يمكن أن يكون المرء أكثر وضوحًا وبيائا : ولكن لايكفى أن تكون شاميوليون 
وأن تتقدم بنفسك لكى توجه لك الدعوة . فكان على الفارس كوستا وعلى الكونت يالبى 
- وعلى الرغم من قوة تأثيرهم فى تورينى - ومهما كانت رغبتهم شديدة الاستقبال 
الباحث الفرنسى فيها ققد كان عليهما للوصول إلى غرضهم تخطى الكثير من العوائق 
وعلى رأسها إرتياب الملك المحافظ كارلو - فليتشى إرتيابًاً مفهومًا جدا من« 

الجاكونى الجرونويلوازى » . 

هل كان ملك بيمونت - ساردينيا رجعيا بالدرجة القاتمة التى وصف بها * ؟ على 
الرغم من أنه هى الذى اشترى هذه المجموعة المحملة بالأخطار العظمى التى جعلت 
المتدينين فى باريس يرتعدون خوفا منها ٠‏ وكان يحضر يانتظام جلسات الأكاديمية 


* كان يطلق عليه أحيانا لقب ملك سردينيا وأحياتا أخرى ملك بيمونت سردينيا وكان متزوجا أخت ملك فرتسا 
القادم لوى - فيليب 0 


447 


البيمونتية . ( قال بعضهم أنه كان يهدف بذلك حسن السيطرة على مداولتها .. ) فى 

حين يؤكد البعض الآخر أنه لم يتخذ « الخط المتطرف » سوى لإرضا ء ملوك العا 
المقدس حيث أن أمنه كان مرتبطًا بهم أما الواقع فهى إذا كان قد سمح ابالبو 
وكوستا بدعوة جان - فرانسوا شامبوايونٍ إلى تورينى لعمل فهرس المجموعة الشهيرة 
بلاکاس ( أى لويس الثامن ء؛ عشر ) فهو لم يترك البلاط يشارك قط فى الاستقبال الحار 


ولا يمكن فى الحقيقة فهم أى شئ عن إقامة شامبوليون فى إيطاليا إذا لم نضعها 
فى إطارها السياسى والثقافى .كان حجان - فرانسوا لا يذال يكرك وراءة كلما سار 
فى باريس إحساسًا بعدم الإرتياح له . إذ مازال حزب المتدينين وقبيلة المتطرفين 
يكرهونه ولكنه أصبح الآن sale Lane‏ - التی لم تشفع لالجالیلیو ولا لکولمبس لدی 
القضاة ولم تحميهما من العار - ولكنها تمكنت من إحتواء حقد الجيناء . ثم هى الآن 
من أصدقاء صفى الملك . | 

كان تدخله فى قضية الأبراج السماوية قد أضعف بعض الشئ من كره « طافئ 
الأخوار » له إلا آنه زاد من حدة توتر حزت جومار ضده . وهكذا فقد فى أعين كثير من 
الناس قتصوته الحمراء ( أى ثوريته ) دون أن يحظى على الرغم من ذلك بتأثير معشر 
العلماء كله , 

أكاديمية المخطوطات كانت تبعدة Lyc.‏ مؤكدة بذاك أن العيقرية يجب أن تتحلى 
Las‏ بالصير . 

فيما وراء جبال الآلب كانت الأمور فيما يتعلق به أيسط : كان رمرًا للتثوير . 
إستقبله الليبراليون كمظص استعوض عن أسلحة بوذابارت بالمعرفة لمواجهة eus‏ 
بلاط توريتى وهى توازى فى أهميتها حسن استقبال الأرستقراطية المتنورة له و 
رأسها باليو وسالوتزى وأمثالهما . 

الشئ المدهش هو أن جان - قرانسوا شامبوايون لم يكن يمثل فى نظر قطاع 
كبير من رجال أكهنوت الذى هى أكثر رجعية من مثيله الفرنسى , المناضل المناهض 
لرجال الكنيسة كما كان بالفعل - وإذما كان ينظر إليه على أنه المدافع عن التساسل 
التاريخى التورانى . 

- وسنرى آثار ذلك الطريقة فيما بعد - المهم هى أن حفاوة الليبراليين به لم 
تضره من وجهة نظر أصحاب الردا ء الأسود . هكذا فإن العالم قيما وراء الألب كان 


448 


يفعل مئه عندما تتعلق الأمور بايطاليا أى أن الرموز التى تظهر حوله كانت تتوجه 
باستمرار لصالحه فهو ليبرالى فى نظر الليبراليين ومدافع عن العقيدة فى نظر رجال 
الدين . 
إلا أن العوائق ظهرت أولا فى باريس . وخاصة تلك المتعلقة بتمويل الرحلة . 
وكان الدوق دى بلاكاس قد جعلها شاغله الخاص إلا أنه أراد أن يكون الملك هو 
منظمها المعلن وأن يكون سفر شامبوليون محملا على ميزانية المدنيته . ولكن صديق 
الملك واجه معارضة شديدة جعلته يفيد الملك أنه فى حالة رفض الحكومة فإنه سيتولى 
شخصيا مصاريف الرحلة من حسايه الخاص . لما لها من أهمية علمية . هنا تفتحت 
سرة الدنانير الملكية قليلا .. ! ) أن الدوق النبيل رأى أن قيمة التمويل ضعيفة ثم أنها 
جاءعت متآخرة . 
فكتب فى " مايى 14856 إلى شاميوليون « هذا العائق البسيط لن يؤخر تنفيذ 
مشاريعنا [ .. | البارون دور وتشيلد سيضع تحت تصرفكم المبلغ الذى ترونه ضروريا 
لكم . ويمكنكم المغادرة متى أردتم وسينتظر رجال الأدب فى شوق معرقة نتائج 
أبحاثكم الجديدة » 
علمتا من رسالة أخرى بخط بلاكاس أن المبلغ الذى وضع تحت تصرف الرحالة 
لدى السادة دوروتشيلد هو ثلاثة آلاف فرنكا . وأن راعى الفنون لم يرض أن يكرك 
الباحث يغادر البلاد دون أن يسلمة خطابات اعتماد لتورينى مع جوازّات سفره . كان 
الدوق يريد أن يؤكد بدقة متناهية رعايته التى سيتضح أنها لا تقدر بثمن . 
فى 0" مايى ١454‏ وصل جان - فرانسوا إلى جرونويل حيث تعرف كما سيق أن 
أشرنا على إبنته . فی ٤‏ يونيى وصل شامبيرى وها هو يوم / يونيى فى توريتى وهى لا 
يزال متعبا من رحلته ولكنه سعيد . كتب لجاك -- جوزيف ! 
« تورينى فى 8 يونيى 1/474 وصلت صباح أمس ياصديقى العزيز فى حالة صحية 
جيدة جدا إلى هذه العاصمة التى هى دون شك أكثر عواصم أوريا تتنظيما فى 
مبانيها * الطريق من سان ميشيل إلى سوز [ .. | رائع ولكته يمر بجوار هوات 
مرعبة [ .. ] يجب أن يكون للمرء رؤيا ألبية و,معتادًا على النظر من أعلى إلى أسفل 
حتى لايشعر بقلق حاد عند التزول من الجيل .. » 


* كلام يؤكد ماهى مؤكد إذ أن تورينى لم تكن فقط ه مبنية بنظام » فقط ولكنها كانت رائعة ولاتزال . 


449 


استقبل وزير الداخلية « صغير » فى اليوم التالى مياشرة وهو الكونت روجيه 
دوشولين الذى سامه التصاريح اللازمة القيام بابحاثة قى الدروفيتيانا - وهو الاسم 
الذى أطاق هنا على المجموعة الأثرية والتى وصلت بالقطع الضخمة منها مؤخرا من 
جنوا محملة على عريات مدافع . ووضعت فى قصر جميل وضع رسوماته فى القرن 
السابع عشر جوارينو جواينى لكى يكون مدرسة الجيزويت م تصول بد ذا أي 
أكاديمة العلوم . صالات رحبة وممرات واسعة وأسقف عالية وحدائق عظيمة : إنها 
إطار جميل الجمال . 
إذا كنا لا نملك وصفاً بقلم چان فرانسوا عن حادئة : « وجدتها ! » فى ١2‏ 
سبتمیر ۱۸۲۲ وکل ما أديٺا هو بعض مماردده جاك - جوزيف ونقلناه هنا - فإننا نملك 
وصقًا لإكتشافه السعيد للفن المصرى فى تورينى فى 4 يونيى 1814 . كانت لحظة 
محملة بالأحاسيس والمعانى أيضا وپنفس القدر ويجب علينا أن نذكر هذا ياسهاب ما 
٠ »‏ منذ يوم ۹ دخلت المتحف المصرى واعتبار) من هذا اليوم وانا أمضى فيه 
معظم وقتى ils‏ متشوق جداً دون شك لمعرقة الأخبار . سأقول لك جملة يتتردد 
هنا : إنه Questo a cosa stupenda‏ * لم اكن أتوقع ثراءآ مثل ذلك . وجدت الساحة 
مزينة بتماثيل ضخمة من الجرائيت الوردى والبازالت الأخضر . مجموعه إرتفاعها 
ثمانية أقدام تمثل أمون - دن وال جواره الك حووس إين اميتوقيس الثانى من 
الأسرة الثامنة عشرة منحوته نحنًا رائعًا . لم أرى شيئا بهذا الجمال أبدآ . 
الداخل يؤجد تماثيل ضخمه جداً أيضا : تمثال راكع ضكم لمقر) - تعامس ف 
حاله رائعة كما لو أنها خرجت لتوها من أتيليه النحات ؟ تمثال من قطعة واحدة 
إرتفاعه سته أقدام يمثل رمسيس الكبير جالسا على عرشه بين أمون - رع ونيث » 
عمل رائع ؟ تمثال ضخم لموريس من البازالت الأخضر تنفيذه مدهش ٠‏ وتمثال 
واقف لاميتوفيس الثانى وتمثال لبتاح من نفس عصر الأمير . ثم مجموعة من الحجر 
الجيرى للملك امنحوتب وزوجته الملكة اتارى . تمثال للملك رمسيس العظيم أكبر 
من الحجم الطبيعى . مصتعة مثل الكاميى من البازالت الأخضر ** .. رائع [ ٠.‏ ] 
ولا يعبر ذلك سوى عن جزء من المجموعة : لايزال علينا أن نفتح مائتين وثلاثمائة 
صندوقا أو لفة . ثم فرد سبعة وأريعين مخطوطا فقط والمجموعة تضم مائة وواحد 
وسبعين [ ... ] إن هذه المجموعة تتخطى أى مديح ممكن . الصديق دويوا *** سيفتح عينيه 
للغاية وسيسعد سعادة لا نهائية إن هى رأى الرؤوس الجميلة والعظيمة لهذه التماثيل المصنعة , 
بالاسلوب القديم : ساحاول أن أحضر معى نسحًا من الجيس لها ... » 
+ أنه شئ مذهل 000200 
٭٭ بری ى الزائر هذا التمثال اليوم كالبازالت الأسود . 
٭٭+ صدیق شامبولیون ومعاونه فی کتاب « البانتيون » 


450 


عن هذه الصدمة التى فاجأته فى 4 يونيى ۱۸۲١‏ سيتكلم جان - فرانسوا 
بأسلوب أكثر إتزانا وخاصة فى أول خطاب له إلى الدوق دوبلاكاس * إلا أن هذه 
الصدمة الأولى لها طعم لا يبارى فى صدقها وجمالها إنها النظرة الأولى للمحب أى 
إذ لا ننسى أنه لم يكن يعرف شيئًا تقريبا عن الفن المصرى - سوى بعض 

القطع المتنائرة والبعيدة عن إطارها مجمعة بطريقة أى بأخرى فى مكتبة جروتويل أى 
فى المكتب الملكى للأثار أى فى مجموعة دوفان sf‏ تادونا وعند الدوق شوازوال - 


فى الثامن من يونيى ١855‏ استقبل أيضا كضيف شرف من وفد يمثل الأكاديمية 
الملكية البيمونتيه حيث يجتمع من سيصبحون أفضل زملاءه فى البحوث : الأب 
كوستانزى جازیرا وهى مستشرق والأب أميديى ييرون دارس لغوى يوتانى و الأب 
إيمناتزيى باروكى . مكتبى - وعالم الفلك الكبير جيوقانى بلانا . ولكن أيضا الفارس 
دى سان كوينتينى الذى كان قد عين لتوه محافطًا للمتحف والذى سيتصارع معه فى 
مجالات دخلت الأساطير .كان الفارس من دارسی القرون الوسطى المشهورين ولم 
أن ينافسه فيه وأكنه يجمعهما قرضا cils‏ فإنه سيبذل كل جهده لكى يدمر قدراته 
العلمية - وسيحارية مع بعض الحق ويشئ من النجاح فى مجال علم المتاحف 

ولكننا سنراه يعترض يسرعة على المسائل المادية . 

فى خطاب شكر أرسله إلى وزير الداخلية الذى يدين له« بحرية الدخول إلى هذا 
المنجم الثرى » يوصى شامبوليون بسرعة ترميم التماثيل التى تهشمت بعض أطراقها 
والتى « إعتنى مسيو دروقيتى بتجميع أجزائها المختافة » من يمكن أن يعترض على. 
ذلك ؟ غير أنه يقترح أيضنًا معالجة البرديات طبقًا للتقنية المعتمدة من مكتب الآثار فى 
باريس حيث لا نلصق على حرير مما يحدث هنا وأتما تثبت على ورق كارتون وهو ما 
يسمح بحقظها مبوية وتغلف فى كتاب من حجم الفوليو . فى هذه النقطة قو بل بالنقد 
ولأسباب صحيحة . 

لما اعترض سان كوينتنى على هذه الطريقة الممنوع إستخدامها حاليا ليحل 
محلها القماش الخفيف من الحرير نجح فى أن يسجل نقطة ضد عالم المصريات . ثم 
سجل ضده نقط أخرى عندما إعترض على استخدام تقنية النسخ ياليصمة الرطية التى 


(*) راجع قيما يعد الصقحات من 453 إلى 456 


451 


محلها القماش الخفيف من الحرير نجح فى أن يسجل نقطة ضد عالم المصريات . ثم 
سجل ضده تقط أخرى عندما إعترض على استخدام تقنية النسخ بالبصمة الرطبة التى 
طالب بها شامبوليون لما لذلك من خطورة على ألوان الآثار . ولكن ليته كان من الحنكة 
بان يأخذ باقتراحات الضيف للكونت روجيه فيما يتعلق بالرتيب العام للمتحف + 
« لا يمكن بأى شكل من الأشكال أن يكون رأى سعادتكم بالنسبة للتحف أن يصبح 
المتحف الملكى المصرى مثل متاحف كثيرة أخرى مزدحما تتراكم فيه القطع دون 
ما ترتيب وتوضع فيه دون علاقة بين الواحدة والأخريات . أن الآثار المصرية تتكيف 
أفضل من غيرها بين الآثار الرومانية واليونانية مع تبويب منهجى وعلمى فى ذات 
الوقت تحمل كل قطعة على الدوام لوحة مكتويًا عليها بوضوح لا ريب فيه الهدف 
متها ومن استخدامها . ولا شئ أسهل ولا أصلح من إتباع هذه الإرشادات ومن 
كرتيب كدب هذه القطع حيث آثار دينية أو تاريخية أو جنائزية . 
[ .. ] بمثل هذا الترتيب ستقدم إلى أوربا العلمية لأول مرة سلسلة منهجية من الآثار 
تعطى بذاك وعلى التوالى فكرة صحيحة ودقيقة عن الديانة والطقوس والعادات 
وتاريخ هذه الأمه ذاته والتى تدين لها الشعوب التى تزدهر هذه الأيام بأولى عناصر 
علومها وفنونها وكذلك بأولى مبادئ وضعها الاجتماعى ” 
إلا أن شامبوايون لم يكن ليكتفى بوضع مبادئ BL‏ الآثار و سواء ء كلفته 
حكومة تورينى أو لم تكلفه بمهمة وضع قائمة رسمية الدروفيتنيا فهو قد بدأ هى إعداد 
وتقييم ووصف القطع بطريقة منظمة . وكان ما فعلة يمكاية « ريبورتاج واقعى « : إن أن 
الخطابات التى يرسلها مرتين فى الأسبوع لأخيه كان الهدف من ورائها أن تنشر وقد 
ظهرت بالقعل ومعظمها منشورة فى 86705536" Bulletin‏ 
إلا أن طموحه كان برمى sas‏ من ذلك : اعتمادًا على انطياعاته الأولية 
ومستخدمًا إياها كمواد أولية أعد لتشر سلسلة من أريع أى خمس رسائل إلى الدوق 
دويلاكاس فى هيئة كتاب كتعبير عن الاعتراف بالجميل إزاء الشخص الذى يدين له 
« بالتمتع بكل هذه الثروات المصرية » وكاعلان جمالى من أجل تأكيد ريادة الفن 
منذ بداية شهر يوليى وكان قد استقر هادا عند صديقه كوستا وإن كانت حرارة 
الجى تضايقه بعض الشئ وطنين الأذن المؤلم سيطر عليه » شرع فى كتابة أول رسالة 
إلى بلاكاس المخصصة التماثيل الملكية وتهدف إلى « إعادة بناء الأسرة الثانية 
عشرة ؛ أعظمها Laos‏ « على حد تأكيده : 


» .. أهدف من وراء وصف هذه التماثيل أن أستفيد من كل ما تتيحه من وسائل 


» هذا هى المنهج الذى طبقة هو على اللؤقر بعد ثلاث سنوات 


452 


لإعادة تكوين هذه الأسرة بالكامل وسائبت توافق الآثار مع قائمة أبيدوس وكذلك 
التناسق مع مانيتون * والقائمة الملكية [ .. ] أن مجموعة تورينى هى فى الواقم 
أجمل تعليق على قائمة أبيدوس إذ تشتمل على أثار أريعة مشر ملكًا متتاليا من 
الأسرة الثامثة عشرة . أن هذه الآثار المعاصرة ستكفى دون شك اوضع حد لأكثر 
الشكوك صلابه وستجعل التاريخ الوضعى يتراجع بنقس المقدار .. » 
عالم لغويات « وسألةإلى مسيوداسييه » تحول إذن إلى مؤرخ يأن عاد إلى منايع 
أول العلى م التی قام بتدريسها فى جرونويل وهی ما زال فى سن المراهقة ؟ نعم ولا .. 
نعم لان EL)‏ التاريخية أمام التماثيل الملكية والمخطوطات وإضمحة : ستراه فئ 
المتحف أمام البرديات المهلهلة مثل لارى أمام مجازر الإمبراطورية . إلا أن المؤرخ 
سيكون فى الوقت ذاأته وپاستمرار PAR‏ الجمال وإلها بل ومناضلا : مثال ذلك : 
د اجتهدت فى خطابى الأول إلى الدوق فى تقرير وجهة اانظر الحقيقية التى يحب أن 
ينظر يها إلى الفن المصرى أولا ثم فى المستقيل إلى الآثار يذاتها وذلك يناما على 
الواقع الملموس . 
إن هذه الرسالة التى قد لا تعجب الى تكلمانيين ** الأكش تشددا لها هدف ثانويى هى 
إعادة مناقشة موضوع الفن المصرى الذى حكم طيه بتسرع شديد ودون حيازة 
المستندات المؤيدة له والتى أراها أمام عينى بمثل هذا العدد الشضخم .. » 


منذ الرايع من أغسطس بدأ يرسل أول عشرين صفحة من الرسالة الأولى إلى 
آخيه بعد أن كلفه بنشرها عند دارر ديدي طالبا منه أن يدعمها بترتيب زمنى للأسرة 
فی توريثى فى حين شوع كوستانزا جاتزيرا - القس المسنتشرق ) وهى فى الواقع 
مستشرق أكثر منه قسا *** الذى كان يقدره أعظم تقدیر فی نشر بحث توضيحى 
ظهرت أولى « الرسائل إلى الدوق دوبلاكاس دوليس حول المتكحف الملكى 
المصرى فى « قوريتى » فى نهاية أفسطس لدى فيرمان ديدو 4؟ شارع جاكوب 
تسبقها مقدمة قصيرة كتبها شامبوليون - فيجاك ويتبعها الترتيب التاريخى بقلمه 
أول مقرخ أو مرتب للأسرات المصرية . 
+» المعجبين بعالم الجمال الالمانى الكبير وينكمان ( المترجم ) . 
+*» علما بآنه بدا حياته العملية في آحد أديرة الكابى سيئين . 


453 


أيضا . ويتامًا على توصية من المؤاف أرسلت نسخة إلى الملك لويس الثامن عشر 
) الذى سيموت بعد شهر واحد ) وأخرى إلى « الصديق يائم * à‏ وكان النجاح الذى ادركته 
الرسالة عظيمًا . | 

كان فى تصور المؤاف أن تكون هذه الرسالة بمثابة مقدمة لمخاطبات مطولة إذ 
كان سيعى هذا الإعلان المبدئى عن قيمة ومعنى الفن القرعونى العديد من التقارير من 
نفس النوع عن مختلف مظاهر الحضارة المصرية . غير أن الإلتزامات التى كان على 
المؤاف الوفاء يها وكذلك إضطراره لضمان تسليم الإصدارات الدورية « للبانتيون » فى 
مواعيدها لم يسمح له سوی بنشر رسالتين فقط ( أغسطس وديسمبر 1851 ) ومع 
ذلك قإن هاتين الرسالتين تعتبران « دفاعا وتوضيحا » لفن قدماء المصريين موجها 
يشجاعة ضضد الهيمنة اليونانية وموصولا بذكاء بمنظومة الكتاب التى ريط جان - 
فرانسوا شامبوليون اسمه بها إلى الأبد . 


Pas‏ أول رسالة إلى الدوق دوبلاكاس بتحية مزدوجة للملك الذى شرفه 
المؤلف « بحمايتة المتنورة » وإلى المرسلة إليه فهو العليم بفنون اليونان وروما وتمكن 
من إدراك عظمة « الشعب العظيم الذى سبقهما .. بان استقبل فى مكتيه بعضا من 
المنتجات النادرة لمصر الجادة والغزيرة العلم » 

ثم يعد أن أدى التحية الواجية للعظماء ورفع علم الريادة المصرية أعلن جان - 
فرانسوا شامبوليون متفاخرا أن « فرتسا كانت أول من دخل هذا الأرشيف الموقر » 
أثرية كان من المفروض أن تكون لها بمثابة زينة أبدية .. » لولا أن « سخاء صاحب 
الجلالة ماك سردينا احتفظ بها فى تورينى » ليجعل منها « وديعة مشتركة لأوريا كلها » 
بقضل « حسن إستقياله » للزوار ء 
بعد ذلك تبدأ مرافعة عظيمة - هى فى الوقت ذاته عريض إتهام ضد جوهان ويثكلمان 
المسبح للفن الاغريقى والمنظر لتفوقه المطلق بقدر ما تغذى عيقرية المكتكتشف 
المتناقضات وتعظم من شأنها المجادلات .. زاد من حدة هذا الجدل أن قبل ذلك بعام 
ای فی ۲٤١‏ أيريل 1857 ألقى راعول روشات خطابا أمام الاكاديمية تحت عنوان 
« بعض الاعتبارات عن فنون مصر القديمة » جمع فيه كل ما قاله مؤيدى الحضارة 


٭ نحن الان قبل العواصف التی هبت عامی ۱۸۲۲ - ۱۸۲۷ ( راجع قصل ١١١١١‏ ) . 
5 می جع 


454 


الجماليات الألمانى « كل ما يأتينا من مصر | .. | لا يعكس من وجهة نظر الفن سوى 
ترديد أمام أعيننا نفس الإله وذات الملك ونفس الرجل الذى ليس هى على الرغم من ذلك 
لا إله ولا ملك ولا رجل » ( بمعنى « الفن دون فن » كما فال أراجى ) 
وهكذا وجدت بلاغة شاميوليون هدفا مزدوجا لتعبر عن نقسها ضدهما : العظيم 
وينكلمان والهايف روشات : 
« إن تاريخ الفن فى مصر لا ينفصم عن تاريخ ملوكها . إن ذات الآثار تشهد فى 
نفس الوقت لصالح الأول وللآخرين [ ... ] لم أدرك أن تاريخ الفن المصرى لم يكتب 
بعد إلا عندما وجدت نفسي فى المتحف الملكى بتورينى وسط هذا الكم الكبير من 
الأنقاض المختلفة لحضارة عتيقة . فى هذا المكان كل شئ يدل على أننا تسرعنا 
كثيرا فى الحكم على طرقها وعلى تحديد وسائلها وهى الآهم -- على توضيح مداها 
٠‏ -.. ]إن النظرية التى أسسها ونكلمان والتى تدرس فى أيامنا هذه بتاءا على ما 
للمعلم من سلطة لم تؤسس سوى على مشاهدة مجموعة صغيرة للقاية من الآثار 
تجمعت بالصدفة دون إختيار أو تحيز فى متاحف إيطاليا . ثم قيمت فضائئلها 
بتسرع دون معرفة موضوعها ولا الفترات الزمنية التى تعود إليها ولا الهدف الأصلى 


٠. [‏ ] تثيت مجموعة التماثيل فى مجموعة دروقيتى على وجه الخصوص وعلى عكس . 
ما يظنه الرأى العام أن الفنانين المصريين لم يجبروا قط على المحاكاة الجبرية 
لعدد صغير من الأنماط البدائية ين يعطوا لهذه الشخصيات التى تمثلها أعمالهم 
سواء كانوا ألهة أى بشرا عاديين هذا المظهر التقليدى الذى لا يتغير أبد؟ والذى نتج 
عن الفحص غير المتعمق له إذ أنه إفترض وجود مثل هذا الاجبار . 
[ .. ] لى أننا تحررنا من أى حكم مسبق منحان تماما للفن الإغريقى ووضعنا مبادئ 
وتكلمان فى محك غير منحاز لرؤوس هذه التماثيل | .. ] لدهشنا من التنوع اللا 
تهائى للوجوه [ .. ] سواء بالنسبة للقطع الإجمالى أو بالنسبة لأشكال التفاصيل 
[ .. ] معظم هذه الرؤوس تجمع فيما بينهما نوعًا من التمائل فيما يتعلق بالوضع 
العام للخطوط يضفى عليها نوعا من الشبه الأسرى وهو ما تجده فى أعمال أى 
شعب آخر نقارن بينها [ .. ] فى مصر كما فى أى مكان آخر يحاول القنانون 
محاكاة الأشكال التى تقع باستمرا تحت أعينهم ولذلك فإن تماثيلهم تعكس الخطوط 
المميزة الجنس المصرى [ .. ]| ويترتب على ذلك أن إتخذت أحكام منافية للعقل 
والعدل كلما جرى الحكم على الفن المصرى إذ أن مراجع التقدير أى المقارنة كانت 
للفن الأغريقى أى لشعب غريب تماما عن مصر . 


455 


[ .. ] نسى الجميع أن المصربين عملوا على محاكاة الطبيعة التى تعرضها عليهم 
بلادهم في حين أن الإغريق عملوا ونجحوا فى تجميلها وتغييرهما طبقا لمثل أعلى 
نجحت عبقريتهم فى اختراعه [ .. | للعديد من الرؤوس البشرية فى مجموعة 
دروقينى أسلوب فخيم ملئ بالتعبير والصدق إنك لاتلاحظ على أى منها هذا الخط 
الكونتوري الخطأ أو هذا الوجه الشبيه بالصينى الذى اعتقد وينكلمان أنه الجانب 
المميز للتمائيل الحقيقية (9) يبقى أن نشرح كيف حدث [ .. ] أن هذه الرؤوس 
الجميلة المصنوعة بدقة ورقة وضمعت بشكل عام فوق أجساد نفذت تنفيذًا ركيكا 
وبإهمال كبير [ .. ] يبدو لى أن ذلك ليس سوى نتيجة طبيعية للميدا الجوهرى الذى 
عليه الفن المصرى إذ يبدى أن هذا الفن - كما سبق أن أشرت فى مجال آخر 9 = 
لم يهدف فى الأساس إلى نسخ أشكال الطبيعية نسحا يدوم . بل أنه عمل فقط على 
تدوين الأفكار أكثر من تصوير الأشياء » 
وهنا يصل جان - قرانسوا إلى النقط الجوهرية التى هى رؤيا عبقرية : 
إن النحت والتصوير لم يكونا أبدا فى مصر سوى أفرع حقيقية من فروع الكتابة 
والمحاكاة كان عليها ألا تتخطى نقطة ما فقط . التمثال لم يكن فى الوأقع سوى 
رمرًا عاديا . أبى حرقا كثابيا . وينام على ذلك فعندما ينجح الفنان فى التعبير 
يعناية وصدق عن الجزء الأساسى والمحدد للرمز أى رأس التمثال - وذلك بأن يعبر 
بصدق عن خطوط. الشخصية البشرية الذى يريد أن يذكر فكرتها أى بأن يحاكى بقوة 
وصدق رأس حيوان يشير إلى هذا الإله أو ذاك - فكان يعتبر أنه يلغ هدفه .. » 
كم يمضى المكتشف فى عرض الأفكار التى أثارتها مشاهدته الأولية لمجموعة 
دورفینی والتی أآدت بدورها إلى « نظرية فى الفن المصرى قائمة أخيرا على وقائع 
المشاهدة الواضحة » وبالتالى إلى حكم أكثر عدلا « للجهود المثايرة لشعب كان 
أول من دخل عالم الفن بأن بتى الأسس الأولى التى شيدت فوقها الحضارة الإنسانية 
فى الوقت الذى كانت أرض اليونان ورما مازالت تغطيها غابات بكر ولم تعبرها من 
وقت لآخر سوى شرازم من المتوحشين ٠.‏ 
ويخلص فى النهاية إلى القول : 
.. لن تجمع الآثار المصرية منذ الآن على إنها أشياء غريبة فقط [ .. ] إن بقايا 
وجو شب مظيم bu‏ ستتبوأ آخيرا المكانة اللاثقة يها لتكون أول حلقة فى سلساة 
الآثار التاريخية . » الخطاب الآخر لم ينشر سوى بعد عامين ويعير فيه شاميوليون 
بفطرية جميلة تجاه أحد خلفاء الفرنج الذين يمثلون نظرنا النيالة الفرنسية . 


456 


التعاصرة لهم أن تشبت بجو الفراعنة al ns‏ أى رمسيس 
ميامون من أثيات وجود أغلب ملوكنا الفرئجة من الجنس الأول 4‘ 


إن « جاكريى » جرونويل لم يتخلى بالكامل عن مواقفه مهما كانت أرائة الحمالية 
مستحدثة ومؤافته بين الكتابة وإلابدا اللو EN‏ بتدريسها تمد جد أن 
فى المستتدات المكتوبة صيف 1/852 ف فترة عرسه مع التماثيل العظيمة الملوك 
الآلهة وكان يمثاية نشوة عالية مطولة أسفرت عنها كما لاحظنا رؤبة خلاقة لديه . 
الخريف سيكرسه للبحث وتجميع البرديات الكثيرة أو مات تبقئ منها فى الدروقتينا 
وإلى ترجمتها . 
منذ بداية شهر سبتمبر وجاك - جوزيف شامبوليون - فيجاك يتلقى أسبوعيا بيانا فو 
فى ذات الوقت نشيد نصر وصرخة إستغائة : 
« مستمر أنا فى دراسة المخطوطات المصرية التى يتضمنها المتحف . 
عثرت حتى الآن على ثلاثة أو أريعة احتقالات جنائزية بعضها بالهيروغليفية والبععض 
الآخر بالهيراطيقية : كثير منها مكتوب باسلوب رائع . غير أن من المؤسف أن ١/0‏ 
من هذه المخطوطات ليست سوى تسخ من نفس النص ومع ذلك فإنى أواسى تفسى 
بان أتذگر أن كل هذه الطبعات من نص واحد ستوفر لى لدى المقارنة بيذها على 
كمية كبيرة من التفريعات وسأتوصل فى النهاية إلى تكوين قائمة ثرية بالمتجانسات 
اللفظية .. لد توصلت بالفعل إلى استخراج أريع أى خمسة مدلولات صوتية جديدة 
وبهذه الطريقة سأتوصل شيئًا فشيئًا إلى استكمال مجموعا الحروف الصوتية . 
٠. [‏ | مذكراتى التى أدونها من أجل القواعد الهيروغليفية تزداد سمكا وأخذت أبعادا 
محترمة . لست أسفا سوى على شئ واحد هو اكتشافى أن نصف البرديات على 
الأقل فى حالة تحلل لا تسمح لى بلمسها . يبدى أن الفترة التى أمضتها داخل 
الصناديق لمدة ثلاث أى أربع سنوات قى ليفورن قد أثر عليها تاثيرا سلبيا للخاية . 
ثلثها على الأقل تحول إلى طمباق أسباتى . 
)٠0(‏ إليك أيضا موضوهعا جديداً مثيرا للفرحة والألم . واصلت وإنتهيت من فرد 
المخطوطات المصريه الموجودة قى المتحف مع التركيز على اللفائف الاكثر 
صلاحية والأفضل صيانة : فلم أجد سوى أجزاءاً شبه كاملة لشعائر جنائزية تارة 
لرجل وتارة أخرى لامرأة . لدرجة أن هذه الأساطير الدينية أصيحت تفيض من 
عينى . قررت منذ ثلاثه أيام أن أتفحص بعناية ما أطلقت عليه اسم « كوم السماد » 


457 


أى حوالى عشرين لفافة من البرديات التى سطحت ثم ثنيت مرتين أى ثلاثة مرات 
ولفت فى قطع من القماش وأغلبها فى حالة يرثى لها وهو ما جعلنى أقرر أن أضعها 
جاتبا على أتها من المخطوطات صعية التداول ( .. ) ما أمكننى إنقاذه من الغرق 
يجعلنى أسف إلى الأبد من ضياع مستتدات لعلها تكون فى غاية الأهمية بشكل لا 
يقبل التعويض على الرغم من أن التجار كان بإمكانهم بشىء من العناية والذكاء من 
المحافظة عليها سليمة تمامآ ابضعة قرون قادمة » 
إلا أن الخنص البالغ الأهمية فى هذا الإطار هى الخطاب الذى أرسله لأخيه فى 1 
نوفمبر 14174 . ولى طلب منا إختيار خمسة أو سته نصوص بقلم چان فرانسوا فقط 
للابقاء عليها لكان هذا النص منها . التعبير فيها ينم عن نوع من الرومانسية التاريخية 
التى تذكرنا بشاتويريان وميشليه ولكن مع شىء مما هو موجود لدى مؤلف الساحرة 
5050155 ها أى أنه قائم على نظام علمى يفرض على الأخرين إحترامه : 
« يعدما إنتهيت من فرد البرديات التاريخية التى سبق أن حدثتك عنها أن علمت 
بالصدفة بوجو بعض بقايا من مخطوطات مصرية فى المخازن ولكنهم أفادونى أن 
الإطلاع عليها لن يفيد . وأكنى صمعت على رؤيتها وتم الإتفاق على وضعها فوق 
منضدة حيث أتمكن من مراجعتها فى اليوم التالى . 
(...) عند دخولى إلى هذه الحجرة والتى أطلقت عليها منذ تلك اللحظة 
« كولومياريوم التاريخ » تملكنى إحساس ببرودة الموت إذ رأيت منضدة طولها 
عشرة أقدام تعلوها طبقة من فتات البردى إرتفاعها نحو نصف قدم على الأقل 
Quis Talia Fando Temperet a Lacrymis*‏ ولكى أسيطر ولى قليلا على 
أحزانى تصورت أتى لا أرى سوى بقايا اريعمائه أى خمسمائه مخطوطا جنائزيًا » 
وتشجعت فائقيت نظرة على أطول الأجزاء وأقلها تشويها . وإذ بالجرح يزداد 
إتساعا وينفجر دما من قسوة التعرف على [ ... ] النص الذى فى يدى وهو 
يرجع إلى السنة الرايعة والعشرين من حكم الفرعون أمينوفيس - ممنون . ومنذ تلك 
اللحظة إتخذت قرارى بأن أراجع قطعة قطعة - كبيرة كانت أى صغيرة - من هذا 
الهشيم الذى يغطى منضدة البؤس هذه . بدأت المهمة كما يفعل فلاحونا عندما 
يقومون بتئقية ثمرات اللوز فى أمسيات الخريف ولكن فى 
0 كيف يمكن ‏ عند سرد مثل هذه الأشياء ‏ أن يحبس المرء دمومه » 
ملحمة « الإثييد » .. كتاب ؟ فصل ١‏ 8-57 ) 


458 


حركات أكثر بطئآ وفى أجواء أقل مرح . أهم أدواتى التى لجأت إليها قى عملى 
ne A ne‏ 
لمنضدة لتضعها فى يدى ثم بعد مراجعتها بكل دقة من الأمام والخلف كانت تقع 
٠٠ A be‏ .. ] يستحيل وصف المشاعر التى تملكتنى وأنا أراجع بقايا 
رفات التاريخ هذه ) إن أكثر الخيال برودة سيرعد امكل هذا المشهد . كيف تمنع 
عنك ولو قليل من الإنفعال وأنت تحرك بيدك رفات قرون من التاريخ ؟ واندقعت قى 
تأملات فلسفية .. لا يوجد فصل واحد عن أرسطو أو أفلاطون فى بلاتغة هذا الكوم 
من البردى . إن منضدتى تقول أكثر مما قالت منضدة سيباس : لقد رأيت وهى 
تنساب من بين يدى أسماء سنين فقد التاريخ ذكراها وكذلك أسماء آلهة إختقت 
مذابحها منذ خمسة عشر قرنًا , 
كما أنى حملت فى كفى - وأنا أكاد أتنقس خشية أن أهدرها بزفيرى كالدقيق - تلك 
القطعة الصغيرة من ورق البردى التى كانت المرجع الأخير لذكرى أحد الملوك لعله 
كان وهو حى يشعر بضألة قصر الكرتك بالنسية له ! 
٠. [‏ ] رآيت في هذه البقايا الهشة والمفتتة لعالم ذهب إلى أيد » ما أشاهده . فى 
عالم اليوم : ان ما يفصل بين التسامى بشئ ومنه خطوة واحدة ... وأن الزمن 
يسطح كل شئ ويذهب دون تقرقة بكل ما هى عظيم وما هى صغير بكل ما هى هام 
وما هو تافه ويكل ما هى حزين وما هى مرح ! إلى جوار نص يصف أحد أعمال قترة 
حكم رمسيس العظيم أجد آخر خاص بطقس دينى يشيد بأعمال رمسيس - ميامون 
أى بأعمال عاهل آخر - وقعت فى يدى قطعة من كاريكاتور مصرى برسم قطة 
تحرس البط وفى يدها عصا , وآخر يظهر فيه شخص يعزف على ناى مزدوج وإلى 
جانب اسم ولقب المحارب موريس رسم لفر مسلح فى معركة يطلق خلالها سهامه 
على محارب من قواته أو لقط ممتطيا عربة حربية .. هنا أيضا أرى قطعة من طقس 
جنائزى استغل ظهرها اتحرير عقد بيع وهناك بقايا رسم ملون فاجر لدرجة شذيعة 
هر إيمانى بتعقل وسمو الذوق المصرى " 

+ تجس هثا الإشارة إلى شئ غريب للغاية وهى أن عالمين إيطاليين مرموقين جنا هما سيلفيى كورتى ومدام 
إددا برشيانى - كثيرا ما نرجع إليهما أضافا إلى هذه الجملة ما يلى ٠:‏ .. إلا إذا اعتبرنا أن هذه 
الرسومات قد صودرت فى وقتها من السلطات القضائية » . وعندما راجعنا النص الأصلى للخطاب لاحظنا 
خلى النمى منه . فهل يوجد نمى توريثئى لهذا الخطاب ؟ 


459 


سيعود جان - فرانسوا فى هذا الخطاب البديع - ١‏ نوقمير ۱۸۲١‏ - إلى القوص مرة 

أخرى فى أعماق الدهر - ومعه سيستعيد أسلويه الجدلى عند النهاية . 
« .. إلا أن أهم بردية وهى التى سأندم عليها إلى الأبد لأنها تبددت تمامًا وكانت 
. كنزا حقيقيا بالنسبة التاريخ فهى التى كانت تتضمن كشفا بتواريخ الملوك . وكانت 
بمثابة « قانون ملكى حقيقى » مكتوية بالخط الهيراطيقى وكانت تضم أريعة أضعاف 
ما تضمنته قائمة أييدوس من أسرات فرعونزية وهى كاملة . وجمعت من هذا 
المخطوط الثمين وسط الركام حوالى عشرين قطعة من بوصة أو بوصتين تحتوى 
على أسماء مطموسة جزئيًا لسبع وسبعين فرعونا . والمدهش فى كل ذلك هى أن لا 
أحد من السيع وسبعين اسما يشبه هؤلاء المذكورين فى قائمة أبيدوس وإنى مقتنع 
تماما أنها تعود إلى الأسرات السابقة لها . كما يبدى لى أيضا من المؤكد أن هذا 
القانون التاريخى مواكب لكافة المخطوطات الأخرى التى جمعتها هنا أى آنها ليست 
تالية على الأسرة التاسعة عشرة * . 
٠. [‏ ] وإليك أيضا أهم هذه الأكتشافات ذات الآهمية العظمى والتى تثير الأسى 
والسعادة فی ذات الوقت - والتی تجعلنا نری ( وهڈا هی چاتبها المعزی ) : فى 
إمكاننا أن نتوصل إلى كل مانرجوه من نتائج من أبحاث تجرى باسلوب منظم فى 
حالة لى أن حكومتنا قررت أن تصرف بعضا من المال الحصول على آثار مصرية . 
غير أننى أشك فى هذا وذلك لأنه من المشرق ومن الأفضل أن نقعله » 

إنه درس فى علم الجمال وفى التاريخ وفى علوم اللغة . 

سبيمضى جان - فرانسوا على هذه الدروب الثلاثة فى طريقه المؤدى إلى حل شفرة 

البيروغليقيات بأن إستعان يوجهات النظر التى تتيحها له . وسط هذا الكم الكبير من 

ركام المستندات المتهالكة أخذت قرون الزمن تخرج من أكفانها ... وفى الخامس عشر 

من توقمير يعلن هذا الفلح لأخيه الأكبر أنه « إنتهى من فرز ثمرات اللوز » . 

وفى الثالث والعشرين من نوفمير يصدر بلاغًا بالانتصار ويرسله لجاك - جوزيف . 
- « وصلتنى لقافة لم أكن أتتظرها من مصر ولا أعرق مرسلها فقذفت بى إلى 
أبحاث لم أنتهى منها بعد وإن كنت أنتظر الحصول مذنها على نتائج جيدة . أى على 
مسعسرقة تامة وكاملة لمنظليمة الترقيم وتسجيل الزمن قى 


* تظهر فى تص الرسالة نشرتها مدام بوريوان ( ص 184 ) هذه الجملة ٠:‏ إن ما يمكن إستخلاصه من هذه 
الحقيقة الهامة هى أن ۲١١‏ ملكا مصريا سبقوا هذا التاريخ » 


460 


الكتابات المصرية الثلاثة ويمكنتى أن أعلن لك أن تلك النقاط هى بالكامل بين يدى . 
ولم ببق سوى جمعها .. وهى موجودة مرة أخرى وسط كوم من ركام البرديات 
والذى يجمع المواد جميعا . لا يوجد الآن تص واحد سواء هيروغليفى أى هيراطيقى 
أى ديموطيقى يمكنه أن يتسيب لى فى حرج : وإنى أكتشفهم بكل سعادة : العام 
الشهر واليوم » . 

ها هى التلميذ شامبوليون يحرز التقدم .. واكن مهما كان هذا التلميذ القديم للأب 

دوسار نجیبا فهو لا ينسى أن يحدث ضجة . فلنسمعه وهو يتكلم عن رجال السلطة : 
« .. خطاب وصلنی من فلورنسا آفادنی بوصول جمرك ليقوريه طرد ضخم يضم 
برديات مصرية يمتلكها مسيى سولت * ويبدى أن هذه المخطوطات معروضة للييع . 
وسيرسلون لى عن قريب مذكرة إجمالية بما تتضمنه . غير أتنى لن أحصل عليها 
سوى لكى تثير أعصابى لأنى على يقين من أنهم لن يفعلوا شيئا يمخصوص 
باريس ** من أجل الحصول على أهم هذه البرديات . وددت لى أن أصحاب السلطة 
كبار وصغارا جاءا ليمضوا يوما أى يومين فى متحف تورينى ليسمعو! النعوت 
التمجيدية لهم التى يطلقها زوار المجموعة من الفرنسيين . لم أجد واحدا لم يعرب 
عن أسفة نضياع هذه الآثار على فرنسا بسبب العقول الميكروسكوبية لعظمانا 
السياسيين أنه حفل موسيقى مستمر من الدعاء عليهم وإنى بدورى أقوم بواجبى 
المقدس فى توجيهه إلى العثوان الصحيح **" .. ) 

أذا كان شعورة يزداد بأنه « إيطالى بالقلب » فكان ذلك يرجم أن ما يصل إليه من 

أبناء باريس لم يكن بالنسبة له سوى شيبة أمل . كل يوم كان يمر عليه وهی فی 

الدروفيتينا كان يزيد من حنقه على الذين رفضوا أن ترى هذه الكنوز متحف اللوفر 

وسيعد له المحيط العلمى في باريس الذى يكرهه - ماعدا داسييه - إصابة جديدة . 

بعد وفاة شخص إسمه برناردى شغر مركز فى أكاديمية المحقوظات والآداب : 

شامبوليون - فيجاك - الذى فشل قبل ذلك مرة - كان يتحرق شوقا لأن يقبل فى 

الاكاديمية . واكن تحالف قام يناهضه . واكى يسد الطريق أمامه إقترح بعضهم 

عضوية جان - فرانسوا المنصب الا أن هذا الأخير شعر بالإهانة وكتب إلى أخيه 

الأكبر : لا أريد كرسيهم إلاإذا كان فى إمكانى أن أجلس إلى جوارك » ثم نراه يمتطى 

جواده مرة أخرى ويهاجم : 

× قنصل إنجاترا فى إسكندرية . وهو أيضا عالم مصريات مقتدر وهى تلميذ لشامبوليون ومنافس له . 

»+ سنري أن جان فرانسوا كان وإى لمرة واحدة متشائما أكثر مما يجب وأن الحكومة الفرنسية ستقدم فى 

النهاية على شراء هذه البردية ضمن مجموعة سوات يأكملها . 
*«** وؤين الداخلية : كوريتار 


461 


« وإنى على العموم مقتنع أنهم لا يريدونك ولا يريدونى كذلك وأتهم يفضلون حشو 
الأكاديمية بعدة دستات من « قارعى الرؤوس العنيدة » على حد قول شيخنا * على 
أن يقتحوا الباب أمام أشخاص لديهم شجاعة تكوين أرائهم الخاصة . فإذا كان فى 
علينا بعد ذلك أن تتصرف تجاه كل فرد بما يستحقه . لم يعد هناك أى حرج فى ' 
مواجهة أى شخص وسوف نلعن جميع المتآمرين وكل المؤامرات . 
العقدة كلها تتلخص فى ذلك [ ... ] لم تكن فى حاجة أن تسالنى لمعرفة ما آفكر فيه 
وما أريده . ركز إذن على الهدف ويكل وضوح ولا تقدم أى نوع من التنازلات - 
لايوجد حل وسط. In medio stat virus non virtus‏ ** : 
بعد مرور أسبوعين كل شئ أتضح وفشل شامبوايون - فيجاك فى الحصول على 
العضوية وفی ۱۳ ديسمير 1874 انقث جان - فرانسوا عن غضبه : 
الصراع وآليات اللعبة . ليترون *** يمكنه أن يعتمد على عرفائى بجميله وسينال 
جزائه فى الوقت والمكان المناسبين لم تذكر لى إن كان خطابى قد سلم 
للأرمنى **** فى جميع الأحوال فإن أسمه قد محى من القائمة . 
[ ..] ترى إذن كيف أنى أوافق قلبا وقالبًا على ما خلص إليه معلمنا 
+ 
المبجل 


# دأسببيه 

»+ فى الوسط يوجد الإثم لا الفضيلة . ١‏ 

يه أهم شخصية اشتركت فى عملية الاقتراع واذلك فإن جان - فرانسوا يعزى إليه فشل أخيه . 

cet met‏ سان مارتان الذى كتب له ه صغيرى » يطلب منه مساعدة أخيه إلا أن هذا الآخير عدل عن تسليمها 
يسبب وضوح موققه المناهض له . 


402 


وأنى فى غاية التأثر للمضايقات الجديدة التى لابد وأن هذه القضية يرمتها سببتها . 
له . أقضل شئ فعلته هو أنك قررت الغدول فى المستقيل عن أن أتسيب له 
مضايقات كهذه وأن تحرجه - إن أمكن القول - مع أوغاد يدينون له بكل ما فى ' 
حوزتهم . لقد أعلنت الاكاديمية طلاقها البائن منا وسنعرف كيف نواسى أنفستا 
بما نقش على ضريح بيرون *” | 
[ .. ] أما جومار الذى تسبب مكره الحقير قى إفساد العملية كلها فهى رجل ميت . 
إنه لم يرنى بعد اذا استخدمنا طريقته فى التعبير - سوى فى هيئة أوزيريس الرحيم 
ذى رأس الأيبيس أو الحمل إنى اعد له ظهورًا معتنى به على هيئة تمساح وسبع 
البحر وسثرى حينذاك كيف سيكون حاله فى هذه الظروف الالهية . ومهما حاول 
ساعتها أن يحتجب وأن يحيط نفسه بالحجاب المقدس للأسرار فسأمزق الغطاء 
لأجعل المؤمنين يشاهدون كيف أن الكاهن الأعظم ليس سوى أحد الغرياء على 
أرض مصر من رعاة غنم وفيكسوس ** الذى وضع على رأسه بسلطته هو وحده 
- البشنت *** ويدعى التحكم فى المناطق العليا والسفلى » . 
اليس هذا هى صديقنا جان فرانسوا الذى نلقاه من جديد فى صورته التى نعرفها 
أو الدوفينى « المعفرت » الجاسكونى المتشوق لاستلال سيفه » والمراهق إلى الأبد 
الذنى يعشق أن يكون غاضبًا وهو دائم الحماس لتراث قديم من التزمت العلمى . 
سينال هى نفسه نصييه من أثاره واكنه الآن يتعيد يحسده وروحه لمصره العزيزة . فى 
۳ ديسمبر 1854 كتب وهى لايزال يرتعش من الغضب لم حدث لأخيه - إلى صديقة 
دويوا . رسام كتايه « البانتيون المصرى »:- 
« ... حصات أخيرا على الموافقة على تجميع قطع تمثال سيؤوستريس الذى حدثتك 
عنه فى رسالتى الأولى . لا ينقص منه شىء وعندما أتأمل جمال وكمال هذا الوجه 
الضخم الرائع فإنى أندم على أنى لم أحدثك يما يكفى فى رسالتى عن روعة الفن 
المصرى . إن هذا التمثال كان سيسحركم وكنتم ستقولون معى دون شك : 
+ » هنا يرقد بيرون الذى لم يكن شيئا ولا حتى حضى الاكاديمية » 
+» البيكسوس أو الرعاة غزاة مصر الملعونون . 
«»* غطاء الرأس الملكى . 


463 


كل يوم آراها من ستة شهور كاملة مرت . 
وأخالنى دائما أراها لأرل مرة * 
آنا باختصار أعشق هذا التمثال ويسأصل إلى باريس وفى حوزتى نسخة مصبوية 
من الجص للنصف الأعلى منه وسترون ساعتها إذا كان ولعى به له ما يبرره ‏ إن 
الرأس إلهى الجمال , الساقين والقدمين رائعة والجسد مرن - إنى أسميه أبولون 
البلقدين المصرى ». 
كانت هذه الجملة سيبا فى السخرية منه . إذ أنه اختار رائعة من روائع الفن 
الاغريقى كمثل أعلى ! أفليس فى ذلك أعتراف بصحة وجهة نظر ويتكلمان ؟ يجب ألا 
ننسى أنه يتحدث إلى مجتمع جبل على تمجيد كل ما هو يونانى قأصبحت كل مراجعه 
يونانية . فأن يقال عن نايوليون على سبيل المثال أنه القيصر الفرنسى لا يعنى أنه أقل 
شأنا من سلفة . إن المرجع هنا يعتبر من أساليب التعبير وليس إعتراف بالولاية ؛ 
وليس من الكلام المرسل وليست لترتيب الأوليات وواضح من سسياق حديث شامبوليون 
أنه أراد أن يوضح أننا بصدد سلم قيم مختلف . 
« فى تورينى كما فى باريس الأوغاد كثيرون . هنا كما هى الحال عندنا الغباء 
يتحكم والشر ينتشر » إحتاج مكتشفنا ثمانية أشهر كاملة ليكتشف أن الييمونت ليس 
الجنة إلا أنه يضيف متحدثا عن « الأوغاد »« هنا على الأقل فإنهم يقتصون منهم 42 
« الوغد » هنا حسيما يقول « صغير » ليس جومار ولا كاترومار وإنما هو القارس 
جوايو كورديرى دى سان كويتتينو مدير المتحف الملكى المصرى . لم تكن الصفات 
الحميدة تنقص هذا الرجل إذ كان مؤرخا جيدا وكان يتمتع يصقات محافظ المتحف 
الجيد ونجح لحسن الحظ فى إعلاء أرائه أحيانا على أراء شامبوليون .. ولكن كيف لا 
يتضايق هذا الموظف الكيير من التفوق الفكرى الذى يبديه الأجنيى فى المجال 
المصرى ومن الامتيازات التى يتمتع بها ؟ وإذلك كان الجى مشحوئًا بالتوتر . وتكررت 
الأحداث التى لم ترجع كلها إلى غيرة سان كويتينو . وإذا كان « محافظ المتحف » قد 
أخطأ فإن ذلك يرجم إلى أنه لجأ إلى «سرقة أعمال غيره » ** ثم عندما أكتشف أمره وغطاه 
الخزى قرر أن ينضم إلى شلة « طافئ الأنوار» فى مواجهة المكتشف « عدى الدين » .لم 
» مسرحية بيرينس لراسين الفصل الثانى المشهد الثانى ( إلا أن تيتوس يقوله خمس سنوات كاملة » ) . 
+× نشرقى كتاب يأسمة يعض الاكتشافات التى قام بها جيف شاميوليون متعلقة بالنظام الترقيمى المصرى 


464 


تكن جميع حلقات هذه الحرب الصغيرة مشرفة بالنسبة لجان فراتسوا . وإذا كذا نذكر ' 
ذلك هنا » فليس لأننا نريد أن نعيد ذكرياتها - التى غطت عليها المكاسب التى حصل 
عليها شاميوليون من الييميونتين -- وإنما لكيلا تكون قد حجبنا جانب من سمات 
شخصية المكتشف فقد كان مزاجه ينزع إلى الصراعات أكثر مما كانت تحتمله 
الظروف . 
مثال ذلك هذا الخطاب الذى وجهه فى AY us ١/‏ إلى الكونت روحية دی 
شاليه فبيعد أن ضمن حمايته له وراح يكيل الاتيامات ضدد « المسيو دوسان كانتان » 
مثل التلميذ الذى سرقوا منه لعبته متماديًا فى استغلال هذه الحماية . فبعد أن أمتدح 
نفسه لانه أنقذ العديد من البرديات التى كانت فتات لا شكل لها ولولاه « كانت ضاعت 
إلى الأيد » عير عن دهشته مع شئ من النفاق › إذاء« تياعد à‏ المدير . ثم يضيف 
دون أن يتردد فى اللجوء إلى نوع من الابتزان : 
« إذا منعت من ممارسة التسهيلات التى رأيتم ياصاحب السعادة منحى إياها فإنى 
سأكون مضطرا إلى إيقاف نشر رساثلى إلى مسيوبى بلاكاس التى كانت ستجعل 
الناس يقدرون عظمة المتحف الملكى , فهى تلقى الضوء على مختلف أنوا ع الثروات 
التى يضمها . سأترك ساعتها هذا الأمر بين يدى السيد المدير أو أى شخص آخر 
سيرى أنه فى إمكانه أن يفعل ما أفعله أى أفضل مما أفعله أنا : ولكن سيكون من 
الصعب على أن أرى حكومة صاحب الجلالة السردى وقد اقتنث هذا الكم من الأثار 
الثمينة بكل هذا السخاء دون أن تحصل لنفسها على المجد الذى تستحقه ودون أن 
يجنى العلم مايتوقعه من معارف تكشف عنها هذه المجموعة من الأثار المرتبة 
والمعروضة بشكل مناسب , ستغفرون ياموتسينيور هذه الصراحة الزائدة عن الحد 
التى دفعتنى إلى أن أتكلم لأنه كلام صادر من شخص كرس حياته كلها الدراسات 
المصرية وقد يستشعر أكثر من أى فرد أخر الاهمية العظمى التى تتمثل فى الاشياء 
التى يضمها متحف صاحب الجلالة ... » 
لاشىء مما قاله يشويه الخطأ ولكن ليس كل ما قاله أيضا سليمًا تماما ويچب 
عليه ألا يندهش من « التباعد » المتزايد للمدير عنه لأن الرجل الذى عومل يهذه 
الطريقة لا يمكنه أن يبقى صافى النقس , 
وينطبق ذلك أيضا على اليلاط الملكى إن سيعبر شامبوليون عن دهشته لايعاده 


465 


وفلورتسا كصديق لهم . لأنه إذا كان يريد أن يحظي برضاء الملك لم يكن من اللائق 
أن يرسل له ولا حتى بطريقة غير مباشرة « التماسا من الفرعون أو سيماندياس » 
لأن سان كوتينتيز قرر إبعاد تمثال ضخم للفرعون سيتى الثانى ( أطلق عليه 
الرحالة اليونانيون اسم أوزيماندياس ) ووضعه فى فناء المتحف كتب شامبوليون هذا 
المنشور الذى يسخر فيه من مدير المتحف الذى عينه الملك ( ومن الملك نفسه ... ) 
ووزع فى شوارع تورينى . إذا كان تصرفه هذا قد حدث فى ظل حكم ملك رواية ستا 
ندال إرنست رانوتشى الرايع وليس كارلى - فيليشى الأول اكان أقتيد مطرود! إلى 
الحدود ... ما قاله أوزيماندياس هو : 
« .... .. جاعوا بى يا مولاى وسط اهانات يكيلونها لكرامتى ليصلوا يها إلى 
الحضيض فبدلا من إصطحابى إلى قصر فخم تركونى فى عشة فراخ معرضنًا فى 
وحدتى التامه إلى كافة الصعويات خاصة الان » إذ تصل درجة حرارة هذا البلد إلى 
مستويات مؤامة , لم أعاين مها أبدا .وهذا بالذات هى ما يجعلنى استغيث 
بعدالتكم ورحمتكم يا صاحب الجلالة فيدلاً من تعريضى لاهانات الطقس إمنحونى 
هنداما أصقر مطررًا بالاخضر مثلما أعطيتم لبعض زملائى بل وأيضنًا لبعض القطط 
وحيوانات أخرى لم تكن تتوقع قط الحصول على مثل هذه النعم * . لقد غطونى بكل 
فظاظة بتلال من القش ٠‏ وإنى أغتذم فرصة اللحظة المتبقية لى - إذ أن هذا الغطاء 
المضحك وصل حتى ذقنى - لافتح فمى وأتقدم يشكواى بأعلى صصوت من هذه 
الأهانه . 
ماذا !! قرعون الذى غزا بأكتريان على رأس سبعمائة ألف محارب والذى شيد أعظم 
مياتى طيبة لن يكون الأن سوى ملك من قش أو إذا كان لا بد أن تقال فالكلمة هى : 
ملك محش بالقش ؟ لايا مولاى إن جلالتكم لن تسمح بذلك أبدًا . بعد أن عرفتم 
الأن المحنة التى آمر بها وإنى ألتمس من جلالتكم العدل . أتا ملك ويجب أن عامل 
كملك وهذه الجملة تلخص ما أنتظره . كما أنى أطالب كتعويض ضرورى أن من 
أخترع هذا الزى المخجل الذى أتحفت يه يجب أن يحشى بالقش لكى يرسل على 
القور إلى متحف التاريخ الطبيغى - هذا هو العدل . » 
متاعب ثانوية بالمقارنة بهذا الكم من الصداقات التى عقدها مع اعضاء المجتمع 


* كان أهل تورينو يسخرون من بعض « الملابس » الذی رای سان كوينتينى ! اتحاف بعض التماثيل بها . 


466 


AL‏ اي وآلان روت والكوفت قيدوا وأخرين - والأوساط اط الأرسطوة راطية 
الليبرالية وعلى رأسها الأمير دوسافوا - كارينيان والكونت والكونتيسة سكلوييس 
والكونت بروسبيرى بالبى وأبنه شيزارى وعائلة سالوتزى * يدءا بالكونتسة ديودانا 
« سافى البيمونت » . تذكر هنا ما قاله فى هذه الصدد لأخيه « يقف فى صفى السلطة 
التنفيذية ورعاية الوزير والأكاديمية والرأى العام ... » 

فى خطاب آخر كتبه شاميوليون يعد ذلك بعام إلى صديقه دوفليار الذى كان 
ينوى اللحاق به فى إيطاليا - وكان يقطن ليقورن حينذاك رسم بورتريهات سريعة 
وطريفة لبعض أصدقائه التوريتيين « ... إتصل بالأب جاتزيرا الذى هى أب بالاسم فقط 
وهى من أصدقائى [ ... ) وإذا أردت أن تأخذ لك مرشدا يكون من المهرجين فاتصل 
من رفسي بمسيو وى كوستا وزير الدولة : إنه من الشخصيات المحية للحباة . 
وستكون سعدا معة , 

لم يرى شامبوليون فى هؤلاء المناصرين له أنهم ه مشجعين » مجهولين 
يستخدمهم لأغراضه الشخصية أى العلمية فحسب بل إنه كان يكن لهم تقديرا عظيما . 
وهى ينقل عن الأخرين أنهم قالوا عن جاتزيرا أنه « ياوره » فى حين أنه يردد له العديد 
من تعبيرات التقدير كما أنه يصف يالبى بأئه « رجل سامى الأخلاق » . فل كان فى 
مقدوره أن يحكم على الموهبة الشاعرية لديوداتادى سالوتزى ** إنه يتكلم عنها باعجاب 
خال تمامًا من الرياء الاجتماعى ... ولكن بشىء من التفرد dl‏ آنه أكثر الناس تاش 
بتقدير الأرسطوقراطيين له وهى المؤيد للجمهورية ميستوى العلقة بين طيقة ا الثبلاء 
كمثياتها فی باريس حيث نشط آل دودقيل ولارى شفوكى من أجل تذمية التعليم العام 
وحرية الرأى » ترفض سياسة الملك المحافظة وتتحرك بدافع المشاعر الملتهبة التى 
سبقت فترة النهضة الايطالية « 815019116010 » قد رأت فى شاميوليون بوناباركًا. . 
مسالمًا حاملاً لمشاعل منيرة ولكتها ليست حارة قة . كانوا ينظرون إليه فى توريتى » أنه 
المحرر - وإذا وجد أحد يشك فى ذلك فما عليه إلا أن ينظر إلى الجهة التى تأتى 
منها الحركات المناهضة له ... | 


» تنطق سالوس فى الناحية الأخرى من بلاد الألب . وهى الأسرة التى اهتم شامبوايون وكوستا بأمورها فى 
جرونويل عام 1816 . 

«« أرملة الكونت دوريفال كتبت على وجه الخصوص « قصيدة فلسفية » عنوانها أيباتزيا تجرى أحداثها فى 
الاسكندرية داخل معبد لإيزيس , 


467 


ليس معنى ذلك أن « صغير » خصص وقته كله لخوض معارك حول فنون ترتيب 
المتاحف وى لصراعات القوى وأصول الاتيكيت أو إنه لعب دور البائع المتجول الذى 
يروج لمبادىء الثورة فى الأرساط البونابارتية المتطرفة أى بين الكاريوناريين الجدد . 
ظل وسيظل حجان - فرانسوا شاميوليون عالم مصريات خالمنًا « مكرسا طاقته كلها 
لمهمته على المستويات الثلاثة : اللغوية والتاريخية والجمالية » . 


كتب سيلفيى كورتى يقول إنه اندقع فى هذه المهمة بنشاط هائل ويصرف النظر 
عما يمكن تسميته « ببيانه عن سيادة » الفن المصرى وهو ما يميز أول رسائله إلى 
الدوق دويلا كاس وعن غوصه فى أعماق ألاف السنين من التاريخ التى أخرجها «كوم» 
البرديات فقد دعم منجزاته التى تضمنها كتابه « المختصر » الصادر فى فبراير ۱۸١٤‏ 
وذلك فى مجالين : من وجة النظر اللغوية أوضحت الرسالة التى كتبها فى ١١‏ فبراير 
٥‏ إلى قبلبالم قون هومبولدت الذى كان يعتسر حينذاك صاحب الكلمة العليا فى 
مجال علم اللغة فى أورويا ٠‏ أنه قد عمق , العلم الذى أسسه عن الصوتيات المترادفة › 
وهى إحدى المعطيات الجوهرية فى الكتابة الهيروغليفيه » ومن وجهة النظر التاريخية 
فإن إكتشافاته المتعلقة بمنظومة الأرقام المصرية قد صححت كثيرا من المعلومات 
الواردة فى « وصق مصر » - وهی مالن یغفروه له أبدا ! 


كشفت رسالته إلى هومبولدت ثكم كان أكتشاف 18755 يحتاج إلى تعميق ومراجعة 

فهو إذ يكتب إلى أحد العلماء - الذين تأخذ مراسلتهم على الفور بعدا وصدى الحدث 

العام » لا يخفى شامبوليون أيا من شكوكه ولا أيا من الاخطاء التى إرتبكها ولا أى 

حيرة انتايته . نادرًا ماعبر فكره العلمى » أى التشكك الدائم فى نفسه ٠‏ بهذا الاسلوب 

الصادق ويهذه الدرجة المؤثرة . إن العبقرية لا تفعل ما تريد وأنما ما تقدر عليه . إنه 

يتلعثم ويتراجع ثم يندفع من جديد ثم يخلص فى النهاية كما يفعل دائما بالاسلوب 
الذى يميز شامبوليون وهى خليط من تواضع الباحث وحدة نبرة المجادل . 

« ... وددت لى فاض سرورى بأن أتمكن من تبديد كافة شكوكم وأن أقرر بثقة حسم 

كافة الصعويات . غير أن علمى بالهيروخليفية لم يصل إلى هذا المستوى بعد لعله 

تقدم فقط بما يسمح يلمحة على المسافة الشاسعة التى سيتعين عليه أن يعبرها دون 

ما عائق فى دهاليز الكتابة المقدسة . أرى الطريق الذى يجب السير فيه وأعرف 

الوسائل التى يجب الأخذ بها للتقدم بخطى واثقة على هذا الدرب الجديد جدًا والثرى 

جد . إلا أنثى لا أعرف إن كان عناء رجل واحد وحياته كلها تكفى لأداء مثل 


468 


هذه المهمة الضخمة * . مهما حدث سأستمر فى أبحاثى وإنى أجرى وراء الأثار 
٠‏ الأصلية وهى المرشد الوحيد الذى يمكننا أن نتبعه دون أن نخاطر بشىء يعطلنا » 
كما حدث لى بالفعل طوال عشر سنوات بسب النسغ غير الدقيقة المنشورة فى 
الكتاب الضخم الجنة المصرية ... » 
يعتبر أهم نصر حققه شامبولیون فی المجال التاریخی فى تورينو على الأرجى هو 
فهمه للمنظومة الرقمية التی کشفت عنها بردیات الدروفیتیانا فقد أعلن فى يناير ٠۸٠١‏ 
منتصرا إلى جاك - جوزيف أنه ألقى الضوء على : 
)١( «‏ أسماء الشهور بالديموطيقية والهيراطيقية - (؟) الأرقام الهيراطيقية 
المخصصة لعد الأشياء والسنين على وجه الخصوص )١(‏ الأرقام المقايلة فى 
الديموطيقية )٤(‏ الأرقام الهيراطيقية لتحديه رقم لأيام الشهور . (5) الأرقام 
الديموطيقية المقابلة . هذه هى نتيجة عملى منذ شهر . حيث كنت مضطرا أن أقوم 
بعملية ترقيم حقيقية لكى أضمن المدلول الصادق لكل هذه الدروف ولكى أتبع خطوة 
بخطوة وأراجع حسابات أحد الكتبة واسمه تحوتموزيس .عثرت على الجزء الأكبر 
من دفاتر وارداته منذ الیوم الحادی عشر من شهر باوبى حتى الثالث عشر من شهر 
يهارموتى من العام ؟١‏ من عصر رمسيس الخامس من الأسرة التاسعة عشر » . 
ثم أوضح أن كافة النتائج التى توصل إليها عرضها على الفلكى العظيم جيوقانى 
يلانا فى تورينى فآكد صحتها وهى ما جعله يعير عن سعادته الجمة : 
0 ... نجحت فى حل مشكلة ع ويصة بأن تمكنت دون أنى مجال للشك من 


تحديد المدلول الدقيق لهذه المجموعة من الرمون التى كان يجب التعرف عليها أولا 
ثم أخراجها على انها أرقام . لم يكن فى استطاعة الأشكال الهيروغليفية أن 
ترشدنى لشي: , لأن إعتبارًا من الرقم ه لا يوجد تمائل بين النظامين ٠‏ فكان يجب 
أن أحذر أن هؤلاء المصريين أصحاب الفكر المتعنت قد عن لهم على سبيل المثال 
أن يكتيوا اليوم الرابع عشر من الشهر بالأرقام ۲۰ و ۲ » والخامس عشر ٠۰‏ » 
۲ ؟ إنى أشكر الله بن أرسم على صدرى علامة الصليب لما آلهم به قريحتى 
عندما أدرس إتفاقيات التعاقد . فئجد أولى كلماتها تتضمن عدد! هائلا من الأرقام 





* عالم المصريات الايطالى سيرجيى دونادوني كتب ةماع 019118 ( ص 7 ) « أن مجهوده كان أكثر 


من بشرى » ٠‏ 


469 


المتراكمة - رقم العام وعدد الشهر واليوم فى الشهر - كل ذلك متراكما . علما بأته 

يتبع منظومتين مختلفتين للترقيم » وكان يتعين على أن أفرق بينهما .. » 

ملحوظة أخيرة فى الخطاب إلى جاك - جوريف : ٠‏ لاتجعل أى ضيع من أى نوع 

أسود أى أشقر أي أصقر أو أخضر يطلع على ذلك .. » 

ومع ذلك فإنه أطلع هو ذاته توماس ياتج على ذلك › فهو لم يكن يعتبره - أو 

ریما لم يكن يعتبره بعد - من الضباع .. » 
ثوجت « حملة البیمونت » هذه التی اتسمت - حسب قول چان فرانسوا ذاته - بها 
اتسمت يه فيما مضى الحملات الفرنسية من ضرارة - بانتخاب الزائر عضوا مراسلا 
لأكاديمية تورينى للعلوم . وصاحب هذا الاتتخاب تعليق لم يصدر من قبل قط - يوضح 
الاساس التى قام عليه قرار الناخبين « ... عشية سفر مسيو شامبوليون من هذه 
العاصمة - تعبر الجمعية عن تقديرها العميق للأعمال العامية للمتلقى . وعلى الفور 
يكتب « المتلقى » لأخيه ليقول له أن أكاديمية تورينى ضمتهما معا . وإذا كان بعض 
المنتخبين ( يقصد ليترون وريمورا ) قد صوت لهم هذا أو ذاك ٠‏ فبالنسبة لنا كان 
الجميع يريدنا وتم إختيارنا بالاجماع » 

وعليه كتب جان فرانسوا رسالة شكر إلى السكرتير الدائم تسللت إليها بعض 
المشاغبات اللاذعة : « .. يزداد تقديرى لهذا اللقب الرفيع بمقدار معرفتى بأنى مدين 
به لكرم معظم أعضاء هذه الهيئة العلمية وهو الكرم الذى استمر » معظم الأعضاء 
يغمرتى يه . 
هل قلنا تتويج ؟ كلا إذ أن البيمونتيين سيدفعون ولعهم الشامبليونى إلى أبعد من 
ذلك » فعشية سفره إلى روما ( الذى عجل به وصول الدوق دو بلاكاس إليها « مثل 
طلقة الرصاص » بعد أن عين سفيرا فى نابولى والذى حضه إلى لقاءه هناك فى أقرب 
وقت بعد إقامة قصيرة فى المديتة الأميرية ) عرض عليه ما قد يغير من حياته كلها . 
فلتعرف على هذا العرض منه شخصيا : 
YA»‏ فبرایر ۱۸۲۰ 


...وأتا أهم بالسفر قدم إلى عرض على درجة عالية من الخطورة جعلنى لا أبت فيه 


470 


بشىء قبل أن أراجعه معك مسبقًا ومع « المعلم » راجيا أن يكون فى استطاعته 
إعطاء رأيه فى هذه الظروف . تنوى حكومة صاحب الجلاله ملك ساردينيا إرسال 
قائم بالأعمال الدبلوماسية إلى مصر . وقيل لى أن الوذير يعرض على القيام بهذه 
الرحلة لحساب صاحب الجلالة , 


ويما أنه من العدل فى - حالة قبولى - أن أفكر فى مستقبلى فإنهم يضمنون لى ادى 
عودتى إلى تورينى بعض المكاسب وذلك بأن يضمونى بأفضل الشروط المادية 
a al‏ إلى الهيئة التعليمية . ولكن الموضوع الاساسى هو أن أصبح إيطالى 
الجنسية - إنهم فى عجلة من أمرهم ويريدون حتى تعليق سفرى إلى روما . إلا أنني 
مصر على السفر وساكون بذلك أكثر تحررا فى ردودى التى أترك تحريرها 
لكياستك . فكر فى الأمر إذن واستشر وحدد لى الخط الذى أتبعه ... » 


يستحق رد شامبوليون - فيجاك أن يذكر هنا هى أيضًا إذ يستعرض فيه 
الاخ والآب الروحى ومدير الأعمال كافة الوسائل الشوقينية مازجا إياها بنصائع لمن 
فريك الارتقاء فى مهنته : 


« .. العمل مع الأجنبى تفوح منه رائحة المغامرة .وهو ما لا يصلح سوى لمن كان 
غير كفء فى بلاده . الذهاب إلى as pin‏ عن الأحجار هى عمل يصلح له من كان 
مثل كايى * وغيره من الذين يتمتعون بأقدام صلبة .. ومعدة قوية . أما عملك أنت فهو 
الاستكشاف الصامت داخل مكتبك انتائج استكشافات هؤلاء الرواد ** أما المناقع 
المستقبلية فهى تافهة ومن الأفضل أن نقضى Bac‏ وسط أصدقاء نا على أن نقضيه 
وسط أجانب يشعرون دائما وإى بقدر قليل من الغيرة [ ... ] من الأفضل أن تكون 
الأول فى بلدك عن أن تكون الأول عند الاخرين . 





«عالم الطبيعة النانتي ( من مدينة ناثت ) المقدام . 
+» ستقضى تمامًا ثمانية عشرة شهرا من حياة شامبوليون على هذا التصور الغريب لمهنة مالم المصريات ! 


471 


« يوجد على العموم شئ عظيم فى كل ذلك وهو أن تنقل للدوق * ما يجرى وتظهر له 
أنك ميال لذلك . إن ذلك سيحفزه على أن يرغم أفاكى باريس ؛ ويمكنه الإسرا ع يعمل 
شىء فى باريس ذاتها . دعهم إذن يرسلون اك العرض مكتويا وسنتمكن ساعتها فقط 
من تحرير الرد بالصورة الفنية المطلوية . إن عروض تورينى هى التى ستحدد مصير 
المعركة وأكثر ما يرضى الأفاقين هو أن تقبلها وسيجدون أن ذلك هى نصر لهم ونجاح 
لكل المساعى التى يقومون بها فانمتنع عن إرضائهم » . 
ياه !! لبراعة الرجل الذى يعرف كيف يصنع العسل مما لا يبدى سوى أنه خل ... وعلى 
الأفاقين أن يحسنوا التصرف ... ولكن إذا كان بونابارت قد رد بنفس الطريقة 
العرض الذى قدمه له تاليران ( الأفاق الآخر ) لظل حجر رشيد مدفونا فى الرمال ... 
باختصار !! لم يتحول جان - فرانسوا إلى الجنسية الإيطالية سوى بالقلب فقط » 
وسيمضى حياته » وسط من أسماهم فيجاك « أصدقاء » وهى ما يعتبر نظرة متقائلة 
يعض الشىء للأمور ... 
تشاو توريئى !! قلة من المدن ستستقيله بمثل هذه الحفاوة . سعد فيها بصداقات مثل 
تلك التى عقدها مع كويستا وجاتزيرا وبيرون وبلانا وبالبووسكلوبيس وسالوتزى وفيها 
عمق من طريقته فى حل الشفرة - وخلال إقامته فيها أيضا أكتشف نظام الأرقام 
المصري . كما أخرج عددًا من القرون والاسرات من غياهب النسيان وهى فى تورينى 
وفيها آخيرًا وعلى وجه الخصوص أكتشف القمم التى بلغها بجمال فن النحت المصرى 
مما جعله يقع فى حب أحد التماثيل . وهكذا ستبقى تورينى وهى إحدى محطات 
الطريق إلى ممفيس إحدى أهم عواصم العالم فى حياته . 

وتشهد على ذلك ويكل وضوح وبريق لوحة ضخمة مثبتة خلف تمثال رمسيس الذى 
كان يفضله على جميع التماثيل الأخرى وهو الموضوع فى أجمل القاعات المخصصة 
لفن النحث . تحمل اللوحة هذا النص اللاتينى . 

HONORI ET MEMORIAE / IOANNIS FRANCISCI CHAMPOLION QUI 

ARCANAE AEGYPTIORUM SCRIPTURAE / RECONDITAM DOCTRINAM 
PRIMUS APERUIT / MONUMENTA AEGYPTIA REGIS VICTORICI EMMA- 
NUELIS LIBERALITATE CONQUISITA / INHIS AEDIBUS DOCTAE INVISIT 


* د پلاکاس 


472 


SCRIPTIS ILUSTRARIT / MODERATORES REI LITTÉRARIAE STATIM AC 
DE MORTE CELEBERRIMI VIRI NUNTIATUM EST / MENSE MARTIO 
ANNO MDCCCXXXII * 


البيمونت لا يمثل إيطاليا كلها . فبعد ثمانية شهور من تاريخ وصوله عاوده تشوقه 
للتعرف على روما وفلورنسا ونابولى . كل شىء كان يحثه على الرحيل . دعوات الدوق 
دويلاكاس الذى وصل إلى مقر عمله فى نابولى وأحلامه القديمة حول مدينة روما وريما 
أيضا شىء من خيبة الأمل من أته لم يتمكن من الحصول على حرية التصرف الكامل 
فى متحف تورينى التى كان ينشدها : كتب لأخيه فى 8 يناير 1851 : 
« ... نحن إذ نترك للحكومة الساردية تفعل ما تشاء بمجموعة دروفيت, فتضعها فى 
مخزن بدلا من أن تجعل منها متحفًا وسنبذل قصارى جهدنا لكى نستغنى عن 
الحكومات الحالية والسابقة والقادمة . كل ذلك يضعف مهنوياتى وكثيرا ما أشعر 
بالندم لأثنى لم أتعلم أى حرفة يدلا من خدمة العذارى التسع ** القلق يدا يتغلب 
على وحالات الحزن أصبحت تكرر زيارتها لى . » 
قلق وحزن .... وهى يتذكر فى أماكن أخرى حالات من الكسل والبلادة التى تتملكه 
أحيانا كما كانت تداهمه بكثرة حالات الصداع ونويات السعال التى كانت تهز بدنه قى 
الشتاء البيمونتى فلعلها كانت تعلن عن إصابته بداء الصدر الذى سينهشه بحد ذلك . 
وعلى الرغم من ذلك فقد أحتفظ يشجاعة المبادرة فى العمل وركوب عرية السفريات 
متجها إلى ميلانى ثم بولونيا وروما . 
وصل مدينة الباباوات فى الساعة السادسة من الحادى والعشرين من مارس 
6 . ومكث فى العرية يهتز داخلها طوال ثلاثة أيام لم ينم فى سرير لفترة ثلاثة 
ليالى متصلة . إنه منهك تمامًا وقدماه متورمتان فهل سيحرم نفسه من البقاء ساعة 
واحدة فى روما ؟ فما أن وصل إلى فندقه فى شارع / فيا كوندوتى إلا وأنطلق ناحية 
الروائع الموعودة .. ويحيط بالطبع جاك - جوزيف بكل شىء : 


* « فى ذكرى وعلى شرف ح. ف شامبوليون الذى كان أول من إكتشف الفن المقدس للكتاية السرية 
للمصريين . درس كما يفعل العلماء المخطوطات التى خلقها المصريون وجمعت داخل هذا القصر يكرم من 
الملك فيكتور - ايمانويل ويشرف يكتاياته أعلام الأدب - إلى أن وصل نبأ وفاة هذا الرجل ذائع السيط قى 
شهر مارس ۱۸۲۳۲ » 

+* جنيات الفتون والمعرفة والأداب بالطبع ( المترجم ) . 


473 


« ... توهجهت على الفور إلى ( كنيسة ) القديس بطرس وحيث أن شهيتى كانت فى 
ذروة الذهم فكان على أن أبداً بالقطع الكبيرة . يستحيل تمامًا وصف انطباعى عند 
وصولى إلى ساحة هذه الكئيسة ... إننا لتعساء فى فرنسا . إن أثارنا تثير الشفقة 
بالمقارنه يعظمة مبانى روما » من ساحة القديس بطرس أسرعت إلى ساحة نافونا 
حيث قمت بتحية المسلة الثالثة ( يامفيل ) إذ كنت قد رأيت قبلها وأنا أدلف إليها من 
بوابة الشعب المسلة الفلامينية ومسملة بساميدتيشوس فى مونتى - شيتوريو [ ٠.0‏ ] 
وقفت مبهورا آمام الكوليزيوم وعبرت ساحته وسط الحجاج قليلى العدد ووسط جمع 
من الرهبان ... 


عندما عدت أدراجى تسلقت أنا السليل الحقيقى لشعوب الجال سلم الكابيتول . لم 
يصدر عن الأوز أى صراخ ووجدت نفسى على القمة أمام تمثال مارك أورال على 
جواده - وشدتى تمثال لروها فى ساحة المتحف الكابيتولى فوجدته محاطًا بعملاقين 
مصريين يمثلان بطليموس الفيلاديلفى وزوجته أرسينويه ولدى نزولى سلم الكابيتول 
الضخم قمت بتحية الأسدين المصريين العظميين . 

...ثم سرت على قدمى حتى سان - جان دو لاتران يشدنى إلى هذه الساحة أكبر 
وأقدم مسلات روما وهى مسلة موريس . الهيروغليفيات التى عليها منفذة بطريقة لا 
يمكن تصديقها ثم توجهت إلى الكوليزيوم مرة أخرى وشاهدته بنقس درجة الانبهار 
كما توقفت مرة أخرى عند محطة كامبى فائشيتو حيث شاهدت أقواس النصر الثلاثة 
والمعابد ثم تسلقت الطريق إلى الكابيتول من جديد وعدت إلى الفندق [ ... ] هذا هو 
أول أيامى قى روما لن أنساه مدى الحياة ... » 


ياله من رحالة طيب ووسيم ! قال يومًا إن الحياه الحقة هى الحماس إننا نحب 
هذا الرجل الاسمر ذا الشعر الأسود يلون الابانوس وهو يلهث ويعرق ويجرى فى 
شوارع هذه المديتة المشهورة مثما يفعل الراهب الحاج غير عابىء بتورم قدميه ولا 
بالسعال ولا الكيلى مترات التى يتعيين عليه أن يقطعها » يدقق فى المسلات ويتحدى 
أسود الكابيتول . هنا يكمن سره أى فى هذا النشاط الذى لا ينضب فيدفعه إلى الأمام 
بل وسوف يصرعه يعد بيضعة سنوات وهى ينشد الحصول على بضعة سنوات أخرى 
من العمر ليلقى بمزيد من الضوء .. 

لم يفعل هذه المرة سوى المرور بمدينة الباياوات لأن هدفه هى نابولى . حيث 
ينتظره يلاكاس المتشوق لأن يضع كل قوته وما يتمتع به من مقدرة شخصية عند 


474 


قدميه . جاء وصفه لتابولى أنها « أول مدينة حية يقايلها منذ عبوره جبال الألب حيث 
تمر الأيام دون أن نبددها سوا سالتنسبة للعلم أو للإتسان » ثم يقوم بزيارة معيد 
سيرابيس فى يوتزوتى وقى يومياى -- قدس أقداس إيزيس . ثم بعد أسبوع من وصوله 
يصحبه بلاكاس عند الملك والملكة - عن إهتمامهما الشديد يأعماله إنه سعيد 
وسيكشف فى يايستوم « أجمل وأروع ما فى إيطاليا » ولكنه سيذهب إلى أيعد من ذلك 
وهى يقول لأخيه : 
« ... الخط قديم : خالص النقاء أى أنه جميل يحق . شعرت أن ما هو أمام عينى هو 
معمار جميل واستحال علئ لأكثر من ثلاث ساعات أن أحيد بنظرى عن هذه المعايد 
مع أنها صارمة فى بساطتها وخالية تمامًا من أية تزويقات [ ... ] على مسافة ما 
وخصوهنا عندما أراهم قد برزو! بلونهم الأصصفر الذهبى من الخلفية الأزورية السماء 
والبحر ٠‏ خلتنى أرنو إلى معابد مصرية : وعلى وجه الخصوص معبد نبتون 
أضخمهم جميعا إذ تشع الأصول المصرية من العمارة الاغريقية التى تتبدها جميع 
أجزاء المبنى بايستدم ليس سوى تيجان الأعمدة الممسرية فى حالة منحطة 
بعض الشىء وتلك التى تتشكل منها الزوايا قى فى قدس الأقداس .هم بالتاكيد 
مصريون » | 
هل أكتشف هنا فى باسيتوم ما يثبت صحة نظريته التى يجابه بها نظرية 
وينكلمان ويؤكد فيها أن الفن المصرى هى بالقعل أبى الفن الاغريقى ٠‏ الواقع أنه لم 
ينتظر هذه الرحلة إلى كامبينا ليدلل على هذا الرأى كما سبق أن قرأنا : بل إن ذلك هو 
الدليل الجوهرى الذى بنيت عليه « الرسائل]لى الدوق دويلاكاس » إذ كتب إلى جاتزيرا 
منذ البداية يقول : « أنغفسمت من جديد فى النقاء الذى تذوق به العمارة الاغريقية التى 
هى الأينة الجميلة والفاتنة للعمارة المصرية ..» 
قال عن رأس ثور إغريقى : « إنه دليل ضمن ألف دليل على أن الطقوس الدينية 
الاغريقية ليست سوى فرع هابط من المصريات . لابد أن ليترون سيعير عن إمتعاضه 
أزاء ذلك لأنه فى رأئ غير متقيل لفكرة أن الاغريق الاعزاء كانوا من المقلديين 
لغيرهم € 
الاستفزاز هنا واضح ... ولكن ماذا ستكون العبقرية دون إستفزان ؟ والحماس 
ایشا مانا سيكون عبكرى جاسكونى متحمس إذا لم يدخطي أصول التخاطب 
والافكار الموروثة وإذا لم يفجر الجو الثقافى القائم فى زمانه ؟ fs‏ لم يكتفى مؤسس 
علم المصريات بإدارة شئى نه وإستغلال ممتلكاته الخاصة فقط . بل سيذهب ناشرًا 


475 


الحرب الثقافية فيما وراء حدود تخصصه كما فعلت الثورة حارج حدود الوطن . إنه 
يزرع العواصف لأن المكتشف ثورى فى جوهره . 


هاهى فى روما من جديد . هل يعتبر نهر التيبر من روافد النيل ؟ إن مصر 
موجودة فى كل مكان هنا - وهو يقص ذاك على أخيه بحماسة المنتصر « يجرى من 
مسلة إلى أخرى » من مسله البانتيون إلى مسلة مينارف وفى سان - جان دولاتران .. 
» أم المسلات جميعا وأقدمها التى ترجع إلى الملك موريس - تحتمس مع الإضافات 
الجانبية لحفيده تحتمس الرابع [ فى حين ) تعود مسلة البانتيون إلى عهد رمسيس 
الأعظم ..» الذى « يعيد للتاريخ » أمه الملكة توييًا - هذه الرهلة إلى المسلات 
( وعددها مانية عشرة فى روما ) جعلته يغطى بتهكماته « كيرشار المسكين » لأن ما 
تسخه متيا قبل ذلك يقرنين من الزمان « شوه النصوص المقدسة » : شامبوليون لم 
يرحم قط من سيقوه . الشىء الغريب هى أن هذا المجادل الكبير كان ساذجًا فى 
أحيان كثيرة . ففى محاولته وصف السيرك الروماتى الذى يصعب وصفه حيث يتقابل 
رجال الدين والدبلوماسية والحرس حامل الحراب والأساقفة رجال الإدارة الفاتيكانية 
والنبلاء » المتأمرون وسيدات القصور ورجال علم حقيقيون ومدعون -- وسط هذا كله 
تراه يتباهى بالحفاوة التى لاقاه بها ثلاثة من رجال الكهنوت ذوى المناصب العليا وهم 
مونسينيوى أنجلى ماى محافظ مكتبة الفاتيكان من العلماء ومكتشف البلايست أو 
الرقائق الممنوحة ومونسينور تيستا سكرتير البايا » وحامل سره والأب كانيسييرى 
مدير اللبروياجائدا إلا أنه أهمل قيل هؤلاء الأب لانسى - المستعرب - دارس الخط 
الكوفى والذى أصبح قيما يعد أكثر أعدائه ضراوة فى هذا الجانب من جيال الألب . 
ومثال آخر على ذلك هى أنه يمدح وليام جورج الذى أصبح من أصدقائه > نراه يضم 
إلى إسمه اسم أتطونى نيبى - وهى عالم مصريات بريطاتى آخر وهى « يانجى » أكثر 
من يائح نفسه . مونسينور ماى هو الذى سيفتح عينيه على د الخلفية » الحقيقية 
لإبتسامات نيبى (5©) والحلف الذى عقده مع لانسى وكلايروث وسان كوينتينى« للدجهاز 
على تايفون » * 

الواقع أن مدير متحف تورينى قد تمادى إلى أبعد ما يمكن فى عملية الانتقام الذى 
ديرهاً ضد من إنقذْ متحفه .فى خطاب أرسله الأب كوستائزى جاتزيرا إلى شاميوليون - 
فيجاك ©) وصف السرقة التى إرتكيها سان - كوينتيون لأعمال شامبوليون : 


» قاتل أوزيريس . 


476 


« قرأ سيودى سان كوينتيى أمام الاكاديمية ( البيمونتية ) بحنًا من الأرقام جاء 
فيه ضمن أمور أخرى أنه يهنىء نفسه لأنه تمكن [ ... ] من آكتشاف ما لم يكتشقه 
أحد فى العالم حتى الأن - وهو متظومة الأرقام المصرية وهكذا نكون غير مدينين يكل 
شىء لسكان الجانب الأخر من جبال الألب * بقضل أكتشافه العظيم . 

« من كان وسط هؤلاء الاكاديميين على علم باكتشافات أخيكم ويغباء زميلهم الذى 
لا يعرف قرائه كلمة واحدة من الكتابة الهيراطيقية أى الديموطيقية إبتسموا لقلة حيائه . 
٠٠ (‏ ) ومجرد النظر إلى قائمة أرقامه كان يكفى لإثبات ذلك لأى شخص له دراية ولو 
قليلة الغايه بالدارسات المصرية . إذ تجد الأرقام الديموطيقية مختلطه بالهيراطيقية 
وفيما عدا الأرلى التى يمكن الجميع التعرف عليها فإن الأخرى كانت خطاً وكذاك . فى 
الإثباتات التى أراد إتيانها وفى طريقة تطبيقها . ولكنه لم يكن غبيا فقط بل كان سيئا 
أيضا ولأقصى درجة » إقرأ بحثه وإرتعد بل إضحك على نيته المبيتة إذ أراد أن يلمح 
أن الدراسات المصريه تهدم الأسس التى يقوم عليها الدين وتنسف سلطة التوراه 
إلخ ... يصعب تصديق تراكم هذا الكم من الغباء والأخطاء والتناقضات واللامعتى فى 
مثل هذا العدد القليل من الصفحات إلا أن هدف الاساءة للغير كانت واضحة وكان 
عرضه سيعتبر مثيرًا السخرية فقط لى لم يكن مذريا لأقصى درجة ** » , 

« اعتداء على الاسس التى يقوم عليها الدين » ييدى أن رئيس الكنيسة الكاثوليكية 
لم يكن ينظر إلى مشروع شامبوليون بهذه الطريقة . ففى ١5‏ يونيى ١850‏ استقبل 
الحبر الأعظم المكتشف حيث أصطحبه إليه موتسيتيور تيستا . كان البابا ليون الثانى 
عشر إنسانئًا فريدا وصفه شاتوبريان *** على النحو التالى : « طويل القامة - صافى 
الفكر وحزين » يرتدى جلباب أبيض بسيط ( دون ) أى فخفخة يجلس أمام مكتب 
متواضع ( .. ] إنه لايكاد يآكل » ويعيش مع قطته **** علي شىء من البولانتا [ ..) 
ولعله كان يضع - مثلما كان يفعل البابا بنوا الخامس عشي - صندوق كفنه تحت 
سريره ... » (7) 

الأكثر غرابة من ذلك كان العرض الذى إقترحه ليون الثانى عشر وهى يستقبل 
+ يعنى الفرنسيين . 
++ بعد هذا الإيضاح لم يعضى وقت طويل قبل أن يستذكر فيجاك بكل قوة « مسيود وسان كانتان » فى مقال 
عنيف جد فى نشره فيروساك » 
mo‏ سفیر فرنسا فى روما عامى ۱۸۲۸ و ۱۸۲۹ 
***» سيتناها شاتويريان ذاته قيما يعد . 


477 


المكتشف « عدو الدين » هذا إن بعد حديث مطول وحى للغاية عبر فيه عن أعظم 
إهتمامة باعمال صاحب كتاب «اليائتيون » أعلن له البابا أنه قدم « خدمة جميلة 
وعظيمة وطيية للديانة باكتشافاته » ومنحه بيساطة شديدة قبعة الكاردينال * وقد 
أدهش ذلك صديقنا عالم المصريات الجاكويى لدرجة أنه لم يجد سوى إعتراض واحد 
يقدمه للبايا : وهو وجود إمرأتين فى حياته ** » 

بعد أن منعته النساء من أن يصيح كاردينالا فان جان - فرانسوا ظل مدينا 
لرئيس الكنيسة الكاثوليكية بترقية أخرى فى مجال علمانى الغاية - وثوريا بطريقة ما - 
وهو وسام جوقة الشرف . إذ بعد أن تم صده فى موضوع القبعة أعلم ليون الثانى 
عشر !! علطات فى باريس أنه سيسعد لو أنه رأى ضيفه وقد قلد الوسام وهو ما حدث 
على الة رر . .. بل أفضل من ذلك أن شامبوليون كاد أن يحصل فى ختام إقامته فى 
روما على قبعة السفير . كان يحتفى به فى كل مكان ويتخذ الجميع رأيه . وإذا كان 
العالم بارون فون بونزان - - ممثل يروسيا - يقف منه موقفًا متحفظًا - فإن جميع 
سقراء النمسا وروسيا والبورتغال وثابولى كانوا يريدون أن يدعوه على موائدهم أو إلى 
إلقاء محاضرة .. تحول الأمر إلى ما يشبه الوياء سريع الانتشار als‏ . أما اليارون 
دى توشال الديلوماسى اللوزيتانى والذى وصقه شاتويريان بأثه « نمام » »م قصيى )2 
أخضر اللون مثل قرد من البرازيل وأصفر فى لون برتقالة من اشبونه » ققد كان أكثر 
الجميع حماسة وإكنه ليس للدرجة التى تجلب عليه التعنيف الذى وجهه المكتشف 
لزميله الدبلوماسى ممثل سان ربيترسبورح البرنس جاجارين 


إذ عتدما علم هذا الديلوماسى الروسى حالة الشظف التى يعانى منها چان 
قرانسوا رأى - ما نراه نحن اليوم شيئا عاديا - أن يعرض عليه ألف فرنك أتعاب 
مقابل كل محاضرة من المحاضرات الست عن علم المصريات التى كان سيلقيها لدى 
البارون دو فونشال . كان رد فعل المكتشف مثل رد فعل شاب غر عرضت عليه 
كونتيسه مقايلا ماديا لمداعياته : 
« لا بد وأثى أما غير مفهوم تمامًا أى أن الحكم على غير سليم البتة حتى أن البعض 
رأودته فكرة - أن يعرش على - كما حدث بالقعل - مرتبا كما اوكنت أقدم نومًا من 


. التى يمكن أن تمنح للعلمانين من ناحية المبدا‎ x 
. ×٭ روزین وزورایید بالطبع‎ 


478 


العروضى . إنى لا أعرف إن كانت تلك الإتفاقات تدخل ضمنئ العادات والتقاليد 
الايطالية » إلا أن مثقفى فرنسا وهم فى حمية ميلهم ئنشر القليل من المعرفة التى 
لديهم لم يفكروا قط فى بيعها » . 
يتضح من ذلك أن العادات قد تبدلت تمامًا إذ أن « المثقفين الفرنسيين » قد 
توقفوا منذ فترة طويلة عن الاحساس بالاهانة إزا إعتبار أن ما يقدمونه « من معرفة 
قليلة لديهم » «١‏ نوعًا من العروض » التى يأخذون عنها أجرًا حتى لوكان « القليل من 
المعرفة » التى لديهم أقل مما كان لدى شامبوليون . 
ولم يترك المكتشف مدينة الباباوات دون أن يسمح لتفسه القيام بإحدى المبادرات 
التى تضفى على شخصيته المندفعة لمسة من التقرك الإجتماعى الصالونى والذى سبق 
أن لاحظناه عندما كان يحاول جذب أنظار سيدات المجتمع فى فيجاك وفى د بالونات 
جوزيف فورييه فى جروئويل .. لماذا نضحك على تلك التصرفات ؟ ألم يكن توماس 
بانج ذاته من الراقصيين على الحبال ٠.‏ 
فى 19 يونيى 1876 أحتفل بتتويج شارل العاشر » وعلى الرغم من أن المصاريقف 
الباهظة التى تكلفها هذا الاحتفال قد أثارت حفيظته كما سنرى .. وأن تتويج أحد آل 
بوربون حامى حمى المتطرفين لم يكن مبدئيًا من الأشياء التى تلقى أعجابه إلا أن عالم 
المصريات المتشرد رأى أن يعرض على الدوق دومونموراتسى - لافال سقير قرنسا 
فى روما إقامة فى حدائق فيلا مدتشى « مسلة إرتفاعها ما بين خمسة وأربعين 
وخمسين قدما محملة بأربعة نصوص طويلة باليهيروغليفية ملونة وتتعلق بتتويج الملك . 
الهيروغليفيات - ( جان فرانسوا هو الذى يتكلم ) ستكون بارزة ولكن فى شفافيه 
وسيكون لذلك أثر عظيم حسبما يقول المعماريون وصانعى الزينات . لا يوجد حديث 
آخر فى الصالونات سوى عن هذه المسلة وإنى أتشوق لرؤية أكبر أبنائى هذا وهى مشماء » . 
ما حدث بعد ذلك هو أن عناصر الطبيعة كانت أقل ملكية من عالمنا اللغوى 
فأطاحت بالعمل الفنى الفذ قبل مغادرة الفنان اروما بساعات قليلة وقد تأثر طلبة 
المدرسة الفرنسية فى روما بحماسه المعدى فأعادى بناء المسلة الورقية وأعادوا 
دهانها وجعلوها محطًا لانظار المدينة يوم ١9‏ يونيى : هكذا أصبح صاحب « تخب 
فى صحة الجمهورية » فى 18١١‏ فى نظر أهل روما المداح - الغائب ولكن المنتصر - 
لتتويج الأمير الذى تحداه قبل ذلك بعشر سنوات قى جرنوبل يما ترتب على ذلك من 
مخاطر وأثار 
كانت إقامة جان فرانسوا شامبوليون قى روما بالنسبة له فصل الغموض المحير جد . 


479 


لا بسبب هذا التغيير المفاجىء بالنسبة للشرعية الأكثر تعرضا للنقض فى المجال 
الأولى المتعلقة بالترتيب الزمنى القديم عادت عليه بعرفان المدافعيين عن العقيده . 
« ها أنا قد أصبحت قديسًا فى نظن المتدينين من أباء الكنيسة الكاثوايكية [ جاء 
ذلك فى خطاب أرسله إلى أوجوستان تيفونية - صديقه الماسونى ) - مللت من 
رائحة القدسسيه التى يستشعرها المتدينون فى شخصى كما لوكنت لا أعمل لهدف 
آخر منذ خمسة عشر عامًا أمضيتها فى محاولة الكشف عن أيجديتى - سوى 
لتمجيد الله ( ... ) غير أننى سأقوم بعمل حركة غير كريمة فى أتجاههم فى أحد 
الأيام بان أطور التداعيات والنتائج المباشرة لإكتشافى ٠‏ 
سيضحك جيدًا من سيضحك آخرا .. » 
أنه يض حك ولكن فى غير سعادة . لأنه يدين برحلة إيطاليا هذه كما تعرف 
لكازيمير لويس دى بلاكاس وفى هى متدين وإن كان معجبًا بالحضارات « الوثنية » , 
أبراج معبد دندرة » يعد اثبت أن الخمسة عشر أو عشرين ألف عام الذى إعتقد 
العصر الروماني . ومع ذلك فقد أكتشف من خلال تعمقه فى دراسة العام الفرعونى ' 
عصورا البشرية تتعدى بكثير التواريخ الواردة فى التاريخ التوراتى . لقد جعل منه 
رسم الابراج أحد المدافعيين عن العقيدة الكاثوليكية . إلا أن الاكتشافات التى توصل 
إليها خلال رحلته الإيطالية وعلى وجه الخصوص منذ قرائته لبردية تورينى الملكية 
ستجعله ينُخذ صورة أحد الأقاقين مثل جيوردانو برونو . لم يكن يهمه فى الواقع إثارة 
الفاتيكان ضده ولكن كان من الصعب عليه للغاية أن يسىء إلى بلاكاس الطيب * ... 
فى إنتظاره والتي اشتراها الدوق الاعظم ورأى أن يعهد إليه بمهمة ترتيبها . أول ما 
شد انتباهه فى عاصمة توسكاتيا كان « جوها العام الاقطاعى » ولكن يسرع فيضيف 
« إن الحرية تسكن هذه الأبراج » ويوضح لجاتزيرا فى مرسالته له أنه « عندما وطأت 
قدماه أرض توسكانيا شعرت رئتاه أنه يتنقس هواء حرأ » بل كان فيما كتب لجاك - 
جوريف أكثر وضوحا : « فلورنسا هى المدينة الوحيدة فى إيطاليا التى تتمتع بحرية 
حقيقية وصادقة . إنها فى الواقع اليلد الوحيد الذى تحكمه حكومة ... وهذا فى حد 
ذاته شىء هام ... » 
خيبت مجموعة أثار نيتزولى أماله بعض الشىء على الرغم من أنها احتوت على 
بعض الألواح الجنائزيه . ولكنه تعرف هناك على بعض الشخصيات المفيدة . منها 
الدكتور ريتشى صديق هيى » والذى أحضر معه من مصر - بعد أن مكث بها فثرة 


+ ستزيد رحلته إلى مصر من مثل هذا القلق ( آذظر فصل 1١‏ ) . 


480 


طويلة - مجموعة طبية من الخراطيش * , كما تعرف أيضا على بعض علماء الأثار . 

مثل انجيرامى المتخصص فى تاريخ الاتروسك وميجلياريتى والأب زانوتى . كما أنه 

استقبل بأفضل ما يمكت من الدوق الأعظم ليويواد وهى الذى سيكون له دور 

هام فى مشاريعه المستقيلية . 

لماذا قرر إذن التوجه إلى ليقورن ؟ يقول أن ذلك يرجع إلى : 
« .. أنه كان مشدودا إليها يرائحة مجموعة مصيرية وصلت منذ فترة وكانت تغلقها 
هالة من الغموض نجحت فى إزالته . أصحابها الحاليون - وهم من أصحاب البثوك 
السادة سانتوثى - لم يكونوا يريدون أن يكشفوا عنها لأحد .. إلا أن النطق ياسمى 
کان کافیًا لکی یفتح کل شیء أمامی . إذ اعتقدوا أن مصريا مثلى له اليد الطولى 
على الجميع ٠‏ وبناءا عليه فإن كل ما كان فى ليفورن أخرج من صناديقه « وشاهدت 
مجموعة آثار مصرية رائعة ومنتقاه بعتاية . بعض المومياوات وأعمال برونزية رائعة 
محلذة بأسلاك من الذهب والفضه الكثير منها إرتفاعه قدمان ومشغولة بطريقة نثير 
الاعجاب . توجد بها كذلك تماثيل صغيرة من الذهب الخالص تنفيذها جاء بأروع ما 
يمكن تصوره » وكمية ضخمة من أدوات العمل وطبلة ضخمة كاملة وآلة هارب 
وأخيرا أجمل اليرديات الجنائزية التى شاهدتها فى حياتى . كما تضم المجموعة 
أيضا حوالى عشرين بردية أغريقية متباينة الأطوال وبعض الاشياء الغربية . جميع 
هذه الكنوز ان تثير دهشتك إذا ما علمت أن هذه المجموعة ليست سوى مجموعة 
مسيو سولت قتصل إنجلترا فى مصر إلا أن هذا يعتبر من الاسرار ومن المفروض 
ألا أعرفه أنا شخصيا . هذه المجموعة وهى أجمل من مجموعة دروفيتى ( فيما عدا 
التماثيل الضخمة التى تنقص هنا ) معروضة للبيع ويمكن أن تحظى بها الحكومة 


مقايل Vo,‏ فرنك وهذه تعتبر صفقة من ذهب سيكون من المضحك ومن 
المخجل أيضا أن تضيع CE‏ 
ها هى قد إنطلق فى إحدى هذه المعارك التي د يعشق إثارتها كمحارب لا يكل . 


ألم يكن من الأفضل له أن يركذ فكره فى أعماله اله العملية . مدعما أياهاً يبعض 
الإسشارات والأقتراحات يقدمها للسلطة ؟ أبدا !! إذ يتحتم عليه أن يشارك فى 
الصدام وإن ما« يستنشقه » لم يكن فقط د رائحة مجموعة أثاى » وإنما رائحة المعركة + 


481 


وی !؟ لقد حرم جومار باريس من مجموعة ؟ إذن ستلقى بين أقدامه باخرى 
بحماس تزيد من تاججه الاشاعه السارية الأن بأن إدارة أول متحف مصرى للآثار فى 
باریس سيناط بها إليه هو أى جان فرانسوا ! ألسيت هذه هى الفرصة لأن 
« نستقر نهائيا » ويطريقة ملائمة ونقطع فى ذات الوقت الطريق على جومار الذى لا 
يحتمل ؟ لم يكن إذن زائر ليفورن عالم مصريات فى حالة نشوة طاغية إنما هى أيضا 
من البدى الرحل الذى يبحث عن مكان ينتمى إليه كما أنه أحد أعضاء العالم الباريسى 
المغلق على أصحايه . مجموعة سولت يهرته تمامًا إلا أن الولع الايجييوالوجى ترك 
المجال أولاً أمام حمى الإحساس الوطنى : كتب إلى فيجاك : 
« أكرر آن الثمن بحس ويهم الشرف الفرنسى الا يترك ثمرة مجهودات مضنية 
لأحد « من الجودام » * تتسرب من أيدينا وهى لا يريد بداقع من الاحساس الوطنى أن 
يذكر إسمه لأنه متشوق إيضا إلى وضع يده على أموال القروج: ** 
إذن وبكل وضوح فإن فكرة رياسته لمتحف مصرى فى اللوفر 3 تروق له أكثر فأكثر 
خاصة وأن عملية ليقورن أصبحت مرتبط بتعيينه : لأن حيازة مجموعة ضخمة تضم 
قطعًا كثيرة مطلوب التعرف عليها وترتيبها تبرر وحدها تفضيله على جومار هذا 
الخاسر الأبدى .. وهو يذكر أخاه بأن « تشجيعا مدويا يسرى فى أوريا كلها لتأييده » 
وأن أسمه يملا الصحف الايطالية وقد جاء فيها ذكر وصول a‏ الخاصة 
بمجموعة سولت إلى ميناء ليفورن.ومن الممكن إذا ما عقدت الصفقة أن تتوجه على 
الفور إلى فرنسا . إن صديقنا الفيجاكى يصر ويضغط بل ويلهث ؛ يالها من حمى : 
لدى عودته إلى تورينو بعد ذلك بثلاثة أسابيع ظل قلقًا لعدم وصول الرد ٠‏ لذلك 
تراه « وقد فقد سيطرته على نفسه » يكيل التهم للنظام الملكى . 
« إنها صفقه ضداعت إلى الأبد وكلمة أقتصاد لها وقع طيب عندما تصدر من أفواه 
قوم يلقون بالملايين عندما يتعاق الامر بإحدى العمليات الغبية أو بإرضاء 
غرور ما. 


+ منذ أطلقت هذه المي علی الاتجليز فى عصر جان دارك وهى لاحقه بالانجليز لدی الفرنسيين ( واجع 
Hk‏ الصقادع الفرقسية . 


482 


[ واضحة وهى لإحتفالات التتويج المكلفة ] [ .... ] هذه هى الأمور التى تدفع أكثر 
الرجال أصراراً وهى يعمل بحسن نية ى بصدق طوية أن يرمى بادواته ويترك الساحة 
[ .... ] رسائل الإخوة سانتوني تلاحقنى وليس لى من رد عليها . أسرع بإرسال 
رفض نهائى وساقوم بدورى بإحاطة المختصين علماً به حتى لا أفكر فى ذلك بعد 
الآن إذ أنى سامرض من شدة الشعور بالمضايقة ومن خجلى من حكوهتى التى تجد 
أن مجموعة أثار رائعة مكلفة للقاية علما بأن ثمنها هو 55١... ٠.‏ قرنك فى الوقت 
الذى تنفق فيه الحكومة الأنجليزية ٠٠١,٠٠١‏ فرتك لكى تنقل أثرا مصريا وأحدا ga‏ 
مسلة الاسكندرية . وسيظل هؤلاء الناس يتحدثون عن حب العلوم والمجد والريادة 
الوطنية ! ثم إننى لا أعول كثيرا على وظيفة المتحف لأن ذلك يعتبر منطقيا باكثر مما 

يمر شهر أخر ويظل الوزير صامتا وعليه ينفجر المكتشف فى 7؟ أكتوير : 

« هاهى صفقة ضائعة أى على الأقل هى فى مهب الريح لقد أديت دورا ضعيفا 
للغاية فى نظر آل سانتونى لأنهم عندما ضغطوا على لكى أشرح موقفى كتبت لهم 
فى ردى أنى ساصل إلى ليقورن فى تهاية هذا الشهر . أرى انى ساضطر ان أكتب 
لهم ألا يعتمدوا على حدوث أى شئ وقد حررتهم من أى التزام مؤقت » » بل إثئى لن 
أشعر يأى غضب لوحدث خلال فتر ترة المماطلات الباريسية أن عقد الدوق الأعظم أو 
أى بلاط آخر الصفقة تحت أعينتا . إننا ذ نستحق ذاك وأتضرع إلى الله أن يحدث 
ذلك , » 

م حان الوق اکى à‏ نختتم هذه االرحلة الإيطالية مهما كانت مشمرة PDE‏ 
à‏ كثى زوج صالح عائد من الخارج » أشاعت إبثتة زوريد بيد فى نفسه البهجة TE‏ 
لجاتزيرا : 

« ى ام يكن لى شرف أن أكون والدها لقلت لك أنها أجمل أطفال الدوفينيه ولحسن 
حظ الجنس النسائى اتها لاتكاد تشبهنى . فقط عيناها السودايين احتفظا بكل 
اليريق الذى كانت يعض السيدات تتكرمن على فى شبابى يان تكتشفنه فى عينى 
اليمنى * وكان ذلك يشعرنى بشئ من الفخر ٠‏ 

هل إنتهت إيطاليا؟ فينيتق تى إيطاليا ؟ . كلا ! . وكاذ ! . ففی أوائل شهر يناير 





» سبق أن ذكرنا علة الحول التى كان يشكى عنها والتى لا يظهرها راسمو صورتة . 


483 


٥‏ سافر فيجاك على عجل إلى باريس لكى يفشل مؤامرة كان سيخرج منها جومار 
منتصراً ومديراً للمتحف المصرى . من باريس أحاط فيجاك أخاه يأن الدوق دو دودى 
شيل ..وزير البلاط الملكى كان وعلى وشك أن ينتزع من الملك قرار مزدوجا بشراء 
مجموعة ليقورن وبتعيين جان فرانسوا فى اللوقرء فيعلن هذا الأخير أثه على استعداد 
لأن يسافر على الفور إذا ما تسلم ورقة رسمية تحدد له مهمته وسيقفز نحى الألب على 
الرغم من بلوغ الشتاء ذروته مما يجعل « مونت سيئيس رائعا » ولكن بما أنه يتشكك 
فى « مقدراته » فى الأعمال التجارية فهى يطالب بالتعليمات الأكثر تفصيلا وشمولا 
لجميع الإحتمالات الممكنه كم يقول محددا ويذكاء : 
2 ........ مادامت ميزانية ۱۸۲١‏ فى طور الاعداد فان الوقت الأن مناسب لاتخاذ 
قرار بانشاء الوظيفه المطلوية فى المتحف * كم سيكون . رائعا بالنسبة لى عندما 
أصل إلى ليقورن وأنا أمام المجموعة أن اعتبر تفسى عقيداً على رأس كتييته » . 
إلا أنه لا يمنع نفسه من الإضافة : 
« إن فشل مذكرات جومار شئ طريف [ ..... ]| إنى مقتنع بانه بصراخحه يخفى أنه 
عدل بنفسه عن نشر أوراقه لتاكده من تفاهتها إلا أنه أراد أن يضفى على نفسه 
يريق الضحية ٠.‏ لكى يبرن هذا الالغاء من ناحيته » . 
طيب القلب جدا صديقنا المشاغب هذا ... 
هنا يستلم كوستانزى جاتزيرا مايشبة بلاغ النصر على الطريقة البونابارتية : 
« الملك - بناءاً على تقريرى الذى قدمه له وزير البلاط - قرر الموافقة النهائية على 
حيازة مجموعة ليقورئ - ويالتالى تكون الصفقة قد تمت ولا يوجد إذن شك فى انكم 
سترونى مرة أخرى قى تورينى حيث أنوئ دخولها دخول المنتصر » . 
إنه لا يقدر على الصبر أيتها الآلهة العظيمة على العودة إلى ليقورن للقاء كتيبته 
حملته الثانية على إيطاليا والتى ستؤثر فى مجال العاطفة فى حياتة تأثيرا عميقا 
للغاية : « إنى أشبه السمكه الحية وهى وسط المقلى وأنا فى هذه الحالة من الترقب » . 


» كمدير أو محافظ 


484 


14- أنجيليكا - عراقة توسكانا 


يوم يحدد مسار حياة ... «خشية ان يكون آثير ... » - أسميك زلير - « بل DST‏ 
من إهجاب » سليمان وكاتارينا و كورين ؟ - بريام واليونانية - إنى مغازل حذق - » 
فى إنه لن القسوة أن .... » - سهم الأوريوس - جبهة « اقاقين باريس » - نصر 
مزدوج - إيبوايتو روسيلينى والدوق الكبير ومصر . 


يوم ۲ إبريل 1857 كان بالنسبة لشامبوليون وطبقا لتعبيره هى« يوم من تلك 
الأيام التى تحدد مسار حياة باكملها » . أنه يوم لقاءه مع المراة التى يبدى وأنها أكثر 
من أحب فى حياته - يدون أن تيادله هى ذلك . | | 

حب أجدب لم يكتمل , وإذلك ظل يخفق أبداً . حب من العقل » حزين ؛ فصيح 
يسبب تمنعها ٠١‏ نواج فى جوهره ؛ هى نسيج من العتاب من ناحية » يؤججه الانتصار 
وتطرق معدنه تحدياتها . هى مزيج من لعوب » نظراتها من نار » « وعالة *» ناعمة 
الأيدى » أى آنها بالنسية له نقمة من النعم . 
جانب واحد وهی خطابات الحبيب المحبط ... بورتريه ذاتى مرسوم بخط وراء الأخر - 
للمكتشف وهى يبحث عن الحب وهى على أيواب مرحلة الكهولة المبكرة التى ستقوده 
بعد قليل إلى الموت . | 

فى ذلك اليوم انعقدت إذن الأكاديمية الليقورنية التى ضمت إليها بالانتخاب قبل 
شهر واحد جان فرانسوا كعضى منتسب وهى يحضر جلساتها لأرل مرة . خطبة 
الأستقبال قرأها سكرتير الجلسة . وإذ هم المتلقى بالرد على خطبة الترحيب به إندفعت 
واقفة أمام مجلسه امرأة شابة نظراتها شرار وحركاتها آمرة وصوتها محمل 
بالعواطف وأنشدت هذه الأبيات المؤثرة . 


التى حجبت على ضفة النيل 





* كذا فى النص الفرنسى ( المترجم ) 


485 


أنوار المعرفة الحية 
الذى يخفى أصل منبعه ... 
من الالحاد ومن ثراها 
ومن هذه المعايد التى على الأرض تناثرت 
هاهى صوت يعلى ويرتفع 
ليفشى كافة الأسرار 
لم تكن لغة مصر وحدها 
التى احتوتها الخللمات 
إذ هاهوالاتروسك الغريب يتاديك .. 
أصبح جان قرانسوا الأن فى الخامسة والثلاثين نعرفه جياش الشعور ولكنة أيضا 
وللغراية وحيد 8 ولا نعود ذلك إلى أن الأصدقاء تادرون ۰ فبالإضافة لصداقة أخيه جاك 
- جوزيف الموجهة والغيورة -- والوفاء الذى يكنه له تيقونيه وأرتى وأخى زوجته أندريه 
بلان ويخلاف رعاية داسييه ويلاكاس فان التعطش للحنان الذى ينهشه لم يتوقف 
طوال سنى بحثه الطويلة diag‏ أن إنتهت علاقته بلويز قبل ذاك بخمسة عشر عاما 
وقع فى حب بعض النساء - أو واحدة على الأقل فى فيجاك - فى هذا المجال يعتبر 
زواجه فشلا : سنرى قريبا جداً ماكتبه عنه . إنه فى حالة إحتياج ملح لجرعة من العواطف 
إنه إنسان متحمس ومتأجج العواطف» دمه ساخن منفعل . هذا « الاعرايى » 
الشخصى مناسب لحالات الحب الجارف فان هذا الرجل الذى يلتهمه حب الجمال 
ترهقه الرغية وتؤثر في معنوياته المؤامرات . وهذا الذى غامر بل ذهب بحياته العملية 
إلى الأعماق ليبقى وفيا لمعتقداته السياسية وهو الذى عبر الحياة العامة مما عير 
اليهود البحر الأحمر سائرا بين تهديدين ٠‏ فهى ثورى بالشخصية وجاكوبى بالقلب بقى 
طول حياته ذلك الشاب الذى صرخ فى وجه الأعيان وهو يرتدى رداء جامعة جرونويل 
الوليدة الأصفر » أن دور المؤرخ ليس الترتيل بماثر المنتصر علما بأثة لم يكن قد مضى 
عام واحد على إنتصار نابليون فى فاجرام ‘ 


486 


ها هى يستمع في دهشة بالغة للمناشدة الشعرية له من تلك السيدة ذات العيون البراقة 
وصوتها صوت عرافة معبد دلفى بأن يكرس إهتمامة الآن - بعد أن أفشى أسرار 
النيل وهزم الالغاز المصرية . على القضية الاتروسكية - أى أنها تطالبه فى ذات 
الوقت بتنمية الأيحاث حول الأسرار الدانية له هنا فى إيطاليا ويالدفاع عن قضية 
الوحدة الإيطالية : ها هى اتروسكا تناديك . ولانها من أصل يونانى . عن تحرير بلدها 
... كانت جلسة أكاديمية شديدة الغرابة كقيلة بهز مشاعر أكثر من شخص واحد 
محصن ضد الأنفعالات القوية . يجميع أشكالها باقضل مما هو الحال بالفسبة 
كتب بعد ذلك بخمسة أيام لجاك جوزيق ( الذى قطب جينه وهى يقرا هذه 
الجمل) : 
« دخلت أكاديمية ليقورن فى الثانى من ابريل - وهى يوم الجلسات العلنية - وإنتهت 
الجلسة بخطبة تمجيد على شرفى ألقتها سيدة شاية يونانية السينيورا انجيليكا 
باللى - إبنة أحد كبار تجار ليقورن اشتهرت بخطبها الإرتجالية - إذ القت بشاعرية 
من نار قصيدة على شرفى ولجدى .... وإتى أتركك تخمن إذا كانت الكاهنة الشابة 
الرائعة الجمال قد إستحقت درجة المائة من مائة في أعين بطلها . إتها عضو فى 
الأكاديمية ؛ ان ذلك ايعد سابقة لعلها تحث مسيى داسييه على فتح أبواب الفصل 
الثالث * أمام ثلاث أو أريع عضوات من هذا الجنس( الناعم) لا بد وأنهن سيعطون 
بعض الرونق لهذه الهيئة الجادة فى تزمت وهى أقل ما يمكن أن يقال » . 
إن السخرية من« الجنس » توضح درحة إنقعاله . ولكن القول واضح فيما يتعلق 
« بالكاهنة » التى هى « رائعة الجمال » على الرغم من أن التعيير يبدى باهتا بالنسبة 
للموصوفة إن كانت من الملهمات الاتى يتفوهن بتنبؤات الألهة .. نسجل هنا حقيقة حتى 
لا نعود اليها مرة أخرى - وهى أن هذه « المرتجلة المشهورة » كانت تعتنى جدأ 
باندفاعاتها الارتجالية ‏ إذ أن نص قصيدتها « المرتجلة » اكتشف ** محرراً بخط 
يدها فى أرشيف أسرتها ولكن من الممګن أيضا أن يكون أحدهم قد حقظه وسجله 
على الورق بعد ذلك بثلاثه أسابيع . لم يذكر « الجنس » فى الخطاب الذى أرسله 
لصديقه الأب جاتزيرا. هناك عين ترنى ‏ والنظرة أخذت طريقها إلى أعماقه . لقد رأها 
مرة أخرى » اضطرب من قوة تأثيرها فحاول أن يقاوم : 
» الفصل الثالث هى قسم « ا مخطوطات والأداب institut sav ae‏ 
»» اكتشفته مدام إبريشياتى 


487 


«..... كان حفل الاحتقاء بى شاملاً و خلال جلسة عامة للأكاديمية الليقورينه ... 
تفضلت على سيدة شابة جميلة جداً تقرض الشعر وهى من أكبر العائلات اليوتانية 
فى ليقورن بارتجال قصيدة على شرفى واستدعتنى من خبرتى بمصر ومعرفتى يها 
لألقى الضوء على الأثار الاتروسكية . لعلك تتصور مدى تأثرى بتلك التحية وهى 
تصلنى من مثل هذه الشفاه الجميلة . إنها أرق مكافآة حصلت عليها مقابل إعتنائى 
بالتراث المصرى لمدة خمسه عشر عاماً . 
السنيورا انجيليكا ياللى مثقفه جدأورقيقة للغاية ولابد أنك سمعت عنها إلا إذا كنتم 
من البرايره * أما أنا فإنى اشكر الاله أمون - رع لانه عرقئى عليها وانه جعلنى 
أحظى برضاها إلا انى لا أفسى أن المومياوات لها حقوقها على الرقم من صمتها , 
ولذلك فانى أبقى معها اطول الفترات الممكنة ولا أرى الكاهنة الجميلة سوى نادراً 
خوفاً من أن «آثير» تتدخل فيتحول تعبيرى عن عرفانى بالجميل إلى شئ أخر...» 
» أثير» هى حاتحور التى هى الهة الحب متجسدة فى صورة بقرة sus‏ إنه إذن 
داخل الفخ . وفى حالة من الحماس جعلته يهدد جاتزيرا - البيمونتى بأن بعتبره 
بريريا إن هو لم يعرف انجيليكا التوسكانيه ..“إنهم هكذا معشر العشاق لا يطيقون أن 
يكون الذى يعجيون به » مجهولا . يستطيع ما أمكنه أن يباعد من لقائاته « بالكاهنة 
الجميلة » وأن يضم المومياوات ت dis Gin‏ . إلا أن انجيليكا - هية أمون - رع السخى 
- قد دخلت dla‏ عن طريق نوع من المديح يخصص عادة للأموات 


انچيليكا باللى عمرها ثمانية وعشرون عاماً . عائلتها ذات الأصول اليونانية 
أقامت منذ قرن كامل فى ليقورن وهو المينا ء التوسكانى القريب جداً من مدينة بيزا 
والذى نما كثيرا Ji‏ ذ نهابة القرن السايق بمبادرة من بوثايارت . الميئاء القديم الذى 
عززه آل ميدتشى فى القرن السادس عشر والذى يضفى القصر البحرى ؛ المطل عليه 
المبنى بالطوب الأحمر , شيئامن الجمال على هذه الضاحية البحرية لبيزا ولوقا » كان 
حيتذاك فى كامل إزدهاره : عائلة باللى عائله ثرية ومقيمة فى قصر إحدى أقدم عائلات 
المدينة وهى عائله بارتولومى ** والذى يعتبر صالونها أحد مراكزها الثقافية ومن قال 
ثقافة فى إيطاليا فى ذلك الوقت قال سياسة . کانت انچيليكا فى تلك الحقبة الزمنية 
تعتبر مايشبه لمتحدث الرسمى للحركة للوطنية الإيطالية مثل ديوداتا دى سالوتزى فى 
توريتى . ولا كانت عضو! فى أكاديمية ليقورن فكثيرا ما كانت تقف فوق مقعدها وتلقى 
بالتداءات والمدائح والأدانات والقصائد الحماسية سواء عن الاتروريا أى توسكانيا , 
عن إيطاليا أو اليونان « عن الحرية أو الوحعدة وسموقف 


* البيمونتيون من وجهة النظر التوسكانية 
انچلیکا ستتزوج فيما بعد جان - باواويارتواوميى 


488 


ترتبط بعد ذلك ذلك يماتزينى : كانت كاهنة فتره ماقيل البعث الإيطالى وكانت قصائدها 
« المرتجلة » توقد حماس « إيطاليا الفتاة » وقد جعلت بطلها هى هذا البايرون الذى 
الهمتها وفاته قصيدة ها حرارة مما هو الحال بالنسبة لترجماتها لشيكسبير ومن 
بعده فيكتور هى جو . 
هل عرفت هذه الأديية المجد بفضل أنوثتها الطاغية ؟ لاشى يؤكد ذاك فمن حق 
أى انسان أن يفضل شاعر أآخر على لامارتين أو ماتزونى . إلا أن هذين الأديبين 
الكبيرين منحا رهايتهما ( ولو لفتره قصيرة ) لانجيليكا باللى - الثانى وصفها باتها 
منتقاه من السماء . وساقى العصر الحديث . أما الأول ققد رد على قصيدة لها 
ارتجلتها أمامه عندما كان سكرتيراً ديلوماسيا فى سفارة فرنسا فى فلورنسا عن 
» الآم سافى » يهذه الأبيات : « عندما استمع .. الأبيات تصقين فيها 
ذفرات ساقو الحئونة والامها 
باأنستى الشابة وصاحبة المعرفة 
ایکی وأقول لماذا لم تحظ الأغريقية الجميلة 
بثقافتك أنت وشاعرك » 
قد يقول أحدهم لاحاجه لأن يكون المرء شاعراً كلامارتين ليعبر عن نقسه بمثل 
هذه الأشعار السطحية . ولكن صاحب « التأملات » كان يتمتع فى ذلك الوقت بشهرة 
هائلة وعندما ذكرت انجيليكا لشامبوليون اعجاب لامارتين باعمالها فقد صفق لها لانها 
نجحت فى الحصول على تقديرلامارتين علما بانه كان يمقت شخصيته . 
القلوب قبل قلب شامبوليون أيضا . 
ويقال أنها فسخت خطويتها فى إحدى المرات بسبب رقصة طلبها خطيبها من 
غريمة لها . 
انجيلدكا ساريه PL Ja te‏ ل يعرف أحد كم سرة اللقيا ول لأ 


وذ م م 


فترات ولا حتى - ماهى طبيعة هذه اللقاءات . يعتقد أنه لم يحدث بينهما سوى 


489 


تبادل للكلمات لان مراسلاتهماخالية من si‏ أشارة لأى شئ آخر - ولكن من المعروف 
أن العائلات تأخذ على عاتقها « الاعتناء » بت بتنقية المراسلات من أى شئ غير « متلائم » 
من تاحية عائلة شامبوليون كان الشرف هو المصان . المسئول الأول عن اكتشاف هذه 
المراسلات أحادية الجانب هو استورية بلليجرينى - الذى أكد أن المكتشف لم يتعد قط 
حلوك الواجب والشرف ۰ - 

تيقى من هذه الصفحة من الحياة العاطفية لصاحب «اليانيتون » شهادة جميلة 
عليها : متمظة فى الثلاثين خطابا * الذى أرسلها جان قرانسوا من 14 سبتمير ١85“‏ 
إلى ۲۷ دیسمبر ۱۸۲۹ تأريخ عودته من مصر - إلى انجيليكا . نشرتهم وقدمت لهم 
بعناية وذكاء عالمة المصريات الايطالية إدا بريشيانى من جامعة Le‏ وهی ليست 
بيانات إنتصار العاشق بل هى تكاد تكون وصفا لحب معلق وهى تعتبر على أكثر 
تقدير احدى أفضل المراياالعاكسة لروح وقلب ومزاج مؤسس علم المصريات . هى ٠:‏ 
نصوص مؤثرة دائما بل مفجعة فى أوقات كثيرة وجميلة للغاية أحيانا ؛ تتردد 7 
أصداء رومانسية قبل ظهور التيار الرومانتيكى لما جاء فى هيلويز الجديدة « لجان - 
جاك روسو » وشي معاصرة لرواية أدولف «لبانچامان كونستان » وإذا كان شاميوليون 
ككاتب مراسلات تعوزه الرشاقه فى كثير من الأحيان إلا انه بت يتمتع بطلاقة التعبير 
وجاللمسات المعبرة ويعرف كيف يسمى أحيانا إلى مستوى الأسلوب الت المتمين , 

الخطابات موجهة إلى « زلير » وأطلق على نفسه إسم « زيد » . لقد عهدئا فيه 
كثيرا اللجوء إلى الأسماء الشرقية فهو يوقم باسم « صغير » ويعمل على أن يكرن 
الإسم الذى يطلقة أخوه على مولوده الأول هو «علی» . كما أنه يسمى على مولودته 
الوحيدة «زوراييد» . المدهش هى أن انجيليكا أيضا إنساقت معه فى اللعبة علما ياثها 
تؤكد كثيرا على جانبها اليوذانى وهی كانت بالتالى مناهضة لكل ما يمكن أن يذكرها 
بتركيا . ولكنها وافقت على مسايرته واستمرت المراسلات بينهما سرية وكان كلا 
الطرفين يرسل خطاباته إلى عنوان طرف ثالث : بالنسبة لجان فرائسوا كانت 
الخطابات ترسل لعنايةصديقين له الأول هو ج - ج دويوا ( سبق لذا معرفته ) 
والآخر هو أته لوت ( سنتعرف عليه فيما بعد ) وبالنسبة للطرف الآخر أى انجيليكا 
فقد كانت الخطابات ترسل لعناية لورينزى كاليجارى ولورينزى قيولى . 





k‏ نشو هنها تسعة و عشرون 
ا« رسائل إلى زيلمير » الأسيانيك , باريس ١51/4‏ 


490 


أول خطابات « زيد » مؤرخ ١1‏ سبتمبر ۱۸١١‏ وهو يعطى فكرة وأضحة عن 
اللهجة السائدة فى المراسلات وفيها يكشف تماما عن ذاته الدامية منذ البداية . 
« اصرارى على العودة إلى ليقررن * نيع فقط من الأمل الجميل الذى راودنى بأن 
أتذوق متعة رؤيتك وسماع صونك بضعة ايام ولكن فضلت أن أعدل عن ذلك بعد أن 
وضح أن لقائى المفروض على زيلمير و وجودى سيسبب لها الأما ومضايقات , 
يتحتم على إذن أن أوفر عليها التعرض لذلك [ .......] أسوعت إذن بالرحيل [ .... ] 
ردود الفعل القليلة وقصر فترات لقائاتنا التى لا يمكن أن تطول اظروف مفروضة 
علينا لم تسمح « لزيد » يأن دكشف لك على مكئونات قليه .. » 
لنتوقف لحظة عند الجملة الأولى : هل إختيار جان فرانسوا التوقف فى ليقورن 
يرجع « فقط » لانه يريد رؤية « الكاهنه » ؟ من نابولى حيث كان يقيم إلى وطنه عن 
طريق البحر كان التوقف فى روما ممنوعا بسبب تفشى وياءالطاعون ولذلك فان التوقف 
فى ليقورن كان هو الحل الأمثل ولكن يجب أن نقر أن إختيار هذا الطريق يدين كثيرا 
إلى التشوق لرؤيه انجيليكا مره أخرى . 
إن ما يثير الدهشة فى النص التالى هى أنه رقض أن يتكلم عن الظروف الغريبة 
جداً التى واكبت رحلته وهى الكفيلة باثارة خيال محبوبتة الشاعرة . شاتويريان مثلا - 
لم يكن ليغفل عن سرد ما حدث له وسط العاصفة التى صادفتة وهو مبحرا وسط 
اللاسيوم إلى بولين أو ناتالى وهى العاصفة التى دفعت مركبا باسرع من السهم وسط 
امواج زاجرة مثل الحيوانات المفترسة . كان مشهدا جميلا يقدر ماكان مرعبا » ولكن 
بدلا من انچیلیکا التی کانت ستتاثر لها فان چان فرانسوا خص أخاه برواية ما حدث 
له فى هذه الساعات المثيرة للقلق . كما أنه خصه هى إيضا بوصف أحداث جرت أثناء 
أحد توقفاته فى رحلته وهى كانت ستسعد بالتاكيد كاهنة الاتروسك . | 
« تحولت الرياح الشديدة - لصالحنا ومعها ظهر بعض الضوء أثار لنا الدنيا فوجدتا 
أنفسنا بين جزيزة إلبا وبيومبينى [ ... ] فأطن الربان أننا مضطرون إلى العروج 
على أى ميناء صغير [.... ] ولحمسن حظى كانت مدينه يولونيا عند مدى 


٭ عاد إليها قيل يومين وأعضى بها أريعة أيام ققط - يبدى أن زيارتة لم تلقى ترحيبا . 


491 


البصر وطالبت وحصلت على قرار بتفضيل هذه المدينة الاتروسكية الهامة وإضطرنا 
المكوث بميناء يويواونيا المهجورة لمدة يومين حتى مرت العاصفة . ولكن كان من 
أسباب سعادتي أن أسير فوق شاطئ مغطى ببقايا مبان أتروسكية ومقابر قديمة 
تؤخذ منها يوفياأوانى وأشياء أخرى تعود إلى القرون الإيطالية القديمة . 
تسلقت الجبل الذى تقع على قمته المديتة الاتروسكية القديمة ... وأخيراً بعد أن عاد 
البحر إلى حالة تسمح بالخوض فيه , إحتجنا لثمانية عشر ساعة من الأبحار حتى 
وصلنا إلى ليقورن . وعلمنا لدى وصولنا أن مركبين من روما أغار عليهما 
الجزائريون عند مونت أرجانتال وأخذا منهما الفدية وذلك عشية مرورتا على المكان 
المذكور رأن العاصفة هى التى أبقت عليهم فى عرض البحر ولولا ذلك لكنت تعاملت 
مسبقا مع أفريقيا » . 
هل رأى آحد محباً يتحرق شوقا لفتح قلبه لسيدة لدرجة أن ينسى التأثير عليها 
بهذه الروايات عن القراصنة والبحارة والتى كان بامكان الكسندر دوما أن يكتب عنها 
أكثر من كتاب ؟ ولكن ريما أنه قص عليها ذلك خلال الزيارة التى لم يلق فيها 
الترحيب ؟ . 
لعل مشاعرى فاجاتك ... فهى لا تتوافق لامع وضعى الشخصى ولا مع وضعك * 
وكل شى يامرنا باحترام هذه الأوضاع ولكن هل تنتظر خفقات القلب حتى تأتيها 
الأوامر من العقل ؟ انها تجرنا جراً . واكنها إذا كانت نقية فهى تجد من داخلها على 
الفور القوة التى تحتفظ بها داخل الحدود التى يخطها الشرف والواجب بل والظروف 
الإجتماعية أيضاء هذا هى الشعور الذى أوحيت به إلى ..... » 
نرى إذن أن الموضوع كان شيئا أخر غير الصداقة مثل هذه الاحتجاجات وهذه 
الاحتياطات لم يكن لها أن تتخذ بين « أصدقاء »ولم يكن هناك سيب للكاهنة أن 
« تندهش » أو أن ترى أن شرفها معرض للخطر لو أن « الصداقة » هى التى تريطها 
يرجل غطيم ٠.‏ _ 
بقية هذه الرسالة تعرضنا لها من قبل عند الحديث عن روزين شامبوليون فعندما 
صرح يحبه لانجيليكا رأى جان فرانسوا من واجبه أن يكشف لها عن فشل زواجه . ثم 
بعد أن تكلم عن ذلك رأى أن يخطو خطوة جريئة أخرى : 


« كانت مخطوية لشخص يبدأ إسمه يحرف م وفسخت الخطوية بعد وقت gai‏ . 


492 


« فى اليوم الذى رأيتك قيه لأول مره شدتى إليك إحساس غريب لم أعهده من قبل ... 
ثم عندما تفضلتى بالكلام عن أعمالى غمرنى أقوى شعور عرفته فى حياتى . أنت 
يازلير التى جعلتينى قخورا بما تدين لى به العلوم » ومنك أيضا حصلت علي أكثر 
المكافات إطرائا لى على اللیالی التی سهرتها ... ساکتم فی نفسی کل ما شعر به 
قلبى منذ ذلك اليوم لأنى إذا بحت به ريما أسأت إليك . أنى لا أسير وراء أوهام , 


كل شئ يقف ضدى و أقل شئ يفصل بيتنا [ ....... ) وإذ أودع زلير فاتى 
أرجوها أن تتذكر من وقت لآخر أن رجاذ فى الوجود بعيدا عنها يكن لها أكثر من 
الأعجاب » . 


تكشف لنا رسالة عالم المصريات الثانية تاريخ وظروف اللقاء الوحيد المعلن 
والعلنى جدا مع الشاعرة منذ الجلسة الأكاديمية فى الثانى من إبريل ... ففى ٠١‏ يونيى 
التالى دعاه صديقه الشاب روسيللينى إلى مدينة هيزا بمناسبة عيد القديس رائييرى 
راعى المدينة وهناك التقى بها خلال حفلات اللومينارا وهى إحتفالية تقام كل ثلاث 
سنوات وتجذب جماهير غفيرة للغاية على ضفاف نهر الأرنى وعلى رأسها الدوق الأعظم 
لتوسكانا بل والبايا نفسه فى ذلك العام » وكانت مناسبة للبابا ليون الثانى عشر لكى 
يعبر له علانية عن رعايته له . ولكن هل شعر جان قرانسوا حتى بوجوده ... إن 
انجيليكا كانت هناك ... 
ذكراها كانت قوية لدرجة أنه تكلم عنها ثلاث مرات فى رسائله ففى 1؟ سبتمير 
, 
« فى يوم عيد بيزا الذى ترك فى نفسى ذكريات بلغت درجة من السعادة تجعلها 
منذ ذلك الوقت بالنسبة لى ذكرى مقدسة . قمنذ تلك اللخطه عرفت أن قليى ترك 
نفسه ينصاع دون وعى منه لتيار جرفه دون أن يكون فى ذلك ما يؤذى مشاعرك » 
بما أن لا شئ فى هذا الميل جاء نتيجة لحسابات مسبقة أى لاستخفاف مذتب فهو 
بذلك يكون جديرا بك لسبب واحد فقط لانه يشعر فى حبه لك بكل ما تستحقينه من 
حب واحترام فى ذات الوقت » 


يبدى أنه بعد خمسة عشر يوميا وهى فى البندقية قد فضل الحب على الاحترام :.. 


493 


« أن قلبى يتمرد . كدت وأنا فى بيزا أن أصرح [ .... ]| لم أعد أعيش فى هذه 
| الحياة منذ أن تركتك ..... » . 
أخیراً فی یوتیو ۱۸۲۷ أى عشية الاحتفال بذكرى هذا اللقاء العظيم : 
« تحرمين على الكلام عن ذلك - ليكن . ولكنى حر فى التفكير قيه (....) هذه الذكرى 
السنوية ستبقى دائما عزيزة على نفسى .....» 
فى إمكاننا أن نجد إثيت جديداً على أن ذكرى انجيليكا تلح باصرار عليه وذلك فى 
فقرة وردت فى خطاب كتبه من البندقية أيضاء إلى صديقة ابوايتى روسيللينى 
يخصوص أحد المتخصصين فى الحضارة الاتروسكية . اليروقسور أوريولى : 
« قل له أن يزوج مصر إلي أتروريا أن الاثنين يتوافقان مع يعضهما كنت أشك 
دائما فى أن كليهما تأمرا معأ واعتقد اننا سنتمكن قريبا من أكتشاف مراسلتهما 
السرية كلها . خطاب حب بالهيروغليقية يجيب على أخر بالاتروسكية سيكون شيئا 
مؤثراً لغاية » , 
إذا ذكرنا درجة الحماس التى طالبت يها انجيليكا منه أن يكشف اسرار 
الإتروسك فيمكن أن نقيس على ذلك كم كانت فكرة الزواج المصرى الاتروسكي هذه 
مثيرة بالنسية له . 
ثلاثون رسالة خلال ثلاثين شهرا. لا يمكن أن نذكر. كل شئ على الرغم من أن كل 
غزير الكلام مثل آهل الجنوب ؛ خجول كأهل الريف » يؤمن بالله بدون تعلق بالطقوس 
الدينية » غيور غيرة المحبين إنه يورتريه لرجل مثقف فى فترة الريزنورجيمنتى ( اليعث 
الإيطالى القرن التاسع عشر ) . 
كلإاسيكى الذوق » رومانتيكى المزاج » زوج خاب أمله » أب حنون » ومعلم جيد 
ثورى لانه معجب بالماضى » ديموقراطى دون وهم متمسك بذكريات الجمهورية ويما 
أكثر من ذلك أهمية أى بذكريات التسامح . هو أذن خليط غريب من المراهقة المتآخرة 
والنضج الحزين : فى الصباح هى قى سن فابريس ( يطل رواية الأبيض والأسود 
لستاتدال) وفى المساءالكونت موسكا .... 


494 


خلفية هذه المراسلات تكونها أريعة موضوعات رئيسية : الموضوع الأول والمسيطر 
هی البوح بالحب وه ملتهب لدرجة لايمكن أن تجعل أى زوج « مهما كانت سذاجته أن 
يصدق من بسمية » صداقة » . الموضوع الثانى هو رد الاتهامات الموجبة ضده 
والأحتجاجات علي شخصية جنية الإتروسك وعدم التوافق فى المشاعر بين رجل عاشق 
وإمرأة بدون عواطف ولكنها تستمرئ الاطراءلان أحد اهم الشخصيات التى تتنازعها 
أوروبا كلها قد وقع فى غرامها . والخلفية الثالثة تتلخص فى كلمة واحدة : التربية أى 
تلك التي يقوم بها العاشق الذى حرم من أى وسيلة أخرى نخى السيدة التى كانت 
الأولى فى الأعلان عن نفسها بالاعجاب به . وأخيرا فان آخر مواضيع هذه الخلفية فهو 
الاعترافات الخاصة جداً مثل ذلك الخاص بزواجة الخالى من مشاعر الحب . 
اعترافات ؟ بعد اعترافاتة المفلفة فى بيزا وتلك التى أفلتت منه خلال زيارته 
القصيرة اليقورن فى سيتمير 1451 هاك إعتراف ثالث يعود إلى شهر أكتوير أقربه 
عند عودته الثانية إلى فرنسا ومن شامبيرى بالتحديد: 
« ...يما أنه لم يكن من حظى أن أكون كل شئ بالنسبة لك فانى أود أن أكون على 
الأقل أول صديق لقلبك . هل أنا أطلب بذلك الكثير منك ؛ أنت التى هى كل شئ 


بالنسبة لى (......) تعلمث كيف اسيطر على التعبير عن مشاعرى . قلبى هو 
المسيطر ولايمكن لى أن أكبله بسلاسل » 
فى الأول من مارس ۱۸۲۷ كتب من باريس وذلك بعد عرض علمى مطول سنعود 
إليه فيما بعد : 


« تأكدى ياصديقتى أننى ملكك باكثر مما يمكن أن أقوله لماذا لاتتاح لى فرصة أن 
أثنت ذلك كما يود قلبى أن أفعل . أنى لا أريد شيئا أخر من العالم الذى خدعنى 
باقسى ما يمكن حتى الآن » سوى أن إقتناعك بانى إلى الأبد صديقك الوفى بكل 
المعانى التى يمكن لقلبك وقلبى أن يمنحاها لهذه الكلمة فتهدأً بالتدريج الأحزان التى 
تنهيشك وتنسين ما فقدتيه وتعيد تصالحك مع الحياة التى عصفت بها أيامك الأولى 
بتلك الاعاصير الرهيبة . أود أن أكون الرباط الذى يشدك إلى الوجود . أما بالنسبة 
لى فلا أريد شيئا إلا إذا وجدت داخلك هذه العاطفة الحية التى جعلها القدر أولى 
احتياجات روحى ٠‏ الوداع eos‏ 


ثم بعد بضعة أيام ومن باريس أيضا نراه وقد سما إلى مستويات تشبه الإجلال 


495 


« ...أحبك بصدق عظيم لا يسمح لى أن أشعر بالغيرة من تعلق كل من 
يعرفك بك ومن كل من يقدرونك . إنى أقدر تماما الشقاء الذى يسببه اك 
وضعك لدرجة أنى اود بحق أن تجدى حولك أشخاصا يمكنهم أن يملئوا 
قلبك كله .. حتى لو ادى ذلك إلى أنك لاتفكرين فى شخص سوى على 
أنى رؤية عايرة تمر للحظة على مخيلتك فى أوقات الألم لك 
وفى الثاني من أبريل يرسل الى سيدة ليقورن بمايشبه أغنية حب : 
«.... مر اليوم عام كامل على لقائنا الأول فى نفس هذه اللحظة التي أعيشها . هل 
كان بإمكانى أن اتنب وأنا أحضس آحدى جلسات الاكاديمية أى إحدى هذه 
الاجتماعات التى عرف عنهابحق وسط العامة أنها من أكثر الاجتماعات مدعاة 
للضجر العلنى , أنى سالتقى فيها انسانة ستحتل كل هذا المكان داخل قلبى فى 
المستقيل ؟ نعم سيق أن كلمونى عنك ولكن بشكل عابر جداً على الرغم من أنه 
يستحيل على الأن أن أصدق أن يكون اسمك قد ذكر أمامى دون أن يثير ذلك 
اهتمامى ومشاعرى ٠‏ الا أن عزيزة القلب التى يطلق عليها الأقدمون اسم الشيطان 
الطيب انتفضت من ثياتها الطويل فشدتنى إليك منذ تلك اللحظة . تعلق نظلرى بك 
إلى الأيد كنت أقرأ فى محياك كل ماكنت أود وجودة . فى الوقت ذاتة كان الشيطان 
يكون رأيه عن حساسيتك وشخصيتك وعن ألامكانات النشطة لنفسك المحبة . هل من 
جظى أنا أن تخميناته كانت فى محلها ؟ إنه لا شك شيطانك أنت ( لن أقرر إن كان 
طييا أم شريرا ) الذى دفعك إلى الحديث عن هيروغليفياتى .. 
عشية ذاك اليوم لم أكن أتعلق بائ شئ فى هذا العالم الكثيب . كانت أحلامى في 
السعادة مدفونة في أعماق قلبى ترزح تحت أثقال التجارب المخدوعة التى عرقها 
شبابى كله [ .... ] وكانت قى سبيلها إلى [ ... ] الزوال التام [....] لم أكن أرى 
شیئا حولى (....) لم أكن أعيش بل أنى لا أسمى حياه العادة التى أكتسبتها فى 
التركيز بكل ما أوتيت من امكانات على دراسة واحدة فضلتها لانها كانت تستهوينى 
تماما وتجعلئى أنسى وجودی ذاته . عرفتك فتغیر کل شئ » . 
هاهى متدقع عاشقنا alle‏ اللقويات! إلا أن السعادة لن تطول إذ أن من أحب لم 
يستحجب له.. لم يكن فى الأمكان أن نطلع على خطابات انجليكا. إلان ماينقلة عنها جان 


496 


فرانسوا لكى يحسن الرد عليها - وعلى الرغم من إقتضابه - فهو يكشف عن خبثها 
الغريب . فلكى « تبرئ» نفسها من «لا --حيها » له -- أى لكى تبتعد عن حب كله مخاطر 
- فان الشاعرة تفننت فى أن تطلق على الرجل العظيم سهاما وتلميحات تختلط فيها 
الشكوك والغيرة وتحقير اللعوب للمحب ثقيل الحركة . غيرة الإنسانة الطموحة من الذى 
سبقها على سلالم المجد وهسى قليل من سيليمان * وشئ من کاترارینامن نمرة 
( شیکسبیر ) وقلیل من جیرمان دوستال ** . | 

عدة اشارات ذكرها جان فرانسوا توحى بأن انجيليكا كانت محاطة باسرة كثيرة 
المشاحنات تحركها الغيرة وتريد أن تراها زوجة لأحد أقراد أسرة بارولومى أو أى 
شخصية أخرى من الأسر الكبيرة حتى تؤمن تتويج عشيرة باللى داخل المجتمع 
التوسكانى . الجميع يراقبها ويجبرها ويمدحها ويحذرها أى يتحداها : أسرة من أسر 
المسرحيات الكوميدية بالفعل . فجأة يظهر فى هذه المسرحية الجديرة بمسرحيات 
جوتزى - عالم مستهلك يتكلم الإيطالية دون طلاقة ويدا كرشه يتكون ويكبر ؛ فصاحته 
زائدة بعض الشئ ريما لتغطى على خجله مع شئ من التحذلق ... وعلاوة على ذلك فهو 
متزوج . لاشئ يمكن إنتظارة منه سوى بعض مظاهر المجد لسهرات أيام الجمعه 
والكثير من الحرج لصاحبة السعادة » ومع ذلك وعلى الرغم من مضايقات القبيلة فان 
الراجاتزا ( الأنسه ) دفعت الأمور قليلا إلى الأمام لا شىء أكثر من نقرات بالمنقار أو 
جروح بالأظافر أو لدغات حيات أو طفرة من طفرات اللافا إغريقية . أمام هذا 
الجيروت لا داعى للاندهاش إذا كان شامبوليون الصغير اعتبر نفسه فى بعض الأوقات 
الملك بريام ذاته . إنه يتفادى الضريات ثم يأنُ ثم يرد ويحتج ويهاجم هجوماً عكسيا . 
يستكين أحيانا ثم يندفع من جديد بكل طاقته وإن لم يتمكن من ترويض النمرة فهو 
يلقنها المبادئ تارة ويؤنبها تاره أخرى وهى فى كل ذلك مؤثر جدا وغير حذق أيضا كما 
بيتهون وهو يدافع عن نفسه وهو بين أيدى جوليتا . ولكن يجب أن نذكر بعض اللمسات 
من هذا الصراع الثنائى الذى لا نستمع منه سوى لصوت السولست : « ياريس » فى 
٠‏ توقمير 1/155 . 





] بطلة مسرحية موايير ه عد البشر » شابة لعوب ونمامة وذكية ..... [ المترجم‎ x 
] المترجم‎ [ ) ۱۸1۷-1۷1١ ( أدبية فرئسية‎ +» 


497 


« مكتوب منذ الأزل فى كتاب المصين أنى لن أحصل أبدا على رسالة منك لا 
تبدأبعتاب ولا تحتوى على عرض لسلسلة من الشكوك ولا تنتهى بهجاء ٠٠٠١‏ إذا 
كان الأمر هكذا فما على سوى الإمتثال » ولن احتمل ( حتى لا أضع شخصيتك 
السيثة أمام المحكمة ) سوى بأن أمسك القلم واكتب لك . لكى تخاطبينى تلجئين الى 
فكرك الصالونى ولا تفعلى سوى تكملة ثرثرة إجتماعية يكون الأخر هو ضحيتها 
..... ومن سوء الحظ أن يكون هذا الأخر باستمرار هى أنا . وذلك فى الوقت الذى 
تتكرمين فيه بمنحى شئ من وقتك . إن ذلك عمل خاطئ . يجب على أن أغضب وأن 
أستعين بكل بلاغتى لكنى أجعلك تخشين على نفسك من ذاتك وذلك بأن ارسم لوحة 
مرعبة للتحدى الشكاك الذى ينهش صدرك ويمنعك حتى عن إكتشاق أصدقاءك 
حيث هم بالفعل . 
بدلا من الشكوى ساطلب منك الغفران ضاما يدى متضرعا راكعا وطالبا الرافة 
[.... | ومادام كبرياء مغازلتى قد ارتضى أن يتذلل على هذه الصورة ومادمت أشعر 
أن وضعى هكذا يناسبنى فانى انتهز الفرصة لاعتراف الإعتراف الشامل التى 
تطالبيننى به وتصرين عليه . نعم ياقس اعترافى : نعم إنى مغازل حذق (.....) من 
كثرة ماقمت به من تزلف وملاطفة ذكية لكل روسائى ؛ مذ أن بدأت حياتى سواء 
السياسية أو الأدبية » نجحت فى أن أدعهم ينتزعون منى خمس مرات مختلف 
الوظائف التى أتيطت بى . السنة السوء كانت تقول جينذاك أنى كنت أتكلم يصوت 
أعلى من المسموح به ٠‏ ويعيبنى أسى العيوب وهى أنى لا أخفى أبداً ما أفكر فيه عن 
الأشخاص أو الأشياء .....» 

أن يصل يها الحال أن تصفة بانه مغازل حذق يدل على أن الكاهنة لم تعوزها 

وسائل التصنع : إلا ان هذا لم يكن سوى البداية . قبعد ذلك يشهر .. 

« انتظرت وصول أخبارك على أحر من جمر إلى أن وصلت رسالتك المؤرخة ۲۲ 
توفمبر لأعاقب بمنتهى القسوة لأنى شكوت من صمتك . 
لن أقول لك كل الالم الذى سببته لى لأنك لن تصدقينى . إنك تشككين فى كل ما 
آقكر فيه » كل ما أكتب يساء تأويله . جنية مؤذية تقف بيننا تتحكم فينا وتقدمنى 
لخيلتك فى صورة فير حقيقية . وتستخام كلامنا كاله لتعذيب 


498 


الآخر ( ... ) ومن ناحية آخرى لايمكنثى أن أضم عليك اللوم لاتك لاتعرقيننى فلم 
أن تنقضية وهو ألا أحاكم دون أن يسمع دفاعى . بعدها سآمتثل للحكم الذى 
ستّصدريئّه . إذا كنت تحكمين بهذه السرعة على من يحبوك فانى أشفق على من 
لايهمك أمرهم te‏ 
بعد سبع أى ثمان شهور نجده قد روض تماما ولايتجراً على الرد سوى بهجمات 
مضاضة غير مأمورتة العواقب 
باریس فى ١4‏ أغسطس 18517 
أخذت عن الطبيعة شخصية مكروهه جداً [ .... ] لاأعرف بأى لهجة أتحدث بها 
إليك » بل أنى اعتقد أنى لن أرضيك سوى بان أكتب لك يعض الكلمات الوقحه .....» 
ثم يلى ذلك فورة من الخزن : 
« التسامح يعتبر من أشكال التعاطف مع المسنين وإذلك فلن أضصحك وإن أغضب 
من الوريقات الثلاثة أى الأربعة التى تتكون منها رسالتك . تحلى بفضائلى وضاعفى 
عددها . يتضمن خطابك إفتراضا لن أخذه معك بالمعنى ٠‏ البارد » الذى تحملينى 
أياه . إذا كنت بالفعل تعتقدين ما تقوليين الم تخشى قط أن تتسبى فى الأسائة 
إلى ...؟ » 
وسنذكر أيضا هذه الفقرة من إحدى الرسائل الأخيره التى تثم عن شئ من سوء 
الطباع : « ..... تبدأ رسالتك الأخيرة مرة أخرى بتحد السهام المسمومة التى 
تخرج من قلمك بصورة طبيعية للغاية . تقولين أنك ريما تشعرين ببعض الأسف 
لوعلمت أن صمتك أحزننى ؛ كيف ستصفين هذه الجملة لو حدث وتجرأت أنا بكل 
أسف وكتيتها لك ؟ ....» 
كفانا من هذه الشكاوى وكما يقول جوج واندان » من الأفضل دائماالا نتعامل 
مع إمرأة شريرة .. ولكن إذا كانت الاساءة قد حدثت وانها 3 تتمتع اش بشخصدة حادة 
الطباع قإن أذ فضل ما يمكن عمله فى مثل هذة الظروف هو أن تزين الأمر بافضل ما 
أوتيت خاصة إذا كنت قد نشرت « رسالة إلى مسيودا سييه » أو تكون ألفت صوناتا 
إلى كروتزر . وها هو جان فرانسوا لايائف من تأدية دور المربى تجاه انجيليكا . لنذكر 


499 


« إنى أتمرد ويعتبر هذا من مخلفات حياتى السياسية ولكن إطمئنى فمهما بلغت بى 
الميول التى لازمتنى طويلا نحى التمرد فلن أتامر أبدا ويالذات ضسدك أنت . إنى 
أشاركك الرأى تماما فيما يتعلق بمن يزرع الشوك .... قبل ثمان سنوات من الأن 
كانت الأحلام لاتزال تراودنى فى إحداث تغيير إجتماعى نحو الأفضل ودون ماحدور 
وكنت أعتقد أن من الواجب حمل السلاح فى الأماكن التى يمكن لثقافة بطيئة 
ومنظمة تنظيماجيداً أن تحول وحدها النباتات السامة إلى نباتات صالحة (....) 
وهذا هى السبب الذى دفعنى إلى أن أكرس ذاتى بالكامل لدراساتى وهذا يعتبر 
موضوعاً واسعاً وكبيراً لدرجة أنه يمكن استيعاب قوى فكرية باكثر مما حبتنى بها 
الطبيعة .. وهذا يعتبر على العموم أسلوب أخر من أساليب القيام بالثورات بقدر ما 
يمكن أن أكون قد احتفظت يه من مثل هذه الميول القاسة » . 
على الرغم من أنه أفاق من أحلامه الثورية فان صديقنا عالم المصريات بقى 
جمهوريا فى أعماقه . فها هو ينهرها - وهى الشاعرة - بعد ما قرألها مسرحية 
تراچيدية من ستة قصول ( لاذا الخروج من العرف المكتسب ) حيث إكتشف مذهولاً 
أنها حوات الجمهوريين إلى « بانديتى » أى « مجرمين » ياللضلال ! «إن تشويه الناس 
على هذه الصوره شئ فظيع» ثائر تائب ولكنة بقى جمهوريا فى أعماقه وفيلسوقى 
إتصح إنه « فیلسوف جيد » . الجاتب التالی من شخصيته جدیر بروسى أى ديدرى فهو 
إذ يصق لصديقته حادة الطباع الزيارة التى قامت بها لباريس « فرقه صغيره من 
البدائيين الأمريكيين من قبيلة الأوزاج « أحضرهم أحد البحارة لتحف اللوقر « شيه 
عرايا » وسط المارة المذهوليين » يردف قائلا : 
» إحدى النساء الأوزاج إسمها ميهائجا . خطوط وجهها كانت جميلة على الرغم من 
بسمة بدائية إختلطت يطريقة فريدة بالوجه الجاد والهادئ فى نفس الوقت ... لم 
يحصل منها كل العالم المحيط بها على نظرة واحدة . بقت ميهانجا محاصرة داخل 
ذاتها ثم وقفت فجأة بعد أن تجوات بنظرة سريعة حول القاعة ومرت عبر الجمهرة 
التى تحيطها وإتجهت فى تؤدة تحى أحد الأعمدة فى آخر القاعة وجلست تتظلل يها 
ووجهها إلى الحائط . هناك ويعد أن عقدت ذراعيها فوق ركبتيها » طاطأت رأسها 
وأغاقت عينيها وشرعت تغنى بصوت غير مرتفع أغنية بطيئة الوتيرة وحزينة حزنا 
يمزق القلوب . كنت قد تبعتها إلاأنى مكثت بعيدا عنها بعض الشئ . لم تفعل 
السيدات الجميلات متلى فأحاطتن بالمرأة الحزينة من جديد التى ظلت على تركيزها 


500 


الشديد فى ذكرياتها وظلت تغنى لمدة تصف الساعة دون أن تأيه بالفضوليين الأغبياء 
الذين لا يراعون الامها بل وجدوا تسلية عابرة حيث يجب أن يجدوا فقط الرحمة 
والتئسسى والتراحم . كانت تلك اليائسة تفكر دون شك فى بلادها وفى أحبايها 
الذين تركتهم فى حين كانت باريسياتنا الجميلات تتضداحكن .... أسالك بالله من من 
هؤلاء ميهانجا أم السيدات التى يجب أن يطلق عليهن صفه البدائية ..» . ١‏ 
« إنه متشائم صديقنا المصرى » . نحو أى أقق مظلم للعالم قادته تجاريه 
ودراساته وفك الطلاسم التى جعلته يغوص وسط كل هذه القرون من الزمان ؟ نتوقف 
مرة أخرى عند هذا التعبير الموجه للكاهنة : 
« أتشوق لرؤيتك وقد أنهيت دراساتك التاريخية . إنها قرائات موّذية يالنسبة لك , 
مهما كانت المرحلة الزمنية - قديمة كانت أى حديثة - التى تنظرين من خلالها إلى 
الثوع البشرى فستكتشفين دائما أنه لا يساوى شيئا ولن استثتى من ذلك سوى 
المصريين عن حب * والإغريق عن مجاملة . أغريقيوك كانوا يتقاتلون للتسلية (...) 
أما مصريونى فلعلهم إكتفوا فقط بالمظاهر الخارجية للحكمة والأنسانية [ ... ] قذلك 
يكفى لأنه يعود إلى نفس النتيجة وفى رأى أن الهة التاريخ يجب أن تصور وفى يدها 
شعلة وفى الأخرى خنجر تلوح به فوق نهر من الدماء ...! » 
ثم يختم خطابه بهذا الأعتراف للعرافة التى سبق أن كشفت عدة مرات عن 
إلحادها النشط : 
« يجب أن أحدثك عن أسرتى وكتت فى جميم الأحوال عازما على ذلك حتى لولم 
تطلبين ذلك . فى اللحظة التى أكتب لك فيها من مكتبى فان إبنتى الصغيرة تقاطعتى 
فى كل لحظة باسئلتها التى توجهها لى من قرب النافذة حيث هى جالسة تحاول 
ترتيب رقعة شطرنج تلعب بها . دون أن تتصور أن بمثل هذه الأسلحة نجحت أنت 
فى هزيمة أبيها من جدارة المرة الوحيدة التى تجرأ فيها أن يعلن عليك حرياً صريحه. 
إبنتى ( الوحيده وستبقى كذلك علي ماأعتقد ) عمرها الآن ثلاث سنوات. لها مثلك 
إسم عربى : زوراييد . إنها دمثة الطباع وطيبة وسابذل كل جهدى لكى تبقى كذلك 


» الحب - إذن - هى للمصريين فقط وليس انجيليكا التى يتعين عليها أن تكتفى بالمجاملة فقط . 


501 


دائما . أحضرت لها خادمة من جنيف حتى أظل المسئول الوحيد عن تنشئتها الدينية. 
ستظل مسيحية وأكن دون خزعيلات .... » | 
هل قال لھا کل شئ .. لم يبق لديه سوى إلقاء كلمات الودا ع التى ستصل إلى 
إنجيليكا وقد أصبحت تتباعد أى تتعالى عشية سفره وعودته من مصر . من هى 
المرثه التى كان بامكانها الاتتاثر بنداءآت أوديب وهى فى طريقه لمواجهة أبى الهول ... 
وينداعت هذا البحار العائد محملا بالتاريخ والمخاطر والمعجزات ؟ 
فى ٠١‏ يوليى قبل سفره بثلاثه أسابيع كتب لها من باريس 
« ساكتب لك مرة أخرى من طولون وسأكون شاكرا لو وصلتنى منك كلمة ضغيرة 
على عنوان مسيى لوت * وهل ستتركينى أرحل دون ذلك .......» 
ومع ذلك فهى يرسل لها هذه السطور فى الأول من أغسطس : 
« طولون » من فوق « الإيجلى » وهى يفتح شراعه , 
انتظرت كلمة منك دون جدوى ريما تكونى قد كتبت ولم تصلنی رسالتك 
أضيق الوقت . أود أن يكون ذلك هى ما حدث . ومن القسوة على نفسى بمكان أن 
أعتقد أنى أضعت كل أمل فى علاقتك بى فى اللحظة التى لا أجد فيها وأنا أغادر 
أرض الوطن سوى ملاذا واحد وفى إعتقادى بأنى سايقى حيا ياستمرار فى قلوب 
كل من أحببتهم واتركهم الأن ورائى وددت لو قلت لك وداعاً ؛ ومن المؤلم جدا بالنسبة 
لى أن أغادر أورويا تاركا بيننا غيوما تعكر صفى الثقة التى يأمل قلبى أن يجدها فى 
قليك . ساكتب لك من مصر وإذا أردت أن تردى على خطاباتى . فليكن ذلك على 
العنوان التالى . إلى مسيى دروقثيتى قنصل فرنسا العام فى مصر ( يسلم إلى 
مسيى لوت ْ 
سيسعدتى الحصول على ذكرى من يدك . الوداع » 
الكلمة الختامية ستكون لخطاب كتبه الكاهنة الصامتة بعد أن وضع قدمه مرة 
أخرى على الأرض الأوروبية « من فوق اللازارات من طولون ۲۷ دیسمبر VAYA‏ 


» أحد رسامی رحلته الى مصر ( راجع الفصل (Ne ١١‏ 


302 


المركب الذى عاد بى من مصر بعد 15 يومأ وصل إلى وصيف طواون مساء الخامس 
من الشهر . يقيت على أعلى حتى اليوم أن يأتوا لى من اليابسة يخطايات منك إلا 
أنى أجد ازاما على أن أتخلى عن أملى فى أن أكون اكش سعادة فى أورويا عما كنت 
عليه فى أفريقيا حيث لم يصلنى منك خلال ۱۹ شهرا سوى تعبير واحد عن الذكرى. 
ولم يبق لى سوى أن أكرر هنا الكلمات الحزينة التى أنهيت بها جميع خطاباتى 
لك من مصر : إنى أنتظر » ° 
ظل هذا الإنتظار قائما إلى أن إنتهى بوفاة البطل . كان اييوليتى روسيالينى رفيق 
رحلته فى مصر والذى أصبح بذلك أقرب أصدقائة وحاقظ أسراره بالطيع لانه كان 
أيضا من بيزا وبالتالى من جيران الكاهنة - كان يعرف ذلك جيدا وهو لذلك لم يدع 
فرصة واحدة تمر دون أن يثير موضوع الغراميات التوسكانية . فی ۲۲ فبراير VAT‏ 
كتب من بيزا إلى شامبوليون « فى ليقورن إلتقيت بالحاكم الطيب* ويجميع أصدقائه 
فى منزله . الجميع يهنئونك « ويريدون رؤياك . الأوكس* * مازال علي حاله نحوك : 
أسرت لى فى أذنى أنها تيعث لك بمشاعر عديدة كما تؤكد لك إهتمامها يكل 
bla lai‏ ...» 
وفى خطاب أخر من بيزا مؤرخ فى 58 إبريل 187٠‏ أشار روسيلليتى أيضا إلى 
زلير . وإذا كان يحث شامبوليون على أن يمضى من ست إلى ثمان شهور فى توسكانا 
أضاف قاكلا : 
« سترى من جديد اللوميتارا فى كل بهائها » ويضع خطا تحت هذا الكلمات وهن 
متاكد أنها ستثير لدى صديقه ذكربات عزيزة جدا عليه . 
وأخيرا فى ۲٤‏ آکتوبر ۱۸۳۱ وپحد أن أقام فى باريس لفترة سمحت له بالاعداد 
مع شامبوليون لنشر أعمال رحلتهما كتب روسيللينى إلى صديقه وكان يقيم جينذاك فى 
فيجاك خطايا قصيرا ختمه يهذه الكلمات : « الأوكسيس ويلبلها المسكين موجودان الأن 
فى فى . *** يقال أنها جعلت منه حشرة ...» 
أوكس أوكسيس أى أوكسور هى جميعا مأخوذة عن كلمه أوكسر اللاتينية أى زوجة 
'تلاعب بالألفاظ بين علماء المصريات . وقد عرفا فى مدينة طيبة حيث عاشا فى معيدا 
الأقصر أكثر مشاعر السعادة عمقا أما فيما يختص يحالة الحشرة التى وضعت 


* ياولى جارزونى - فنتورى : محافظ ليقورن من ۹۸۲۸ حتى ١4180‏ 
*«»* كل شئ يشير إلى أن المقصود بهذا الاسم هنا هى انجيليكا 
+و+ عدة حروف غير واضحة فى الميكروفيلم ولحل الاسم هى : كورقو 


203 


الأوكس فيها ٠‏ بِلْبلّهاً » فان تلامب الالفاظ هنا غير واضح لنا .. إلا إنه يشهد على 
قسوة شخصية انجيلكيا . فلم يكن ا مكتشف إذن فريستها الوحيدة . 
عندما كان يسميها أوريوس فكان فى ذلك إشارة إلى الثعبان ذى العيون البراقة 
الذنى كان يخرج وهى يصفر فوق جبين فرعون . من يقترب منه .. وقد أقترب Ga‏ 
صديقنا وتحدى ولدغ » وعرف قدر نفسه ... 
إدا بريشيانى تحدثت عن « عدم مبالاة » الأنسة باللى آلا أننا يمكن أن نتخيلها 
غاية فى الحرارة ومتسلطة وقاسية وأحاسيسها العنيفة كلها منطوية إلى الداخل . هل 
كانت تغير لان موهبتها الخلاقة لم تكتمل أو كانت متقطعة ؟ أم أن غضيها عنيفا 
لأنها فى تسلطها كانت تواجه جلال العبقرية ؟ 
من المؤكد أن الجرح ظل يدمى طويلا فى صدر العلامة . ولكن من الممكن أن 
تكون مغامرة توسكانا أثمرت داخله ما تلخصه هذه السطور المرسلة فى ٠١‏ نوقبر 
1 إلى ايبوايتى روسيللينى (©) : 
« يالسعادة التوسكانيين ! كم من مرة كررتها خلال فترة أشهر العسل التى 
أمضيتها معهم وها أنا أكررها مرة أخرى اليوم بقدر كبير من السعادة لأنها صرخة 
تحية تعبر فى الوقت ذاتة عن الأسف ومن شعور بالعرفان .نعم ياصديقى العزيز 
إنى تعودت أن أرجع كثيرا بالذاكرة إلى أيام السعادة التى عشتها فى ليقورن 
وقلورنسا » 
عندما يتحدث جان فرانسوا عن « شهور العسل » التى أتيح له أن يحياها فى 
توسكانا - قبل أن يعود إلى روما ونابولى والبندقية - فهى لا يفكر فقط فى انجيليكا 
الثى إمتزج عسلها يمرها . فاذا كانت غرامياته الليقورينية قذ غاصت فى بحر من 
المرارة فان صاحب الرسالة إلى مسي داسييه قد عمق تفكيره قى ذات الوقت كما قام 
بتحقيق أحد المشروعين اللذين شغلا باله وهما مشروع إقامة متحف مصرى فى باريس 
يعهد به إليه ومشروع سفره المرتقب اوادى النيل . 
عرفنا من قبل أنه سافر إلى ليقورن باحثا عن مجموعة سولت كالعقيد الذى يبحث 
عن كتيبته كما فهل قبل ثلاثين أى أريعين عاما نواى أو توزاى -- أكسيس . وهما فى 
العشرين من عمرها . وعلي أرصفة ميناء ليقورن المليئة بالنشاط ويالتحديد في مخازن 
الميديسيى الواقعة إلى جوار الرصيف الذى تقف عليه من فترة لأخري مركب البريد 
الملتجهة الى جزيزة كورسيكا » أمضى الاسابيع الأرلى من إقامته التوسكانية مبهورا 


504 


ومشغولا بفتح الصناديق ثم باعادة تسميرها يزيل الأتربة من فوق الأقنعة وا لأوشيبتى, 
يفك شفرتها ويصنفها ويحقظها , 
وكتب فى ۲۷ مارس إلی الأب جاتزيرا صديقه فى توريتى : 
« بعد أن ألقى بى قجاة وسط كم هائل من الأثار أتيح لى فقط أن القى عليها نظرة 
سريعة العام الماضى .. فمن الصعب على جداً ألا أبقى معها من الصباح حتي 
المساء لأتعرف عليها وأسجلها فى الجرد ولأنسخ تلك التى تهمنى قبل أن أعيدها 
. داخل الصناديق لكى أعهد بها مرة أخرى إلى المادة الخائنة * ( ... ) من الثامنة 
صياحاً إلى السادسة مساء أبقى داخل المخزن الذى يضمم الممجموعة الغالية . 
وضمعت فى الصناديق بالفعل ما هى مصنوع من البروتز وعددها ما يقرب من 
لدت La) ١ di‏ تماثيل أو تماثيل صغيرة si‏ أشكال أى حيوانات أو أثية من كافة 
الأنواع [ ... ] إنها أجمل المصنوعات البرونزية المصرية المكتشقة (...) تمكنت من 
مشاهدة التايوت المشهور بكل روية : إنه بالقعل لرمسيس ميامور وهى قطعة واحدة 
ضخمة مغطاة من الداخل والخارج يصور اسطورية من أغرب ما يكون وكمية هائلة 
من الهيروغليفيات الشارحه لها . 
يعتبر هذا التابوت أكبر التوابيت الموجودة فى أورويا » 
فيما يتعلق بكشف الجرد الذى انهمك فيه بهذا الحب الجم اشا علية جاك جوزيف أن 
يكتفى بذكر الأشياء فى ماديتها حتى لايسرق منه منافسوه الكرام - كما حدث من 
قبل - عمله فى التعليق على مكونات المجموعة . وكان رد المكتشف فوريا : 
«....... سالتزم يما أشرت به إلى قهى يبدو لى مبنيا على أسس سليمة ومبدئية إتهم 
أفاكون ويجب ألانضع فى أيديهم السكين لكى يقطعوا به أرجلنا إذا ماترائى لهم 
ذلك ....» ْ 
كان « الأفاكون € شرب تشيطين فعلا فی باریس . فقد ثشرت صحيفة تسمى 
لوسبيكلتاتور مقالا فى الأول من ابريل شديد الخسة » قيل أن كاتيه هو راعول روشات 


+ يقصد البحر إذ كان فى إتتظار مركب طولون التى كانت ستنقل المجموجة إلى ميثاء الهاقر . 


505 


« يعتب الأجانب عتابا خطيرا على اثنين من أهم علما كنا وهما الشقيقان 
شامبوليون إذ يقولون أن الاخ الأكبر نسب إلى نفسه شرف حل شفرة الهيروغليفية 
وهى شرف يستحقة الدكتور ياتج الإنجليزى أما الأصغر فيقال أنه سرق من ميسو 
جوليى دى سان كوينينى محافط المتحف المصرى لملك ساردينيا شرف اكتشاف أن 
المصريين كان لهم نظاما للأعداد يشبه كثيرا نظامنا . يجب على السيدين شامبوليون 
أن بدافعا عن أتفسهما » 
المؤامرة الكبرى -« الإفعوان ثو المائه رأس الذى يصفر فى زحفه ٠‏ كما يقول 
چان فرانسوا - لم يكف عن أعماله ولن يكف . فبينما هو يخرج الأثار من صناديقها 
ثم يعيدها بعد أن يرتبها ويرقمها على أرصفة ميناء ليقورن › كان الكونت فوريان مدير 
المتاحف الوطنية في باريس ينشط لكى يسحب المجموهة من بين يديه ويمنع ذعيينه 
محافظا للمتحف الذى فى دور التكوين فى حين كان جومار يتحرك مستميتا فى جميع 
الأتجاهات لكى يتولى هى المنصب - بصفتة صاحب الأقدمية ورائد علم المصريات . 
ولكن سوستان دولا رى شفوكو ياور الملك اشئون الفنون الجميلة وهى إبن الدوق 
دى دوبوقيل وهى أحد حماة شامبوليون المعلنين بت فى الأمر ولو الى حين وأكد أن چان 
فرانسوا سيكون المسئول عن إنزال مجموعة سولت كما كان مسئولا عن إبحارها . 
ولا كانت ضمانتان أفضل من ضمانة واحدة كتب صغير فى 1" إبريل إلى 
بلاكاس الذى لاغنى عنه ولا تعوزه الحيلة وكان لا يزال سفيراً فى نايولى : 
« ...كل يوم يمر يؤدتى إقتناعا أن هذه المجموعة من الأثار الجملية كان يجب أن 
تؤول إلى فرنسا لتملأ الصالات المصرية العارية باكثر مما يجب فى المتحف الملكى 
فى باريس ( ... ) سيكون في استطاعة الجميع أن يقتنع بما أقوله بعد بضعة شهور 
( ...) إلا إذا تقرر ترك الصناديق مقفلة فى مخازن اللوقر وهى الصناديق التى 
سأشحنها إلى فرنسا حال وصول المركب الذى كلف بذلك إلى هنا . من واجبى أن 
أشكر سعادتكم لما تفضلتم به من توصية وزير البلاط الملكى بتكليفى بوظيفة محافط 
المتحف المصرى القادم » . 
الحماية المزدوجة للدوقين دو دو دوقيل وبى بلالكاس لم تذهيه هباءا . فبينما هى 
يراقب شحن ألهة مصر على ظهر سفينه الشحن « لا دورانس » ويستعد التعامل معاملة 
الأتراك إلى المور فيما يتعلق بالمناورات الخسيسة التى يقوم بها السفلة ...» كان 


506 


أصدقاء شامبوليون الأقوياء يتحركون فى باريس . فى ۱۷ مايو ۱۸۲١‏ أعلن فيجاك 
بكل هدوء إلى أخيه الأصغر « الخاتمة الذهائيه لجميع المحن » » فقد وقع الاك على قرار 
تعيين جان فرانسوا محافظا للقسم المصرى والشرقى المتحف الملكى فى اللوقر كما 
عين الكونت دى كلاراك مسئولا عن القسم الأغريقى — الرومانى تحت الأدارة الشاملة 
للكونت دو فوريان كما تحدد فيما يلى : 
كل عام قى فى متف أن الور وخا القصل الرييعي محاضرات ت عامة 
ويدون مقابل عن الأثار المصرية حيث تشرح نظامي الكتابة التي استخدمها المصريون 
(....) سيتولى هذه المحاضرات السيد شافبوليون الصغير محافظ الأثار المصرية . 
كما أنه سيطبق بقدر ما هى مستطاع * نظرياتة على أثار المتحف ....» 
وجاء خطاب من القيكونت دولارى شقوكى إلى ج - ف شامبوليون ليرفع من قيمة 
إنتصار صاحب « الرساله إلي مسيق داسيية » إلى العنان . 
« كان يجب أن يعود إلى العالم المتعمق والذكى الذى فتح لتا هذا المنهل الثمين من 
المعارف مهمة نشرها على أوسع نطاق بين عالم العلماء .. .. وبالتالى فقد قرر حلالته أن 
تكلفوا أنتم بمهمة هذه المحاضرات وقد تفضل جلالته بمنحكم مقابل هذا وبيصفتكم 
محافظا للقسم الثاني للأثار مرتيا سنويا مقداره خمسة ألاف فرنك تتمتعون ¿ به إبتداءاً 
من تاريخ القرار الللكى . .. لن أترك هذه الرسالة تغادر مكتبى يأسيدى دون أن أعبر 
لكم عن سعادتى الجمة بالعلاقات الجديدة التي سأقيمها مع عالم على هذا القدر من 
التميز » . 
« حمدآ لأمون رع ولك أيضا !! » لم يكن فى الامكان أن يتلقى حجان قفرانسوا ني 
إنتصاره دون أن يقدم القرابين إلى إله الشمس وإلى الأخ النشيط الذى عبر « تار 
جهنم » من أجله . وشاهى قد هدا تماما ولم يعد يطائب يأن يسام له جومار أى روشات 
وهما موشقى اليدين والرجلين بل راح يعرض السلام على الجميع : 
» ... لايد وأنك تقلت كلمات سلمية ألى الساده دوفوربان وكلاراك لأن ذلك يعتير أول 
ما ببنغى عملة فى عالمنا هذا ويسأكون سعيدآ لى عشت بسلام مع هذين السيدين . 
سيتوقف عليهما حسن التعامل بيذنا لأثى على استعداد لعمل كل ما فى إمكانى 
للوصول إلى ذاك € 


... بما يوحى بشىء من الغرابه بأن منهج المكتشف لم يكن مؤكدآ‎ à 


507 


ألا أن حسن الطالع لم يوقف إنطلاقاته الكلامية . فلنستمع إليه وهى يلخص 
قضية المتحق في خطاب وجهه إلى جاتزيرا : 
« المسرحية قسمت إلى خمس فصول : 

١‏ ) العرض يدأ ببلاغ رسمى مطابق للقواعد الرسمية (...) مقدم من أصدقائى 
الطيبين علية القوم فى جرونويل * ( ..) 

؟ ) الفصل الثاني : مونواوج لروشاث أمام الاكاد يمية مناهض لشراء متحف سوات 
(...) الكورس كله حيث يؤدى جومار دور السويرانى . 

٣‏ ) الإهتمام يزداد (...) اعتراضات الوزير الذى يؤكد أن العملية ستتم على الرغم 
من المعارضين » تصل مذكرة بدون توقيع موجهه إلى الدوق دى دودوقيل وإلى 
الفيكونت سوستان يرد فيها أن أعمالى لا تعنى شيئًا وأن كل الصحف الاجنبية 
تسخر من منظومتى الهيروغليفية وتذكر يوميا ما تتضمنه من غباوات وجهالات 
لاعدلها ولاحمس . 

4) جومار يتقدم لياخذ المكان مدعيا بالحق الإلاهى . يكتشف أنه صاحب المذكرة ** 
يعاتبه الوزيرعلى هذه المؤامرة الدنيئه ويرفض أن يوقع على بيان بالنفى ( .... ) 

) على خشبة المسرح مجلس الوزراء ينعقد وينئجح محافظ باريس فى اقناعه بان يويد 
جومار .... مناقشه حامية ... الدوق العظيم والفيكونت *** بلياقة مضاعفه مرتين 
يواجهان كل المؤامرات الموجهه ضدى ويوضحان حقوقى كلها ( ...) 
المشهد الأخير يوقع الملك على قرار تعيينى : هتافات عامة 
الرقصه الأخيرة وموسيقى النهاية يرقص على أنغامها روشات وجومان على لحن 
حزين مشهور فى الخلفية Qu.‏ 

السعادة لاتجئ منقردة أبدا. فى 4؟ يونيى بعد أسبوع من الأحتفال القرامى فى 
ييزا أى بعد خمسة أسابيع من التوقيع الملكى على قرار جلوسه على كرسى المجد 
دخلت « لادورانى » ميناء ليقورن وفى العاشر من يونيى يكتب حجان -- فرانسوا لأخيه : 


+ حيث عاد الحديث يتردد عن ٠‏ رو pain‏ جروئويل » 
*» سيق «el‏ إلى رائول روشات وهو الاصح غالباً 
** » دق دى قيل ولا روشفوكق 


508 


« ... المجموعة كلها شحنت على ظهر » لادورانى » وملأت أحشائها تماما وعلى 
الرغم من أن الحمولة ثقيلة للغاية . أكد القومندان أن مولاك وهو شاب طيب ويحار 
يمعنى الكلمة ويكل ما فيها من قوة أن كل شئْ سيصل إلى الهاقر دون مشاكل ؟ » 
بعد شهر واحد اللوش سيجد بدوره أحشائه وقد امتلأت عن آخرها بالروائع التى 
جمعت فى الأسكندريه وتم التفاوض عليها قى ليقورن وييعت فى باريس من صاحب 
السعادة هثرى سولت le‏ التحف الخبير المقدام . ولم يكن ذلك بالنسبة لشاميوليون 
سوى إتمام جزئى المهمة » لان صاحب الكشف العظيم لم يكن يقبل أن يكتفى - لافى 
تورینو ولا فى باريس بمخزن التحف . إن ما يحتاجه هى المتحف المصرى قى إطار 
أن تكون « قضية المتحف » قد حلت وهو فى طريق عودتة إلى قرنسا وأن تكون 
مرتبطة إرتباطا وثيقا يمشروعه الكبير بزيارة مصر فيكفى اتدليل على ذلك خطاب 
أرسله إلى صديقه جاتزيرا فى 14 أكتوير : 
« متحفى ينادينى باعلى صوت للعودة إلى باريس . العمل ينتظرنى وتماثيلى 
الضخمة والموميات موجودة فى ساحة اللوقى أو فى المخازن ويجب أن أكون هناك 
لأمنع وقوع أخطاء فى زخرفة الصالات ( esse‏ ) الجميع فى باريس سعيد «Gil‏ 
مجموعة ليوقورن ولا يوهجد حديث ولاأحلام لاتدور حول المتحف المصرى وانا على 
يقين الأن بانى ساقوم بعمل جميل للغاية سيستغرق منى ذلك عاما ساختتمه بكل 
وقار برحلة إلى مصر . وضعت خطتى بالاشتراك مع الدوق العظيم الذى هى العمود 
الفقرى للدراسات المصرية » 


ولد ابیولیتی روسیللینی فی بیزا فى أغسطس 18٠٠.‏ بعد أسابيع من معركة 
مارنجى . حين كان شامبوليون يستعد لمغادرة فيجاك إلى جرونويل كان الآبن الأكبر 
لتاجر متواضع ولكنه حريص على أن يربيه تربية النبلاء وبعد دراسات فى فلورنسا 
وبواوينا تحول إلى دراسة اللغات الشرقية بتأثير من الكاردينال ماتزى فاننى المشهور 
بتمكثه من العديد من اللغات ونحج فى دراسته ادرجة أنه كلف بتدريسها فى جامعة 
بيزا وهى فى الخامسة والعشرين ٠‏ 

فى هذه الفترة - أغسطس 1850 - قدمه الدوق العظيم ليويولد إلى شامبوليون 
ضيف فلورنسا حيث كان يفتش ويرتب مجموعة اثار نيتزونى » إلا أن أسمه لايظهر قى 
مراسلات عالم المصريات إلى أخيه سوى قي ايريل 155: 


+ راجع القصل التالى . 


3509 


« الدكتور روسيلليثى وهو شاب مثقف جداً وكله حماس , أسرع يالحضور إلى :هنا 
قادما من فلورنسا حيث عرف يوصولى إلى ليقورن من الجران - دوق . إنه يمضى 
هنا أريعة أيام كل أسبوع بصورة منتظمة بجوار أستاذه العزيز ويعود إلى بيزا 
ليلقى دروسه فى الجامعة » له قلب ممتاز ورأس عامرة بالمعارف وهى يأمل فى المحبئ 
إلى باريس لاستكمال معارفه فى اللغات الشرقية والدراسات المصرية » الملخص 
الذى إستخلصته من منظومتى محرر بشكل جيد » إذا كانت إيطاليا محتاجة لمثل 
هذا العمل لكى تفهم شيئا منه . الكسل المحهود يمنعهم من قرائة عمل ضخم لأن 
ذلك بالنسبة لهم صعب للغاية » . 
الجملة الأخيرة تعتبر إحدى التعبيرات غير اللائقة التى يندر خروجها من قلم 
چان ف انسوافى حق الإيطاليين على الإطلاق وهى تبدى أقل لياقة بقدر ما كان أول 
المعجبدين به من البيميونتيين أى من التوسكانيين . وها هى إييوليتى روسيللينى بعد 
جاتزيرا - قد نشر الكتاب الذى يشير اليه هنا وكان عنوانه بالايطالية « نظام مسيو 
شامبوليون الهيروغليفى موضوع فى متناول « إدراك الجميع » عنوان لا ينقصه 
التواضع ولعله جعل شامبوليون يأسف لأن الباريسيين جميعا لم يصابوا « بالكسل 
المعهود » . | 
هكذا بدأت الصداقة . وإذا لم تكن الأكثر حرارة فقد كانت الأكثر ثماراً بالنسبة 
المكتشف .لا نعرف أن كانت عواطفه نحو الشاب اييوليتو كانت فى حرارة تلك التى 
ربطته باوجوستان تيقونيه ولكن المؤكد هى أن اعتبارا من هذا الشهر إبريل ١851‏ حول 
ولاء وذکاء استاذ بیزا الشاب مسار حیاته تماما . وسيؤديان دورا جوهريا فى تنفيذ 
أكير مشاريعه على الأطلاق وشى رحلته إلى مصر فی ۱۸۲۸ - ۱۸۲۹ ویقدر ما كان 
حبه لانجيليكا أجدبا كانت صداقته لاييوايتى روسيللينى مثمرة فى مجالى العلم والحياة 
الشخصية . لن ترجم سخرية المكتشف المعهودة شريكه وان تستثنيه ولكن شيئًا لن 
يهن تالقا قام فى الأساس على الأحترام والتقدير وتوافق الأفكار . جميع رسائل 
. شامبوليون سواء الواردة من إيطاليا أى من مصر تشهد على ذلك . 
أما بالنسبة لروسيللينى فلدينا نص جوهرى هى تحية وتقدير نشرها عام ۱۸۳١‏ 
فى ذكرى المكتشف حيث يتحدث عن « الروايط الأخوية الحميمة والأثيرة » التى ريبطته 
بشامبوإيون لأكثر من أربع سنوات علما بأن الأثنين - وكانت عشر سنوات تفصل 
بيثهما سنا - لم يرفعا قط الكلفة فى التخاطب بينهما وأن التوسكانى راعى بكل ما 
أوتى من حس مرهف ومن لباقة أن يعامل صديقه الأكبر سنا كمعلم وكان سلوكه هو 


510 


سلوك أفضل التلاميذ تحى مؤسس العلم الجديد . 
أثار تطور أحداث الرحلة المصرية , أى بالاحرى تداعيات الرحلة بعض التوتر فى 
العلاقة . ولكن أيدا لم يرجع سيب ذلك لهما . إنتا نعرف جاك جوزيف بالقدر الكافى 
لكى نتصور المضايفة التى شعر بها عتدما لاحظ درجة التقارب العلمى بل والعاطفى 
أيضا القائمة بين المكتشف وزميله ولذلك فان سبب المبادرات التى قام بها كما سنرى - 
لكى يقصل بين أعمال الصديقين أى حتى لكى يجعلهما يتصارعان - هو الغيرة الأخوية 
أكش من كونها ردود فعل وطئية - ويستعودل إلى الحديث عن ذلك فيما بحل . 
بالفعل بدا أسم روسيللينى يتردد أكثر فاكثر فى رسائل حجان قرانسوا مرتيطا فى 
كثير من الأحيان باسم الدوق الأعظم عاهل توسكانيا وكان شامبوايون يقدر تذمقه لعلم 
الأثار حق قدره وكذلك سياسته الليبرالية التى يمارس بها السلطة . فى يونير ١85"‏ 
كتب شامبوليون بالهيروغليفية نصا على شرف ملك فلورانسا ليوضع فى المتحف 
الجران -- دوتى . 
كتب تحت الخرطوش الذى يحتوى إسمه م GALLERIA GRANDUCALE‏ 
عاهل شديد الكرم » يمكن أن نتصور أن هذا العمل الذكى من جانب الأستاذ الزائر 
تن به عاهل توسكانيا ودفعه إلى أن يمنح روسيللينى - محسوب عالم المصريات - 
جميع الأجازات التى يطلبها هذا الأخير لاستكمال التعاون الذي بدأ بهذه الصورة 
الممتازة . 
1 كتب جان فرانسوا لجاك جوزيف يفيده بان أولى محطاته ستكون بيزا حيث 
الابطالية الذانية قبل أن يلحق به فى باريس فى شهر نوفمير وي 0 كويد كي إلى 
الجران -- دوق ليشكره ه على « كرمه الزائّد » وعلى الأسلوب الإطرائى » الذى استقيله 
به علماء توسكانيا ويضيف شامبوليون مادحاً « الرفيق الدمث » الذى لازمه يفضل 
صاحب الجلالة وعاونه فى روما ونابولي وليقورن : 
د سمح لى ذلك أن أ ملس حب الاستاذ الشاب للدراسات المتعمقة وتفانيه الكامل 
للعلوم واتيح لى أيضا أن أقدر فضائاه الكريمة التميزة أفضل تقديد (. عام 
مواصلة الدراسات التى تذوق متها Lys‏ الجذاب ( .) أن إقامته فى باریس 


511 


ليضعة شهور ستكمل ما سمح كرم جلاتكم الأميراطورية أن يبدا . وسيجد مسيو 
روسيللينى فى أساتذتنا فى الأداب الشرقية رجالا على استعداد تام لأن يفتحوا 
أمامه كل الكنون الأدبية التى تعتز بها عاصمتنا » . 
فى رده المؤرخ 4 أكتويى 1471 يعرب ليويولد الثانى عن « تأثره » إزاء هذا الكرم 
الحتون بل أقول أيضاء الأيوى نحو الاستاذ الشاب الذى تاثر لذلك لدرجة البكاء ..» 
وإذا يعبر عن اعترافه بالفائدة التى عادت على توسكانيا من أعمال « المكتشف الذى 
ينشر الاستنارة فيها بهذا القدر العظيم فهى يضيف إنه يسمح لمسيى روسيللينى 
بالتغيب عن الجامعة ليذهب إلى باريس حيث سيتيح له تعمقه فى اللغات القديمة « القاء 
الضوء علي الأزمنة المجهولة ووضع الحقيقة البسيطة مكان هذا الكم الضخم من 
الأخطاء والافتراضات الغبية » . 
هكذا نرى أن بلاط فلورنسا كان أقل تشككا فى « الحقيقة البسيطة » من بلاط 
فرنسا وكيف لا يتأثر شاميوليون بحق من مثل هذا الكلام ؟ 
لابد وأن التوسكائيين كانوا طيبين يستحقون مليكا على هذه الدرجة من حب 
الاستثارة . 
al‏ يعد لحماس جان فرانسوا نحو التوسكانيين - ملكا أى استاذا - أى جدود 
فكتب بعد أربعة شهور إلى ليويولد الثانى أن بعد نظره الكريم « أسرع من مجئْ 
اللحظة التى ستصل فيها الدراسات [ المصرية ] الى هدفها الثبيل . أن موضوع هذه 
الدراسات على درجة من الأتساع والفخامة بحيث أنى أشعر قى ذات الوقت ياستحالة 
عمل كل شئ بذاتى فقط وياحتياجى لمعاون فى مثل ما عليه مسيى روسيالينى بحق من 
تفان تحى العلوم » . 
نضجت فكرة المشروع الضخم بالقيام بحملة علمية أوروبية إلى مصر بينه وبين 
روسيللينى . فى هذا المناخ القكرى ساهم التعاطف الذى كان يبديه عاهل فلورنسا نحو 
شامبوليون فى أن زادت ثقته فى المشروع الذى أخذ يتبلور في يونيى فى ليقورن لحظة 
وصول مجموعه سولت إلى الميناء . فكتب جان فرانسوا لاخيه عن « متحفه » : 
« يجب أن ينتهى كل شئ فى شهر سبتمير 1451 لكى أتفذ مشروعا سارسى أولى 
أحجار أساسه خلال لقائى القادم فى نابولى أو روما مع الدوق دو بلاكاس . لعلك 
أدركت أن الموضوع هو مصر . هناك فقط يمكننى الانتهاء من كل شئ . تعلك 
ستقتئع مثلى بضرورة هذه الرحلة عندما أشرح لك ادى عودتى من إيطاليا جميع 


512 


الفوائه التى ستعود من هذا المشروع سواء بالنسبة للعلوم أى يالنسية لسمعتى 
الشخصية . علق حكمك إلى ذلك الحين .ووسنتحدث فى الموضوع بعد شهرين ...» 
زاد المشروع تبلورا خلال محادثاته مع الدوق دى بلاكاس . الأ أن سفير شارل 
العاشر كان يدرك صعوية أن يحصل من باريس على تمويل المشروع الذى كان يريده 
أن يتم يأى ثمن . أما شامبوليون فكان على يقين من أنه يتمتع سواء فى تورينى أى 
فلورنسا بحلقاء أقوياء . كان عليه أن يركز كل مجهوده على التذرع بمشاركتهم لکی 
يحصل على تأييد البلاط الفرنسى . 
كان قد تعرف فى نابولى وصادق عالم مصريات إنجليزى هو سير وليام چال 
سوف يساعده كثيرا . كما أنه استقيل فى فلورنسا شخصية فريدة تسمى كاقيليا 
وكان يدعى وأن بامكانه « كشف أسرار ممفيس » خلال حفريات تتم على ضوء القمر 
...إلا أن هذا الشخص غريب الأطور أرسله إليه هنرى سولت ذاته - القنصل 
الإتجليزى صاحب المجموعة الذى كان يضغط عليه باستمرار لكى يلحق به فى مصر : 
وفى توسكانيا أيضا تلقى تشجيعا من العديد من دارسى الأثار الهواة مثل اليساندرى 
ريتشى والكونت مونتالقى ياور ليويولد الثانى ومن تورينى جائه التعضيد من الكونت 
كارلى قيدوا الذى سبق أن تعرق على وادى النيل . 
فحيثما ذهب منذ ذلك الحين أو ما أن قابل فرداً مثقفا أو صادف نظرة صديقة 
الاوعرج الحديث فوراً على الرحلة العظيمة وعلى جانبها « الأورويى » . وعندما تعرف 
فى نايولى على المهندس المعمارى أنطوان بيبانت طالياه - شامبوليون وروسيالينى - 
يمصاحيتهما فى رحلتهما إلى مصر “ee‏ 
كتب إلى جاك جوزيف فى 4 سيتمبر أن« الدوق دى بلاكاس سيصل يعد عدة 
أسابيع إلى باريس ومنيد Fe ue‏ عملية مصر . حتى ذلك الحين فهد الطريق 
حول صضرورة هذه الرحلة ....» تركه روسيللينى فى ميلانو ولكن بعد أن حدد معه 
المواعيد المؤكدة للدراسة فی باریس ومن أجل الرحلة الإفريقية العظيمة . ثم بعد شهر 
وإذ هى يستعد لعبور حدود إيطاليا العزيزة على نفسه التى أن يراها أبداً بعد ذلك كتب 
إلى اكثر مؤيديه ولائا فى هذه الناحية من جبال الألب كوستانز وجاتزيرا : 
« هل أنت من الذين يمكنهم أصطحابى إلى طيبة فى حالة حصولك على المال اللازم 
من حكومتك ؟ ساكتب عن قريب رسالة لكوستا أوضح له الخطة الكاملة الخاصة 
بحمله علمية أورويية تم إرساء أسسها القوية يمعرفة شخصيات لها تأثير قوى فى 


513 


مختلف الدوائر الملكية . يمكنكما أتتما معاً البحث فيما يمكن لبلاط بلدكما أن يفعله 
فى هذا الصدد . قهل يمكن أن يتخلف عن هذا المشروع وهى الذي يملك أحد أهم 
المتاحف المصرية ؟ لا أعتقد ذلك . هل ستتركانى أعير مصر دون أن تشاركاني 
سعادتى والأكتشافات الهائله التى يجب أن تتم هناك ؟ لا أعتقد ذلك أيضا .....» 
ولكن روسيللينى سيفرض نفسه منذ ذلك الحين كشريك أساسى فى الفريق الذى 
سيقوم بهذه الرحلة الكبرى . يجب ملاحظة الدقة التى سيتعامل بها شامبوليون 
وخطابات اعتماده من ميلانى إلى تورينى ومن أكس إلى ليون تماما مثلما يفعل قيجاك 
مع «صثير» . 
بلغت درجة إهتمامه هذه درجة أنها بدأت تضايق أصدقاء المكتشف السابقين متل 
جاك - جوزيف وجاتزيرا وبيرون الذين بدأوا يرفضون المكانة التى بدأ ياخذها ذلك 
الذى بدا كما لوانه ولى عهد «المصرى» . ألم يضم بترقيته إلى مرتبة « الشريك » - 
مثلما يقول الدكتور ياتج ؟ 
سيقول جاتزيرا إلى شامبوليون فى إحدى رسائله أنه يجد الشاب « أقل تواضعاً 
بكثير من معلمه » . ملحوظة غريبة تدفع إلى الأعتقاد بوجود نوع من الغيرة - العلمية 
أى العاطفية - أى بين بيميونتى وتوسكانى هي التى دفعته إلى كتابة ذلك . 
لم يتأثر صاحب الكشف من ذلك وإذا حدث أنه عنف الشاب وخاصة بسيب 
سلوكه الأحمق مع النساء فيجب أن تقرا رسائله التى كتبها فى تلك الفترة وخاصة تلك 
التى أرسلها إلى عاهل توسكانيا الدوق الأعظم فى ٠‏ مارس 1677 والتى يصف فيها 
التقدم الذى يحرزه فى دراساته مع دوساسى وداسييه وهى شخصيا « الطالب الشاب 
الملتحمس ايبوليتى روسيللينى » .. والتى يؤكد فيها « احتياجه لمعاون متفان فى حب 
العلم مثلما هو الحال بالنسبة لمسيو رووسيللينى » ...لكى نتعرف على أهمية التحالف 
بينهما . ظل عالم المثقفين الباريسين يثير غضب عالم الآثار المصرية فقى المقابل ظل 
تلميذه القادم من بيزا يجسد فى عينيه إيطاليا العزيزة جدأً على قلبه . وفيما يختص 
برحلته العظمى التى آخذت تملأ كل أحلامه فما أفضل أن يكون زميله فيها رجل شاب 
وهكذا أصبح الشاب التوسكانى الذى أثبت على الفور أنه بعد جاتزيرا - وجاك 
جوزيف بالطبع - أكثر مؤيديه حماسة وإصراراً - العامل المساعد لسرعة تبلور الهدف 


514 


الأسمى . وأصبح التناقض الغريب فى التقريب بين أحداث الزمن وتواصل القرون فى 
أن يبقى صاحب الكشف بعيداً عن أرض مصر علما بأن أريعة أعوام كاملة كانت قد 
مرت على تحريره « الرسالة إلى سيودأسبيه » هذا التناقض أوشك على أن يزول . فقد 
بدأ أعضاء الرحلة مراجعة الخرائط التىه ستكشف لهم الطريق إلى ممفيس وإلى 
طيبة مروراً من تورينى وليقورن وفلورنسا ليصب فى النهاية فى وادى التيل ؛ | 


. قى إيطاليا أحب إمرأة لم تحبه . إلا أنه غنم يصداقة بعض رجالاتها 
( ونسائها ) . ظل أحدهم وهى ابيوليتى روسيللينى مرتبطا بمصيره أكثر من أى رفيق 
آخر قى حياته فيما عدا أخوه وأوجوستان تيقونى . 

هل هى إذن مستعد لفرد القلاع ؟ 


كلذ إذ قيل أن يكتشف مصر يتعين عليه أن يكشف أسرارها للآخرين . 


S15 


6 - أمين متحف ذو نعال من ريح 


0 الاندقاع حيث يوجد الذهب - شارل العاشر ونابوليون - معركة بسبب مسمار - 
مذاج مسسيو قوريان - ا متحف والتاريخ - من باسالاكوا إلى دروقيتى .... الفامرون 
ببحثون عن مركب - هزم فى الأكاديمية ! ... إلى الشرق العقد ere‏ 


فى بداية القرن الثامن عشر لم تكن توجد مجموعة آثار متحفية مصرية حقيقية . 
فى كتابه « ايزيس أو البحث عن مصر المدفونة » يوضح بيير مونتى أن 8 مكتب الملك لم 
يكن يضم حتى ذلك الوقت سوى ست عشرة قطعة مصرية * وان باقى المجموعات 
الأوروبية لم تكن أكثر حظاً 4‘ 

بدأت فكرة المتحف تظهر إبان الثورة وفكرة المجموعة المخصصة الصر مع الحملة 
على مصر . وكان أعضاء اللجنة والانستيتى ( أو معهد مصر ) قد جمعوا أحجاراً 
منحوتة وأدوات جنائزية ومومياوات كان من المفروض أن تشكل مع حجر رشيد نواة 
هذا المتحف لولا أن ظروف الحرب انتزعت متهم هذه الأشياء لصالح المتحف البريطانى 
كما شاهدنا من قيل . 

ويدلا من الأشياء الملموسة . متحت فرنسا نفسها متحفا خياليا عظيما هى« كتاب 
وصف مصر» والذى واكب ظهوره -- كما يلاحظ سيلقيى كورقى فى كتابه « تاريخ متحف 
تورينى » - تكوين معظم المجموعات المصرية داخل كيرى المتاحف الاوروبية . 

ومن عام ۰ حتي ما أصبحت مصر مسرحا لصراع شرس بين « جامعي 
التحف » الذين إندقعوا نحو الأثار مثلما فعل الباحثون عن الذهب بعد ذاك ثحو مناجم 
كلوندايك ( فى كندا ) . هؤلاء الرجال الذين سيعطون أسمائتهم إلى المجموعات التى . 
سينقضون عليها كالجوارح » كانوا من المغامرين من نوع خاص : علماء أثار 
بالصدقة , يدقعهم الأمل فى الكسب المادى . والعديد مثهم سيجمع ثروات هائلة . إلا , 
أن الولع الذى يحركهم كان مصدره أيضًا حب المغامرة والأكتشاف وتذوق الفن بل 
إرضاء رغباتهم فى أمداد العلم بالأدوات التى يحتاجها كشف سر حضارة ظلت غامضة 
حتی بعد کشف ۱۸۲۲ . 


» انظر التمهيد صى 25 ١‏ ملحوظة میشیل دو فاشثار 


517 


وهكذا إندقعوا فى عمليات نهب لاهوادة فيها للثروات التاريخية التى لم يكن يفكر 
أحد بعد فى الحفاظ عليها . معظم هؤلاء الجامعين للتحف كانوا قناصل معينين من 
بلادهم فى مصر يحركهم فى أغلب الأحيان ملوكهم الذين كانوا ييحثون عن المجد أو 
عن الهبية . كما كانوا يتمتعون برعاية محمد على * الياشا ذى السلطات المطلقة والذى ' 
كان بريد إقامة علاقات صداقة مع القوى الغربية بان صرح بهذة السرقات . 

سبق أن تكلمنا عن الدور الذى لعبة دروقيتى تى قنصل فرنسا وسولت قنصل إنجلترا 
واكن الجنرال ميتوتولى المكلف بمهمة من ملك بروسيا أيضا وكذلك نيتزولى ثم أسيريى 
اللذان تتابعا على رياسة قتصلية النمسا وانا ستازى قنصل السويد والنرويج كانوا 
ينقيون هم أيضا بكل حرية وكانوا فى نفس الوقت يقطعون الطريق على التجار وهواة 
الأثار الذين لا يتمتعون بنفس المزايا . 

À‏ فرٹسا كان علم المصريات الوليد يتمتع برعاية تثير الدهشة . قاسرة يوريون 
الحاكمة التي كانت لاتميل كثيرا إلى الاخد بفلسفة الثنوير لم ثتوقف قط عن التعبير عن 
رعايتها الكاملة للأيحاث الخاصة بحمضارة وادى النيل ؛ ذلك على الأقل من خلال نبلاء 
كيار يتمتعون بالرعاية المستمرة مثل بلاکاس ودودرقیل ولاریشفیکی - دون أن يمنعهم 
ذلك مر من السماح لأفراد مثل كوربيار أو فوريان أى كلاراك بان يشنوا حرب عصابات 
ضد هؤلاء لأسباب لم تكن كلها 5 تستهدق الأقتصاد فى النفقات , 

الشخصية الرمز - يل والضامن أيضا - لهذا الإفتتان كان دون شك الملك شارل 
العاشر . أن يتمكن ملك ذى ثقافة محدودة جداً وذكاء قليل وقى نفس الوقت مرتبط 
La‏ يجرب « طافئى الأتوار» و« الرداء الأسوء » ورجال الدين عموما ومن اعطاء كل 
هذه الضماتات على إهتمامه يحركة علمية وجمالية تهدد التعاليم الكنيسة كما تراها 
حركة الاصلاح المضاد السائدة حينذاك وتهدد أيضا رؤيا للعالم قائمة على سيطرة 
الأسر الحاكمة قى الغرب كل ذلك يعتير من ألغاز عهده ولا تجد ردا يفسر هذا السلوك 
سوى إهتمامه الذى سيبحده قى مذكرة كتبها سوستان دولا روشفوكوى وعبر قيها عن 
ذلك يذكاء - كما سنرى فيما بعد - « بالشرف » الأدبى لفرنسا وهو ذات الإهتمام 
التى جعل الملك الذى الغى من قبل قانون نانت ** يحمى مؤلف طرطوف *** ريما 
٠ 20‏ معظم المؤلفين الأوروييين يعلوتة لقب نائب املك . ونحن تفضل علية لقب محمد على una LA‏ فهو لم يكن الحاكم واكن 
متدوب السلطان محمود فى من القسطئطيتية ‏ استتبول ) 

جه ee pa el! aasl ,1,2 Edit de Nantes‏ الرابع فى فرتسا يحمى البروتستائت عام ١658‏ والقاه الملك لويس الرابع 
عشر ( 18/0 ) مما تسيب فى فظائع ضددد البروتستانت وهدم معابدهم هجرة حوالی ۲۰۰۰۰۰۰ بورتستانتی إلى الانيا وسووس را ( الترجم ) 


++» موابير [ المترجم ] 


518 


كان الأصمح هو« الشرف الأدبى للملكية » ! هل كان من المقيؤل أن يبقى الأعتقاد 
السائد هى أن مصر كانت آخر ممالك نابوليون ؟ لافرنسا ولاأورويا كلها حوات نظرها 
عن مصر منذ وفاة صاحب إنتصار الأهرامات ومخترع حجر رشيد وراعى كتاب 
« وصف مصر » وقيقان دونون والشقيقين شامبوليون فى جزيرة سانت ايليين ‏ وكان 
سحر مص لايزال عالقا فى الأذهان ويرجع إلى نابوليون بونابارت فى كثير من الأحيان 

أما المجتمع العلمى الذى ظل يحتقر « الغنائم المصرية » لفترة طويلة ويقلل من 
قيمتها الحزب الإغريقى ويؤيده فى ذلك كل من فشل فى حل معضلة الهيروغليفية 
واسرارها وهؤلاء الذين كانوا يخشون من النتائج « الفلسفية » التى قد تترتب على مثل 
هذا الحل للشفرة ؛ كل هؤلاء قرروا فى نهاية الأمر أن يؤيد وا إكتشاف عام ؟؟14. 
دون أن يمنعهم ذلك من الأستماع إلي منتقديه ٠‏ 

راح الجدل ينتشر فيغذى الأهتمام بالعلم الجديد الذى انتشر بين رأى عام تثيره 
فى ذات الوقت الاسرار ى الأجواء الشرقية الغامضة والمشاحنات الجدلية في وقت كان 
كل ما يخص السياسة موضوعاً تحت السيطرة ولم يكن الجدل يقوم بين صحيفة 
ونشرة أويين مجلة وإنسيكلى بيديا بل كان يجرى بين لندن وياريس وبين فلورنسا 
وپرلین » وبين روما وتورينى . نضيف إلى ذلك قصص الرحلات والصراعات بين مؤيدى 
رجال الدين ومؤيدى التفكير الحر بين الفلاسقة ورجال الدعوة الدينية حول صحة 
الزودياك (الأبراج السماوية المرسومة فى سقف معبد دندره ) وحقيقة الإكتشافات 
العلمية وجمال القطع التى جلبت من مصر بالطبع بالتاكيد كان على املك .... إن أراد 
أن يصبى إلى المجد أن يساير التيار . باختصار عندما عاد چان فرانسوا شامبوليون 
من إيطاليا تحوط رأسه هالة النجاح الذى أحرزه بخصوص حيازة مجموعة سولت 
ويعززه تعيين مديرا للأثار المصريه فى اللوشر والذى يسمى عن حق متحف شارل 
العاشر وهى فى غاية الحماس لرحلته العظمى إلى مصر - كان يحق له حينذاك أن 
يشعر أخيرا أنه نبى فى وطنه . ألم يمنحه حماس الإيطاليين التتى يج الذى ظل التمنع 
الفرنسى يرفضه له متذ خمس سنوات ؟ 


ومع ذلك غادر » صغير » جرونويل متجها إلى « قذورات بابل » تراودة بعض 
المخاوف فى نهاية أكتوير ۱۸١١‏ وذلك لعدة أسباب : فبعد أن عير حبال الألب وفى قليه 


519 


حنين إلى مافات » شعر بالهناء فى الدوفيينه على الرغم من المضايقات التى صادفته 
بسيب أزمة نقرس فى قدمة اليمنى والتى أرجع سببها تارة الى تيارات الهواء التى 
تعبر مكاتب فلورنسا بكل قوة , وثارة أخرى لهواء « جبالنا » الرطب » وقد شكا ذاك 
لزلير : « لا أحد فى الأسرة أصيب بهذا الداء الذنى يخص الشيوخ والذى كان فيما 
سبق يختص بزيارة كبار النبلاء وها هى اليوم يتقض على رجال الفكر : لابد أن يكون 
ذلك من نتائج الثورة ! ... » . 

فى قيف حقق اكتشافاً جديداً : هى ابنته . كانت زوراييد قد بلغت ثلاثين شهرا 
من عمرها وكانت طفلة ساحرة وكتب إلى زلير يقول لها : 

« .... تأكدى أنى ساترك زوراييد تتمتع يكل سعادة الطفولة . إنه سن سعيد 
وقصير لدرجة أنه يصبح من البريرية أن تقطر عليها بما يمنحه لها من امتيازات » . 

إلا أنه سيوقف مراسلاته مع انجيليكا أثناء إقامته فى قيف . 

...ويقول لجاك - جوزيف الذى إشتكى من إحدى رسائل زوجة أخيه إن « القلب 
عند زوجته أفضل من القلم » . 
إضطر إلى ترك إينته وظلال قيف القريبة إلى قلبه وأصدقاء جرونويل الذين أثيتوا 
ولا نهم له بصورة برافقة ' 

وإيضا لأن النقرس لازمه طوال الرحلة إلى باريس .. ولكن الأهم هى أن المهمة 
التى كلف بها وهى إنشاء المتحف المصرى ستجعله فى وضع يضطر فيه إلى مواجهة 
« العصابة » التى ظل يضخم من حقدها عليه وأيضا من سلطاتها من جديد . 

ولكن إذا كان قد وجد فى ايطاليا مريدين يتاسبون قلبه , فأن له فى باريس 
أصدقاء وحلفاء وحزب قوى من الأوفياء ومن المدافعين عنه ومن يحمون شخصه . هل 
توجد ضمانة أقوى من ضمانة وزير البلاط الملكى الدوق دو دودوقفيل ؟ وما هی 
الحماية الأتشط من حماية الفيكونت سوستان دولا als Sora‏ املك للفذون 
الجميلة ؟ ومن هى الأب الروحى الاكثر حنانا نحوه من مسيو داسييه ؟ ومن هو 
الحليف الأقضل من مسيى دوقيرى ساك مدير صحيفة « لى يولتان او نيفرسال » الذى 
كاس ولا ولى العهدالدوق داتجولام . | 


520 


لقد ذكرنا كثيرا المضايقات التى إستهدفت صاحب الإكتشاف لدرجه أننانسينا 
صلابة و وفاء وحماس مؤيديه الذين أحاطوا يه مثل الحرس الإمبراطورى . ولكن يبدو 
أن يسبب ما يمكن تسميته خللا فى الفكر واحساس بالإضطهاد أخذ يرى الأخرين 
دون سواهم وخاصة جومار و روشات وكاترومار كلابروث وسيفارت وحوليا نوق 
وپانکس وسان کوینتینی ولا نسى . 
كان يتصور أن مهمته العظمى الرسمية الأولى وهى إنشاء القسم الثانى 
« للتماثيل والاثار القديمة » لمتحف شارل العاشر الذى يكمله إلقاء المحاضرات عن 
« علم الأثار المصرية » لابد وأنها ستثير حوله المؤمرات والعوائق . لدرجة أنه عتدما 
تولى وظليفته فى اللوقر تحت a‏ ل اا ل ونس إلى إلى 
جانئب الكونت دوكلاراك مدير القسم الأول فى المتحف المخصص للاثار الاغرد 
الرومانية ٠‏ كتب إلى روسيللينى فى ٠١‏ توفمير 1851 رساله تشيه طلب النجدة : 
« لك أن تتصور رجلا محبا للراحة والهدوء وجد نفسه فجأة * ملقى بسبب الواجب 
وسط مؤامرات وترتيبات موجهة ضد شخصه ودراساته . أصيحت دياتى صراعاً . 
إنى مضطر إلى إنتزاع كل شىء لآن أحداً من بين الذين يجب عليهم مساندتى غير 
مستعد لأن يفعل ذلك . إن وصولى إلى المتحف يضايق الجميع وكل زملائى يتأمرون . 
ضدى لأنى بدلا من إعتبار مركزى وسيلة للراحة رأيت أن أهتم بالقسم الذى أديره 
وذلك سيكشف للكافة أتهم لا يهتمون بأقسامهم . هذه هى عقدة المشكلة . احتاج 
لمعركة للحصول على مسمان.» 
« الجميع يتأمر » ضده ؟ يمكن لنا أن نتصور أن وصول هذا العيقرى البركانى 
الشخصية وسط الجى العام الهادئ والمريح الذى كان يميز عالم متاحف ذلك العصر 
والذى كان ينتمى إلى ثقافة الصالونات أكثر من إنتمائه لعالم العلوم , كان لابد يالفعل 
إن يتسبب فى العديد من المصادمات وأن يقلق راحة العديد من الناس» . 
(عالم الصالونات هذا يمه أصدة ق تمثيل العزيز فيقان دونون ) 


وهى إن « أقلق » أحداً ot‏ أكثرهم قلقا کان چامور . لوميسير الحكومة داخل 
«لجنة مصر » وهى أنضم منذ يداية عودة الملكية إلى أسرة البوربون وكلف على الفور 
يمهمة إحضار نسخ من القطع التى وقعت فى أيدى الإنجلير فی عام ۱۸۰۲ ووضعت 
فى البريتش ميوزيوم وتزامن ذلك مع فترة عودة نابوليون « المائه يوم» . وهناك نبتت 


+ لاه محب للراحة » ولا هذه« الفجأه» تتفقان مع الواقع الصحيح . 


321 


= à 


دروقيتى ٠‏ 
يتضح إذن أن جومار كان أول من حاول أن ييلور الفكرة إذا لم يكن هو صاحبها 
وندرك بذلك بصورة أفضل الأسباب التى أثارث حقده على صاحب الكشف .. بعد 
« الرسالة الى مسيو داسييه » كان يجب عليه أن ينحنى أمام تفوقه العلمى ولكن يمكن 
أن نقدر أنه لم يتمكن من التسامح معه لأنه صادر منه المتحف الذى كان هى صاحب 
فكرته وذلك ماتؤيده فيه بعض الأدلة . وجاء فى ملحوظة لأحدى رسائله التى كتبها فى 
۲ مارس ۱۸۲١‏ ما يمكن أن نطلق عليه صرخة من أعماق القلب إذ قال « الم يكن فى 

إمكانه أن يحصل علي كرسى الأستاذية دون أن يستولى على ممتلكات الأخريين ؟ » 

ومن هذا كان السبب وراء ملاحقاته المستمرة دون هوادة لشامبوليون ويعد أن نال 
هذا الأخير ما أراد » وجد نفسه فى مجابهة داخل القلعة - مع أنداد لم تكن الرحمة 
من سماتهم . وعلي الرغم من معرفتنا المسبقة بالحساسية المفرطه اشامبوليون إلاأنه 
يتعيين علينا أن نقر أن حياته داخل اللوقر مرت ببعض التجارب المؤلة . 

أقل ما يمكن أن يقال هى أن السعادة لم تكن الشعور السائد فى نقوس الرجلين 
الذين سيتعاون معهما . ونتذكر أن قبل سته شهور غداة تعيينة كان قد كتب إلى جاك 
چوزيق أنه يأمل أن يسود السلام والتقاهم بين فوريان وكلاراك . إلا أنه لن يحصل 
على السلام الكلى وأقل من ذلك على التفاهم . لن تتفق أبداً نظرة الرجال الثلاثة فى 
أى مجال من المجالات . وإذلك فاذا كانت تربية فوريان الراقية وكذلك الضغوط التى 
تعرض لها من لاروش فوكى قد هيئت مناخاً من التعاون والمقبول إلا أن المجادلات لم 
تتوقف قط Login‏ . لم يكن السبب وراء ذلك أن فوريان كان فى تفاهة شخصية مثل 
راعول روشات أو فى حقد جومار - بل إنه كان ذا شخصية نبيلة وصفها معاصروه 
بالاجماع يانها « مكتملة » . 

مسقط رأس فوريان كان فى لاروك - دانتيرون فى مقاطعة منابع الرون . والده 
كان يسمى بالاماد ( ققد حياته تحت المقصله فى مدينة ليون ) وكان بهى الطلعة وفذان 
مصور غزير الانتاج ومتحدث ليق وكاتب سلس الأسلوب تميز بالشجاعة فى ساحة 
القتال مما أتاح له أن يصبح باروناً من بارونات إمبراطورية نابوليون . ظل من عشاق 
شقيقة هذا الأخير يولين - وهذا يعتبر رقما قياسيا بالنسبة ابرنسيسة من 


فى ذهنه فكرة تكوين « مجموعة أثار « ورأيناه قد قام باتصالات فى هذا الشأن مع 


522 


آل بورجيزى هذا الرجل السعيد كانت موهبته أن يكون سعيدا حتى أنه عبر دون أيه 
عوائق الحدود بين مرحلتى الأمبراطورية وعودة الملكية وحل فى عام 1۸١١‏ محل قيقان 

علاقاته يجان فرانسوا شامبوليون بدأت بداية حسنه فى إيطاليا حيث ذهب مدير 
المتاحف للقاء معاونه اللامع . وإنحاز فوريان بكل تقدير لفكرة حيازة مجموعه سولت . 
والتى كانت تعنى فى ذلك الوقت ترقية alle‏ المصريات إلى جانبه , إلا أن العديد مئ 
الأشياء كانت تفصلهما فلم يدم التقاهم بيذهما طويلا ٠‏ 
زارها عام ۱۸۱۸ من رجل لم يذهب إليها قط . 

وعلى الرغم من كونه أقل حساسية حول هذا الموضوع من جومار إلا أنه كان 
يتدرج باقدميته فى هذا المجال بان كان يتفاخر بسرد ارحلتة كان بالفعل منمقا ٠‏ 
تظهر فيها . إذ كان يثترك تنفيذ ذاك إلى متخصصين على قدر كبير من الشهرة مثل 
فارنية أى جيرار . « عبيد » فخورين بانهم من تابعى مثل هذا ns paball Juil)‏ 

كما أن فوريان يتفاخر من جهة أخري في المواجهة مع شامبوليون أنه من رواد 
المتاحف المصرية إذ أنه كان اشترى في مدينه إكس عشية سفره إلى مصر العديد من 
القطع الاثرية التى كانت تضمها مجموعة سالبية - ومنها بارولييف لكهنة إلاله يتاح - 
ثم وهبها إلى اللوشر . وابان شراء مجموعة دوران التى كانت تضم ألفى قطعة أثرية 
صغيرة والتى شكلت أصل مجموعة اللوقر » قبل شراء مجموعة ليقورن » كان قد إقترح 
إنشاء متحف للمصريات يوضع تحت إسم شارل العاشر وكتب يندد برقض الحكومة 
شراء مجموعة دروقيتى قائلا « إن الأفكار الضيقة للاقتصاد فى الأنفاق تعتبر بمكابة 
وفاة الحقيقة فيما يتعلق بالثروة الوطنية » (1) وكان شامبوليون بالطبع متفقا معه فى 
تلك النقطة . 

ولكن كان هناك عدم توافق جوهرى بينهما فى رؤاهما الجمالية . فى إحدى 
الروايات التى نشرها بعد ذلك بفتره قصيرة تحت عنوان «لورد باريمور » جعل فوريان 
ثذكرنا أن هذالمبنى كان يمثل بالنسبة لشامبوليون أسمى تحية قدمها الأغريق للفن 
المصرى - أمكننا أن نقيس عمق التناقضات التي كانت تفصل بين الرجلين . 


523 


علاوة على ذلك كان فوريان غيورا على سلطاته ويرى أنه وحدة الذى يجب أن Î‏ 
يختار معاونيه من موظفى الدار . ولذلك كان أول صراع بين الرجلين بسبب قرار 
إتخذه شامبوئيون بتعيين صديقه جان - جوزيف دوبوا فى وظيفة رسام . حاول 
فوريان الأعتراض على ذاك فراجع صاحب الكشف لاروشفوكى فى ذلك فحصل على 
تأييده فى طلبه . ومن هنا كان رد الفعل الحاد لمدير المتاحف وكان نزير شُوْم لماتلى 
ذلك . فكتب للاروشفوكو : 

« ... اضطررت لأن أرفع لكم الجوانب السيئة لهذا التعيين الذى لامثيل له فى 
الإدارة والذى يهددها بان تتنامى دون جدوى وفى تضاعف اليات العمل التى ستهدم 
وحدة امسار إنى أستجيب اليوم لخطابكم الذى تطالبونى فيه بان إقترح عليكم الموافقة 
على تعيين مسيو دوبوا كرسام للأثار المصرية فقط ليتولى تحت رقابة مسيى شامبوليون 
الأعمال التحضيرية وترقيم وترتيب الأثار المذكورة .....» . 
« هذا النوع من اللدغات لن يتوقف أبدا لدرجة أن جان فرانسوا عبر لأصدقائه 
عن خشيته من أن يعتبره فوريان وكلاراك « لعنة مصرية جديدة » ومن أن يكل الوزير 
يسبب كل تلك المؤامرات الخسيسة على الرغم من حسن رعايتة له - غير أن بقية ردود 
فعله حول عمله كمدير متحف مبتدئ لم تكن كلها على هذه الدرجة من التشاؤم 
فلنستمع إليه وهى يفضى بما فى نفسه لصديقه الأب جاتزيرا فى نوفمبر 1851: 
« عندى قاعة عظيمة فى الدور الأرضى أخصصها للقطع الضخمة وأريع قاعات فى 
الدور الأول فى القصر . ها أنا إذن وسط النقاشين والمهندسين والبنائين والأمور 
تسير بصعوية ولكن لابد أنك تصورت أنى الأقى ( بعض العداوات ) من قبل بعض 
الأشخاص الذين يسمحون لأنفسهم بعدم قبول أصرار كل من الدوق دى ودوقيل 
والفيكونت دى لا روشفوكوى على مساندتى ويعترضون وسيعترضون على الدوام بان 
يقيموا ألف عائق صغير فى طريق عملى الذى سنيسير وسيكون ما يجب عليه أن 
يكون . إنى أناضل كل يوم قدر طاقتى .. ولكن النجاح حليفى مادام الدوق الممتاز 
دويلاكاس موجودا فى باريس وأخذ بين يدية إدارة شئونى ... فليحفظه لنا أمون رع 
العظيم » . 

ولكن هاهى يعد ستة شهور يعود إلى شكاويه وكتب إلى سوستان دولا روشفوكو 
فى ١؟‏ يونيى 14717 يشكى من أن المتاح له فقط بجوار الساحة المربعة الداخلية هما 
قاعتان صغيرتان وممر وشئ يشبه القبى ( ... ) أرضية من الطوب الأحمر ...) ثم إنه 
صارع حتى يتقادى أن يكون طراز ديكور « قاعاته » أقريقى رومائى - كما حارب - 
للأسف - لكى يقرض أسلويه فى لصق البرديات على ورق مقوى وهو ما منعه سان 


324 


كوينيتى من تحقيقه فى اليبيمون . ولذلك كتب يقول « حشرات باريس تحسد الحشرات 
الدوديه فى تورينى التى تلتهم بهدوء برديات دروفيتى » . 1 

مدير القسم المصرى ان يتفادى أيا من هذه الفرص التى يصطدم فيها بزملائه 
أى بالبيروقراطية الوزارية وشارك فى كافة تفاصيل الديكور وترتيب التحف , وتكشف 
إحدى المذكرات التى كتبها صاحب الكشف ونشرها بيير كوينام (©) « الدقة المتناهية 
التى تعامل بها فى ترتيب التحف داخل القاعات المختلفة وفى فرد البرديات العظيمة 
...) على كاقة مستطحات الحوائط ... ووضع الفيترينات التى ستسمع باستقبال 
الأدوات الجنائزية . ومهما كانت ثقته فى جان -- جوزيف دويوا فكان هى الذى يتخذ 
كافة القرارات وپالتالى كان هو الذى يتلقى كافة الضريات . 

ولكن الخلاف الحقيقى بين جان - فرانسوا ومديره العام كلاراك كان على 
مستوى أبعد من ذلك يكثير أى أنه كان صراعاً بين رؤيتين متباينتين فيما يجب أن 
يكون عليه أى متحف . إذا كان المتحف قد أنشئ فى فترة الجمعية التأسيسية 
( لاكونفانسيون ) لأهداف فنية بحتة » فان شامبوليون كان يرى أن الأوان قد حان لكى 
يتحول من مجال التذوق إلى مجال العلم أى بصورة أشمل إلى التعليم . فكان صاحب 
الكشف يرى أن القطع التى يعرضها المتحف يجب أن تقدم بطريقة تصبح بها مستنداً 
تاريخيا ٠‏ 

وكانت هذه الفكرة على العموم موجودة ضمنيا فى النصوص التى كلفته بمهمته . 
والمدهش حقا أن المرسوم الملكى الصادر فى ١١‏ مايى 14851 الذى إتخذ من أجل 
«ضمان نجاح الأبحاث التاريخية التى صنعت فى جميع العصور أمجاد فرنسا » عينه 
فى ذات الوقت محافظا ومعلما وأن الشرح العلنى للنصوص الفرعونية بواسطة صاحب 
الكشف كان مرتبطا بعرض القطع الأثرية المقدمة للزوار من المتحف الذى كان فى ذلك 
الوقت فى مرحلة التكوين . المشروع إكتسى من الأصل معنى علميا بحتاً . 

هل يمكن أن نرجع مثل هذا التفكير العميق إلى سوستان دولاروشفوكى فى كتابه 
« الملكية في أفولها » 1700316018 gs Lil Lies Au Soir de la‏ سوقينى بانة 
رجل « متآمر عصبى المزاج » كان وثيق الأرتباط بشامبوليون ويعتبر من أصدقاء 
المتطرفين . إلا أنه كان شديد الأعجاب بوالد الدوق دو دودوقيل ولعل ذلك تسيب فى أن 
ليبرالية هذا الأخير قد طبعتة هى أيضا وإذا كان ذهنه قد تفتق على إنشاء « صندوق . 
التعويض » يسمح له بخذق الصحافة وهو الصندوق التى كانت تصب فيه دخول 
المسارح والعاب القمار وكان مكلقا بشراء أسهم الصحف المناهضة عن طريق أطراف 


525 


ثالثة ... إذ كان يرقع إلى الملك شارل العاشر مذكرات تحذره من الأخطار التى كانت 
تهدد الملكية بسيب قصر نظر الوزراء وتحلل الأخلاق ومؤامرات الليبزاليين .. إلا أن 
هذا الرجعى كان يعبر عن تعاطفه الدائم مع الفنانين وأهل المسرح كما أقام علاقات 
صداقة مع چورچ صاند وساتد شامبوليون على الرغم من أنه لم يذكره يكلمة واحدة 
فى مذكراته . 
si‏ يرجع موققه هذا إلى تقد تقديره لوالده أوإلى عداوتة الكونت دو فوريان والذى كان 
يحارية بكل الوسائل » الهم هوأن هذا النبيل الجليل ظل على تحالقه الشجاع مع 
صاحبي الكشف « الجاكوبى » » ويبقى أيضا أن شارل العاشر قد اعتمد أيضا هذا 
التصور ( الفلسفى ) جدا لدور المتاحف . ثم إذا كان متحف شارل العاشر قد تحول 
إلي معمل للابحاث التاريِحّية البعيدة تماما عن تعاليم الديانة الكاثوليكية وإلى الطقوس 
التى وضعها اسلافه الملوك الكابيسيون فان ذلك لايتفق ولا يتناسق مع القرارات التى 
سيتخذها das‏ ذلك بثلاث سئوات والتى ريبطت إسمه بالقوانين « المشيوفة » . هذا 
صحيح وأكنه ليس أول الأسباب التي تدعو الدهشة فى سرد تاريخ حياة شامبوليون . 
فى إحدى المذكرات التى وجدها ونشرها لحسئن الحظ بيتر كونيام قى المقال الذى 
سبق ذكره يعرض صاحب الكشف بنفسه ويدقة أكبر هذه النظرية للمتحف المدرسة 
والدور التعليمى والتأريخى للمجموعات التى يتولى مسئوليتها ويعبّر عن فكر ديناميكى 
أكثر من كونه « محافظا» : 
«... تتشكل مجموعات الآثار المصرية ( ... ) بصورة عامة لهدف واحد هى إلقاء الضوء 
على تاريخ الفن وطرق النحت والتصوير المستخدمة في مختلف العصور ولدى الأمم 
المختلفة ( .. ) إلا أن أهمية هذه الأثار المصرية وتسلسلها فى أعداد كبيرة والتى 
أثرت متحف شارل العاشر يفضل سخائه الملكى ؛ كانت محتاجة لأن تتوافق مع 
بعضها على مستويات مختلفة مادام المطلوب منها هو أن تكؤن إحدى المصادر » 
ومن البراهين الداله على تاريخ الأمه المصرية كله . فكان من الواجب ومن الضرورى 
جداً التعريف فى تقس الوقت على كُنْهَ كل أثر وعلى الهدف المحدد من وراءه ثم تحدد 
المعرفه الدقيقة للغاية لكل من هذين الموضومين المكان والترتيب الذى يجب عليه أن 
يشغله . وكان من الواجب فى النهاية ترت تيبهم بطريقة أكثر ما تكون كمالا » توضح 
تسلسل الألهة وملوك مصر منذ العصور البدائية حتى الرومانية , وترتيب الأدوات 
الخاصة بحياة المصريين العامة والخاصة بطريقة منهجية , ٠‏ 


كانت هذه الرؤية الثورية لدور المتحف هى التى جعلت شامبوليون فى صراع مع 
قوريان وكلاراك أكثر يكثير من الأختلاف فى الشخصيات أو الصراعات حول السلطة . 


526 


لايد أن هاتين الشخصيتين ذات الميول السياسية المحافظة ( كتقليد عائلى ) كانتا 
Er‏ تعتقدان أن الملك ويلاكاس ودودوفيل لاروشفوكى على درجة كبيرة من السذاجة حتى 
يوافقوا ه هذا« الفياسوف »فى أرائه التى لم تكن تهدف سوى لان تجعل من التاريخ 

بل كان صاحب الكشف من الجسارة بأن إستخدم الكلمة الخطيرة فى تخاطبه مع 
صديقه الأب جاتزيرا المتحرى جداً ( بالمعنى الذى كان يستخدم فى عصر ال لكية 
الأولى ) إذ كتب يقول له « لايد أنك توقعت منى أن أنقذ خطة التبويب التى لم يسمحوا 
لى بتنفيذها فى تورينى : إنها بالفعل أنسكلوبيديا مصرية ....» . 

لم تكن سذاجة من الدوق دورليان الذى كان من أشد المعجبين بشاميوليون وكان 
لايترك فرصة تمر دون أن يطلق سهامه على أولاد عمومته من الفرع الأكبر للأسرة 
الملكية - عندما وصفه وهى يبتسم بانه « محافظ متحف » ومورخ أكثر مما ينيقى .. « 

الإنسيكلوبيديا -- ثم رابين الملك -- فيليب مساواة .. ها هو يعود إلى شياطينه 
الأعزاء , 


الاستيلاء على التحف - كما تقول الاستيلاء على الباستيل - على يد شامبوايون 
تم عن طريق شراء مجموعة من الآثار : ويالتالى كانت ديناميته هى السبب الذى جاء ' 
به إلى هذا المركز وفى هذا المكان ولم يكن فى إمكانه سوى أن يظهر ذلك ليس فقط عن 
طريق التعبير الثورى فى المفاهيم التى كانت تقوم عليها علاقة القطع المعروضه فى 
المتحف مع الجمهور المدعو لزيارة اللوقر » ولكن أيضا عن طريق الإشراء 
المستمر « لمتحقة » . 

لا ننسى بالطيع المعركة التى خاضها ضد شرا ء القصر الملكي القرفسى لمجموعة 
حيوسييى باسالاكوا - تاجر الخيول السابق الذى تحول الى تجارة التحف الأثرية - 
وهى الصفقة التى كان يؤيدها جومار ( وها مايشرح جزئيا ذلك ) إلا أن حجان - 
فرانسوا كا يحذر باريس من الثمن المبالغ فيه الذى يطلبه جامع التحف الإيطالى - 
أريعمائة ألف فرنك - والذى كان كفيلا بالأجهاز الكامل على الميزانية فى الوقت الذى 
يقترح هى فيه شراء مجموعة سوات التي كانت قيمتها أكبر بكثير من الأخرى . وفاز 
هى ثم إفتتح عصره فى اللوقر باستقبال مجموعة ليقورن التى سافر من أجلها جاك - 
جوزيف إلى ميناء لوهاقر للاشراف على إنزالها من المركب فى 16 أكتوير . 


ثم يعد أن اطمأن على حصوله على رصيد لامثيل له فى النومية أخذ محافظ 


527 


t 


المتحف الجديد ينظر نظرة مختلفة للعرض الذى يتقدم به ياسالاكوا. كانت قطع الأثار 
المعروضة قد شدت إليها الجمهور كما لفتت نظرمنافسا قويا هى ملك بروسيا الذى 
أوقد هى مبوادت إلى باريس التفاوض.. 
كان ذلك كافيا لاستثارة صاحبنا الذى كتب لجاتزيرا : 
« ... مطالب ( ياسالاكوا ) إنخفضت بمقدار RIT‏ منذ أن وصلت قطعى 
الضخمة من ليقورن . ستتشكل لجنة من أجل الحصول على هذه المجموعة » وإذا وافق 
البائع على قبول من ستين إلى ثمانيين ألف فرنك التى يمكن أن تدفعها له فان هذه 
المجموعة ستنمى متحفى وتثريه ....) . 
أنظر كيف يتكلم الأن .. قطعى الضخمة من ليقورن »« متحفى » ... ها هو 
المكتشف الخجول الذى بدا لمدام مابيه « غير قادر على مسائدة إكتشافاته » قد تحول 
إلى رئيس ومجادل صلد يتعامل كند مع كبار رجال المعهد ( الأنستيتى ) .. وأصبح 
صوته قويا مدويا عندما يتعلق الأمر بشراء مايسميه زميله كلاراك ساخرا « غنائم 
مصر » إلا آن سلطات چان فرانسوا الجديدة لم تكن كافية لضمان نجاح الصفقة . 
كانت مجموعة باسالاكوا معروضة فى ممر قيقيان فى عام 1417 وكثر الحديث 
حولها . إلا أن صاحبها إضطر لتخفيض الثمن الفلكى الذى حدده لها ونا لم يتمكن 
من إيجاد مشتر لها فى قرنسا واعتبر نفسه محظوظا جداً ببيعها لملك بروسيا بميلغ 
مائه الف قرنك ؛ علاوة على وظيقة محافظ الجاليرى المصريه يمتحف برلين . 
لم يمنع ذلك أن يحقق شامبوليون كمدير المتحف بعض النجاحات الطيبة . فى 
سبتمير 18517 كتب إلى جاتزيرا هذا البيان بالانتصار . 
« ... اشتريت مارد روما شقيق ماروك المحنط * كما قمت بمشتروات هامة أخرى 
وتلقيت الهدية الرائعة من المجوهرات الأثرية من الذهب الخالص التي قدمها باشا 
مصر هدية لملك فرنسا . وجدت ضمنها الختم الملكى لكليوياترا - كوكس من 


+ راجع فصل ١1‏ الئكتة حول الفرعون أوزيماندياس 


528 


الذهب الخالص ويزن خمس أوقيات عليه صورة هذه المرأة المسترجلة بالحجم الكبير 
محفورة للداخل . كما تمت مؤخرا صفقة أهم بكثيى وهى شراء مجموعة دروقيتى 
الجديدة والتى وصلت إلى باريس كما تعلم دون شك والتى تضم مجوهرات مصرية 
على درجة لاتصدق من الفخامة عقود وخواتم وأساور وحلقان من الذهب المرصع 
بالميتا . إنها بالفعل تعرية كاملة لاحد الفراعنة وبخلاف التماثيل تضم هذه المجموعة 
خمسين بردية مصرية وإغريقية وخمسماتة جعران وأوانى وثمان اوحات جنائزية إلخ 
الخ ... أصيحنا كما ترى أكثر حمالا وأكثرثراءا منكم انتم الذين كان بامكائهم أن 
يكونوا الأوائل ولم يرضوا بذلك * » 
تم شراء مجموعة دروفيتى الثانية بمبلغ مائه وثمانين ألف فرنك 1١ , . ٠١‏ وتعتبر 
صفقه عظيمه فى حد ذاتها . ولكن كان لها ردود فعل سيئه نوما ما على المستقيل 
الأنى للمحافظ . إن شامبوليون الذى نراه يتحرك فى كل إتجاه داخل قاعات متحف 
شارل العاشر دون كلل على الرغم من أزمات النقرس التي تعذيه مستبدا دون تسامح 
مع كلاراك ومتحديا فوريان كان على الرغم من ذلك يعيش فى مكان آخر . كان بفكره 
قد سافر بالفعل إلى مصر . 
رأيناه die‏ الشهور الأخيرة لرحلته فى إيطاليا بحث أصدقائة الأوفياء - وعلى 
وياتمس من صديقه ملك توسكانيا المساعدة وكذلك وهو الأهم مساعدة بلاكاس 
مبعوث المعوته الألهية . .. ثم أصبح المشروع فجأة موضوع الساعة ويصورة 
دراماتيكية يسيب الانياء الواردة من مصر لان برناردینو دروقیتی - وكان قد تفاهم 
من حديد مع السلطات التى إعادت له لقبة ** قنصلا عاما لفرنسا ھی إسكندرية - 
أعلمه أن إقامته فى مصر يجب ألا تتاخر لأن باشا مصر محمد على بدأ - بالرغم من 
تحذيراته - فى هدم المعابد ليستخدم أنقاضها وأماكنها لبناء معامل السكر اللازمة 
لتنمية البلد إقتصاديا *** بقدر ماكانت الانباء القادمة من الشرق مقلقة له وكانت 


جدروقيننى عرض هذه المجموعة أولا على ملك بيمونت ساردينيا إلا أنه رفضها كما فعل لويس الثامن عشر مع 
المجموعة الأولى . 
+« السؤال المعلق هى هل ترك أصلا مهام منصبة لالكسندر بياثوان الذى عين يصفه عرحليه وهى من الأكفاء واسير سابق قى أيدى 
الاتراك ثم قنصلا فى سكا ومتها إلى بالتيمعور فى امريكا ؟! 
+++ إستائف دروقيتى حملته " يناير 1457 وكتب لجاك - جوزيف : « عنمت أن أخاكم عازم على زيارة الوادى المقدس 
الذى يمكن اعتياره من الأن من الناحية العلمية من إختصاصة هو. وإذاك فانى أبادر بعرض كافة خدماتى عليه 
واضع نفس بالكامل تحت تصرفة لاني مقتنع بالنتائج النفسية التى ستترتب على هذه الرحلة ولاشى يثلج صدرى 
أكثر من أجلها بالنسدة لة أمنه وسهلة سعيده . 


229 


بمثابة حافزا له بقدر ما ألهبت خياله الصور المنسوخة والروايات التى أسهب في 
سردها المكتشف الجسور لمنطقة بروه عالم الطبيعة والتعدين فريديريك كايو والذى 
نسخ بدقة اللوحه الفلكية لمعبد أبيدوس كما أنها استكملت معارف محافظ متحف اللوشر. 
هل يمكن بعد ذلك كله مسايره أخيه فيما كان ينصحه به فى مرحلة سابقة بان يترك 
مصر لهؤلاء المندفعين ولكنهم مكفوفون فى حين أن بامكانه هو أن يرى وأن يقرأ ؟ 
ظل ذكر المشروع العظيم لعدة شهور يتناثر فى مراسلات جان فرانسوا . کتب 
فی ۳ مارس 185 لعاهل قلورانسا : 
« سأكرس جهودى كلها ( للمتحف ) حتى شهر نوفمير . آمل أن أتمكن 
فى هذا التاريخ من تحقيق أمل حياتى كلها بزيارة مصر أرض العجائب ومهد 
الحضارة وبالبحث فى أثارها على ذكريات التاريخ البشرى الأولى وعلى أسماء 
رجال عظماء طواها النسيان مئذ ثلاثة آلاف عاماً وعلى مذاهب دينية قديمة لعلها 
تكون أكشر نقاءا مما يعتقد Masons‏ 
كما كتب للكوستانزى جاتزيرا بعد يضعه أسابيع فى 5؟ مارس رسالة يظهر من 
خلالها نفاذ صيره أكثر من ذى قيل : 
« أضع اللمسات الأخيرة على مذكرتى الخاصة بهذا المشروع الضخم . ساقدمها للملك 
وساعرف بعد شهر من الآن ما الذى يمكن أن أنتظره من الحكومة لتنقيذ مشروع 
تهتم به فروع عديدة من العلوم التاريخية . استعد إذن للسفر إبتداء من شهر يوليو 
٠ (‏ ) لازلت أعتمد عليك لتشاركنى مشقات ومباهج ومجد هذه الرحلة ( .. ) خطتى 
مبنية على أساس أن جميع مصاريفك ستكون مدفوعة وستحصل لدى عودتك على 
ميلغ خمسة آلاف فرنكا لكى تشرب أعشابا مغلية ولتستريح من العناء الذي فات » 


قيل أن يحاول إقناع املك بمشروعه الأدبى أرسل مسودة مبدثية له إلى الفيكونت 
دولا روشفوكو موضحاً أن هذا المشروع المحفوف بالمخاطرلا يمكن ارجائه بسيب 
الاخطار التى قد يثرتب عليها عدم وجود « مايمكن الحصول عليه اليوم من السفر الى 
هذه الارض ...بعد بضعة سنوات »»..قى ذلك اشارة واضحة الى مانبهه اليه 
دروفيتى.لم يلب القيكونت سوستان دولار وشفوكى لأول مرة إحدى رغبات صاحب 
الکشف » اذ انه لفت نظر شامبوايون الى انه كلفه منذ اقل من عام واحد يمسئوليات 
تتطلب منه ولشهور طويلة قادمة ان يبقى فى باريس على الاقل حتى موعد افتتاح 


530 


متحف شارل العاشرالمقترح له يوم ؛ نوفمبر يوم عيد ميلاد الملك . امام هذا التنبيه 
لواجباته رد جان فرانسوا قائلا أن رسالة مدير الفنون الجميلة وصلته وانه مستعد 
للانتظار حتى موعد الافتتاح على الاقل . ولكننا نخطئ لى اعتقدنا ان هذا «الدوفينى 
الشقى» سيقبل ان ينصاع تماما لما يملى عليه . واذ به يكتب على الفور للك فرنسا 
وعاهل توسكانيا الدوق- الاعظم دون أن يخشى إغضاب لاروشفوكى . كتب فی ۲ يوأيو 


الى شارل العاشر : 
«أورويا العلوم كلها تتوجه بآمالها شطر هذه المتطقة الكلاسيكيه كما يتعلق رجاوها 
كله بجلالتكم . 


لويس -العظيم * كان قد طلب من لاببنيتز رأيه فى هذا البلد المشهور ويعود 
أجلااتكم تحقيق قدو يق المشاريع السلمية لجده الخالد وسيزداد يريق ملككم يجميع 
الانتصارات الأدبية الجديدة التى ستتم تحت رعايتكم ا معظمة . 
. ان ماتفضات به جلالتكم من أجل العلوم التاريخية من مقتنيات لاتنمحى ذكراها 
لنفسى بأن آتقدم بطليه . 
وإذ أنذر نفسى لهذا المشروع العلمى الضمخم فإنى لا أنظر سوى لما سيضيفه 
يامولاى من مجد لاسمگم » . 
ويعد شهر وأحد توجه ناحية ليويولد الثانى : 
« سمحت انفسى أن أعتمد على تعاون نشط من اجنة توسكاتيا لاستكشاف الآثار 
التاريخية التى مازالت موجودة فى مصر . إن الخطاب الذى تفضل صاحب الجلالة 
الأمبراطورية واللكية بتشن يفى , قد أرضي أمالى كلها بما أعلته من إعتماد الخمة 
٠‏ العلمية روعة ضمن جميع الرحلات التى أيتغت تقدم الفراسات الأساسية والتى 
يتحتم على هذا القرن أن يقوم بها . أنه من المؤكد على الأقل أن جميع العقليات 
المستنيره فى أورويا تصفق لهذا المشروع بتعاطفها الكامل معه وأنها تشاطرنى 


+ يقصصد لويس الرابع عشر ١714‏ - 17/1 - الملقب بالملك - الشمس وصل الى عرش فرذسا وهي فى الخامسة ( للترجم ) 


531 


الشاعر العميقة المعبره عن إمتناتى إذاء القرار الكريم الذى تفضلت باتخاذه جلالتكم 
الإميراطورية والملكية , 

تعين على مدير المتحف ذى الحذاء الطائر أن يدعم طلباته وتعبيراته بالعزفان 
بالجميل باعتبارات أخرى أكثر واقعية وهى ما أسر دودوقيل ؛ الراعى المتنور القادر 
على تحذيره من الأخطار التى قد تواجهه فهو يوضح له أولا أن مالية الملك يمكنها أن 
تتحمل شراء مجموعتى باسالاكوا ثم دروقيتى ( رقم > ) ثم وراء ذلك مباشرة 
مصاريف « الرحلة الأدبية أى الثقافية » ثم أن أعمال إعداد المتحف وتتميقه لن تتم ت 
قبل نهاية عام ,1١417‏ وأخيرا فان الموقف السياسى والدبلوماسى فى شرق et‏ 
المتوسط العلاقات فيه مهدده بين فرنسا وياشا الأسكندرية مما يمثل تهديداً على المدى 
القريب أكبر من أن تتحمله رحلة سلمية . سنرى فيما بعد أن رؤية الدوق النبيل لم تكن 
قصيرة .. 

فرضت بذاك مهلة سنة كاملة على أعضاء الحملة البحرية عمل چان فرانسوا على 
التعامل مع الشدة بصدر رحب واختار أن يؤدى دور التلميذ النجيب بالنسبة لعاهل 
توسكانيا الدوق الأعظم ليوبولد الثانى : « سننتهن مسيو روسيللينى وأنا - هذه المهله 
للاستعداد للرحلة ) بداية متعمقة للاثار الموجودة فى المتحف الملكى بباريس [ .. | 
بذلك نكون حصلنا على وسائل جديدة تساعدنا فى إتمام مهمتنا . 

وبالفعل جمع الرجلان المراجع الأكثر أكتمالا عن مصر . فبخلاف « وصف مصر» 
ضموا إلى مجموعتهم أعمال القدماء هيرودوت وليودور وسترابون وبلوكارك ومن 
المحدثين قولنى وسوقفنيى .وفيقان دونون وجى .. إلا أن إهتماماتهم خلال هذه الأشهر 
المحمومة بالقلق لم تتركز قط فى الإعداد للرحلة العظيمة .. 


ففی فبرایر 14517 تقدم جان فرانسوا شامبوليون ولأول مرة بترشيح نفسه 
لأكاديمية المخطوطات والأداب وهو ما يعتبر عدم تناسق غريب في المواقف إذ كان 
يعرف تماما أن السلطة في العالم الاكاديمى وأدواتها التنفيذية سيقومون بكل ما هو 
ممكن لأزاحته عن طريقهم . . أن وزير الداخلية كورييلر كان في عام ۱۸۲۲ قد فرض 
على الأكاديمية أن تخفض عدد أعضائها من أريعين إلى ثلاثين عضوا ليتفادى تسلل 
ليبراليين مثله داخل صقوفها كما أنه لايمكن أن يكون قد غابت عن ذاكرته الاحداث 
المؤلة التي حدثت في ديسمبر 1814 عندما رفض ترشيح أخيه الكبير اثالث مرة 


532 


والثورة العارمة التى إنتابته حينذاك ليس فقط بسبب الأهانه ( والظلم فى رأيه ) التى 
لحقت بجاك جوزيف ولكن أيضا بسبب الصوتين الذين صوت له هو يها ... إذ أنه كان 
مستعداً أن يقبل أن الذى تفوق عليه - المدعى هاز - السكسونى عالم الإغريقيات ولكن 
مالم يكن قادرا على تحمله هى أن يعتقد أنه دخل في منافسة مع أخيه وطالب أخاه فى 
إصرار أن ينشر بيانا يكذب فيه ذلك بصوره قاطعة » وظلل مقتنعا أن الصوتين اللذين 
حصل عليها لم يكونا لصديقين يريدان له خيرا وأنما كانا لأعداء يستهدفون الوقيعة 

سواء كان ذلك نوعاً من الماكيافيلية أو كان الحجر الذى ألقاه الدب » فان الحدث 
آله كثيرا ووعد أخاه حينذاك أن الطلاق بينهما والأكاديمية كان بائنا والى الأيد » : 
ومن شدة التأثر لفشله وافق فيحجاك أخاه على هذا الرأى : ولكن هاهى الأن بعد أقل من 
ثلاثة أعوام ترك« صغير » داسييه العظيم يقنعه بان يجلس فى المقعد الخالى لأنه 
لايمكن ترك شخص يدعى شارل أوج بوكوقيل يجلس فيه قهو كان يعمل معاون طبيب 
خلال الحملة فى مصر ثم أسره القراصنة فى رحلة العودة وحبس فى القسطنتينية 
واصبح بعد ذلك قنصلا فى باترا عام ١4١١‏ ولم يعد من كل تلك المغامرات الطريفة 
سوى ببعض الروايات المملة , | 

هل كان يعتقد أن المسألة ستمر يسهولة ؟ كلا !! لأن الرحاله العائد تفوق بجدارة 
فی ١١‏ فبراير 1۸۲۷ على من لم يرحل بعد إلى الإسكندرية . وحصل على ٠١‏ صوتا 
مقايل /ا أصوات لشامبوليون . هذا هو الثمن الذى يدقعه من يغامر فى مثل هذه 
الأمور ويمكن أن نتخيل الشعور بالخزى الذى لحق ببون — حجوزيف داسييه الذى اعتقد 
وهوفى السابعة والثمانين من عمره قضى منها أربعين عاماً في الأكاديمية » أن شابا 
عبقرياً يمكن هزيمة عسكرى شاب غير قابل للغرق . كما يمكن أن نتخيل الغضب الذى 
ألم بالشقيقين الذين أقسما ألا يدخلا الخية مرة أخرى » ثم تناسيا ذلك يعد فترة 
وجيرة . 

كان المهلة التى فرضتها الظروف مختلفه بالفسبة لايبوليتى روسيللينى إذ أنه 
تزوج من زينوبيا شيروييتى إبنة الموسيقار التوسكانى المشهور صاحب أويرا ميديا - 
والذى كان يتربع على عرش العالم الموسيقى فى باریس . مراسلات چان قراتسوا 
مليئه بالنكات الساخرة من صديقه الشاب وغرامياته إن أنه لايكاد يستبعد أنه يرتكب 
نفس الخطا الذى أرتكبه هو مع روزيين قبل ذلك بعشرة أعوام . وكتب لانجيليكا يقول 
آنه « زواج غبى » . لى أن الرحلة إلى مصر تمت فى 1851 لريما نسى ايبوليتق زيئوينا 


533 


إذا كان يتحمس بسرعة وهو يشبه الشاعر موسيه لدرجة أنه لم يعرف كيف يداعب 
ارا DE ee nat‏ . هذا ما كتبه جان 
A‏ ا fe‏ أكشوي يکرس ما فاسان den‏ 
فرانسوا شامبوايون والموسيقار الشهير جواكينو روسينى 

بعد خمسة أسابيع من حفل الزواج إضطر حجان فرانسوا إلى ارتداء بدلته 
الرسمية وربطة عنقه الحريرية لان صاحب الجلالة املك شارل العاش سيشرفه بافتتاح 
المتحف الذى أطلق عليه اسم ثانى اشقاء الملك لويس السادس عشر . لم يكن فى 
الأمكان الاحتفال بذاك فى عيد القديس شارل يسيب تآخر الأنتهاء من أعمال أعداد 
القاعات المصرية الأربعة وكان المسئول الأول عن هذا التأخير هو الرسام المصور 
» أنجر » » الذى لم يكن قد وصل إلى الشهرة العالمية التى حازها بعد ذلك » وكان 
يرفض عرض لوحته المشهورة الآن « تتويج هوميروس » بمناسبة الافتتاح ٬لأنه‏ كان 
يرى أنها لم تكتمل يعد . 

لم يحضر العاهل الفرنسى إفتتاح المتحف التى قررت باريس فى نهاية الأمر 
تخصيصه لمصر سوى فى ١١‏ ديسمبر ۱۸۲۷ ومن کان يمکن أن يتصور قيل عشر 
ستوات فقط أن هذا الملك كان يمكن فى يوم من الأيام مشاركة « رويسيينر 
جرونويل » فى أى شي كان . 

« القاعات الفسيحة كانت مرتبة بشكل رائع والمجموعات مرتبة ووصفها منشور 
بمنهجية ,الملك زار بالفعل إذن متحقاً يثير الأمجاب ومزو. يما يمكن أن يبتغى من 
روائع الفنون جميعا أ حيث لم يكن هناك سوى جدران جرداء تقدم للناظرين(3) 

المهمة إنتهت وأوصلها شامبوليون إلى مداها يأن أنشأ المتحف لذي کف به قبل 
ثماثية عشس شهراً . ولكن ماذا عن المحاضرات التى كان من المفروض أن يلقيها خلال 
« الفصل الجميل » متزامنة مع إنشاء ء المتحف ؟ كان رد صاحب رسالة إلى «مسيق 
داسييه» لطارحى السؤال عليه يوضوح إنه لايمكن أن يدرس علم المصريات - علما 
بأثه هى الذى وضع أسسه - إلا بعد أن يزور أرض الفراهنة : فقد نجحت سخرية 
جومار وفوربان منه فى هذه النقطة من التيل من طول أناته . 

كان من الممكن أن يعترض الدوق دودودوقيل والقيكونت سوستان قائلين أن الدروس 
التى يعطيها يومياً فى « متحفه » لايبوليتى روسيالينى والرسام الشاب نيستور لوتر 


334 


المرشح للرحلة معه تثبت أن أستاذيته بلغت مرحلة الكمال . إلا أنهما فى النهاية نزلوا 
على رأيه . وأعتمدت فكرة القيام بالرحلة قبل نهاية العام ولكن كم من العقبات كان عليه 
أن يتخطاها وكم من مؤامرات كان عليه أن يحل عقدتها ومشاركات يعتمدها وعروض 

أغرب هذه العروض تقدم يها من أسمتهم مدام هارتلويان ( فى عام ١1١1‏ ) 
« بعض الرأسماليين » (4) - ورد ذلك فى مذكرة مأخوذة من مراسلات شامبوليون 
ونشرت بمعرفتها - إن تقدم ناشر فرنسى كبير ( لعله فيرمان ديدى ؟ ) وأثتان من 
أصحاب البنوك من جرونويل ( لعلهما من عائلة بورجى ) يعمرضون تمويل رحلة 
صاحبي الكشف « بشرط أن يضع المشروع إسمهم في مكان بارن » ... من المدهشش 
أن يسيق هؤلاء عصرهم ويتشيهوا برعاة الأعمال الأعلامية المعاصرين . 

كان رد فعل جان فرانسوا فى صورة لابد أنها ستدهش أى ممول لحملة علمية 
معاصرة : إذ رفض العرض « مضحياً من - أجل الأصول التى يجب أن تحترم - 
- بفرائد متعددة الجوانب لأن الشكل النفعى التجارى لمثل هذه العملية لاتتناسب 
وقدسية أرض الألهة وقنون مصر القديمة » . 

کانت الآمور تسیر بحلوھا ومرھا فی طریقھا فی باریس کما فی مصر . دروقیتی 
الذى حضر إلي باريس بمناسبة عرض مجموعته الثانية فى متحف شارل العاشر كان 
يلح علي شامبوليون لكى يسرع بالقيام برحلته لأن التدمير الذى يلحقه محمد على 
بالاثار يتلاحق ؛ كما أنه من الأفضل أن يسيبق سفره وقوع أزمة دولية كانت تتفاقم فى 
الشرق دون إنتظار غلق أيواب مصر لفترة طويلة . إلا أن طريقة تفكير هذا القنصل - 
تاجر الأثار كانت ملتوية لدرجة تجعلنا تتسائل ما الذى كان يعقية إصراره هذا وما 
الذى يدارية ؟ أين كانت توحد مصلحته ؟ هل فى السيطرة التى لايد وأن تدخل 
شامبوليون المتحمس للغاية للحفاظ على الثروات المصرية سيفرضها على سرقاته ؟ أم 
أملا فى الحصول على الضمان الذى لابد وأن وجود مؤسس علم المصريات شيغطي 
على تحركاته المريبة ؟ 

كارلى بيد يموتينى - قنصل بيمونت - ساردينيا فى الإسكندرية - كان قد ذهب 
لمقابلة جان - فرانسوا فى تورينى قيل ثلاثة أعوام - وهوزوح إبنة دورقيتى وعلي الرغم 
من ذلك فيو الذى كشف لشاميوليون عن معنى تحركاته : « طالما أن هنرى سولت * 
على قيد الحياة فإن دروقيتى يريد أن يستخدمك لكى يهزمه ويشل حركاته . ولكن بعد 
وفاتة فإنه سيسقط القناع . حبنئذ يجب أن تأخذ حذرك مته ! » 

الذى حدث هو أن سولت توفى بالفعل بمد ذلك بعدة أسابيع أبى فى ۲۷ 


» صاحب المجموعة ومن المعروق أنه كان مريضا . 


535 


cb وحدث بالفعل ما توقعه  إذ ما أن أختفى منافسه إلا‎ * \AYY Nas 
يبرع أى بند‎ wi re الشخصيات تحمساً الرحلة شاميوليون مثل فوريان‎ 
تعطيلهما لأسباب بعضها وجيه والبعض الآخر أقل‎ y وروسيلليني إلي مصر‎ 
وجاهة » ومن أهم هذه الأسباب تدهور العلاقات بين فرنسا وباشا مصيرن يسبيب القلاقل‎ 
› التى أجتاحت شرق البحر المتوسط بسيب الثورة اليونانية على السلطان العثمانى‎ 
وكانت القوي الغربية ومن بينها فرنسا تسائد اليونانين ضد الأستانة وكان محمد على‎ 
تابعاً وحليقاً للسلطان . وعندما دمرت الأساطيل الأوروبية أساطيل القوى الإسلامية فى‎ 
آکتوپر ۱۸۲۷ فان سفن محمد على هى التى غرقت . فهل كان يعتبر‎ ٠١ ناقارين في‎ 
هذا الموعد هى المناسب للاهتمام بالاثار المصرية ؟ وماهى الإستقبال الذى يمكن لمبعوث‎ 
ملك فرنسا أن يأمل فى الحصول عليه عند ضفاف الثيل ؟ وهوالذى كان حبه لانجيليكا‎ 
الى يشعل من مناصرته للقضية اليونانية التى كان يشاركه فيها جينذاك بالطبع‎ 
جميع اللييراليين‎ 

بداية الرد علي هذا السؤال ورد فى بيان وجهه محمد على إلى الأوروييين المقيمين 
فى مصر في نهاية ديسمير ۱۸۲۷ : à‏ أكد فيه الباشا أنه عازم على حماية 
( الفرنجة) وأنه متمسك بتقاليد حسن الضيافة الإسلامية . ولكن لم يكن من المؤكد أنه 
يستطيع التحكم فى كل التيارات المحمومة التى كانت تسرى حينذاك فى الشرق كله . 


هل كان جان فرانسوا يشعر عشية سفره ببعض المخاوف من ناحية اسرته أى كان 
يتخوف على حالته الصحية ؟ لايمكن أن نقول أن مصير روزين وزرورابيد قد حال حتى 
الآن دون أن يعيش حياته بالصورة التى بيغيها .. صحيح أن اهتمامه بابنته كان قد 
بدا يزداد فهو كان دائما Lis‏ للأطفال طالما أن فى إستطاعته أن يمارس عليهم 
عيقريته التريوية الفذة . إلا أنه كان مطمئنا تماما من هذه الذاحية لأن زوجته وإبنته 
كانا فى أيد أمينة . إذ جمع أخوه الجميع فى شقة فى المنزل الواقع في ١5‏ شارع 
وكانت زوجة أخيه التى كان يحبها ويحترمها بشدة تتفاهم مع روزين أفضل من جاك 
— > زىق وكانت علاقات هذا الأخير معها ياقية على حدتها ومع ذلك كانت دار 
شامبوليون في حالة من الوئام . 


» أنظر الفصل الثاثى 


336 


الواقع أنها كانت أفضل بكثير من حاله الرحالة الصحية . إذ كان النقرس مستمراً 
لآخر وكان السعال لايفارقه تنتابه فى أحيان كثيرة حالات الأختناق Las‏ أن يقل من 
نشاطاته إلا وتظهر عليه علامات البدانة » وهذا الجان - فرانسوا ذى السبعة والثلاثين 
عاماً لم يكن - مما نقول اليوم - رياضيا فى قمة حالاته بل هو رجل إستولكته 
المعارك وعدم الأعتناء بصحته والإرهاق الفكرى وخيبة الأمل العاطفية . ٠٠‏ يخيش جسيدة 
مرض لم يكن الأطباء قد كشقوا أصايته به يعد ويالتالى لم يعالج منه وهى مرض 
السكرى . | 
أما فى باريس فان نجم جان فرانسوا كان يزداد بريقا بقدر ماكان تطور الحياة 
العامة يسير فى الأتجاه الذى يتفق وأماله . فقد سقطت الوزارة التى يرأسو! فيلار 
كوربييار ( هذا الكوريبيار الذى ظل يناهض مقاصد شاميوليون والذى صقه 
شاتويريان بأنه « الطاغيه الميلى دراماتيكى المناهض للأدب » .. وحلت محلهه وزارة 
ليبرالية يراسها مارتينياك . « إن فرتسا تسير أخيراً فى خط متزن جدير بها » هذا 
ماكتيه فى أحدى رسائله إلى زيلمير . والواقع أن هذا التغيير قى المسار السياسى قد 
خدم أهداف الرحالة . 
إذ لى أن كوريييار قد يقى فى منصيه فمن المشكوك فيه أن يكون الملك قد قبل - 
لدى زيارته القاعات المصرية فى متحف اللوقز فى نهاية ابريل -١/8557‏ أن يعطي في 
السر موافقته على أن يدرس مارتينياك مشروع الرحلة وأن يعمل هذا الأخير في بضعة 
ساعات على أن يدرس المذكرة « حول مشروع رحلة أدبية الى مصر » ويوافق عليها فى 
خطوطها العامة - وهى المذكرة التى حررها معا الشقيقان شامبوايون واييوليتو 
روسيللينى فى نهاية عام 1۸۲۷ والى كانت قد رقعت إلى الملك بعد ذلك بقليل دون أن 
تكون محل أى دراسة جادة . 
مذكرة /1851 تعتبر عرضا ممتازا للأسياب : وهى وإن كانت متكلفة فى أسلويها 
يسيب تعدل المشاركين فى تحريرها ولم يكن حماس المكتشف وحده الذى ألهمها - 
أنها مزودة بكافة الأفكار الرئيسية حول الفن المصرى والتجديد الشامل الذى أدخله 
على المعارف - التى كانت سائدة منذ حملة ۱۷۹۸- الكشف عن أسرار الكتاية 
المقدسة . يجب أن نذكر هنا بعض المقتطفات منها فهى تلقى الضوء على القكر الذى 
قاد كلا من شاميوليون وروسيللينى وهما يقومان برحلتهما : 
« إن النظريات الشائعة عن الفن المصرى ودرجة التقدم التي وصل إليها بالفعل هذا 
الشعب سواء فى مجال النحت أو التصوير هي نظريات خاطئة فى جوهرها 
(... ) أن أورويا المتعلمة تعلم بوجود هذه التراكمات من الثروات التاريخية ورغبتها 


537 


الجامحة هى الاستيلاء عليها ولذلك فهى تطالب بان تسرع إحدي الحكومات 
المستنيره بان تبعث إلى مصر بأفراد وهبوا حياتهم العلم وأعدوا أنفسهم إعداداً 
مناسبا لكى يجمعوا المستندات القيمة التى لاتحصي ولاتعد التي سجلتها العظمة 
المصرية القديمة على المباتى طالما أنها لازالت قائمة والتى تغطى كتاياتها القخيمة 
ضفتى نهر النيل ( .. ) ( أنها تعرف ) أيضا أن البربرية التي لازالت تتنامى تقوم 
بالتدمير المنظم لهذه الشواهد الجديرة بالاحترام على حضارة عتيقة ( .. ) وهي أثار 
لا يوجد شى فى الوجود يمكنه تعويض خسارتها . إن رحلة أدبية إلى مصر تعتبر 
الأن أكثر الرحلات المجدية التي يمكن القيام بها فى هذه الآونة ( ... ) متزودة 
بالمعارف التي اكتشفت مؤخرا عن كتابات مصر القديمة : فإن أى رحلة تتم الآن 
فوق هذه الأرض العريقة ستسقر دون شك عن نتائج علمية لايمكن أن يكون مداها 
قد دار بمخطة أحد . حتى في الوقت الذى كانت فيه مصر واقعة تحت سيطرة جيش 
فرنسى تدرس بعناية بواسطة مجموعة كبيرة من العلماء كان لهم باع ضخم في 
العلوم الفيزيقية واللبيعية والرياضية , إلا أنهم كانوا مفتقدين الآداة الجوهرية التى 
لاغنى عنها للاستغلال الأمثل لهذا المنجم El‏ الثراء بمستنداته التاريخية والتى 
وضعتة في متناول يدهم انتصارات اسلحتهم » 
أدت هذه الأعتبارات إلى أن يقدم أصحاب المذكرة « كشقا مقصلا بالأعمال التي 
يجب أن تتفذ ويالهمام التي يتعين عليهم تاديتهاٍ « ؛ ويخلاف «الرفع» بالرسم العديد من 
الأماكن المتنوعة على طول ضفاق النيل - ]3 قترح علماء المصريات أيضا أن يقوموا 
«بحفریات » توضيع ثمارها يعد نقلها قى متحف اللوقر الملكى . .. أى فى مكتب الاثار 
التابع المكتبة الوطنية وأن يقوموا بشراء بعض التحف المثيرة للاهتمام تضم إلى 
المجاميع الملكية ».. وتجئ الخلاصة مدوية « هذا هى الهدف وهذه هى الخطة وهذه هى 
اسياب الرحلة إلى مصر ولاينتظر مسيو شامبوليون سوى أوامر الملك لكى يقوم بها ». 
هذا هى المستند الذى الحقه چاك - چوزيف بطبعته هو ( الصادرة عام ۱۸۲۳ ( 
لمراسلات صاحب الكشف ولكن توجد صيغة أخرى بالايطالية للمشروع الذى شارك فى 
إقامته - كما سبق أن رأينا - ابيوليتى روسيلليثى . وقد ورد قى هذا الخص الذى 
أرسل فى يوليى 18571 إلى عاهل توسكائيا الدوق الأعظم ليويوك - والذى سيق أن 
أعلن قبل ملك فرنسا موافقته أو على الأقل مساندته للمشروع كما اكد مشاركته المالية 
فيه فاحتفظ بذلك ببعض من الحقوق عليه - أن باريس لن تكون مختصة وحدها 
بالنسخ والحفريات والمشتريات . « , شلف الحفريات ستتم حيثما یری مسيق 
شامبوليون والبروفسيور روسیللینی کل علی حساب حکومته . کما أن أیاً منهما یری 


538 


أن أثرا من الأثار له أهمية كبرى عليه أن يمد الآخر بنسخة منه وستتم دراسته فيما 
بيثهما » . 

الصيغه الفرنسية - الوسطية التى قدمها شامبوليون -- فيجاك تعتبر من أول 
الدلائل على الجدل القائم بين باريس وقلورنسا التى لم تظهر أثاره خلال الرحلة وانما 
بعد وفاة صاحب الكشف - كما سنرى فيها بعد - الذى ظل على علاقة تتسم بالثقة 
والصداقه مع روسيلليئى » إذ كان يكن له تعاطفا واضحة .كاد هذا التنافس منذ 
البداية أن يفشل المشروع . أقل ما يقال فى هذا الصدد أن الملك شارل العاشر لم يكن 
يحبذ قط هذا الاقتسام للمبادرات والمسئوليات والهيبة : فهل كان من اللائق أن يتقاسم 
«الملك المسيحى جدا * سليل لويس الرايع عشر - مناصفة مع « صاحب سموملكى « 
حتى لو كان عاهلا لاكثر العواصم نبلاً فى العالم ؟ هل إحتاج بونابارت أن يشارك 
مياد رقحملته مع أى من كان ؟ 

احتاج الأمر تدخل بلاكاس - وإن كان تآثيره قد قل فى تلك الفترة - ودودوقيل 
ودولاروشفوكوى وأخيرا مارتينياك » لكى يوافق املك فى النهاية على هذه المشاركة التى 
كانت تتمتع فى نظر رئيس وزرائه بفائدتين : : الأولى هى استمالة إحدى الممالك 
الأوروبية التى زاد تغلغل النفوذ النمساوى فيها باكثر مما يتفق وماتراه باريس 
والأخرى هى تخفيف وطأة مصاريف المشروع بمقدار النصف ( 6١ ٠٠‏ فرنك ) على 
المالية الملكية . 

بقى إيجاد حلول لثلاثة مسائل وهى : تشكيل البعثة« الأدبية الفرنسية - 
التوسكانية » ووسائل الأنتقال من طولون إلى الأسكندرية وموعد الإبحار . 

سبق أن رأينا أن حان فرانسوا شامبوليون كان يود أن يصطحب معه - غير 
روسیالینی - بعضا من أعز أصدقائة مثل الأب كوستاتزى جاتزيرا وكذلك أكثر علماء 
المصريات الأنجليز تعبيراً عن تقديرهم له سير وليام چاك ولكن لم يتمكن أى منهما من 
مواجهة أخطار الرحلة . الأول لاسباب صحية والأخير لأسباب مالية . 


بقى الأمر محصوراً بین توسکانيین وقرنسيين ٠ ١‏ . ضمت «م للجنتان الثقافيقان: » سي 


+ أحد الألقاب التى كان يختص بها ملوك فرنسا ( المترجم ) 


539 


شارل لونورمان * مفتش الفنون الجميلة ( ممثلا للاروش فوكو أى السلطة الملكية ) 
وأتطوان ٠‏ بيبان ٠‏ مهندس معمارى كان قد التقى به فر إيطاليا والرسامين المصورين 
الكسندر دوشان لوهو ويارتان 0# وهم من تلاميذ الفنان المشهور اليارون جرق , 
وأخيراً نستور لوت » موظف جمارك شاب محبا للمصريات ومستمها لملحاضرات 
ميولون قى متحف اللوقر والذى اتضح أنه رسام جيد . 


أحاط بايبوليتى روسيللينى » رئيس اللجنة التوسكانية » عمه حايتانى وهو مهندس 
معمارى وأخى زوجته » سالفادور شيروبينى - رسام *** واليساندرى ريتشي » طبيب 
وسيق له أن قام مع بانكس ثم مع لينان بعدة رحلات إلى مصر ؛ وچیو سيبى راضى 
عالم طبيعة فلورانسى أشهر - والرسام انجيليللى » وأحد مساعدى البروفيسور راضى 
يدعى جالاسترى . 

نصر الأتفاق الذى وقع عشية القيام بالرحلة فيما نص على ما يلى 

الب د الأول : يتولى مسيى شاميوليون الادارة العامة للرحلة . 

البند الثانى : يتولى مسيى إيبوليتى روسيالينى مسئولية المساعد للمدير العام 
وجميع التفاصيل التنفيذية . 

البند الثالث : عين مسريو لونارمان مفتشاً عاما . 

كان هناك إذن تسلسل فى القيادة مبنى على السن وعلى الكفائة وعلى العلاقات 
القائمة من الأصل بين رئيس « الحملة « قال روپیرهاری في مداخلة له في ندوة 
خصصت لروسيللينى عام 138 فى بيزا > أن هذه العلاقه حددت على هذه الصورة 6 
وعاشها التوسكاني بهذا الشكل لأنه « قيلها وفهمها هكذا » . كلا ! أن فارق العشر 
سنوات في السن بين الرجلين وكذلك العيقرية الخلاقة التى كانت تحرك أكيرهما سنا لم 
تكن ” à‏ تتضمن علاقات متساوية بينهما بالكامل . وإننا إذ نوضح ذلك يجب علينا أن 
ا RE TN I PRET‏ لختلف المراحل والتجارب التي 
حدثت حتى وفاة صاحب الكشف . وسيلة المواصلات التى طالب يها رئيس البعثه كانت 
الركب « ليجلية « الذى وفرته لهم الحكومة الملكية الفرفسية ووضعتها تحت تصرف 
أفراد الحملة الثقافية ,وقد أثبت هذا المركب أنه على مستوى المشروع وأوصلهم إلى 
هدقهم بساكم Lei.‏ عن موعد الإيحار قان شاميوليون JE‏ بتهاية شهر 
<< * أبن أخ مدام ريكامييه وكان يحظى برعاية شامبوايون الذى يذكره كثيرا وأكثر منه زوجته . أصبح إينه فراتسوا 
عالم أثار مشهور هى الأخر . | 

٭*٭ أبن مؤسسی صحيفة د لوچورتال دی دیبا» رسمه الرسام انچر الذى اصبح ناشرا لأعماله 

»»» الذى كان يعتبر نفسة عضوا بالمجموعة الفرنسية وكان يتصرف على هذا الأساس . 


540 


يوليى 1814 مقدان أن اللجنة ان تجابه تجربة درجات الحرارة المخيفة - فى مصر 
العليا والنوبه سوى فى فصل الشتاء : ركب إذن عرية البريد المتجهة إلى طولون فى ٠١‏ 
يوليى فى نهاية فترة بعد الظهيرة وتوقف لدى صديقه أرتى فى ليون حيث زوده أصدقاء 
من جرونويل « براتافيا » من منطقة الدوفينيه ليشريها تحت شمس أفريقيا . ثم أمضى 
يومين فى مدينة إكس عاين خلالهما مجموعة سالييه . وخاصة بردية كانت تضمها 
المجموعة وكان يعطيها أهمية كبرى . ولدى مروره على مدينة أفينيون تمكن من عناق 
أويجوستان تيقونى أعن أصدقائه إلى قليه وأكثرهم ولاءا والذىي حضر للقائه بهذه 
ا مناسبة الهامة . 

فى 4؟ يوليى وصل إلى طواون حيث لحق به رفاقه الفرنسيون والتوسكانيون الذين 
كانوا أن يحتجزوا على الحدوب حيث سرت شائعة إنتشار الطاعون في منطقة يروقانس 
الفرنسية وكل من كان يعبر جبال الألب كان يكشف عليه جيداً؛ وفي جميع الاحوال 
يمر بتجربة الخل ... فى ميناء طولون أخذ جان فرانسوا عدة حمامات . كتب لأخيه 
يقول عنها أنها أفادته «فائدة لانهائية » وجائت اتصالاته الأولية مع طاقم اليحارة 
ممتازة وعلى الأخص من القبطان كازما دومائوان . da els‏ عليهم سوى الأيحار . 


هل هذا شئ مؤكد ؟ 

لقد كتب على هذه الرحلة أن تيقى حتى النهاية موسومة بكل ما هى غير مؤكد وله 
طابع إشكالى ... فلأسباب غير الصحة العامة كادت الرحلة تنتهى قبل أن تبدأ قى 
> طولون ٠‏ واولا ذكاء شامبوليون فيجاك الواقعي ٠‏ لبقى الرحالة وأصدقائة حيث هم فى 
الميناء ليواصلوا حلمهم المصرى لفترة مطولة ... قبل ذلك التاريخ بثلاثة شهور كان 
برنارد ینو دروقيتى قد أرسل إلى جان فرانسوا شامبوليون وابيوليتى روسيللينى خطايا 
مدمرا للهدف ؛ الواضح من الهدف من وراء هذا الخطاب هى تأجيل المشروع إلى أجل 
غير مسمى : كتب يقول « يعم مصر ؛ مثلها مثل جميع أنحاء الأمبرطورية العثمانية 
شعور مناهض للأوروبيين الذى قد يشكل فى بعض الأحوال سببا لإثارة حركات 
وأعمال شغب تهدد سلامتهم الشخصية . سواء بالنسية للمقيمين يصفة دائمة أى 
الذين يتصادف سفرهم هناك . وإذا كان الأمر يتعلق فقط بارادة محمد على بايقاف 
ودود الفعل الغاضبة لما كان من الصعب الحصول على ماكلفتموتى بطليه مثه * 
« إلا أنه مجابه هى نفسه بهذا القضب بسيب مبادئه وشعوره بالميل للاوروبيين ولم 
يتمكن من إعطائى كلمة ضمان طلبتها منه من أجلكم ورقاقكم . 


٭ کتب شاميوايون قى الأول من فبراير رسالة يطلب قيها من دروثيتى الحصول على قرماتات من الباشا تسمع له بزيارة مصر . 


341 


يسمع في الستقيل الرحالة أن بيدأوا رحلتهم دون ما انتطار لأى إشعار أخر ثم 
ختم دروقيتى رسالتة قائلا : « أرجى أن تتاكدوا أنى اسف أشد الأسف لأنى غير قادر 
على متحكم ( رودا ) يتفق ورغباتكم يتفق بدوره مع رغبة كل أصدقاء العلوم وهی ما 
تضطلعون به بكل هذا النجاح المرموق » . 

هذا الإعتراض على قيام الرحلة لم يصل إلى باريس سوى يعد مغادرة جان 
قرانسوا إلى طولون ووقع فى يد فيجاك الذى اطلع عليه ... ومثلما هى الحال دائما مع 
دروقيتى كان عليه أن يحلل الموقف تحليلا دقيقا لمعرفة خلفياته ... هل كان القنصل = 
التاجر قلقا بالفعل ؟ هل أراد أن يرفع من قيمة الدور الذى يؤديه ؟ هل كان يحاول 
الانتقام بن تصدى شاميوليون وبلاط فرنسا أيضا له ؟ هل كان يفضل الإنتظار حتى 
يكون م .موعة أثا ر ثالثة لكى يسيل لعاب ضيوفه لها ؟ يعد أن طرح فيجاك الحويط 
كافة هده الأسئة أختار أن يبقى الخطاب في جيبه لمدة أسبوع كامل قبل أن يوجهه 
إلي ميناء الإبحار وقد تأكد تماما أته سيصل متأخرا إلى جان قرانسوا . 

بعد شهر كامل فى الاسكندرية ويعد أن علم جان فرانسوا من دروقيتى بمحتوى 
خطابه المؤرخ ‏ مايى كتب يقول لأخية الأكبر : « .. أعترف باتنى لو قرأت الرسالة فى 
باريس لما كنت سافرت . ولحسن الحظ أنها لم تصل فى موعدها والمؤكد أن يد أمون 
هی التی آبعدتها ... » لقد تشكل الإله امون فى صور شتی منذ خمسين قرنا - فهل 
كانت هيئه أمون / فيجاك هى الأخيرة ؟ 

قيما عدا وياح شديدة هبت لبضمعة ساعات إنقعل لها الشاب نيستور لوت ؛ كانت 
الرحلة هادئة وتظللها السعادة وتتخللها الدراسات المستمرة . أصر القيطان دوماتوار 
الذى أقام علاقات صداقة مع شامبوليون ؛ على أن يترك له قمرته الخاصة حيث انضم 
إليه فيها معه ٠‏ ينامون فوق مراتب علي الأرض مباشرة كل من روسيللينى وراضى 
و« الأب بيبانت » المهندس المعمارى الذى كان يتجول شبه عار لايهتم بمظهره وكان 
مصدر سخرية دائّمة من « القيادة العامة » ! هذا هى التعبير الذي أطلقه المسافرون 
على أنقسهم بعد أن قرروا تلقيب شامبوليون ١‏ بالجنرال » وعلى الرغم من كوته من 
مناهضى العمل العسكرى فانه لم يعترض . 

كان جان فر دوا يذهب ويجئ على سطح السفينة ثم يصعد إلى كابينة المراقبة 

تَتشق يستتشق الهواء البحرى وينهل من أشعة الشمس ويعد النجوم التي تزين « أجمل 
الهيروغليقية .. كتب عن ذلك كله شارل لونارمان فى مذكراته الشيقة : 


342 


٠‏ روح الوئام الكامل ظلت سائدة علي ظهر السفينة : وسط الركاب كان 
شاميوابى: رجلا لايتغير مزاجه ولا للحظة واحدة .رائق الفكر على الدوام ولا يكل 
أبدا فى الاستجاية لكل ما أحتاجه منه .. أتحدث أكثر مع روسيلليتى ( ... ) أنه دمث 
الطباع جدا ومتفاهم جدا مرح يمثقف للغاية . بيبانت هو الس تهدف دائما في 
التتكيت عليه وهو يؤدى دوره هذا ببراعة معقولة . شیروپینی شاب ذو طبيعة ممتازة 
وهى باريسى الجوهر . الدكتور ريتشى الذى عاش فى مصر لدة عشر سنوات مثير 
جدا للإعجاب ( ..) أعمل كثيرا . وها أنا أقرأ العربية بشئ من السهولة ( .. ) أخذ 
درسا فى البيروغليفية كل يوم rs‏ 

غير أن الأشاعة المستمرة حول إنتشار الطاعون في مقاطعة يروفانس منعت لرحالة 
البحريين من النزول فى أجريجانتى à.‏ جمرك الميناء واجهوهم بأمر صادر من 
باليرمى يمنع توقف أى مركب قادم من المواتي الجنويية لفرنسا be‏ إن طولون ميناء 
شمالى a‏ هذا ما إدعاه شاميوليون فاجابه الضايط الصقلى : :» أنى أعرف ذلك ولكن 
لاتوجد لدى أوامر تخص هذة المواتى » . 

ياختصار .. منعهم طاعون لم يحدث أصلا من زيارة معايد المجموعة الأغريقية 
الرائعة الموجودة في أجريجانتى التي لابد وانها كانت ستلهم قريحته ببعض التأملات . 
ولكن كان عليه أن يلتقى بمعايد مصر 0000 


543 


١‏ - ماء النيل 


حلم يواجة التحدى - موسی فى أرض مبعاده —» كأم حنون » « تعاطف دروشیتی 
-« غمزات عيون » الباشا - مسالة فرمانات « الجنرال » وقواته - مولد النبى فى 
القاهرة - دروس بنى حسن - « مجنون » قي الكرنك - إننا أقزام “sis‏ أبو سميل 
حيث يسيطر الخوف على « الخيال » - الخطاب الآخر إلى مسيو داسييه :د أن 
أبجديتنا سليمة ! » . 


أن تضع الخيال فى حالة تحدى وتُّعَرض فكرة ما - كرست لها حياة يأكملها - إلى 
إمتحان الار ds‏ + هذه هى التجرية الأكثر قسوة التي يمكن ليشر أن يفرض»| 
A ct Hd‏ د لخصى بد ni Que RU LA di‏ 

تقوم عليها حياته كلها :الحماس . 

لكى نلخص مخاطر مشروعه الذى نقذه عام 1414 يجب علينا أن تتصور ماهى 
الصورة التى رسمها الخيال لمصر لدى شامبوليون - المكتشف : الروايات التى قصها 
عليه أخوه الأكبر - قرائات دونون - دروس دوساسى القاسية - مباديئءٌ اللغة القبطية 
مع شيفتيشى - الأبحاث الجغرافية والصراع الشخصى الطويل خلال عشرين عاما - 

مع الحروف المقدسة - البريق اللامع الذى أضاء كالصاعقة يوم اسيتمبر - 
الأحلام والتصورات لكى تتصادم فجأة مع الحقيقة الواقعة التى لاترحم . 

يوميات الرحلة الى مصر ومراسلات جان فرانسوا تؤكدها ياستمرار روايات رفاقه 
فى الرحلة : روسيللينى ولونورمان ونستور ولوت تعكس حالة نفسية وعاطفية يصقها 
المتصوفون بالسعادة . وسط هذه الحياة شديدة الحيوية » التى عصفت بها كمية 
ضخمة من المؤمرات والغيرة وتعذيب الذات ٠‏ تلمع هذه الشهور السبعة عشر فى مصر 
بكامل بريقها من الإعجاب الجمالى والتعاطف الإنسانى والتضامن المهني والعلمى . 
شاميوليون على أرض مصر هو موسى في أرض ال ميعاد « ملك » فحل وسعيد . 


٠‏ لم تكتمل سعادته مرة واحدة . من الأسكندرية - التى كان يقول عتها مثل الرومان 
نها عند مصر ۸۴9۷P‏ ۸0 - ثم القاهرة ومن سليبس إلى بنى حسن ومن 


545 


اليدرشين إلى سقارة ومن الجيزه إلى دندره » تصاعد الحماس فيصل إلى ذروته 
ليصبح - فى الكرنك - تجلياً يتجدد فى أبو سمبل . 

إن الحماس المتأجج والرؤا الواضحة لدرجة الشفافية جعلت صاحب الكشف يبدو 
كما لو أنه يلبى ندائا للصعود إلى السماء . إنه يشبه فى حالته تلك هؤلاء القديسين 
الذين صورهم الرسام الجريكى فى لوحاته مغلفين بالسحب التى تصعد بهم في اتجاه 
ثور الله مع قارق واحد هى أن نظراته هى كانت بعيدة عن أى نتشنج بل إنها كانت 
مثبتة باستمرار على جدران المقاير وعلى أعمدة المعابد ‏ دائمة البحث عن معلومة ووعن 
مراجعة أى عن رمز جديد وعلامة مختلفة أى لفظ صوتى غير منتظر . 
خطاب إلى فيجاك حرر بعد النزول إلى شاطى الأسكندرية : 


« وصلت إلى أرض مصر فى ١8‏ أغسطس ۱۸۲۸ هذه الأرض الذى ظللت أحلم بها 
لكل هذه السنين الطويلة عاملتنى حتى الأن كام حنون ويبدو تماما أنى ساحتفظ وأنا 
فى رعايتها على الصحة الجيدة التى أثيت يها إليها . تمكئت من شرب ماء يارد كما 
أريد - وهذه الماء هي ماء النيل 4 


قبل الظهر بقلیل يوم 18 أغسطس 1878 تمكن المسافرون على « الإيجلى» من 
التعرف بواسطة المتظار المقرب على عمود السوارى ( بومييى ) الذى يتوسط 
الأسكندرية والذى بدى لهم « مهيبا » المبناء القديم - الغريى - بدا رائعا فى عيون 
شاميوليون . وسط هذا التشابك الهائل من السفن - منها الحربية سواء إنجليزية أو 
فرنسية - المكلفة بالحصار والسفن التركية والمصرية التى نجت من كارثة نافارين 
يكتشف حجان فرانسوا « مشهداً فريداً يكفى لتحديد طبيعة هذا الزمان ... « لأنه 
المصرى » كما سنرى فيما بعد سييقى دائما مصريا بالكامل ويشرك مصير مصر 
الحية ببعث الإمبراطوريات التى أختفت . 
بعدآن قادهم العاملون فى قنصليتى فرنسا وتوسكانيا إلى اليابسة أركبوهم 
الحمير. ويكتشف صاحبنا المكتشف على الفور بحسه ويعينيه المحبتين صفات هذا 
الحيوان التي ليس لها مثيل من الرقة والسحر والشجاعة ..... رجل يرى حمير وادى 
النيل بهذه النظرة ويصفهم يانهم « أصحاب الشعر المائل إلى الأحمرار والملمس 
الحريرى » كان بالفعل جديرا بان يقرأ مصر ككتاب مفتوح : 
« وهكدا كان دخولنا الهجومى على محل إقامة البطالمة القديم . غير أنه لم يتمكن 
من أخقاء ارتباكه أمام المشهد الذى أمامه : هل يمكن إعطاء اسم شوارع على 


546 


فوضى من المنازل المذنخفضة للغاية معظمها من الطين ويها منتجات نادرة وهى غير 
منتظمة في خط واحد ( .. ) إن المظهر الذى كان عليه السكان الذين كانوا يملأون 
الشوارع على الرغم من الليل كان ينم عن شئ غريب بالنسية القادم من إورويا 
لدرحة أنه من المستحيل أن أعبر عن الشعور بالدهشة بل الذهول الذى سيطر عليناء 
كان هذا الخليط من المصريين ذوي اللون الأسمر النحاسى والبرابرة ذوى البشرة 
الأغمق والبدى ذوى اللون المائل إلى السواد يزيد من حدته لباسهم الأبيض » ومن 
الزنوج الاحباش كانوا جميعا يسرعون ويتلامسون ليتفادوا راكبى الخيل أو الحمير 
فى هذه الشوارع الضيقة , وكذلك الطوابير الطويلة من الأبل الحزينة والبطيئة 
والمريوطة فى أذيال بعضها - كان كل ذلك غریب فی حدته لدرجة أنى شعرت باتى 
: أمام مشهد من مشاهد الأويرا 4 
نعم .. إنه بالفعل مستدرج إلى كوميديا فريدة من نوعها سواء كانت جادة أى هزلية 
ومخرجها هو برناردينى دروقيتى . أستقبله بالطبع القنصل ويصحيته كوزماى دومانوار 
وشارل لونورمان « بكل ترحاب » , إلا أنه أسرع بافادته أنه كتب له فى شهر مايو 
خطابا يسترض فيه على الرحلة ولكنه أقر « بأتى مادمت وصلت قكان عليه أن 
يستقيلنى » وأن الباشا* سيعطينى كافة التسهيلات المطلوية خاصة وأن الاتفاق الذى 
وقغ فى السادس من يولي بين الحلفاء الأوروبيين والخاص بجلاء القوات المصرية من 
المورة قد خفف من التوتر في العلاقات بين القوى المسلحة وأورويا . وفى النهاية كان 
دروقيتى خريصا على أن يؤكد أهتمامه بزواره كما وضع تحت تصرق شامیولیون 
الشقة الخاصة بالقنصلية والتى كان يقيم فيها كليبر فيما مضى وكانت مريحة للغاية . 
لم يمض على جان قرانسوا وقت طويل اكى يستشرق . خطاب لأخيه : 

أتحمل الحرارة بافضل مايكون : يبدو أني ولدت فى هذا اليلد . ويد الفرتجة ** 
أنى شديد الشبه بالاقباط . شاربى أسود اللون على أفضل مايكون أصبح طوله 
: محترماً ويعمل من جهته أيضاء على التاكيد على ملامحى الشرقية . وبالمناسبة فقد 
اكتسبت بالقعل العادات المحلية وأشرب العديد من قناجين القهوة وأدخن ثلاثه 
شيشات في اليوم . مذاق الطياق لذيذ وأخلط كل سحبة نفس برشفة من القهوة .. 
ذات الطعم اللذيذ وتجد فيها ماتشريه وتأكله فى ذات الوقت ... ثم نوم الأيلولة بعد 

الغذاء لساعتين حتى أريع ساعات .... « 





4 محمد على بالطيع 


eu‏ يقصد الأوروبيين 


547 


كتب إيبوليتى روسيلليني قى خطاب متزامن مع هذا الخطاب وموجه لچاك - 
جوزيق أيضا يعير فيه عن سعادته البالغة بالمظهر الباعث على الإحترام الذى يبدو 
عليه « صغير »« شواريه والشيشة التي يدخنها مثلما يقعل عجوز تركى » .. ونفس 
هذه الملحوظات نجدها ضمن ماكتبه لوت ولونورمان . إن أسمر البشرة القادم من 
مدينة فيجاك يبدو كما لو أنه فى داره هنا فى الشرق كما لو كان قد عاد إلى أرض 
الوطن ٠.‏ ب 

كان يشعر أنه مدلل للغاية يعتنى يه القنصل أشد العناية .. إلا أن صحة هذا 
الأخير تقلقة إن أن حمى « الدنج » * تثهش صحته الجسدية والحزن صحته النفسية : 
كان دروقيتى مثيرا للشفقة ويتحتم إعادته للوطن كما قال« صغير» لجاك - جوزيف 
سيصيح يعلد عدة شهون < رجالا ميتاً « . لكن جميع أمراض الحمى والقلق التى فى 
العالم لن تجعل القنصل أقل خبثا :وسيعطى جان فرانسوا بعد أيام قليلة أهمية أكبر 
أكر مضيقه على مرضه الجسدى أو كابته النفسية . المكر الحقيقى يعبر عن نقسه أولآ 
يحسن المعاملة . قبعد أن استقبل جان فرانسوا « يكل حنان » حصل له على موعد 
للقاء الباشا .وبعد أقل من أسبوع من رس « الا يجلى » فى الميناء قاده مع القيطان 
ولونورمان إلى الديوان . ووصف اللقاء الذى كتبه جان فرانسوا لا يخلى من الحيوية . 
إلا ننا سنختار أن نسرد هتا ماكتبه شارل لونورمان لأنه مدهش : 

« ... بعد أن عيرنا قاعة إنتظاى مزدحمة بالحراس وجدنا أنفسنا داخل قاعة فسيحة 
بها أكثر من عشرين نافذة وفى زاوية منها جلس عجوز صغير الحجم تعبيرات وجهه 
جادة مثل رئيس المحكمة الملكية لول أنه كان يغطى رأسه بدلا من القلنسوة المربعة - 
بعمامة من قماش الموسلين الأبيض ويدلا من الرداء الأحمر يمعطف لونه أزرق فاتع . 
وكان طول النرجيلة التى يدخنها حوالى عشرة أقدام مرصعة كلها بالماس وحجر آخر 
كريم . وكانت هذه هى قطعة الأثاث القيمة الوحيدة فى المكان . ( ... ) ما أن دخلنا إلا 
وصرف العديد من موظفيه الوزراء الذين كانوا يعملون معه بايمائة واحدة وأشار لنا 
بيده لكى نجلس . ثم بدا الحديث مع مسيى دروفيتى الذى تحدث باسمنا وترجمان 
القنصلية الذى كان ينقل إلى الفرنسية مايقول الباشا بالتركية [ ... ] ستل إذا كنا 
سنيدا بالذهاب إلى قمم الفراعنة ( هكذا يسمى الأتراك الأهرامات ) وفيما كان الرجل 
يشبعثا بابتسامة رقيقة لم تغادر شفتيه , كنائراه يطلق علينا من وقت لآخر نظرات كنظرات 
الأسد تشكّم منها على بعد فرسخ كامل رائحة سقاح المماليك . 


» حمى شائعة فى أفريقيا الشمالية خبيثة للقاية كاد أن يعوت بها الجترال ديجول بعد تلك القترة بمائة وأثتى عشر ماما . 


548 


« علاوة على ذلك فلا شىء أدهشنى أكثر من وجه هذا الرجل الطيب . كنت حفرت 
فى مخيلتى صورة الشخص الرسوم فى لوحه « هوراس » * الإسكيتش ( الرسم 
السريع ) الذى رسمه مسيودوفوريان خلال رحلته . وكم كانت دهشتى كبيرة إذ قابلت 
بدلا من هذه الرأس الأثرية وهذا الأنف المعقوف وهذا الوجه الأمثل الذى أظهره مديرنا 
الرومانطيقى » رجلا قصير القامة ذا أنف مستدير وعينين جميلتين ولحية عجون وقور . 
وحركات سريعة متلوية مثل حركات ماركيز من نابولى . كل ذلك كان مختلطا بحركات 
أخرى مفاجأة وأوضاع متغطرسة لم تسمح لنا بنسيان أنه زميل « جزان » ** . 

نعيد الكلمة من جديد إلى شامبوليون . بعد أن أعلم سيد مصر بأنه عازم على أن 
يندفع جنويا حتى الشلال الثانى أى النوبة » التمس منه الحصول على فرمانات 
الاعتماد التى يستحيل القيام بالرحلة بدوتها : « حصلت عليها فورآ وكذلك على 
شويشين من شواشية الباشا ليظلا فى صحبتنا حتى نحترم من الجميع وفى كل 
شىء » وشى بذلك يبدى ساذجاً يعض الشىء إِذ يخلط بين حسن إستقبال المضيف 
وقرار المثسلط ... مهما كانت نياته حسنة - إذ إستقبل فى اليوم التالى روسيللينى 
ويقية الوفد التوسكانى وطلب منهم إعتبار « مصر كما لو كانت يلدهم » ...قإن محمد 
على رجل سياسة قبل كل شىء : وهى لذلك لم يرحب بالأنباء التى أفادت بقرب إنزال 
قوات فرنسية فى المورة التى جلا عنها مؤاخرا بضمان من القوى الأوربية . ويدا ذلك 
كما لى dif‏ أخلى الساحة من أجل تسهيل إحتلال فرنسا لهذه الجزيرة ويذلك يكون قد 
خان مليكه وحليفه سلطان القسطنطينية ... وهى ما يسمى « عملية إحراج » 

وسيق أن رأينا بعض الروم *** يفقدون رؤسهم لأسباب أقل خطورة من ذاك يقول 
شامبوليون أنه لاحظ أن الشعب « عبى عن تأبيده التام وأكثر من أى وقت مضى 
للفرتجه وخاصة الفرنساويين **** « الذين يحظون يحب خاص فى القلوب ( ٠.‏ ) 
وذلك لأن الضباط العثمانين المحيطين بمحمد على يسيئون مغاملة الشعب ويستبدون به 
...» إحم !! نجد هنا نقس النظريات التى نجمت عنها الحملة على مصر قى ۱۷۹۸ 
وكان ثمن ذلك أن القاهرة ثارت مرتين ضد بونابارت وأغتيل كليبر ... ولذلك فإن جان 
بدني VERNET‏ 
»» جزار ياشا « الجزار» الذى نكل بالسوريين . 
++ »كانت هذه التسمية تطلق فى الماضى على الاتراك . 


+»»+الفرئجة FRANCS‏ تطلق على الأوربييت عموما أما الفرنسيون FRANÇAIS‏ فهم الفرتساويون 


549 


فرانسوا يقول نادماً « إن عصر الأبطال قد ولى . » 
سواء كان الشعور العام هى حب الفرنسيين أم لا فإن دروفيتى الذى أحس بخطورة 
الرحالة الجمة على مصالحه الخاصة إستغل مضايقات الباشا وحولها ضد الزوار 
الجدد .. وسرعان ما أدرك شامبوليون الهدف من وراء تلك المناورات وكتب فى العاشر 
من سبتمبر إلى أخيه يوضح أن تحذيرات القنصل مثل تلك إلى أرسلها فى ؟ مايو لا 
تقوم سوى على « حسايات مصالحه الخاص الأن التجار جميعا « إهتزوا » عندها 
علموا أن الزوار الجدد لم يحضروا للزيارة فقط وإنما للتنقيب عن الأثار وكان ذلك وراء 
« التجمع المناهض الذى تشكل ضضد تسليمى فرماناتى الخاصة بالتتنقيب » . 
فجأة كل ما كان يبدى سهلا للغايه قى ؟"؟ أغسطس أصبح معقداً فى سيتمين . 
أفادهم الباشا بأن التصريح بالتثقيب يظل حكرآ على أصدقائه دروقيتى وأناستازى 
النشط جدأ والشره جداآً وهى قنصل السويد : ووجد شامبوليون من ينصحهة يعدم 
التفكير نهائيا فى التنقيب ... كان رد فعله في منتهى العنف .ى كانت هذه المذكرة التى 
سلمها لقنصلية فرنسا العامة موجبة للحمد على : 
« لما كنت قد حضرت إلى مصر فى مهمة للتنقيب لصمالح متاحف الملك أرى لزاماً 
على أن أعلم وزراء الملك بالأسباب التى تمنعنى من تنفيذ هذا الجزء من التعليمات 
التى أنيطث . أن مفع حصولى علي هذه الفرمانات ينيع من مؤامرة هدقها تجارى .. 
ولا كان حضورى إلى هذا قدتم بإسم الملك ميعوثا منه ومن حكومته يأن يحجب عنى 
رخصة متحت لأشخاص مثل بيلزونى , ياسالاكوا؛ لايورد » ريفى الخ .. تعتير إهانة 
للصفة المخلوعة على » وإذا كان الباشا ووزيره حريصين على السمعة التى يتمتعان 
يها فى أورويا وهى أنهما من حماة العلوم والفنون ١‏ فإن إعطائى فرمان التنقيب 
يعتير الفرصة الوحيدة لتشجيع وحماية العلوم لأن جميع الفرمانات الممالة لم تشجع 
ولم تسساعد حتى الآن سوى مصالح شخصية وصفقات تجارية فى الوقت الذى لا 
تبتغى فيه عملياتى التنقيبيه سوى أهدافا مختلفة تماما ... » ' 
ياااه!! فى مواجهة مستبد شرقى لايمكن اعتبار ذلك تقاعساً .. اذ جاء تصرفه 
سليماً تماما » كما أن - حسب قوله - .« الرأى العام السكندرى» (؟) أيده لدرجة آنه 
حصل على القرمانات وهذه المهمة دون منازع . أما دروقيتى واناستازى - هذا الأخير 
عن طيب خاطر أكثر من الأول - فقد تنازلا عن حقهم فى التنقيب « فى الأماكن 
المحمية » . نهاية الفصل الثائى . 


550 


سحر مدينة الأسكندرية - التى يراها « ليبية » أكثر مما ينبغى بالنسية له - تبدد 
بسرعة وإم يعد عمود « يومباى » يشد أنتباهه - ومن زيارة « لإبر كليوباترا » 
مسلتين من الجرانيت الأحمر ترجعان فى الواقع إلى تحتمس الثالث أهديت إحداها 
إلى ملك فرنسا « الذى يجب أن يرسل من يأخذها » . من هذه الزيارة يذكر 
شاميوليون على وجه الخصوص ظهور أحد الشحاذين المكفوفين فجأة أمامه قائلا له : 
بالفرنسية « صباح الخير يامواطن » أعطنى شيئا أنا لم أقطن بعد ... » أمام المفاجأة 
التى تسبيت فيها هذه الكلمات الجمهورية أخذت من جيبى يعض النقود الفرنسية إلا 
أن الآخر صاح قائلا إن هذه النقود لا تصرف هنا ياصديقى .. وعلى الفور طلبت 
قرشا تركيا وأعطيته للمواطن الأعمى » . 

فى ١١‏ سيتمير إستقيله الباشا الذى ضاعف من إهتمامه بحسن الأستقبال واعلمه 
بانه يمنحه « حماية مفتوحة » وأهتم بان يشرح الأسباب وراء العناية يه : بما أن 
الأمراء المسيحيين يعاملون رعاياه بكل عناية قإن من واجبه أن يفعل « حسب قوله » 
نقس الشئ » . ثم وجه محمد على الحديث في إتجاه قرائة الهيروغليقيات وطلب 
الحصول على ترجمة مسلات الأسكندرية ووعده الزائر بان يفعل ذلك على القور . 
باختصار خرج چان فراتسوا من عند الباشا وقد حصل على هذا الوعد . حيثما ذهب 
وجد « التحية والترحيب » . 


حان وقت الاتجاه جنويا إلى القاهرة وصعيد مصر . جان فرانسوا « الجترال » 
نظم الحملة ووزع المسئوليات والوظائف على الفرنسين والتوسكانيين « كما لى كانت 
حكومة مصغرة تتحرك بجداول زمنية » . كلف الدكتور رتيشى بالصحة والتموين ؛ 

دوشان بالسلاح وييبان بالتنقيب ولوت بالمالية وشيروبينى بالامتعة .. النظام كان 
دقيقا » نظام الأكل محدداً ومواعيد الاستيقاظ أيضا لن تطلق طلقة نار واحدة دون 
إنذار مسبق , ورديات الحراسة ستكون بالدور .. لم يبق الكثير حتى يعتقد « صغير » 
أنه أصبح بونايارت * . 


(») لعل من المناسب أن نذكر هنا أعمار أعضاء الحملة وهم كسايقيهم عام 1934 كانوا مبغار السن جداً :شامبوليون 


عاما » لونورمان ۲١‏ لوت ۲٤‏ ؛ اوهوه برتان ۲٢‏ ساادور شیروپیٹی ۲۲ والكسندر ووشان 4؟ -- إيبوايتوروسيللينى YA‏ 
عاماً » جایتاتور وسیالینی ۲۲ ایجید لایلی ۲۰ الساندروریتشی بین ٥۰ » ٤٥‏ عاماً وجیوسیبی راضی هو العمید لاه عاماً 


551 


« سيحملنا على الثيل مركيان شراعيان ( خطاب لجاك - جوزيف ) أولهما هى أكير 
« معاش » فی البلد وسبق أن ركبه صاحب السمى محمد على . أسميته إيزيس . 
الآخر ذهبية * « أسمها آتير سنجر تحت رعاية ألهتين من أكثر الآلهه مرحا فى 
عالم الآنهة المصرية ...... » 
ركب شامبوليون المعش يصحية آل روسيللينى الآثتين ومع لونورمان وشيروبينى 
وييبانت ولوت انجيليللى » فى حين سافر على متن الذهبية كل من دوشان وييرتان وأوهو 
( أما البروفيسور راضى ومساعده جالاسترى فقد تركاهم لبضعة أسابيع « لصيد 
الفراشات في الصحراء الليبية » ) تبعهم خمسة من الخدم منهم الطباخ وخادم 
الچنرال » . الماعى سليمان « عريى بهى الطلعة » سيؤدى له خدمات جليلة . الأشرعة 
فى ١5‏ سيتمبر . للوصول الى النيل عبروا ترعة المحمودية التي حفرها محمد علي عبر 
الصحراء . وصف مارأه على ضفتيها بانه « البؤس بعينه » » ولكن لم يمض وقت طويل 
حتى وصل الأسطول إلى الفرع الکانوپی للنيل حيث إنتشرت أعواد البوص وشجر 
الجميز والتمر هندى وبدا المكان يعمل سحره عليهم . 
مرت « إيزيس » أمام بلدة دسوق حيث توفى قبل شهور قليلة القنصل هنرى سوات 
صاحب المجموعة الأثرية التي غيرت حياة صاحب الكشف . في الصباح الباكر من يوم 
وجد المعاش راسيا على ضفاف بلدة صا الحجر إلى جوار أثار ساييس المدينة 
الأغريقية التى يقال أن أفلطون درس بها فى شبابه ولاحظ شامبوليون أن جبانتها 
كانت ذات أيعان « عملاقة » . جمع من أرضها « قطعة جميلة من الفخار المغطى بالمينا 
تمثل الإلهة نيث كييرة الهه ساييس » . 
« عند استيقاذنا صباح ١9‏ رأينا آخيرا الأهرامات وكان في إمكاتنا تقدير كتلتها من 
حيث كنا علماً بانها كانت تبعد عنا بثمانى فراسخ . عند قمة الدلتا [ بطن البقرة ] 
عند النقطة التى يتقسم فيها النهر في ذراعين -- رشيد ودمياط - المنظر فيها يديع 
والنهر متسع بشكل يثير الدهشة . عند الغرب تقف الأهرامات وسط شجر النخيل ٠.‏ . 


يتقايل العديد من السفن والمراكب في جميع الاتجاهات ..... خلفية اللوحة يحتلها 
جبل المقطم الذى تتوجه قلعة القاهرة ..... » 


« هذا الاسم يطلق الآن على نوع من المنازل العائمة فى النيل - وكان فى ذلك الوقت يطلق طى المركب ذات الصاريين 


552 


لاحظ « الجنرال » وهى يرسى أن نزعته الوطنية قد ارتفعت حدتها لدى سماعه كلمة 
« فرنساوى » وهي تقال بنوع من السرور ... دخلوا القاهرة في اليوم العشرين من 
الشهر وفي توقيت جيد إذ كان يوم المواد النبوى .. ووجد سائحنا فى هذه المناسبة 
مايرضيه ؛ مندهشا ومبهورا « بمظاهر الجنون الدينى » حيث يختلط «الموسيقيون ' 
وينات الهوى » ويهذا الخليط من الألعاب الدنيوية والطقوس الدينية والتى حولت ساحة 
الأزبكية المغمور نصفها بالمياه والتى أختار بونابارت أن يسكن فيها , إلى مسرح 
ضخم للغاية « كان مشهداً غريبا للغاية لن أنساه أبدا » هكذا ختم ابن مدينة فيجاك 


بهرته المدينة الكبيرة ووصفه لها فى خطاب لأخيه مؤرخ ۲۷ سبتمير يكشف عن 
عظمة الإحساس الجمالى عند هذه العقلية الفذة التى لم تقبع سجينة داخل عالم الآلهة 
والمقابر المشهورة : 


« قيل عن القاهرة كلام سئ کڈیر : أما' آنا فأچد نفسی سعیداً فیها بشوارعها ذات 
العرض الذى يتراوح بين ثمان وعشرة أقدام والتى ظلت محل نقد كثير لأنها تبدى لى 
محسوية بدقة تامة لكى تتفادى الحرارة الشديدة للغاية . ولى انها غير مرصوفة 
بالأحجار إلا أنها نظيفة لدرجة تثير الإعجاب وودت لى أن بأريس 9 تكون أكثر قذارة 
حتى فى الأيام التي تنظف قيها التنظيف الكبير ( ... ) القاهرة مسينة ضخمة 
للغاية . معظم منازلها مينية بالحجر أبوابها المشغولة بحفر علي الخشب طبقا المنط 
العربى تسترعى انتباهك فى كل خطوة . 

( بها ) عدد كبير من الجوامع جميعها أكثر جمالاً من بعضها البعض مغطاة بخطوط 
أرابيسك رفيعة الذوق ومزينة بمآذن بديعة لثرائها وجمالها [ .. ]| القاهرة من 
مدن ألف ليلة وليلة لولا أن البريرية التركية قد دمرت أو تركت جزءا كبيرا من 
المتتجات البديعة الفنون والثقافة العريية يدمر . أديت أولى صلواتى في مسجد ابن 
طولون وهى من مبائى القرن التاسع وهى نموذج للرشاقة والعظمة ولا أقدر على 
وضمع حد لإعجابى به وعلى الرغم من أنه تصف متهدم إلا أنه لايزال أجمل الأثار 
العريية الموجودة في مصر . 


333 


العلاقات التى أقامها هو ورفاقه مع أهل البلد كانت ممتازة منذ البداية وفيماعدا 
كلمة « رعاع » قإنه يمكن أن يكون هى صاحب هذه السطور التى خطها شارل 
لوتورمان : 

« إنتا بشكل عام كنا نتصور أهل هذا البلد من بعيد على أنهم من الوحوش » علماً 
بأننا إذا قارتنا بين المتشردين فى الجائين فإن الشحاذين هنا أقضل من سكان مدنا 
الكبيرة . الشئ المؤكد هى أن الفرنجة الذين يقطنون هذا اليلد منذ فترات طويلة 
يبشيرون إلى الرقة المتناهية التى تميز سلوك السكان العرب على طول أرض 


قام شاميوليون بآألف اكتشاف منها حديقة ملاهى الباشا حيث فاتته مشاهدة 
فرس الثهر حيا « إذا أن الحيوان المسكين كان قد مات لتوه بضربة شمس بعد أن نام 
الأيلولة دون أن يكخذ الاحتياطات اللازمة » . كما أكتشف مجموعة من الانجليز أورد 
بروديه ويورتون والميجور فليكس ؛ هم جميعا من دراسى الهيروقليفيات فى إصرار 
وتصميم . كانوا يعاوملونه بعناية كما.لى أن شيخ طريقة » à‏ كما تعرف على لينان دى 
بالفون وهو مهندس متزوج من حبشية والذى منحه الباشا لخدماته الجليلة لقب بك . 
كما تعرف أيضا على سيدات مصريات . 
« تظمت حفلة لشباب ( البعثة ) بعد وصوانا بيومين إلى القاهرة وأحضرت لهم ستة 
عوالم ( أو ينات عالمات وهن عالمات جدا ) ظللن يرقصن ويغئين من الساعة السادسة 
مساءاً حتى الثانية صباحا فى جى يسوده الخير والشرف » . 
دعونا نمر على الخير والشرف مر الكرام وعلي العموم فلو أته ظل عفيفا فإن ذا 
لم يرجع لأسباب صحية . فلنستمع اليه 
La »‏ مازالت ممتازة وأفضل مما كاتت عليه قى أورويا مادمت كتبت لك هذه 
المنفحات السبعة مرة واحدة دون توقف وهو ومالم يكن من الممكن أن أفعله فى 
باريس دون أن أصاب بتقلصات فى المخيخ . الحقيقة أنى رجل جديد تماما . حلقت 
رأسى وأغطيها بعمة ضدخمة . أرتدى لباسا تركيا كاملا . ويزين وجهى * شارب 
جميل كما يوجد خنجر كبير معلق على جانبى . هذا الزى دافئ تلغاية وهو ما 


354 


يناسب تماما الحياة فى مصر إذ أن العرق يتصبب منك داخله بغزارة تسعدك . هى 
شعور يزيدك سعادة بنفس غزارة العرق المتصبب منك . غير أن العرب يقسمون على 
أن الجميع هنا يظن أنى من المواطنين . ويعد شهر من الآن سأضيف الكلام يلغة 
أهل اليلد على خداع المظهر إذ أنى أقوم بتنقيح لغتى العريية ولكثرة استخدامى لها 
فلن يعتبرنى أحد بعد قليل من المبتدئين ..». 
إنه رجل سعيد هذا الذى بدا يتعامل مع « مصره هو » , بعد أن استحسن جداً تلك 
التى صاغها وأعاد صياغتها العرب والمماليك وبونابارت ومحمد على . بعد أسيوعين من 
الإقامة فى عاصمة الطولونيين أبحرت البعثة الفرنسية التوسكانية فى الأول من أكتوير؛ 
هذه المرة فى اتجاه ممقيس الرائعة وفى المخطط زيارة سقارة والجيزة . هل يجب أن 
نتحدث هنا عن خيبه أمل ؟ إذا كانت محاجر طرة المنحوتة فى سلسلة الجبال العربية 
قد أظهرت للرحالة نصوصاً ديموطيقية مهمة جدا فإِن الحال التي وجدوا عليها سقارة 
قبل أن يزيج عنها مارييت الرمال وينذقب فيها عن الآثار ) ملأت قلويهم بالأسى : فيما 
عدا الهرم المدرج وبعض المقابر التي كانت في حالة جيدة مثل مقبرة مينوفرى فقد بدث 
لهم هضبة المومياوات «تافهة جدا بالنسبة للدراسات » . 
« ... عندما وصلنا إلى قمة الهضبة تمكننا من تكوين فكرة عن التدمير الذى ألحق عبر 
القرون بمقابر الممفيسيين . تخيل هضبة هائلة تتخللها الأهرامات وتنهض فى كل 
مكان مذها تلاق صغيرة جداً من الرمال المغطاة بيقايا أوانى مخازن قديمة وقمطات 
من القماش الخاص بال مومياوت وعظام مكسورة وجماجم مصرية أبيضت من تأثير 


طل الصحراء وغير ذلك من الأشياء المكسورة كالفتات .....» . 


555 


إلا أنهم تمكنوا - فيما بين اليدرشين وميت رهينة - من الإعراب عن الإعجاب بتمثال 
رمسيس الثانى * الضخم الممدد « داخل » الرمال والذى إكتشفه كافيليا ( من مدينة 
جنوا الإيطالية ) وهى من رواد علم المصريات وكان منقباً جسوراً وحذقاً pale yes.‏ 
الكشف عن تأثره العميق ... 
« ... بأول أضخم تمثال من النحت المصرى وضعته صدف الرحلة أمام عينى . 
تمددت أمام هذا الوجه الضخم ولكنه فى نفس الوقت متناسق تناسقاً سعيداً لدرجة 
أن تعبيراته لا توجد يها سوى الطيبة والدماثه وتسللت إلى نفسى كل عظمة هذا 
التمثال البطولى .. وابتسمت مشفقاً على ذكرى وجهات النظر التافهة والمسطحة 
التى كونتها العقول الجبارة عندنا عن الفن ولا تزال تنادى بها عن المصريين عن هذا 
النحت الضخكم وهو يشكل الجانب المحورى من معمارهم Cu‏ 
" يرى شامبوليون إن هذا التمثال الضخم هو توأم ه سيزوستريس تورينى » 
والذى قال عنه قبل ثلاث سنوات أنه « وقع فى غرامه » : ولا يوجد أى شك فى أنه 
يوجد فى تورينى وممفيس : بورتريهان لأعظم الفراعنه ** » ويضيف متحدثا لفيجاك أنه 
لو حصل على الأموال التى تسمح بالتنقيب « على الواسع فى ممفيس فسيتمكن 
فى أقل من ثلاثة شهور من « تعمير » اللوفر بتماثيل مدهشة « حرك هذا الطلب - 
يقول « صغير » فى ختام خطابه - وأجعل الجميع يصرخون بأعلى صوتهم لكى يحزم 
المتكاسلون أمرهم » هذه الكلمة يلاغية أكثر مما ينبغى وكان الأصدق أن يقول 
المخريون . 
ها هو الآن فى طريقه إلى الجيزه - وكان الفيضان قد حول الصحراء إلى 
أرخبيل مما عقد مسار الرحلة واستوجب ذلك عدة ساعات قضوها على ظهر الحمير 
للوصول إلى مجموعة الأثار الأكثر شهرة على مستوى العالم : 
« وصلنا منهكين تحن والحمير حيث تظللنا بعدة أشجار من الجميز على يعد مسافة 
صغيرة من تمثال أبى الهول الضحم . ويعد إستراحة قصيرة آنعشتنا . أسرعت 
نخى الاثر الضهم الذى لا يزال يعطى فكرة واضحة عن النمط النحتى الجميل الذى 
* وهو يقوم الأن وسط الميدان التى تطل عليه محطة القاهرة للقطارات . 


** رأينا أن جاك فاندييه وجان كابار شككا فى أن يكون تمثال تورينى يعثل رمسيس الثانى وهما يميلان 
إلى الاعتقاد بأنه لستى الاول. 


556 


شيد به وذلك على الرغم من كل التشوهات التى وقعت له . غير أن ملحوظة 
دينون * عن التراخى أو بالاحرى ال Morbidezza‏ الكأبة التى تنم عنها الشفة 
السفلى هى ملحوظة دقيقة جداً وددت لو تمكنت من إزاحة الرمال التى تغطى 
مخطوط تحتمس الرايع المتحوت على الصد إلا أن العرب الذين أقبلوا علينا 
مسرعين حوإنا من المرتفعات المحيطة بالأهرامات قالوا أن تنفيذ هذا المشروع يحتاج 
لأريعين فرداً لمدة ثمانية أيام .... » , | 
. اذا إكتفى صاحب الكشف بهذا التعليق المختصر على أكثر اثار مصر غموضاً ؟ 
لذا يتعين الرجوع إلى لوت اننقل عنه تعليقاته لزملائه الشبان فى ظل أبى الهول : 
« كان أبى الهول رمزاً للحكمة والقوة متحدتين وهى من الصفات الخاصة بالأله الذى 
يمنحها للفراعنة بدوره . رأس الحيوان ذى الوجه البشرى تصور الإله أى الملك المقلد 
هنا وهى أحد ملوك ممقيس ... » . 
جان - فرانسوا شامبليون أمام الأهرام .. كما لو أراد أن يوفر علينا أى خطب 
أدبية طنانة اعترف بيساطة شديدة أن أمله خاب n‏ بالأحرى أنه شعر « بالإهانة » 
أن م تأثير هذا الاثر الهائكل فى الضخامة يقل كلما إقتريت منه » ٠وأئه‏ يجب « أن 
تلمسه بيدك لكى تدرك فى النهاية ضخامة الكتلة » . 
بيساطه تليق بالشخصية - سيجئ يوم يؤكد فيه أن « أيام ممفيس » كانت من 
أكثر أيام الرحلة تثقيفاً بالنسبة له (1) إلا أن لايومياته ولارسائله عكست هذا التعليق . 
فهذه الزيارة إذا رجعنا إلى هذين المرجعين ** كانت المرحلة الضعيفة فى الحوار 
الاسطورى بين صاحب الرؤية ود مصره » . قراءة ما سيكتبه عن طيبة ستكون كافية 
للتاكد من ذلك . 
لا نعرف لماذا توقف مخطوط يومياته عند هذا التاريخ : ٠١‏ اكتوير ليعود متقطعاً 
بعد ثلاثة شهور . إلا أن مراسلاته التى ظل جاك -- جوزيف يتلقاها بانتظام تعكس 
أحداث الحملة فى مراحلها المختلفة كما تعكس حالة النشوة المتسامية والمتعاظمة التى 
يعيشها صاحب الكشف منذ اللحظة - ١8‏ اكتوير - التى رفع فيها هلب مراكبه ميحراً 
نحى مصر العليا ويعد أن فقد أحد أعضاء البعثة : فيعد راضى « صائد الفراشات » 
( الذى سيلحق بهم فى مصر العليا ) ومساعده جلاسترى - جاء دور أنطوان بييان 
الذى راح يفقد إتزانه مع مرور الوقت . 


: * راجع المقدمة ص ؟7 ٠.‏ 
++ تقراً فى رسالة لفيجاك مؤرخة من الأهرام فى ۸ أكتوير « لا يوجد سوى القليل نؤدية هنا » 


557 


و- كما قال« الجنرال »« لم يكن مفيداً فى أى شئ غير أنه نشر الفوضى بيتنا 


إلى الجنوب .. إلى طيبة المجيدة إلى السعادة . الساعات الأولى لرحلة البحارة 
النهرية لم تسمو لمستوى أمالهم . امنيا » سوعاده ‏ زوية الميتين . للوصول إلى الجنة 
کان يجب إنتظار الوصول إلى بنى حسن ء وتوقع جان - فرانسو ألا يمكث فيها سوى 
بضعة ساعات : وإذ به يبقى فى هذا الموقع الذى أهمله د وصف مصر » ما يقرب من 
أسبوعين . وبالفعل أكتشف فيه الرحالة اكتشافين جوهريين : أولهما الرسم التصويرى 
الشعبى وثانيهما المعمار الضورى ( الأغريقى ) الأول . 
كانت الرسوم الحائطية ( فريسك ) التى تزين كهوف بنى حسن تعتبر مطموسة 
إلا أن جان - فرانسوا لاحظ أنه « إذا مررنا عليها بسفنجة مرطبة لإزالة طبقة 
التراب » التى تغطيها ظهرت على الفور « أغرب مجموعة من الرسومات التصويرية 
التى يمكن أن يتخيلها بشر » جميعها متعلقة بالحياة المدنية والحرف وهو - هذا هو 
الجديد فى الأمر - بالحياة العسكرية .... أته حصاد ضخم ! ولكنه أقل ضخامة فى 
رأيه من رسومات مقيرة أحد النبلاء إسمة نيوتيب التى على درجة من « الرقة والجمال 
تجعلها أجمل ما رأيت إلى الأن قى مصر » . | 
فى تفس الكهف حقق جان - فرانسوا كشفاً أذهله ! هى عبارة عن لوحة أمر 
بنسخها بدقة متناهية تصور أسرى طوال القامة « بيض البشرة وأنفهم معقوف . إنهم 
بلاشك من الإغريق وفى الغالب من الأيونيين ويعتبر ذلك الدليل القاطع الذى لا يقبل 
الشك » فى رأية على العلاقات المتقدمة للقن فى مصر واليونان على التوالى . إنها 
بالفعل قضية قديمة لم تحسم !! 
إلا أن اكثر ما سيعلق بذاكرته من هذا البحث المطول فى بنى حسن لعله إكتشافه 
ممر ضخم منحوت فى الصخر ويثكون من « أعمدة تشبه لدرجة كبيرة جدا للوهلة 
الأولى الأعمدة الدورية الاغريقية فى صقلية وإيطاليا [....] وهى مزينة بخطوط طولية 
وقواعدها مستديرة ... » قفز من مكانه وهى يؤكد : أين يمكن إيجاد دليل أفضل من 
ذلك على أسبقية وأبوية المعمار المصرى « على الفن الإغريقي » ؟ 
« رأينا قيها جميعا النمط الحقيقى النمط الدورى الإغريقى القديم وإنى أؤكد دون 
أخشى أن أؤكد رأئ كما فعل جومار بالنسبة للنمط الكورينثى والأيونى على أثار من 
زمن الرومان . لأن هذين الكهفين وهى أجملها جميعاً يحملان تاريخهما وهما من 


` 558 


عصر أوزورتاش اللك الثانى من الأسرة القالثة SE) pe‏ ) وبالتاليى فهى 
ترجع للقرن التاسع قبل الميلاد ... 

إنه يتهلل ٠‏ الجتوال »-. عندما يراجع ملفات الرسومات التى يقدمها له كل ليلة 
لوت ودوشان وأنجيليللى وشيرويينى : ليس فقط لأنها جميلة بل هى أجمل مما كان 
يحلم بها ولأنها أيضا دفاع مستفيض عن نظرياته ونحن نعرف كم هى يحب أن يكون 
على حق وأن يجد الفرصة لكى يهزأ من جومار وراؤول روشات أكثر وأكثر ! 

خلاصة مؤقتة مرسلة إلى فيجاك : « أتجرا أ فأقول أن بهذه الثروات وحدها تكون 
رحلتى إلى مصر قد أصبحت أكثر ثرا ءا وأكثر إنتاجاً من جميع أوراق اللجنة * قيما 
عدا المعمار - والذى أعتنى بدراسته فى الأماكن التى لم يزرها أو يعرفها أحد , » , 

فى ۲۸ نومب بعد ثلاثة أسابيع من الإبحار جنوياً قام جان - فرائسوا بمراجعة 
ماتم ,.حتى قبل أن يشاهد أياً من روائع العمارة المصرية - والتى لن يجدها سوى 
إبتداءاً من أبيدوس فإن ماغنمه عن نواحى الحياة المصرية الخاصة والعامة والديتية 
والعسكرية تخطى كل ما کان یتمناه . 

وفبما يتعلق بعلم الحيوان فقد جنى بالفعل ما يسعد صديقيه كوفييه وسسانت 
هيلار ؛ إنه يدين لولائهما له بذلك على الأقل !! 

إلا أنه مر أمام أتتبفرية وأشمونيين وفى حلقه خصدة وقلبه مغموم لأنه لم يدق في 
أى من الآثار التى وصفها فورييه وجماعته قبل ذلك بثلاثين عاماً : لم يقلت شئ 
ضراوة « ويزيجوت » مصر الذين دمروا كل شئ ]| بتصريح من حكومتهم من أجل إنتاج 
شئ من الجير . .. ومع ذلك فهل كان يشعر هو ذاته بالبرائه التامة بعدما أعترف بأنه 
إشترى رأسا 1 لتمثال من تماثيل رمسيس الثانى بقرش صاغ واحد ( ويحدد أن ذلك 
يساوى ۷ سو بالعملة الفرنسية ) ؟ ومهما حاول أن يتبرأً من ذلك مدعيا أن ترجمانه 
وليس هو الذى قام بالصفقة التى اعتبر القيام بها شيئاً « مخلاً » فهو على الرغم من 
ذلك قد إحتفظ برمسيسه الذى دفع فيه سبع « سوهات » فقط . 

رعندئذ تظهر داخل القصة شخصية لا بد وأنها كانت ستسعد فلويار لوقابلها وهو 
الذى سييحر على النيل يعد ذلك بعشرين عاما وسيجرى حينذاك بعض اللقاءات 
المثيرة. كان أسمه محمد يك وكان مأمور طهطا > أحد مراكز مصر الوسطى .. 
الخطاب الذى أرسلته هذه الشخصية الهامة يدعو فيها جان - فرانسوا للترفيه عن 
نفسه فى منزله جديرة آن ننقلها هنا ولو جزئياً : 





. مصر التى يرأسها جومار‎ dial à 


559 


« هن الله 

ديا أعز الأصدقاء » يا أعز الخلان صديقنا العزيز . المبجل الجنرال النبيل 
المحترم حفظه الله .. بعد تقديم وافر التحية المصحوبة بتشوقنا الشديد [ لرؤياكم ] فإن 
المراد بهذا المكتوي هو ما يلى : 

. أن اتعرف على شخصكم المجيد‎ - ١ 
؟ - أن آفيد سحادتكم إنه فى تاريخه [ تاريخ الخطاب ] سنجلس سويا نلتقى‎ | 
.. ونزيد من تعارقتا‎ 

ركان الحفل على مسترى هذه LU‏ . ولا كان الرجل فيلسوفاً - حسبما قال 
« صغير ٠‏ فإن هذا البك لم يرقض طوال السهرة شرب كأس من النبيذ أى الذهل من 
البراندى . استمر الغناء والرقص حتى الصياح. رفع الجميع كؤوسهم تحية لملك قرنسا 
ولياشا مصر ثم غنى رفاق » الجترال » الأغنية الشعبية د ملبروغ ذهب للحرب » 
Ma brough s' en va-t-en guerre‏ ونشيد المارسيلييز وقد طرب المأمور كثيراً 
لهاتين الأغنيتين لدرجة أنه أمر الموسيقيين بحفظ اللحنين . وتمتع الجميع بالتهام 

« أوزى صغير محشى » .. يامصر ياعزيزة !! 

ومع ذلك فهو وإن كان يشعر أنه فى أتم صحة بدنية فإن « صغير » لم يستطع أن 
يخفى شيئاً من الحزن : فى 4؟ نوفمبر أى بعد أربعة شهور من مقادرته طواون يقول 
لجاك - جوزيف أنه لم يستلم بعد خطابا واحدا من زويه أو من أى أحد أخر . وهو 
لذلك يسجل أنه « لمصر بالكامل - وهى كل شيئ بالنسبة لى وأطلب منها أن تواسينى 
مادمت لا استلم شيكاً من أورويا « . أى لا من ياريس ولا من ليفورن . إنه لا يتهم 
أحداً ويقول لنفسه أنه متاكد من أن الجميع يفكر فيه ويكتب له كثيرا . 

ولكن الواقع هو أن لاشئ يصل إليه * . ولى أنه إطمأن على صحة ذويه » لأصبح 
أسعد الرجال . لأنه « فى نهاية الأمر موجود وسط مصر العتيقة وأن أسمى روائعها 
على بعد خطوات من مركبى .. » 

أسمى ؟! هى روائعها على كل حال . فقبل ذلك ببضعة أيام أى فى ١7‏ نوقمبر 
توقفوا عند معيد دندره الذى أثارت أسطورته خياله لفثكرة طويلة . الوصف الجميل 

à‏ سيكتشف جان فرانسوا بعدذاك ببضيعة أيام أن دروقيتى إحتفظ برسائله . وكان يدخل فى إختصاصه 
بصفته ممثلاً لقرنسا أن يستلم ويراجع مراسلات مواطنيه . إلا أن الديلوماسى جامع التحف تمادى فى 
التدقيق قى عمله : إذ على الجانب الأخر كان التوسكاتيون يسلمون رسائلهم بأتتظام . 


560 


الذى كتبه فيقان دونون فى كتابه « رحلة إلى مصر » عام 18١7‏ والتعليقات الشفهية 
التى سردها العديد من الرجال أمام أصغر الشقيقين شاميوليون بعد ذلك بعدة سنوات 
وكذلك الجدل الكثير الذى ثار حول موضوع الزودياك - خريطة الايراج السماوية - . 
وسرقته من المعيد - وكان قد ند به بشدة » كل ذلك مجتمعاً جعل من هذا التوقف 
أحدى اكثر المراحل إثارة فى الرحلة ... خاصة وأن الرحالة وصلوها ليلا » ومهما کان 
القمر ساطعاً ومكتملاً فإن اكتشاف المعبد كان صعباً . ولكن فجاً 
» ظهرت لنا المعابد [ ل ] ان أحاول وصف الآثر الذى تركته فى تفوسنا واجهة 
المعبد الكبير . من الممكن قياس هذا الشعور ولكن إعطاء فكرة عنه هو المستحيل 
ذاته ... إنها الرقة والعظمة مجتمعتين فى أعلى درجاتهما . يقينا دال المعبد 
ساعتين فى حالة تجلى نرقص داخل قاعاته وفى يدنا سراجنا الضعيف محاولين 
قرائة المخطوطات الخارجيه على ضوء القمر . فى صباح اليوم التالى [ ... ] 
اكتشفت أن ما أمام عينى هى قمة فى روعة العمارة مغطى بنحت تفصيلى من أردا 
الأتماط .. أرجى آلا أغضب لجنة مصر فإن النحت البارز فى دندره كريه لأنه من 
فترة الأتحطاط . 
كان النحت قد بدأ يتحلل [ فى هذه الفترة | فى حين كانت العمارة أقل تأثراً 
بالتغييرات لأنها مصرية فبقت جديرة بإله مصر وبإعجاب القرون جميعاً ... » . 
شامبوليون الرحالة يتساوى فى القيمة مع شامبوليون الذى فى يده عدسة مكبرة 
بمعنى أنه مهما كانت عظمته كعالم لغويات فإن المؤرخ وعالم الجمال فيه ليس باقل 
عظمة . أن النظرة الواقعية والتمكن من المبادئ التى تقوم عليها مختلف فروع المعرفة 
والعلاقة التى يقيمها باستمرار بين التطورات التاريخية والإبداع الفنى وتجمع هذا الكم 
من المواهب يضمن لهذا المسافر الملهم السيادة والسيطرة . بهذا التفكير عاشت 
مجموعة مغامرى عام 8 حوله .> روايات is‏ وأيضدا لونورمان وكذئلك لون 
وشيروبينى جميعها تؤكد ذأك .. ها هى مستعد لملاقأة طيية .. 
كتب يقول إن « طيبة - وهذا الاسم كان أصلاً كبيرا جدا فى فكرى - أصبع 
هائلاً منذ أن درست أطلال العاصمة القديمة . الأخت الكبرى لجميع مدن العالم .. 
وكذلك سجل أيبوليتو روسيلليى فى يوميات رحلته أن يوم وصوله إلى طيبة « كان 
الأكثر:خلودا وتعلقاً بذاكرتنا طوال حياتتا كلها » . وكتب إلى زملائه فى جامعة بيزا أن 
هذه الأيام القليلة لا تكفى لاكتشاف « كل الروائع التى تشكلها بقايا العاصمة الخالدة 


561 


جداً أضقاف النيل » . وفى طيبة سيحتفل شامبوايون بزواجه الأبدى مع محبويته : 
مصر . دون أن يحيد للحظة واحدة عن وضوح الرؤية وصقاء الذهن الكاملين . 
« ظللت أركض من رائعة إلى أخرى طوال أربعة أيام كاملة » .. إختار أن يبدأ 
زيارته بالضفة الشرقية للثيل . زا فى اليوم الأول تمشالى ممنون « ومقبرة 
أوزيماندياس المزعومة » ولم يصعب عليه أن يكتشف أنه الرامسيوم ( وكان المصريون 
يسمونه حيئذاك الرهامسيون ) نسية إلى التمثال العملاق الرائع الممدد على الأرض 
ارمسيس الثانى . وفى اليوم التالى كان فى مدينة حابى وفى اليوم الذى يليه - أى كان 
يسير على وتيرة السياح - فى وادى الملوك وحيث وقف مبهوراً أمام قصر « منحوت 
بازميل فى الجبل » . هنا أرتكب أحد أطرف أخطائه قاطبة . فبعد أن خرج من المعبد 
المشهور المسمى اليوم الدير البحرى ؛ كتب يقول : 
« .... سجلت فى عجالة حقائق ذات أهمية قصوى بالنسبة التاريخ ! اذ رأيت مقبرة 
أحد الملوك وقد طرقت نقوشها من أولها إلى آخرها , فيما عدا الاجزاء التى نحتت 
فيها صور الملكة والدته وزوجته فقد حوفظ عليها بكل احترام وكذلك الاساطير 
الخاصة يهما . لا شك أنها مقبرة أحد الملوك الذى أدين بعد وفاته » , 
« اليوم ويعد قرن ونصف فإن أى زائر من حاملى آلات التصوير يعرف أنه 
ليس « ملكاً مدانا » وإنما ملكة فرعون : الشهيرة حتشبسوت وأن المخرب الذى طرق 
وجه الملكة التى غزت بلاد بونت سلمياً هى د تحتمس الثالث العظيم ... لا يكفى أن يكون 
المرء عبقرياً ليمتلك الحقيقة ولكن يجب أن يأتى فى موعده . 
فلنتذکر هذا التاریخ ۲۳ نوفمبں ۱۸۲۸ ففیه عبر جان - فرانسوا شامبولیون 
النيل إلى الضفة الشرقية ليزور الجزء الشزقى من طيبه . فى معبد الأقصر توقف 
طويلا أمام المسلتين المنحوتتين فى قطعة واحدة من الجرانيث الوردى « باتقان رائع » . 
هل جالت ساعتها بخاطره فكرة أن يرسل أحداهما إلى باريس ؟ لم يسجل ذاك على 
الفور فى مذكراته .. ولكن عندما وصل إلى الكرنك جائه الإلهام الحاسم أكثر حدة من 
الهام ٠١‏ سبتمبر ۱۸۲١‏ وايضاً من ذلك الذى تملكه قبل ذلك بثلاث سنوات لدى دخوله 
إلى متحف توريئى : 
« .... ذهبت أخيراً إلى قصر , بل قل , إلى مدينة الآثار , إلى الكرنك . وهناك 
ظهرت لى العظمة الفرعونية فى أتم صورها أى أعظم ماتصوره ونفذه اليشر على 
الإطلاق . كل ما رأيته فى طيبه وكل ما أعجبت به بحماس على الضفة الشرقية بدا 


562 


لی بائس وهزيل . أمام الأفكار العظيمة الأبعاد التى تصورت وأبدعت ما كان يحيط 
بى هنا . سأمتنع تماماً عن وصف أى شئ وذلك لأحد السببين الأتيين : إما أن 
تعبيراتى لن تعكس سوى جزء من الألف مما يجب أن يقال فى الحديث عن تلك 
الاشياءوإما سيقال عنى - أنا حاوات أن أرسم ولو خطوطاً عامة لها - أنى 
مهووس بل - فلنقلها بوضوح -- إنى مجنون . | | 

' اسنا فى أورويا سوى أقزام ولا يوجد شعب قديم أى حديث تخيل العمارة بالقياس 
إلى هذه العظمة ولاهذا الاتساع ولا هذا التسامى مثلما فعل المصريون القدماء . لقد 
تصوروا البشر فى أحجام تصل إلى مائة قدم فى الإرتفاغ أما مالدينا نحن فلا 
.يتعدى خمس أقدام وثمان بوصات . أن الخيال فى أوروبا الذى ينطلق إلى أعلى 

بكثير من بواباتنا يتوقف فجأة ليسقط عاجزاً عن المائة والأربعين عموداً داخل القاعة 
الكبرى . قى الكرنك ( الهيبوستيل ) » . 


لم يكن ليرضى مؤسس عم المصريات - مهما وصل به الالهام ومهما أصبح هو 
ملهماً - أن يكتفى بهذه الاشعار الغنائية إن سرعان ما يتحكم العالم فى شاعر 
التاريخ » فيكمل بسرعة هذه المذكرات بملحوظات خاصة بالتسلسل التاريخى » 
فتأسيساً على « الوجوه » العديدة للفراعنة التى يراهم هنا أعلن أن تواريخ الأسر 
الثامنة عشر والتاسهة عشر والعشرين ويما فى ذلك « لوحة أبيدوس » يجب أن تراجع 
من جديد » وإذ به يصبح كالمجنون . فسحر الجمال امتزج بحماس الاكتشافات وكثب 
يقول لجاك جوزيف بقلم يحركه الحماس « أرسل اك ما يكفى فقط لكى لا تموث 
من الجوع . ! ساضطر إلى أن أمضى وقتى كله فى الكتابة لى إضطررت أن أنقل اك 
بالتفصيل جميع إكتشافاتى ... » . 

إنه يتهلل ويبحث ويجد » إنه فى كامل السعادة . وتصبح لذلك رسالته كرسائل 
العاشق السعيد . المناخ يناسبه . أهل النيل سحروه - حتى لوكانوا أتراكا يعوقون 
تحركاته . وآخذ يصفى أحواله داخل « قصره فى القرنه » ( قصر الطيبة اليابس ) 
حيث يتردد عليه العديد من الأغاوات والمأمير والزوار وطالبى الخدمات ومقدمى الذبائح 
متبادلاً معهم الهدايا والأحاديث باللغة العربية الدارجة التى زاد تمكناً من ناصيتها 
بمرور الأيام » كما كانت تغزوه الخرفان والدجاج التى يحضرونها إلى « القيادة العامة 
الفرنسية التوسكانية » . كان مشل روسيه قبل ذلك بثلاثين عاماً فى هذا 
المكان «السلطان العادل» إلا أن عدله هى كان منزوع السلاح ووجد ليبقى . 


563 


كيف يمكن انتزا ع نفسه من طيبة التى لم يتمكن سوى من أن « يلمسها » كما 
كان مقرراً فى مخطط الرحلة ؟ يتحتم عليه ذلك ! ولكن بشئ من الصبر ! ويعد العودة 
إلى هذه الأرض الكلاسيكية ليدرسها « خطوه خطوة » سيتمكن من الكتابة بمعرفة 
وثيقة بالأشياء » ومن تقديم « نتائج كاملة النضع » أما الآن فهيا بذا إذن نتجه إلى 
الشلالات . 

أثار معبد هيرمونتيش حيرته بسبب عدم التأكد من تاريخ بنائه : وصفه أنه شئ 
يشبه المهد الأسطورى أقامته كليوياترا الأخيرة والأكثر شهرة من أجل إينها قيصرون 
أبن يوليوس قيصر . لم يكن قد اخترع بعد كلمة ماميزى التى فرضها هى فيما بعد 
ليدل على المكان الذى تقيم فيه الملكات - الألهات قبل وبعد فترة الولادة والتى يمكن 
التغرف بسهولة عنه داخل * المعبد واكنه هى أمام عالم الرسوم المنحوته البارزة من 
العصور المتأخرة ؛ قهى لم تبهره مثلما حدث فى طيبه . وسيتكرر ذلك أيضا فى 
مويس ** واسنا وادفى .. لا يوجد أحد طبع بفكرة « العصر المتدنى » مثل 
شامبوليون . 

ولكن فيله ؟ ماذا عنه ؟ كان النقرس يعذبه لدى زيارته له . وحمله إلى المعيد أربعة 
رجال ولم يقل لنا عنه شيئا هذه المرة سوى أن « كل شئ فيه حديث » وأن النحت الذى 
فيه « بربرى » وذلك على الرغم من أن أول مراسلات وصلته من أورويا إستلمها داخله: 
رسالتان من أخيه وواحدة من زوجته إلا أن الحدث لم يثر لديه سوى تعليق حزين : 
« وإن الأخرين موجودون حيث يريد الله . واكنه شئ والسلام ! ... وسأكتفى به » كيف 
يمكنه أن يشير بأقل حذر من ذلك إلى جاك - جوزيف - ومن خلاله إلى روزين أن ما 
كان ينتظره اكثر كان ما يجب أن يصله من ليفورن *** ؟ 


رحلة الذهاب » أى صعود النيل لم تنته دون أحداث . وهى حدث كثر التعليق عليه 
وقدمه البعض على أنه كان بمثابة طلاق بين التوسكانيين والفرنسيين - وهذا غير 


. ) قدس الأقداس فى المعابد الاغريقية الرومانية يوضع داخله تمثال صداحب المعيد ( المترجم‎ x 


. تسمى كوم أمبق الآن‎ Kik 
إننا نعرف ( لأنه كتب لها ذلك بعد عودثه ) أنه أرسل عدة خطابات لا تجيلبكا من مصر : إلا أتنا لم‎ «++ 
. ثرها‎ 


364 


صحيح بعد ذلك اليوم - ١‏ ديسمبر ۱۸۲۸ كما كان الحال قبله أعطى روسيلليتي À‏ 
وشامبوليون مثلاً نادراً عن التضامن الحق وعن التعاون الصادق بين الاشقاء وتشهد 
على ذلك مراسلاتهما وكذلك كلمة المديح المؤثرة التى آلقاها ( إبن بيزه بعد وفاة ملهمه 
ومعلمه ) . وأكن هذا لا يمتع أن ما حدث عبر الساعات الآخيرة من عام ۱۸۲۸ كاد 
يثير ازمة بين اللجنتين . 

إذا كانت « لوحة أوزورتاسن * » قد سميت « لوحة النزاع » () والتى انتزعت من 
هيكل إيزيس فى بوهين بالقرب من وادى حلفا فذلك لأنها أعطيت الفرنسيين فى بادئ 
الأمر ياتفاق الجانبين واكنها استردت يعد ذلك لحساب التوسكانيين على يد الدكتور 
الساندرى ريتشى دون علم شامبوليون (ولا روسيللينى ..) « هل كانت حركة خداع 
فلوراتينيه »؟ الطريقة الى تمت بها العملية فى الخفاء ودون علم الآخرين صدمت زملاء 
جان - فرانسوا الفرنسيين أما هى فلم يكترث لذلك كثيراً . 


كان للدكتور ريتشى بعض الحق فى تحديد من ا الوحة لأنه هو الذى كان قد 


, يمن جهة أخرى حدث أثناء تقسيم ٠‏ الغتائم » ذاته بين توسكاتيين وفرنسيين أن 
طلب شامبوليون وحصل علي لوحة لرمسيس الأول إنتزعت من نفس الهيكل . وبالرجوع 
إلى القواعد الموضوعة والتی Sal‏ حتی ذلك الوقت من | ie pan‏ فإن أعطاء إحدى 

وانتهى الحدث بسرعة . ولم يأخذ الآمر حجمه النزاع » سوى بعد وفاة جان -- 
فرانسوا عندما بدا كما لوأن أخاه الأكبر يتفنئن فى تسميم العلاقات الفرنسية 
التوكسانية سواء فيما يتعلق بما نشر أى بتحديد ملكية الثروات التى جمعت من مصر . 

للإبحار بين الشلالين بين سيان ** ووادى حلقا كان عليهم تغيير المراكب لأن 
الأولى كانت أكثر اتساعاً مما لايسمح به ضيق مسار المركب فى النهر وتعرجه . 
ست مراكب صغيرة أخرة تحمل الحراس الذين عينهم الباشا لحماي الرحالة : 5 
سلامتهم فى النوبة لم تكن مضمونه تماما ... 


. تم التعرف بعد ذلك على أنها لسيزوستريس‎ à 


عب أسوان . 


565 


ديبود » كلابشة » دكه » السبوع » عمارة * .... قدموا تحياتهم لهذه الاطلال 
الدالة على الاستعمار الفرعونى لبلد وصل حد الفقر فيه إلى أن كاشف الدر - عاصمة 
النوية - أخبر جان -- فرانسوا أنه لا يجد شيئًا يقدمه له على العشاء وهى لذلك يدعو 
نفسه عنده ! لما كنا على علم بمقدار الكرم والأبهة التى يتسم بها حسن الضيافة فى 
هذه البلاد يمكننا قياس « فخامة وإمكانات » هذه المنطقة كما فعل الرحالة فى تعليق 
اتسم بالمراره أرسله لأخيه . 
تأثره للفقر المدقع الذى يعانيه هذا الشعب جعله يحتفل بعيد ميلاده الثامن 
والثلاثين فى شي من الحزن لولا أنه « عوض ذلك » بأن زار فی ۲۳ دیسمبر ۱۸۲۸ 
معبد در ا منحوت فى الصخر حيث تمكن من التعرف على أسماء وألقاب سبع أبناء 
وثُمانى بئات أرمسيس الثانى الذى tif‏ هذا المعيد . 
فى صباح 51١‏ ديسمير ظهر لهم فجأة على سطح الماء المعيد -- الجبل - المزدوج 
فى أبى سمبل ** : معبد نفرتارى *** المخصص لحاتحور ومعبد روجها رمسيس 
العظيم الذى لم يجد من يكرسه له أفضل منه ذاته هى ! مثلما حدث لأسلافه بوركاردت 
ودروفيتى وبلزونى وكيى وجى وكذلك للعديدين الذين جاءوا بعده » أخذ جان - فرانسوا 
شاميوليون العجب يل ذهل وتاثر بشدة أمام هذه الروائع بالغة القخامة التى « تساوى 
وحدها الرحلة إلى النوية » ولى كانت « فى طيبه ذاتها » لأثارت الإعجاب أيضا وهى 
ناتج مجهول « يرعب الخيال » إنه إفتتان أوصلته إلى ذروته التماثيل الأربعة العملاقة 
التى يبلغ أرتفاعها ستون قدماً والتى حققت للمعبد مجداً عالمياً وشى « صورة» La‏ 
أرمسيس ٠‏ إثة عمل ب يستحق كل الاعجاب » . 
اتضح أن زيارة المعبد العظيم المنحوت فى الجبل عملية وعرة » لأن م الرمال 
والنوييين الذين كانوا يدفعونها ( نحوه ) » سدت المدخل لكى يأخذوا أجراً مقايل 
نزحها. كان عليه أن يدلف للداخل وهى ممدد على بطنه من الفتحة الصغيرة التى حفرثت 
فى الرمال مقايل فدية .. ثم بدأت التجرية القاسية التى وصفها لأخيه بهذه الكلمات : 
« ., ظنتت أنى تقدمت نحى فوهة أحد الأفران [ ... ] فى جو بلغت درجة حرارته 
۲ مئوية : زرنا هذه الحفرة الأثرية المدهشة روسيلينى وريتشى وأنا وواحد من 
أعرابينا وكل مذا يحمل شمعة قى بده .. » 


أسماء تكاد تكون عادية الان بعد حملة اليونسكى لانقان أثار النوية تحت إدارة كرسيتيان ديروش - 
نوبلوكور : 


. كان يسمى ابسامبول فى ذلك الوقت‎ ra 
. ٭٭× كان شاميوليون يسميها تقفرى - آرى‎ 


366 


ويعد أن وصف التماثيل الرمسيسية الضخمة الثماتية والرسومات المحفورة 
الرائعة التى تصف المعارك , والقاعات الستة عشرة والتماثيل الأريعة فى قدس 
الأقداس خرجوا من الأتون بعد سناعتين ونصف ولكن قى أى حالة ؟ 0 
« ... أرتديت صديريين من القطن ويرنس من الصوف ومعطفى الضخم الذى 
وضعوه على كتفى لحظة عودتى إلى الضوء : وهناك جلست إلى جوار أحد التماثيل 
العملاقة الخارجة .. والذى حجيت عنى بطن ساقه الهائلة الضخامة ريح الشمال , 
استرحت لمدة نصف ساعة حتى تمضى مرحلة العرق الشديد » عدت بعد ذلك إلى 
مركبى حيث ظللت أعرق لساعة أو ساعتين . أثبتت هذه الزيارة التجريية أنه 
بالإمكان البقاء لساعتين ونصف أو ثلاث ساعات داخل المعبد دون أى ضيق فى 
التنفس ولكن مع وهن بسيطة فى السيقان والمفاصل , واستخلمصت من ذلك أن لدى 
عودتنا سنتمكن من نسع الرسومات التاريخية المحفورة على أن يقوم بالعمل فريق 
من أريع أفراد ( حتى لا نستهلك الهواء ) لمدة ساعتين صباحاً ومظهما مساء . أنها 
ستكون حملة مرهقة » . 
فى نفس هذا المكان بعد عشرين عاماً كتب جوستاف فلوبار فى مذكراته : 
« متظر الشمس إذا نظرت إليها من باب مدخل المعبد الكبير يعطيك إحساساً 
بأنك تنظر إليها من خلال شباك صيفى قى بدروم .. تطلق الخفافيش صرخة قصيرة 
حادة » تذكرت المزارع النورمانديه فى الصيف عندما يكون الجميع فى الحقول عندما 
تقترب الساعة من الثالثة بعد الظهر .. » , 
ثم بعد بضعة أيام بالقرب من وادی - حلفا سمعه مکسیم دوکشان يصرخ 
SL‏ « وجدتها !! ساسميها إما بوفارى ! » .. 
فى الأول من يناير 1859 ويعد أن ودع « الجنرال » شارل لونورمان الذى كان قد 
أعرب له عن نيته بأنه سيكتفى برحلة الذهاب فقط ثم يعود إلى فرنسا -- زرع علمه عند 
نقطة النهاية المحددة للرحلة عند الشلال الثانى وهى عبارة عن « حاجز من حجر 
الجرانيت نجح النيل فى هزيمته وتخطيه ؛ ولكننى لن أذهب إلى أبعد منه » . 
وهى يعكس إتجاه الرحلة لكى ينهى مرحلة المشاهد السريعة التأثيريه ويبدأ مرحلة 
الدراسة العلمية » أرسل بالبيان الأول بالتصر إلى فيجاك . وهى إن يؤكد له أن « عمله 
الحقيقى يبدا اليوم » مع العلم بأنه نقذ بالفعل « أكثر من ستمائه رسم » . يقول 


567 


أنه « يكاد يكون فى حالة رعب إزاء » الذى بقى عليه أن يؤديه . ولكنه يعتقد إنه 
سينهى مهمته فى غضون ثمانية شهور ‏ « شهر للنوبه » وستة أى سبعة شهور لطيبه 
حتى منتصف أغسطس » يليها نزول سريع على النيل مع التوقف فى دندره وأبيدوس 
لأن « الباقى موجود بالفعل داخل الحوافظ » . 
وعلى هذا الأساس فإنه يقدر موعد الإبحار إلى أورويا فى أول أكتوير . 
فى ليلة 1١‏ ديسمير إلى الأول من يناير 1459 وهى فى وادى حلفا وصف لجاك - 
جوزيف لقائه الأول مع عمالقة الجبل » وأضاف ( فى ملحوظة ) أنه سيكتب ازوجته من 
أبى سامبول بعد أسبوع ... أما أول أيام العام فقد كرسه للكتابة أولاً إلى شخصين : 
صديقه تيفونيه وعزيزه مسيى داسييه , 
كتب يقول للأول : 
« ..أرجى لك عاما سعيداً [ ... ] وكذلك لجميع أصدقائنا الطيبين الذين ستقبلهم 
بالنيابه عنى .. على الرغم من المساقات فإنى لا أنسى من أحبهم « فمهما أكون فى 
أعماق النوبة وملتحياً مثل أحد الرهبان الكابوسيين وأرتدى زى عرب الصحراء ولا 
أعرف ما هى القبعة أو السروال , مهما كنت أكل الارز بأصابعى وأدخن الترجيلة 
ثلاث مرات يوميا وأشرب ماء النيل يكميات كبيرة فإن كل ذلك لم يتعد بشرتى ولا 
زلت فى أعماقى دوفيثى « معفرت » . 
ها أنا قد وصلت إلى أخر مدى رجلتى إذ أن الشلال الثانى أوقف أسطولى [ .. ] 
كان بودى أن أذهب إلى أبعد من ذلك لولا أن للضرورة 5 أحكام ولولا أن قافلتى التى 
تضم ثمانية وعشرين قما ( دون أن أضع فى الحساب فم المدفع ) تواجه الموت 
جوعاً فى أعماق هذه النوية التعيسة فإنى منذ البداية قد حددت هنا (حداً لرحلتى) . 
وها أنا أهيط مع النيل حاصداً كل ما سأجده من الهيروغليفيات فى طريقى .. » 
ولكن الرسالة الجوهرية التى صدرت منه قى ذلك اليوم كان متلقيها هو جان بون 
- جوزيق دأسيية : من المؤكد أن من جميع الرسائل الموجهة إلى مسيو داسييه فإن 
رسالة سبتمبر ۱۸۲١‏ هى التى تسترعى إنتباه الأجيال التالية » إلا أننا نكاد نولى 
إهتماماً ممائلاً للتى كتبها على ظهر دهبية , الجنرال » الراسية بجانب الشط الرملى 
فى وادى حلقا فى الصباح الباكر الأول لعام 1854 . إن ما كتبه عام 1857 كان 
المقدمة أما نص 1879 فهى خلاصة النهاية . فلنحكم بأنفسنا : 


568 


« \AYA salu ١ وادى حلفا فى‎ ÿ 


« ..أشعر بالفخر الآن ؛ بعد أن سرت مع مجرى النيل من مصبه حتى الشلال 
الثانى ٠‏ لأنه يحق لى أن أعلن لكم أنه لا يوجد ما يستوجب أى تعديل في خطابتا 
عن الأبجدية الهيروغليفيه . إن أبجديتنا سليعة : وهى تطيق بنجاح تام أولاً على 
الأثار المصرية فى عهد الرومان واللاجيد ( البطالسة ) وأيضاً - وهو ما يثير 
إهتماماً أكثر من ذلك بكثير - على ما خط على جميع المعايد وسراياث ومقاير 
الأزمنة الفرعونية . كل شئ يضفى الشرعية إذن على التشجيع الذى تفضلتم به على 
فى أعمالى الهيروغليفية فى وقت لم يكن فيه أحد على الأطلاق مستعداً لمنحها أية 
قفرصة » , 
ها آنا ذا عند أقصى نقطه من رحلتى نحى الجنوب [ .. ] سأدير إذن مقدمة س:ينتى 
فى إتجاه مصر لاهبط النيل وأتا أدرس بتعمق الآثار التى على الضفتين [ .. | 
حسيما رأيت وبالقياس الفكرة العامة التى كونتها فى رحلة الصعود فإن الحصاد 
سيكون من أكثر ما يكون ثراءاً ووفرة » . 
سأكون فى طيبة فى منتصف فبراير تقريباً لأنى مضطر إلى تكريس خمسة عشر 
يوما عبد أيسعبول العظيم فهى إحدى روائع الثوبة [..] أما معابد أرمپوس ( كوم 
أمبى ) وإدفو وإسنه التى أشادت بها كثيراً ه لجنة مصر » على حساب معابد طيبة - 
التى لم يشعر بها هؤلاء السادة » فهى ستستوقفنى بعض الوقت فقط [ .. ] لا 
يمكننى أن أنهل سوى من المنايع الأصيلة [ .. ] ملفاتى عدت ثرية جداً : أنى أشعر 
مقدماً بالسعادة لأنى ساضع أمام أعينكم مصر القديمة كلها على التوالى : الديانة 
والتاريخ والفنون والصناعات والعادات والتقاليد [ .. ] رسوماتى [ .. ] لا تشيه قى 
شي رسومات صديقنا جومار لأنها تنقل الأسلوب الحقيقى للأصول بأمانة متناهية . 
وسيتمكن روشات من أن يرى بنقسه أن كل المصريين لم يفعلوا - كما يحسن 
الإدعاء - سوى إله واحد وملك واحد ورجل واحد وهو لم يكن رجلا ولا ملكاً ولإ إلهاً 
٠.‏ إن طيبة كلها - وهو أقل مايقال - هى احتجاج هائل على هذه الجملة .. » . 
هل يوجد نص أخر يكشف أكثر وبأقضل من هذا .عن بطلنا ؟ كل شاميوليون 
موجود هنا : إعتزازه بنفسه فى حساسيته » وكرمه فى بساطته » وإنفتاح فكره 
للتضامن ٠‏ وحبه للنضال دون كلل ضد كل من يرفض من أقرانه فكرة تفوق المكتشف . 
. وأسبقية الحضارة المصرية على الحضارات الأخرى . | 


569 


نجد فى هذا النص العظيم - نود أن نقول هذا النص المهيب والذى لا يخلو فى 
ذات الوقت من الفخامة - بأعجاب ممزوج بابتسامة ساخرة بسبب طريقته هذه فى 
إشراك من يحبهم فى عمله ( « خطاينا »و« أبجديتنا » ) مدقفوع يكرمه يمزاجه 
الشخصى المسيطر ولكن أيضا تمسكه المتعالى يحقوقه المكتسبة وكرامته ( « أشعر 
بالفخر » و« يحق لى أن .. « 

شامبوليون - نعم -- الرجل ذى الاسد بل الرجل ذو الأسدين ؛ المسيطرن : 
الشمسى «١‏ جذرال النيل » هذا الذى أسماه مأمور طهطا « كئن الأصدقاء - حفظه 
الله  »‏ جان — فرانسوا الملهم ٠‏ الذى وصل إلى « عواميد هرقل » من حقه أن يتأمل 
هذه القرون التى ينقذها وهذه العوالم التى يقرأها - بالفعل - مثل كتاب مفتوح . 


370 


7 - مصر كتاب مفتوح 


زجاجة طافيا - « الجنرال » داخل الأتون - من أبوسمبل إلى فيله - « الأقصر 
التى نيست ! » - مليماً واحداً التنقيب -« حفلة أكل » فى مقبرة - السماء والجحيم 
اللوح التصويرية الهوميرية فى الرامسيوم -« صوت الاجداد . » - مص تدعق اللشفقة 
... محمد على وإبراهيم - سلف مارنيت - قوق سطح الأسترولاب . 


« ... رحلنا جميعاً الساعة التاسعة صباحاً بعد أن أنزلنا أشرعتنا من صواريها لأنه 
لم يكن علينا سوى السير مع التيار . فمنذ هذه اللحظة ! أستدرنا فى اتجاه الشمال 
وشعرت بسروى بالغ للسين فى هذا الاتجاه الذى كان يقرب فى كل احظة المسافة 
التى تفصلنى عن طيبه وعن باريس أيضا .. » 
غنى المجدفون لحن الرحيل ووجهه الجنرال » منظاره شطر الأحجار 
الظاهرة على سطح الماء فى الشلال الثانى . بدأ ايجليللى يخط الخطوط العريضة 
لأحد رسوماته . أنهمك نستور لوت فى كتابة مذكراته » راجع شيرويينى الحسابات 
ورتب البروفسور راضى فى المركب الثالثة نباتاته وأحجاره النادرة التى ألقى بها نوبى 
متحمس فى النيل بعد بضعة أيام لأنها فى تقديره كانت ثقيلة للغاية ! هكذا بدأت رحلة 
العودة فى الأول من يناير 1854 وهم على ثقة من أنهم سيغنمون الذهب الذى Let‏ 
فعلاً بزيقه يقه : لم يبق عليهم سوى الحصاد من خلال الرحلة العلمية الحقيقية للرحلة . 
لم يكن جان فرانه. ب شاميوايون فى حالة من النشوة تجعاه ينسى الج ب 
. رست المراكب بالقرب من ساقية :» « الناعورة » التى يجرها زوج من الجاموس الت 
ترمز صورة دورانهما - فى لونهما الأسود - إلى المشهد الريقى المصرى . وبدأ الحقل : 
« كان الطعام لذيذاً بالنسية لعشاء نويى : وتفوق طاهينا على نفسه وأضفت 
زجاجاتان من نبيذ سان - جورج علما بأن الحرارة الاستوائية قد اثرت سلب بها 


571 


بالفعل - على الوايمة جواً من الأحتفال يتناسب تماماً مع مناسبة أول أيام السنة . 
بعد العشاء تم توزيع البقشيش على الخدم . ثم تناول جميع أعضاء البعثة القهوة ' 
على ظهر الذهبية - الادميرالية . ثم شرينا زجاجة راتافيا من جرونويل بالكامل 
فی تخب نچاح الحملة € 
« لم يكن عليذا سسوى السير مع التيار » كان « جنرالنا » متفائلاً بعض الشي 
الآن . الهواء البحرى الذى كان يهب » على مراحل » كثيراً ما كذب هذا التوقع . ولم 
يكن المجدفون وحدهم الذى اشتكوا من هذا الوضع ٠‏ ففى اليوم التالى إنطلق الريح 
الشمالى ( كذا ) فى غضب وعلت أمواج النيل كما يحدث فى خليج الأسد عند هبوب 
ريح الم”رال حتى أن جان - فرانسوا الذى كان يفتخر بأن معدته « بحرية » جدا عندما 
غادر ‏ ولون - راح يتألم من دوار البحر .. كانت ليلة صعبة للغاية . وإنتظر الرحالة 
ظهور صباح يوم " يناير لكى تنكشف أمام أعينهم الصورة الرائعة للنيل الغاضب وهو 
يهاجم الشلال الرملى لأبى سنبل 
رسا الأسطول الصغير عند أقدام التماثيل الجبارة - التى سارت مالوفة لديهم ... 
- لمعبد نفرتارى التى بدت كما لوأنها تتقدم فى اتجاه النيل اكى 5 تستحم فيه على بعد 
عشرات الأمثتار من « الصور » الضخمة لوجه رمسيس الجالس فى مواجهة الشمس . 
يا إلبى ! كم هى جميل هذا المشهد : سيكتب جان - فرانسوا لأخيه بعد عدة أيام : 
« إنى لأسف على أنى لا أملك بضسعة صناديق الدنيا المسحورة لكى أثقلهم وسما 
ميدان لويس الخامس عشر * لكى أسدق يضرية واحدة كل من ينتقد الفن 
المصرى . كل شئ ضخم هنا دون أن نستثنى الأعمال التى بدأناها» . 
للاسف ! كانت ركبة جان - فرانسوا اليمنى تعذبه من جديد وكان قد نسى 
« معدات النقرس » قى طيبة .. وقد حرمه ذلك من قيادة عملية « الغوص » الأولى داخل 
المعبد الكبير من حسيث أحضر « شياب » الحملة دوشان وبيرتان ولوت بمساعدة 
, يربرى » من فيلة على درجة مدهشة من الذكا ء اسمه عبد الوهاب - وكان قدسيقهم 
روسيللينى وريتشى وانجبليللى - بعد بضعة ساعات - نسهًا مرسومة جديرة 
بالنحتيات الحائطية الرائعة للقاعة الكبيرة ذات التماثيل الثمانية الضخمة . وكان عليه 
أن ينتظر ثلاثة أيام طوال أن يهد التقرس قبل أن يحاول بدوره المغامرة بالنزول فى 
غلاية العجائب : 


372 


« سرت مستوداً من محمد ومن القواس أحمد - قى الطريق الوعر الذى يفصلني 
من دهبيتى حتى مدخل المعبد الكبير . استرحت لبضعة دقائق , حتى يتوقف تصبب 
العرق » عند أقدام التمثال الضخم الذى على اليسان : ويعد ذلك خلعت ملايسى كلها 
تقريبا عدا كالسونى وقميصى وجواربى الصوف ونزلت إلى الأتون الذى تفاجؤك 
دائماً حرارته القوية للغاية فى اللحظات الأولى ؛ ولكن بعد أن يبدا العرق يتصبب 
وينساب من جميع الأعضاء تشعر براحة أكير و.حينذاك بدأت استكشافاتى . بعد أن 
راجعت وصححت -- مستخدما مقياس مدرج فى كثير من الأحيان - الكتابات 
المنحوته التى على اليمين والتى نسخها روسيللينى . ثم بدأت رفع المخطوطات التى 
على اليسار مبتدئاً بالمخطوط الضخم الذى يعلن فيه لرمسيس أن الأعداء يهاجمون 
خطوطه وأن عرية المعركة قد أعدت . 


[ .. ]| يعد أن خرجت من المعبد فى الرايعة والريع » حرصت أن أقرط قى زيادة 
الغطاء بمعنى أنى حملت جسدى بقميص وصديريين من الصوف الناعم ( الفلانيل ) 
ورودانجوت مزدوج الازره وبرنس وم عطف واسع من القطن بالإضافة إلى حزام 
عربى فوق الرودانجوت وينطوإنات جيدة من القطن تحت كل ذلك . وهكذا قطعت 
المسافة من المعبد حتى المركب دون أن أشعر بأى شى من الريح البحرى الشديد 
جداً وا مثلج الذى كان يعصف فى ذلك الوقت .. بقيت ممداً فوق سريرى 
لدة ساعتين . أتصبب عرقاً مباركاً وهى ما سيخلصنى مثلما أرجى ليعض الوقت من 
ألام النقرس .. » 


استراحة . ويعدها مباراة فى الشطرنج الذى أخد ميله له يزداد بياستمرار . ولكن 
ها هى أحد الذوبيين فى غاية الجمال وعلى رأسه غطاء فرعونى وتصدر عنه روائح قوية 
جداً ويحمل فى يده قيثارة جديرة بالأجداد . أنه شاعر ريابة أخذ يؤدى أغنية عربية 
تروى حملات إبراهيم باشا العسكرية وعيور أسطوله الجسور الشلال الثانى . وفجأة 
يغير المنشد من نغمته ويبداً فى مديح رئيس الحملة : 


جثت من يلاد الروم 
أنت يا جنرالنا الكبير 
موفداً من ملك عظيم 


3273 


رسوت:تحت جبل أبى سميبل 
وعلى رأسك شال من كشمير 
فى ؟١‏ يثاير جعلهم يتزاونه عدة مرات داخل لبه الكبير وكان يعتبره 
ه لايزال بكرأ أ » لشدة خيبة أمله فی اعمال بازونى وجى بعد مراجعتها وكرس جل و وقته 
فیها مز فرنه كان يشعر بأنه أفضل مماكان قبل دخوله , ولكن كان ريع الشمال 
à à sal}‏ حق به لدى خروجه لدرجة أنه كان يثير ألاماً فى « العينين والاسنان » قلا 
يصل إلى ذهبيته إلا وهى يترنح مع كل خطوة يخطوها . كم ھی هش جثرالنا هذا فى 
جسده المتألم والذى كان يدقع بالألم كل ثمن نصر يحققه !! 
ومع ذلك فإن ما أن بيشعر به هى كان السعادة الحقة .... إنه فخضر حقيقى ذاك 
الذى بشع من هذا الخطاب المرسل لأخيه فى ؟١‏ يناير 1854 : 
« أود أن أصحب كل الذين يرفضون الايمان بالرشاقة التى يتسم يها الذنحت 
المرسوم هنا فيضفى على فن العمارة ثراءاً على ثراء . أضمن أنهم فى أقل من ريع 
جميع ما انطبع فى فكرهم دون تفكير سيخرج من جميع مسامهم , 
« روسيللينى وأنا احتفظنا لأنفسنا بالجنء الخاص بااتعليقات الهيروغليفية المطولة 
فى كثيسر من الاحيان التى تصاحب كل شكل أ مجموعة من الأشكال فى 
الربسومسات التاريخية المنحوته - ( الباروليف ) . نقوم بنسخها فى مواقعها أو 
طبقاً لبصمتها على الورق عندما تكون مرتفعة جداً [ ... ] هذا هو الوضع بالنسبة 
لحملتتا التاريخية فى أيوسمبل . أنها أكثرها أرهاقاً لنا وأمجدها على الإطلاق فيما 
يمكن أن نقوم به خلال هذه الرحلة كلها . الفرنسيون والتوسكانيون تنافسوا فى 
حمأسهم وإخلاصهم » , 
كثيرا ما أثارتها الشوفينيه إن لم تكن الغيرة الشخصية لجاك - جوزيف شامبوايون - 
فيجاك . عندما تشر رسائل أخيه بادر بأن عدل فى نصها أى زيّف بعضماً منها . وعلى 


574 


وجه الخصوص تلك التى ذكرناها للتى . وهكذا فبدلاً من قرائة : « روسيالينى وأنا 
احتفظنا لانفسنا بالجزء .. » وجدنا أنه نشر :« أحتفظت لنقسى . » وهو ما بغير 
المعنى تماما . وإضطر روسللينى أن يكتب عن ذلك بعد ثلاث سنوات من ذاك التاريخ : 
« ما أن نصل إلى أحد الآثار إلا ونتدارس معاً بعناية جميع أجزائه ونوزع على 
الرسامين المصاحبين لنا مختلف التفاصيل التى يهمنا الحصول على نسخه منها . 
وتوزع فيما بيئنا نحن الاثئين مهمة وصف المبنى ونسخ مخطوطاته « .بعد تأدية عملنا 
- سواء كان ذلك خلال الليل أو أثتاء إبحارنا على التيل - كذا نتوصل عير تبادل الآراء 
والإتصال المشترك من تمكن كلانا من العمل بأكمله . وينفس الأسلوب كان الرسامون 
التوسكانيون ينقلون أعمال الرساميين الفرنسيين والعكس صحيح ؛ هكذا تكو ن لدينا 
ملفان كاملان متطايقان [ .... ] أن المذكرات والمستتدات التى جمعت خلال _حلتنا 
كانت تستهدف عملاً مشتركا يشرف فرنسا وتوسكانيا معا بان يوفر لعلوم العصور 
القديمة ثمارا عظيمة للغاية Oo‏ 
سبتبمبر ۱۸١١‏ هذا المبدا الخاص بالعمل المشثرك : « لا يمكننى وكما لا يمكنك تصور 
إمكانية نشر أى شئ بدونى | ... ] لا يمكننى القيام بذلك يدونك وإلا إنتهى ينا الأمر 
إلى عملين غير كاملين وغير مترابطين .. » . 


فى ١1‏ يناير ويعد أن كتب بضعة خطايات وبيض ومذكراته عن الذوية : أعطى 
شامبوئيون أوامره بالإقلاع . لقد أفشت « المعايد - الجبال » التى فى أبو سمبل يأهم 
أسرارها .. أزيلت الشدات الخشبية التى كانت تحجز الرمال أمام مدخل المعبد الكبير 
حتى لا يدفن الباحثون أحياء داخله وسحبت المراكب وأعلامها مرفوعة فى حين صدخ 
البحارة باغاتيهم . أما التماثيل الماردة فكانت تتسامى فى ضوء الشمس . بينما 
المراكب تبتعد شعر فرانسوا بإحساس يتملكه فجأة ( كما أفضى هو ذلك بنفسه ) أنه 
متأكد أن المعبد الذى يختفى هكذا من أمام ناظرى وراء منحنى للنيل هى أول المعابد 
التى لن يراها أبداً بعد ذلك . 

يجب ألا نتصوره على الرغم من ذاك مثل أى مازيياً تمزقه أحاسيس متضارية , 


575 


كان يثير اهتمامه : قفى درَّى * على سبيل المثال نراه يكرس وصفا أقصر للمعبد 
الحجرى عن سرده لحوار طريف دار بينه ويين كلاثة نوبيين بجلاليبهم البيضاء وهم 
يحيطونه علما يسعر البليح وزداعة النخيل والضريبة المفروضة على كل شجرة منه 
( وكانت توجد بهذه المقاطعة وحدها فى ذلك الوقت سبعمائة ألف نخلة وهى الأجمل 
وتحمل ألذ الثمار فى مصر كلها ) وكان جان - فرانسوا يسجل باهتمام جميع هذه 
المعلومات . كان الأحياء يثيرون إهتمامه مثلما كان الحال بالنسبة للأموات : وقد سجل 
بشئ من الغضب الشديد أن الضرائب المفروضة كانت « كفيلة بهدم إقتصاد البلد 
وإبقاء السكان فى حالة إملاق «. 


بعد ذلك بأيام قليلة إذ كان داخل سبيوس ** فى إبريم » مسجل مشهداً سمح له 
بأن يعبر عن أرائه فى موضوع أحوال المرأة . نرى فيه زوجة أحد الأمراء تتقدم نحو 
فرعون وهى واقفة وراء زوجها مباشرة تسبق جميع كبار الموظفين » هذا يثيت تفوق 
الحضارة المصرية على منافساتها الشرقية » « لأنه يمكن تقدير درجة تحضر الشعوب 
بناءا على الوضع المحتمل أو الأقل احتمالاً النساء فى التركيبة الاجتماعية . براقى 
يامايسترى !! €‘ 
قلب سخى مثل هذا القلب من المؤک أنه سيكاف يمقايلات سعيدة . فى « درى » 
على سبيل المثال . ألتقى بهذا البريرى فساله إن كان يعرف سم من بنى هذا المعبد . 
« أجابنى على القور أنه أصغر من أن يتمكن من معرفة ذلك إلا أن شيوخ المنطقة 
يدوا له متفقين على اعتبار أن هذا « البيربى » بنى حوالى ثلثمائة آلف عام قبل 
الإسلام [ .. ]| هناك بعض الشيوخ غير متاكدين من إحدى النقاط وهى ما إذا كان 
الفرفسيون أم الانجليز أم الروس هم الذين شيدوا هذا العمل العظيم .. » . 
فى اليوم التالى فى « عمادة » سجل ملحوظة وهى وإن كانت تخص فثرة أحدث 
فهى لا تقل عنها طرافة . كانت الرسومات المنحوتة فى هذا المعبد مغطاة « بطبقات من 
الجبس سيئة للغاية » وضعها الأقباط لكى يحواوه إلى كنيسة . وأضطر إلى أن يتزع 
هذه الطبقة الجبسية التى عليها صور القديسين لكى يصل إلى الصور الأصلية . 
ملحوظة جادة مئه : « رد الفعل الوثنى هذا کان یتسم بجانب خاص به وهى أن الذى 
تسمع ديدرق ! , 


+ كتبت دس قبل ذلك ( المترجم ) . 
++ كهق فى الصسخر مختلف عن المقبرة . 


576 


أخذ النيل يشبه تهر اللوار الذى كان تجرى فيه لقاءات جميلة جداً فى عهد 
رونسار . من بعيد ظهرت على صفح النهر شراع عليه علم إتضح أنه إنجليزى : أليس 
هذا اللورد يرودويه الذى أعلنوا له فى « درى » عن سفره إلى ستار والحبشة ؟ ولكى 
يتخاطب معه لم يكن الرحالة النبيل محتاجاً لأن يقول « مستر شامبوليون على ما 
أعتقد ؟ » فقد سبق أن التقيا فى القاهرة . كما قلنا من قبل ؛ مع الميجور فيليكس 
الذى مازال يراقق برودویه . تم اللقاء بعد أن توققوا وتيادلوا المعلومات وج الملفات ». 
وعبر جان فرانسوا وهو يودعه عن تأثره لإبتعاد « رجل يمتلك ثروة هائلة ومع ذلك » 
فإن سمى قلبه جعله يلقى بنفسه فى عملية خطيرة ولكنها مفيدة بالنسبة للعلم .. » 
هذه المقابلات كانت تقابل بكل ترحاب . كما حدث بعد بضعة أيام مع قنصل 
التمسا أسيريى الذى كان متوجهاً إلى الشلال الثانى - وهى الذى أحسن استقباله 
فى الاسكندرية . وكان اللقاء الجديد وديا للغاية . ولم يقطع الدبلوماسى علاقاته 
بشامبوليون سوى بعد ذلك يعد أن أمره وليام بانكس صديق يانج ! « إما هو وإما 
نحن » , 
قصيرة كانت أم غامضة كانت هذه اللقاءات تكسر رتابة الأيام التى لا تثيرها 
تماثيل النوية العملاقة ولا قاعات العواميد التى سيزورها بعد ذلك . 
' « أرى أن خطاياتك مختصرة بعض الشئ [ كتب ذلك لأخية ] تذكر إنى على بعد 
ألف فرسخ منك وأن أقل نميمة لها مذاق عظيم ومنعش . كم هى طويلة الليالى - لا 
شئ يشغلها سوى التدخين أو لعب الورق - وذلك ممل فى النهاية . وأكون سعيداً 
جداً عند إعادة البحث فى اللفافات الصغيرة القادمة من باريس .. » 
ما زالت هناك عدة ساعات طويلة إنتظاراً لطيبه وهى التى أمضاها داخل معبد 
كلايشى * الأغريقى - الروماتى . أنه بالطبع يرى أن « النحت فيها أصبع سيئًا الغاية 
بعد أن جعلوه ثريا لأنهم لم يعودوا يعرفون كيف يصتعوه جميلاً » .. 
إلا أنه يكتشف فيه « جيلاً جديداً من الألهه » - وهذا ليس بالشئ البسيط 
بالنسبة لؤلف « البانتيون » . إنه بالطبع يتأكد من أن آمون - رع # يزال هى الكيان 
الاسمى والرئيسى والإله موت تنبع من ذات الجوهر المذكر والأنثوى فى نفس الوقت 
وأن جميع الألهه المصرية الأخرين ليسوا سوى « أشكالاً من هذين المبدتين الذين 
يعتبران تجريدات خالصة للوجود الاعظم .. » أخذت أشكالاً بشرية حتى أخر تجسيد 


577 


وهو جسد حورس ؛ ومع ذلك فهى يعتقد أنه إكتشف - تأسيساً على الثلاثية المبدئية 
( أمون - رع وموت وخوئسو الابن ) - « الثلاثية النهائية » المشكلة من حورس ووالدته 
إيزيس وابنهما مالولى . وهذا الأخير هى الذى كان يعبد فى كلابشة ؛ لآن إذا كان 
أمون - رع يسود كل الأماكن ويحتل الجانب الأيمن من قدس الأقداس إذ أن كل 
قرية ومديئة تقدس إلها تقديساً خاصاً دون أن ينتج عن ذلك أى حقد مع المدن 
المجاورة : يسبب ما يصفه صاحب الكشف بارتياح « نوعا من الاحترام المتبادل 
المدروس بعناية » . 
لم ينجح سحر فيله « الجزيرة المقدسة » فى التآثير عليه . وإذا كان ينسب فضل 
بتاء المعيد الجنوبى الصغير إلى نكتانيبى أخر الفراعنة من أصل مصرى فهى لا يخفي 
أزدرائه للباقى الذى يعود إلى عهد الرومان وعلى وجه الخصوص - ( نرجى مذكم 
التسجيل ) : « ماهو منحوت .. » أخص ! أما جزيرة سيم الصغيرة > جارتها » والغنية 
بمخطوطاتها الحجرية فقد أوحت له بأكثر مما أوحت له به الآثار المشيدة والنحت البارز 
الموجود فى جزيرة إيزيس . فى المجموع فهو يقضل أن يؤخذ يسحر معابد أومبوس * 
وإدفى وإسنا حتى ولى أنهم جميعا إغريقيون ومن « مرحلة الاتحطاط » إلا أنهم « جمال 
من الثاحية المعمارية ولهم تأثير ضخم « وأكن كم أن هيروغليفياتهم « سوقية » ! 
ولكن متى سيجئ دور طيبة » طيبة صاحبة المائة باب ؟ . 
« .... كان الحزن فى قلوينا لما Gui,‏ هذه الاطلال الضخمة مرة أخرى : وأضافت 
معداتنا إلى هذا الشعور لأننا كنا قد سمعنا أن مراكب تحمل مؤناً صابحة وصلت 
إلى عنوانى فى الأقصر ولكن الهواء البحرى كان عنيفاً للغاية وقفنا فى المسافة بين 
هيرمورنيس وطيبة التى لم نصلها سوى فى الصباح الباكر من يوم 4 مارس . رسى 
أسطولنا الصغير على أعتاب الرصيف الأثرى الذى كشف النيل جدرانه وهو أن 
يصمد طويلاً ليدافع عن سراى ** الأقصر إذ أن آخر أعمدته تكاد تس شواطئ 
التهر ... » . 
« الشئ الغريب هى أن مذكرات شامبوليون والرسائل التى كتبها من طيبة أهملت 
الآثر الذى كان يعجب به أكثر من الأخرين جميعاً وهى معبد الكرنك وإن كان يتكلم - 
كما نوى فيما بعد - عن عمليات التنقيب إلى أجراها فيه ولكن دون تعليق . 





* كوم أوميق . 
so‏ يستخدم شاميوليون هذا التعبير علماً بأن الهدف الاساسى منه كما يعرف ( أى معبد الأقصر ) كان 


578 


لا يوجد لدينا فى هذا الصدد سوى رسالته الرائعة المؤرخة 4؟ نوفمير 1474* 
التى تقول الكثير واكنها تبقى مثل مدخل لامثيل له لمعبد إختفى . لماذا هذا الصمت ؟ 
هل ضاع هذا الجزء من مراسلاته ؟ هل إحتجزه فيجاك لسبب غامض ؟ الواقع هو أن 
الجزء الرئيسى من التقارير الخاصة بإقامة جان - فرانسوا المطولة فى طيبة يتعلق 
بالأقصر من جهة وبمجموعة الجباتات ومعابد الضفة الغربية من جهة أخرى . 

يبدى إذن أن الأقصر إستقطيت اهتمامه وبداية كان ذلك من زاوية غير متوقعة . 

« ...هذه السراى الرائعة . الأكثر تديناً من جميع آثار مصر , التى تعوق الوصول 
إليها دور الفلاحين التى تحجب وتشوه جمال بواياتها بخلاف دار هزيله لأحد 
البكابشية ** المعلقة فوق الساحة التى اجريت فيها الثقوب بواسطة الازاميل لكى 

| تسمح بمرور الكناسة الخاصة بالضابط التركى . هذه البوابات تؤدى إلى قدس 
أقداس رائع نحت فى عهد ابن الاسكندر الاكير . أقول أن هذه السراى الرائعة 
لم تقدم لنا أى مكان لائق يسمح لنا للإقامة فيه .. » . 

ظلوا مقيمين فوق المعاش والدهبية والمراكب طوال فترة الأعمال التى أجروها فى 
الضفة الشرقية قبل أن ينقلوا وكرهم بعد ذلك بخمسة عشر يوماً داخل إحدى المقاير 
فى الضفة الغربية ١‏ ولكن شيئا من الصبر» 

فعندما شرع فى الدراسة المنظمة للمجمع الأثرى الضخم فى طيبة وقع حدث فى 
باريس أثار لديه طفرة من الحماس المتوقد باستمرار والذى يؤحججه فيه التناقضش 
الفكرى : إذ وجد فى إنتظاره لدى وصوله إلى طيبة خطاباً من جاك - جوزيف يسرد له 
فيه ما حدث فى جلسة من جنسات المعهد ( الانستيتى ) التى قرأ رئيسه - أراجو 
خلالها خطابا موجه من توماس يانج يعاتبه فيه لأنه يعطى أهمية مبالغاً فيها لأعمال 
شامبوليون ؛ مما دفع عالم الفيزيقا الفرئسى إلى إلقاء مرافعة فصيحة فى صا 
صاحب كتاب « رسالة إلى مسيو دايسيه » جاء رد فعل صاحب الاكتشاف مثيرأ 
للأهتمام لأنه - كما سنرى - يتخطى بكثير الجدل الذى ينبغ هى فيه : 

« ....مسكين الدكتور يانج *** الن ينصلح حاله أبداً ؟ لماذا يحرك قضية قديمة 
أصبحت مومياء بالفعل ؟ أشكر مسيى أراجى للهجوم الذى قام به بكل هذه الشجاعة 
»* التى سبق أن تحدثنا عنها فى الفصل السايق ) 450 004 - .كه ) , 
×» رائد [ كذا ] وهى اللقب الذى كان يتقلده بعد ذلك يمائة وثلاثين سنة جمالل عيد الناصر عندما أستولى 
على الحكم ( المترجم ) . 


. سيموت بعد ذلك بثلائة شهور‎ aie 


579 


دفاعاً من شرف الأبجدية الفرنسية الفرعونية . البريطانى مهما فعل سيبقى لنا 
[ عقدة ] لايزال الدكتور يناقش الابجدية وأنا - وقد ألقيت بنفسى منذ ستة شهور 
وسط آثار مصر - مذهول لأنى أقرا فيها بسهولة ويسر أكبر مما كنت أسمح لنقسى 
أن أتصوره . توصلت إلى نتائج ( ليبقى ذلك ببننا ) مثيره للحرج بكل تاكيد من 
مختلف الزوايا وسنضطر إلى الاحتفاظ بها فى الكتمان : لم يخذلنى انتظارى قط 
والعديد من الأمور التى كنت أشك فيها بشكل عام قد تجسدت أمامى وأصبحت 
مؤكدة ولا تقبل الجدل .. » 
« خائف ؟ » من ماذا إذن ؟ ولاذا يخاف مخترع من اختراعه ؟ من الواضح أن 
ما قرأه هذا البصير فى وادى النيل هى حياة سابقة للبشرية وحضارة وإن كانت لا 
ترجع إلى الثلاثمائة ألف عام التى تخيلها « بربرى » قرية درى إلا أنها تنسف التعاليم 
اليهودية المسيحية من أساسها وكذلك الترتيب الزمنى التوراتى ومعتقدات 
الفاتيكان . الآن العزيز جان فرانسوا لن يرسم كاردينالا أبداً حتى لى أحتفظ لنفسه 
وفى كتمان تام ولبعض الوقت بما اكتشقه بين ممفيس وأبوسمبل , 
لن يضطر هى أن يصرخ مؤكداً « ومع ذلك فهى تدور*.. ! » واكنه سيضطر يوماً 
إلى القول « ومع ذلك فهى متقدمة جداً فى السن » أرض البشر بالنظر إلى حضارة 
وادى الثيل وهى ليست فقط عجوز بل إنها إيضاً أم وهى إيضاً رائدة وهى Lau‏ 
مخترعة لهذه الاساطير وهذه المعتقدات التى زودت بها اليهود ثم المسيحيين والإسلام 
. كل بدوره فى الشرق الأدنى والغرب والأهم هى إنها إخترعت الثالوث المسيحى .. 
بالتأكيد كانت لديه أسباب « لفزعه » » خاصة إذا كان الذى كلفه بالذهاب إلى 
هذه الأماكن هو الملك المسيحى « جداً » والذى يعتمد كلية على الكنيسة المقدسة .. 
رأينا فى أزمان لاحقه كاشفى أسرار أخرى - أسرار المادة - وهم فى فزع شديد أمام 
الاثار المترتبة على إكتشافاتهم . ولكن إذا كان جان - فرانسوا شامبوليون لن يتسبب 
قى هيروشيما أخرى فهو يعتبر فى رأى الكنيسة كافراً عندما كان يدون مذكراته كل 


+ « ومع ذلك فهى ت تدور » تعبير يعزى إلى العالم الإيطالى جاليليى ( القرن السايع عشيس ) » قاله بعد أن 
أرغمته الكنيسة على الإعتراف بخطئه عندما قال أن الأرض تدوى حول نفسها - مؤكداً ما إكتشف قبله » 
كوبرنيكس - وكانت الكئيسة قى ذلك الوقت تؤكد أن النصوص الدينية توضح أن الأرض مسطحة وثابتة فى 
مكانها وأنها مركز الكون . ومع ذلك فقد حكم عليه بالإقامة الجبرية فى داره وأمضى فيه الثمان سنوات 
الآخيرة من حياته . ( المترجم ) . 


580 


فى الأقصر خاصة وأن ذلك كان يحدث فى عصر « الحلف المقدس » ويعد ذلك بقليل 
« السيلايوس » * ؟ 


ان نتوقف طويلاً عند وصفه معبد الأقصر , الأمينوفيوم ( نسبه إلى مؤسسه . 
أميتوفيس الثالث ) الذى أرسله « الجنرال » إلى أخيه ولا الجزء الشمالى Lis‏ وهو 
ينسبه لرمسيس الثانى ويسميه - بناءاً على ذلك - راميسيوم الضفة الغربية . هنا 
يجب أن نرجع إلى نصوص كتابه «آثار مصر والنوبة » . ما يسترعى الأنتباه فى 
ملاحظاته الخاصة بالأقصر هى إهتمامه الشديد بمسلتين من الجرانيت الأحمر مقامتين 
أمام واجهة المعبد البحرى وإختياره الفورى للتى على اليمين لكى تزين احد ميادين . 
باريس . ستعود بالطبع إلى الحديث عن هذا التوقع المذهل ** .. إلا أننا لا يمكن أن 
نغفل الإشارة . 
الحماس المتدفق الذى يبذله ليفرض على الجميع فكره غيرت من معالم باريس 
وهى فكرة يعود له وجده فضل بلورتها وتحقيقها ومع ذلك أن يعترف له أحد بذلك . 
قبل أن يتعامل مع المسلة بدا شامبوليون حفرياته التى انتزع من أجلها فرمانات 
الباشا التى تسمح له بالقيام بها بعد صراع عنيف فى الاسكندرية دون أن يتمكن من 
الحصول فى الوقت المناسب على الأموال الضرورية لذلك من باريس ( حيث نشط 
أصدقاء دروقيتى ومنهم بالطبع ودائما جومار ) ... . | 
« ....بدأت فى تنفيذ الحفريات فى الكرنك والجرته ‏ وحصلت بالفعل على ثمانية 
عشرة مومياء من كل نوع وصنف إلا إننى لن أخذ معى سوى أفضلها [ .. ] جميع 
الأشياء المصنوعة من البرونى والناتجة من حفريات فى الكرنك والمأخوذة من منازل 
طيبة القديمة ذاتها من أعماق تصل إلى خمشة عشرة أو عشرين قدماً تحت المستوى ‏ 
الحالى للهضبة هم فى حالة صدا كامل مما لايسمح بالاستفادة منها . وضعت على 





3 اسم مرسوم باباوی نشر فی ۸ ديسمير #كم١ا‏ فى عصر البايا بيوس التاسع يدين فيه « أخطاء » تلك 
الفترة مثل الليبرالية والاشتراكية والطبيعية ... » [ المترجم ] 
«× راجع الفصل الختامى . 


581 


رأس الحقريات فى الضفة الشرقية رئيس عمال الحفر الخاص بدروقيتى المدعو 
تمساح وهى يبدى لى رجلاً ماهراً مما يسمح لى بأن أعلق عليه أمالاً واسعة إلا أننا 
يثيغى أن نعمل « على الواسع [ .. ] قمن الأقضل إذن أن أحصل على الأموال 
الإضافية التى طلبتها . الزمن يتطاير وستأحصل على الأرجح على الرد النهائى 
عتدما أكون مضطرا لمغادرة طيبة وهى المكان الوحيد الذى يمكن أن تجد فيه 
أشياء عظيمة وجميلة بشكل مؤكد [ ٠ | ٠٠‏ 

إذا حملت معى بعض الأشياء الجيدة سيكون ذلك نتيجة صدفة من جهة ونتيجة لكرم 
خاصة منى من ناحية أجرى بما أنى غير مضطر إلى جلب أى مجموعة آثار إلى 
اللوشر - بما أن الأموال المطلوبة لذلك قدر رفضت مع سبق الإصرار [ ٠.‏ ] لدى 
أربعون رجلاً يعملون وسارى إذا كان الناتج سيعوضي المصاريف وإنما كانت 
ميزانيتى تسمح بتحميل نفقاتهم ولدى أيضاً ستة وثلاثون رجلاً يقومون بالتنقيب فى 
الجرنة تصف مصاريفهم على روسيللينى . من الواضح أنه ليس فى إمكانى أن أنقل 
معى ما يحتاجه المتحف الملكى وهى القطع الضخمة , لأن الشحن وحده إلى 
الأسكندرية سيبدد ماليتى بالكامل علماً بثن اليد العاملة هنا لا تكلف شيئاً . 
عمال التثقيب - بعد عمل مضنى يتقاضون عشرين بارة ( ثلاثة سولات وثلاثة 
لياردات ) .. » ٠‏ 


لم تكن الحفريات التى أمر بها المسئولان عن الحملة - «بالمناصفة فى المصاريف» 


ومع ذلك ففى العاشر من مارس قام الباحثون من الكنن بفتع مقين مقبرة لم تستكشف 
بعد . نستور لوت الذی سمح له شامبوایون بان یکون أول من يدخلها تعبيراً على 
. شكره له لما يبديه من الجد فى عمله - اكتشف حسبما قال« أثاثاً جميلاً ومومياتين 
لزوجين برتديان قناعين من الذهب وعذد اقدامهما وضعت حبوب من القمح التى أنيثتت SJ‏ 
داخل وعاء على هيئة تمثال مفرغ من الداخل ». 

يعرب علماء المصريات المعاصرون عن دهشتهم من « الإجراءات التى أتبعها هؤلاء 
الرواد » وتقول إِدا بريشيانى التى تحتل اليوم كرسى علم المصريات فى جامعة بيزا 
والذى أنشا من أجل روسيلينى وبواسطته والتى تعتبر وريثته المعنوية إنها « صدمت 
اسلوك رئيسى البعثة الفرنسية التوسكانية . فهما - على النقيض من الباحين 


582 


المعاصرين لهما - لم يتواجدا بأشخاصهم فى أماكن التنقيب وتركا ذلك للعمال 
المعينين لتنفيذ هذه الأبحاث » . ثم توضح أن « روسيللينى عندما مر بطيبة وهو قى 
طريقه إلى النوبه فى فبراير ١4748‏ أصدر أوامره لعمال الرئيس أبو سقاره - الذى 
كان يشرف عليهم لوكوا بيتشنينى وهى ممثل أستشارى الحفريات والذى كان يقيم فى 
الجرنة - أن ينقب على الأثار عند سفح « الجبل الطيباوى » وذلك يعنى وجود العديد 


عاد مرة أخرى چان - فراتسوا يتحدث فى ذات الموضوع فى 1١‏ سبتمبر ۱۸۲۹ 
بعد أن ترك المواقع الطيباوية إلى أخيه الكبير قائلاً أنه لو حصل على ااتمويل المطلوپ 
لهذا الغرض لا أنفق « سولاً واحداً فى التنقيب » لماذا ؟ د عدلت عن ذلك منذ عدة 
شهور لأنه ليس مهنتى وأن العرب المتقبين محتاجون ارقابة مستمرة فى كل ثانية 
فهم لا يجدون شيئا دون رقابة أى يخفون كل ما بجدونة .. 

باختصار » لم تكن الحملة الفرنسية التوسكانية حملة تنقيب بأى معيار . Las‏ 
أحضر معه إلى باريس وفلورنسا بعض الروائع التى إنتزعت من ال مقبرتين اللتين فتحتا 
ب مارس 1811 ( المقبرة الأخيرة مسماه ٠‏ مقبرة المرضعة ») ومن مخزن 
وأوشيبتى ومرايا وأوانى من الألبستر .كما إنتزع شامبوايون وروسيللينى قطعتين من 
النحت البارز من مقبرة سيتى الأولى الراكعة : وضعت الأولى فى اللوقر والأخرى فى 
فلورنسا . وتلاحظ مدام بريشيانى بإختصار أنه « إذا كان هذا النوع من التخريب 
يفزعنا اليوم فيجب أن نتذكر أنه كان شيئاً عاديا فى ذلك الوقت » . 


فى تهاية شهر مارس عبر الباحثون عن الكنوز النهر ليقيموا بالقرب من - ثم عند 
مدخل - وادى الملوك وكان Jai‏ اليلد يسمونه يبان الملوك ( sos‏ الملوك ) وكان 
شامبوليون يشكك فى ذلك ويرى أن أصل التسمية - راجعاً فى ذلك إلى تفسير إستاذه 
ساسى «١‏ تحريف فى النطق للاسم المصرى القديم وهى بيب - آن -- أودوع - si‏ 
مقابر الملوك » إختارى فى البداية الجرنة ايقيموا فيها - أى فى « السراى » المبنية 
ل ا مأواهم قبل ويعد إقا متهم المشهورة لمدة ثلاثة 
بيع دآخل مقبرة رمسيس الرايع ولكن قيل أن يتجرأوا على خوض هذه التجرية 
DA Crea‏ » للفرنسيين والتوسكانيين فكرة مبدئية عن ذلك - 
فلنستمع إليه : 


583 


« .. أقيم هذا المساء اشبابنا حفلاً « وليمياً » داخل إحدى أجمل قاعات مقبرة 
أوزيرييى * وهو عيد ميلاد الأنسة زورايد ** وقد أعلنته للتاريخ يوم زروراييد ووعدت 
Ut,‏ سنحتفل به عيداً إحتفائياً . كان من المفروض أن نحتفل به فى الأول من مارس 
واكننا كنا فى ذلك الوقت وسط فظائع الشلال ويكاد لايكون لدينا لخين نأكله . وتأجيل 
الإحتفال إذلك السبب إلى اليوم . 

الطعام لن يصل إلى مستوى عظمة المكان ولكننا سنفعل المستحيل لكى لا يكون دونه 
بكثير . وهى مفاجأة أعدها لشبابنا . ويوجد طبق سيصيح مفاجأة الحفل : هو قطعة 
من تمساح صغير بالصلصة الحريفة . 


وتشاء الظروف أن يأتونى بوأحد صيد وقتل صباح أمس . وإنى أضع الكثير من 
الأمال فى هذا الطبق لإحداث التأثير المطلوب . سنشرب فى صحتكم جميعاً ياسكان . 
باريس وستكونون معنا فى حفلنا [ ... ] ملحوظة : فسدت أكلة التمساح خلال الليل 
ونتن لحمه وأخضر لونه يالسوء الحظ ! ويجب أن ذواسى أتفسنا بأننا تفاديثا عسر 
هضم أو على الأقل ثقل فى المعدة » . 
حفلة وليمية ! عيد إحتفالى ! فى هذا اليوم التاريخى ! وفى داخل مقبرة ستى 
الأول المبهرة .. يتمساح أو بدون تمساح يروق لنا أن نعرف أن صديقنا جان - 
فرانسوا قد عرف - وسط عدد لابأس به من الصعاب - ساعات مثل تلك . ولم يكن 
لطيبة قلبه أن ترضى بأن لايجعل رفاقه الشجعان يشاركونه فرحته . إذ أراد أن يجعل 
من هذه السهرة تحية أيضاً إلى العظيم جيانباتيستا بالزونى مكتشف جبانة سيتى 
الأرل فى ۱۸١۷‏ وكان قد نقل صورة طبق الأصل لها منسوخة منها إلى أورويا . وقد 
بهر بها الباريسيون ومن ضمنهم جان - فرانسوا المصرى . وسمع فى ذلك الوقت 
العزيز داسييه ينصحه بأن يلحق « بمارد بادوفا » فى طيبة : يمكن أن نتصور 
طلاقة لسان وأتفعال « الجنرال » وهو يتذكر ويثير ذكريات تلك الليلة وهى فى قمة حفله 
وعلى ضوء الشموع مما جعل الألهة والملوك والرموز تتمايل على جدران المقبرة » صورة 
هذه الشخصية العظيمة التى حركت المعايد . 
ومع ذلك لم تكن مقبرة سيتى الأول تلك التى سيقيمون فيها وإنما مقبرة رمسيس 
الرايع . 


* المقصود هنا هى سيتى الأول وتعتير مقيرته فى العادة أجمل مقاير وادى الملوك ٠‏ 
++ كان هذا هو عيد ميلاد ابنته الخامس فقد ولدت فى أول مارس ۱۸۲٤‏ . 


5684 


« ... المقبرة التى نسكنها تعتبر كنزا بالنسبة لهذا الفصل من السنة . الحرارة 
داخلها [ ... ] ٠١‏ أى ١؟‏ درجة مئوية فى حين أن التيرمومتر يقفز على بعد خطوتين 
من بابنا إلى 5 أى 8لا درجة فى الظل [ .... ] علاوة على أن الشهر الماضى مر 
وسيمر هذا الشهر أيضاً - دون أن تهل فترة الخماسين [ ... ] وهى رياح حارة 
جداً ومخيفة [ .. ] يتيبس كل شئ فى طريقها .. » . 
هذا الملاذ الرطب في قلب الأتون ذاته التى هى الجبانة الملكية « مقام الموت بحق 

إذا لا يوجد بها عود أخضر أو أحياء فيما عدا الضباع والهايينا » هو مقبرة بالقعل . 
« أقامت إذن قافلتنا المكونة من الحمير والعلماء * [ داخل ] أقضل المساكن 
والأروعها التى يمكن العثور عليها فى مصر . الملك رمسيس [ الرابع من الاسرة 
التاسعة عشرة ] هو الذى يستضيفنا فى مقبرته العظيمة وهى الثانية التى تقابلها 
على اليمين لدى دخواك فى وادى بيبان الملوك . تستقبل هذه المقرية المحفوظة بشكل 
رائع ما يكفى من الهواء والضوء لكى نقيم فيها إقامة ممتازة . تحتل منها القاعات 
الشلاثة الأرائل والتى يبلغ طولها حوالى خمسة وستين خطوة ترتفع الجدران من 
خمسة عشر إلى عشرين قدماً والاسقف جميعاً مغطاة بنحت ملون تكاد تحتفظ 
ألوانها ببريقها الكامل . إنها بالفعل سكن لأمير فيما عدا عيب واحد هى أن غرقها 
فى صف واحد : الارض مفروشة كلها بالحصر الحيرزان » . 

لماذا أبقى جيشه لهذه الفترة الطويلة -- ثلاثة شهور تقريباً - داخل هذا الوادى 

التراجيدى ؟ لأنه لا يوجد مكان آخر تعبر فيه هذه الحضارة عن ذاتها يمثل هذه الدقة 

والتنوع والذى يعطى فيها المرور على الأموات هذا التعبير الاسمى عن الحياة بأنه يمد 

فيها ويتسامى بها ويشرحها . 
« ...لم اتصور أبداً إنى سابقى لهذه الفترة الطويلة هنا ؛ ولكن جدران هذه المقابر 
ويالذات الأسقف مغطاة بمواضيع غريية لدرجة أنه تعين علينا أن نستمع إلى صوت 
الضمير وأن نقرر نسخها صوراً ونصوصاً . حيث أن بحثنا عن مثل هذه اللوح لم 
يكن مجدياً فى الأماكن الأخرى » أنا الذى أقوم بهذا العمل » محتفظاً بأتامل 





COTE‏ لأمر يقال أن أحد معاونى بونابرت قد أصدره خلال الحملة : « شكلوا المريع ؛ الحمير والعلماء 
فى الوسيط » . 


585 


رسامينا المهرة * لتنفيذ الرسومات التاريخية التى تهم تاريخ الفن فى مصر 
مباشرة . وعلى العموم فانا لا يمكن أن أعتمد على نفسى لنسخ هذه المشاهد 
الشيطانية التى تعكس - فى أكثر الأشكال وحشية وتعقيداً - جميع القوى الجهنمية 
والعادات والتقاليد الموجودة فى العالم الآخر . إنه علم النفس فى أرقى صوره ..» . 


قد نندهش لاستخدامه للتعبير « علم نفس » فى هذا الصدد ( ومن المرجح أنه 
يقصد « دراسة للأرواح فى العالم الآخر » ) وكلمة « جهنم » ليس لها مدول واضح فى 
دياتة المصريين القدماء . إلا أننا سنرى فيما بعد أن شامبوايون - دون أن ينسى ذكر 
دانتى - قد اكتشف فى المقابر الطيباوية تصوراً مسبقاً لعالم أضفت عليه اليهودية - 
المسيحية - مفهوم الخطيئة . 


من مقبرة إلى أخرى أوصلت الابحاث صاحب الكشف إلى نظرية حقيقية 

الحياة الملكية ورسالتها وذلك بنائاً على المعاملة التى يلقاها الملك المتوفى .وه يذكر أن أن 
أياً من كل تلك التفسيرات لم يكن نابعاً من تصوراته هى لأن « زمن التخمينات قد ولى 
بالنسبة لمصر القديمة » منذ أن أصبح يكفيك أن تشاهد - والأبجدية فى يدك - 
« الاساطير التى تغطى « المقابر الملكية » . ويوضح شامبوليون أن حياة الملك تشبه 
مسيرة الشمس من الشرق إلى الغرب . كما أن وموته هو مثل هبوط نجم الشمس إلى 
نصف الكرة السفلى أو الأمنتى » إنتظارا لبعثه من جديد طبقاً الدورة الشمسية , 


صاحب كتاب «م البانتيون المصرى » أو « عالم الألئة المصرى « أقام عرضه 
التوضيحى على أساس مقبرة رمسيس السادس ** وهی الأكثر كمالاً وتفصيلاً فى هذا 
المجال ! المركب ( بارى ) تتطلق حاملة الملك - الإله فى بريق الشمس وسرعان ما يلقى 
فى طريقه الأعبان أبوفيس وهى الآخ - العدو للشمس ٠‏ ومع ذلك فإن البارى تعبر 
المناطق الأثيرية - الشانزيليزية *** القديسيين المتحالفين معه ضد الوحش . إلا أن 
الإلهة LG cs‏ المركب بين ذراعيها وتغمره فى النيل السماوى عندئذ ييدأن السباق 


فى النصف التحتى الذى تعتير أوساطه التى يسكنها الأرواح المدانة مقدمات 
لاختراعات دانتى : والعذاب فيها لاتقل قسوة ولا تنوعاً xs‏ المكافكات أقل مثالية . 
فلتحكم بأئفستا ! . 


# التوسكانيون على وجه الخصوص - هذا ما أوضحه فى مكان آخر . 
«* كأن شاميوليون معتقد فى ذلك الوقت أنه رمسيس الخامس ' 
+»*» فى الميثواوجيا هى نقر أرواح الأبطال والرجال الورعين . 


586 


« نقراً دائماً بجانب المدانين بالعذاب الحكم عليهم بالإدانة والعقوية التى يلقونها . 
فنقراً مثلاً « هذه الأرواح العدائية لا يرقى قط الأله وهو يرسل أشعة قرصه , إنها لم 
تعد تعيش فى العالم الأرضى وهى لا تستمع قط إلى صوت الإله العظيم عندما يعبر 
منطقتهم » فى حين تقرأ عكس ذلك بجانب تصوير النقوس السعيدة فى الجدران . 
المقابلة « وجدوا الرضاء عند الإله العظيم . إنها تقيم فى دار المجد حيث تعيش 
الحياة السماوية . الأجساد التى تركتها ستستريح إلى الأبد فى قبورها بينما هى 
تتمتع بوجود الإله الأعظم » . 
وعليه يؤكد صاحب الكشف : 
« بهذا يكون كل ما قاله الأقدمون عن العقيدة المصرية فى خلود الروح والهدف 
الإيجابى للحياة الإنسانية قد تم إثباته بالكامل . لاشك إنها عظيمة وسعيدة فكرة 
الرمز إلى قدر الأرواح بأكثر الظواهر السماوية لفتأ للاتظار وهو مسار الشمس فى 
نصفى الأرض وإلى ربط رسمها بهذا المشهد العظيم والرائع » . 
هاهى جان - فرانسوا الذى ولد عالم لغويات ثم جعل مؤّرخاً ؛ وهى فنان بميوله 

الطبيعية ودخل مجالاً علمنا - دون أن يدهشذا ذلك -- أنه خائف من الذى يكتشفه فيه 

أو يتصوره عنه . وهى إذ يتلمس طريقة فى هذه المقابر السامية المقام حيث تراكم ثم 

تركز عشرون قرنا يخلص إلى الآتى : 
« كانت الديانة هى الأساس الثايت لكل النظاع الاجتماعى المصرى . فى مثل هذا 
النظام السياسى كان لكل علم من العلوم جزعان متباينان : الجزء الخاص بالوقائع 
المسجلة الذى تتكون منه علومنا الحالية والجزء التأملى الذى يريط العلم بالمعتقد 
الدينى وهى الرياط الضرورى بل الذى لا غتى عنه فى مصر حيث أن الدين - ليكون 
قوياً وليستمر على قوته للأيد - أراد أن يجمع داخله الكون كله ... » . 


فى بداية شهر يونيى تخلص جان -- قرانسوا تعبيراً عن إحترامه للدورة المقدسة 

من أبوفيس وإنتزع نفسه من الأمنتى وبعد أن صعد من المناطق السقلى عاد من جديد 

إلى المناطق الشمسية - من وادى الملوك وصل دون أن يترك الضفه الغربية - إلى 
هذا البرج الذى ولع به بوضوح منذ البداية وهو الذى أطلق عليه اسم الرامسيوم . 


507 


« يكور الخيال ويختلج فى النفس شعور طبيعي بالرهبة لدى زيارة هذه القاعات 
المهدمة [ .. ] عتدما نتذكر أن الذى شيدها وأقام فيها طويلاً هو أشهر وأفضل 
الأمراء الذين عرفتهم مصر القديمة عير تاريخها الطويل كله.. وفى كل مرة أمر يها 
أقدم لذكرى سيزوستريس شيئاً من الطقوس الدينية الذى أحاطته يها العصور 
القديمة كافة » . 
إننا عرف أن جان - فرانسوا - مئذ زيارته لمتحف تورينو - مغرم بتمثال 
سيزوس تريس وأنه مئذ فترة طويلة متيم بهذه الشخصية العظيمة إلا أن بعض 
المورخين المعاصرين * يعبرون عن تحفظهم إزائها : ذلك لان بطل قنادش كان رجل 
بروياجندا عبقرياً وأن الفن المصرى لم يخرج سليماً من أيدى مشيدى الرامسيوم Li.‏ 
عن GS‏ » أقضل الأمرام » قإن هذا اللقب نادراً Lo‏ ستحقه القزاه أو مشيدو القصور 
الفخمة . « وأكن ألم يكن من حق المكتشف أن يتطرف فى غرمياته ؟ وإذا فإننا لن 
تحادله عندما يقول : « إن الرامسيوم [ ٠‏ ] وإن كان أكثر الآثار تدهوراً [ .]فهو 
أكثر ما تتضممنه طيبة نبلاً ونقاءاً ٠‏ بل وفزداد أعجاياً بتعليقه الغريب الذى أثارته 
ومنثور على الأرض مازال مسيطراً على الفراغ الذى كان يسحقه بوجوده في ميل 
فى قديم الزمان « يجب أن تعير عن أعجابنا فى أن واحد بمقدرة الشعب الذى شيده 
ويالبرابرة الذين هدموه بكل هذه البراعة وهذا الاتقان » , 
ثم بعد أن يضيف لجاك - حوزيف المذحوتات البارزه الهائلة التى تصف المعارك 
التتى تصف هجد أكير رامسيات أثار مصر القخمة » يلخص «جنرالتا » رأيه بقوة 
ساحقة : 
« آردت بدخولى فى كل هذه التقاصيل أن أعطى لك فكرة عن النحت اليارز التاريخي 
الذى كانت تزين يه الآثار الفخمة فى مصر وعن النصوص العظيمة التى يروق لى أن 
أسميها لوحأ هوميريه أو نحوتات بطولية لأنها مليتة يهذه النار وهذه القوضى ال مهيية 
التي تحرك فينا الأحاسيس لدى قراءة معارك الإلياذه ... » 
كيف يمكن التعبير بأقضل من ذلك عن إعجابه وبأقل شوفينية مصرية ؟ 
فمنذ سنوات وهى يثبت بما فيه الكفاية الدور التأسيسى لمصر للحضارة والفن 


* مثل جان يريوت . 


588 


على الإطلاق مما يتيح له فرص تحية الثقافة التى كانت أفضل من عبر عن عظمتها 
وذاك من خلال هوميروس ٠.‏ - 
3< إن وصف جان - فرانسوا شاميوليون للرامسيوم يعتبر أغنية غرامية . أما .الذى 
خصصه للدير البحرى - تحت المسمى الذى جاء فى وصف مصر أى « الاطلال 
الواقعة ة شمال مقبرة أوزيما ندياس » - فهو درس فى التحليل التاريخيي فهى يثبت أن 
أعظم المفكرين يمكنه أن يستخدم جميع الوسائل التى يمكنها أن تكشف الحقيقة دون 
أن يبلغها على الرغم من ذلك لأن الشروط المادية لم تكن متوفرة بعد . 

سيق أن رأينا * أنه خلال رحلته إلى الصعيد فى نوقمبر ۱۸۲۸ أعتقد المكتشف 
- وهو يزور هذه الآثار التى لم تكن درست بما فيه الكقاية بعد وكانت الرمال لا تزال 
تغطيها - أنه رأى خلال مروره أمام صور وجه تم محوه بالطرق عليه - صورة ملك 
مدان ومخلوع عن عرشه . 

الدراسة المتانية التى قام بها بعد ذلك بستة شهور كشفت له عن شخصية من 
الشخصيات التى تظهر فى هذه المواقع تحت اسم أميننتى تسبق فى كل مكان اسم 
تحتمس الثالث الشهير ( مأوريس عند الإغريق ووضعوه فى مستوى سيزوستريس 
ذاته ) . ولكن - وهى الاكثر غرابة - أن أحداً لا يتكلم عن هذا الملك الملتحى الذى 
يرتدى الزى التقليدى لفرعون « إلا مستخدماً أسماء وأفعالاً مؤتثة كما لى كان يتكلم 
عن ملكة » . 

ويلاحظ « الجنرال » فى هذا الصدد أن اسم أميننتى يسبقة باستمرار لقب « املك 
سيدة العالم كله » ويتبعه لقب » إبثة الشمس » ويستمر شامبوليون » ٠‏ فى تعميق بحثه 
وهى فى ذهول فيلاحظ أن فى كل مكان تقريباً كان خرطوش أمينتى ليس فقط مطرقاً 
بل وضع فوقه خرطوش ت تحتمس الثالث وإلى جواره ظهر فجأة اسم أمنسى وعلى هذا 
الأساس راح يفير من ترتيب الأسرة الثامنة عشر جاعلاً من أمنسى أبنة تحتمس الأول 
ليس فقط أخت وزوجة تحتمس الثانى ولكن جعلها أيضا ملكة مصر الحقيقية لأكثر 
من عشرين عاماً قبل أن تتزوج أميننتى الوصى على العرش خلال السنوات الأولى 
من عصر تحتمس الثالث ويخلص إلى الآتى : 





589 


« الإضافات التى تا ثرت بها معظم النصوص الشارحة لما قام به الوصى أميننتى 
ثثبت أن وصايته كانت بغيضة وثقيئة على الموصى عليه تحتمس الثالث وريدى أن هذا 
الآخير قد إهتم بأن يزج بالوصى عليه فى غياهب النسيان . ففى عهد تحتمس 
الثالث جرى بالفعل تطريق كل قصص أمينانتى .. » | 
خلفاء مؤسس علم المصريات توصلوا إلى الحقيقة التى هربت عن إدراكه وتعرفوا 
على حتشبسوت تحت ماطرقه ماوريس على الرغم من تخميناته التقريبية لعام 1858 . 
له من حقنا أن نقيم هذه الابحاث التجريبية العبقرية فنعتبرها أفضل من كونها 
إنتصار كامل للحقيقة نظراً لأن التنقيب كان يتم فى رمال تخفى جيداً ما تحتوية » كما 
تخفيه آلاف السنين فلا تكشف المعاول التى تتعامل معها سوى عن جزء بسيط من 
الحقيقة . هل وقع شاميوليون هنا ضحية عدم كفاية المستدنات المتاحة للباحث أم وقع 
فى خط لغوى يسبب تفسير خاطئ لنهايات الكلمات المحددة لوظيفتها ؟ إن هذه 
النهايات ذاتها وهى عبارة من رموز صوتية تقع عادة فى أخر « الكلمات » كانت من 
إكتشافه هو وهى أحد العناصر الجوهرية من « أوريكا »عام 1877 ؟ إننا نمتنع 
هنا عن القصل فى الأمر وإكننا نقول قى ذات الوقت أننا نحيه على هذه الصورة 
وهى يتهته ويخطئ هدفه بقليل .. 
بعد ذلك ببضعة أيام يواجه أوديب لغزاً أخر من الألغاز الشهيرة فى طيبة أى : 
أصل وصعنى والهدف من وراءه تمثالى ممنون العملاقين » وهى الاسم الذى أطلقه 
عليهما الاغريق . غيران المحترم والحذق دونون - كما يذكر جان - فرانسوا - رأى 
أنهما لأميرتين . لم يقف عدم الوضوح الخاص بجنس صاحبى التمثالين حائلاً أمام 
حصافة المكتشف إذ أعلن أنهما شيدا لتمجيد أمينوفيس الثالث وهما على ما يبدو 
كانا فى موقعهما عند مدخل هذا المعبد البالغ الفخامة « أكثر روائع العاصمة 
القديمة إثارة للدهشة » وكان المصريون يسمونه « أمينوفيون » . أما اللغز الآخر الذى 
كان يطرحه هذان العملاقان فهو الغناء الذى أدعى العديد من الرحالة الأغريق 
والرومان أتهم سمعوه يصدر من حنجرة أحد التمثالين العملاقين ما أن تقع عليه أولى 
أشعة الشمس ؛ عن هذه الظاهرة كان بطلنا أقل ثقة إزائها واكتفى بأن أورد 
شهادته : | 
« وإذ كنت جالساً مع شروق الفجر فوق ركبتى ممنون » حسبما أورد ساخراً : 
فإنتى أسجل « عدم صدور أى نغمة موسيقية من فمه تشتت إنتباهى من الصور 
الحزينة التى كنت أتأملها 


590 


كشفت دراسته المستفيضة الآثار التى لا يمكن حصرها فى مدينة حايو أن هذا 
التل يعتبر بمثابة « كشف مختصر للآثار المصرية الضخمة » حيث يتزامل « الرائع 
والأصيل مع الممقوت ( المضاف ) » . وهى ما يقود جان - فرانسوا - إلى تأملات 
جديدة حول العلاقة بين الفن المصرى والجماليات الاغريقية . نقطة إنطلاقه فى 
تقييمه كانت « الحالة المزرية » أكرميم أحد معايد الاسرة الثامنة عشر تحت حكم 
بطليموس - إيفرجات الثانى : أنه يرى فى ذلك نفياً قاطعاً للرأي القائل بأن الفن 
الفرعونى إكتسب اكتمالاً على يد الإغريق فى مصر .. هل كان من واجبه أن يؤسس 
إثباته على مشل هذا البرهان المشكوك فيه من حيث أنه لا يمكن أن نعتبر 
المستعمر البطليموسى ( اللاجيدى ) أقضل الممثلين للفن والجمائيات الإغرن Lui‏ 
الترميم هى أفضل تعبير عن إحدى الثقافات . إلا أن مرافعته فى تطرفها - وهى مثا 
فى نوعيتها - تعتبر بالفعل مؤثرة : 
« أكرر من جديد أن الفن المصرى لايدين إلا لنفسه يكل ما أنتج من أشياء ضخمة 
ونقية وجميلة وأرجى ألا اثيى استياء العلماء الذين أقاموا معتقادتهم على أساس 
إيمان راسخ بآن فنون اليونان تولدت تلقائياً بآننى أؤكد أنه من الواضح بالنسبة.لى 
كما هو الحال بالنسبة لجميع الذين شاهدوا مصر جيداً أى الذين لديهم معرفة 
حقيقية بالآثار المصرية الموجودة فى أورويا بأن الفنون بدأت فى اليونان بأن قلدت 
| تقليداً أعمى الفنون المصرية التى هى أكثر تقدما بكثير مما يعتقده العامة فى زمن 
كانت المستعمرات المصرية الأولى على إتصال بالسكان المتوهحشين منطقتى الاتيك 
والبيلويونين . 
علمت مصر القديمة الفنون اليونان التى بدورها طورتها نحو مراحلها الأسمى . 
ولكن بدون مصر لم يكن لليوتان أن تصبح الارض الكلاسيكية للفنون الجميلة . هذه 
هى نظريتى التى أؤمن بها إيماناً راسخاً حول هذا الموضوع البالغ الأهمية 
وأكاد أخط هذه السطور وأتا أمام النحت البارز الذى نفذه المصريون بأفضل 
حنذكة .. فى الصنعة وذلك ٠۷٠١‏ عاما قبل العصر الميلادى فماذا كان يفعل الإغريق ٠‏ 


حيتذاك .. » 


ولكن كيف كان يعيش - أوكانوا يعيشون - فيما أسماه جان - فرانسوا - 
«الأرض المقدسة» الواقعة بين المناطق السقلى التى تغوص فيها الألهة ونار 
إلى جان - جوزيف هذا التقرير الملئ بالأيحاءات : 


591 


« لعلك تعتبرنى رجلاً قام لتوه من بين الأموات : حتى الأيام الأولى من شهر يونيو 
كنت أحد سكان القبور حيث لا يهتم أحد بشئون الدنيا [..] أسكن منذ 8 يونيو 
قصرنا فى الجرنة * وهى عبارة عن كوخ من اللبن من دور واحد وهى يعتبر فخيما 
بالمقارنة بالأوكار والشقوق التى يقطتها مواطنونا العرب [ .. ] لا أقيم فى القصر 
سوى فى الليل , فما أن يبغ أول ضوء النهار إلا وأقوم وأركب حمارى وأنطلق فى 
السهل بخطى وئيدة استنشق نضارة الصباح ... » . 
إقامتهم هذه فى القرية تنبع أهميتها من أنها جعلت رجالنا الباحثين عن الكنوز 
فى مكان يعطى فكرة عما كان عليه مقر إقامه إحدى الشخصيات الهامة فى مصر 
القديمة . فبعد المعابد والقبور أخذوا يجربون هنا بعضا من مكونات الحياة اليومية 
لرعية فرعون - الاكثر ثراءاً . وذحن نعلم منذ إقامته فى بنى حسن أن صاحب الكشف 
يوجه إهتماماً معطيات الحياة الإجتماعية لسكان وادى النيل بنقس مقدار اهتمامه 
بالمواضيع الهامة المقدسة والتاريخية ** . 


كان يعمل من سبع إلى ثمان ساعات يوميا ؛ من الفجر حتى الظهيرة والساعة 
الرابعة حتى السادسة فى الحر الشديد . ولكن كم هو مرهق الآن .... ومهما قال فى 
رسائله أنه فى صحة « تتماسك فى روعة » فإن رفاقه كانوا يعبرون عن قلقهم من آثار 
الجو والمجهود الضخم والمشاكل والمسئوليات على صحته وريما أيضا بعض المجازفات 
الغذائية . إن تكوينه الجسدى الذى أشرنا إلى نقاط ضعفه فى عديد من المرات لم يكن 
ليكتفى بالغذاء الضعيف الذى أشار إليه أحيانا فى مراسلاته والأكثر من ذلك أهمية , 
شرب كميات كبيرة من ماء القيل دون ترشيحها . 

كان معاونوه يكتشفونه مدداً أرضا فى أغمائة أمام أحد المقابر أو داخلها 
ومذكراته منثوره حوله فتقرروا عدم تركه وحده بعد ذلك . إلا أنه أصر على أنه يأسر 
على الجميع أن يتركوه وحده فى بعض الحالات فى وحدة وسكون « حتى اتمكن من 
سماع أصوات الأجداد » . 

وحيداً فى قلب مقبره سيتى الأول المحفورة فى الجبل » وحيداً مع « أجداده » 
الذين يلهمونه حياته كلها منذ ما يقرب من ثلاثين عاما » فاهى« صاحب الرؤية 





٭ الذى وضعه بيتشينى تحت تصرفهم وهى المسئول عن حفريات أناستازى . 
أدبه بالأقصر . ۰ 


292 


النافذة » الذى يجد بكل ما أوتى ليعرف » ثم يفزع من فتوحاته » يقف وحده فى هذا 
الظلام الذى يمزقه - كما لو كان حريراً - طيران الخفافيش وقد بهره مسار إله - 
الشمس ونعم نيفتى وبياض بشرة أوزيريس المقدس , 

هاهو جان - فرانسوا شامبوليون المكتشف وقد اكتشفته مصر . واكتشفه زملاؤه 
أيضاً . كانوا أربع عشرة حوله فى البداية ثم أثنى عشرة ثم تسعة ثم سبعاً . كان 
بيبانت أول من تركه ثم جالا سترى . ثم أنسحب لنورمان فى أول يناين 1874 الذى 
كان كما يقال اليوم - قد أخذ تذكرة « ذهاب فقط » . وبيعد ذلك بفترة قصيرة لدغه 
عقرب الدكتور ريتشى فأقعده عن العمل - وقد توفى بعد ذلك بخمسة أعوام في 
فلورنسا مشلولاً .ويقول بعضهم : مجنوناً . أما البروفسور راضى فسنراه يهرب يوماً 
ناحية الدلتا التى أراد أن يعبرها سير على الأقدام فتاه فيها إلى الأبد . | 

سيترك الكسندر دوشان القافلة بدوره وكان على وشك أن يجر معه لوت ولوهى 
وييرتان - لولا أن شيروبينى نجح فى إبقائهم إلى جوار « الجثرال » . 

ظل أبن مؤلف موسيقى أويرا « ميدى » وسيظل , أكثر رفاقه الملتحمسين له 
وأكثرهم ولاءاً والأكثر حناناً . منذ بداية الرحلة أندمج داخل المجموعة الفرنسية * 
وتصرف كما لوكان سكرتير وياور شامبوليون : إن كان حريصاً على تلبية كافة رغباته 
وعلبى مساندته فى أزماته الصحية ومرافقته فى نزهاته العفوية وحصل لذلك على 
اعتراف المكتشف بجميله عليه . وكلما إقتربت الرحلة من نهايتها كلما فرض 
شيروبينى نفسه كالرفيق المفضل ** ٠.‏ , 

بعد أن مرت حادثة « لوحة النزاع » ظلت العلاقات بين الفرنسيين والتوسكانيين 
صافية على الدوام . لم يكن « الجترال » يكتفى بتقدير أيبوليتو روسيالينى لفضائله 
العلمية وفهمه للظروف المحيطة ومزاجه المعتدل دائما بل أعجب إيضاً يقدرات عمه 
جياتانى روسللينى كمهندس معمارى وموهبهة ة الرسام جيسييى أنجيلليلى وكان يفضله 
على زملائه الفرنسيين , كما كان مقداراً للخدمات التى أداها الدكتور ريتشى فى هذا 
المجال والمجالات الأخرى . 


× كان قد نال الجنسية الفرفسية . 
*+* عش على بعض أجزاء من مذکراته وهی تحتوى على رسومات وتعتبر إحداها أكثر صور شاميوليون 
المعروفة تأثيراً على المشاهد . وقد نقله وعلق عليه يذكاء ميشال دوفاشتار فى Revue Fransaise‏ 
d' 26‏ الجزء ۲۸ صفحات 19/8 -1١؟‏ , 


593 


الواقع أن المشاكل جائته من الجاتب الفرنسى . لتمر كالكرام على انطوان بيبانت 
الذى أفقدته مغامرة الرحلة كياته . ثم إننا نعرف أن شارل لونورمان كان قد أخطر 
رئيسه بأنه لن يتمكن من إطالة إقامته لما بعد الأيام الأخيرة من عام ١454‏ إلا أن 
« الجنرال » أسف كثيراً لمغادرة الكساندر دوشان إلى اليونان فهو مجد فى عمله بقدر 
ماه ىكفم. وقد تأثر للقاية لما أبداه الرسامون الشبان الثلاثة من رغبتهم فى 
الانضمام إليه قى الإبتعاد عن المهمة , 


كاد أن يؤدى نستورلوت دور بهوذا عندما صرح يأنه أصيب « بتخمة من 
الهيروغليقيات » وأن ما يتقاضاه لا يتناسب مع مجهوداته . غريب أمر موظف الجمارك 
هذا الذى ولع بعلم المصريات ثم كان يحلم بصوت عال - فى بعض الأحيان - بالعودة 
إلى وظيفته الأصلية وكان يصف نفسه بأنه « رجل يعبر الثار ويعتقد أنه وصل 
باستمرار إلى حافة المىت », کان قلوقاً ومتطرفاً فى انفعالاته ومتقلب المزاج وسريع 
الفضب > حاداً أكشر منه ذكياً هذا الجمركى الذى فعل الكثير ليرفع من درجة القلق 
ادى قاد الحملة . إلا أنه عوض كل ذلك بان سهر عليه وهى على فراش الموت ثم بأن 
دافع ببسالة عن ذكراه . 


لو أن هذه الشهادة لشارل لونورمان لا تنصب سوى على الجزء الأول من الرحلة 
إلا أنها تظل ذات قيمة بالغة ! « لا أجد سوي المديح لأصف به زملائى الفرنسيين فى 
الرحلة . شامبوليون ممتاز باستمرار مسرفا فى عطائه من كنوزه العلمية » سهل 
المراس على الرقم من عبقريته . رقيق مكتمل وأنى لمدين له لدرجة أنه لا يمكتنى سوى 
أن اتعلق به مدى الحياة . الرسامون الخمسة أعضاء البعثة جميعهم شباب 
ممتازون ودمثى الاخلاق عشت معهم كأخ لهم : أفضل الجميع هى دوشان ... *» . 

ثم بعد ذلك بفترة عندما راجع شارل لونورمان الدروس المستخلصة من تعاونه مع 
شامبوايون كتب يقول : « .... إن ماتمكن نفر قليل جداً من الناس مثلى من تقديره 
عنده هى هذه السرعة التى تحكم النتيجة وهذه القوة فى الحدس التى لا تملكها سوى 
العبقرية وفى نفس الوقت هذه البرائة عند البحث عن الحقيقة وهذه البساطة التبيلة فى 
الإعمتراف بالخطأ عندما يكتشف أنه وقع فيه ... » 


* هذا التقدير آثر فيه لدى لونورمان - وله صفة شبه رسمية وشخصية متعالية بعض الشيئ - كون 
دوشان اين محافظ المكتبة الملكية , 


594 


أضاف لونورمان لهذه الصورة الجميلة للعالم وهى يعمل على أرض الواقع لمسة 
يجب أن نعيرها أهتمامنا . بعد أن عدد مناقب شامبوايون العلمية - حيا فيه ممثل 
سلطة آل بوريون المتحفظ : « ميله الهادئ لأن يتجاهل مالم يحن الوقت لمعرقته » : 
وهكذا - بينما كان يعترف لأخية « برعبه »لما أكتشفه , كان جان فرانسوا يقول 
لزملائه المتدينين أنه يقبل ذلا يتضح « كل شئ الآن » فيما يتعلق بالأمور التى تعرض 
العقيدة الكاثوليكية للخطر وتثير فزع هؤلاء الذين كانوا يرعون حملته .. 

الحقيقة ستكون الأقوى وستفرض نفسها بسرعة . ولكن يمكن أن نقول 
منذ الآن أن « صاحبنا الدوفيتي المعفرت » لن يمنع نفسه من إلقاء غطاء مؤقت على 
وعاء الساحرات إلى أن تتولى ثورة عام 141١٠‏ عملية فك أسر التاريخ بالمعنى الكامل 
للكلمة . ولكنه كان قبل ذلك قد حرر مذكرة سرية لمحمد على سلمها لثائب الملك فى 
مصر قبل رحيله منها » تجرأ فيها فإنتقد التسلسل التاريخى الذى جاء فى التوراة . 
ويجدر أن نذكر هنا أن ملحوظة لونورمان تزداد أهمية عندما ندرك أنه كان 
متخصصا فى الأثار المسيحية القديمة وأن هذه المشاكل الخاصة ( « وريما حان 
الوقت لمعرفته ») قد قفرضت نفسها عليه أيضا وقد أصبح فى آخر أيامه غاية 
فى التدين . | 

وإذا كان صاحب الاكتشاف لم يمنع نفسه من الحيطة التكتيكية فيما يخص 
صلب الموضوع ! فهو لا يخطئ ولا يتردد فى الشئون المتعلقة بواقع مصر الحى . لقد 
رأيناه مهتما منذ البداية بهذا الشعب الوريث البعيد لتاريخ عظيم وقد تأثر للغاية من 
ظروفه الحالية . هذا وكان صديقه الدكتور باريزية عالم الأوبئة الموفد إلى الشرق 
للبحث عن وسائل مكافحة الطاعون قد حثه على ذلك ولا لم ليتمكن من لقائه فى صعيد 
مصر كتب له فى يناير 14859 : 

« .... إتك تعجب بروائع مصر القديمة أما نحن فإننا نبحث يتمعن فى مصائب 
مصر الحديثة التى لا نهاية لها . أوه ! كم هى شاسعة المسافة التى تفصل الآثنين !! 
كلما أمعنت التفكير كلما زادت دهشتى لتاريخ مصر القديم ولحكمتها وعبقريتها 
وعلومها وقوتها.. وكلما زادت مشاهدتى زادت قناعتي بأن مصر اليوم وضعت وسط 
الأمم كمثال لا يجب أن يخشى منه ويلزم الهروب بعيدا عنه . كل ذلك يحدث وهى تحت 
سماء رائعة وعلى أرض خصويتها متناهية ... » . | 


595 


سطوة الباشا الكبير ولم تتوقف عن كونها بضعة سطور فى رسائله إلى أخيه أو إلى 
داسبيه وكان معروفا منذ البداية أن لهذه الرسائل صبغة العلنية . أثناء حياته اليومية 
أى دفع بعض الضرائب ولابد أن ذلك لم يخفى عن عيون جواسيس الباشا . وسنرى 
له الأمور . ٠‏ 
حكم صاحب الكشف حكماً يبدى كما لى أنه لا يقبل النقض ضد نظام محمد على 
فى خطاب إلى مسيو داسييه غداة عودته إلى فرنسا . 
« ..., محمد على هذا الرجل المتاز لا يفكر فى شئ سوى إخراج أكبر كمية ممكنة 
من امال من مصر المسكينة وما كان يدرك أن القدماء رمزوا إلى هذا البلد بالبقرة 
فهى يحلبها ويرهقها من الصباح إلى المساء قبل أن يذبحها وهى ما سيحدث عن 
قريب . هذا هى بالضبط ما ينتج عن مشورة دروقيتى الطيبة والنبيلة وجومار العظيم 
ومن كانوا على شاكلتهما من رعاة الشعوب الأخرى . إن مصر تثير الرعب 
والشفقة .. ». 
إلا أنه يعبر عن رأى أقل قسوة فى الباشا الكبير عندما يلقبه فى أحاديثه بكنية 
كاشفة لما يريد قوله وهى : حورس - تيفون . حورس المفيد والخالق وصانع حداثة 
مصر ؛ تيفون هو الإله القاتل الذى حدد لنقسه هدف انتزاع وادى التيل من غياهب 
الظلمات ففرض على شعبه قانونا لا إنسانياً وأجبره على السخرة الدائمة فى جميع 
المجالات وعلى تشييد هرم لا يكتمل . 


فى ٤‏ سبتمبر ۱۸۲۹ أعطى « الجذرال » أوامره لمغامريه بالانسحاب .. الإبحار 
تم بعد هبوط الليل عند أعتاب معبد الأقصر . كانوا جميعا يستعجلون الانتهاء من كل 
هذا. اذ لحب المناخ دوره فى تلك الحالة التى انتابتهم . وكانت المهمة قد انتهت فى 
مجملها » وبدأت بعض التوترات تظهر على السطح وكان شامبوليون قد بلغ به الإرهاق 
مداه . وذهبت آثار النشوة بعد أريعة عشر شهراً من الأعمال الجسورة والاكتشافات 
والاتبهارات ؛ وهذا شئ طبيعى جداً . 


596 


كان من المخطط التوقف فى دندره وأبيدوس . التوقف الأول تم اختصاره بسبب 
حالة الإرهاق الذى كان عليها رئيس البعثة ولم يعد فى إمكاته أن يخفى ذلك سوى عن 
أخيه . أما التوقف الأآخر فقد ألغى بسبب الفيضان . سنذكر هنا إشارتين متوازيتين 
إلى هذه المرحلة النيلية فى اتجاه الدلتا . 

الأولى اروسيللينى : « وسط أشجار التمر هندى والسنط والصفصاف كانت هذه 
الرحلة قصيرة ولكذها ممتعة لأنها جاعت بعد الإقامة فى الصحراء الجرداء فأعادت 
الطبيعة الصفاء إلى نفوسنا » . 
ْ الأخرى اشاميوليون : « نرى البؤساء من الفلاحين نساءً ورجالاً واطقالاً يسرعون 

الخطى حاملين القفف المليئة بالتراب ليتمكنوا من إتقاذ منازلهم وماتبقى لهم من مؤن 

[....] إنه مشهد مؤسف [....] الحكومة لن تطالب بضرائب أقل على الرغم من كل 
هذه الكوارث OC on‏ 

ومهما كان جان فرانسوا شامبوليون لا يميل كثيراً للمشاركة فى نهب وادى النيل 
إلا أنه لم يترك وادى الثيل خالى الوفاض . فهو لم يجعل من صرخة الأسف الشديد 
الزائفة التى أمالقها قبل ذلك بتسعة أعوام بخصوص رسم أبراج معيد دندره » لم 
فرنكا ) نجع فى أن يضيف إلى لوحتى النحت البارز الرائعة التى اققسمها مع 
روسيللينى والتی انتزعت من مقبرة سيتي الأول ٠‏ تابوتا لا يقل عنهما جمالاً وهو 
من البازالت الأخضر تم شراؤه بناءاً على أوامر منه لدوشان من وزير الحربية 
محمود يك * . 

إقامته القصيرة فى القاهرة خلال شهر سبتمير أتاحت له فرصة مقابلة أبن 
محمد على ** وقائد حملاته العسكرية إبراهيم باشا وقد وجد فيه مثل العديد من 
المؤرخين بعده - رجلاً ذا شخصية أكثر عظمة من أبيه بل إنه ذهب إلى القول عنه فى 
خطاب لداسييه : « إنه رجل فريد فى عظمته . جدير تماماً بحضارة مصر .. » وهی 
لذلك حث إبراهيم إلى القيام يحملة سلمية لمرة واحدة على الأقل إلى منايع النيل : : إنه 
هدف حميل لمنتصر سلبت منه انتصاراته حتى ذلك الحين . 


*» بالتبنى . 
ملحوظة من ن الترجم نرى أن المؤلف أقر دون تحفظ ما يتردد عن عدم أبوة محمد على لإبراهيم على 
الرغم Cane eu QU of ga‏ قط على ذلك . ( المترجم ) . 


597 


فى الإسكندرية - حيث سيبقى لأكثر من شهر ؛ استقيله القنصل ميمى - الذى 
تولى منصبه مؤخراً بعد دروقيتى - يقول أنه غمره بالعديد من علامات « الود 
الصادق» وهى يستخدم صفة « الصدق » حتى يميز هذه العلاقة عن التى ريطته 
بسلفه . وقد كان « الجنرال » أكثر وضوحاً فيما بعد إذ قال : « إن ميمى رجل سكن 
قلبى مباشرة فكان بالنسبة لى ما كان على دروقيتى أن يكون » . 

الطراد « أسترولاب » أثيط به إعادة شاميوليون إلى فرنسا ومعه أخر الرفاق 
سالفادور شيرويينى وقد أقبه بحنان « ياورى الشخصى » . أما التوسكانيون فقد 
سبقوه إلى ليفورن فى السابع من اكتوير على متن مركب تجارى . فى حين وجد 
الرسامون الشباب أعضاء اللجنة الفرنسية وهم لوت ولوهى ووبارتان فرصة استغلال 
موهبتهم فى الاسكندرية ثم بعد ذلك فى القاهرة لبعض الوقت .ولا كان على المركب 
الفرنسى التوجه أولاً إلى محطات الشام فقد اضطر صاحب الكشف أن ينتظر الإبحار 
حتى شهر ديسمبر . 

وجد فى هذه المهلة فرصة يجرى فيها عدة مقابلات جديدة هو وصديقه الدكتور 
باريزييه مع الباشا وأبنه إبراهيم . ولما كان الطبيب قد أنقذ الأمير من نوبة صرع 
أصابته بعد وجبة دسمة للغاية أصبح محمد على يعبر للشخصين الأروبيين عن نفس 
القدر من الإعثزان :« الأول أقام أبنى من فراش الموت والأخر أعاد إلى الحياة 
« أمجاد بلادى » . وأتاح ذلك الضيفين فرصة الدفاع عن التراث التاريخى el‏ لدى 
الباشا من أجل الحفاظ عليه والدفاع أيضاً عن « كرامة الإنسان المصرى » . إلا أن 
توزيع الأدوار هنا لم يمنع قط عالم المصريات من الخوض فيما يطلق عليه اليوم 
«شئون الساعة » . 

لم يكن جان -- فرانسوا شامبوليون رجلا يدع كل هذه الفرص تمر دون أن يدفع 
بالأمور التى تهمه وتشغل بال مواطنيه إلى الأمام . فخلال مقابلاته مع محمد على 
وإبراهيم دافع عن مشاريع صديقة لينان دى بالفون من أجل إخضاع النيل بصورة 
نهائية فى خدمة الزراعة المصرية وذلك بواسطة « الرى الدائم » . ونجح فى أن يغير 
من لتجاه الباشا لتحويل مستشفى القاهرة إلى مصنع للحرير وهى المستشفى الذى 
أنشأه لتوه الدكتور بارتيليمى كلوت مواطنه من جرونويل كما جعل الباشا يقتنع تما 
بحتمية دعمه الكامل والنشط للبعثة التعليمية التى تضم مجموعة من الشباب المصرى 
المتعلم والتى كانت موجودة فى فرنسا والذى سيكون نجمها المتالق رفاعة الطهطاوى 


598 


والتى ظلت بمثابة همزة وصل بين الثقافتين لفترة طويلة . وحصل فى النهاية على 
تأكيد إهداء مسلة الأقصر من محمد على لفرنسا - وهى المسلة التى تيم بها جان 
فراتسوا قبل ذلك بأريعة شهور * . 
إلا أن أهم مبادرات صاحب الكشف كانت المذكرة التى سلمها للباشا من أجل 
الحفاظ على أثار وادى النيل وكان قد سجل عير رحلته فيه الحالة المتدهورة التى كانت 
عليها هذه الآثار يل سجل أيضاً إختفاء بعضها . إنها صرخة استغاثه شجاعة أطلقها 
بعد التحذيرات الشفهية التى لم يظل يكررها بها خلال لقائاته مع سيد مصر . فلتحكم 
بانفسنا . 
« ....إنه من مصلحة مصر العليا نفسها أن تحرص حكومة سموكم على المحافظة 
على المبانى والاثار القديمة التى تشعر أورويا وعلماؤها جميعاً بالأسف العميق على 
الدمار الذى يلحق بها .[ .. ] من المعلوم بالطبع أن هذا التدمير البريرى يتم على 
الرغم من نوايا سموكم ومن رؤيتكم الثاقبة المعروقة جيداً من الكافة ** ومن 
أشخاص عاجزين عن تقدير الأضرار التى يسببونها لبلادهم عن جهل .. ومع ذلك 
فإن هذه الآثار قد ضاعت بالفعل دون رجعة .. .٠‏ 
وبعد أن ذكر قائمة بثلاثة عشر وأربعة عشر أثر تم تدميرها مؤخراً مثل آثار 
أشمونين أى الكاب » أى جزيرة اليفائتين أخذ شامبوليون يستحلف محمد ألا يتتزع 
شيئاً من الآثار بعد الآن ولأى سبب كان من الأربعين موضعاً الذى حددهم - ومتهم 
الكرنك » الأقصر » الجرنة » Dunes‏ حابن , أستا ؛ إدقى , كوم أميى » أبو سميل ويعضص 
الآثار الأخرى فيما وراء الشلال الثانى . 
وبعد أن أوضح أن « الاثار المحفورة فى الجبال لا تقل أهمية من المشيدة 
بالحجارة المستخرجة من هذه الجبال » دافع صاحب الكشف عن حماية سقارة وبنى 
حسن وپيبان الوك وغيرها . 
« .. الآثار التى تدمر يوميا تدميراً كاملاً [...] على يد الفلاحين لحسايهم الخاص 
أو على وجه الخصوص - لحساب تجار الآثار الذين يعملون لحسابهم [ .. ] إن 
الكهوف المنحوته أو المرسومة التى تكتشف يومياً فى سقارة وفى العرابة أى فى 
الجرنة تكاد تدمر تماماً قور فتحها بسيب جهل المنقبين أى عمالهم [ .. ] إن مصلحة 


* راجع الخاتمة ص 645 
3275 خداع جسكونى . 


599 


العلم لا تفرض بطبيعة الحال توقف عمليات التنقيب لما تجذبه العلوم كل يوم من 
حقائق مؤكدة وأنوار لم تكن تحلم يها قط ولكنها تطالب بفرض نظام على المنقبين 
يسمح بأن تكون المحافظة على المقابر التى يتم الكشف عنها اليوم وفى المستقبل 
مؤكدة تعاماً ومؤمنة جيداً ضد ما يناله مثها الجهل والجشع الأعمى » .. 
الاسكندرية فى نوفمبر 18414 
وهكذا استكمل محافظ المتحف مهمة المكتشف . صحیح إننا رأينا أن رئيس 
الحملة لم يحجم هى ذاته عن انتزاع لوح رائعة من الحفر البارز من مقبرة سيتى الأول 
ولا من استعادة أى الحصول على هدايا أو شراء قطع أثرية لم يكن الهدف من ورائها 
إثراء مجموعات متحف أجنبى . واكننا نتذكر أيضاً مانقلناه عن مدام بريشيانى عن 
تقائيد ذلك الزمان . ونا أن نتخيل ما كان يمكن لأفراد أقل تمسكاً بالتراث الثقافى 
المصرى من شامبوليون وروسيللينى أن يأخذوه معهم من رحلة مثل هذه وفى ذلك 
الزمان ... أن المصلح الكبير لا يلغى السلوك القديم برمته واكنه يندد بمساوئه ويحدد 
فضائل جديدة , 
قبل أن ينصب نفسه رائداً لاوجوست مارييت الذى أسس بعد ذلك بثلاثين 
عاماً إدارة الآثار المصرية - أشرف جان - فرانسوا على شحن تابوت ٠‏ زيهار» 
الرائع على مقن الاسترولاب وكذلك تمثال الملكة كاروماما الذى اشتراه فى الاسكندرية 
ولوحة النحت البارز المأخوذة من مقبرة « سيتى الأول » وكان فى حالة قلق من أن 
تفعل معه الحكومة البريطانية ما فعلته بالنسبة لحجر رشيد : لأن لندن ادعت الأتى : 
بما أن من اكتشف مقبرة ستى الأول هو بلزونى ويما أن هذا الآخير يعمل لحساب 
هترى سوات فإن جميع القطع الخاصة بالمقبرة تعتبر ملكية إنجليزية إلا أن هذه 
المطالية لم تصل إلى آية نتيجة واحتفظ شامبوايون بغنيمته . 
رفع هلب « الاسترولاب » الذى كان يقوده فارنيناك نى سان - مور وهى من 
مقاطعة كارسى مثل صاحب الكشف - فى ١‏ ديسمير 1١855‏ - كان معروف عن هذه 
السفينة التى قادها دومون دورقيل عبر عدى لا بأس به من العواصف وفى عدد مماثل 
من المناطق » أنها ثقيلة ويطيئة ولكنها محصنة ضد الأزمات الكبيرة . واستغرق 
عبورها للضفة الأخرى من البحر تسعة عشر يومأً وهو متوسط طول الرحلة فى الشتاء 
وذلك على الرغم من أن بضعة أيام منها كان الجى فيها هادئاً تماماً . 


600 


استمتع جان فرانسوا شامبوليون بالرحلة . فبخلاف الصحبة الطيية لسالقادور 
شيروبينى سعد أيضاً بصحبة القبطان فانيناك . وهو رجل شجاع على درجة عالية من 
الثقافة . كانوا يتبادلون أطراف الحديث وكان هو يسجل ملحوظاته ولكنه كان يغفى 
كثيراً إذ كان منهكاً للغاية . 

فى يوم عيد ميلاده التاسع والثلاثين - ؟؟ ديسمبر ۱۸۲۹ - رسى الاسترولاب 
كان منتشرا حسبما يقال فى الشرق كله وأحيط بعد ذلك علماً بأن العشرين يوماً 
اللازمة للعزل قد أضيفت لها عشرة أخرون له ولزملائه لآن الاسترولاب كانت قد توقف 
فى ميناء اللاذقية حيث يقال أن خطر نقل الطاعون منها قد أرتفع . أكدت مدام ارتلى 
بان فى مذكراته المصاحبة لمراسلات شامبوليون التى قامت بنشرها أن البارون د بسار 
- وزير البحرية فى ذلك الوقت - كان المسئول عن هذا الإجراء التعسفى الذى أثر 
كثيرا فى صحة الرحالة شامبوليون - وقد ذكر تلك المحنة فى رسالة موجهة إلى مسيو 
داسييه : « لدى وصولى إلى بلاد الأجراس * كما يسميها أصدقائى الأعزاء من Jai‏ 
الصحراء » إضطرت إلى أن أتركهم يعاملونى معاملة المصابين بالطاعون ويحبسونى 
فى محجن قذْر وتعيس .. » . 

أوضح لجاك - جوزيف آنه قرر فى بادئ الأمر تمضية فترة الحجر الصحى على 
متن الاسترولاب إلا أنه اضطر -- يسبب استحالة إشعال النار داخله - إلى اللجوء إلى 
غرفة سيئة فى الحجر لأنها مزودة بمدقأة إلا أن هذه الأخيرة كانت تصدر كمية هائلة 
من الدخان ولذا كانوا يطفئونها فى كثير من الأحوال إذا لم يتولى الهواء العاصف ذلك 
بنفسه .. كانت الأمطار والثلوج تذهمر . بالنسبة له اسالقادور وكانا قد خرجا لتوهما 
من وادى النيل كانت المحنة قاسية . وكانت بالفعل محنة بالنسية له قائلة . 

لنحاول أن نتصور الحالة الفكرية التى كان عليها الرجل الذى أكمل لتوه رحلة 
لانظير لها وهى يعود لبلاده ومعه ثروات تخصها - تحيط به هالة المجد . كانت أوروبا 
كلها قد قرأت لتوها رسائله التى أرسلها من عمق ألاف السنين ومن أرض أسطورية 
وهو الأن قابع ينهش السعال صدره بجوار مدفآة قى جو زمهرير ينتظر الإفراج عنه 
من هذا السجن المخصص للمصايين بالوياء . . الشئ المؤكد فى مجمل الأمر أن 
استقبال كريستوفر كولوميس كان أفضل من ذلك .. 


» أى يلاد المسيديين - بسبب الكنائس . 


601 


شغل وقته فى فترة الانتظار القاسية هذه بأن أمطر بالخطابات كل من كان عليه 
أن يقدم له تقريراً عن رحلته لسبب أو لآخر . 
فإلى سوستان دولاروشفوكى - حامى حماه قال : 
« من ناحية الأبحاث العلمية التى كانت الهدف الرئيسى ( للرحلة ) يمكن القول بأن 
ما حدث قد قاق كل آمالى : إذ أن الثراء الذى تتسم به ملفاتى يثير الإعجاب [ .. ] 
كان من واجبى أن أضشعل ما فى وسعى لكى أشرى القسم المصرى بالمتحف الملكى 
بمختلف أنوا ع الآثار التى تنقصه [ ... ] لم أثلى جهداً الوصول إلى هذا الهدف : كل 
ما أمكننى إدخاره من أموال تفضل يها على بلاط الملك ومختلف الوزارات من أجل 
القيام بالرحلة - أستخدم فى التثقيب والحصول على أثار مصرية من كل نوع - من 
أجل متحف شارل العاشن ... » . 
وكتب إلى البارون دولابويورى - وزير البلاط الملكى الذى أتاح لهذه الرحلة أن تتم : 
« جلت فى مصر خطوة خطوة وأقمت فى كل مكان ترك الزمان فيه بعض آثار من 
روعة الماضى [ .. ] الأشياء التى جمعتها تخطت توقعاتى [..] أعتقد أنه فى 
استطاعتى القول أن تاريخ مصر وديانتها والفنون التى راعتها ان تعرف جيداً وتقدر 
على حقيقتها سوى بهد نشر الرسومات التى جنيتها من رحلتى » . 
أما الخلاصة التهائية فهى من حق حاملى سره المقربين : 
كتب إلى جاك - جوزيف ما يلى . 
« انتهت حملتى إذن ياصديقى العزين - وكل شئ جرى كما كنت تشتهى وأشتهيه 
آنا ..» 
وإلى مسيق داسييه 
« يهمكم أن تعرفوا ياسيدى أن نتائج رحلتى عبر البحار تخطت كل أمالى » . 
انتظار ؟ نعم . ولكن ما هى الثمن ؟ كتب إلى صديقه جان جوزيف دويوا أيضاً 
من محجر طولون : « قمت بجمع أعمال تكقى حياة بأكملها ! « 
كان ذلك يعنى بالنسية له خمسة وعشرين شهراً , 


002 


- ” الموت يتريص بى فى بابل ! * 


» الثلاثة أيام ا مجيدة » والحزن - سكة - مدام أديل .. » دفعة أكاديمية - ا لتحف 
- أبواب الكولاج دوقرانس - أثنان مع - الانسحاب إلى قيجاك - أخر عرية بريد .. 


٠‏ ... بعد أن أقام لدة ثمانية عشر شهراً تحت سلطة حاكم شرقى مستيد 
هل كان من الممكن أن يحلم المواطن شامبوليون بسنة أفضل من سنة «٠‏ الأيام الثلاثة 
المجيد » ليعود فيها إلى فرنسا » وهى التى وضعت حداً نهائياً ويصورة باهرة لخمسة 
عشر عاماً من الحكم المطلق وسيطرة ه طافئ الأثوان » . 

هو الذى حركت فى نفسه عودة اللببرالية - الممثلة فى وصول وزارة مارتينياك 
للحكم فى ۱۸۲۸ - الآمال وهى فى أعماق صعيد مصر ؛ كيف لا يصفق للحركة التى 
أطاحت بآل برويون ( « « المرة الأخيرة » . حسيما قال شاتوريان .. ) واوصلت للعرش 
دوق دورليان الذى كان يعتير رمزاً للمساواة بين المواطنين وهى الذى كان يعبر له منذ 
ثمانى سنوات عن تعاطفه القوى والنشط ؟ . 


الأفكار التى كانت تحرك السلطة الجديدة هى التى كان يدافع عن PR‏ 
لديه ما يجعله يعترض على نظام ملكى بحثرم حقوق الشعب ار 
أصدقاؤه أيضاً هم الذين وصلوا إلى السلطة : قفرانسوا أراجى لم يكن بعد سوى 
أحدى مفكرى التحرك أما ف ا ال شيد الد PL de‏ 
لرئاسة الحكومة . 

ومع ذلك فإن ما يسترعى الانتباه فى مراسلات وأقوال كاشف أسرار 
الهيروغليفية لدى عودته من مصر هو أنها لا تعكس قط الحماس الذى كان يحرك قيما 
مضى alle‏ اللغويات إزاء كل تقدم تحققه الديمقراطية . 

إننا نعرف - من خلال خطاب إلى زلیں بوجه خاص - أن جان - فرانسوا قد 
تحرر من الكثير من الأوهام فى هذا المجال . إنه لا يزال من حزب « التذوير » 
ومناهضاً جداً « للمنافقين » لأنه إزداد إيمانا بأن سلطانهم يمنع ظهور الحق . 


603 


وهى لم يخفى تعاطفه مع القادمين الجدد ولكن فى اعتدال يعكس ما يمكن أن 
نسميه انقشاع أوفامه الحماسية . 

هل نستخلص من ذلك أنه أصبح الآن - ملكا لمصر وحدها وأن التحركات 
الانفعالية لصغار القوم الذين شهروا على وجه البسيطة بعد خمسين قرنا من الملك - 
العقرب لم تعد تدخل فى نطاق اهتماماته ؟ هذا محتمل بالفعل . ولكن إذا كان يميل 
إلى ارجاع الأمور كافة إلى العلم الذى أسسه لا فهو لا يفعل ذلك إهمالا لكل ما لا 
يتعلق بهذا العلم الجديد ولكن لأنه لم يعد يحكم على الرجال والأشياء سوى يمقدار 
مشاركتهم فى معرفة حضارة وادى النيل . فهى إذن يعير أهمية أقل لشخص جاكوبى 
لا يحب مصر عن جيزويتى يحب مصر , 

اا كان الانهيار المقاجئ لنظام « الرستوراسيون » أ إعادة الملكية يثير حماسه 
فذلك لآن الحدث حكم على العديد من هؤلاء النبلاء الذين خدموا أهدافه بكل سخاء 
لعدة سئوات بالانسحاب من الحياة العامة أو بالنفى » أمثال دودوفيل ولاروشفوكو 
ولابويورى ونواى .... وعلى وجه الخصوص بطبيعة الحال بلاكاس .. العزين إلى قلبه 
بلاكاس . يمكن أن تكون » الثلاثة أيام المجيدة » قد سحرت فؤاده إلا أن رحيل الدوق 
للمنفى ( وعلى الرغم من أن شارل العاشر كان قد غضب عليه من قبل إلا أنه أصر 
على أن يكون مصيره هو المنفى ) قد مزق قلبه . هذا الرجل الجمهوری هو قبل کل شئ 
رجل ولاء وعلاقات إنسانية : علاقات المركز فيها والقلب هو مصر . وإذلك فيما يخص 
مصر كان لراعيه - فى تصوره - حقوقاً عليه . ولذلك فإنه لا یوجد تناقض فى قولنا 
| أنه أستقبل ثورة يوليى« وهى يبتسم من خلال دموعه € 


هل كررنا ذلك يما يكفى : هذا الشامبوليون العائد من مصر منتصراً وتحوط 
بهامته أوراق الغار للتصر العلمى الذى توصل إليه كان رجلاً منهكا إلى أبعد الحدود . 

كما لو أن الغنيمة الثقيلة قد أثقلت كاهله حتى بدا كما لى أن ردائه الذهبى 
يسحقه بثقله . وهى إذا كان يستقبل انتصار الحريات بفرحة غير عارمة فإن ذلك يرجع 
أيضاً لهذا السبب . الولاء العاطفى والحاح مصر على فكره وفؤاده لعباً أيضاً دورهما 
بالتاكيد إلا أن الإحساس المسيطر عليه قد يكون نوعاً من الإرهاق الحزين بسبب 
الآمال التى تبددت .. هذا الرجل اكتملت أيعاده وحقق ذاته وهى فى نفس الوقت 


604 


مستنفذ بالمعنى الكامل للكلمة - مازال بالطبع أمامه مهمات عظمى ولكنها لاتعدى أن 
تكون « من قبيل : « إكمال ما توصل إليه بالفعل » . 


تركناه فريسة لزمهرير مقاطعة بروفانس وجسمه المسكين يتقلص أمام العدوان 
المناخى ( شتاء 1454 - 185١‏ لا يزال مشهوراً فى التاريخ ونهر السين قد تحمد فى 
باريس ) منذ يناير 141١‏ لم يعد جان فرانسوا سوى رجلاً مريضاً * أصيبت ركتاه 
مؤخراً بإصابات لا تعالج وهزه التهاب رئوى مزمن هزاً وهى فريسة لمرض السكرى . 
كبده تنهشه طفيليات النيل » رأسه يتعذب من طنين فى الأذان ثم أن النقرس لن يتوقف 
قط عن إيلامه أشد الألم . تقرأ شكاويه من قسوة المناخ عير جميع مراسلاته ويصورة 
منتظمة :« ما هذا الشتاء الشيطانى الذى ترسله لنا السماء هذا العام ؟ إنى أتالم 
لذلك جداً وأخشى كثيراً أن أجد النقرس فى إنتظارى فى ضباب باريس » . 
يعكس بوضوح الطريق شديد التعقيد الذى سلكه عند العودة مخاوفه هذه قهى بعد 
أن عدل عن فكرة التوقق فى إيطاليا ( حيث كانت تراوضه فكرة الانضمام فيها إلى 
التوسكانيين العائدين بسرعة إلى ليفورن حيث لازالت تتكهن فيها الكاهنة .. ) قرر أن 
يقوم ببعض الالتفافات فى طرق الجنوب - الغربى الفرعية . 
« .. إن البرد القارص الذى تعانون مته تحت هذه السماء السعيدة يوقف شعر 
رأسى واذلك قررت أن أسلك طريقاً يجعلنى لا أترك شمس الجنوب سوى يعد أطول 
فترة ممكنة لكى أراعى الانتشال المرحلى . ولذلك فإنى لن أساك طريق ليون الذى 
يكاد يكون غير صالح للسير فيه بسبب الثلوج وخاصة فى القطاع الذى يفصل بين 
ليون وباريس . لدى عمل أوديه فى مدينة آكس لسيعة أو ثمانية أيام على الأقل 
لدراسة بردية سالبية [ .. ] كما أنوى زيادة أفينيون لزيارة متحف كالفيت . وأعود 
إلى نيم لزيارة حفرياتها الجديدة ثم إلى مونيوليين - ناريون - كاركاسون : تولوز 
ويورلى 00 ». 


* ومع ذلك نقرآً فى خطاب غريب من روزين لأخيها هوج تقول فيه على الرغم من ذلك أن « الصغير » 
يتمتع بصحة جيدة غير أنه « يزداد سمئة بأكثر ممأ ينيفى » وهذه هى الإشارة الوحيدة فى هذا الاتجاه 
( نهاية 181٠‏ ) . | 


605 


توجد فى خطاب أخر إلى جاك - جوزيف بتاريخ ١4‏ فبراير 1481١‏ إشارة 
تسترعى منا التوقف عندها : ۰ 
« بما أنى سافرت دون أن أتوقف فى فيجاك فمن العدل أن أرى فيها الأسرة 
بالمرة . وأنا هنا * أنتظر فى أى لحظة وصول هذه الشخصية التى ظلت تذتظر 
رؤيتى أثنى عشر عاماً ولا أشك أن درجة تعلقى بها لا يقل عما تكنه هى لى . وهى 
أيضاً إحدى احتياجات قبلى . فاستسلمت لها . ستغفر لى هذا التأخير لبضعة 
أيام [ ...] إنك تعرف بالطبع أنى أعنى مدام أديل . سوف تسافر على القور إلى 
فيلفرانش حيث ينعقد مؤتمر عائلى لدة يومين .. » . 
هاذى إذن « مدام أديل » تعود من جديد وهى لا يذكر أسمها سوى يعد أن دار 
طويلاً ول إمعانا فى الغموض ٠٠‏ هذا الشخصية الذى ظلت تنتظر رؤيتى أثنى عشر 
عاماً » والتى يشركها بعد ذلك فى أمور أسرية . هل هى « ماما الجميلة » التى تحدث 
عنها عام ١8١١‏ أم هى بطلة إحدى المغامرات التى خاضها « صغين » وهق فى 
مقاطعة كارسى؟ هلى لعبت مدام أديل ** الدورين فى تتابع فتوات فى النهاية دور 
الأمومة الحية ؟ 
نوع غريب من العلاقات من كافة الوجوه . بعد فترة زمنية كتب إيميه شامبوليون 
- فيجاك - أبن جاك جوزيف - بخط يده على هامش أحد النصوص الخاصة بنشاط 
چان - فرانسوا التعليمى فى مقاطعة كارسى وهو بصدد التعليق عليه : « إن هذا 
النص كان ملكاً « لعشيقة عمه » , وهو لا يضيف شيئاً بعد ذلك . وهذا لا يكشف لنا 
الكثير عن الحياة العاطفية لصاحب الاكتشاف فى مسقط رأسه ولكنه يؤكد وجود 
« شخص » فى فيجاك « مرتبط » به بنفس قدر ارتباط أخيه به وهى ما يعثى الكثين , 
وعندما سيشعر جان فرانسوا شاميليون بعد عشرين شهراً أن النهاية اقتريت 
فسيصر على آن يذهب للإقامة لبعض الوقت فى كارسى ولم يكن ذلك لأسياب مناخية 
هذه الجولة الريفية العاطفية والأثرية لم تمنع إصابته ببعض من ضغائن وأحقاد 
قادمة من باريس فقى إكس وصلته أصداء منشور صادر من المجموعة العدائية له 
حول رحلته إلى مصر . وإذا كان جاك -- جوزيف قد أحاطه بها علماً فكان ذلك من 


* فى تولوز , 
+* راجع القصل (7 ) , 


606 


يقول له : 


« وجدت [ .. ] بعضا من الكلمات الحلوة ا مذاق التى تضمنتها المنشورات التى 
تحفتنى بها « العصابة » آثناء غيابى . إنها تنم عن سوء طوية تجعل المرء يتقياً وان 
أئزل أبداً إلى مستوى مصارعة هذه النفايات » ون أرد عليها سوى بالمضى فى 
طريقى محتقراً كل هذه المناورات الخسيسة . إن الحسد يخرج من جميع المسام - 
وهى يعتبر من طبيعة الأمور . إنى أبصق * عليه وأكمل طريقى ... » 


فی ٤‏ مارس » شارع كوك - هيرون فی باریس . صدم جان - جوزيف وه لقادور 
شيروبينى اللذان جا لاستقباله لدى وصول العربة القادمة من الجنوب الغربى لقرنسا 
- بالإرهاق البادئ عليه وبثقل مشيته فقد أصبح بدينا ويتنفس فى اهتزازات متلاحقة . 
كم من السنوات أضافتها مصر إليه ! . . صوته فيه حشرجة وسوالفه تلونث با مشيب 
والنظرة الجميلة فى حزن أحتجبت . يجب ألا يحبه المرء سوى قليلاً حتى لا يتملكه 
القلق كما حدث لهذين الوفيين . 
سارع جان قرانسوا بالعمل على الإقامة قى مكان دافئ . فمن طيبة ومن الحجر 
الصحى فى طولون كان قد أرسل بالتعليمات لآخيه : 
« أكتب الآن لزوجتى عن المسكن الذى يجب أن تأخذه . فهى إذا لم تتمكن من 
التصرف وبما أن معك توكيلاتها فقم بذاك بنفسك واختاره بالقرب منك . مكتب كبير 
للعمل وغرفة نوم صغيرة ملاصقة له ** أهم شئ أن تكون الشقة دافئة .. » [ ثم 
يطلب بعد عدة أيام ] : ه بسجاد جيد وسميك للأقدام **” فى مكتبى وفى غرفة 
نومی : إن هذا البند هام جداً بالنسبة لى [ ... ] كرسى من الجلد » مكتب صفير 
مدفأة كبيرة جداً فى وسط غرفة المكتب ٠‏ أما بالنسبة للسرير فهو لا يهمنى » . 





5 الغضب ليس دائماً من مصادى الإلهام للاسلوب الجميل , 


“us‏ إن سرد الأمداك يعلى الرفية صورة شخصية بهت ومخيب LS‏ ما تعكسه مراسلاتها 
حيث يمكن ملاحظة أبعاد تؤكد أنها على شئ من الثقافة السياسية والتعقل 


007 


ها هو يهتم بحياته الأسرية الخاصة أكثر جداً من اهتمامه بظروف عمله إنه 
سيهتم قليلاً جداً بزوجته كما تفعل هى إيضاً به : « إذا لم تتمكن من التصرف .. » 
وهو يكتب ذلك وهو عائد من رحلة طويلة ومرهقة ٠.‏ أن ذلك يعتى أن الأوهام لم تكن 
تداعبه بخصوص زوجته حتى أنه لم يكن متأكداً من أنها ستفعل كل ما فى طاقتها 
لإعداد مسکن له . 

السكن الذى عثر عليه جاك - جوزيف - الذى أصيح الآن محافظاً الوثائق فى 
المكتب الملكي وبالتالى حظی بسکن خاص بوظیفته - کان مجاوراً بالفعل له : ٤‏ شارع 
نافار . وسيعلن صاحب الكشف عن رضائه عليه . كان يحب شارع مازارين والشوارع 
الصغيرة المحطية , إلا أنه استعاد هكذا الحى الذى أمضى فيه فترة المراهقة وهو 
طالب . وفى متناول يده هذا توجد كل الكتب وإذا عبر جسر ديزار — كويرى الفنون - 
فهو على بعد دقائق قليلة من مسيوى داسييه والأنستيتى ( المجمع العلمى ) . 

الانستيتو ... ! إن علاقات الشقيقين شامبوليون بالرجال ذوى الرداء 
الأخضر كانت ولازالت عاصقة . وهى تلخص فى الواقع تلك التى كانت قائمة بين 
القبة * وأغلبية الكتاب والمثقفين الفرنسيين والتى تتراوح بين الطمع الملّح (فى عضويته) 
والأزدراء مع الحذين إليه , 

يقول هؤلاء لماذا تكون أعضاء فيه مشيرين ( فى تكتم ) إلى أن عدم عضويته لا 
تكفى قط لتمييز العبقرية .'قى حين يقول الاخرون فى أسى كيف لا نكون أعضاء فيه ؟ 
.. كان جاك - جوزيف مثالا حياً لطالب العضوية وجان - فرانسوا مثالاً لمن لا يريد - 
أن يطلب العضوية .. ولكن .. 

ليس من المبالغة فى 5 شئ أن نقول أن حياة جاك - حجوزيف المهنية كلها كانت 
تستهدف المجد الأكاديمى . الكرسى - والوظيفة الهامة كانا الأملين اللذين سار 
ورائهما منذ بداياته فى جرونويل - وهو عالم آثار علم نفسه بنفسه . وكانت 
استراتيجيته الاجتماعية تستهدف هذا التتويج . لقد اكتسب صداقة فورييه وصداقة 
ميلان وكان يعتنى يعلاقاته بساسى وكان يتودد لداسييه .. ويمكن أن نذكر العديد من 
تقلباته السياسية من أجل طموحه البرئ هذا . 


+ قبة الاسنستيتى أصبحت ولا تزال « كثية » لهذا الصرح العلمى [ المترجم ] . 


608 


أما التشاؤم العميق وتعالى جان - فرانسوا فكانا يضعانه فوق تفاهات هذا 
العالم . وهو إذا كان قد تطلع للحصول على مكانة أكاديمية فذلك لأنه كان يقدر أن هذا 
الشرف هى بمثابة تقنين لاكتشافه وأنه من حق العالم الذى فك شفرة الهيروغليقيات : 
وهى إذا استمر على إصراره فكان ذلك لأنه فى تقديره أن ظلما قد وقع فى حقه وفى 
حق أعماله . 

بهذا المعنى فإن اكتشاف عام ۱۸۲١‏ كان كارثة بالنسبة لشامبوليون - فيجاك : ' 
لم تجل يخاطرهم فكرة قبول الأخين ابنا صاحب مكتية فيجاك معاً كما فعل زملاؤهم 
بعد ذلك بقرن كامل مع الأخوين تارى ... ولكان ذلك عملاً ذكيا وملائماً إذا أخذنا فى 
الاعتبار ما قام به الأخ الأكبر فى إنجازات الأخ الأصغر : أحدهما يسحب الأخر إلى 
أعلى والأخر يجر الأول إلى الأكاديمية . 

على الرغم من أنه يتوارى وراء آخيه فإن جان - قرانسوا كان يعتبر نفسه عضواً 
محتملاً . فهى عندما يعلن لتيقونيه عن نشر كتأيه « الملخص » وكان قد قدمه لتوه 
للأكاديمية فى 9 إبريل 14175 - أضاف يقول له : 

« الجميع يردد لى أن أول مكان يخلى قى الأكاديمية سيكون لى » إن ترديد مثل 
هذه الأقوال وذلك دون تعليق ساخر يكشف وجود بعض الاهتمام بها : 

لم تكن العلاقات بين الشقيقين وكى كونتى * قد تحسنت منذ أن راح جان 
قرانسوا يجوب العالم . وسيق أن تحدثنا عن فشل الآخ الأكبر فى الفوز بعضوية هذه 
الهيئة التعليمية الجليلة عندما كان صاحب الكشف مقيماً فى إيطاليا . كما تحدثنا عن 
فشل الأخ الأصغر أيضاً بعد عدة شهور عندما كان يعد « متحفه » فى اللوشر ويستعد ٠‏ 
ارحلته إلى مصر واندفع دون تروى فى التقدم بعضويته الفاشلة . إذ تفوق عليه الرحالة 
المجهول بوكوفيل ** . بعد ذلك بثلاثة عشر شهراً بينما كان جان فرانسوا متكبا على 
قرائة المخطوطات التى على أعمدة امينوفيون فى الأقصر . 


, ] الشارع الموازى لنهر السين والذى يقع فيه الأنستيتو » [ المترجم‎ pl Quai Conti x 
١١ راجع الفصل‎ ** 


009 


إجتمع أعضاء الأكاديمية لاختيار خليفة عالم الإغريقيات جيل وهى الذى كان 
أعداؤه يؤكدون أنه لكى يشرح لتلاميذه نصوص اكزنوفون كان يطلب ترجمتها إلى 
اللاتينية أولا لكى يتمكن من قرائتها إلا شئ يجعلنا نعتقد أن صاحب الكشف قد تقدم 
بتفسه لطلب العضوية ويبدو بالطبع أن المبادرة جائت من أخيه ومن مسيى دأسييه 
اللذين ! عتقدا أن من المناسب مفاجاته بذلك . من كان فى إمكانه فى ذلك اليوم أن 
Ja‏ على شامبوليون الصغير ؟ فالمنافسين الوحيدين اللذين كانا فى إمكانهما التغلب 
عليه وهما فيكتور كوران وأوجى شان تبيرى كان عدد أعداءهما أكير من أعدائه . 

ومع ذلك فإن نتيجة الاق قتراع لم تكن فى صالحه إذ نجح رجل القاتون جان - 
مارى ياردوسى - الأستان بكلية الحقوق - عند الاقتراع الرابع بخمسة عشر صوتاً , 
تسعة إلى شاميوليون الصغير فى حين حصل كوزان على 5 ثلاثة أصوات وتييرى ( الذى 
pl‏ يتقد قدم بطلب العضوية على الأرجح ) صوت واحدٍ ... كان فشلاً مهيناً عمل جاك - 
جوزيف على إخفائه لفترة طويلة عن أخيه ولم تتم تم احاطه « الجثرال » علماً بهذا 
الاشفاق سوى فى رسالة مؤرخة ١١‏ سبتمير 145 وصلته وهو فى الرحلة الثيلية بين 
دندره وأبيدوس . 

كما لو أنه يريد أن يحصل على مغفرة أخيه ؛ قدم جاك - جوزيف « خطأةه » على 
أنها فضيحة رهيبة وهاجم المنتصر متجنياً عليه وجعل من المهزوم ضحية خطأ قانوني 
مشين » وأضاف مؤكداً أن هذا الإة قتراع « أصبح موضوعاً لهجوم ( الصحف ) [ 8 
ولم يحدث قط أن إندلع مثل هذا الحريق فى المجلات الأكاديمية والأدبية [. .| cms‏ 
محك وحجر الزاوية اكل ذلك وأصبح أسما باردوسو وشامبوايون - ولم يكونا ليلتقيا 
بدا - مجتمعين كل صباح تطلقهما سوياً فوهات المداقع . 

مادمنا سقطيا فليكن ذلك بأكبر دوى ممكن ... ! » من ناحيته تظاهر جان - 
فرانسوا بأنه يهزً من كل ذلك إلا أن رسالته لفيجاك لم تنجح فى إخفاء استيائه 

« ... أرجو الا يكون [ مسيى داسييه ] قد استاء كثيراً من أن قطيعه الذى ينخر 
الجدرى فيه - قد وضعنى تحت مسيو باردوسى * أن ذلك لا يدهشنى منهم . كنت 
» مهما كان انتصار مسيو باردرسى غريباً ( ولكن طبيعياً بالنسبة للاكاديمية ) على شامبوايون فهو 
يستحق أكثر من الاستهزاء به جاء فی ملحوظة بقلم ميشال دوفاشتار فى العدد رقم 1 -. اكتويد MA‏ 


اليحار . 


610 


سأشعر بقيمة الأطراء إذا إستدعتنى الأكاديمية عندما كانت اكتشافاتى مشكوكاً 
فيها - عن قصد أو غير قصد فهذا لايهم : ساعتها كانت هيئة الاكاديمية ستستحق 
منى العرقان بالجميل . وكنت سأاشعر أيضاً بالاطراء لى أن هذه الهيئة تذكرتنى 
عندما كنت أرتقى بدراساتى وأحقق حصاداً رائعاً وسط أطلال طيبة . كنت ساعتبر 
قبولى بها نوعاً من المكافأة الوطنية » وأكنها رأت أنه من الأفضل أن تمنع عنى هذه 
الترضية . ولذلك فمن الأن وصاعداً لن أخط قط خطوة واحدة فى اتجاهها وحتى 
لوحدث أن نادتنى الأكاديمية فسأتردد كثيراً فى الجلوس على كرسيها مما يفعل 
٠‏ خبير بالنسبة لزجاجة من الشامبانيا نزعت عنها سدادتها قيل ستة شهور . إن ماء 
النيل ذاته سيثير الغثيان عندما يزول العطش ... » . 

من الجائز أن يشعر المرء بالحرارة عندما يكون الأمر فى محله . كما هو الحال 
هنا . كان صاحب الكشف وهو فى طريقه إلى القاهرة على حق حين أكد أن فى مرحلة 
ما كان التصويت الاكاديمى سيخدم هيبته ومن ثم ابحاثه وعلمه الجديد - وأن هذا 
الوقت قد ولى . وأن من الآن فصاعداً أنه هى الذى سيشرف الأكاديمية بقبول 
عضويتها - لكى تضع حداً على الأقل للخطأ المثير للسخرية والذى تجلبه على نفسها 
بإصرارها على تنحية رجل تتصارع عليه جميع الجمعيات العلمية فى أورويا كلها . وقد 
كان فى استطاعته الأن أن يلقى الضوء على هذه العلاقة الجديدة بين القوتين ... إلا أنه 
لن يتمادى فئ هذا الاتجاه . ۰ 1 
فإذا لم نره يصارع الرجل الممتاز قان برايت - محافظ المكتبة الملكية خلال 
الإقتراع التالى والذنى جرى فى ۱۹ مارس ( فهو لم يجد سوى الإطراء يوجهه له منذ 
أيام الدراسة ) إلا أنه وجد من الأمور الطبيعية أن ينضم إلى المجموعة التى إنتخبت 
فى ۷ مايو سنة A1۰‏ والتى سمحت بتصحيح وضع خلى ستة مقاعد * وهى إجراء غير 
مسبوق وسيبقى فريداً فى تاريخ هذه المؤوسسة ** وهكذا جرى تعيين شامبوليون كما 
لوكان ضمن تعبأة عامة دون مجد ولا مناقشات على الرغم من أنه تفوق على شارل 
نودييه بأربعة وعشرين صويتا مقابل صوتين كما قبل ضمن هذه المجموعة كل 
من أوجستان تيرى وأميديه جوبار » عالم اللغويات التركية العجوز عضى الحملة 

الفرنسية ( حمله القرن السابق ) . ْ 


+ من أصل عشر مقاعد كانت مجمدة بعملية الإصلاح التى قررها كورييا - عام 1857 . 


ى الا أن الأكاديمية الفرنسية قامت بنفس الاجراء عام /1921 » وقد أدى بول كلودال دور شامبوليون 0 
0 يمب 2 3 و 2 فی 
عام 4۳۰ . 
م 





611 


. هل كان إنتخاب شامبوليون إنتخاباً غير لائق ؟! إن السؤال الوحيد الذى طرح 
. بعد عمليتى الإعاقة التى تزعمها جومار وكاترومار - وراؤول - روشاث وبسان مارتان 
هو هل - سيحبس نفسه أم لا داخل سجن كرامته المجروحة . 
(« لست من الذين يقبلون أن يرفضوا عدة مرات متتالية ... » هذا ما كتبه 
لروسيللينى ) وما أن قبل أن يجلس إلى جوار الذين تكالبوا ضده منذ سنوات عديدة 
إلا وتناقشوا حول موضوع أهم بكثير ممن له الحق فى ارتداء قبعة الأكاديمية - : وهو 
وببساطة شديدة موضوع أمانته العلمية - فإن طبيعة الإنتخابات وذوعية الناخبين 
وتوازن نتيجة الاقتراع لا تهم كثيرا . وإذا كان حديث قد جرى فهو فقط و بإختصار 
عن عملية تصحيح بسيطه وسريعة . 


وتجدر الاشارة أنه ما تم ذلك إلا وكان جان - فرانسو! شامبوليون من 
الأكاديميين المواظبين جدأً على الحضور . وحضر الإاجتماعات مئذ جلسة 8؟ مأيى . 
وفى ١‏ أغسطس قدم عرضا عن آثار مصر كما قدم فى 5" سبتمبر يعض الرسومات 
التى جلبها معه فى رحلته » فى حين آثارت مشاركته الثالثة الخاصة بطرق حساب 
الزمن عند المصريين القدما » مقاجأة غير متوقعة : إذ بعد أن استمع إليه أندفع رائول 
- روشات نحوه ورجاه أن يقبل أن يكون صديقه . (أ) . كما حضر أيضاً جلسات 
ديسمين ١5خ‏ وپنایر ۱۸۲۲ أى قبل وفاته بأسابيع قليلة لا يمكن إذن أن نقول أنه عبر 
عن أقل قدر من الاستهانة نحى هذه الجمعية التى اساءت معاملته لفترة طويلة . 
يبدى أن عناق راؤول روشات - وهو خير مثل « لحزب القساوسة » كان تعبيراً - 
منهم.- عن أنهم سامهوا تماما جاكوبى مدينة جرونويل » صديق الأب جرجيوار 
وأعضاء الحزب الكاربوتارى فى مقاطعة الدوفينيه . فهل كان ذلك يسبب آنه لم يعد 
يثير الخوف ؟ أو لأن « طافئى الأتوار » - وقد أحسوا بقرب هبوب عاصفة شهر 
يوليو- طالبوا بمغفرة وسعة صدر رجل التنوير ؟ بعد ثلاثة شهور كان روشات وسان 
مارتان وأمثالهم قد خسروا المباراة : إذ لم يتمكن مزلاج رجال الدين الصمود أمام 
كشف الحقائق الأساسية واستولى التاريخ على السلطة : فى الجامعة : ميشليه وكينيه 
وتييرى . فى الحكومة : جيز وتيار ... ولم يعد تاريخ بداية العالم متعلقاً بإدارة 
مونسنيور دوقفريسئوس المتنقردة . 


612 


وإذا لم يحتقل جان فرانسوا شامبوليون بهذه الساعات فى جو من الحماس مما 
كان يفعل فى أزمان سابقة » وإذا كان يستمتع بها استمتاع الذى خاض تجارب 
عديدة فلا يجب أن نتصوره متقوقعاً داخل مكتبه فوق سجادته المصنوعة من الصوف 
داخل أبواب مغلقة . بل كان يستقبل كثيرا فى داره بشارع فافار . وعلى الرغم من 
بدانته وثقل حركته فهى لا يزال يساير التحرك العام للمجتمع ففى عشية الآيام المجيدة 
الثلاثة فى 5؟ يوليى 161١‏ سنراه يتحاور مع فرانسوا أراجى والمارشال مارمون الذين 
حضرا إحدى جلسات الاكاديمية . المساعد السايق ليونايارت - وكان قد استدعى 
فجأة لقيادة قوات الماصمة - عبر لمحدثيه عن نفوره من المهمة التى إضطر إلى 
الاضطلاع بها يسبب كون الهدف الواضح منها هو هدف قمعى : 

« .... إنكم لن تعانون من ذلك أنتم بصفتكم مواطنين عاديين - قرنسين عاديين . 
ولكن كما أننى جدير بالمواساة لأنى بصفتى رجلاً عسكرياً قد أجد نفسى مضطراً أن 
أقتل يسبب أعمال امقتها ومن أجل أشخاصن تفننوا منذ زمن طويل فى كيفية إشباعي 
بمشروب الاشمئزان » . ولكن عبثاً لم ينجح كل من شامبوليون وأراجى وكازيمير بيرييه 
فى اقناعه بتقديم استقالته ( ... » . 

« الثلاثة المجيدة » عاشها شامبوليون بطريقة أقل مأساوية من المأرشال المشمئن 
ولكنها تمر بدون أخطار أحدقت به . هذه الأيام التى كان من الطبيعى أن تثير خيال 
أستان جرونويل كانت بالنسبة له مثيرة للقلق فقى هجومها على التويلورى صبيحة ١5‏ 
يوليى إندفعت الكتائب الباريسية داخل متحفه واستولت على عدد غير قليل من القطع 
الصفيرة . منها بالطيع بعض من أجمل المجوهرات . إن من عاين أحداث نهب يمكن 
أن يتصور الصدمة التى لحقت بمعنويات هذا الإتسان القلق بطبعه وهى فى مرحلة وهن 


وهكذا أصبحت « الثلاثة أيام المجيدة » بالنسبة له « الثلاثة المائجة » تماما كما 
بدت لمن إستمروا على ولائهم للبوريون من أصدقاته وهى ما أدى إلى توطيد العلاقة 


613 


لم تحول الصدمة التى أصابته من نظرته لمهمته كمحافظ « للقسم الثانى للاثار » 
وهو الذى أثراه - كما سبق أن رأينا - بقطعتين لامثيل لهما - الجدارية بالنحت البارز 
المأخوذة من مقبرة سيتى الأولى وتايوت زاهر - هذا يخلاف تمثال الملكة كاروساسا 
ووجه رمسيس الأول الذى أخذه من بوهان . بل أنه شرع إيضاً فى تحرير كشف جرد 
جديد المجموعة مستكملاً بذلك المقالة التى حررها فى ۱۸۲۸ . 

غير أن الكونت دوفوريان لم يكن قد تقبل قط إنتصار صاحب الاكتشاف . فعادت 
حرب العصابات بينهما من جديد . وانتهز مدير المتحف فرصة موت جان - فرانسوا 
فالغى ببساطة ويجرة قلم وظيفته ومركزه . ويجدر هنا أن ننشر النص الذى وقع عليه 
فى هذا الصدد رجل البلاط هذا : 

« .... الإدارة العامة للمتحف تدخل دائماً فى إطار الفنون أكثر من كونها جزماً 
من العلوم * فلا داعي اذلك تعيين أحد فى المكان الذى شغر كما أن الجمع بين قسمى 
الأثار فى إدارة واحدة كما كان الحال عام ٠۸١‏ سيعود بالإدارة إلى الهدف 
الأول من إقامتها ويذلك نحصل بهذا الجمع بين القسمين على إلغاء مرتب أحد 

المحافظين .. .(3). 

كان جان - فرانسوا شامبوايون فى تلك المرحلة مهتما بالتشريف الأكاديمى له . 
أكثر من إهتمامه بمسئولياته كعالم فى الشئون المتحفية - وكان لديه إحساس بأنه 
أداها على أكمل وجه ( ومن هو الذى كان يعتبره « محافظاً » لمتحف ؟ ) . 

كان إذن مركزاً إهتمامه « بنشر وتداول التتائج » التى توصل إليها فى حملته . 
ولكن كيف يمكن نش ر المعارف الفريدة والى لا مثيل لها والتى عمقها بالنسبة 
البعض أو اكتشفها بالنسبة للبعض الأخر ‏ بغير اللجوء إلى صحافة غير مأمونة 
الجانب وإلى سبل الاتصال الاكاديمى التى تبقى من الأمور الداخلية شبه السرية ؟ 
كانت علاقاته بالإدارة التعليمية وظلت عاصفة » فهو ظل على حثقه عليها بسبب 
تشككها فيه وبسبب إقالته المتكررة وعموماً بسبب جبن الأغلبية العظمى من زملائه ازاء 
الأوامر التى تصدرها لهم السلطة الموجودة فى الحكم . إذن » أين وكيف يمكن أن يقوم 


« بتدريس مصره » هو ؟ 
* وهى ما يتناقض تماماً مع نصوص لاروشفوكو المذكورة فى الفصل ٠١‏ . 


614 


فرض « الكولاج دو فرانس » نفسه عليه . ألم ينشئ الملك فرانسوا الأول هذه 
الدار العتيقة تحديداً لدراسة ونشر اللغات القديمة وعلى الوجه الخصوص الإغريقية 
والعبرية - اللتين كانتا تثيران مخاوف أهل السوريون ؟ سبق أن رأينا أن جان - 
فرانسوا كانت له خيرة سابقة فى هذا الإطار حيث أنه تابع فيه قبل عشرين عاماً 
دروس دوساسی ولانجالاس وکوسان دودران ( هو الذی كان يطلب منه أحيانا تدريس 
العبرية مكانه ) . عبر الكولاج العواصف التى اجتاحت تلك الفترة الزمنية - متلقيا 
طعنات أقل لهيباً من معظم المؤسسات الأخرى . من هذا المبنى سيتعين عليه نشر 
معارفه . ولكن يجب أن يحصل على مقعد فيه قبل كل شئ . 
الأخير مقتنعاً بذلك فقد ضغط على القصر لكى يعبر لمؤسس علم المصريات على 
إهتمام الحكم الملكى بنجاحاته العلمية : إلا أن حكومة بولينياك لم تكن قد عينت لتأخذ 
فى إعتبارها مميزات رجل يجمع الرأى العام دائماً بينه وبين مرحلة إلى الجاكوبية 
الممقوته ويغول كورسيكا ( نابوليون ) . 
ثم كانت « أيام يوليى » . فلما تاكد أن الرجال الذين وصلوا إلى سدة الحكم 
سيستمعون إليه - وليس فقط بعض النبلاء العظماء غير المصنفين - رجا أصدقائه 
فيكتور كوزان » مفكر الليبراليه المعتدلة وملهم المجلس ال ملكى للتعليم العام » وشارل 
لونرمان زميل رحلته إلى مصر الذى أصبح فى « أروقة الحكم » أن يعضدوا عضويته 
فى الكولاج دى « فرانس وكان يديره دوساسى « الخالد » . تيرز الرسالة التى بعث يها 
إلى لونورمان فى ٠١‏ سبتمبر ۱۸٠١‏ رغبته الشديدة » فى الوصول إلى غرضه : 
« .. حاول فى الحملة التى ستقوم بها على إنجاح موضوعى فى الكولاج دوفرانس. 
ليس لى أمل سوى فى مسي جيزى وإنى لارتعد خوفاً من حكم المحامين . ستفشل 
العملية حتماً لى وصلوا هم إلى دفة الأمور أعرض الأمريمى الوزيد على أنه عمل 
ودعء ؛ أن ذلك يعتبر هلب الأمان بالنسبة للمدرسة المصرية ‏ 
واضح أن عزيزنا جان - فرانسوا لم يعد يثق سوى في المعتدلين وعلى رأسهم 
جيزى » ضد « المحامين » أى اليسار أى مسيى تيار ذاته .. لم يكن لخوفه أئ أساس ' 
فى غياب مسيى جيزى - الذى رحل لفترة - لم يصل رجال القانون إلى السلطة وإنما 
البنك هو الذى اعتلى سدة الحكم ممثلاً فى شخص لافيت . .. وكانت هذه المنلطة هى | 
التى لبت طلبات عالم المصريات . 


615 


فى ۱۲ مارس 1 أمر« لوى - فيليب à‏ ملك الفرنسيين » بنائاً على تقرير 
مرفوع من وزير الداخلية مونتاليفيه - بإنشاء كرسى للآثار فى الكولاج دوفرانس يحتله 
« مسيو شامبوليون الصغير . عضو الانستيتى ( المجمع العلمى ) » . هكذا حظى 
الكونت دومونتاليفيه الذى إستقال فى اليوم التالى - وكان له الفضل فى ريط أسمه - 
فى آخر احظة بالاعتراف العلنى بالمصريات على أنها علم * مستقل , علماً بأن الكلمة 
ذاتها لم تذكر ولم يتحدث النص الرسمى سوى عن « الاركيولوجيا «١»‏ الاثار القديمة » 
إلا أن إسم شامبوليون كان كافياً والتقليد فى الكولاج دو فرانس هى أن التعليم 
لا يرتبط بتسمية المركز بقدر ارتباطه بشخصية من إختير لإحتلال كرسيه . 

باختصار فإن إجتماع الاساتذه الذى تم يوم الاحد ۲۷ مارس ١81١‏ ضم بين 
الاعضاء الثلاثة الجدد ( ومذهم رجل الإقتصاد الاشهر باتيست ساى ) مسيو 
شامبوليون الصغير ؛ وجاء فى الإعلان عن محاضراته فى المرحلة الثانية من العام 
الدراسى ما يلى : 

» تحت عنوان « علم الاثار » سيعرض مسيق شامبوايون الصغير - عضو المجمع 
العلمى ( الإنستيتى ) - مبادئ المنظومات المختلفة للكتابة الخاصة بمصر القديمة - 
وهو فى تطويره لسلسلة قواعد اللغة الممستخدمة فى النصوص الهيروغليفية 
والهيراطيقية سيوضع التماثل بين اللغة القبطية واغة المصريين القدماء . أيام الثلاثاء 
والخميس والسيت . فى الساعة الثامنة صباحاً ... » . 

ألقى جان - فرانسوا شامبوليون محاضرته الافتتاحية فى ٠١‏ مايى . وكان ضمن 
الحضور الكثيف أحد أبناء املك لوى - فيليب والعديد من السفراء . خصصت صحيفة 
لوتان ط۳٠۲ 1٠‏ صفحتين للحدث » ممتدحة « الأستاذ العلامة الذى سيعرض فى 
محاضراته نتائج إكتشافته الرائعة وأعماله ورحلاته » » ونشرت النص الحرفى 
للمحاضرة - التى سيجعل منها فيجاك مقدمة كتاب « القواعد » الذى قام بنشره تحت 
إشرافه بعد ثلاث سئوات . 

سبق أن إستعرنا الكثير من هذا النص الكلاسيكى وعلى وجه الخصوص فى 
الفصول الخاصة بتاريخ الكشف ** . وفيه أعاد صاحب « رساله إلى مسيو داسييه » 





+ کانت بیزا اسبق من باریس فی هذا الصدد بسیع سنوات . بإنشائها كرسى روسيليلنى فى 1854 . 
+ الفصرل :۰۹ ۱۰ ٠١١١١۰‏ . 


616 


سرد المراحل الهامة للكشف . مع شئ من العدل تجاه من سيقوه ( ماعدا كيرشار 
الذنى استهزء به فى تطرف ) وهى يحيى فيه على وجه الخصوص زويجا لأنه أكد على 
أهمية دراسة الاثار وعارض بشدة « الحكم المسبق المنتشر جداً بأن الهيروغليفيات 
كانت تستخدم لأغراض سرية ويختص يها عدد محدود من المؤمنين وهدفها الوحيد هى 
نقل الاسرار المقدسة » . 
لم يحجم الأستاذ الجديد عن إلقاء الضوء على أهمية « المواد الهائلة التى 
جمعها » أثناء إقامته فى وادى النيل والأقضل من ذلك على تأثير مصر فى فنون 
اليونان فى عصورها القديمة - مذكرا - ( وهى ماكان بمثابة « اللحن المميز » له ) - 
أن « شرح المبانى والآثار المصرية سيكشف بوضوح ويؤكد على الأصول المصرية. 
للعلوم والنظريات القاسقية الرئيسية لبلاد الاغريق » ... واختتم محاضرته قائلاً : 
« مثل هذه النتائج الهامة لا يمكنها أن تحظى بكل الثقل واليقين سوى بعد القهم 
الكامل للمخطوطات العديدة المحفورة أ المرسومة على الاثار المصرية . كما أن 
دراسة لغة الكلام يجب أن تسبق دارسة النصوص التى تستخدمها . ولذلك فإن 
عرض مبادئ القواعد المصرية بشكل متعمق وكذلك الرموز الخاصة يها هي التى 
سنبداً بها محاضراتنا » . 
مقال جريدة « لوتان » 5مدمء!' ع.آ : إن « الجلسات القادمة ستخصص للقواعد 
وللعلاقة بين اللغات القبطية والمصرية ( القديمة ) وأن الاستاذ سينتقل يعد ذلك إلى 
التاريخ التطبيقى [ ... ] من خلال الآثار » لم يُلقى جان - فرانسوا سوى محاضرتين 
قبل الإجازة وذلك يومى 7 , ۲١‏ مايى والاخيرة حضرها الكسندر فون هومبولدت . 
وجاء فى لوتان أن آخر هذه المحاضرات « استرجعت المراحل الهامة من التاريخ 
المصرى وأكدت على أهمية الثقافة القبطية . بعد عودته من إقامة مطولة فى مقاطعة 
کارسی حيث ذهب ليسترد عافيته فى خريف 187١‏ تمكن البروفيسور شامبوليون من 
إلقاء ثلاثة محاضرات آخرها لم تستكمل فى شهر ديسمبر 1١87‏ . وكانت هذه هى 
الأخيرة كما سذرى . 


المتحف ء الكولاج ( دى فرانس ) ؟ كانت فى ذهن هذا الرجل المنهك تماماً أمور 
أخرى تشغل باله . أولها مشروعان علميان جوهريان : نشر الأعمال - النصوص 


617 


والرسومات التى عاد بها من مضر وتحرير « قواعد » و« قاموس اللفة المصرية » حتى 
يجعل منهما التجميع البراق والنهائى لإكتشافاته العلمية . الإنتهاء من العمل الثانى 
إستدعى منه مجهوداً فاق فى نهاية الأمر كل قدراته » كما إن العمل الأول تطلب من 
جهة أخرى مجهودات هائلة من الدبلوماسية والتفاهم لأن مبدآ العملية الأصلى هو 
الإزدواجيه الفرنسية التوسكانية ... ومعروف الكم الهائل من المجازفات التى تتضمنها 
مثل هذه المواقف . 

كان إبيوليتى وجايتانى روسيللينى قد وصلا إلى ايقورن فى نهاية شهر توقمير 
5 وذلك قبل أسبوع من مغادرة شامبوليون وشيرويينى مصر متجهين إلى طولون . 
وبقدر ما كانت عودة صاحب الكشف إلى فرنسا شبه سرية ومرهقة بقدر ما كانت 
عودة التوسكانيين عودة المنتتصرين . روسيلينى الذى كان يزور على الدوام تجار 
القاهرة والاسكندرية عاد ومعه 4/ا صندوقا من الآثار الجران دوق ليويواد الذى نظم 
عرضاً لهذا الكنز قبل أن يودعه متدف آثار فلورنسا بهدف إثرائه . 

لم يهدأ لليوبواد الثانى بال بعد ذلك قبل أن يتحقق النشر العلنى لنتائج الحملة 
وكان مجدها يعود له بقدر كبين : ألم يكن هى أول من استجاب لندائات شامبوليون 
وأول من ضمن له المساندة ؟ ومن وضع تحت إمرة روسيللينى القريق العلمى والقفنى 
الممتاز ؟ ومن كان أخيرا ممول مول العملية فى جانبها الأكبر ؟ 

لايمكن تلخيص هذا الجو العام التوسكانى بأفضل مما فعله روسبللبى فى خطاب 

« لا يمكننى أن أصف لك الحماس الذى آثارته فى نفس الجران - دوق الطيب 
مشاهدة ا ملف الذى درسه فى أدق تفاصيله لعدة آيام [ ..] لقد تم تقدير تعبنا والنتائج 
. التى توصلنا إليها بأكثر الاشكال أطراءا لنا . كما أن الجران دوقات طالبننى بأن 
أسرد عليهن جميع الأحداث والقصص التى عرفناها فى رحلتنا » . 

د كل شئ كان جميلاً ورائعاً . حتى احيتى ؛ وصورتك التى جرى تدالوها أمام 
أعين الجميع وكان لها أثر قوى وأخيراً أندهش الجميع أمام عدد كبير جدا من 
الروائع . إن مجهودات شلة [ باريس ] معروفة هنا للكافة وهم ينتظرون أن يكون 
انتصارك أكثر روعة يفضل هذه المعارضات [ ... ]| كان الجران دوق سعيدا للعلاقات 
التى ريطت بيتنا وللنتائج.الكبيرة التى عدنا بها وهى لذلك يرجع لذاته مجد مساعدتنا 
بكل هذه القوة . وهو سوف سيقدم لك ما يثبت لك سعادته وتقديره .. » 


618 


بعد مرور شهرين تغيرت اللهجة , فبعد لفت النظر الذى تقاه ايبولتى روسيللينى 
من الأوساط العليا نقل له الإشاعات التى تتتناقلها فلورنسا :« إنهم فى بارييس 
لا يأبهون بنتائج الحملة | .. | الملك والبلاط لا يوافقون على الدراسات التى تقلل من 
هيبة التوراة .. » a.‏ 

والجران - دوق وقد بدأ يعرب عن قلقه إذاء « المضايقات » التى ريما يتعرض لها 
شامبوليون » أخذ يستعد لكى « يعطى أوامره لنشر » نتائج الحملة وذلك من جانب 
وأحد واستمر أستاذ بيزا فى ضغوط على شاميوليون «يجب إذن أن نهتم 
بالأمر بجدية دون تأخير لأن هذا العمل - مع كتاب القواعد الذى تؤلفه - هو أهم 
أعمالك ... » وهى لذتك يدعو « الجنرال » اتمضية عدة شهور في توسكانيا بعيداً عن 
« بابل » * هذه » والتى لا يعتبر مناخها مواتياً للعمل . 


وإذ تلقى من شامبوليون إجابات تسويفيه بعض الشئ مشيرا يرا إلى أعماله الآخرى 
والأجواء غير المستقرة التى تسود باريس عبر روسيلليى - وكان واقعاً تحت ضغط من 
الجران دوق - عن نفاذ صيره : فعير فى "١‏ سبتيمر عن « شعوره بالمرارة » لأنه 
لاتوجد أى إشارة من باريس تؤيد هذا « التعاون الأدبى مع توسكانيا » وأخذ يذكر بأن 
الحمساسية لديهم مرتفعة بقدر ما هم أصغر حجماً » وإذا كن التوسكان يتركون 
للفرنسيين أغصان الغاز التى تستحقونها فى مجال الحملات العسكرية والثورات 
العظيمة فإنهم يتمتعون « فى الشئون الأدبية »« بشهرة قديمة للغاية » كما أنهم 
يتباهون « بادعائتهم الصغيرة » . هذه ثم أعلم صاحب الكشف أنه « اتخذ القرار 
' بنشر نثائجنا ** »[ على هدة ] فى الوقت الذى كان خطابه الأخير يؤكد له أن 
« المهمة المشتركه » ستتم على أكمل وجه - ويضيف دون مراعاة مشاعر صديقه الاكبر 
سنا «فى الوقت الذى كنتم تقومون بالثورة كنت أعمل أنا مثل الكلب لإعداد 
مهمتئى ... » ثم ينّتهى به القول إلى : « أنه فى إنتظاز معلومات عن طريقة تقسيم المواد 
فيماينينا : مشروع الكتيب الذى سينشر بالفرنسية والإيطالية والذنى سيسمح بالبدأ فى 
عملية الاكتتاب فى الوقت الذى تنهون فيه من كثاب « القواعد ... » 

بإختصار كان السيف موضوعاً على رقبة شامبوليون فى الوقت الذى تزداد فيه 
صحته سواء و يأخذ « كتاب » القواعد وقته كله - ولا كان يعرف الجران - دوق 


» رأينا أن شامبوليون كان يطلق على باريس تارة إسم بابيلون وتارة أخرى بابل . 
*» الضمير هنا عائد على اللجنة التوسكانية , 


619 


وأصدقائه التوسكانين فقد كان متفهما لنفان صبرهم : فهم ليسوا مهددون بالازمات 
السياسية كما أن الحملة مثلت بالنسبة لميزانيتهم عبئاً كبيراً نسبيا بالمقارنة بما قدمته 
باريس ثم أن العاهل الشاب كان شديد الإحتجاج لتحقيق بعض الأمجاد . ولا كانت 
المواقف مختلفة إختلافاً جوهرياً فى الناحيتين ولا كان الرجلان مطلبان بتحقيق لكثير 
وتحركهم أمورا متباينة فمن المتوقع أن يصلا إلى قرارات متبانية . 

ومع ذلك نفى شهر مابو ١‏ 14 وقد احتمها في باريس أعد شاميوليون 
وروسيللنى مشروعاً مشتركاً لكتاب « أثار مصر والثوية » يوزع بينهما مسئوليات 
النشر على النحو التالى : « سيتناول شامبوليون الآثار التاريخية بمعنى الكلمة ما 
يتطق بالالهة والمواضيع الخاصة بالفلك والنجوم . روسيلينى سيهتم بالفنون والحرف 
والحباة اليومية والاحتفالات الدينية والجنائزيه « ٠‏ ويعتير هذا التقسم جائراً لأنه يضع 
على كاهل روسيالينى مسئوليات كبرى ولكنه يعبر عن إرادة فى إستغلال مساو 
للمواد العلمية * , 

إلا أن هذا العمل المشترك لم يكتب له أن يرى النور . لأن شامبوايون وقد شغلته 
أمورأخرى أجل مشاركته فيه لدرجة أن الجران - دون فقد صيره معتبراً أنه مالك 
للمواى التى جمعها التوسكانيون ودفع روسييلينى إلى الإسراع فى عملية النشر التى 
تمت بعد وفاة شامبوليون والنسخة الأولية الملزمة الأولى من طبعة فلورنسا ظهرت يوم 
وفاة صاحب الكشف فى بداية مارس ۱۸۳۲ , 

ومنذ ذلك اليوم أصبح الموضوع من وجهة النظر الفرنسية فى أيدى جاك - 
جوزيف شامبوليون - فيجاك وهى الذى لم يخف قط تحفظاته ثحو التلميذ المفضل 
(روسيليينى ) ولا على fase‏ هذا التعاون الدولى ذاته . 

والذى كان فى الأصل تباينا حول وتيرة العمل تفاقم ليصبعح إختلافاً فى المبادئ . 

من - التلميذ أم الاج - كان الأجدر يتنفيذ العمل حتى يبلغ غايته ؟ إختلاف حول 
جنسية العمل أيضاً فلم ينتهى الأمر إلى تحقيق « أول عمل علمى دولى فى التاريخ 
که 5 ) وه ما كان يحلم بتحقبقه الرفاق الاعزاء على مثن المركب « إيزيس » - ولكن 

تم إلى نشر عملين متوازيين - وهما فى الواقع متشابهين جدا ( أكثر من نصف 

الرسومات المنشورة فى النسخة الفرنسية كانت بيد فنانين توسكانيين ) ومتكاملين . 


× نشر الكتيب باللغتين وبتوقيع المؤافين فى باريس لدى فيرمان - ديدى - فى سبتمبر 141١‏ . وتم توقيع 
عقد دقيق الغاية من الرجلين فى نفس الفترة . 


620 


فى المقدمة التى صدر بها الشقيق الأكبر كتاب « القواعد » وهو الذى عنى بنشره 
فی عام 01 وآهداه لسیافاستر دوساسی > كتب جاك - جوزیف شامہولیون - 
فيجاك يؤكد « على أهمية معرفة تاريخ تأليف هذا الكتاب لكى نتاكد - واثقين ن تماما - 
من الأشمية العلمية التى يتحلى بها هذا الكتاب المرجع .. نظراً التطور المستمر الذى 
طرا على نظريات مؤافه ونظراً لتنقيحه لها بناءً على مشاهداته على الطبيعة 
وملاحظاتةٍ الجديدة Co‏ 

وبناءاً على ذلك يؤكد هذا الأخ المجد أن قواعد اللغة المصرية هو «أخر أعمال « 
جان - فرانسوا ( وهذا يعنى فى رأى صاحب المقدمة أنه أكثر أعمال أخيه كمالا من 
وجهة النظر العلمية ) وأنه قام بتحرير النسخة الأولى » المحررة لثانى مره » » فور 
عودته من مصر . كما أنه يوضح أن المؤلف أضاف إلى مخطوطه أمثلة عديدة مأخوذة 
من الآثار التى قام بدراستها خاال هذه الرحلة وأنه إن أمضى خريف عام 187١‏ فى 
فيجاك فقد كتب هناك ل ؟؟؟ صفحة التى تشكل النسخة الثانية كما أنه كرس أبتداء 
مئ شهر ديسمبر من نفس العام الأوقات القصيرة من الراحة التى سمح له يها 
مرضه - هذه الهدنه القصيرة جداً والمضللة للغاية - لمراجعة النص ولترتيبه » . 

إن كتاب « القواعد » هى إذن وبالفعل - حسبما يقول فيجاك - ليس فقط 
العمل « المفضل » ولكنه الوصية العلمية لجان - فرانسوا شامبوليون وهى بنفسه الذى 
قال عنه ذلك . كما أنه قمة فى تكنيكية النشر« أول ثمار التحالف - فى فرنسا - بين 
التيبوجرافيا والليتوجراقيا » . هذا أيضاً ماكتيه صاحب مقدمة الكثاب * . وهو فى 
النهاية عمل فنى . وقد أناط فيجاك بمهمة نسخ الصور التى لم يتمكن صاحب الكتاب 
من الإنتهاء منها إلى بد سالفادور شيروبينى الأمينة والواعية والمحنكة . 

فلنحاول أن نتخيل ما تمثله الكتابة لهذا الرجل وهى فريسة لألام متعددة الاشكال 
وعليه الإضطلاع alors‏ كمحافظ لمتحف وعليه La‏ تيادل للرسائل الحادة اللهجة مع 
توسكانيا وإعداد محاضرات فى الكولاج دو فرانس وإجرا ء المناقشات التى أثارها 
مشروع نقل مسلة الأقصر والطلبات التى لاتنتهى من فيروساك وفوريان وأخيه أومن 
مراسليه العديدين عبر أورويا وتشكيل هذه المجموعات الفكرية والمرئية il‏ هى إحياء 
لعالم مدفون وتوضيح لفكر دام آلاف السنين . يقال أن أحداً لا يموت من العمل ؟ ولكن 


on 


621 


إن وجد إستثناء لهذه القاعدة فالغالب أن البحث عنه يجب أن يكون فى إتجاه 
شامبوليون . | 

من الصعب جداً معرفة مقدار ما إختزله الجى السياسى والاجتماعى المضطرب 
من حياة جان - فرانسوا » وهو الغليان الذى جعل من الأيام الأولى للكية يوليو - 
إبتداءاً من محاكمات وزراء شارل العاشر إلى جنازة جنرال لامارك التى سادها 
الاضطراب - ثورة بعد الثورة . بدت كما ل أنها لا تستهدف إلا أن تكون مقدمة لثورة 
جديدة . لقد فاجئنا عدة مرات بأنه طواق للسلام الاجتماعى والنظام ومندد بجميع 
أشكال الإثارة . ومع ذلك فإننا نجد أيضاً فى بعض خطاباته المحررة فى ذلك الوقت 
يعض الأفكار الجديرة بالصديق القديم للكاريوناريين ¢ وبأحد المعجيين يالآب جريجوار 
ورفیق رای . وقد تحدث حينذاك عن « ربيع الحرية »كما آنه مهما بلغ تأثره بالقلاقل 
الياريسيه قهى ينظر بعين متعاطفة مع ردود الفعل التى تثيرها هده الأحداث عبر 
أورويا داخل الامارات الصغيرة . 

أما فيما يتعلق بفرنسا فهو بالقلب والفكر مع « بلدياته » كازيمر بيربيه ٠‏ 
الليبرالى التسلط ٠‏ والبورجوازى الكبير الذى يريد كل شي للشعب ولاشئ بواسطة 
حكومة لافيت EUX‏ كانت معاركه فى . وهل كان أى من الرجال العظام الذين 
واكبوا فترة مراهقته الثورية سيسلك سلوكاً مختلقاً ؟ 


أصبحت رؤيته للعالم وفهمه للتاريخ .. كما يتضح ذلك من رسائله إلى زلير - 
متشائمة للغاية حتى أنها لم تسمع له بغير مرارة اليقين بأن الشعوي ترغب أن تكون 
اليد التى د تقودها حازمة فى غير وهن . إلا أن ذلك لم يمنعه من أن يتخيل فى شى 
السذاجة أن توثيق العلاقات بين فرنسا ومصر التى ستتر تب على إقامة أثار فرمونية 
وسط باريس ستفتح أفاقاً لتحرير شعب وادى النيل . 

كان صاحب الاكتشاف فى ذلك الوقت مفتوناً تماماً بمصر وتحت هيمنتها حيث 
أن الأشهر التى امضاها فى ربوعها كانت هى الحاسمة فى حياته . من وجهة النظر 
الشاملة نتج عن هذه الرحلة درس مزبوج ومتناقض فى أن واحد . أوضلع مصر 
الحديثه أيقذت داخلة الاحتجاج الاجتماعى إذ أدرك أن كل البؤس فى ظل كل هذا 
الظلم شئ ,لا يحتمل . إن الإنسان الجدير بهذا الاسم يجب عليه أن ينهض فى مواجهة 
هذا الضيم ومهما كان هذا الاستبداد عريقاً فهى يتطلب الثورة عليه . وكان الواجب 


622 


الذى فرض نفسه على الضيف هو أن يختزل الفضيحة وأن يعمل ما فى وسعه لكى لا 
تفتح الانتفاضة الحتمية الطريق أمام أحداث مفرطة فى دمويتها . 

ولكن كيف لا يتأثر صاحب الكشف بتأملاته وهى يعيش فى أعماق المقابر ويتحاور 
مع « الاجداد » ؟ إن ما شاهده من أحوال الفلاحين المصريين كان يدفعه إلى الثورة 
فى حين أن تعامله مع أمون - رع ومع سيزوستريس وموريس ومع أمنحوتب وسمنوت 
كان يطالبه بإحترام مبادئ الاستقرار , 

لقد أيقن منذ ذلك الحين أن التاريخ بالنسبة للمصريين فى العصور الكلاسيكية 
القديمة كان « رسالة تكررها مصر لمصر » وأن « المصريين القدما ء كانوا لا يعرفون 
ماهية مجازفات التاريخ أى فى كلمات آخرى أنهم كانوا يقيّمون التاريخ على أساس أنه 
IS‏ لذات tell‏ المتواصلة وهى المجازفة al‏ تولدت من عملية الخلق ذاتها والتى 
37 نيم 0 ne‏ فى A po‏ ,6 

التاريخ كان يراه يومياً - طبقاً لا جاء - فى رسالة إلى أنجيليكا - فى هيكة 
إمرأة فى ثورة عارمة فى غير سيطرة » حاملة شعلة من نار وتعبر بها Le‏ من الدماء . 
إكتشف وهو على ضفاف النيل أن هذا النهر أنه مدرسة فى الا ستقرار والهدوء 
الاسيويين الفاصبين لتواصلوا بها لأكثر ه من ثلاثين قرا أخرى a.‏ عاد المسافر 
الوقت ذاته مقتنعاً تماماً بحتمية مشبع احترام الاستمرارية . 

حجان - فرانسوا شامبوليون مثله فى ذلك مثل جاره فى مقاطعة الدوفينيه هذرى Ù‏ 
بال ( ستندال ) لا يابه كثيراً بالرجال واکنه يكره المستبدين بأكثر من ذلك . إثه من 
الديموقراطيين التسامين الذين يضحون ae‏ من ن أجل ل الصريات التى إذا 
قدم التحية da UN a De‏ 
لمؤيدين للشرعية ( الملكية ) - لمركة عام Mr.‏ . وهو أيضاً الذى اجتاحه القلق من 
السطح « الدستوريون » والسيطرة ETC PU‏ 


623 


لم يكن لدى هذا الجمهورى العريق - كما رأينا - ما يعاتب به الملوك . خارج 
حدود قرنسا ؛ فى تورينى : كارى - فيليتشى كان الوحيد الذى يخشاه كثيرا . ولكن من 
الجران - دوق عاهل فلورنسا إلى ملك نابولى والبابا فى الفاتيكان والشركاء فى الحلف 
المقدس عاملوا « رويسيير » حرونويل بأقضل ما تكون المعاملة - هذا بخلاف نائبي 
الملك المصرى .. 

أما فى باريس فقد كانت شخصيته تعكس صورة قديمة للجاكوبى الثورى يصعب 
التخلص من أثارها .وظلت مجموعة من رجال الشرطة الحقودين والمحافظين الكائدين 
والمستشرقين الفاضبين تؤكد عليها بعناية فائقة , ولكن تعاطف بلاكاس معه ومن بعده 
دودوفيل ولاروشفوكى ويدرجة أقل لابويورى » نجح فى فتح جميع الأبواب أمامه - ولكن 
خلف كل باب كان يقبع له مخبر شرطة , 

رأينا كيف أن اويس الثامن عشر إستقبله بعد إصرار من بلاكاس . ولم يعامله 
شارل العاشر بأقل من ذلك ومنحه فى نهاية الأمر الوظائف الرسمية التى أرتبط بها 
أسم الكونت دارتوا السابق ذاته وكانت تلك المعاملة التى حظى بها صاحب « النخب 
إلى الجمهورية » عام \A\o‏ ومقتحم باستيل جرونويل عام ١‏ »> بعد ذلك كله معاملة 
لم يكن يحلم بها .. ثم ما الذي كان لا يمكن أن يحصل عليه من علاقاته مع الدوق - 
دورليان الذى كان قد أعلن بوضوح « اعجايه » بالرسالة إلى « مسيق داسيية » قَيل 
أن يصبح الملك - المواطن ؟ | 

لعله علق أمالا كثيرة على ذلك . لقد حاز بالفعل من السلطات الجديدة على تعيينه 
فى الكولاج دو فرانس وهو مالم ينجح بلاكاس فى إنتزاعه من شارل العاشر . ويالفعل 
أتيحت له إمكانية الوصول إلى الملك يفضل توسط مسيى قاتى -- أمين مكتبته . وكان 
على علاقة به منذ فترة طويلة . كما أنه أقام علاقات ودية مع البلاط الملكي ورأى 
السحب القديمة تتبدد ويختفى التأثير السئ للمثقفين المتدنيين الذين كانت لهم يد فى 
الانستيتو وأخرى فى التويلورى ( القصر ال لك ) وكانوا يطاردونه منذ سنين عديدة . إلا 
أن بعض الظروف » بالإضافة إلى الشخصية الحادة لعالم المصريات » منعت إقامة 
علاقة بينه وبين العاهل الليبرالى شبيهة بتلك التى كانت تعقد فى قرن التنوير بين 
السلطة والمعرفة ولنا فيها العديد من الأمظة الرائعة . 

إصطدمت إرادتا الملك وعالم اللغويات مرتين على الأقل فى عام 141١‏ عندما دار 
الحديث حول الإهداء والتحية الخاصة ينشر أعمال الحملة العلمية الفرنسية - 


024 


التوسكانية فقد أوضح جان فرانسوا للبلاط دون أى مرارة أنه إذا كانت النسختان 
الأولى والثانية مهداتين إلى ملك الفرنسيين والجران - دوق ليويولد فإن الثالثة ستهدى 
رسميا إلى الدوق دويلاكاس - الذى لحق بشارل العاشر فى منفاه . ثم عندما دخل 
مشروع نقل مسلات الأقصر إلى باريس فى مرحلته التنفيذية « تناقضت أراء جان - 
فرانسوا مع لويس - فيليب حول أفضل الأماكن التى ستقام ( أى تقامان ) فيها * . 

وهكذا نجد بغرابة شديدة أن شقيق لويس السادس عشر قد خص منيوذ 
جرونويل بمعاملة طيبة فى حين أن أبن قيليب - المساواة لم يعقد التحالف الذى كانت 
تفرضه ولى نظرياً تماثل أفكارهما التاريخية والثقافية . 


فى نهاية أغسطس ۱۸۳۱ غادر جان - فرانسوا شامبوليون باريس إلى فيجاك . 
هل كان هرويا أم إختيارا منه لعزلة للعمل ؟ لم يفتر قط إزدرائه « لعاصمة فرنسا 
القذرة » . إذا كان هذا التعبير قد كتب فى عصر نابوليون فهى يمكن أن ينطبق أيضا 
على عصر آل الفرع الصغير من البوربون .. صحيح أنه كان يستقبل بترحاب حتى فى 
أعلى دوائر الدولة والاوساط الثقافية . فقد كان فى نفس الوقت صديقا لرئيس الوزراء 
) بيربية ( والأمين العام الدائم للأكاديمية داسييه ) 9 مفتش التعليم العام 
(كوزان) وأشهر العلماء ( أراجى » كوفييه » بيو ( وهو ما أحاط بالشخصية العامة 
التى أصبح يتميز يها جواً صحياً أكثر نقاًا من ذلك الذى عاش فيه عندما كان هدفاً 
لأحقاد أمثال كوربييار ودواسان . 

ولكن ماذا نقول عن حياته الخاصة ؟ كان جان فرانسوا يشعر بسعادة جمة مع 
أبنته التى قاريت الثامنة من العمر وكشفت عن مواهب جيدة عديدة . وهى إذا كان 
نادماً جداً على افتراقه عن أسرة أخية ولى أن قريه منها قد قلل من حدة الندم ٠‏ فذلك 
لأن بقائه وحيداً مع روزين يضايقه كانت فى الواقع علاقات التفاهم والثقة مع زويه 
زوجة أخيه أوثق من تلك التى . كانت مع زوجته . كما أنه لاحظ أن العلاقات بين 
جاك - جوزيف وروزين ؛ وهى أصلا لم تكن جيدة ٠‏ أزدادت مراراة ولعله ركب العرية 
التى حملته لتولوز وفيجاك فى ذلك الصيف لكى يهرب أيضاً من هذا المناخ . 


625 


وهى يبتعد أيضا من الهموم والمضايقات التى تأتيه من متحف شارل العاشر ومن 
فلورنسا وأيضماً من مجلة النشرة الدولية ا0858أ0لا ١‏ ااانا © ا الذى يصدره مسيو 
دوفيروساك . بل أنه يبتعد أيضا من المشاكل التى يواجها صديقة كازيمير بيرييه 
بسبب القلاقل والتهديدات الخارجية وقد كان هو الأخر منهك القوى وفاقداً للممبر . 
كان شامبوليون لا يفكر سوى فى كتاب « القواهد » وكان قد قرى أن يستثمر فيه كل ما 
المقابل تبقى له من قوى . أما فى باريس فلا يمكن أن يقاوم كل المطالبات التى تلاحقه 
فى فسيكون الدفاع عنه فى كارسى أفضل وسيبقى مركزا على كتابه الذى هى بمثابة 
وصيته العلمية . 

كما يدخل فى الحساب أيضاً الأمل فى إنقان ما تبقى له من صحة فى هواء 
مقاطعة اللوت الطلق .. لى كان أصلاً هناك ما يمكن إنقاذه .. الرسائل التى كتبها من 
فيجاك تعمل على طماأته المقربين منه وتمجد من آثار الجى فى الجنوب .. غير أن ركتيه 
كانتا مصابتين لدرجة متقدمة وأزمات السعال مؤلة وحنجرته ملتهبة وكبده مرهقاً 
وأزمات النقرس عنيفه لدرجة أن الشهور الثلاثة التى أمضاها فى كارسى من نهاية 
أغسطس حتى نهاية نوفمير لم تأتى له سوى بمسكنات واهية . هل كان يمكن لاختياره 
حل الانسحاب إلى مسقط رأسه أن ينقذ حياته ؟ لقد توسل أطباؤه أن يفعل ولكنه لم 
يكن يؤمن بإمكانية تنفيذ ذلك . خلال تلك الرحلة السعيدة القصيرة كان للعواطف دور 
أيضاً . لايوجد ما يسمح بالإعتقاد بأنه قام بتلك الرحلة لكى يرى للمرة الأخيرة مادام 
أديل » هذه« الشخصية العزيزة جداً عليه » الذى أصر على رؤيتها عند عودته من 
مصر مكلفاً نفسه عناء سفر مطول . لا يوجد أي أثر فى مراسلاته هذه المرة لهذا 
النوع من الإهتمام ولكن توجد إشارات عاطفية متبادلة مع أختيه اللتين تقومان على 
شئون مكتبة ميدان الهال . إلا أنه من الواضح أن لقائه من جديد مع سيدة فيجاك كان 
له وزنه الهام عند إتخاذه لقرار إنسحابه هذا إلى موطن رأسه . فى المنزل الواسع 
الكائن يما سمى الآن بشارع شامبوليون . أخذ يعمل كالمجنون . نعم كان يسعل من 


626 


وقت اآخر إلا أن اختيه كانتا حوله تدخلان السكينة إلى قلبه وخاصة أخته مارى . كما 
كانت تفعل الصداقات التى أحاطت « برجلهم العظيم » .. حتى أنه بدأ يستدرج إلى 
الحياة الإجتماعية التى عرفها هنا عام 1۸١۷‏ .. كان يود مد فترة إقامته . غير أن ۰ 
رسائل جاك - جوزيف زادت من إلحاحها عليه : فهى لا تتحدث سوى عن مؤامرأت 
OU à‏ وعن النوسكانين تافذى الصبر وعلارة على ذلك عن ه نشرة فير 
وساك » التى تتدهور . .. وأخيراً أ مداضراته فى الكولاج دوفراتس التى يجب أن تبدأ من : 
حديد قى أول دسعير . لم يكن أمامه مفر... 

وأفضى إلى صديقه البارون شودروك دی کرازان الثقف الكارسيني الذى شارك 
وأخوه فى حفريات أوكسا لدوم عام ۷ فى إحدى السهرات : « إن ا موت يتريص 
بى قى بايل » . فى 18 توفمبر ركب عرية البريد التى أوصلته إلى هناك بعد 
أريعة أيام . . 


627 


18 - وفيما بعد ذلك بكثير. حتى طيبه .... 


د ولا ثقل إضافى من أثقال الأرض "0 » مستمع فى الكولاج ٠.‏ اليروفسير لر الذى 
سقط - « يا إلهى + علمان أحزان .. توجد فى الداخل أشياء كثيرة ! » - وفاة لأسباب 
عديدة - آخر سهام مسيو دوساسى - وداع روسيللينى , وويلكسون وشاتويريان . ها 
عاقل من غقلاء الاميراطورية الجديدة ..» .. 


» ظهر إله مثل النور . سيعيش .. « 
كتاب الموتى 


بابل ؟ بابيلونيا ؟ أم هدف لجراح مصر ؟ وياء الكوليرا الذى جاء من الشرق عبر 
وادى نهر الرون سينقض على باريس . وسيصل عدد ضحاياه فى ثلاثة شهور * إلى 
عشرين ألف شخص منهم ( رئيس الوزراء ) كازيمير بيرييه . صحيح أن أحداً من 
الذين بحثوا فى أسباب وفاة مؤسس علم المصريات لم يذكر هذا الوياء ** » إلا أن 
هذه الكارثة التوراتية تلقى على أخر أيامه بضوء يمكن أن نسميه أركيولوجى . إقامته 
فى كارسى أعادت إليه شيئًا من صحته كما أن تنقيح كتاب« القواعد » قد أضفى عليه 
نوعاً من الإحساس بالسعادة والنشوة خدعت عدداً كبيراً من المقريين له أمثال دويوا 


ولونورمان ونستورة لوث ( الذى تقرب جدا من م الجنرال » بعد عدة مضايقات راجعة 


: أعراضه يسهل التعرف عليها‎ dk 


629 


إلى شخصيته المتقلبة المذاج ) وعلى وجه الخصوص سالفادور شيروبينى الذى أضحى 
مع جاك - جوزيف أقرب الأصدقاء وأثمنهم - فى حين أن شخصا يدعى سالطونينى 
نجح فى التقرب من صاحب الكشف وكان يعان أنه من أقرب تلاميذه المتحمسين , أخذ 
يسرق بعض الأوراق الخاصة بالعلاقة بين الحروف الهيروغليفية والهراطيقيه وقام 
بنشرها على أنها من تاليفه - ولم يكشف عنها النقاب سوى بعد وفاته . 

إلا أن الذين لم يروه قبل فترة طويلة صدموا للا طراً على سماث وجهه من تغيير 
فى هيئته وقوامة من بدانة * وعلى صوته من حشرجة بين أزمتين من السعال الحاد » 
ومن قصر أنفاسه . وهكذا فإن الكونت فونشال سقير البرتغال فى روما الذى كان قد 
استقبله بترحاب یتسم بالود قبل ذلك بأريع سنوات وإذ كان يعتقد أن بإمكانه أن يطلب 
منه الإهتمام بنشر كل المخطوطات المنحوته على المسلات الرومانية » عدل تماماً عن 
تقديم عرضه وأفضى إلى اونورمان : 

« .. رأيت شخصا يسرع الخطى ناحية أبواب الأبدية ولا يمكن أن نرهقه بأحمال 
دنيوية إضافية .. » (!) , 

واكن كانت عليه التزامات تجاه مستمعى محاضراته فى الكولاج 
دوفرانس وقد خصص لهم وإكتاب « القواعد » أخر ما تبقى له مسن طاقة . وكان قد 
عاود إلقاء محاضراته بعد وصول ه إلى باريس بيومين قى ه 


ديسمير . وقد حفسر جمهور كبير كما حدث فى الرييع » وكان 


× إشتكت روزين فى إحدى رسائلها لسلفتها من سهنة - م صقير » ٠‏ 


630 


على نفس الدرجة من الحماس والانتباه وقد شدته هذه الطلاقة فى الحديث فهى التى 
يمكنها أن تستدرج إليه الحضور عندما يكون الإلهام حاضرا .. وقد ردد الشهود 
وخاصة لونورمان على الجوانب المؤثرة والتنبؤية لهذه المحاضرات . 

ترك لنا أحدهم- وهى شارل لاميار-- وهى من الخريجيين الشباب لكلية الهندسة 
(بوليتكنيك) والذى أصبح من السان-سيمونيين ورحل إلى مصر مثل العديدين منهم 
ودخل فى خدمة محمد على كمهندس أشغال عامة - بعض المذكرات!© التى دونها 
خلال إثنين من محاضراته الثلاثة الأخيرة. هل كانت تعكس بدقة تعاليم صاحب 
الكشف ؟ سنجد فى ذلك مادة للتأمل حول عملية نقل المعرفة , إن قرائة هذا النقل غير 
الدقيق لآخر محاضرات هذا الرجل العظيم » على الرغم من أنها بقلم رجل حسن 
النيةء تدعو لذلك: | | 

بدأ مسیو شامبوليون محاضرته بشرح الحروف الهيروغلوفية وعددهم 
٠,٠‏ حرفا » يوجد نوعان من الخطوط الهيروغلوفية الديموطيقية والإيراطيقية 
(كذا) الإيراطيقية خاصة بالمعابد , الديموطيقية بالكتابة اليومية العادية, الكتابة 
الإيراطيقية منحوتة ١‏ - بارزة ۲ - سلیویت ۲ - بارزة داخل حفر ؛ -- على قطع 
مطلية بالمينا أى المزايكى أى مرسومة " 

' الكتابة الهيروغلوفية الخطية على الرغم من كونها مختصرة عن الكتابة 
الهيروغلوفية الملونة كانت تتطلب وقتاً طويلاً فى التنفيذ ولذلك عملوا على اختصارها 
وهكذا أنشأوا كتابة جديدة أيسر وأسهل سميت إيراطيقية لأن الذى كان يستخدمها 
هم الطبقة الكهنوتية ...... " 


“لم يتمكن شامبوايون من إنهاء محاضرته فى ١١‏ ديسمبر فقى ذلك اليوم - كما 
جاء فى مذكرات الدكتور هويار - فرانسوا جان (الذى سبق أن ذكرنا علاقته الوثيقة 
بعالم البصريات ) أحس " بعض أعراض الصرع ' أصبحت حركاته ' صعية ' ولسانه 
أخذ يتلعثم إلا أن "الإفرازات الدموية * وضعت حداً فورياً لهذا الحادث. "لم يعد 
أستان الأثار بعد ذلك أبداً إلى الكولاج ". فى س ربدها الجميل للاسابيع 
الأخيرة من حياة جان فرانسوا شامبوليون ذكرت مدام هارتلويان فى ١١‏ 
دي سمبر وهو يوم عيد ميلاده الواحد والأربعين:أراد المريض أن ينقل إلى مكتبه الذى 


+ لم يكتشف الدكتور جامنان إن كانت هذه الانبعاثات السوية نلقائية أم لا . 


631 


كان يقع فى شارع مازارين والذى اندفع خارجاً منه إلى مكتبة الانستيتو فى ١4‏ 
سبتمبر 1875 ظهراً ليعلن لأخيه أنه نجع فى الوصول إلى حل الموضوع .. " إن 
علمى ولد هناك وأنا وهى نكون وحدة لا تنقصم: إننا شئ واحد" إنه موقف " فكرى 
مصرى خالص لرجل يحتضر ينصهر فيه شامبوليون مع علمه فينصهر داخله الفكر 
والمكان الزمان والرسالة . كما أنه سلوك نموذجى للمحتضر - ومع ذلك فإن 
صاحب الكشف إنتقل!ونفسه مرة جديدة لزيارة عزيزة داسييه (" أبى الحقيقى ) الذى 
كان قد بلغ التسعين ولم يكن يغادر سريره قط كانت حواراته الأخيرة تتم فى غرفته 
شارع فاقار . 

فی ٤‏ يناير كتب له إبيوليتى روسيللبى معرياً عن أسفه "للوعكة" التى قالت له مدام 
شيروبينى أنها ألمت يه وأضاف التلميذ التوسكانى أن أسفه كان سيصبعح كبيراً las‏ 
لولا أنه علم بعذ ذلك أن "الهزة' كانت 'بسيطة" ولم يترتب عليها "أى أثر سئ ' وإن 
الأمراض التى تكتفى بالإنذار تحل محل المستشار الجيد الذى يوجهنا إلى 
الاحتياجات التى يجب إتخاذها " . فلسفة حكيمة يخلص منها الودود إيبوايتو بأن يحث 
صديقه على وضع العمل جانباً لبعض الوقت " . 

ومع ذلك فهذا الراعى الصالح لا ينسى أن يعود إلى ذكر الموضوع الذى يخصه 
«بالنسبة لما تبقى انا تأديته فإن العمل ممكن أن يسير دون أن يؤثر ذلك بأى شكل من 
الاشكال على الاحطياتات اللازمة لك . إنه لا يتطلب منك عملاً آخر سوى أن تلقى نظرة 
عايرة على الأشياء التى سأرسلها لك» . ثم أعلن له روسيللينى أنه ينوى أن ينشر فى 
القريب العاجل "النصوص الخاصة ' " بالأوضاع المدنية " الذى كلف به طيقاً لتوزيع 
المهام الذى قاما بتحديده سويا قبل بضعة شهور ؛ ويعد أن كرر دعوته له لكى يستعيد 
صحته فى توسكانا » أكد رفيق الرحلة إلى مصر إلى جان - قرانسوا « كل الود الذى 
لن يتغير أبداً » . 

جملة كان لها ما يبررها : فإن الشد والجذب الذى حدث بسبب تباين مواقفهما 
من علاقات غير متساوية مع سلطات هى أيضاً غير متكافئة وكذلك بسبب إختلاف 
السن والمستوى العلمى وحتى بسبب إختلاف الأمزجة بينهما, « فهى إذا كانت قد 
نجحت فى تعطيل النشر المزدوج والذى كانا يحلمان بتحقيقه سوياً والذى نظماه بذكاء, 
فهى لم تنجح فى فصم علاقه صداقة مؤثرة ومثمرة ستؤكدها للأسف الشديد يعد وقت 
قصير كلمة الوداع الرائع الذى خص به التوسكانى صديقه الفرنسى . يجب أن نذكر 
ونكرر إلى ماشاء الله أن على الرغم من كل الإفترائات التى ذكرت (ولم يكن جاك 


632 


-جوزيف غريباً عنها فى كثير من الأحيان) فإن الصداقة والتعاون والتكامل بين جان 
-فرانسوا شاميوليون وإيبوليتوروسيللينى كانت نورا فى حياة كلها أنوار وبقيت مثلا 
يحتذى به فى الأوساط العلمية . 


فى ؟١‏ يثاير ۱۸۲۲ |ستقبل جان-فرانسوا يبو الذى جاء لزيارته وكان قد أشاد 
فى اليوم السابق بما قدمه علم المصريين القدماء إلى علم الفلك الحديث. وكان المريض 
قد حارب كثيراً فى هذا المجال أفكار ليترون (وكان يقول 'هؤلاء القوم لا يعرفون سوى 
قراءة الطالع في النجوم) كما أنه فاضل كثيراً فى موضوع الزودياك (لوحة الأبراج 
at‏ الأخوذة من dans‏ دندره) وقد رفعت هذه الزيارة من حالته المعنوية : الجسدية 
بل عالم الفلك مبتهجاً إذ كانت تريطه به وشائج كثيرة توة ثقت خلال كثير من 
الجدل لم يكوتا خلاله من نفس الجانب فى كثير من الأحيان . 
وفجأة ترنح ثم وقع أرضاً وهى يصرخ من الألم »تم استدعاء إثنين من الأطباء 
الإستشاريين الدكاترة بروسبه وكروغفاليار اللذين وجدا شامبولیون مشلولاً ويكاد لا 
يقوى على التعبير عن نفسه وهو مع ذلك يصدر بعض الأنات كثيراً ما وصفت بأنها 
صرخات الإحتضار وهى التى إضفت على أزمة ۲ يثاير هذه التى ردد أخوه وصفها 
كثيراً - يعدا ماساوياً : "يا ألهى عامين آخرين . ولما لا ! لين " ثم أخذ يضرب رأسه 
dis‏ "لازال الوقت ميكراً ٠‏ فما أكثر ما هو موجود هنا بالداخل ' . 
سيتمكن من العمل ليضعة ساعات أخرى فى تنقيح كتاب "القواعد" مع جاك - 
جوزيف الذى كتب فى المقدمة التى وضعها بعد ذلك بعامين فى صدر هذا المؤلف - 
الوصية إن جان-فرانسوا وهو يسلمه المخطوط قال له "إحتضنه جيداً إذ أن أملى هو 
أن يكون بطاقتى إلى الأجيال القادمة “كما تمكن المريض أيضاً من أن يستعلم عن 
مراحل الحملة الثالثة إلى مصر ؛ تلك التى سمحت بنقل مسلة الأقصر إلى فرنسا 
والتى جائته فكرة إقامتها فى أحد المواقع الباريسية وهى الذى أقنع محمد على 
بإهدائها لفرنسا * وكان هذا الموضوع يلح عليه وسط هذه الألام وخلال هبوطه الطويل 
نحو "الأماكن السفلى' - بمثاية قبس من الزهو القلق : إلى أين وصل المركب "الأقصر" 
الذى كان يقوده صديقه فارنيناك دوسان مور والذى كلف بنقل أكثر الغنائم قيمة 
وعظمة إلى فرنسا ؟ 


633 


إيتداء من أول فبراير دخل مرحلة الهلوسة التى لا عودة منها . هل تعرف حتى 
على كازمير بيربيه رئيس الوزراء الذى جاء لزيارته وهو يعرف أنها المرّة الأخيرة التى 
يراه فيها والتى لم يعش هو نفسه بعدها سوى شهرين فقط إذا صرعه مرض الكوليرا 
فى بداية شهر مايو . يبدى أن المحتضر لم يترك وصية : إنما طلب شفويا من أخيه أن 
يدفن فى مقابر الأب لاشاز بالقرب من فورييه " 

فى مساء '! مارس حصل على المباركة الدينية النهائية وعلمنا من مراسلاته مع 
أنجليكيا أن هذا المناهض الشرس للكهنوت قد أكتشف أنه مؤمن ... أراد أن يرى مرة 
أخرى الأشياء التى أحضرها معه من مصر - جلبيته وقفطانه* الأسود وطربوشه 
وشبشبه الذى أحضره من الجرنة. وسمع بعض أقربائه أنينا طويلاً اعتقد البعض 
منهم أنه قال ' إذن فهيا إلى أبعد من ذلك إلى مصر حتى طيبة .. " أبنته زوراييد التى 
كانت قد بلغت لتوها عامها الثامن وكانت قد ولدث على نفس هذا السرير » هل شعر 
بوجودها ؟ 

جان - فرانسوا شامبوليون يواجه الموت ....' إذن فإلى أبعد من ذلك حتى طيبة 
.. " إن ما بقى له من وعى عبر به الدورة التى قادته نحى المناطق السقلى فى إتجاه 
"الأمنتى" قبل الصعود التطهيرى التى سيواد بعده من جديد - كما هى موقن- إلى 
جوار الأجداد . 

ما الذى يمكن أن تعنية هذه المعرفة الهائلة التى كرس لها حياته كلها ما الذى 
يمكن أن يكونه شعب الألهة الذى حضر مؤخراً لاستقباله لفثرة دامت شهوراً من 
ممفيس إلى أبى سميل إذا لم يكن وعدا بالأبدية ؟ إن التماثيل المصنوعة من الجرانيت 
الأحمر والبازالت الأخضر الذى نجح فى أن يقرأ عليها ؛ منذ إقامته فى تورينى , 
الهيروغليفيات الأسطورية التى تشهد على وجود حياة غير قابلة للفناء » ماذا يمكن أن 
تكون - سيزوستريس المحبوب وتحتمس المرهوب - سوى الصورة الصلبة من حجر 
التى يتم من خلالها استمرارية الحياة؟ 

هذا الاحتضار الذى لا يحتمل ملئ بحقائق لا ريب فيها ودائمة: إن الرجل الذى 
كان يحاور داخل مقابر بيبان الملوك ولفترات زمنية طويلة "الأجداد" فى خدة متناهية , 
لدرجة أن سلقادور شيرويينى كان يجده منهاراً ووجهه إلى الأرض , هذا الرجل كان 


# محتفظ بها فى منزل الأسرة فى ثيف 


634 


يعرف وهو فى أكثر الفترات عذاباً - "لا يزال الوقت مبكراً " ما أكثر ما هو موجود هنا 
فى الداخل .. " أن العالم الذى أحياه من جديد سيضمن له حياة لا ملل فيها . 


توفی فجر ٤‏ مارس ۱۸۳۲ » کان عمره واحد وأريعون عاماً وشهران ونيف . 
كانت قسمات وجهه التى تشبه وجه محارب أفريقى قد أسائت إليها فغيرتها الآلام 
وكانت الشيخوخة التى طالت هيئته مأساوية لدرجة أن روزين وجاك جوزيف رفضا فى 
بادئ الأمر أن تؤخذ لوجهه بصمة شمعية ولكنهما وافقا على ذلك فى النهاية* ولم 
يسمح سوى لعدد قليل جدا من الأشخاص بتحية الرقات . ۰ 

كثر الجدل حول أسباب وفاته ** كان السل أهمها جميعاً وكانت هشاشة رئتيه 
معروفة منذ فترة طويلة ثم إن المحنة المناخية القاسية للغاية التى فرضت عليه فى بداية ‏ 
عام 141٠١‏ لدى عودته من مصر (إذ بعد أن كان قد مر لتوه من جو الإسكندرية الخائق 
واجه على الفور ثليج محجر طولان الصحى فى شتاء لا يمكن تصور قسوته فى ذلك 
العام وهى الأكثر برودة لنصف قرن كامل) كل ذلك حول الوهن إلى مرض قاتل . 

على الرغم من أن المتخصصين المعاصرين يرفضون إعتبار حالات الإغماء التى 
كانت تطرحه أرضاً فى كثير من الأحيان (وخاصة فى اليوم المشهود يوم 'وجدتها" وفى 
4 سبتمير؟147١)‏ تشخيصاً إكلينيكياً لهذا المرضءفقد كان مريضاً بالسكر. سبق أن 
أشرنا إلى أزمات النقرس التى عصفت بالسيع سنوات الأخيرة من حياته.كما توجد 

أسباب عديدة للإعتقاد بأن إقامته فى مصر وما شريه فيها من(ماء النيل) وما أكله خلال 


» حدث نفس الشئ؛ عندما طلبت جمعيه فراسة الدماغ صب قالب للرأس لولا أن العلاقات القوية التى كانت 
تربط الدكتوى جانين بالمتوفى أقنعت الأسرة بالسماح بإجراء هذه العملية ٠‏ مما سمح للطبيب بإجراء بحض 
التعقييات التى جائت مخيية للآمال على العموم . 

×× قدم الدكاترة كروفيليا دبروسيه ودوبار التشخيص الثانى : "مرش معقد جداً ' وهن عام نتج عنه مرض 
السكرى à‏ البقاء فى الحجر الصحن » الإنفعالات لأحداث الثورة ٠‏ الإرهاق المستمر والإحساس بأن اموت 
يقترب منه وهى جميعاً أسباب معنوية لها أثار رهيبة على المريض بداء السكر ومن ثم التئام سيئ للجراح 
وتنتج عنه انتشار السل . سبب آخر التقرس الصاعد ؛ كانت الأزمات التى احقت بشامبليون أزمات إحتقان 
أكثر منها أزمات جرح ( تسيبت رحلته المرهقة والأجواء السيئة داخل مقابر الملوك وشرب كميات كبيرة من ماء 
الثيل كل ذلك تسبب فى مرضى الكبد تم تشخبصه فى وقت متئخر جدأً) نشاط عقله المتوهج وإنشغاله الفكرى 
المستمر جمد دمه وأوصله إلى القبر. 


635 


فترة إقامته الطويلة فى الجرنة لم تكن غريية عن التدهور المفاجئ لصحته . إن مرضى 
الدرن يعرفون مثل هذا التدهور السريع لصحتهم وأكثر من ذلك إذا كان جسدهم قد 
أصيب بفيروس أو أميبا مثل الذين جاء بهم من الشرق (الذى لم يكن صحياً فى تلك 
الأزمنة) الرحالة الجسورون . 

جرت مراسم الجثازة صبيحة " مارس ۱۸١۲‏ وكان يوم الثلاثاء المرفع .. 
والصلاة أديت فى كنيسة سان روش التى كان لها دور هام فى حياة المثتوفى وفى حل 
شفرة اليهروغليفيات. ففيها التقى بالقس شيفتيشى وكان فى السابعة عشرة من عمره 
وكان أقضل أساتذته للغة القبطية وكان يستمع إليه وهى يقيم القداس " بلغة أعزائه 
رمسی ى وتحتمس " . فى أي مكان آخر أفضل من هذا يمكن إثارة الرحلة الأخيرة 
اروح لشخص الذى كان يطلق عليه الدكتور باريزيه اسم 'ميامون" ؟ أين يمكن أن نجد 
مصدراً أكثر تفعيلاً لاستناره .. الرابع عشرين سبتمبر 1857 ؟ اللغة القبطية .. 

للانتقال إلى مقابر يارلاشاز أحاط بالنعش سليفاستر 'دوساسى » المعلم فرانسوا 
أرجوا > الصديق » الکسندر فون هومبوادت , ممثلاً لعلماء أورويا كما كان يحب أن 
يصفه والكونت دى فوريان ؛ ممثلاً للسلطة يصفته مديراً عاماً للمتاحف وكان الحضور 
كبيراً جداً ولم تصرفه إحتفالات الكارنفال . 

خطبة وداع مؤسس علم المصريات ألقاها سيلفاستردوساسى فى جلسة أكاديمية 
يوم " أغسطس التالي للوفاة . "كان br‏ فريداً من نوعه بسبب غموضه وهو يلقى 
الضوء - فى صراحة غير مألوفة فى مثل تلك المناسبات- على الشك الذى كان على 
مكتشف الشفرة أن يواجهه ويتخطاه وعلى الإنضمام الحذر والمتآخر لمؤيدى شامبوليون 
حتى قبل تأييد أستاذ الاستشراق ومعلمه . 

من المؤكد أن شباب المؤاف والحيوية التى يتسم بها خياله وحماسه غير المتأتى 

كان لهم دور هام فى الأمال التى كان يفتخر بها وفى الثقة التى كان يعرضها بها 
للخطر وإم يكن النقد الذى ظل متردداً في قبول مثل تلك الوعود سوى حذراً وعادلا* . 

ds pas”‏ فإن ما كان يعد به دون حذر فى ذلك الوقت قام بتحقيق الجزء 
الأكبر منه بعد ذلك بيضعة سنوات ولو لم يحصده الموت مبكراً فلاشك 


* أكثر da"‏ من كونه "عادلاً " 


636 


أنه كان سيحققه تماماً بل لعله كان يتخطى أماله ذاتها ' 


حتى وهو على أعتاب مقبرة تلميذه السابق لم يسحب المعلم العجوز تحفظاته إلا 
وهى نادم » وقبل أن يستسلم فهو يفاوض على إستسلامه حتى آخر لحظة ؛ متهماً فى 
عناد "الحماس غير المتأنى للرجل الذى لم يبح فى 'رسالتة إلى مسيوداسيية" Na‏ 
سبتمبر؟187 سوى بجزء بسيط من إكتشافه. استمر الجدل-كما لى أن وفاة صاحب 
الكشف لم تكن بالفعلسوى عبور مؤقت الممالك السفلى فى إنتظار ميلاد الشمس الجديد 
بعد أن أطلق أخر سهامه أصبح ساسى على سجيته وأخذ يحى فى الرجل 
شخصيته "هذه الإستقامة فى القلب ؛ وهذه البساطة فى الشخصية وهذه الصلاية فى 
الفكر الممتزجة بكل هذا المرح وهذا الولاء الدائم فى العواطف وهذه النزاهة الشخصية 
وهذا الإمتنان الحى والصادق أى وفى كلمة واحدة جميع الصفات العظيمة التى طبعت 
بها "ils‏ . ثم يضيف الخطيب متساءلاً: ' ولكن من منكم أيها السادة لا يؤيد ما 
نمتدحة فيه هذا ؟ ولو أن الأكاديمية لم تضم لها شامبوليون سوى مؤخراً ولفترة وجيزة 
إلا أنها كانت تعترف بكل ما سبق كما كانت تفعل لها بالنسبة لدراساته العلمية وأدابه 
وذلك لأن قوة أحاسيسه واستمراريتها لم تكن سوى العلامة المميزة لقلبه وينفس القدر 
الذى تميز به فكره من تعاطف واستعداد طيب " 


أهم تحيتين قدمتا لجان - فرانسوا شامبوليون ندين بهما لأقرب مريديه له وهما 
إيبوليتى روسيللينى والغريم الذى ظل لفترة طويلة على عنادة ضد الشخصية المسيطرة 
لؤسس علم المصريات جون جاردنى ويلكنسون . 

بعد أسابيع من وفأة زمليه فى الرحلة إلى مصر نشر البروفيسور التوسكانى فى 
بيزا : تقدير الامتنان والحب فى ذكرى جان - فرانسوا شامبوليون الصغير : حيث عبر 
فيه - فيما وراء المبالفات التقليدية المعهودة فى مثل تلك المناسيات - عما يجب تسميته 
صرخة من القلب وهو ما يعتبر شيئاً نادراً فى مثل هذا المجال : " .. لك الفخر يا 
فرنسا أن أخرجت 'كولومبس" جديداً فتح أمام العلم عالماً ظل لعديد من القرون عاجزاً 
عن اكتشافه ! آلام رجال العلم الذين وقفوا حول جثمانه عبرت عن الخسارة التى لا 
تعوض المتمثلة ت فى | إختفا مثل هذه العبقرية والحزن الذى ألم با بأصدقائه العديدين 
كان عفيفاً ورزيناً ومقيلاً على العمل ؛ قليل الإشتمام بالشكليات الاجتماعية كما أنه 


637 


أكثر الناس سخائاً بالتعريف “Ah‏ . 
متقوقعاً فى منزه المشيد باللين فى الجرنه (حيث رفغ قبل ثلاث سئوات حتى ولو 
بصفته جاراً - مقايلة أعضاء البعثة الفرنسية التوسكانية وذلك ولاءاً منه ليانج) تلقى 
نبا وفاة شامبوليون فكتب رسالة إلى فارنيناك دوسان مون الضابط المولود فى متطقة 
اللوت والذى قاد مركب "أسترولاب" الذى عاد عليه صاحب الكشف فى فرثسا : 

"لا أحد يمكنه " أفضل منى تقدير الموهبة الخارقة لهذه العالم ولا أحد أيضاً يمكنه 
تقدير فداحة هذه الخسارة أفضل من الذى شغل نفسه لهذه المدة الطويلة ينفس 
دراساته . هكذا توقفت إشعاعات الثور التى كان علمه يلقيها على الهيروغليفيات! وقعت 
الشعلة لى الأرض ولا يمكن لأحد أن يرفعها . أخشى كثيراً أن تكون وفاته نتيجة 
والمانيا رحتی فی فرنسا على nn ete.‏ إلا ا ا ف ا العالم 
الأثار واللغة المصرية لا تدين بما هى عليه الآن سوى لأعمال شامبوليون* .. 

بين كافة التعبيرات عن الحزن والإعجاب التى وصلته حينذاك وضع الآخ الأكبر 
لجان فرانسوا 3 سيوايون له ا ده وحدعا فى المقدمة وقد حمث إيذه إيميه على 

'إن الأعمال الرائعة ai‏ قام د بها أخوكم مضاءة بمعارقكم أنتم Lau‏ وسكدوم 
مثلما تدوم الآثار التى شرحها لذا لتوه ' توقيع : شاتويريان ** . 

الأثوار : شف الكلمة تظهر فى كتابات روسيللتي وولكسنون وشاتويريان وهى 
تفرض نفسها بالفعل منذ البدايات القديمة لعملية الكشف حتى إختفاء صاحبه ' هذه 
٠‏ هى نهاية الأنوار' أعلنها ويللكنسون ولكنا يمكن أن نقول أيضاً " ها هى الأنوار قد 


حكيم مصرى من الأمبراطورية الحديثة قال ما يلى؛ منقولاً من بردية شيستر 


بيتى الرابع : ' رجل ذهب. جثمانه مسجى داخل الأرض ٠‏ جميع معاصريه ذهيوا " 
عن الأرض : إلا أن المكتوب سيضع ذكراه على شقاه من سيئقلها إلى شفاه أخرى ..' 


* سيق أن أشرنا إلى هذا الخطاب فى القصل ؟١‏ . | 
+« أعاد شاتوبريان هذه الجملة بالنص تقريباً فى الصفحة قبل الأخيرة من مؤلفة مذكرات من وراء القبر. 


638 


الغائب عن المسلة 


بقلم 
جان فيدال 


فى ه" أكتوير 1671 إجتاح مئتا آلف باريسى ساحة لا كونكورد وحدائق 
التويلورى لحضور حدث ظلوا ينتطرونه طويلاً : إقامة المسلة . 

منذ أن أهداها محمد على لفرنسا ظلت المسلة المصرية موضوعاً للمقالات وسيباً 
لإثارة الرأى العام ى تابعت الصحف يومياً تقريباً مختلف مراحل إقتلاعها من مكانها 
ورحلتها التى دامت ستة عشر شهراً ونقلها من ضفاف النيل بالقرب من طيبة حتى 
شواطئ نهر السين . | 

ولكن » وحتى قبل أن تصل إلى باريس فى نهاية 1875 ؛ أثار موضوع إقامتها 
فى العاصمة واختيار المكان الأمثل لذلك العديد من المناقشات المريرة وكمية غزيرة من 
الكتابات تغذيها فصاحة محبى المجادلات . أخيراً ستراها الأعين تلك المسلة القادمة 
مئ هذه الأقطار النائية يعد كل هذا المجهود وهذه الأموال : . 

كانت لا تزال فى صندوقها الخشبى الضخم الذى حماها عبر رحلتها عندما 
رفعت على منحنى مريح زاويته صغيرة ينتهى عند قمة القاعدة التى أقيمت لاستقبالها , 
فى الوضع الذى كانت عليه فى ذلك الوقت » ممدة على الرديم المائل . كانت قاعدتها 
تمس سطح القاعدة التى سترسى فوقها وكان الموضوع الآن هو تنفيذ أصعب العمليات 
وأدقها وهو إيقافها على قاعدتها . 

بفضل الآلية التى اخترعها المهندس 'لوبا" الذى كان يشرف على المناورة ويفضل 
الشدة الخشبية والحبال العجلات والونش وعضلات 58١‏ من جنود سلاح المدفعية 
شاهد الناس هذه الكتلة الضخمة والتى تزن ١؟؟‏ طناً ترفع وهى تدور حول نفسها 
بيطء - بل ببطء شديد فى شكل قوس زاويته 6١‏ درجة تقف بدقة متناهية فوق قاعدتها. 
ارتفعت صرخات الاستحسان من الحضور الغفير فى حين راح ال ملك فيليب وأسرته 
التى أحاطت به فى شرفة وزارة البحرية يصفقون لهذا الأداء الميكانيكى الرائع . 


639 


أصبع لباريس الآن مسلتها . كان الوقت متأخراأ لكى يتمكن شامبوليون من 
حضون اتتهاء المشروع الذى بدأه والذى كان التأخير المتكرر والمعوقات أمام تنفيذه 
أحد المنغصات التى أثرت على السنوات الآخيرة من حياته , 

غير أن ذكرى صاحب الآكتشاف كانت عالقة فى أذهان عدد كبير من المشاهدين 
عندما ارتفع الحجر ذى القاعدة المريعة المزين بالهيروغليفيات نحو سماء باريس 
بالنسبة لهؤلاء كما كان آلأمر بالنسبة لكل من كان يتعلم فى فرنسا وأورويا الذين 
يعرفون قدر ما يدين به العلم لاكتشافه العظيم فإن إفتتاح هذا الأش اعتبر تحية ضمنية 
لمؤسس علم المصريات ٠‏ 

مضت الآن مائة وخمسون سنة ونيف على الحدث وعندما ثمر أمام المسلة فيكفى 
أن نرنى إليها لكى تذكر شفاهنا أسمه . 

إنه اسم ننتظر أن نراه مكتوياً أسقل القاعدة الحديثة لهذا الأثر ومع ذلك وللعجب 
لا نجده وستذهب بانفسنا لنتاكد من ذلك عندما يحين الوقت ولكن يجب علينا أولاً أن 
تذّكر بالدور الذى قام به شامبوليون فى المغامرة الفريدة التى قام بها هذا الأثر الذى 

هو "رمز الشمس والحياة يقف رأسياً مثل شعاع مضئ ومثل أير منتصب " * أنشئ 
لكى يجل التسامى الإلهى الفرعون المصرى والذى أصبح أحد معالم الحياة الباريسية 
المشهورة والشاهد العلنى لأعظم أيام فرنسا الجمهورية . 

مسلة فى بريس؟ لم تكن الفكرة جديدة . قدم جان أومبار فى كشف موثق ضمن 
مقالة "مسلات باريس " المشاريع والذى تحقق منها ' الذى ظهر فى مجلة لاروفو دولار 
ouai La Revue de l'Art (1)‏ كافة الأعمال المقامة على شكل مسلة والتى أقيمت 
منذ القرن السادس عشر لكى يتزين بها ميدان أى مجموعة معمارية أو للإاحتقال بذكرى 
حدث ما مثل ذلك , » المسلة التى شيدت فى عام ١555‏ فى شارع سان دونى بمناسبة 
دخول الملك هنرى الثانى إلى عاصمته وييلغ إرتفاعه سبعين قدماً فوق قاعدة على هيئة 
حيوان وحيد القرن . 


+ التعبير منقول من الكتاب الممتاز التى آلفته مدام برناديت مونو : “مسلة الكونكورد" ونشر بمناسبة العيد 
المائة والخمسين لإقامتها ؛ قدمت له نبذة تاريخية مدام ديروش نوبلوكور ؛ وتزيئه رسومات أصلية . يوفر هذا 
الألبهم كافة التفاصيل الخاصة بهذا الحجر الصلب ‏ ومعاني مخطوطاته وتاريخ رحلته والوسائل التقنية التى 
استخدمت انقله من طيبة إلى باريس 


640 


السحر الذى كانت تؤش به مصر وأسرارها على الأذهان فى القرن الثامن عشرء 
إذ تطور فأصبح جنوياً يمعنى الكلمة أطلق عليه اسم "جنون الولع بمصر" أدى إلى 
ظهور مسلات ليس فى المدينة فقط وإنما فى الحدائق وفى المنازل الريفية الترفيهية 
المحيطة . كانت نزوات تستلهم وجودها من الآثار الفرعونية الأصيلة الوحيدة الموجودة 
فى أورويا الغربية وهى مسلات إيطالياء المستوردة اليها فى العصور القديمة وخاصة 
فى روما والتى نجح باباوات المدينة الأميرية فى عصر النهضة فى إدخالها فى الإطار 
العام لعاصمتهم فى تناغم رائع معه . ولكن بعد الأباطرة- من أغسطس إلى قستنطين 
الذين أسقطوا ثم نقلوا إلى شواطئ التيبر والهيليسبوتن معظم المسلات التى كانت 
قائمة أمام معابد وادى النيل - لم يفكر أحد فى تقليدهم . 

ثم جاعت الحملة على مصر. أن تكون فكرة إحضار مسلة إلى فرنسا ضمن 
الأفكار العديدة التى ألهبت خيال بونابارت وأعوانه وتلقى قبوله» فهذا يعتبر من طبيعة 
الأمور ولم يتردد الإسكندر الجديد فى حملاته السابقة من إنتزاع غنائم عديدة أخرى 
إلا أن المشروع توقف وسبق أن قلنا لماذا . 

إلا أن المشروع عاد إلى الظهور المفاجئ مرة أخرى ولكن فى صورة مختلفة 
عندما أراد نابوليون وقد بلغ قمة المجد بعد انتصاراته فى يينا والفيستول » أن يمجدها 
إلى الأبد. ويتأثير من دوذون الذى إمتدح له جلال مسلة الكرنك حدد اختياره فى هذا 
النوع من التشييد ولكن لم يكن الأمر خاصاً بأثر مصرى واكن بمسلة خاصة ترتفع 
مائة وثمانين قدماً تقام عند نهاية جزيرة لاسيتته أمام ساحة جسر البون نوف -- وكان 
المفروض أن يكتب عليها عبارة "الإمبراطور نابوليون إلى الشعب الفرنسى ' . 

وصدر قرار باعتماد هذا المشروع فى Vo‏ أغسطس ۱۸۰۹ وبدئ بالفعل فى 
تشييد أساس هذا الأثر الضخم واستعدت ساحة البون - نوف لاستقبال مسلتها 
عندما غيرت الظروف التاريخية فى 14١5‏ من الأثر الذى تحول إلى تمثال للملك هنرى 
الرابع فوق جواده تم صيه من برونز إحدى تماثيل نابوليون واحتل القاعدة التى أعدت 
للمسلة الإمبراطورية وظل فى مكانها حتى الآن . 

إلا أن باريس أصبحت مركزاً للدراسات المصرية : ظلت أجزاء كتاب'وصف 
مصر“تظهر تحت رعاية لويس الثامن عشر بينما عمليات إقتناص الأثار كانت على 
أشدها عند ممفيس والكرنك» ولم يطل الوقت حتى عاد الحديث بدور من جديد عن المسلة. 


641 


هل قام ملك فرنسا بالأمر بالمفاوضة على للحصول عليها أم أن تائب - ملك 
. مصر هو الذى بادر بإهدائها له ؟ إن المراجع حول هذه النقطة غير دقيقة إلا أن 
الإفتراضين لا يتعارضان ونتفق مع ماكتبه شامبوليون - فيجاك أن “نائب ملك - مصر 
كان يسمح بشئ من البذخ: ففى مقابل بعض التعويض. له بتصدير المنتجات الأثرية 
للخاصة الملكية وفى مقابل بعض الهدايا من القطع الأثرية الهامة كان يتلقى خدمات 
ويستفيد من ورعاية أمراء الغرب له" ©) | 

نضيف إلى ذلك أن تأثير صديق الباشا الحميم - (القنصل برناردينى دروفيتى) - 
فى هذا الموضوع كان عظيما. يبدى أن فكرة إهداء مسلة لملك فرنسا كانت تراوده » 
ففى إحدى رسائل دروفيتى المحررة فى القاهرة بتاريخ ١١‏ يناير 1419 نقراً ما يلى: 
"أما بخصوص المسلة التى كنت أخصصها كهدية إلى ملك فرنسا فقد ضاعت بالنسبة 
لكم بسبب الخطا الرهيب الذى ارتكبه مسيق ريفان (ريقى) الذى لم يقبل أن يذهب 
ليئخذها عندما أرسلت فور وصولى إلى هنا زوج ابنتى إلى سيان* مكلفاً إياه 
بشحنها (إلى فرنسا) © , 

المرسل إليه غير مذكور فى الرسالة » لكن لا شك أن خطاب دروقيتى هذا كان ردا 
على الرسالة التى أرسلها له شخص يدعى جويو كان قد كتب له من أسوان فى ١١‏ 
ديسمبر السابق يقول له فيها : ' إنى انتهز فرصة كرم ميسى سوات على لأصعد أبعد 
من ذلك فى نهر النيل " أريد أن أعلمكم أن المسلة موضوعة بالفعل فوق المركب والذى 
سيغادر الجزيرة غد“ ©). 

ماهى هذه المسلة التى أراد دروفيتى إرسالها لملك فرنسا والتى خطفها منه 
غريمة البريطانى - ضمن سلسلة الصراعات القائمة بين تاجرى الأثار ؟ هل كانت 
الجزيرة المذكورة هى جزيرة فيلة وهل كانت المسلة هى نلك التى أخذها بانكس شريك 
سولت ونقلها إلى أنجلترا ؟ من المعلوم أن خرطوش كليوباترا الهيروغليفى الذى يعتير 
من أهم العناصر التى بنى عليها شامبوليون اكتشافه كان منقوشاً عليها mers‏ 

فى تلك الأونة كان دروقيتى يعمل على استعادة رضاء أسره البوريون عليه فقد 
خلع من منصبه بعد عودة الملكية » كقنصل فرنسا العام فى مصرء وكان الأمل يحدوه 
فى العودة إليه»كما أنه كان يامل فى أن تشترى منه فرنسا مجموعته الأولى من الأثار 


642 


المصرية القديمة وكان مدير عام المتاحف الملكية - الكونت دى فوريان قد تأثر للغاية من 
حسن استقبال القنصل السابق له لدى مروره على الإسكندرية فى بداية عام ١814‏ 
كما أعجب للغاية بمجموعة الآثار التى جمعها ٠‏ ولدى عودته إلى باريس أعلن الكونت 
لدورقيتى أن عودته إلى منصبه تكاد تكون مؤكدة وأفهمة أن ذلك يساوى بعضاً من 
التضحية بالنسبة للسعر الذى يطلبه لمجموعته الأثرية وأضاف 'سينظرون هنا بعين 
الرضا إلي بعض العينات من مصر الرائعة التى قد تهدوتها مياشرة إلى صاحب 
الجلاله " (© 

فضل دروقيتى أن ببيع مجموعته إلى ملك سردينا ؛ ولكن بعد أن أعيد إلى منصبه 
كقنصل عام لم يكن فى إمكانه أن يغفل التعبير عن ولائه بتقديم هدية إلى ملك فزنساء 
ويعود له الفضل دون شك فى أن أصبح لويس الثامن عشر فى أواخر عهده مالكا 
لمسلة هى واحدة من إثنتين موجودتين فى الإسكندرية تسميان عن خطأ 'بإبر كليوباترا 
أما الأخرى فقد أهديت إلى إنجلترا للحفاظ على حسن التوازن الدبلوماسى بين 
الدولتين العظميين . 
شارل العاشر ووزراؤه وجودهما إلى أن ذكرهما كل من الكونت لابورد لدى عوته من 
مصر وشامبوليون لدى وصوله إليها بأن قال إن إحدى المسلات المملوكة لفرنسا تركت 
فى إهمال وسط آثار الإسكندرية . 


غداه وصوله إلى الإسكندرية فى ١4‏ أغسطس 1858 ذهب شامبوليون ازيادة 
"ابر كليوياترا " ولقك شفرة الهيروغليفيات التى عليها فيتعرف على مصدرها - 
هليويوليس - وعلى عصرهما : تحتمس الثالث كما سجل أيضاً حالتهما السيئة تلغاية 
- وواجهاتهما تأكلث بفعل هواء البحر والمتحوتات تكاد تكون مطموسة تماماً - إلا أنه 
ينصح فى إحدي رسائله لأخيه "بعدم التأخير فى أخذ تلك التى تخص فرنسا خشية أن 
تخطف الهدية من أساسها ' ولكنه سيندم على تقديمه لهذه النصيحة فى تسرع وذلك 
عتدما رأى مسلات الأقصر . 

إلا أن الخطاب كان قد أخذ طريقه ويينما كان شامبوليون والحملة الفرنكو. 
-توسكانية يبحرون فى إتجاه مصر العليا كان الخطاب قد فجر فى باريس كل طاقات 
المنقذ الذى لا يكل شامبوليون - فيجاك- فحاصر أصدقائه وأخذ يهز جمود 
البيروقرطيين فعاد ملف المسلة إلى السطم. وتملكت شارل العاشر رغبة أن يرأها 


643 


منقولة إلى عاصمته وكلف فيجاك من البلاط الملكى بدراسة تكلفة وضع هذه المسلة على 
ظهر إحدى سفن البحرية الملكية . 

كانت الحكومة البريطانية قد درست الموضوع بالفعل وطبقاً لتقديرات مهندسى 
البحرية الإنجليزية الذين أرسلوا للمعاينة على الطبيعة فإن نقل المسلات يتطلب إنشاء 
طريق سيتكلف ثلاثمائة ألف فرنك . بنائاً على ذلك صرفت إنجلترا النظر عن نقل الأثر 
الذى يخصها وسر شامبوليون لدى سماعه النباً وهو فى قلب منطقة طيبة: ' إنى لقى 
غاية السعادة لأن المهندس العلامة الإنجليزى طرأت له فكرة إنشاء طريق يكلف 
ثلاثمائة ألف فرنك حتى ترفض حكومته ويالتالى حكومتنا أيضاً مسلتى الإسكندرية 
فهما يثيران الشققة منذ أن شاهدت مسلات طيبة . ' رأهم للمرة الأولى لدى توقف 
قصير هناك (فى الأقصر) فى 7؟ نوقمبر ۱۸١۸‏ ولما كان يريد الإسراع فى مواصاة 
رحلته إلى النوية فقد اكتفى بالتعبير عن إعجايه إزاء "العمل الرائع الذى شغلت به 
كتلتى الجرانيت الأحمر القائمتين أمام معبد الأقصر " وكان من نتيجة هذا الحب من 
أول نظره .. أن حصلنا على الصرح النبيل الذى يزين ميدان الكونكورد . 

بعد عودته إلى طيبة فى بداية مارس ١855‏ ويعد أن راجع من جديد المسلتين 
إستيعد أى خيار آخر وكانت أولى رسائله موجهة إلى دروقيتى الذى كان يستعد 
لمغادرة مصر : "أود أن تصلكم هذه الرسالة فى الوقت المناسب حتى تقدمون فى 
باريس إقتراح فكرة المصول على إحدى مسلتى الأقصر بدلا من تلك 
المسكينة المطموسة القائمة عند الميناء القديم وسيكون ذلك أجدر بالامة ويالوزارة 
ويكم .. ' 

وفى نفس التاريخ كتب لأخيه يقول : "شاهدت مرة أخرى المسلات الجميلة , لماذا 
تلهى أنفسنا بنقل مسلة الإسكندرية بينما يمكن أن نحصل على إحدى القائمتين هنا 
مقابل مبلغ بسيط قد يصل إلى أربعمائة ألف فرنك فقط". ويعاود مرة أخرى بعد 
بضعة أيام : ' إذا أرادت الحكومة أن يكون لها مسلة فى باريس فيجدر بالشرف 
الوطنى أن تكون واحدة من المهمجودتين فى الأقصر (التى على اليمين عند 
الدخول) فصنعتها رائعة وهى فى حالة جيدة لدرجة مذهلة . أصر على ذلك وحاول أن 
تجد وزيراً يود أن يخلد أسمه بأن يزين باريس بمثل هذه الرائعة . ثلاثمائة ألف فرنك 


تكفى 3 


644 


ثلاثمائة ألف فرنك , أربعمائة ألف فرتك .. لم تكن لدى شامبوليون أدنى فكرة 
عما سيتكلفه نقل المسلة وتسليمها ثم إقامتها فى محيطها العام الباريسى . 

ولكن دعونا من التقكير فى ذلك ولنشاهد معه ونعرب عن إعجابنا ونحن أمام . 
الواجهة الشمالية لمعيد الأقصر بالمسلتين المشهورتين المصنوعتين من الجرائيت الأحمر: 
"هاتان الكتلتان الضدخمتان ' تحفتان حقيقيتان ترتفعان لأكثر من سبعين قدماً أقامهما 
بالنص فى مخطوط المسلة اليسرى .. " 

وكان صاحب الكشف فى قمة السعادة عندما لاحظ من جديد أن النصوص 
المنحوتة على هذه الأثار "كانت أيعد ما تكون عن إحتواء أسرار دينية كييرة أو تأملات 
مكتوبة كتعبير عن الفخامة للمبانى المشيدة أمامها . 

وقام شامبوليون بنسخ هذه النصوص بعناية تامة على الرغم من أن أياً من 
أسرارها كان لا يخفى عليه . الجزء الأسفل من المسلتين كان مغمورا فى الرمال » 
فعمل على إزاحتها حتى الأساس لينسخ الهيروغليفيات المنحوتة على ثلاثة صفوف 
عمودية فوق كل من وجوهها الأربع . ظل جزء من المخطوطات تخفيه عنه بيوت بعض 
القلاحين المبنية بالطوب اللبن ولكن سيحصل عليها فيما بعد على يد المهندس لويا الذى 
حضر بعد ذلك بعامين ليشزق-علي أعمال إنزال المسلة التى اختارها ونقلها : أى تلك 
الذى على اليمين عند الدخول , 

ماذا وقع شامبوليون فى غرام هذه المسلة بائذات (وهى المسلة الغربية لان مدخل 
قصر الأقصر فى إتجاه الشمال* ) ؟ إن الأسباب التى يسوقها لأخيه ليست مقنعة 
بالقدر الكافى : "أختار التى على اليمين لأسباب جيدة بالنسبة لى على الرغم من أن 
الهرم الصغير الذى يعلوها مشطوف وأنها تبدى أصغر من جارتها ببضعة أقدام .." 

السيب الوحيد الجاد تضمنه تقرير مرفوع للوزير ' إنها أفضل بكثير من التى 
على اليسار ؛ لأن الجزء الأسفل لهذه الأخيرة مصاب حتى ارتفاع قاعدتها بأضرار 


" 


* يجب أن نسجل هنا من ناحية أخرى أن فى ضعها الحالى فى ساحة لاكونكورد غيرت المسلة من توجيهاتهاء 
إذ أن واجهتها الشمالية أصبحت اليوم فى إتجاه الغرب وتواجه الشانزليزيه . 


045 


هل لم يلاحظ شامبوليون أن مسلة اليمين كانت بها بعض الشروخ وهى ظلت تقلق 
بال لويا فى عملياته المختلفة (وهى شروخ واضحة جدا أحدها على الوجه المطل على 
كنيسة المادلين والآخر عند القاعدة فى إتجاه السين ؟ ) على العموم كانت هذه هى 
المسلة التى رأى شامبوليون أنها الأجمل : وهو سبب يكفى .. " | 

بعد أن تم الاختيار بقى كل * شئ ينتظر التنفيذ : أى إقناع الحكومة الفرنسية 
بالعدول عن مسلة الإسكندرية 5 ثم الحصول على إهداء الباشا ss‏ المسلتين 
الأقصريتين إلى الاثنين معاً وا لا؟ ) ثم - وهى الأهم - نقل كتلة تزن ۲۳۰,۰۰۰ 
كيلى جرام طولها ۲۳ متراً من طيبة إلى باريس .لا يوجد أى مجال لتقطيعها إلى 
أجزاء مختلفة ! "لن أوافق أبداً على مشروع نشر هذه المسلات الرائعة المصنوعة من 
كتلة حجرية واحدة إلى ثلاثة أجزاء. إن ذلك يعتبر خطيئه مميتة : كل شئ أولا شي ". 


ماذا ؟ هل كان فرنسيى القرن التاسع عشر غير قادرين على عمل ما نجح فيه 
الرومان؟ تصور شامبوليون تجهيز طوف ذى أبعاد مناسبة توضع عليه المسلة تنقله 
مياة الفيضان إلى المركب التى ستتولى حمله ونقله إلى أورويا . هذا هى الممكن , 

من الأمور المبالغ فيها أن نرجع إلى شامبوليون الفضل- كما فعلت كاتبة سيرته 
هيرمينى هارظويان- تصميم فى اختراع المركب الذى تمكنت المسلة من السفر على 
متنه من الأقصر حتى باريس دون تغيير فى وسيلة الانتقال من بداية الرحلة لنهايتها. 
إن فكرته الخاصة بتصنيع طوف قام بتصميمه بسيون - وهو من ضباط البحرية- لم 
يتم إعتمادها. إلا أن مبداً الفكرة ذاتها موجود فى تصميم حوض السفن الاقصر, 
ذى القاع المسطح الذى يسمح له بالإبحار فى البحار والأنهار والذى بنى خصيصاً 
لتقل المسلة . 


سبق: القول أن شامبوليون لدى عودته إلى الإسكندرية فى نهاية شهر سبتمير 
۹ اضطر أن ينتظر بها شهرين لحين وصول المركب الذى عاد به إلى فرنسا . 
تعتقل مدام Gus La‏ أنه "أنهى خلال لاقائاته بمحمد على وايته إبراهيم ياشا موضوع 
نقل مسلتى الأقصر بعد أن أهدياها إلى فرنسا ' إلا أن شاميوليون -فيجاك كان أكثر 
حذراً ؛ إذ يقول : "خلال إقامته فى إسكندرية وضع شاميوليون الصغير خطة الحصول 
من نائب الملك على مسلتى الأقصر مع مسيو ميجو قنصل عام قرنسا الذى خلف 
دروقیتی كما أته تحدث مع ذائب املك ذاته فى الموضوع خلال اللقاءات العديدة التى 
تفضل بها عليه صاحب السمو "اء وعود حذرة حول قدح من القهوة هذا هى كل ما 


646 


حصل عليه شامبوليون . ومع ذلك ققد كان بإمكانه أن يعتقد وهو يغادر مصر أن 
المسلتين كانتا فى حوزته . إن الباشا فى تعبيره عن تقديره له أوضح له عدة مرات أنه 
يود أن يعبر لفرنسا عن تقديره كما أن ميجو أثبت أنه مفاوض ماهر . وكان من الممكن 
الاعتماد عليه للوصول بالعملية إلى نهايتها السعيدة . 

أثناء رحلة 'الاسترولاب" ارتبط شامبوليون بعلاقات صداقة مع أحد الرجال الثلاثة 
الذين تظهر أسماؤهم على قاعدة المسلة القائمة فى ميدان الكونكورد وهى النقيب بحرى 
فارنيناك دوسان مور الذى حصل على منصب قيادة "الأقصر'" وعلى المهمة الشاقة التى 
هى إحضار الحمل الثمين إلى فرنسا " . هو من مقاطعة كارسى مثله وقد ظل فارنيناك 
على ولاثه له ول يفيده علمً بكافة تطورات العملي . 


ومع ذلك أصبحت المسلة فى باريس أحد شد شئون الحكومة. إبحث عن وزير" كان 
هذا هو النداء الذى وجهه جان فرانسوا إلى شقيقه من طيبة وهى مشدوة أمام كتلتى 
الجرانيت الأحمر . هذا الوزير لم يكّد فيجاك طويلاً للتوصل إليه . ففى شهر أغسطس 
6 خلف بولينياك مارتيناك فى رئاسة الوزارة وعين وؤزيراً للبحرية المسئول عن ملف 
المسلة من ..؟ أسوء أعداء شاميوليون : الباروئ دوسان - محافظ جرونويل السايق 
الذى لم يغفر قط لشامبوليون إحتجاجه بخصوص سرقه رسالة له * . 

الغريب فى الأمر أن دوساز يدا كما لو أنه نسى الإهانة فما أن نزل شامبوليون 
إلى طولون إلا ودعاه الوزير إلى كتابة تقرير مفصل على المسلة وطرق نقلها إلى فرنسا 

وعلى الرغم من إنغماسه الكامل فى الإعداد للحملة على الجزائر حيث كان 
يمارس مواهيه التنظيمية إلا أن المحافظ السابق كان يولى إهتماماً مثيراً للدهشة 
بموضوع المسلات وخاصة ف لحظة كهذه . هل كان يجد فيها وسيلة الظهور فقط؟ 
الواقع أن هناك دافعاً خاصا لسلوكه هذا . إذ أن موضوع المسلات أتاح لدوساز 
سيت ارد امات ns‏ من صاحب الكشف قبل ذلك بعشرة أعوام . 
يؤديه شامبوليون في هذه العملية كما أنه على علم بالخطوات الثى اتخذما عالم 
المصريات للحصول من الباشا على هدية مسلتى الأقصر ولكنه سيدعى دائماً أنه لا 


* راجع الفصل العاشر . 


047 


يعلم شيئاً . فى مذكراته التزم صمتاً كاملاً إزاء ما قام به العالم وأرجع لذاته ويحماس 
شديد كل مميزات العملية : " ما أن عرفت الأوساط العملية أنى أفكر فى إثراء فرنسا 
بأثر لا يوجد فى أوروبا كلها مثيل له سوى فى روما إلا وراحوا يحثونى على محاولة , 
الحصول على مسلتين أكبر قيمة من مسلتى الإسكندرية ولكنهما أكثر صعوبة فى 
تقلهما بسبب موقعهما فى الأقصر(/ .. " 

أحل مشكلة النقل هذه شكل دوساز لجنة مكونة من بعض الخبراء والمستشارين 
ورأسها بنفسه وأة قصى شامبوليون عن المشاركة فيها بالطبع ولكن لم يمنع هذا الوزير 
من اللجوء إليه لكفائاته التى كان يقدرها تقديراً عظيماً , فقد إستعار من الحجج التى 
ساقها لكى يدافع أمام شارل العاشر عن قضية مسلات الأقصر والتى أنحان إليها 
بنفسه , وكان التقرير الذى طلبه من عالم المصريات يتضمن عديداً من الأفكار التى 
اعتمدها ولكن طالما كان المحافظ السايق سيد الموقف لم يذكر اسم شامبوليون قط . 

ومع هذا فيجب أن نعطى فعالية وكفائة دوسان حقهما فيرجع إليه فضل حل 
المشكلة الشائكة الخاصة بنقل الكتلة الحجرية بسرعة حتى قبل أن تتم عملية الحصول 
على حق حيازة الأثر. كان المركب الذى صمم خصيصاً لنقل المسلة من طيبة إلى 
باريس وهى الخوض العائم الذى سمى "الأقصر" قد دخل مرحله الإنشاء بنائاً على 
أوامره فى ترسانة طولون لا شك أنه كان يتمتع بإرادة صلبة ونافذة " لكى يتغلب على 
مقاومة الذين كانوا يرون أن العملية مستحيلة التنفيذ ولكن أن يأمل فى "أن فرنسا 
سندين له بأجمل أثرين تركتها العصور القديمة على الأرض المصرية ' كان بمثابة 
الإعتماد على أوهام سرعان ما ستتبدد » فبعد أقل من عام من توليه وزارة البحرية 
قامت ثورة يوليى لتخرجه منها . 

وإذ أرغم دوساز على الهجرة أعرب فيما بعد عن خيبة أمله : "لم 3 تتح لى فرصة 
: أن أرى استكمال هذا العمل أثناء ولايتى للوزارة وإن يعرف على الأرجح وإلى الأبد أن 
فكرته كانت من أعمالى وان كافة وسائله التنفيذية أعدت ودخلت مرحلة التنفيذ على 
يدى". إلا أن الظلم الذى إدعى دووساز أنه وقع عليه أراد أن يرفعه عن الرجل الذى 
"ساعده بقوة وهى ' يوصى به جميع محبى الفئون " إلا وهى البارون تيلور وهى شخص 
آخر قال وترك الآخرون يرددون أن فرنسا تدين له - حسبما جاء فى أقوال واحد من 
الذين كتبوا سيرته 'بالعينة الغريبة المعمار المصرى التى تتزين بها ساحة لاكونكورد 


فی باریس " 


648 


ابن أحد الإنجليز المتجنسين؛ كان البارون تيلور شخصية هن عالم الفن والأدب. 
فهو رسام وكاتب وقادته نجاحاته فى مجال التأليف المسرحى إلى وظيفة كونيسار الملك 
فى الكوميدى فرانساز ووضعه ولعه بعلم الأثار على إتصال بالكونت دى فوريان وهو ` 
صديق لجومار ومهتم بمصر. هل زارها قبل أن يتصل بدوساز بواسطة جبهة جومار؟ 
يبدى ذلك . المهم أنه هى الذى أعلم دوساز بوجود "إبر كليوباترا" وتحت ضغط 'محب 
الفنون المتحمس * هذا قرر الوزير نقل الأثر الخاص بفرنسا وتلقى الطراد "درومادار " 
(الجمل) الأوامر بالإبحار إلى الإسكندرية ؛ ثم عندما ظهر أن الحصول على إهداء عن ' 
مسلات الأقصر أصبح ممكناً à‏ كلف الوزير تيلور بالذهاب إلى الباشا ومعه يعض 
الهدايا المختارة والقيمة بقصد حث الباشا على المضئ قدماً فى تنفيذ مانواه ومن نيات 
حسنة سبق أن عبر عنها " , 

مفوضاً لدى باشا مصر بمرسوم ملكى ومزوداً بميلغ مريح مقداره مائة ألف فرنك 
لتغطية مصاريف مهمته الرسمية ولشراء بعض الأثار لمتحف اللوقر » وصل البارون 
تايلور إلى الإسكندرية فی ۲۳ أبريل ۱۸١‏ » إلا أن الهدايا التى حملها معه لباشا 
مصر لم ينتج عنها رد الفعل الفورى والحاسم الذى توقعه دوسان , 

لما بلغ إلى علم بيكر قنصل إنجلترا أن محمد على أهدى مسلتى الأقصر إلى 
فرنسا طالبه بهما من أجل بلده. وإذ فات محمد على أنه سبق أن وعد أخرين بهما 
تعهد بمنحهما إياه .. وعندما وصل تايلور تغلب عليه حبه لفرنساء شعر الباشا بحرج 
شديد.. هنا تمكن ميجو من حل للموقف . ويرجع الفضل فى إيجاد فكرة هذا الحل 
لشامبوليون إن كتب له فى " يونيى : "كانت هناك عقبة كبيرة كما تعلم إلا أنك أقترحت 
على بنفسك طريقة إزاحتها . تذكرتها مثل الإلهام السماوى وسط موقف الباشا المتردد 
الذى قبلها على الفور وأصبحت المسلتان لتا " . ما هى هذه الوسيلة ؟ هى أن يقترح 
على قنصل إنجلترا الذى وافق على الفور تبديل مسلتى الأقصر بمسلة الكرنك 
أجمل المسلات على الإطلاق وكان شامبوليون على يقين من إستحاله نقلها › 
التفاهم الودى كان لا يزال بعيداً .. 

بدت العملية محسومة لولا أن قامت ثورة الثلاثة أيام المجيدة " فى شهر يوليو 
وكادت أن تعيد الأمور كلها إلى نقطة البداية إذ أن المسلات كانت مهداة إلى شارل 
العاشر فلما تم عزله عاد القنصل الإنجليزى يصر من جديد على الحصول عليهما » 


649 


ولكن تايلور وميمى حاولا إقناع الباشا بعدم إمكانية الرجوع فى قراره ؛ لأن الهدية 
كانت مقدمة للك فرنسا لا إلى شخص الملك وإكن إلى الأمة ذاتها . 

فى باريس نفسها كان الإنقلاب السياسى الذى حدث قد خلق مناخاً مواتياً 
المبادرات » إلا أن إقامة مسلة فى العاصمة لم تكن ضمن أولويات الحكومة ويالتالى 
كاد المشروع أن يختفى لولا أن شامبوليون قام بجهد جبار لكى يعيد إثارته على 
الساحة. 

كان على صلة بالملك لوى فيليب الذى سبق أن عبر له عن تقديره العظيم واستقبله 
فى قصره . ونجح فى الوصول إليه خلال الاسابيع الأولى لتوليه العرش... غير أن املك 
إكتفى- فيما يبدو - بأن أوصى يشامبوليون ومسلاته لدى وزير البحرية الجديد 
الجنرال - كونت سيباستيانى . 

كان خليفة دواساز ضابطاً سابقاً فى جيوش الثورة ثم نابوليون وكان يدعى أنه 
من أسرة الإمبراطور وأنه صحبه فى جميع حملاته العسكرية . ضمن عالم المصريات 
فى تقريره (واحد آخر!!) الذى قدمه للوزير عاملاً جديداً جديراً بأثارة إهتمامه ودفعه 
إلى التحرك وهو أن رغبة الحكومة السابقة انحصرت فى جعل المسلة مجرد رونق تتزين 
په العاصمة فى أحد ميادينها إلا أن الحكومة الوطنية (الحالية) يتعين عليها أن تحدد 
لها هدفاً أسمى ألا وهى الاحتفال بالصفحات المجيدة التى حفلت بها تطورات الحملة 
على مصر والتى لا يشير إليها أى من معالم باريس حتى الآن كانت الفكرة جديرة بأن 
تروق للويس -فيليب أيضا إذ كان يمد يده للبونابارتيين . 

الفترة الصغيرة التى أمضاها سيباستيانى فى وزارة اليحرية أتاحت له فرصة 
إعادة مشروع نقل المسلتين إلى الساحة من جديد . كان مبلغ الثلاثمائة ألف فرنك 
الذى خصصته حكومة بولينياك فى بداية عام 167٠١‏ قد أنفق فى تشييد المركب 
"الأقصر" وعلى مهمة تايلور. فحصل الوزير على موافقة البركان على اعتماد جديد 
بتحريك الخطة التى وضعها سلفه ويتحديد ربيع 1451 موعداً أسفر الحملة . 

فى أثناء ذلك إستلم الوزیر سیباستیانی خطاباً من وزير الباشا -بوغوز يوسف 
-يعتمد فيه التنازل عن المسلتين لفرنسا . بهذا الخطاب المؤرخ ۲۹ نوفمير ٠۸٠١‏ وضع 
صاحب السمى الملكى محمد على تائب الملك على مصر تحت طلب صاحب الجلالة 
لويس -فيليب ملك الفرنسيين -"إبرة كليوباترا الموجودة فى الإسكندرية ومسلتى 
الأقصر الموجودة ضمن أثار طيية" 


650 


ثلاث مسلات مرة واحدة !! فى حين لم يكن يبقى على أرض الفراعنة سوى نصف 
دستة منها .. 


لحسن الحظ لم يكن من الممكن نقلها جميعاً دفعة واحدة . بمن سيبداً العمل ؟ 
البارون تايلور الذى كان على علاقة طيبة مع بلاط لويس فيليب كما كان الحال بالنسبة 
لشارل العاشر" أعطى الأرلوية 'لإبرة أو مسلة كليو باترا " . كانت محاولة نقل هذا 
المنليت من قبل قد فشلت لأن السفينة "درومادير" التى أرسلها دوساز إلى الإسكندرية 
لتسلمها عادت فارغة لأنها لم تكن مجهزة بالأخشاب الضرورية لتنفيذ العملية - هل 
ستعاد الكرة والعودة لنقلها ؟ إنتهى الأمر بالعدول عن ذلك . 

وظلت "مسلة كليوباترا" على حالها” , 

إنتصر فى النهاية. رأى شامبوليون السديد! فقى ١١‏ إبريل ١41١‏ غادرت 
"الأقصر" ميناء طولون إلى مصر ويعذ ذلك بعاملين ونصف ؛» فى "١‏ ديسمبر 1877 
عادت لترسى بجواركويرى الكونكورد وعلى متنها حملها الثمين.... مسلة الأقصر 
الغربية التى حددها شامبوليون للحملة التى تم تنفيذها بدقة متناهية .....كانت حملة 
مكلفة للغاية والانتقادات حادة جداً لدرجة أن أياً من الحكومات ام تفكر حتى فى 

تكرارها أما شقيقة المسلة الباريسية فقد وضع الشاعر تيوفيل جوتييه هذه الأبيات 


الحزينة على لسانها 
كم أود مثل أختى 
لباريس العظيمة أنقل 


إلى جوارها » لأتسلى 
وسط ساحة ٠‏ أزرع فيها . 
لا يمكنها اليوم أن تأمل فى ترك موقعها الذى تحتله منذ ثلاثة وثلاثين قرناً . 
عبور البحر المتوسط حتى الإسكندرية ثم الإيحار فى النيل صعوداً حتى طيبة 
وتحميل المسلة ثم العودة على النيل ثم بعد الوصول إلى طولون (والتوقف فيها لأسباب 
فنية ) ثم الإلتفاف حول شبه الجزيرة الإيبيرية وعبور خليج جاسكونيا والوصول إلى 


* إنتهى بها الحال أن رحلت إلى الولايات المتحدة وهى تقف اليوم فى نيويورك وسط سنترال بارك بجوار 
متحف المترويوليتان أما شقيقتها (المسلة التى وهبت لإنجلترا فقد نقلت عام 141/8 إلى لندن عبر رحلة عصيبة 
وشيدت إلى جوار حجسر واترلى. | 


651 


الهاقر ومنها الإبحاى فى نهر السين حتى باريس : كانت هذه هى الرحلة التى قامت بها 
"الأقصر" لمسافة ۲,۱۱۰ فرسخا بحریا (١٠٠0,؟١‏ كم) 

كان يقود "الأقصر" فارنيناك دوسان مور- قبطان "استرولاب" السابق الذى أعاد 
شامبوليون من مصر . وكان على متنها حوالى عشرة ضباط وضباط صف - منهم 
كمساعد للقبطان ليون دوجوهانيس نقيب بحرى وأنجولان الطبيب الجراح بحرى وشاب 
متخرج اتوه من الكلية البحرية- شارل جوراس أحد أنجال ابن عم جان جوارس Li‏ 
الطاقم فقد بلغ عدد أعضائه مائة وخمسون رجلاً وضم مع البحارة عمالاً من مختلف 
التخصصات من نجارين وحدادين وميكانيكيين كان وجودهم ضرورياً من أجل إقامة 
التجيهزات اللازمة لتحريك المسلة . 

المسافر الوحيد كان مهندس البحرية أيولينار لوما المكلف بإدارة عمليات إنزال 
المسلة من مكانها ونقلها إلى المركب . كما ثم تعيينه بعد ذلك مسئولاً عن إقامتها تحت 
سماء باریس . 

بالنسبة لعظم هؤلاء الرجال كانت هذه الرحلة والإقامة الطويلة فى مصر مغامرة 
حياتهم العظمى فهى بالفعل كذلك بالنسبة لمن تولى مسئولية مركب صممت لكى تبحر 
فى البحار والأثهار معاً -قكرة شامبوليون - ولكنها لم تكن مزودة بإمكانية مواجهة 
أعالى البحار والحالات الجوية الصعبة . إذ تمكنت "الأقصر" من الوصول إلى مصر 
بوسائلها الخاصة ولكنها إضطرت إلى أن تعود مسحوية من أحدى أوائل المراكب 
الفرنسية التى تحركها محركات تسير بالبخار : "السفنكس" . 

إنها أيضاً لمغامرة تلك المتمثلة فى الحياة لأكثر من عام وسط أطلال حضارة 
عظيمة وأن تقيم داخل سراى سيزوستريس وأن تتعرف على الشرق بفخامته وبؤسه 
وأن تتفادى وباء الكوليرا وأن تنتظر أشهر طويلة فى أعماق منطقة طيبة عودة فيضان 
النيل الذى سمح 'للأقصر' أن ترسى بجوار المسلة حتى السنة التالية لتحملها بحمواتها 
وتعود بها إلى البحر . 

أما بالنسية للمهن دس لوبا فالرحلة كانت شيئاً أخراً » غير كونها مغامرة 
عظيمة : لقد كانت فيما يخصه هو عملية محفوفة يالمخاطر يغامر فيها يمستقبله 
العملى كله : وكان واعياً جداً بخط ورة اللمهمة الموكلة إليه ؛ وقد كتب يقول 
'بالنسبة إلى كان كل شئ مركزاً فى هذه الكتلة من الجرانيت التى تزن ۲٠١,٠٠١‏ 


652 


كجم التى ينيغى إنتزاعها من ساس sal‏ داخل الأرض وتحميلها فوق مركب (..) 
كانت هذه العملية فى نظرى - شئ عظيم ظل يثير وجدانى À‏ 


" هذا الشئ العظيم' حمل ھا ایر بالكامل إذا عرفنا الخاصية البدنية . 
التى تميز بها صاحبنا , إذ أن لويا كان قزماً أى يكاد .. وهو يسوق بنفسه العديد من 
النكات حول ضئالة جسمه . فى طيية . عندما علم 'عربى بأنه يهم برفع المسلة لم 
يصدق وصرخ قائلاً " الله الله !! من ؟ هذا ؟ إن عصاى أطول منه " . فى مرة أخرى 
حملاه أثنان من السياس ثم :' وضعانی فوق حصان تتاقض حجمه الهائل بشكل كبير 
مع ضئالة حجمى .. حتى أن ساقاى كانتا فى وضع يكاد يكون أفقياً .. 


كان لويا يستخدم هذه النكات بشئ من السخرية ولكنه لم يكن مزاجه رائقاً عتدما 
تظاهر الباشا أثناء أحد اللقائات أنه لا يراه ' أين هى المهندس ؟ أطلبوا منه أن يجلس 
بجوارى حتى آتمكن من رؤيته ' . على الرغم من صغر حجمه كان أبولينار لويا رجل 
الموقف وعلى مستوى المواصفات اللازمة لهذا الرجل ؛ كما حددها شامبوليون إذ طالب 
بإرسال 'مهندس معمارى أو ميكانيكا عملى النزعة وليس عالماً " كان بالفعل عملياً وقد 
حمل معه فى ملفاته رسومات الأجهزة التى تصورها من أجل رفع هذا الحجر الهائل 
الضخامة , ولكنه كان من العلماء أيضاً لأن حساياته كلها كانت سليمة إذ بعد خمس 
سنوات كاملة سينجح فى نصب المسلة فى مكانها الحالى دون أن تصاب بأقل خدش . 


sai‏ الآن إلى شامبوليون فى باريس : عندما كانت الأقصر تستعد للإقلاع لم يكن 
أمامه سوى عام واحد من الحياة ٠‏ . كان مريضاً وأعصابه متى جرة للغاية ممزقا بين 
"القواعد" ومناشدات روسيللينى التى تطالبه بالبدأ فى عملهما المشترك ؛ ومع ذلك فلم 
تغب عن مخيلته السفينة المتوجهة نحي المسلتين المقربتين اقلبه . كلما غادر المتحف ومر 
أمام أعمدة ييرى كان يتخيلهما منتصبتين أمام المبنى الأوسط على جانبی اباب 
الرئيسى وإذا لم تتح له سوى واحدة فكان يراها واقفة وسط فناء اللوقر بجوار 
المجموعات الأثرية الموضوعة تحت مسئوليته , 

كانت هذه رغيته كما عير عنها . غداة أحداث يوليى . فى تقريره إلى سيباستيانى 
عن المسلات : "إن مكاتهما محدد بالطبع إما على جانبى الواجهة أمام سلسلة عواميد 
. اللوثر وإما أمام البوابة المواجهة للمجادلين قى حالة لوأن هذا المبنى إستعاد اسمه 
كما هى مأمول وهويته كمعبد للمجد الفرنسى. إن استخدامهما على هذه الصورة 


653 


يحتفظ للمسلات بمهمتهما الأصلية . 

بصفته عاشق لمصر أراد شاميوليون فى الواقع الإحتفاظ بالهوية والهدف الذى 
كان منوطاً بالمسلات داخل الإطار المعمارى للمعيد المصرى عند اختيار موقعهما 
الباريسى . 

كان يريد لهما أن تقامان على قاعداتهما الأصلية لتفادى إقامة "القواعد المضحكة 
ذات الشكل المعمارى الحديث التى أقيمت مثيلاتهما عليها فى أورويا -" . وكان يريد 
أيضاً عدم إقامتهما وسط ساحات مسطحة واسعة لأنها تفترسها وتسلبها عظمتها 
وجلالها . هذا التمسك بالنواحى الجمالية إصطدم بتناقضات قوية إذ كان شامبوايون 
يفكر كعالم أثار . إلا أن الموضوع كان مطروحاً من وجة نظر تخطيط المدن . 

أثار أحد أشد منتقدى المسلة الباريسية - بيتروس بورال تأييداً لنظرية موضوع 
إحترام النمط المحلى : 'لماذا لاتتركون لكل مكان ولكل منطقة أمجادها وزينتها ؟ لا 
توجد قيمة لشئ سوى فى مكانه الأصلى وفوق أرض وطنه وتحت سمائه, إذا توجد 
علاقة متبادلة وتناغم حميم بين المبانى المشيدة والبلد الذى أقامها .إن المسلات محتاجة 
لواجهات المعايد وعبادة الشمس وتعدد الألهة .. وجود الصحراء واجب : 

.موقع المسلة كان موضوع جدل عام عندما وصات إلى باريس. بل إنها أصبحت 
سبباً فى إنشغال بال الأوساط السياسة العليا وعلى الرغم أن المنتظر وصولها كانت 
مسلة وحيدة على متن "الأقصر' إلا أن الجميع كان يفكر فى إثنين إن لم تكن ثلاثة - 
فى إعدادهم للمشاريع التخطيطية . 

لم يخف الملك رغبته فى نصيبها فى المحور الذى يبدأ من التويلورى حتى قوس 
النصر إحداهما فى ميدان الشانزيليزيه 1/5885 - 000181005 Rond-point des‏ 
والأخرى فى ساحة لويس الخامس عشر (التى ستستعيد ستستعيد اسمها فى ميدان 
لاكونكورد ) . بالنسبة لشابمبوليون كان إختپار هذه الأماكن ضرباً من الهرطقة 
كما رأينا قبل قليل وكان يأمل فى أن يجعل الملك يعود عن قراره . حصل عن طريق 
چان فاتو صديقه وأمين مكتبة الملك على عدة لقاءات مع لويس في ليب ولكنه 
دافع عن مواقفه هو دون جدوى أى "فى ساحة اللوفر ولا مكان آخر ' قى حالة 
لو الذى نحصل عليه هى مسلة واحدة , كان الملك قد إختار ولا يريد تعديل قراره ولم 


654 


يكن شامبوليون الشخص الذى يتنازل عن رأية هو أيضاً . اختلافات وجهات النظر 
هذه ألقت يظلالها على علاقاتهما » ثم وقع حدث آخر زاد من تدهورها ' 

سرت شائعة عن قرب قيام لويس - فيليب بإحلال البارون تايلور مكان ميمو 
بحجة أن حكومة شارل العاشر هى التى عينت القنصل ولا كان شامبوليون لا يمكنه 
إحتواء سخطه عندما يتعرض صديق له للظلم فقد احتدم نقاش له مع الملك ولا بد أنه 
ذكر له أن البارون ذاته كان من محاسيب النظام السابق .. 

لم يكرر شامبوليون محاولاته لاعتماد وجهات نظره حول مكان إقامة المسلات . إلا 
أن الفرص أتيحت له قرب نهاية العام لتوضيح رأيه حول ضرورة إقامتها فوق قواعدها 
الأصلية ‏ وكان الملك قد أرسل يطلب منه إيضاحات حول مصدر ومخطوطات مسلات 
الأقصر وكان وزير البحرية أيضاً الأميرال دورينى يود أيضاً الاستعلام عن الرسومات 
والخطوطات النقوشة على القاعدة التى كان لوبا قد أخلاه' وأرسل صوراً منها 


الخطاب الطويل الذى حرره يوم ٠١‏ ديسمبر للرد على الوزير كان من آخر 
الأعمال التى أداها فى حياته . فبعد ثلاثة أيام أصيب بنوبة خرج فيها بشلل نصفى 
وكان قد علم لتوه أن وياء الكوليرا اجتاح مصر العليا وأوقف فى طيبة أعمال الحملة, 
عندما وصلته رسائل دوفارنيناك التى أفادته بإنتهاء الوياء وبتحميل المسلة على متن 
'الأقصر" كان قد قارب النهاية. لقد علم على الأقل قبل وفاته أن المأمؤرية التى كان 
حسبما وصفه ميمى. (محركها الأساسى) فى إتجاهها إلى التيلور . 


فى باريس أصبحت المسلة فى الصالونات وفى الشارع موضوع الأحاديث الذى 
تغذيه المقالات الصحافية وكانت الجرائد قد أعلنت عن مغادرة "الأقصر" ووصولها طيبة 
فى ١5‏ أغسطس .۱۸١١‏ ونشرت صحيفة لومونيتور Le Moniteur‏ يوم YA‏ يوليو 
تقريراً عن رحلتها من طولون إلى الإسكندرية وكانت الصحافة تنشر تقاريرها تباعاً 
عن سير عمل الحملة بقدر ما كانم تسمي به وسائل الاتصال في ذلك الوقت وكان 
شاميوليون بدوره ينقل إليها الأنباء التى كان يتلقاها من أصدقائه . 

وعلم الناس أن المسلة التى كانت قد أنزلت فى الأسبوع الأخير من أكتوير 
وحملت على ظهر "الأقصر" فى نهاية ديسمبر 181١‏ ظلت تنتظر فيضان النيل لتغادر 


655 


طيبة فى 0 اُغسطس ۱۸۲۲ وأنها إضطرت للأنتظار قترات أخرى يسيب مصاعب 
الإبحار قبل مغادرتها رشيد والإسكندرية التى غادرتها فى نهاية الأمر فى أول أبريل 
AYY‏ . 


بدا الباريسيون يأخذون المضلة على محمل الجد » وكان موقع إقامتها بالطبع هو 
محور المناقشات . وإتهدئة النقوس أعتقد لويس - فيليب أنه من الأفضل تنظيم إستفتاء 
عام للجمهور. وبمناسبة إحتفالات يوليى ١417‏ أقام مسلتين مقلدتين تشبهان المسلات 
المنتظرة : إحداهما فى ساحة لاكونكورد والأخرى فى الساحة التى أمام الآنفاليد . 
هذه الأخيرة كانت حياتها قصيرة جداً أما التى أقيمت فى ميدان لاكونكورد فقد ظلتٍ 
فى مكانها حتى معرض الفن والصناعة الذى أقيم عام 1815 . 

بدلاً من تهدئة النفوس أثارت هذه المسوخ - المصنوعة من مواد رديئة ومغطاة 
بهيروغليقيات ذات خطوط ركيكة- الانتقادات ونشر عنها وابل من المنشورات - 
ومشاريع تنتقد المكان المختار وتقترح أماكن أخرى . كان عدد كبير من المنتقدين 
يلومون على المسلة أنها تحجب فى نفس الوقت المنظر العام من التويلورى حتى قوس 
النصر وكذلك المشهد العام من المادلين إلى مجلس النواب ولدى سماعة المرء لهؤلاء» 
يعتقد أنها ستحجب تماماً هذه المبانى فى حين كان يأسف البعض الآخر 'لاختيار هذ 
الأثر النحيل لتكون وسيلة الزينة الرئيسية التى تتحلى بها "أوسع ميادين أورويا” والتى 
كان يمكن أن يصبح أجملها على الإطلاق فى حين ردد غيرهم لى أنها وضعت فى 
الاتقاليد أو وسط اللوقر أى قى ميدان الشانزيليزيه (..) لكان ذلك أقضل لها “فلتوضع 
فى ميدان الباستيل' ! كان ذلك الإقتراح صادس من عمدة الحى الثالث الذى لم يكن 
على دراية بأن مكان الحصن السابق قد خصص لإقامة عمود فى ذكرى "المجيدات 
الثلاثة" ومرة أخرى عاد الحديث عن الأرض الموجودة أمام البون-نوف لتحل محل 
تمثال هنرى الرابع ويجدد شباب الكوبرى ذاته وتعاد زخرفته على النمط المصرى . 

كانت أكثر الأراء الموثقة تلتقى مع وجهة نظر شامبوليون : المهندس المعمارى جو 
زار مصر ودرس ورسم معابدها : “لم يرى فيها أبدأ مسلات موضوعة وسط مساحات 
شاسعة " . الآن وقد أصبح الحديث مختصراً فى مسلة واحدة فهو 'يعتقد مع فنانين 
كثيرين غيره .." أنها يجب أن توضع فى ساحة اللوش إذ ستزداد فيها عظمة وأبهة 
وهى على رأس مجموعة التفائس التى تثير أعجاب الأوروبيين . 


656 


كانت ساحة اللوفر هى إختيار مناصرى المساحات المقفولة والكونكورد إختيار 
مفضلى المنظر العام وكما يحدث فى مثل هذه الأحوال دائماً كانت وجهة نظر الملك هى 
التى تغلبت . 

وهندما رست "الأقصر" فى نهاية عام ۱۸١١‏ عند الكونكورد لم يعد هناك مجال 
الشك فى إختيار المكان : وكان الحوض العائم قد وصل إلى ميناء طولون فى ٠١‏ مايق 
وغادره فى ٠١‏ يونيى وبعد أن مرت من أمام جيل طارق واتخذت طريقاً إلتفافياً عبر 
المحيط الأطلنطى دخلت إلى مصب نهر السين فى مدينة روان ونزعت عنها سواريها 
لكى تتمكن من العبور أسفل الجسور وجذبت حتى باريس حيث كان لويا قد بنى لها 
مرسى خاص لاستقبالها . عملية إنزال المسلة ونقلها إلى المكان الذنى ستنتصب فيه 
كانت على درجة من التعقيد تساوى - إن لم تكن تفوق تلك التى تم إنتزاعها بها من 
مكانها الأصلى . هذه العملية تمت على عدة مراحل ودامت نحو ثلاث سنوات . 

لإخراج هذا المنليث الضخم من أحشاء السفينة كان يجب إنتظار هبوط منسوب 
نهر السين ولم يكن إنزاله على رصيف النهر قبل شهر أغسطس ۱۸١٤‏ ثم رفعه حتى 
قمة المطلع اليمين لكويرى الكونكورد حيث بقى هكذا لعدة شهور آخرى لأن إيقافه 
منتصباً آثار فى الواقع مشاكل عديدة أولها مشكلة القاعدة التى سيقف فوقها . 

كانت أمنية شامبوليون كما رأينا من قبل هى أن توضع المسلة فوق قاعدتها 
الأصلية وكان قد أوصى لويا وفارنيناك أن يحضرا الأثر (مع ملحقاته) . فلما وصل 
لويا إلى طيبة أزاح الأترية من حول الأساس من أوجهه الأريعة المنحوت فيها رؤؤس 
فردة على كل وجه . ثم أرسل إلى عالم المصريات نسخة من خرطوش رمسيس الأكبر 
وأيضاً نسخاً من الهيروغليفيات المنحوتة على القاعدة . إلا أن هذه القاعدة كانت تأكلت 
تماماً بفعل أملاح الأتربة لدرجة أن لويا تخلى عن فكرة إحضارها معه . وعلى الرغم 
من بغض شامبوليون الشديد" للقواعد السخيفة التى يخترعها المعمار الحديث " فكان 
من الواجب إنشاء واحدة لا تكون على درجة كبيرة من السخف . 

إلا أن مسالة المسلة وقاعدتها كانت مرتبطة بمشروع أضخم بكثير وهو مشروع 
التخطيط العام لميدان الكونكورد . فى تلك المرحلة التى نحن بصددها لم يكن الميدان 


657 


سوى أرض فضاء وكان قصر جابريل وتماثيل خيول مارلى وخيول كوازوفوكس تحيط 
بمساحة من الوحل ومن وراء "الدرايزين' ' تمر بها مصارف مليئة بالتياتات البرية 
والقمامة والمياة الآسنة (9) . 


كان أحد أهم المشاريع التى أراد لويس- فيليب تحقيقها عندما إعتلى العرش هو 
ردم هذه القنوات وأن يحمل من الكونكورد ميداناً يليق بالعاصمة إذ أنه يحتل مركزها 
وكان الموقع محملاً بتاريخ قريب لا يزال حيا فى الأذهان وكان قصد الملك هو أن يجعل 
منه مكاناً يرمز التصالع بين الفرنسيين ويكون هو حكماً بينهم وهو عندما يضع المسلة 
التى هى أثر محايد من وجهة النظر السياسية فى ذات الموقع الذى أخلى منه تمثال 
لويس الخامس عشر فى عام 1741 وحل محله تمثال الحرية وهى ترتدى القلنسوة 
الفريجية" " فلعله كان يتصور - مثلماً فعل شاتويريان : "ستأتى الساعة التى ستلتقى 
فيها(المسلة) من جديد . وهى فى ساحة الافتيالات - بالصمت والوحدة المخيمان عليها 

فى الأقصر"129!) ولكن الوقت لازال مبكراً إذ أن مشروع تخطيط ميدان الثورة القديم 
أثار إحتجاجات الذين كانوا يأملون رؤية صرح يقام تخليداً لذكرى لويس السادس 
عشر الذى وعد شارل العاشر بتشييده "حيث سالت دماء رجل شريف ' ٠‏ 


فما هى العمل ؟ حول الملك لم تكن الأفكار المقترحة قليلة العدد .. كان من رأى 
البارون تايلور- إذ كان على ولائه لكليى باترا ومسلتها - أن يضعها مع مسلتى 
الأقصر فى جنبات الكونكورد الأربعة وتصنيع الرابعة من الجرانيت الفرنسى . رفض 
المجلس فكرة المسلات الأربعة وإكنه أقر فكرة تزيين الميدان وشارع روايال والشانزليزيه 
بتماثيل لرجال عظماء . 


أوكل لويس فيليب - بتعقل شديد مهمة تجميل ميدان الكونكورد إلى مهخدس 
اللكة الك ره الذى جيل - خلال عشرين عاماً من هذه المساحة بنافوراتها 
وأعمدتها المزينة برموز بحرية وأعمدة إنارتها المشعبة وتماثيلها التى ترمز إلى مدن 
فرنسا - أحد المعالم الهامة للعاصمة . 


كان هيتورف منذ عام 1417 يضع المسلة - علما بأنه لم يكن قد رأها بعد 


+ كانت القلنسوة الفريجية يرتديها العبيد المحررون فى روما القديمة وأصبت أبان الثورة الفرنسية عام ٠۷۸۹‏ 


658 


فى دراساته المختلفة لميدان الكونكورد. كانت الدراسات تتضمن نافورتين وأحياناً أريع 
نافورات والمسلة تظهر فيها وواقفة قفة أحياناً على قاعدتها الأصلية ذات وجوه القرود 
الأريعة . 


هل يجب إعادة نحت القاعدة ما دامت الأصلية غير متوفرة - أم إنشاء أخرى 
مستلهمة من نمطها؟ كان وزير الداخلية أدواف تيلر ميالاً لقاعدة على الطريقة المصرية 
وبنائا. على طلبة قدم له هيتورف ست مشروعات مختلفة لقاعدات مع تعديلات خاصة 
لكل منها فيما يتعلق بالأسود أو أبى الهول المستخدمة كدعائم) وكلها مشروعات لم تكن 
ترضيه ولكنه وضعها فقط حسب 3 قوله -لكى يثنى مسيو تيار عن عزمه المضي فى هذا 
الاتجاد. ومن ناحية أخرى لم يكن مجلس المبانى المدنية متفقاً مع ذوق الوزير(!!), 


تقرو إختيار سداسى متوازى الأضلاع خطوطه مجردة ودون أى زخرفة ولكن 
يعوض بساطته البالغة نبل المادة المصنوع منها .. طاف هيرتورف كافة سواحل 
مقاطعة بريطانيا الفرفسية بحذاً عن الجرانيت الذى كان يحلم به إلى أن عثر عليه عند 
مدينة براست فى المحاجر الواقعة عند مصب نهر الأيبار - إيلدوت . رست مناقصة 
أجريت فى هذا الصدد فى ٠٠١‏ مايو ۱۸٠١‏ على المقاول جياستريناك الذى تعهد 
باستخراج وقطع خمس قطع من هذا الجرانيت المخصص للطبلية والقاعدة مقابل 
6 فرنكاً وهى مبلغ ضخم فى ذلك الوقت - إلا أنه كان يجب الذهاب إلى أخر 
مقاطعة الفينيستار لإحضارها . فتم تكليف "الأقصر" ؛ 'والسفنكس" للقيام بذلك. 
غادرت "الأقصر" باريس لمهمتها الثانية فى بداية سبتمبر ١470‏ وهى ما زالت تحت 
قيادة شارنيناك وعادت فى نهاية العام محملة بالقاعدة وهى فى قطع مفككة زنتها ٠٠١‏ 
طذاً. كان عليها أن تنتظر حلول الربيع الثانى لإنزالها من المركب وتجميعها وسط 
ميدان الكونكورد» إلى أن أصبحث مستعدة ة لإستقبال المسلة فى بداية شهر أغسطس 
٦‏ كانت هذه الأخيرة قد نقلت من مكانهاً مجدداً : وأصبحت الآن ممدة عذد أقدام 
الطريق المائل الذى أقامه لوبا لكي تصعد فوقه حتى قاعدتها . للقيام بهذه العملية أراد 
المهندس فى بادئ الأمر اللجىء إلى أحدث تقنية متاحة فى ذاك الوقت وهى ألة تدور 
بالبخار ولكنه لم يتمكن من أن يحصل منها على الطاقة المطلوبة واكتفى مضطراً 
بعضلات جنوده من سلاح المدفعية . 


فى 0" أكتوير 1417 شاهدت باريس كلها المسلة وهى تقف على قاعدتها وكان 
هذا ا sf ER FS‏ رسو خاطئ أو 


659 


ستتهشم والملايين تضيع وأكثر من مائة عامل يسحقون لا محالة” .. " ولكن سبق أن 
رأينا كيف أن كل شئ تم على أكمل وجه على الرغم من حدث يسيط عطل العملية 
لبعض الوقت . 


أصبح لباريس مسلتها أخيراً ولكن إقامتها فى مكانها لم يضع حداً للجدل حولها: 
فقد بدأ إجراء الحسابات التى أوضحت أن المبلغ وصل حتى الآن إلى ١٠,٠٠٠,٠٠٠١‏ 
فرنكا مع حساب القاعدة - ولم يكتمل الحساب بعد- هذا ما تكلفته هدية محمد على 
مما دفع بيتروس بورال ليقول : "أشعر بأسى عندما أتذكر المبالغ الهائلة التى صرفت 
لنقل وتركيب قطعة من الحجر. Loing,‏ يقومون بإرهاق الميزانية 5 تقع كاتدرائياتنا 
أطلالاً ويتدهور حال قصورنا ٠‏ إن دير روأيومون أصبح تصف مدمر وخريا" . 


فإذا كان الجدل حول مكان إقامتها قد هدا أثير آخر وكان أكثر خبقاً حول 
العبارات التى ستنقش على القاعدة. كل فرد كانت له رغبة مختلقة بل أن الموضوع 
أثير حتى قبل وصول الأثر إلى باريس ٠‏ ويبدى أن أحد التيارات كان قادماً من الجهات 
العليا يهدف إلى إختصار هذه التعبيرات إلى أقل قدر ممكن وتحاشي ذكر حدث أو 
فرد قد يثير النفوس أو يجرح الكرامات كتب الكونت لابورد فى الكتب الذى نشره عام 
۲ عن "مسلات الأقصر" أن 'عدداً من الشخصيات المرموقة " تتصارع من أجل 
إحضارها لفرنسا ثم تسائل : " من هو صاحب الفكرة ؟ " وكان يقصد بالطبع 
شامبوليون إلا أنه أضاف بحذر ' يعود الشرف الأهم إلى الذين نفذوا العملية ببراعة 
وهكذا فإن الفضل كله يعود إلى البحرية الفرنسية . 

فى نهاية العام ذاته نشر شامبوليون- فيجاك مقالاً تحت عنوان'مسلة الأقصر 
المنقولة إلى باريس" يثبت فيه بالمستندات أن شرف إختيار المسلة وإهدائها إلى فرنسا 
يعود دون أدنى شك إلى أخيه. فى هذا المؤلف الذى نشر فيه 'صورة المسلة وترجمة 
لخطوطاتها الهيروغليفية طبقاً للرسومات والمذكرات الخطية لشاميوليون الصغير ,' 
إعترض فيجاك على النية المعلنة لكى لا يظهر على القاعدة سوى الإنجاز الفنى فى 
إقامتها : "هل سيكفى لإرضاء الحكومة إظهار (المسلة قائمة ) على أنها براعة كانت 
محفوفة بالمخاطر أتجزتها تقنياتنا الميكانيكية الحديثة؟ (..) آلا يخطر على بال أو قلب 
أى من الشخصيات التى لها صوت مسموع فى مجالس الأمبر أو الأمة لتقول إن 
العديد من الذكريات الخالدة تدور فى فلك هذا الحجر وتحييه؟ ..'(12) 


* تلاحظ توتيب المخاطر . 


660 


مثلما فعل جان فرانسوا فيما مضى إقترح شامبوليون- فيجاك أهداء الأثر 
المصرى إلى ذكرى جيش الشرقء واكنه عندما عبر عن أمله فى ريط ذكريات أخرى به ء 
كان يشير على وجه الخصوص - أو إن ذلك هو ما يشعر به المرء من كلامه- إلى 
اكتشاف أخيه . للأسف فإن أيا من مستشارى الأمير لم يستمع إليه . 

أقيمت إذن المسلة فوق قاعدة خالية من أى إهداء ولم يضع هيتورف لمساته 
الأخيرة على زخرفة القاعدة سوى فى عام 184٠‏ . وإذا عدنا إلى مراسلاته الرسمية 
مع السلطات المسئولة سنجد أن فكرة هذا العمل تعود إليه فما هى الموضوع الذى 
إختاره وسط جميع المواضيع الأخرى التى كان يمكن أن تثيرها فى الأذهان إقامة 
المسلة المصرية لزخرفة قاعدتها ؟ قال : "يجب أن تتعرف الأجيال القادمة على إحدى 
أهم العمليات الميكانيكية فى العصر الحديث" . إختيار غريب بل هو مذهل : ألم يكن 
من الأفضل أن تعرف الأجيال التالية شيئاً عن إحدى الإكتشافات التى إعتيرتها أورويا 
قى ذلك الوقت من أهم ما عرفه القرن وهى إكتشاف عالم فرنسى تحمل المسلة 
والهيروغليفيات التى عليها بعد أن حلت شفرتها الدليل على عظمته؟ بالطبع! وكان 
المهندس المعمارى فى ذلك الوقت حجيداً. إلا أته كان يعرف كذلك أنه بتفضيله 
الوجه اللوجيستى للحدث فإنه يساير وجهات نطر السلطة وهكذا إضطر شامبوليرن 
المكتشف أن يتنحى أمام لوبا الشيال (13) , 


بعد أن ظلت المسلة معزولة عن العالم بسبب دوامة المرور أصبح الآن من الممكن 
زيارتها (بفضل إشارات المرور التى أقيمت لذلك) فالنعبر الطريق إذن وندور حول 
قاعدتهاء على وجهتها الغربية فى إتجاه الشانزيليزيه كتب ما يلى : 
فى حضور الملك . 
لويس -فيليب الأول هذه المسلة 
المنقولة من الأقصر إلى فرنسا 
أقامها على هذه القاعدة  .‏ 
مسيو لويا » مهندس 
وسط تصفيق 
فى "١‏ أكتوير ١811‏ 


661 


وعلى الوجه الشمالى (فى إتجاه شارع روايال) والوجه الجنوبى (ناصية السين) 
نحتت رسومات مطلية بالذهب لها أثر زخرفى جميل تصف طبقاً لتماذج لوبا الأجهزة 
التى سمحت له برفع كتلة الحجر الهائلة التى تزن 7١‏ طناً من فوق قاعدتها فى 
الأقصر ثم سحبها حتى ضفاف النيل ثم من شاطئ السين حتى موقعها الحالى 
وأخيراً إقامتها على قاعدتها . 

يشرف لويا يظهور أسمه على ثلاث من واجهات القاعدة وكان أسمه سيظل وحدة 
مع اسم الملك مذكوراً على الصرح لولا أن أضيف اسم فرنيناك قبطان المركب 
'الأقصر" الذكور فى تواضع فى الوصف العام ®" لأنه إحتج باسم سلاح البحرية 
على هذا السهى . 1 

إستوجب الأمر Lai‏ إرضاء جه من الرأى العام الذى اراد مثل شاميوليون 
رؤية ذكرى الحملة على مصر مشاراً إليها على الصرح كما أن هدية الباشا كانت 
تستوجب كذلك كلمة شكر. 

الغريب أن ملك الفرنسين أوفى بواجب الشكر هذا باللغة اللاتيثية كما أهدى 
المسلة إلى ذكرى النجاحات التى أحرزها جيش الجمهورية وهى المسلة التى تعلن إلى 
الجهات الأصلية الأربعة عظمة أحد الفراعنة الذى يعتير أجمل أعماله المجيدة هى أنه 
رد المهاجمين على أعقابهم بعيداً عن إمبراطوريته . 


LUDOVICUS PHILIPPUS I 
FRANCORUM REX : 
UT ANTIQUISSIMUM ARTIS AEGYPTACIAE OPUS 
IDEMQUE 
RECENTIS GLORIAE AD NILUM ARMIS PARTAE 
INSIGNE MONUMENTUM 1 
FRANCIAE AB IPSA AEGYPTO DONATUM 
POSTERITATI PROROGARET 
| OBELISCUM 0, 

DIE XXV AUG A MDCCCXXXI THEBIS HECATOMPYLIS AVECTUM 
NAVIG AD ID CONSTRUCTA INTRA MENSES XIII IN GALLIAM PERDUCTUM 
| ERIGENDUM CURAVIT 
D. XXV OCT À MDCCCXXXVI ANNO REGNI SEPTIMO 


هذه العبارة اللاتينية التى عهد بتحريرها إلى أكاديمية المخطوطات والآداب تحتل 
الساحة الشرفية للأساس التى تطل على التويلورى قام بترجمتها الى الفرنسية آلان 
ياچاس : 
T7‏ س ٠.‏ 


662 


"ملك الفرنسيين إذا يبغى أن ينقل إلى الأجيال التالية أحد قمم الفن المصرى 
وكذلك الذكرى الرائعة لإحدى الأعمال المجيدة التى تحققت بالسلاح مؤخراً على 
ضفاف النيل. تم رفع هذه المسلة الممنوحة لفرنسا من مصر ذاتها . رفعت من مقابر 
طيبة فى 0" أغسطس 14875 ونقلت إلى فرنسا على متن سفينة شيدت لهذه المناسبة 
خلال رحلة دامت ثلاثة عشر شهراً. أقيمت هنا فى يوم ١0‏ أكتوير 1415 , سابع 
أعوام ولايته ' . 

لا توجد إشارة واحدة فى هذا الخص لمنشئ المسلة رمسيس الثانى وهو العظيم 
الغائب الآخر عن هذه القاعدة . فلنصحح هنا هذا الظلم إن كان ذلك ممكناً بأن نردد 
أحد التراتيل التى أمر ملك مصر العليا ومصر السفلى بنحتها بالهيروغليفية على واجهة 
المسلة التى تنيرها فى هذه الأيام الشمس الغارية : 

"ملك المنطقة العليا » ملك المنطقة السفلى » منظم وملك مصر ‏ الذى أدب 
الشعوب » حورس الوضاء » حارس السنين » عظيم بانتصاراته » ملك الشعب المطيع , 
الشمس حامية الحقيقة ٠‏ حاكم الحكام » الذى أنجبه شمو » لكى يمارس الأحكام 
الملكية على العالم عدداً عظيماً من الأيام » ابن الشمس » عزيز أمون : رمسيس › 
ليحيا! 


م مه 


لتحيا أيضاً فى ذاكرة البشر أعمال وأفكار جان- فرانسوا شامبوليون . 


663 


تمهيد: وميض هائل من نور صامت 


. Préface à l'Essai sur les hiéroglyphes de Warburton, Aubier-Flammarion, 1977. 
. Les Prêtres de l'ancienne Égypte, Seuil, 1967, pp. 110-130. 

. Hbid., pp. 111-130. 

. Lettre à Zelmire, « l'Asiathèque », Paris, 1978, p. 63. 

. Les Prêtres de l'ancienne Égypte, op. cit., p. 115. 

. Silex, op. cit., p. 59. 0 

. Flammarion, Coll. « Les Perspectives dépravées », Paris, 1985, 

. Naissance de l'égyptologie au xvir siècle, revue publiée par le CNRS, n° 158, 


س دم کی £ ي کل بي 


9. En trois tomes, chez Jacques Guérin, libraire quai des Augustins. 

10. Ces diverses citations sont empruntées au livre II, pp. 210-214. 

11, Voir à ce sujet le récit savoureux de Gérard de Nerval dans les fluminés, 
pp. 202-214, . | 

12. Jean Leclant, « En quête de l'égyptomanie », Revue de l'art, 5, 1969, p. 83. 

13, « L'expédition d'Égypte et l'art français », dans Revue des Études napoléo- 
niennes, janvier 1925. 

14, Jurgis Baltrusaïtis, la Quête d'Isis, Flammarion, p. 4. : 

15. fbid., p.218 

16. IT partie, chap. 3. 

17. Mémoires d'outre-tombe, 1, p. 735. 

18. Jean Tulard, l'Histoire, n° 61, novembre 1983, p. 34. 

19. Mémorial de Sainte-Hélène, coll. « l'intégrale », Seuil, 1968, chap. 1, p. 67. 

20. Mémoires d'outre-tombe, J, p. 719. 

21. Oxford University Press, Londres, 1931. 

22, Mémorial de Sainte-Hélène, chap. 10, p. 503. 

23. Bonaparte et l'expédition d'Égypte, traduction 1962. 


665 


` 1988. 


24. Journal d'un notable du Caire durant l'expédition française, Albin Michel, 1979, 
traduction J. Cuoq, pp. 90-91. 

25. Herold, op. cit., p. 218. 

26. Ch.-O. Carbonell, l'Autre Champollion, « l'Asiathèque » et Presses de l'IEP, 
Toulouse, 1984, p. 10. 

27. Vivant Denon ou ia conquête du bonheur, IFAO, 1986, pp. 163-177. 

28. Duchesse de Maillé, Souvenirs de deux Restaurations, Librairie académique 
Perrin, 1984. 

29. À la recherche de l'Égypte oubliée, Gallimard, 1986, p. 54. 


١‏ - الحياةٍ قى فيجاك فى عهد الثورة 


1. Archives du Lot, série C., n° 969. 
2. Document communiqué par Mme Simone Foissac, professeur à Figeac. 
3. Ch.-O. Carbonell, l'Autre Champollion, op. cit., p. 4. 


4, Philippe Calmon, Bulletin de la Société des études du Lot, IX fascicule, 1982, 
pp. 250-252. 


5. Ibid. 

6. L'Évolution de l'humanité, Albin Michel, chap. VII. 

7. La Vie quercynoise, repris dans une brochure des Amis de Champoilion, à 
Figeac. 

8. Traduction française publiée en 1983 chez Pygmalion, Paris. 

9. Op. cit., p. 41. 

10. Op. cit., p. 18. 

11. Op. cit, p. 22. 

12. H. Hartleben, op. cit., pp. 44-45. 

13. Gérard Macé, Revue de la Bibliothèque nationale, 15, 1985, p. 45. 

14. Lucien Cavalié, Monographie de Figeac (cité par André Sors : les Frères 
Champollion et l'énigme égyptienne). 

15. Fonds Champollion, Grenoble, AF 10, f° 2. 

16. Fonds Grenoble, AF 00, f" 68. 

17. Fonds Grenoble, AF 1, f 75. 

18. Fonds Grenoble, AF 61, f° 3. 

19. Fonds Grenoble, AF 1, f° 70. 

20. Fonds Grenoble, AF 1, f° 77. 

21. Émile, Œuvres complètes, « l'Intégrale », Seuil, 197L, p. 451. 


7 - أخ١أم‏ أستان.أمأب؟ 


1. Fonds Grenoble, AF 1, f° 25. 

2. Lettre publiée lors de l'exposition de Grenoble, en 1987. 

3. Madeleine Pourpoint, Champollion et l'énigme égyptienne, p. 3. 
4. Ch.-O. Carbonell, op. cit., p. 10. 

S. Bulletin de l'Académie delphinale, 1°" janvier 1973. 

6. Ch.-O. Carbonell, op. cit., p. 13, note 22. 

7. Ibid, p. 22. 

8. Ibid, p. 23. 

9, Fonds Grenoble, AF 1, f° 77. 

10. Ch.-O. Carbonell, op. cit., pp. 48-49. 


666 


U. Op. cit., p. 29. 
12. Louis Lambert, « PIntégrale », Seuil, t. 7, p. 287. 


؟ < جروتوبل وآمكان إقامة قاتل " 


. La vie d'Henry Brulard, Pléiade, p. 620. 

. fbid., p. 582. 

. À. Champollion-Figeac, Chroniques dauphinoises, pp. 153-156. 
. Ibid. p. 148. 

. Papiers de famille, Fonds Grenoble, I, mi 17. 

. Stendhal, « Œuvres intimes », Pléiade, p. 741. 

. Ibid, p. 742. | 

. Fonds Grenoble. (Cette mention apparaîtra seule désormais.) 
. Léon de La Brière, Champollion inconnu, Plon, 1897, p. 28. 
10. Chroniques dauphinoises, op. cit., t. 2, pp. 156-157. 

11. H. Hartleben, op. cit., .م‎ 

12. Ibid, p. 69. 

13. Chroniques dauphinoises, op. cit., t. 2, p. 386. 

14, Fonds Grenoble, N. 1549 (4). 

15. H. Hartleben, op. cit, p. 73. 


U EE D =‏ بد من كد 


٤‏ - بابل sf‏ متاعب باریس 


. Vie de Henry Brulard, op. cit., pp. 870-874. 
. Document des archives municipales, communiqué par Mme Foissac. 
. M. Pourpoint, op. cit., p. 41. | 


سم ټم دا 


ه - أستاذ فى سن العشرين 


. Vital Chomel, Histoire de Grenoble, chap. IX, p. 219. 
„. Ch.-O. Carbonell, op. cit, p. 74, 
. Ibid, p. T6. 
. Ibid., p. T7. 
. Les premières leçons du jeune professeur ont été publiées dans les Annales de 
l'université de Grenoble, par Herminie Hartleben et J. de Crozals, en 1897. 
6. Jean Paquet, Bulletin de l'Académie delphinale, janvier 1973. 
7. Ibid., p. 38. 
8. Chroniques dauphinoises, t. 2, p. 97. 
9. Fonds Grenoble, AF 2. 
10. Chroniques dauphinoiïses, t. ?, p. 403. 
11. Léon de La Brière, op. cit., pp. 113-116. 
12. Chroniques dauphinoises, t. 2, p. 404. 
13. 1514. t. 2, p. 305. 
14. Gabrielle Kuani, Bulletin de la Société française d'égyptologie, n° 39, avril 1964. 
15. Jean Paquet, Bulletin de l'Académie delphinale, article cité, p. 35. 
16. Fonds Champollion. 
17. Keppel Jeannot, Correspondance inédite, p. 123. 
18. Ch.-O. Carbonell, op. cit., p. 84. 


در یج تیا ظط ي 


667 


19. Fonds Grenoble, AF 9, f° 138. 
20. Herminie Hartleben, op cit., p. 125. 
21. Fonds Champollion. 
- 22. M. Pourpoint, op. cit., p. 54. 
23, Fonds Grenoble. : 


٦‏ -الغول وزهور الزنبق 
Vital Chômel, Histoire de Grenoble, p. 263.‏ . 
Aimé Champollion-Figeac, Les Deux Champollion, pp. 15-16.‏ 
Jacques-Joseph Champollion-Figeac, Fourier et Napoléon, p. 310.‏ . 
Correspondance Keppel, op. cit.‏ . 
Fonds Grenoble, AF 10, f° 323.‏ . 
Le procès du maréchal Ney », Revue des Deux Mondes, mars 1893.‏ « . 
H. Hartleben, op. cit., p. 145.‏ . 
Fonds Grenoble, AF 4, 191.‏ . 
Op. cit., p. 305.‏ . 
Fourier et Napoléon, op. cit., pp. 306-307.‏ .10 
M. Pourpoint, op. cit., p. 68.‏ .11 
Les Deux Champollion, op. cit., p. 158.‏ .12 
-M. Pourpoint, op. cit., p. 69.‏ .13 
Fourier et Napoléon, op. cit., p. 306.‏ .14 


CNA” pm 


. Vital Chomel, Histoire de Grenoble, op. cit., pp. 263-264. 
. Les Deux Champollion, op. cit., p. 26. 
. Fonds Grenoble, AFT 2, f° 95. 


- روبيسيبير جرونويل 


1. Les Deux Champollion, op. cit., p. 49. 
` 2, Ibid. 

3. Ibid., p. 50, 

4, Henri Dumolard, Jean-Paul Didier et la Conspiration de Grenoble, Rey- 
Arthaud, Grenoble, 1928, p. 242. 

5. N° IV de 1957, pp. 373-344. 

6. Ch.-O. Carbonell, op. cit, p. 153. 

7. Ibid., p. 159. 

8. Lettre publiée in extenso dans les Lettres à son frère réunies par M. Vaillant, 

L'Asiathèque, op. cit., pp. 41-43 et 48-49. 

9. Bulletin de l'Académie delphinale, 1922, 5° série, t. 13/1. 

10. Cité dans le catalogue de l'exposition Champollion à Grenoble, 1987, pp. 71-73 
(archives BMG R. 7636). Les responsables de cette brochure produisent une 
attestation de H. Gariel attribuant ce texte à Champollion. 

11. Les Deux Champollion, Pp. 53. 

12. Ibid. 

13. Op. cit., p. 75 


سر يح بي 


008 


14. H. Hartleben, op. cit., p. 188. 
15. La France des notables, Vie À. Jardin et À. J. Tudesq, Seuil, 1973, pp. 65-66. 


6 - أوديب » من قرن لآخر, 


1. Préface de la réédition (1922) de la Lettre à M. Dacier, p. 32. 
2. Leçon inaugurale du Collège de France, publiée dans la Grammaire égyptienne, 
réédition 1984, Michel Sidhom, p. IX. 
3. Ibid. 
4. La plupart de ces indications sont tirées de l'Athanasius Kircher, de Joscelyn 
Godwin, J.-J. Pauvert, Paris, 1981. (Trad. de l'anglais.) 
5. Madeleine V. David, le Débat sur les écritures et l'hiéroglyphe aux xvir ei 
xvair' siècles, Jean Touzot, Paris, p. 48. 
6. M. V. David, op. cit., p. 70. 
7. Leçon inaugurale, op. cit, p. X. 
8. M. V. David, op. cit., p. 96. 
9. M. V. David, op. cit., p. 100. 
` 10. Warren R. Dawson et Eric P. Uphill, 2° édition révisée, Londres, 1972. 
H. M. V. David, op. cit, p. 103. , 
12. Encyclopédie, article « alphabet ». 
13. Cité dans M. V. David, op. cir., p. 112. 
14. J.-F. Champollion, Leçon inaugurale, p. X, ij. 
15, Jean Leclant, articlé cité, p. 5. 
16. M. V. David, op. cit., p. 14, note, 
17. Leçon inaugurale, op. cit., p. X iv. 
18. H. Sottas, op. cit., pp. 50-51. 


٠-الرائد‏ نو الوردة 


1. Seconde édition, Egypt Expl. Society, Londres, 1972, p. 313. 

2. Préface.à la Lettre à M. Dacier, op. cit., p. 12. 

3. Précis, p. 22. 

4. Préface-de Sottas à la Lettre à M. Dacier, op. cit., pp. 45-46. 

5. Ibid., pp. 59-60. 

6. Cité dans Camille Lagier, Autour de la pierre de Rosette, p. 110. 
7..Ibid., pp. 90-91. 

8, H. Hartteben, op. cit, p. 208. 

9, Young et Champollion, Le Page-Renouf. Proceedings of the BASL,, vol. IX. 
10. Cité par H. Sottas, op. cit., p. 47. 

11. Ibid, pp. 11 et 59. 


" ! تمكنت من الموضوع‎ ' - 
1. Marquise de Maillé, Souvenirs de deux Restaurations, p. 311. 
2. Préface de la Lettre à M. Dacier, op. cit., p. 5. 


3. H. Sottas, op. cir., p. 17. 
4. Ibid. 


669 


5. Dobléhfer, op. cit, p. 71 

6. Cf. Précis, p. 316. 

7. Adolphe Cattaui, Champollion et le déchiffrement des hiéroglyphes, Le Caire, 
1918, p. 12. 

8. Jean Leclant, Publication de "Acad. des Inscriptions et Belles-Lettres, 1972, p. 8. 

9. H. Hartleben, op. cit. 

10. H. Sottas, op. cit, p. 68. 

11. Pierre Grandet, « La méthode de Champollion », l'Histoire, n° 106, p. 24. 
` 12. Cf. lVarticle sur Huyot de Jean Leclant : Bulletin de la Société française 
d'égyptologie, n° 32, déc. 1961, pp. 35-42. | | 

13. J. Leclant, op. cit., p. 9. 

14. Cité dans H. Hartleben, op. cit., P. 732. 

15. J. Leclant, op. cit., p. 9. 

16. Mémoires d'outre-tombe, La Pléiade I, pp. 689-690. 

17. H. Hartleben, op. cit, p. 244. 

18. Jean Yoyotte, article BSFE, octobre 1982, n° 95, p. 102. 

19. J. Leclant, article cité, p. 12. - 

20. H. Hartleben, op. cit, p. 248. 


۲- القضية ` 


1. H. Sottas, op. cit., p. 4. 

2. « An account of some recent discoveries »... Quarterly Review, 1823, p. 54. 

3. H. Hartleben, op. cit., p. 252. 

4, Londres, 1825, Longman and Hurst. 

S. C. Lagier, op. cit, p. 109. 

6. H. Haïtieben, op. cit., pp. 266-267. 

7. Proceedings of the B.S.A.L., vol. XIX, 1987. 

8. Librairie orientale de Dondey-Dupré et fils, 1832. 

9. Examen critique des travaux de M. Champollion, p. 12. 

10. Bulletin de l'Académie royale de Belgique, n° 5, 1922, pp. 135-152. 

11. Cf. H. R, Hall, « Letters of Champollion », Journal of Egyplian Archaeology, 
vol. IL, 1915, pp. 76-87 et 133-167. 


۳ - الطريق إلى ممفيس يمر من تورينو 


1. Itinéraire de Paris à Jérusalem, La Pléiade, pp. 474-375. 

2. H. Hartieben, Correspondance de J.-F. Champollion, Lettres d'Italie. 
3. Histoire de l'art, Il, chap. 46. 

4. Précis, IX, IL, 364. 

5. H. Hartieben, Correspondance de J.-F. Champollion, p. 204. 

6. Ibld., p. 209. 

7. Mémoires d’outre-tombe, Pléiade, t. If, p. 236. 


١4 ٠‏ - إنجيليكا - عرّافة توسكاتا. 


1. Lettres à Zelmire, l'Asiathèque, Paris, 1978. 
2. Vita di I. Rosellini, padre dell'Egittologia Italiana, Giardini, Pise, p. 25. 


670 


٠6‏ - أمين متحف ذو نعال من ريح 
P. Quoniam, Bulletin de la Société française d'archéologie, n° 15, 1982.‏ .1 
Champollion et le musée du Louvre », Bulletin de la Société française‏ « .2 


d'épypiologie, n° 95, 1982. ‘ 


3. Notice descriptive des monuments égyptiens du musée Charles X, Paris, 1827. 
4. Lettres de Champollion le Jeune, éditées par son frère, t. L, Italie, éd. C. Bour- 
… gois, 1986, p. 425. 1 


5 -ماءالثيل 


1. Note de Mme Hartleben, Lettres et journaux d'Égypte, p. 121. 

2. Ibid, pp. 486-487. 

3. Edda Bresciani, « L'expédition franco-toscane en Égypte et en Nubie », 
Bulletin de la Société française d'égyptologie. 


4 - “الموت يتربص بى فى بابل" 


1. R. Maréchal, article cité, p. 28. 

2, Ibid., p. 20. 

3. Cité par P. Quoniam, article cité. 

4. Jean Leclant, Champollion et le Collège de France, B.S.F.E., octobre 1932, 
p. 38. 

5. Robert Hari, « Rosellini et Champoilion, deux vies pour l'égyptologie ». 

6. Jean Yoyotte, communication pour le colloque du Caire de 1988. 


4 - فيما معد ذلك ء حتى طبية 


1. H. Hartleben, op. cit., p. 570. 
2. Retrouvées par Mme Catherine Berger et citées par Jean Leclant dans l’article 
cité au chap. 11. 


خاتمة : بقلم جان فيدال - الغائب عن المسلة ' 


1. Revue de l'Art, n® 23, éd. du CNRS, 1974. 

2. J. J. Champollion-Figeac, l'Obélisque de Louqsor transporté à Paris, notice 
historique, descriptive et archéolopique de ce monument par M. Ch... avec la figure 
de l'obélisque et l'interprétation de ses inscniptions hiéroglyphiques d'après les 
dessins et notes manuscrites de Champallion le Jeune, Paris, 1833. 

3. Bernardino Drovetti, Epistolerio (1800-1851), publié par Silvio Curto avec 
Laura Donatelli, Instituto Editoriale Cisalpino, Milan, 1985, lettre n° 94, 

4. {bid., lettre n° 90. 

5. Ibid., lettre du comte de Forbin à B. Drovetri du 30 juillet 1818. 

6. J. J. Champollion-Figeac, op. cit. 

7. Baron d'Haussez, Mémoires, publiés par son arrière-petite-fille, la duchesse 
d'Almazen, 2 vol., Paris, 1896-1897, pp. 167-170. 


671 


8. J.-B. Apollinaire Lebas, l'Obélisque de Lougsor, histoire de sa translation à 
Paris par M. A. Lebas, ingénieur de la Marine, Paris, 1839. 

9. Robert Burnand, la Vie quotidienne en 1830, Hachette. 

10. Cité par Giovanni Macchia, in Paris en ruine, Flammarion, p. 374, 

11. Archives nationales, F 13 1230. 

12, 3. J. Champollion-Figeac, op. cit. 

13. Archives nationales, ibid. 

14. Ibid. 


672 


مراحل حل شفرة الكتابات المصرية 


١‏ - العصور القديمة : مؤلفون إغريق ورومان » متعهدون التبس عليهم أمر 
المنظومة 


ظلال وأضواء على طبيعة الهيروغليفيات 
- شيريمون (اكتشف فى القرن الثانى عشر على يد تزيتنرس نشر فى فرنسا فى 
القرن التاسع عشر ) 
أصوات وصور مختلطة ببعضها ؟ 
- هيرمابيون (ذكره أميين مارسولان فى كتاب التاريخ حول عام ١5؟)‏ , 
ترجمة لخطوط مكتوب بلغتين .. 
هورا بوللون (القرن الخامس) 
محاولات تفسيرية غير دقيقة . 
- كليمان السكندرى (۱۸۰ - )۲٠١‏ . 
إيديوجرامات (صور تمثل أشياء ) » رموز . 
؟ - جامعو الرموز 
أحداس ؛ تخمينات ؛ فروض 
المشلكة تتضح 
القرن السابع عشسر 
- أثاناسيوس كيرشار 
Podromus coptus sive AËgyptiacus (1636)‏ 
OEdipus AEgyptiacus...….‏ 
تأويل هوائى جدأ للهيروغليفيات . ولكن طرح جوهرى : 
اللغة القبطية هى إمتداد للغة الشعبية لقدماء المصريين . 


673 


١‏ لمرن الثامن عشر: 

- ويلكنز : منظومة من صور بدائية ؟ 

- واربورتون (إقتبسه بالفرنسية ل . دى ماليان ) : المرور من الصورة إلى الكلمة , 
ومن الإيديوجرام إلى الكتابة . 
بارتيلمى ثم جينى وزويجا . 

البضويات (الحنراطيش) لختوى على أسماء الأنهة أو ال ملوك . 

- جينى : وحدة الكتابات المصرية الثلاثة . 

- نييبور : بعض الهيروغليفيات أبجدية » هل هى صوتية ؟ 
۳ - المل العلمى : 

. 4۸ 

- حملة بوتايارت على مصر . يصطحب مغه لجنة من العلماء. 

١‏ أغسطس ؛ تأسيس معهد مصر (المجمع العلمى المصرى ) فى القاهرة 

, ١/5 

16 يوليى - بونابارت يشكل لحئثتين - يرأس فوريه الأولى » وكوستاز الأخرى - 
تتوليان الدراسة العلمية للمبانى الأثرية القديمة فى مصر العليا ورسمها بدقة » لدى 
نشرها فى بداية القرن التاسع عشر فى كتاب 'وصف مصر" » أعطت الرسومات 
والمستندات التى جمعتهما هاتان اللجنتان ودفعة حاسمة لدراسات المصريات . 

فى اليوم ذاته - فى مدينة رشيد -- بالقرب من مصب الثيل يعثر ضايط فرئسى 
على حجر مدفون من الجرانيت الأسود منقوشة عليه مخطوطة يكتابات ثلاثة وهى 
عبارة عن ثلاثة نسخ لنص واحد الأولى بالهيروغلوفية - لم يبقى سوى جزء منها فقط 
والثانية بالديموطيقية - وهى الكتابة الخطية الشعبية المصرية والثالثة باللغة اليونانية - 


674 


حجر رشید 

A+ = 44 

ترجمات عديدة للنسخة اليونانية لحجر رشيد - النص الذى تعير عنه المخطوطات 
il‏ هی قرار أصدره الكهنوت المصرى لتحية يطليموس الخامس صدر عام ۹٦‏ قبل 
الميلاد , بالإضافة إلى اسم بطليموس ٠‏ تضمن القرار أيضاً أسماء إغريقية أخرى , 
فهى إذن اسماء أجنبية مشه . 
18°F‏ 
الديموطيقى لحجر رشيد. اعتقدوا أنه أبجدى بالكامل ويقارنانه بالنص الأغريقى 

- س . دوس ساسى يتوصل إلى عزل مجموعات من الرموز فى النص 
الديموطيقى توازى الأسماء اليونانية الموجودة فى النص اليونانى أوكريلاد يحمل هذه 
الرموز قيماً صوتية (فونيتية) غير أن الأبجدية المكونة من ٠١‏ رمزاً ۷ تسمح له بترجمة 
بقية النص ومع ذلك فقد ثبت أن : 

الكتابة الدموطيقية تعبر عن الأسماء العلم الأجنبية بواسطة رموز أيجدية 
البريتيش ميوزيوم (المتحف الببيطاني) ولكن بعض البصمات كانت موجودة فى فرنسا 
وكذلك بعض التسخ (غير الدة قيقة) . 

- يسيس القتصل الأول (بوتابارت ) G dial‏ تتولى تنفيذ العمل الذى أصبح des‏ 
مصر" والذى كتب فورييه مقدمته . الكوميسارات المكلفون بهذا التنفيذ كانوا على 
التوالى كونتى (حتى ديسمير 18-٠‏ ) لا نكريه ثم جومار (اعتبار من )1١8:1‏ . 

- فيفان دونون ينشر كتابه 'رحلة إلى مصر السفلى والعليا" أثناء حملات الجنرال 
بونابرت وهو يتضمن على وجه الخصوص نسخا العديد من البرديات . 
1۸°۰۸ 

شامبوليون - طالب فى باريس - يخطىو "أولى خطواته " كحلال للشفرة: يقوم 


675 


بدراسة المخطوط الديموطيقى لحجر رشيد من أإحدى الصور له وبقارنه ببردية دوتون 
ثم يحاول تحسين أبجدية أوكريلاد . سيظل لسنين طويلة - وهى يعمق دراسته للغة 
القبطية - يحاول فهم الكتابات المصرية الثلاثة. 
لل 

النسخة الأولى من 'وصف مصر" (مؤرخة )١1805‏ تظهر وهى تحتوى - بالنسبة 
للآثار : على لوح مرسومة: المجلد الأول للوصف "ااجزء الأول" وبالنسبة للمذكرات - 
الجزء الأول -- يؤكد شامبوليون فى مذكرة قرأها فى السابع من أغسطس أمام 
أكاديمية فنون وعلوم مدينة جرونويل أنه للتعبير عن الأسماء الأغريقية, 

لابد أن للهيروغليفيات خاصية التعبير عن أصوات . 


“اما 
- شامبوليون فى كتابه "مصر فى عبد الفراعنة" (ظهر عام 1814) المجلد الأول , 
ص ٠١١‏ يؤكد 8 


كان المصريون يهملون الحروف المتحركة فلا يدونوها فى كثير من الأحيان . 

- الدفعة الثانية من وصف مصر (مؤرخة 14١7‏ ) الأثار لوح الجزئين الثانى 
والثالث . 
161 


توماس يانج ؛ عالم فيزياء وطبيب ومثقف إنجليزى يدرس بدوره فى يونيى 5 ١41‏ 
المخطوط الديموطيقى (أنكوريالى) لحجر رشيد يستخدم فى البداية - دون جدوى 
أبجدية أوكربلاد ثم يلجأ إلى المقارنة المادية مع النص اليونانى فيتوصل إلى عزل 
مجموعات من الرموز تتوافق مع كلمات من النص اليونانى يتوصل هكذا إلى " ترجمة 
تقريبية (ظرفية) للنص الديموطيقى يرسلها إلى مسيى دوساسى فى ١١‏ أكتوير 
ويششرها فى مجلته ميوزيوم كريتيكوم عام 14١١‏ وفى مجلة أركيولوجيا عام /1411 
يتمكن يانج بإتباع الطريقة ذاتها من التعرف على مجاميع من الرموز الهيروغليفية 
تتفق مع كلمات من النص اليونانى . 
YATAZIAÏV‏ 

- الدفعة الثالثة من وصف مصر" الأثار القديمة : cal‏ المجلد الرايع 2 الوصف: 


676 


6 ك1 


ينشر توماس يائج فى مقال للإنسيكلوييديا برتيانيكا (ANA) pl GA‏ 
كشف يتضمن 3٠١‏ "كلمة' أى مجموعة رمون هيروغليفية منها مائة تقريباً توصل إلى 
تحديدها 'بالحظ السعيد " (سوتاس) . 

يحاول يانج فى المقال ذاته تحليل خرطوش بطليموس صوتياً وهو تردد عدة مرات 
فى حجر رشيد وخرطوش بيرئيس المآخوذ من 'وصف مصر' وهو : 

يستشعر وجود هيروغليفيات صوتية .كما يخمن وجود علاقة 


قرابة بين الكتابات المصرية الثلاثة 

ولكنه يتوقف فى الطريق بعد أن أقترب جداً من الحقيقة دون أن يكتشف 
الطبيعة الحقيقية للمنظومة. 
ما 


ينشر شامبوليون فى مايو قبل أن يغادر جرونويل ! لوح من القطع الكبير مع 
نص يثبت فيه أن الكتابة الهيراطيقية هى تبسيط أو إختزال لهيروغليفية 
۷ أغسطس فى باريس يعلن أمام أكاديمية المخطوطات والأداب بحثه عن الكتابة 
الهيرطيقية ثم بعد ذلك بعام يتقدم بيحثه عن الكتابة الديموطيقية ويثبت فيها أن 


الحروف الدموطيقية ذاتها ليست سوى تبسيط نهائى للرموز 
الأصلية . 

. الكتابات الثلائة نابعة من ذات المنظومة الواحدة‎ fo 

۳ ديسمبر :يجمع شامبوليون عدد الرمون الهيروغليفية وما يقابلها من كلمات 
يونانية فى حجر رشيد فيجد ١414‏ هيروغليفية ى 441 كلمة يونانية . 

مستحيل أن تصور كل هيروغليفية فكرة مستقلة 

إلا أن ال ١415‏ هيروغليفية تختزل فى ١11‏ شكلاً رئيسياً . 

من الصعب التسليم بأن تكون كل هيروغليفية رمزاً لصوت . 
Aff‏ 

- رابع دفعة من 'وصف مصر" الأثار القديمة لوح مجلد (يتضمن النسخة الكاملة 
لحجر رشيد ) ٠‏ 


677 


- حاول شامبوليون مثل يانج التحليل الصوتى (خرطوش بطليموس الموجود على 
حجررشید وينسب لسبع رموز هيروغليفية مدلول ۷ حروف الاسم القبطى ۴۲01۷15 
- فرض ينتظر إثباته › 

- بداية يناير : يحصل شامبوليون على نسخة من خرطوش كليوياترا بالقبطية 
08 »ا ثلاث رموز هيروغليفية ,0,8 تتماثل فى الاسمين وهى أيضاً رموز 


لأصوات. 
إذن فإن الأسماء الإغريقية هى بالفعل منقولة بواسطة 


- مزوداً باثنى عشر حرفاً أبجدياً يستمر شامبوليون فى إستكمال الأبجدية 
بدراسة الخراطيش الملكية للفترة الإغريقية الرومائية المنشورة فى كثاب 'وصف مصر" 

١6 -‏ سبتمبر يستلم شامبوليون خرطوشين ملكين أرسلهما له شارل هيو وهما 
لرمسيس وتحتمس : الهيروغليفيات الصوتية التى فيها تختلط بها رمون إيديوجرافية 
يكتشف شامبوليون المبدأ الرئيسى للكتابة المصرية فهى: 

كتابة ترسم الأفكار تارة والأصوات تارة أخرى . 

64 سبتمبر يحرر شاميوليون مع أخيه رسالة إلى مسيى داسييه ويقرأها فى 
۷ سبتمبر أمام أكاديمية المخطوطات والأداب . 
JAFF/ F£‏ 


- شامبولبون فى كتابه رسالة إلى مسيو داسييه" بخصوص أبجدية 
الهيروغليفيات الصوتية التى استخدمها المصريون لكتابة القاب وأسماء أسرات الملوك 
الأغريق والرومان "لم يكشف سوى عن جزء من اكتشافه محتفظاً بواجب أثباته على 
أسس لا تقبل الجدل قبل نشره على الجمهور . 

- فى ۱۸١١‏ نشر "كتابه" ملخص المنظومة الهيروغليفية عند المصريين القدماء - 
أى أبحاث فى العناصر الأولية لهذه الكتابة المقدسة وفى تركبياتها المختلفة وفى 
العلاقات القائمة بين هذه المنظومة والمنظومات الكتابية المصرية الأخرى" وهى المنظومة 
التى لم يتوقف عن تنقيحها حتى آخر يوم فى حياته وفى إطارها صدر "كتاب القواعد" 
المصرية بعد وفاته على يد أخيه جاك -- جوزيف وهى أخر مراحلها . 


678 


علامات تاريخية 
علامات تاريخية الشقيقان شامبوليون 


1 جاك شامبوليون - ولد عام 
٤‏ فى لاروش - أن- قالبونيه (بالقرب 
من جرونويل ) بائع كتب متجول - أول الأمر 
ثم استقر عام 11/1١‏ فى فيجاك - مقاطعة 
كارسى حيث فتح مكتبة ابيع الكتب وتزوج 
جان فرانسوا جاليى من أصل بورجوازى 

4 جلوس لويس السادس ١/8‏ مولد تيريز وتبعها بيترونيل عام ١1/7/16‏ 

عشر على العرش ٠‏ ومارى فى ۱۷۸۲ . 


٤ 4 ۱۷۷‏ يوا ليو : إعلان 
إستقلال الولايات المتحدة 


- أکتویر : مولد چاك‎ ۸٣۸ 


إجتماع البرلمان المحلى 


يونيى : أيام القراميد 
journées des tuiles‏ 
ه يوليو : إجتماع المؤتمرات 
العامة لمقاطعة الدوفينية . 


079 


"" يوليى : مؤتمر فيزيل 

8 يوليو:إجتماع 
المؤتمرات العامة 

4 يوليوى: الإستيلاء على 


الياستيل . 
١١١ ٠۰‏ يوليى إنشاء الهيئة 
المدنية لرجال الكنسية. 


. بولدو : عيد الفيدرالية‎ ٤ 


۲١ - ۲۰١ ۱‏ ونیو : فرار 
الملك ثم القبض عليه فى فاران 

٠١ NVAY‏ أغسطس : سقوط 
لويس السادس عشر . 

۲ -1 سيتمير : مجازر سبتمير 

٠‏ سبتمبر : إجتماع الجمعية 
التأسيسية بإعلان الجمهورية . 

2١ ١ ۳‏ يناين : إعدام لويس 


السادس عشر . 
"١‏ مايو : سقوط الجيرونديين 
فترة الإرهاب 
37١ 4‏ يوليو (1 تأرميدور) : 
سقوط رويسبيار . 


6 أكتوير : إنفضاض الجمعية 
التأسيسية : الديركتوار 
إنشاء مدرسة اللغة الشرقية . 


ا رض ليسميل ؛ مولد جان 


فرانسوا شامبوليون فى فيجاك . فى 


منزل كائن بحارة لايوردسكورى أخوه 
جاك -جوزيف هو أبوه الروحى . 

۱ جاك جوزيف يقبل فى 
الفصل الخامس . 


يعين موظفاً فى بلدية المقاطعة . 


1 حملة بونايارت على إيطاليا 
۷ ,18 أكتوير : معاهدة 

كامبوفورميى إنتهاء حرب إيطاليا . 
4 : مايى إعداد الحملة على 


دصر 1 


أول يولي : نزول بوناپارت على 
شاطئ الإسكندرية . 

أول أغسطس : تدمير الأسطول 
الفرفنسى فى أبى قير . 

تأسيس المعهد المصرى فى 
القاهرة (المجمع العلمى المحصرى) 
أنستيتوديجييت 

46 فبراير : الحملة على سوريا 

نهاية أغسطس : يغادر بونايارت 
مصر تاركاً لكليبار قيادة الجيش 

À‏ أكتوير : عودة بونايارت إلى 
قرنسا 

À‏ نوقبر : إنقلاب 18 برومار: 
بونايارت القنصل الأول . 

٠2٠6‏ يوثيق : أغتيال كليبار 
فى مصر الحملة الثانية على إيطاليا 

4 يونيى : إنتصار مارنجى 

"١١ ۱‏ أغسطس : فى مصر 
إستلام مينى . 

الحجر المكتوب بلقتين والمكتشف 


7 جاك جوزيف يعطى أول 


4 جان فرانسوا يدخل 
المدرسة الإبتدائية . 


جاك جوزيف يعين موظفاً فى 
مؤسسسية « لا شانال وشاميوليون وريقف» 


فى جرونويل وينفصل عن أخيه . 


5 جان فرانسوا - يسحب من 
المدرسة ويضع تحت مسئولية دوم 
كالمالن الذى يعلمه مبادئ اللغة اللاتينية 
(واليونانية) جاك جوزيف - يعمق 
دراساته فى الأداب القديمة . 


YY AA.‏ ديسمسر چان فرانسوا 
شامبوليون يبلغ العاشرة من عمره . 


۰١‏ مارس : يح ضر جاك 
جوزيف أخاه إلى جبرونوپل يوضع تحت 
مسئولية مدرس خاص فى يادئ الأمر 
ثم يدرس تحت إشراف أخيه , 


681 


٢‏ قبراير : الفصل الأول ۲ جان فرانسوا يدخْل مدرسة 
يشكل لجنة تتولى نشر أوصف مصر" - الأب دوسار حيث يتعلم العبرية وفى نفس 
تعيين جوزيف فورييه محافظا لمنطقة الوقت يتايم دراسته فى المدرسة المركزية . 
الإيزار . جاك --جوزيف يسافر سفريات عمل ٠‏ 

۷ مارس : سلام أبيان مع ويبدأ دخوله فى المجتمع الجروئويلوازى 
إنجلترا . وينشئ لنفسه مكتبة خاصة » يراسل أ.ل 

إلغاء المدارس المركزية وإنشاء ميلان محافظ الأثار القديمة فى المكتبة 
مدارس الليسيه . الوطنية ومؤسس مجلة المخزن 

جوزيف فورييه يستقر فى الأنسيكلوييدى (ماجازان انسيكوبيديك) . 
جرونويل فى ١14‏ أبريل . 86٠,7‏ جان-فرانسوا بواصل دراسة 

العربية بداية دراسة العربية . والسيريانية 
والكالدية (الأرامية) جاك جوزيف وقد بدأ 
يهتم بالدراسات الآثرية يتولى بتكليف من 
المحافظ فورييه الأثار القديمة المطية -- يكتب 
بحثاً وينشره تحت عنوان « بحث فى أثر تحت 

الأرض موجود فى جرونويل» . 
فى ديسمبر يقبل فى أكاديمية العلوم 

والفنون. 

٤‏ دخول جان فرانسوا فی 

٤‏ مايى : نابوليون الأول : الليسيه الأمبراطورى بصفته تلميذ الحكومة 
إمبراطور الفرنسية . يتعاون جاك جوزيف مع الماجازان 

؟ ديسمبر : حفل تنصيب الآنسيكلوبيدى ومع حوليات مقاطعة الإيزار 
نايوليون. (أنال دوديبارتومان دى ليزار ) . 

6 يونيى : يقدم بحثا إلى أكاديمية 
العلوم والفنون عن مخطوطات حجر رشيد . 


682 


Ÿ AT:‏ ديسمير : أوسترليتز 


الأمبراطورية. 
£ أكتوير يتا . 


فی أوج قوته › 


٥‏ حجان فرائسوا يشكو لأخيه 
من "الإقامة الجهنمية ' التى يمثله له 
بقاؤه فى الليسيه . 

جاك -جوزيف يترجم النص 
اليونانى لحجر رشيد . 

۳ دیسمبر : جان فرانسوا قی 
الخامسة عشر . 

٠1‏ جان فرانسوا يمناسية 
توزيع الشهادات فى شهر أغسطس 
يشرح فى حضرة المحافظ فورييه 
مقطعاً من سفر التكوين من النص 
العبرى . | 

تعيين جاك جوزيف سكرتيرا 
لأكاديمية العلوم والفنون لمدينة جرونويل 
وينشر "رسالة عن النص اليونانى لمعبد 
دندرة" -- موجهة لميسى فورييه . 

۷ ۱۹۰ يونيى: وفاة مدام 
شامبوليون فى فيجاك . 

أول يوليى : زواج جاك- جوزيف 
بزويه بيريا فى جرونويل وكانت من 
"دوطتها' Ji‏ الريفى فى قيف . 

جان فرانسوا يفكر فى تاليف 
كتاب عن مصر الفرعونية ويبدأ فى 
كتابة جزئه الجغرافى - ويعطى وقته كله 
لدراسة اللغتين القبطية والعربية. 

١‏ أغسطس : يثرك الليسيه دون 
رجعة . 

أول سبتمبر : يقرا أمام أكاديمية 
العلوم والفنون بحث" فى الوصف 
الجغرافى لمصن 


003 


۸ حرب إسبانيا 

٣ - ۲‏ مایو : ثورة مدريد à‏ قمعها 
بقسوة شديدة . 

تشكيل الجامعة الأميراطورية 
إنشاء كليات الأداب ٠‏ 


۹ - يوليى : فاجرام . 


قبل غزى قمبيز"' وكان حينذاك فى 
السادسة عشرة والنصف من العمر . 

١‏ سبتمبر : جان فرانسوا يصل 
إلى باريس بصحبة أخيه ويحضر 
محاضرات قى الكولاج دو قرانس 
ومدرسة اللغات الشرقية - يدرس 
العبرية والعربية والفارسية والسيريانية 
والكالدية والقبطية . 

فى أكتوير : يعترف لأخيه فى 
إحدى رسائله بحيه لبولين أخت زوييه . 

۸ جاك جوزيف أمين - 
مساعد مكتبة جرونويل ويصبح رئيس 
تحرير "حوليات منطقة الإيزار" (إنال 
دودييارتمان دوليزار) . ٤‏ 

تعيين جان فرانسوا وهى في 
السابعة عشرة من عمره عضواً مراسلاً 
لأكاديمية علوم وفنون جرونويل - 
يدرس برديات مكتوبة ءبالخط المرسل 
|0015 ويعكف علي تأليف كتاب 
"القواعد المصرية" (اللغة القبطية) بلهجة 
مديئة طيبة - يقابل لويز ديشان ثانى 
حب قى حياته . 

۹ :"” يوليى تعيين جاك - 
جوزيف أستاذاً للأدب اليونانى وأميتاً 
عاماً لكلية الأداب . 

مارس : أتم جان فرانسوا - كتاب 
"القواعد القبطية" - يعكف على دراسة 
نسخة من حجر رشيد . 


684 


٠‏ أبريل : نايوليون يتزوج 
مارى لوي النمسا . 


۱ مارس : مولد ملك روما 
(ابن نايوليون) 


١‏ : الحملة على روسيا 
سيتمينر: الإستيلاء على موسكوق 
وحرقها . 


يوليى : يعين استاذاً مساعداً . 
للتاريخ القديم فى كلية أداب جرونويل 
٥‏ أكتوير: يقادر باريس إلى 
جرونويل 
٠‏ جاك جوزي ف وجان 
فرانسوا يحصلان على الدكتوراه فى 
الأداب بمرسوم أمبارطورى يحى أيام 
"الأربعاء. فورييه فى داس دوليديجيا 
(مقر إقامته الرسمى) ويقيمان كشفاً 
بالقطع الأثرية الموجودة به لحف 

۰ مایو : جان فرانسوا یلقی 
محاضرته الإفت تاحية فى مادة 
التاريخ. 

۷ أغسطس يعرض أمام أكاديمية 
العلوم والأداب أفكاره التى كونها فى 
ذلك الحين عن كتابة المصريين معتقداً 
أن الهيروغليفيات لها دلائل صوتية . 

ŸV‏ ديسمبر : جان فرانسوا بلغ 
العشرين . | 

١‏ ينشر فى جروزويل مقدمة 
كتابة "مصر تحت حكم الفراعنة" (راجع 
كشف المؤلفات ) . Î‏ 

۲ تعيين جاك - جوزيف كبير 
محافظى مكتبة جرونوبل وعميداً لكلية 
الآداب ولكنه يفقد وظيفة رئيس تحرير 
"حوليات مقاطعة الإيزان' بسبب نشره 
'معلومات ضارة " » علاقاته مع فورييه 


685 


۳ : أكتوير : هزيمة لاييتزج 
تحلل الأميراطورية . 

4 الحملة على فرنسا 

١‏ مارس : سقوط ياريس 

5 أيريل: تنازل نايوليون عن 
العرش فى فونتانبلى 

5 مابى : عودة لويس الثامن عشر 


عودة الملكية الأولى . 
مايى : نايوليون في جزيرة اليا , 
جروتويل 


أكتوير : الكونت دارتوا (الذى 
سيصبح فيما يعد الملك (شارل العاشر) 
وهى زعيم حزب اليمين المتطرف #85 ]آنا 
يزور مقاطعة الدوفينيه 

6 : المائة يوم : 

مارس : تايوليون ينزل على شاطئ 
جولف - جوان (خليج جوان) 

4-1 مارس : يقيم فى جرونويل. 

٠‏ مارس : يصل إلى باريس 
لويس الثامن عشر يهرب فى صباح 
نفس اليوم . 


- يونيى : واترلى 


تعيين جان فرانسوا مساعداً فى 
مكتبة جرونويل وأميناً عاماً لكلية الأداب 
- يتعرف ويصادق روز بلان (روزين) 
Gil‏ صاحب مصنع قفازات فى جرونويل 


وفاة يولين بيريا , 


1681 


جاك - جوزيف يناصر نظام 
آل بوربون يحصل على الوسام الملكى 
زهرة الزنبق. 

جان فرانسوا يعد تردد يفعل مثله 
وينشر 'مصر تحت حكم الفراعنة" 
ويهديه إلى لويس الثامن عشر . 


6 جاك جوزيف - فور وصول 
ناپوليون يصبح أقرب معاونية ويلحق به 
فى بأريس حيث يعين سكرتير مجمع 


ناخبی دائرة جروذويل . 


686 


يحصل على وسام جوقة الشرف» 
يصيح عضواً فى جمعية تشجيع 
التعليم التعاونى (المتبادل) يناصر جان 
نصير الفيدرالية (حزب مؤيد لبونابارت 
خلال المائة يوم) - ويدير' ليزانال 
دوليزار' بدلا من أخيه..بعد هزيمة 


يتنازل نايوليون عن العرش للمرة 
الثانية. 

عودة لويس الثامن عشر إلى 
العرش . 

جرونويل | 

الإرهاب الأبيضى يأخذ فى مدينة 
جرونويل شكلاً مستتراً على بد مونليفق 
محافظ الإيزار . 

7 سبتمبى : حل الجمعية 
الوطنية الملكية المتطرفة النزعة - الدوق 


6 0 = 
دروريشوليو رئيسا للحكومة 
جروتويل 


مایو : مؤامرة ديبيه . إعدام ١8‏ 
جروثات 


17 : تأسيس مدارس التعليم 
التعاونى فى ١١‏ أكاديمية 

٠. جرونويل‎ 

جزف شويان درانوفيل المحافظ 
الجديد (ليبرالى ) لمقاطعة الإيزار . 


يطرد من 'ليزانال' لأنه نشر تحدياأً 
لحزب المتطرفين فى 'نخب الجمهورية' 
وهو منشور مناهض " لأصحاب القبعة 
أو الرداء الأسود (المتدينين المتطرفين) - 
كما ألغى قسم التاريخ الذى يدرسه 

۳ دیسمبر : چان فرانسوا بلغ 


1 الشقيقان شامبوليون تحت 
الإقامة الجبرية فى فيجاك حيث يلتقون 
مرة أخرى مع والدهما وأخواتهما 
ويحسن "المجتمع النخبى الفيجاكى ' 
إستقبالهما يتعرف جان فرانسوا على 
مدام أديل , 

جاك جوزيف يقوم بمساعدة أخيه 
بابحاث أركيولوجيه بتقذين موقع 
أوكسيلودونوم الحالى - ينشط الإثنان 
فى مجال التعليم التعاونى المتبادل طبقاً 
لأسلوب لانكاستر . 

A۹1۷‏ أبريل : : سمح لجاك 
جوزيف بالعودة إلى باريس حيث يصبح 
رجل مسيى داسييه الموثوق ق فيه داسييه 
هو السكرتير الدائم لأكاديمية 
المخطوطات والأداب. جان قفرانسوا 
يبقى فى ف فيجاك لحل بعض المشاكل 
العائلية - توتر مع والده -- يعاود عمله 
الاسكتشافى فى الهيروغليفية يعاود 
تنقيح “قاموس وقواعد اللغة القبطية" 
وينشط فى مدرسة من مدارس التعليم 
التعاونى المتبادل . 


687 


۸ يحل دوكاز (معتدل) محل 
ريشوليو 


نوفمبس : انتصار المتطرفين 
فى الانتخابات ويسيطرون على مجلس 
النواب 

جرونويل 

البارون دوساز يحل محل شويان 
دارخوفيل كمحافظ للإيزار , 


688 


١‏ أكتوير : يعود إلى جرونويل 
حيث يحسن أصدقاوٌه إستقباله . 

۸ يصفته سكرتيراً خاصاً 
مراسلاً لأكاديمية الخطرمات والأداب 
اللدجيد ) (البطالمة) (راجع المراجع 
الكتب) . 

فی جرونوپل » یشرف جان 
فرانسوا ويثئشط فى مدرسة التعليم 
المتيادل . 

۸ يوني : يعاد جان فرانسوا إلى 
وظيفته فى المكتبة , 

VA‏ أغسطس : يقرا أمام أكاديمية 
العلوم والفنون بحثه حول 'بعض 
هیروغلیفیات حجر رشید' . 

۰ ديسمبر : يتزوج روزين بلان 
فى غياب جاك جوزيف الذى لا يوافق 


على هذه الزيجة . 
"المدرسة اللاتينية ü ‘di‏ فی هوتفلور . 


A1.‏ جاك -جوزيف يتقدم 
لعضوية أكاديمية المخطوطات والأداب 
ولكنه يفشل . 

جان فرانسوا ينشط فى "النادى 
الجمهوريى للوحدة ": الشرطة تراقب 
مراسلاته 

سبتمبر : يشترك فى تحرير كتاب 
: "احترس' ! يحذر فيه الحكومة من 
فرانسوا يلتقى مع المحافظ دوساز فى 
لقاء عاصف 


٠١ AY‏ مارس ثورة الطلية 
المناهضة الملكية فى جرونويل . 

0 مارس : الانتفاضة الوطنية 
لليونانيين ضد الأتراك . 

ه مايو وفاة نايوليون فى سانت 
هيلان . | 

نوفمبر: فيلان يحل مكان 


> 


ريشوليو . 


۴ دیسمبر : چان فرانسوا فی 
الثلاثين 

1 جان فرانسوا يفقد وظيفة 
استان التاريخ فى الليسيه . 

٠‏ مارس : يشترك فى انتفاضة 
الطلبة مع صديقه تبقونيه . 

يونيى : يهرب من محاكمة بتهمة 
الخيانة العظمى : إلا أن المحافظ دوساز 
يجعل إقامته فى جرونويل غير محتملة 
ويقرر مغادرتها . 

١١‏ يوليى : يركب العرية فى إتجاه 
باریس حیث تلحق به روزین . 

۰ یولیو : بقیم فی باریس عند 
أخيه 4؟ شارع مازارين بعد أن حرم 
من جميع وظائفه. يكرس كل وقته لعملية 


فك شفرة الهيروغليفيات . 
۷ أغسطس : فى أكاديمية 


المخطوطات والأداب يقرأ جان قراتسوا 
- بحث عن الكتابة الهيراطيقية يعبر 
فيها عن مبدأ علاقة القراية اللصيقة بين 
الكتابات المصرية الثلاثة ‏ إلا أنه يبقى 
متأثراً '"بتخطيئ فكرة الأيدوجرافية 
والرمزية " 

سبتمبر :جان فرانسوا يقابل يانج 
لدی مروره علی باریس . 

۳ ديسمير بواسطة عملية 
حسابية بحتة يتأكد من الجانب الصوتى 
الجزئى للهيروغليفيات وهو ما 


689 


۲ مونسينيور دوفريسينوس 
رئيساً للجامعة, 
قانون الصحافة- عودة الرقابة . 


690 


كان قد إقترحه عام 14٠١‏ - نشر كتاية 
عن "الكتابة الهيراطيقية لقدماء 
المصريين' فى جرونويل (راجع كشف 
مؤلفاته) 

۲ -- ۲۲ يناير : يحصل جان 
فرانسوا على نسخة - مرفوعة من مسلة 
فيلة - لخرطوش لكيوباترا وبمقارنته 
بخرطوش بطليموس - حيث 
الهيروغليفيات لها ذات المدائيل الصوتية 
- يتوصل إلى العناصر الأولية لأبجدية 
هيروغليفية .نشر مؤلفه : عن المسلة 
المصرية فى فيلة (راجع كشف 
المؤلفات). 

أغسطس : چان فرانسوا يقرا فى 
الأكاديمية بحثهعن الكتابة 
الديموطيقية . 

٤‏ سبتمبر : يلاحظ جان قرانسوا 
أن خراطيش رمسيس وتحتمس التى 
نسخها هيبى من معبد أبى سمبل تحتوى 
فى ذات الوقت على رموز أيديوجرافية 
ورموز صوتية ويتمكن من حل شفرتها 
ويخترق كالبرق سر طبيعة الكتابة 
المصرية التى ترسم (تارة الأفكار وتارة 
أخرى أصوات اللغة ) ويهرع إلى منزل 
أخيه: الموضوع فى حوزتى " وضعت 
يدى على الموضوع ' . 

ثم يغمى عليه , 


4,4 سيتمبر وفاة لويس 
الثامن عشر يتولى العرش بعده أخوه 
شارل العاشر. 

حرب تحرير اليونان بمساندة 


أنجلترا وفرنسا . 


۲٣ - ٤‏ سبتمس : يكتب جان. 
فرانسوا مع جاك جوزيف البحث 
الخاص لهذا الاكتشاف - ويطلق عليه 
عنوان "رسالة إلى مسيو داسيه " 

۷ سبتمير يقرأ اليحث أمام 
أكاديمية المخطوطات والآداب المجتمعة 
فى جلسه تاريخية . 

“871 يناير : المكتشف يقابل 
الدوق دويلاكاس دولب أول أمراء الملك 
الذى يضعه تحت رعايته وبعد بضعة 
أيام يقدم له بلاكاس علبة من الذهب 
هدية من الملك لويس الثامن عشر تقديراً 
لاكتشافه . 

1" أبريل : الدوق لويس فيليب 
دورليان يحى اكتشافه فى الجمعية 
الأسيوية .يقدم جان فرانسوا أيضاً 
بالتعاون مع صديقه الرسام وعالم | الآثار 
ل.ج.ح دويوا كتاباً مصوراً عن 
الميثولوجيا اللصرية والذى سينشر تحت 
اسم "اليانتيون المصرى" (راجع كشف 
المؤلفات) . 

14 ينشر صاحب الكشف كتايه 
المختصر فى المنظومة الهيروغليفية 
المصريين القدماء أى البحث .. ألخ وهو 
يعتبر مسودة لكتاب القواعد (راجع 


كشف المؤلفات) . 
- البلاط QE‏ فى توريتو يشترى 


مجموعة دورفيتى :يزود بلاكاس جان 


691 


YA: \AYo‏ مايى تتويج شارل 


فرانسوا بالمال اللازم لكى يذهب 
لدراستها فى موقعها الجديد . 

منتصف مايو : جان فرانسوا 
يسافر إلى إيطاليا مروراً بجرونويل - 
يتعرف فى قيف على ابنته زوراييد التى 
ولدث فى الأول من مارس . 

يونيى : يصل إلى تورنيى 

4 يونيى : يدخل (الدروفيتيانا ) 
حيث تنتزع منه المجموعة الأثرية هذه 
الصرخة ' إنه شئ مدهش " 

توحى إليه دراساته المنظمة 
والدقيقة للأثار والبرديات التى تتضمتها 
المجموعة برسالتين إلى السيد الدوق 
'دوبلاكاس ' الأولى فى ١8594‏ والأخرى 
فى 1851 (راجع كشف المؤلفات ) . 

دراسة البرديات الجنائزية 


والمخطوطات المهلهلة تسمح له بإعادة 


الثامنة عشر ويالقاء الضوء على الأرقام 
العددية التى استخدمها المصريون 

نوفمبر : جاك جوزيف يتقدم 
لعضوية أكاديمية المخطوطات لثانى مرة 
دون جلزی . 

6 مارس جان فرانسوا یغادر 
تورنيى لرحلة عبره إيطاليا تدوم أريعة 
شهور . 

١‏ مارس روما زيارة سياحية 
(للمدينة الأبدية) . 


692 


55 إبريل الأتسراك 
سيتولون على ميسولونجى . 


۰ مارس : بلاكاس يستقبله فى 
نابولى حيث أصبح سفيراً لفرنسا- 
زبارة يومبى ويايستوم . 

۲ آبریل : بعد عودته إلى روما 
يكلف Lise ol EH Joss‏ 
القاتيكان . 

٥‏ يونيى : يستقبله البابا ليون 
الثانى عشر . 

١7‏ يونيى : فلورتسا : بناءاً على 
طلب الجران دوق (عاهل فلورنسا) 
یدرس مجموعة نیتزولی . 

يداية يوليى: ليقورن. زيارة 
مجموعة سولت التى يوب أن تقتنيها 
فرنسا . بعد إقامة جديدة فى تورينو 
بعود جان فرانسوا إلى جرونويل . 

نوفمبر : يلتقى من جديد بآخيه 
وبأسرته , 

1 قبراير : الملك يكلف جان 
فرانسوا بتقدير قيمة مجموعة سولت 
ويمنع مبلغ خمسة آلاف فرنكاً 
للمصاريف الخاصة بالمهمة يعود جان 
فرانسوا عبور جبال الألب من جديد 
ويصل إلى ليقورن حيث يتعرف على 
إييوليتى روسيللينى الاستاذ الشاب 
القادم من بيزا الذى يصبح من تلاميذه. 

۷ آبریل : أثناء إجتماع عام 
لأكاديمية ليقورن » ترتجل الشاعرة 
انجيليكا باللى قصيدة تمتدحه فيها 
ويقع جان فرانسوا فى حبها . 


003 


٤‏ مايى جان فرانسوا يعين 
محافظاً للمتحف المصرى فى اللوفر 
یولیو يلتقى لثانى مرة مع أنجيليكا 
فى الاحتفالات الضخمة 'لومينارات'فى 
بيزا وبعدها يسافر جان فرنسوا 
بصحبة روسيللينى إلى فلورنسا وروما 
ونابولى حيث يرسم مع بلاكاس خطة 
لحملة علمية أوروبية إلى مصر . 

١‏ سبتمبر : لدى عودته إلى 
ليقورن يقابل آنجيليكا للمرة الأخيرة 
أرسل لها "٠١‏ خطاباً تحت أسماء 
مستعارة من 'زيد إلى زيلمير" فى الفترة 
من 1877 حتى 1859 يعود إلى فرئسا 
عبر البندقية 

جرونويل : أزمة نقرس حادة . 

۰ أكتوير : يسافر إلى باريس مع 
زوجته وابنته . 

٤‏ نوفمبر فى باريس يقطن جان 
فرانسوا مع روزين وأخيه فى شقة 
جديدة ١5‏ شارع مازارين حيث تلحق 
بهم زوييه وأسرة جرونويل الصغيرة . 

نوفمبر - ديسمير : يستلم 
مجموعة سولت التى وصلت ميناء الهاقر 
عبر نهر السين - بمساعدة دوبوا يقوم 
بتجهيز متحفه - أفكاره التجديدية 
تتسبب فى خلافات مع الكونت 
دوفوريان مدير متاحف فرنسا 


694 


۸ هزيمة فيلال فى الانتخابيات 
يحل مارتيناك (ليبرالى) محله. 
القوات المصرية تجلوا عن المورة 


ديسمبر : روسيلاينى يلحق يجان 
فرانسوا فی باریس . | 

807 فبراير : يتقدم جان 
فرانسوا للمرة الأولى دون أن يصيب 
النجاح لعضوية أكاديمية المخطوطات 
والأداب. 


يوليو أغسطس تم تقديم مذكرة 


بمشروع حملة إلى مصر تجمع فرنسين _. 


وتوسكانيين مع شامبوليون وروسيلليتنى 
إلى الجران - دوق عاهل توسكانيا الذى 


يوافق عليها . 
نهاية أكتوير : وفاة سولت . | 
٠‏ أكتوير : زواج روسيللينى 


بزینوپيا شيروبينى ابنة الموسيقار 
شيرويينى. جان فرانسوا يشهد على 
الزواج من طرف العريس . 

توفمبر - ديسمين : فتح وإفتتاح 
المتحف المصرى فى اللوقر حاملاً اسم 
متحف شارل العاشر . 

أبريل : بمساندة مارتيناك ' 
رئيس الحكومة الجديد يوافق الملك على 
مشروع الحملة الفرنسية التوسكانية إلى 
JA‏ . 

1١‏ يوليو : شامبوليون يغادر 
باریس بصحبة سالفادور شیروپینی - 
توقف فى ليون عند الصديق أرتو وقى 
أكس عند سالبیه 

£ يوليى: لقاء الحملة: القرنسيون: 
شارل لونورمان المهندس المعمارى 


695 


أنطوان بيبان ٠‏ الرسامون لوت , 
الكساتدر دوشان بيرتان الإين» لوهى . 

التوسكانيون : إيبوايتى وجاتينانى 
روسيللينى » إليساندروريتشيء طبيب 
وعالم آثار» جيوسيبى إنجيليللى رسام , 
à‏ راضى عالم طبيعة ومساعده 
جالاسترى . 

"١‏ يوليى : الحملة تصعد إلى 
الإيجلى السفينة : " 

6 أغسطس : فى الإسكندرية 
شامبوليون ورفاقه يقابلون القنصل 
زيارة "مسلات كليوياترا" 

YÉ‏ أغسطس : محمد على باشا 

٤‏ سبتمبر تبص الحملة على متن 
المعاش 'إيزيس” والذهبية "أثير" إلى 
القاهرة, 

٠‏ سبتمير الوصول إلى القاهرة 
إحتفال بالمولد النبوى . 
8-1 أكتوير ممفيس تمثال 


رمسيس الثانى الضخم - سقارة . 
۸ أكتوير : جيزة أبو الهول › 


الصغير الهلب ويبحر إلى صعيد مصر 
- بيانت يترك الحملة . 

7" أكتوير ١‏ - نوفمير: بنى حسن 
: محصول ضخم من الرسومات . 

ك1 نوفمیر دذدره ۰ 


696 


51-6 نوفمبر : طيبة ( " كنت 
أعدى من روعة إلى روعة أخرى ' ) 
رامسيوم الأقصر ويها المسلتان من 
الجرانيت الأحمر » الكرنك ويهى الأعمدة 

1 نوفمير - ٤‏ ديسمير: 
هيرومونيس إسنا - إدفى - كوم أمبوم 
(أمبوس) . ١‏ 

٤‏ ديسمبر : أسوان : الشلال 
الأول إنتقال الحملة إلى مراكب أقل 
os‏ : 

ه ديسمبر : فيلة . أزمة نقرس 
حادة تجعل شامبوليون يطلب حمله إلى : 
المعيد ١١ - ١1‏ ديسمبر : ديبود › 
كلابشة » دكا » أمادا. 

1" ديسمير : أبى سمبل : قدس 
أقداس المعبد فى درجة حرارة ؟ه 
مئوية. ش 

ديسمير : إلى وادى حلقا : 
الفرنسيون والتوسكانيون يتنازعون على 
ماكية " لوحة الخلاف' . | 

"١‏ ديسمبر : الرحالة يحتفلون 
برأس السنة عند الشلال الثاني : 
شامبوليون يكتب لداسبيه "من حقى أن 
أعلن لكم أنه لا يوجد أى تعديل يجب 
إدخاله على خطابنا الخاص بالأبجدية 
الهيروغليفية أن أبجديتنا سليمة " 


697 


بوليناك (متطرف) يعين رئيساً للحكومة 
- المعارضة تثور فى الصحف . 


5 أول يناير : وداع لونورمان 
الذى يعود لفرنسا الأسطول يغير 
إتجاهه العمل العلمى يبدأ . 

gui à is VA‏ سمبل: رسم 
الحائطيات المنحوتة فى المعبد الكبير 

#9١ - 5‏ يناير (ديرى أمادا , 
آخر من الآلهة" , 

V— Ÿ‏ فبراير : فيلة "اليفانتين" 

/ فبراير - 8 مارس : كوم أمبى 
إدفى , إسنا , dub‏ 

مارس - سبتمبر : الإقامة فى 
tu‏ 

À‏ - 7 مارس : الضفة الشرقية 
الأقصر ومسلتاها . يحدد شاميوليون 
تلك التى يود يراها منصوية فى 
باريس . 

٢‏ مارس : الحملة تعبر إلى 
الضفة الغربية للنهر وتقيم قيادتها فى 
الجرنة - الحفريات غير مجدية الباتة 

أبريل - مأيو -- شامبوليون يحتفل 
بعيد ميلاد أبنته (المولودة فى أول 
مارس 1854) داخل مقبرة سيتى 
الأول. 

ببيان الملوك (وادى الملوك) دراسة 
الأشكال والمخطوطات فى المقابر - 
يعسكر أعضاء الحملة داخل مقبرة 
رمسيس الرابع - شامبوليون بنسخ 
ليلاونهارا , الرحلة النهرية التى 


698 


قام بها رمسيس السادس 
والمرسوم فى مقبرته . 

يونيى - يوليى - الرامسيوم › 
تمثالا ممنون » معبد وأطلال مدينة sale‏ 
- أحداث وتوترات داخل الفريق المرهق 
- دوشان يرحل إلى قرئسا ريتشى 


يلدغه عقرب . 
أول أغسطس : عودة إلى الضفة 
الشرقية لدراسة الكرنك . 


٤‏ سبتمير الحملة التوسكانية 
الفرنسية تغادر طيبة .جان فرانسوا 
يعلم بوفاة يانج ١١(‏ مايى 1859 ) وفى 
فى الطريق كما يبلغ يفشله الثانى فى 
أكاديمية المخطوطات والأداب . 

Vo‏ سبتمبر: القاهرة زيارة 
إبراهيم باشا اين محمد على . 

٠‏ سيتمير: إسكندرية ميمى خليفة 


أكتوبر يرحل التوسكانيون إلى 


أكتوير - نوفمبر مقابلات مع 
محمد .على. شامبوليون - يكتب له 
الثيل . 1 

1 ديسمبر : شامبوليون 
وشيروبينى يبحران إلى فرنسا على مان .. 
"الاسترولاب' - شامبوليون يحمل معه 
أكثر من مائة قطعة من أجل متحف 
اللوقر (منها تابوت تاهو و حائطية 
سيتى الأول من النحت البارز) وللملكة 
كاروماما , الخ ) . 


699 


٠‏ ,:ه يوليو الإستيلاء على 
مدينة الجزائر 

۷ - 99 يوليى : ثورة يوليو ' 
الثلاثة أيام المجيدة ' . | 

"١‏ يوليو : تنازل شارل العاشر 
عن العرش 

۷ أغسطس : لويس فيليب دوق 
دورليان يصبح ملك الفرنسيين . 

ديسمبر محاكمة وزراء شارل 
العاشر (يولينياك) فى عهدة وزارة 


لافيت . 


5 ليسمين : "الاسترولاب" فى 
ميناء هيار . 

» ۱۸۳۰ دیسمبر - ۲۳۴ ینایر‎ ٤ 
شامبوليون وشروينى فى الحجر‎ 
. الصحئ فى طولون‎ 

۰ 5؟ يناير : نهاية الحجر 
الصحى — مقايلة دروقيتى ' 

يناير العودة إلى باريس مروراً 
بالجنوب الغربى (ياله من شتاء رهيب) 
إنی اتألم منه جداً ) (مارسيليا - أكس) 
حيث إستقبله ساليه ويشاهد مرة أخرى 
بردية سيزوستريس - مونيوليه - 
ناربون»: كاركاسون ويوردى تولوز حيث 
يلتقى من جديد بمدام أديل يرى أخواته 
فى فيلفرانش . 

٤‏ مارس عودة : شامبوليون إلى 
باريس يقطن مع زوجته وابنته فى شقة 
جديدة ؛ شارع فاقار يعود لوظيفته 
محافظاً للمتحف المصرى فى اللوقر . 

۷ مايقو ¢ يتقدم للمرة الخالثة 
والأداب 

١‏ ماي زيارة أخيرة لفورييه الذى 
توفى فى اليوم التالى . 

V‏ -4؟ يوليى شامبوليون بقلبه 
إقتحامه فئ عملية الإستيلاء على اللوقر 
تحدث فيه عدة عمليات سلب وتهب ‘ 


700 


18-490 مارس : وزارة 


كازيمير بيرييه 


؟ أكتوير رسالة من روسيللني 
تحثه على الإسراع فى نشر أعمال 
الاجنة الفرنسية التوسكانية التى يود 
الجران دون بشوق رؤيتها منشورة إلا 
أن شامبوليون يعطى أواوية للإنتهاء من 
كتاب "القواعد" . 

A91 

۲ مارس : الملك لويس فيليب 
يؤسس من أجل شامبوليون قسم 
(كرسى) للأثار المصرية فى الكولاج دى 
قرانس " 

٠‏ مايق: : شامبولبون يفتتح 
ساسلة محاضراتة . 

El gba Ve 7‏ محاضرتين 
فى الكولاج دوفراتس . 

نهاية مايى : روسيللينى يصل إلى 


”باریس ليحدد مع شامبوليون كيفية 


النشر المشترك لكتاب "أثار مصر 
والنوية' ولكن ستظهر بعد وفاة , 
شامبوايون طبعتان منفصلتان فرقسية 
وإيطالية . 

أغسطس : شاميوليون يسافر إلى 


فيجاك ليسترد صحته إلى جوار. 


شقيقاته يرى مدام أديل ويعمل فى كتاب 
"القواعد". ٠‏ 

نوفمبر : العودة إلى باريس . 

ه ديسمبر شامبوليون يعود إلى 


۰ إلقاء محاضراته فى الكولاج دوقراتس ٠‏ 


701 


۲ مارس ؛ وياء الكوليرا يصل 
إلى باريس وفاة كازمير بيرييه , 


702 


1 ديسمير : لم يتكمن من 
الإنتهاء من إلقاء محاضراته - لن يعود 
أبداً إلى الكولاج دوفرانس . 

7 يناير : لم يعد شامبوايون 
يترك غرفته فی شارع فاقار - معاونوه 
وأصدقائه يأتون لزيارته كثيراً . 

٤‏ يناير روسيللينى يؤكد له فى 

\Y‏ ينايى أثناء لقاء مع بيى » يقع 
صاحب الكشف نصف مشلول 
أخيه فى تنقيح كتاب 'قواعد اللغة 
المصرية" وهى بمثابة 'بطاقة زيارة 
يتركها للأجيال التالية" والتى سينشرها 
شامبوليون فيجاك مع "قاموسه" بعد 
وفاثه. 
نهاية فبراير : يدخل شامبوليون 
مرة جديدة فى شبه - كوما يطلب من 
أخيه أن يدفن فى مقابر الأب لاشاز 
فورييه . 

۲ مارس : يحصل على المسح 

, مارس : يتوفى فى الفجر‎ ٤ 


المؤلفات 
أهم أعمال شامبوليون الصغير 


لانذكر هنا لا الدراسات ولا المقالات الثى كتبها شامبوليون فى الماجازان 
انسيكلوبيديك ؛ البواتان( وفيروساك (نشرة الفيروساك) ولا ليزانال دوليزار (جوليات 
مقاطعة الإيزار) والدوريات الأخرى ولا مقدماته وكتاباته الصغيرة ولا كتاباته 
السياسية . يمكن الرجوع إلى قائمة مؤلفات صاحب الكشف الكاملة المنشورة فى 
النسخة الألانية لسيرته التى كتبتها هارتلوبان (برلين )۱۹٠١‏ » كما توجد سيرة أخرى 
ألفها سيمور دوريتشى ظهرت فى yussl:) Recueil Champollion‏ شامبيون 
1( , 

# اخطبة إفتتاح دروس التاريخ أمام أكاديمية جرونويل' » جرونوپل بيرونار 

. قطع کوارتی‎ VAN. 

+ "مقدمة (نشر منفصل ) للصر فى au “ll age‏ أركتافى - ۷ 
صفحة » جرونوبل . ح - ب بيرونار » 141١‏ 1" صفحة . 

+ مصسر فى عهد الفراعنة أو بحث فى الجغرافيا والدين وللغة والكتابات وتاريخ 
مصر قبل غزى قمبيز وصف جغرافى ؛ باريس دويور يوليى 114 » جزئان 71 + ۲۷۹ 
و ٤١١۷‏ صفحة وخريطة . | 

"عن الكتابة الهيرواطبقية عند قدماء المصريين" » جرونويل » الأخوة باراتيه 
١‏ , قطع کبیر ۷ صفحات و۷ لوح بالليتوجرافيا . 

+ "رسائل إلى السيد محرر الروقى انسيكلوييديك حول خريطة أبراج (زودياا) 
دتدره" قى الروقى انسيكوبيديك الجزء الخامس عشر . 1417 : ص 777 + ۲۳۹ - ثم 
نشر منقصلاً فى باريس لانوا » 1417 ء وكتافى / ص . | 

+ “رسالة إلى مسيو داسيه , السكرتير الدائم للأكاديمية الملكية للمخطوطات 
والأداب خاصة بأبجدية الهيروغليفيات الصوقية التى استخدمها المصريون لكتابة 
الأسماء وكتابات الملوك الأغريق والرومان" باریس » دیدی (أکثویر) ۱۸۲۲ » أوكتافى 1ه 
ص ؛ لوح الليثوغرافيات . 


703 


* "البانتيون المصرى" ,. مجموعة الشخصيات الاسطورية (الميثواوجية) لمصر 
القديمة كما جاءت فى الأثار مع نص بالشبرح السيد ج - ف - شامبوليون الصغير 
والصور من رسم ل.ح.ح دويوا "باريس" ؛ ديدى ؛ 18577 , 1855 ١6١‏ دفعة » كوارتوا 
"ملخص المنظرمة الهيروغليفية لقدماء المصريين أو أبحاث فى العناصر الأولية لهذه 
الكتابة المقدسة وفى تشكيلاتها المختافة وعلئ علاقات هذه المنظومة وأنظمة الكتابة 
المصرية الأخرى" وبالإضافة إلى مجلد اللوح باریس ۱۸۲٤‏ › تروتال ووتر . 

"ملخص المنظومة الهيروغليفية ...' الطبعة الثانية نقحها المؤلف أضاف إليها' 
رسالة إلى مسيو داسييه عن الأبجدية الهيروغليفية الصوتية التى استخدمها المصريون 
على معابدهم الراجعة إلى العصر الإغريقى والعصر الرومانى" باريس ٠‏ المطبعة الملكية 
4۸ مجلدان أو كتافى4؟ ص مقدمة 558 48 صو ؟ه لوحة رسم 
بااليثوغرافيا . 

+ "رسائل إلى السيد الدوق دويلاكاس دوليس من المتحف الملكى المصرى فى 
تورينو الرسالة الأولى , الأثار التاريخية" , باريس ديبى 1474 ؛ أوكتافى ٠١9‏ ص , 
ولو ١‏ | 

* رسائل إلى السيد الدوق دويلاكاس ..... دوليس .. الرسالة الثانية تابع الأثار 

التاريخية'»باريس ديدى 1851 أو كتافى 1717 ص » ولوح 4 -8 وغ/ مكرر , 4 - 16 . 

* “رسائل إلى السيد الدوق دوبلاكاس عن المنظومة الهيروغليفية الجديدة للسيدين 
سبوهن وسيفارت" » فلورنسا . ح بياتى 1857 أوكتافو ؟”" ص طبعه مستقلة , 
باريس فإن 1851 أو كتافى 1 ص . 

* 'مذكرة وصفة للأثار المصرية فى متحف شارل العاشر القسم الثاني" باريس. 
à VAYV à all‏ قطع 48117 +107 ص . 

أعمال نشرت بعد وفاته على يد أخيه 

*' رسائل من مصر والنوية عامى ۱۸۲۸ و ۱۸۲۹" باریس » فيرمان دیدی ۱۸۳۲ 
أوكتاقى 11 + 41/7 ص ى ‏ لوج بالليثوغرافيا . 

× "رسائل من مصر والنوية عامی ۱۸۲۸ و ۱۸۲۹" طبعة جدیدة دیدییه ۰ 14574 
آوکتافر ۲ + ۳۹۷ ۰ ۲ لوح وخريطة واحدة (طبعة نشرت تحت إشراف إبنته زورابيا 


704 


شيرونيه — شامبوليون ) "أثار مصر والنوبة منقولة عن الرسومات التى تمت على 
الطييعة تحت إشراف شاميوليون الصغير والأوصاف المحررة بيدة عليها" باریس 
فيرمان ديدى ه141 - 1840 ء ع مجلدات قطع كامل 00 أوحة . 

* "قواعد اللغة المصرية أو المبادئ العامة تلغة المقدسة المصرية مطبقة على لغة 
الحديث" .. نشرت عن المخطوط اليدوى بأمر من مسيو جيزى وزير التعليم العام 
وپاریس € فيرمان - ديدى ۱۸٩٩٩‏ قطع کامل ۸ 6 ŸY‏ + 0 صل . 

x‏ "القاموس المصرى بالخط البيروغليفى ينشرها من المخطوطات فيك الولف 
وتحت رعاية مسي فيلومان » شقيقه مسيى شامبوليون فيجاك" : باريس » فيرمان ديدىى 

» فولیو » ÉAV + VA‏ ص بخط اليد . . 
| طبعات وإعادة طبعات أخرى | 

» 'رسائل شامبوليون الصغير جمعتها وعلقت عليها ه هارتلويان' مكتبة 
المصريات : نشرت تحت إدارة جح ؛ ماسييرق 1 

- المجلد : "رسائل مكتوية من إيطاليا » باريس لورى 19.5 ٠‏ أوكتافو 8 + 
٥‏ ص وصور شخصية ٠‏ 

- المجلد ” : رسائل ويوميات حررت خلال الرحلة إلى مصر" » باريس لورى , 
4,4\ أوكتاقى لا + ۰ ص صورتان ‘ 

* 'رسائل شامبوليون الصغير جمعتها وعلقت عليها ه هارتويان إعادة طبع س 
بورجوا (1585) . 

* 'جان فرانسوا شامبوليون” » 'رسائل إلى زلير" قدمت لها إيدأً بريشيانى ». 
أستاذة بجامعة بيزا » مقدمة لجان لوكلان عضو الانسيتتو » الناشر لازياتاك › لم تتشر 
من قیل باریس ۱۹۷۸ . 

* جان فرائنسوا شامبوليون . 'رسائل إلى dif‏ خم — "ANA‏ تقديم ب. 
فابانء مقدمة جان لوكلان , عضو الانستيو الناشر لازياتاك لم تنشر قبل 1944 . 

“+ "قواعد اللغة المصرية ".. إعادة طبع » صورة طبق الأصل من الطبعة الأصلية 
الصادرة عام 1" » معهد الشرق (ميشيل سيدهم) مقدمة كريستيان زيجلار باريس» 
6٤‏ . 


705 


* "اليانتيون المصسرى" إعادة طيع صورة طبيق الأصل الطيعة \AYo / AYE‏ 
الأصلية الناشر بارسيا » باريس ۱۹۸١‏ . 


المخطوطات 

أوراق العمل والمخطوطات اليدوية ورسومات جان فرانسوا شامبوليون التى 
إقتنتها الدولة يعد وفاته محفوظة فى قسم المحفوظات بالمكتية الوطنية .هذه المستندات 
جمعت فى ۸۸ مجلدا مرقمة من ۲۰,۳۰۲ حتى ٠٠١,55١‏ تشتمل على المخطوطات 
اليدوية للجزء الأكبر من أعماله المنشورة والتى لم تنشر بعد "أوراقه الخاصة بحل 
شفره المنظومة الهيروغليفية ودراسة الطرق الثلاثة للكتابة المصرية وأعماله عن تاريخ 
المصريين وحياتهم المدنية اليومية ومبانيهم ‏ وديانتهم (يانتيون) دراساته عن المتحف 
المصرى فى تورينى ) رسائل إلى الدوق (الدوبلاكاس ) ومذكراته ويوميات رحلته إلى 
مصرأعماله الخارجة عن نطاق مصر- إاخ .. جزء آخر من مراسلاته محفوظ فى قسم 
المخطوطات بالمكتبة الوطنية تحت أرقام مختلفة , 

من جهة أخرى فإن الرسائل العديدة جداً التى أرسلها لأخيه منذ طفواته حتى 
وفاثه بقت لدى أسرة هذا الأخير. هذه الرسائل تعتبر المصدى الرئيسى للمعلومات 
المتاحة عن حياته وأعمال ومعارك والرحلات إلى إيطاليا ومصر لصاحب اكتشاف 
أسرار الهيروغليفية وهى كلها مدموجة- مع كميات من المذكرات والملحوظات والأوراق 
التى لم يسبق نشرها ورسومات طراحية- فى الأريع وستين مجلداً التى يتكون منها 
الأرشيف العائلى التى يحتفظ به فى دارهم فی فيف بالقرب من جرونويل. الأحفاد 
'الحاليون لشامبوليون فيجاك مسيو ومدام شاتومينوا وقد أودعت صور ميكروفيلمية 
لهذه المستندات فى المكتبة البلدية للدراسات التابعة لمدينة جرونويل . 


أعمال شامبوليون فيجاك الخاصة بمصر 
رسالة عن مخطوط يونانى فى معبد دندره إلى مسيى فورييه محافظ الإيزار 
جرونويل ٠‏ بيرواز » 16-5 أو كتافو 1۸ص + اوح . 
* "حوليات اللاجيد" (البطالسة) أو 'المسلسل التاريخى لملوك مصر الإغريقية . 
خلقاء الإسكندر الأكبر' ¢ باریس فاندج ,۰ A۱۹‏ مجلدان أى كتافى مع لوح 6 ووت 


706 


لليشاين (حهبل على جائزة لاتستيتى (ANA‏ 

*» مسلسلة الأقصر المنقولة إلى باريس مذكرة تاريخية وصفية وأثرية عن الأثر" 
رسمها وطبقاً للمذكرات المكتوية بخط يد شامبوليون الصغير" : باريس ديدى » ١۸۴۴‏ 
أوكتافى . ٩‏ + ۹۲ ص ولوختان مصر القديمة » باريس » دیدی » ۱۸۳۹ Des SES of à‏ 
ص مجموعة العالم المصور . 

* "فورييه ونابوليون : مصر والمائة يوم » مذكرات ومستندات لم يصبق نشرها" 
باريس ؛ نيدق ۱۸٤٤‏ ؛ أوكتافى مع لوحة واحدة و ١1/١‏ ص . 


707 


شامبوليون - فيجاك فى بداية القرن 
التاسع عشر عندما كان موجهاً لأخيه . 





١‏ إلى أعلى (يسين) المنزل الذى 
ولد فيه جان- فرانسوا وحارة 
لابودوسكورى فى مديئة فيجاك . 





| 


جرونويل فى القرن التاسع 
spa Lie |‏ من شاطئ الإيزار . 





منؤل الأسرة فى قيف عند سفح 
جيل بالدون.كان ضمن y‏ 
زوويه عند زواجها بجاك جوزيف 
شامپولیون - فیچاك. 





ريسم كروكى بيد التلميذ جان- فرانسوا 
dal)‏ كان لأحد مدرسيه) . 





اليسوعيين (الهيزويت) التى ستتحول 
إلى المدرسة المركزية , الليسيه 





خطاب من التلميذ جان - فرانسوا” الامبريالي » الذى التحق يه جان 
لشقيقه حاك جوزيف يطاليه فيه فرانسوا فى توشمير 4 18٠‏ - وهو الآن 
بتموين من الورق وزراير اسراويله وكتاب | ليسيه — ستاندال , 


'قواعد عبرية" وكتابه "القواعد'. 


1 Jo 
LU pe 3 
REE 





710 


جان فرانسوا شاميوليون وهو فى سن 
العشرين وقد أصبع أستاذ جامعة فى 
جامعة جرونويل. 





أحد ندائات جان فرانسو لأخيه الأكبر 
جاك -جوزيف طالياً النجدة مطالباً فيه 
بإنتزاعه من "هذا الجحيم الذى هو 

سيلفاستر دو ساسى المعلم مدرسة الليسيه - والتى يصفها فى" 
الأشهر والخائن عند اللزوم ... مكان آخر يأتها “ماوى الموت' . 1 


> / ل" 0 
١‏ \ ع 4 4 00 
ل ك اااي أ Lund qu cl, CA LE Lt‏ 3 انان مراك 


4 
3 


TR روي‎ raie ەل ل‎ pe: fe 


La 1 
1 { poele GA م‎ 


‘ 
ره 5 4 













Jean 






ا Ue gu bi‏ اعلا 













المكتبة الإمبريالية - ثم الملكية - ثم 
الوطنية حيث عمل الشقيقان شاميوليون. , 





711 








اللجنة العلمية التى أرسلها 





جرزيف فورييه من علماء الفيزياء 
المشهورين رفيق بونابارت فى مصر , | 





محافظ مقاطعة الإيزار وصديق الشقيقين 
شاميوليون - وكثيراً ما كان واحداً من 
الذين شملوهما بالرعاية , 


أدم جومار - عالم الجغرافيا - المسئول 
عن إصدار كتاب 'وصف مصر' , إنه لم 
يتقبل قط أن يكون جان - فرانسوا 
شاميوليون متفوقا عليه . 


. صفحة غلاف كتاب "وصف مصر ". 
0 ينبه الرسم أن الحملة كانت عسكرية قبل 





أن تكون علمية - 





712 





نايوليون » بعد هرويه من جزيرة إلبا يعلن فى مدينة جرونويل "الإمبراطورية الجديدة ' فى حضور أفراد 
الشعب ومنهم الشقيقان شاميوليون. 


بون-جوزيف داسييه السكرتير الدائم 
لأكاديمية المخطوطات والأداب . الذى 
وجه له چان-فرانسوا شامپولیون 

"رسالثه" المشهورة ركان مهما وراعيا 





ایوا تر 








البارون دوسان محافظ مقاطعة الإيزار 
لدى عودة الملكية وكان منافضا شرسا 
لجان -فرانسوا شامبوليون (رويسييير 
مدينة جرونويل ”) ثم أمسبع وزيرا 
للبحرية وكلف بنقل مسلة الأقصر إلى 


باریس . 





أنوليكا ياللى شاعرة مدينة ليقورن التى 
كان يراسلها شاميوليون وقد أحيها , 
وكان حباً من جاتب راحد وظهرت هذه 
ارسائل فى كتاب بعنوان “خطايات إلى 
زيلمير ˆ . 


صورة لأعضاء اللحئة الفرنسية 
التوسكانية رسمها لزسلائه الريسام 
الإيطالى إنجليللى فى مصير: شاميوليرن 
إجالس وى ملتحى ويظهر السيف الذى 
أهداد له محمد علي معلقاً حول وسطه) 
ls‏ يعيئه يظير روسيلليني راقفاً ررأسه 


Le 





4 


1 


7 








قاعة التمائيل الملكية فى متحف توريذر 
التى جملت جان- فرانسوا شامپولیرن 
يصرخ قائلاً . 'إنه شئ ميهر 


إبيوليتى روسيلليني إبن مديئة ببزا 
تلميذ چان“ فرانسوا شاميوليرن ورفيق 
رحلته وصنديقه ومعاوته , 





715 





صورة مأخوذة من كتاب 'وصف مصر ' 

المسلتان عند مدخل معيد الأقصر , 
التى على اليمين هى التى اختارها 
شاميوليون لكى يزين بها "أحد ميادين 
باریس ˆ . 


صورة لشا ملو لبون وقد ظهرت علی 
ملامحه أثار التجارب القاسية التى من 
بها ٠‏ ولعلها رسمت له فى المرحلة التى 
تلت عودته من مصر (۱۸۲۹) وقبل وفاته 











. (AY) 
7وا یی سماد مید بسک ا‎ 
4 rt 
de mg en or ممما‎ 
er Re sf : 








7 صت سا بیس تتشي مان‎ t” 
1 


/ 


عس كريد امه | مسال و 


اڳ اينه 


716 











لما نط م 


اعاس + Ve mu Ca‏ و ا 











hs, | 5‏ سسس لوه اسمن 5-5 ui‏ نویا نیا فس د سیه بقار ۾ میس ا س 
Legs, palettes‏ لدبب vpn à m‏ يسا mme La‏ س 


ed IK TE‏ نت راز 11:6 يه رك 


ag بالل‎ LU cmd a quriflatiés dub Lady meta 
Me ع‎ 


a 


الكشف خلال رهلته فى مصر والتى 
رأس خلالها اللجنة الفرنسية التوسكانية 
المشتركة, 





أعطى الاب أكناس كيرشار فى القرن 
السابع عشر تفسيراً غريباً 
للهيروغليفيات فى كتابه "أوديب المصرى 
OEdipus AEgyptiacus‏ 
)١361(‏ إلا أنه وجه مجهودات حل 
الشفرة فى الإتجاه الصجيع وذلك بأته 
طرح الفكرة المبدئية أن اللغة القبطية هى 
لغة المصريين القدماء . 


سرعم بعر 





te J 


صورة منقولة عن كتاب "أرديب 


كان كيرشار يدرس Sages It‏ 
الهيروغليفية المصفورة على المسلات 
المصرية المقامة فى ميادين مدينة روما 
وهى المسلات الثى جلبها الإمبراطور 
الرومئائى أمسطس ومن خلفوة إلي روما . 
لت هذه المسلات رلفثرة طويلة HI‏ 
المصرية الوحيدة المرجودة فى أوروبا وقد 
خصها العالم الداتماركى زريجا ١20[‏ 
- 18.5) بدراسة هامة قام شاميوليون 


مسلة تحوتموس الرايع المقامة فى 
ميدان سان-جان اللاترانى قى روما . 








0 


7 


SR 
ER ET LE 


PUR 
ل ل‎ 


ميان 
14 


et DS 
/ 0 1e bs 


1 
/ ل 7 
ب 1 







حجر رشيد الذى اكتشف أثناء الحملة 
الفرنسية على مصر يعتبر حجر الزاوية 
فى عملية حل الشطرة الهيرو ليفية وقد 
حفرث عليها (نص واحد بثلائة كتابات . 
إثنان باللغة المصرية (يكتابتين مختلفتين) 

والكتابة !اثالثة باللفة اليونائية (وهى لفة 

معروفة) . ۰ إلى أعلى : النص مكتوياً بالهيروغليفية 
وقد فقد جزء كبير منه ‏ فى المنتصف : 
النص بالكتابة الديموطيقية أو الخط 
الشعبى المتصل . 


أسفل : النص اليونانى وفى داخل 
الدوائر تكبير لكل خط منهم ويمكن 
ملاحظة خرطوش اسم بطليعوس فى 
النص المكتوب بالهيروغليفية 





718 


توماس يانج 


Flt LS‏ "ال 


Haa PPM ١ 


(mua e mal FEET تناه سو قمر‎ 05 ME em. an NY 


a See AA ei PRRUER RE ÉAAUR LECTEUR 


ENT PR SR OT Ni dt 


SA ENA جتان‎ 


159 لات قا مه‎ TOIFTEIEPFeIE KAL KT XK ON FP IOVE KA EAANNIMO PET PAMNALIN 





ا 1211م 7 م مم 

كان الإنجليزى توماس بانج Us 0 WWW)‏ 6 بحرا ets‏ مس امات 
A۲۹4‏ عالماً مشهورا فى علوم الطبيعة 0 ل 
واب كان امم «rl geo‏ | $ £ 194 12017732990 
ولما كان يمارس هواية البحث فى علم ١‏ الکن ٣لم‏ د اب a JE En‏ 
اللفويات فی أوقات شراغه فقد أخذ TT IK lL LAL‏ معدم كت LS a‏ الاقم ا Hot A‏ 
يتعامل مع حجر رشيد عام ١ 181١4‏ وقد ÉV of‏ ل ل 
توصل بسرعة إلى نتائج مبهرة وذلك UE Ei 0 BLL‏ 4 ل لين 
داستخدامه وسائل حسابية وباللجوم إلى | ويا ون د NMP au El IT AITKEN TTL ARAS‏ 
مقارنات مادية بين الخصوص . | رت زونك إسد بده PT TL‏ 

5 fi e ¥ 





K. SOUNDS? 


2 المقال المطول الدى نشره يانج تحت 
© ».ع 4 5606 عتوان'مصر 'فى الإنسكلوبيديا 
بريتانيكا' عام 1414 وهويعتبر 
31 استيفاءاً لأبحاثه . إستشف يانج من 
ا لض ٠‏ هذه الأبحاث وجود هيروغليفيات 
فونيتيكية أطلق عليها اسم 'أصوات' 
Jules di ii LUS (Sounds)‏ 
المنظومة الهيروظليفية إلا أنه توقف فى 
, منتصف الطريق دون أن يتوصل إلى 
كشف المبدأ العام الذى تقوم عليه هذه 
المنظومة , 





719 














السار 





ميو الجر رسيا 


إلماف باللقة القيطية التى 











st 


4 
4 


ما 
D‏ 


عله معاطم Be.‏ 





ns er _— 


الت 


ا قلي معدي م اپا 





ن على طريق واد 





ليقية li‏ م بها وهم طالب 

یس عام ۸٠۸‏ وتك بنا على 
سساعده في فلك 
Sy‏ على جل 








net) SET QE:‏ ما 


3 Fos: 


e اوا‎ 





RUCC'AISMELNSE 
li Fl 
DR 


ST‏ و 


شا سا اي 


إلى أسقل : شاميوليون أثيث فى كتابه 
عن الخط الهيرأطليقي أن رسومات هذا 
الفط المتصلل ليست سوي تيسيطا 
الرسومات الهيروظليفية . 


a 


VEUT 


الیو 


LÉ 





als‏ الكشفا عند 
وصوله إلى اكتشافه : 
صورة زيثية رسمتها له 

ANT رمدي عام‎ plus 








SJ ap? (fi 


gate Pub fin‏ | سم 














a 
39 
1 





حاول يائج وشاميوايون - كل منهما من 

ناحيته - إعطاء قيمة فونيتيكية (صوتية) : 
للرسومات البيروغليفية للغرطرش 0] 
المثموت داخل اسم يطليموس (إلى 

اليساو) وهو يظهر اريع هرات على حجر 

رشيد, أما الخرطوش الدال على اسم a‏ 
كليوباترا (أسفل يغلى اليمين ) فقد 

سمح لشاميوليون أن يتلكد من سلامة 

افتراضمه وان يضمم أبجدية أولى تشدم ١"‏ رسعاً ٠,‏ 





YOUNG CHAMPOLLION 


NM FA‏ اث 8< ددم جر 





ثلاثة من الرسومات البيروظيفية كانت 
لها نفس القيعة الصوتية وهى : ب » أ ؛ 
ل فى pâtes 8 ۳ 1 ٠.‏ 


Pr 


D4 Si Phouu :‏ عام 
اا Laden pe qe À‏ 


none 
TASTED 


¥; 

1 e ml HAN wr 
Dy o wm ak a ييه مد ندم‎ Hann San. hoa Û أ‎ 
ار"‎ 
in. = 
5 Damme) um ne mOn": fl 
ع‎ ‘ 


لفيا 
© 0 


a 
arbre 
Le de fr PPT 


YY pal‏ سبتمير 1417 - والذى ثُلى 
أمام أكاديمية المخطوطات يعتبر الإعلان 
الأول عن مواد علم الدراسات المسرية 
القديمة أى الإيجيبتظوجيا' 


722 


خرطوش رمسيس (إلى اليسار) 
وتحوتمس (إلى اليمين) إن اسم | 
مصرية صميمة thé si‏ 


]2% : بهيروغليفيات أيديوجرافية (تعير عن 
ïl 1‏ | . أفكار) وفونيتية (صوتية) فى آن واحد۔ 
كشفا لشامبوليون عن طبيعة الكتابة 


المصرية ؛ أى أنها "ترسم أفكاراً تارة ‏ 
كتاب 'إلى مسيوداسييه" يتعلق فى فتعير عن أصوات لفوية تارة أخرى' . 
الأساس باكتشاف الهيروفليفيات 
الصوتية أما المنظومة المتكاملة للكتاية 
المصرية القديمة فقد أوردها شامبوليون 
قی طبعتی کتاپه "الللخص ' (عامی 
١, 4‏ ۱۸۲۸) وفی كتاب "القواعد ' . 
















Panka dd quand 
بسع یاد ريام‎ « 


٠‏ اناك 


beba, fon en 
leu 


Hour j Pewa hung 









أعدم دقته فإن المصريين. ts:‏ يصنعون شكلاً تحديدياً. 
للكلمة| المكتوية فونيتيكيً (صوتيً) : مثل زهرة ,.لوتس-_ 
تشير إلى فكرة السائل والرطوية . | 


1 AIX Epi de PhD: D GET Qu 





Tau cna,‏ 4“ عیب ا 
مب e 7 quuey Co‏ ا ماسجا eu Le‏ س figural,‏ 
/ 2° ; بعاتم a Qk puan rx POUAN‏ لامع انا 
سان heni‏ مھا ییو 1 
.+ مھ ا ری پیم د اه nakt‏ 
"À 15 0 ° ku. ۹ el‏ 
A CANIN . CNN, AIUD ,‏ 
hiviat‏ لذ 4 | 
Lo ur TE‏ یہہ ا pur de, Cavactine,‏ 


A4 مها‎ foumea do Tue) . 








“Ovorover u, Se 





FE vus gimass de Aaptiles j) 


eg egw a nn À, للست‎ 


G. Qay aaa “péter Je iio RUE 


GE pe‏ . مجه 
H. Des egal aus out pT ona j)3‏ 
BR f 4‏ 


Du Ve Va faune du معدا ل‎ u ليبن م‎ 


HMR ÿ 


24 Objet A Hal eg ne de Cortes LA). 


00 حسم يا 0 لدت 


KH D euh 23 Leur uw Jus tam i veng كام‎ 


سي 


SET 1111 


Leni (6)‏ 'ل" متسس لک س ا D Vanes‏ 


ste A HÛ 


M الممسيسيكرية عات‎ dede لمم مام‎ des Qnh) av metiers, (7) 














OO LIRE, 
(1) 4 “ruse seyida) 1 سالد‎ We 

GJ 4 Sean la See wpe, FL لومم كار‎ vue ميرم‎ abat ەلە‎ 

(4) sis ااا یں قفاون‎ ae ا‎ da and als, at 

5) a riv. sun culs, un at fund , en MEC ata HAA on al du | رما بين‎ 

J Fei te a, n Ya bse real ion bu, ا س | ا ا ایت‎ 

C7} ve كنا‎ ds ententes de ر اسم مه الا مر‎ de gruf'aau usa نك ألا ل‎ june Lau هلك يلس‎ ١ 


جاك جوزيف شاميوايون - فيجاك - وقد 1 
عاش لسنوات عديدة بعد وفاة شقيقه 
الأصفر. تولى نشير أعماله التى لم 
تمهله المنية نشرها وهى: كتاب "أثار 
١‏ مصر وانوي وكتايه "القاموس المصرى” 

20 3 اس3 las‏ "قواعد اللغة المصرية " 


اام 


le ا ھا اسه اسنا چول ر اام سی ب ا لا‎ vi pea م رهام‎ sm la Canna Bh, 


















724 


فهرس 
تقديم « ذاب فى حب مصر ؛ ................... ns‏ 
تمهيد: وميض هاثل من ثون صامت ................... mr‏ 
١‏ - الحياة فى فيجاك فى عهد الثورة ................ 
؟ - أخء أم أستان ء أم أب ؟ een‏ 
" - جرونوبل و'مكان إقامة قاتل” ren‏ 
- باپل أو متاعب پاریس ۰۰۰۰.۰۰۰ 


CLEO E EEE EEE ETES das متقى وسنط‎ — ۷ 
روپیسپییر جرونویل تتبن‎ - ۸ 


9- أوديب € من قرن لآخر sure memes‏ 


Donne dons sens emo الرائد ذو الوردة‎ - ١ 


sees ' ! تمكنت من الموضوع‎ " - ١١ 


۲ - الطریق إلى ممفيس يمر من تورينو eens‏ 
4 - إنجيليكا - عرّافة توسكانا nn‏ 
Vo‏ - أمين متحف ذو تُعال من ريح ....... 53 


means -ماء التيل‎ ١ 


حواشى ees‏ 
مراحل حل شقرة الكتابات المصرية eee‏ 
علامات تاريخية sens essen‏ 
الصو annee‏ 0 


075 


-13 
53 
79 
99 
145 
193 
237 
273 
305 
341 
365 
385 
423 
441 
485 
517 
545 
571 


603. 


629 


639 


` 665 
673 


679 


703 


709 


المشروع القومى للترجمة 


١‏ - اللغة العليا (طبعة ثانية) 

؟ > الوثنية والإسلام 

٣‏ - التواث المسروق 

٤‏ - كيف تتم كتابة السيناريى 

ه - ثريا فى غيبوبة 

٦‏ - اتجافات البحث اللسائى 

- العلوم الإنسانية والفلسفة 

8 - مشعلو الحرائق 

À‏ - التغيرات البيئية 

٠‏ - لخطاب الحكاية 
15-مثكتارات 

- طريق الحرير 

3 - ديانة الساميين 

١4‏ - التحليل النفسى والأدب 
١6‏ - الحركات الفئية 

- أثينة السوداء 

١١‏ - مختارات 

8 - الشعر النسائى فى أمريكا اللاتينية 
4 - الأعمال الشعرية الكاملة ` 
٠‏ - قصة العلم . 


ms و‎ Ali, 33 » - 


- مذكرات رحائة عن المصريين 
۲ - تجلى الجميل 

٤‏ - ظلال المستقيل 

6 - مثنوی 


1" - دين مصر العام 

۷ - التثوع اليشرى الخلاق 

۸ - رسالة فى التسامح 

- الوت والوجود 

(Ye) الوثنية والإسلام‎ “f. 
مصادر دراسة التاريخ الإسلامى‎ - ١ 
الائقراض‎ - ۲ 

٣٣‏ - التاريخ الاقتصادى لإفريقيا القربية 
٤‏ - الرواية العربية 

ه” - الأبسطورة والحداثة 


جون كوين 

ك. مادهى بانيكار 
جورج جيمس 

انجا كاريتتكوفا 
إسماعيل فصبيح 

ميلكا إفيتش 

لوسيان غولدمان 
ماكس فريش 

أندرو س. جودى 
جيرار جينيت 
فيسواقا شيميوروسكا 
ديفيد براونيستون وايرين قرانك 
رويرتسن سميث 

جان پپلمان نويل 
إنوارد لويس سميث 
مارتن برنال 

فيليب لاركين 
مختارات 

جورج سفيريس 

ج. ج. كراوثر 

صمد بهرئجي 

جون أنتيس 

هائز جيورج جادامر 
باترىك پارندر 

مولانا جلال الدين الرومى 
محمد حسين هيكل 


: مقالات 


جون لوك 

جيمس بي. كارس 

ك. مادهو بائيكار 

جان سوفاجيه - كلود كاين 
ديفيد روس 

أ. ج. هويكنز 

روجر آلن 


يول . ب . ديكسون 


© م 6 6 8 6 ث8 6 6 8 6 6 68 86 86 غثمْ م ثم ثم م غ مخ م م ث م 5غ غ6 ثم 2خ ع + 


Û 


؛ أحمد درویش 

: أحمد فوّاد بلبع 

: أحمد الحضرى 

: محمد علاء الدين منصور 

: سعد مصلوح / وفاء كامل فايد 
: يوسف الأنطكى 

: مصطقى ماهر 

: محمود محمد عاشور 

: محمد معتصم وعبد الجليل الأزدى وعمر حلي 
: هناء عبد الفتاح 

den !‏ محمود 

: عبد الوهاب علوب 

: حسن المودن 

: أشرف رقيق عفيفى 

: بإشراف / أحمد عتمان 

: محمد مصطقى ينوي 

: طلعت شافين 

يمنى طريف الخولى /ر بدوى عبد الفتاح 
: ماجدة العنانى 

: سيد أحمد على التاصرى 

: سعيد توفيق 

: بكر عباس 

: إبراهيم البسوقى شتا 

: أحمد محمد حسين فيكل 

ds : 

: مثى أبو سته 

: بدر الليب 

: أحمد فؤاد gas‏ 

عبد الستار الحلوجى / عبد الوهاب علوي 
: مصطفى إبراهيم فهمى 

: أحمد فؤاد pal‏ 

: حصة إبراهيم المثيف 


-- نظريات السرد الحديثة 
1 - واحة سيوة وموسیقاها 
4 - تقد الحداثة 

۹- الإغريق والحسد 

٠‏ - قصائد حب 

١‏ س ها بعد المركزية الأوربية 
7 - غالم ماك 


۴ - اللهب المزدوج 
٤٤‏ - بعد عدة أصياف 

5 - الثراث المغدور 

٦‏ - عشرون قصيدة حب 

27 - تاريخ النقد الأنبى الحديث )١(‏ 
8 - حضارة مصر الفرعوئية 

4 - الإسلام فى البلقان 

٠‏ - ألف ليلة وليلة أو القول الأسير 
١‏ - مسار الرواية الإسيائو أمريكية 
- العلاج النقسى التدعيمى 


۳ه - الدراما والتعليم 

5 - المفهوم الإغريقى للمسرح 
0ه - ما وراء العلم 

- الأعمال الشعرية الكاملة )١(‏ 
/اه - الأعمال الشعرية الكاملة (؟) 
4 - مسرحيتان 

5 - المحيرة 

٠‏ - التصميم والشكل 

١‏ - موسوعة علم الإنسان 

9 - لذّة الس 

1 - تاريخ النقد الأدبى الحديث (؟) 
٤‏ - برتراند راسل (سيرة حياة) 
6 - فى مدح الكسل ومقالات أخرى 
1 - خمس مسرحيات أندلسية 
۷ - مختارات 

8 - نتاشا العجوز وقصص أخرى 
. 56 - العالم الإسملامى فى أوائل القرن المشرون 
٠‏ - ثقافة وحضارة أمريكا اللاتينية 
-١‏ السيدة لا تصلح إلا للرمى 


والاس مارتن 

بريجيت شيقر 

آلن تورين 

بيتر والكوت 

أن سكستون 

بيتر جران 

بنجامين بارير 

أوكتافيى باث 

الدوس هكسلى 

روبرت ج دنیا - جون ف أ فاين 
بابلى نیرودا 

رينيه ويليك 

فرانسوا دوها 

شاءات ١.‏ لوزيس 

جمال الدين بن الشيخ 

داريو بیانویبا وخ. م بيثياليستى 


بيتر . ن . نوفاليس وستيفن : ج . 


أ . ف .األئجتون 

€ . مايكل والتون 

جون يولكتجهوم 
فديريكى غرسية لوركا 
فديريكى غرسية لوركا 
فديريكى غرسية لوركا 
کارلوس مونییٹ 

جوهانز ابتين 

شارلوت سيمور - سعيث 
رولان يارت 

رينيه ويليك 

آلان وود 

برتراند راسل 

Ye أنطونيى‎ 

فرثائدى بيسوا 

فالئتين راسبرتين 

عبد الرشيد إبراهيم 
أوخينيى تشائج رودريجت 


داريق فى 


6G ÛC اع‎ 6 CG CG اي 6 ع‎ 6 CG Û عا‎ 


G 


م CG € GCG‏ نا 6 اتن 


9 


: حيأة جاسم محمد 
: جمال عبد الرحيم 
: أثور مغيث 
: مثيرة كروان 
: محمد عيد إبراهيم 


: علطف أحمد/ إبراهيع فتحى/محمود ملجد 


: أحمد محمول 

: المهدى أخريف 

: مارلين تائرس 

Jan :‏ محمود 

: محمود السيد على 

: مجاهد عبد المنعم مجاهد 

: ماهر جويجاتي 

sue :‏ الوهاب علوب 

SSI gl gi: 
أب العطا‎ Jan : 


: لطقى فطیم وعادل دمرداش 


: مريسى سعد الدين 

: محسن مصيلحى 

: على يوسف على 

: محمود على مکی 

: فمحقود السنيد ٠‏ ماهر البطوطى 
: محمد أيق العطا 

: السيد السيد سهيم 


: صبرى محمد عبد الغنى 


مراجعة وإشراف : محمد الجوهرى 


6 


8 


Û 


[0 


G 


1 


G 


0 


0 


: محمد خير البقاعي . 

: مجاهد عبد المنعم مجاهد 

؛ رمسیس عوض . 

: رمسيس عوشض - 

Me :‏ اللطيف عبد الحليم 

: المهدى أخريف 

: أشرف الصباغ 

: أحمد فؤاد متولى وهويدا محمد فهمى 
: عبد الحميد غلاب وأحمد حشاد 

: حسين محمول 


۲ - السياسى العجون 

۳ ¬ نقد استجابة القارئ 

٤‏ - صلاح الدين والمماليك فى مصر 
٠‏ - فن التراجم والسير الذاثية 
1 - جاك لاكان وإغواء التطيل النشسى 
۷ - تاريخ الثقد الأدبى الحديث ج 7 
/- العولة: النظطرية الاجتماعية والثقلفة الكونية 


4 - شعرية التاليف 
٠‏ - بوشكين عند «نافورة الدموع» 
١‏ - الجماغات المتخيلة 
85 - مسرح ميجيل 
AŸ‏ 0-هختارات 
84 - موسوعة الأدب والنقد 
وم - متصور الحلاج (مسرحية) 
41 - طول الليل 
۷ - نون والقلم 
4م - الايتلاء بالتغرب 
4 - الطريق الثالث 


۰ - وسم السيف (قصص) 
١‏ - المسرح والتجريب بين النطرية والتطبيق 
۲ - أبساليب ومضامين المسرح 
الإسباتوأمريكى المعاصر 

۳ - محدكات العولة 

4 - الحب الأول والصحبة 

٥‏ - مختارات من المسرح الإسيانى 
٦‏ - ثلاث زنبقات ووردة 

۷ ¬ هوية فرنسا (مج )١‏ 

98 - الهم الإنسائى والابتزاز الصهيونى 
۹ - تاريخ السينما العالمية 

٠‏ - مساطة العولة 

١‏ - النص الروائى (تقتيات ومناهج) 
۲ - السياسة والتسامح 

۲ - قبر ابن عريى يليه آياء 

4 - أويرا ماهوجئى 

٠6‏ - مدخل إلى النص الجامع 

- الأدب الأتداسى 
٠‏ - صورة القدائي فى الشعر الأمريكى الفامير 


ت . س . إليوت 
جين - ب . توميكئز 
ل ٠١‏ . سيمينوثا 
أندريه موروا 
مجموعة من الكتاب 
رينيه ويليك 

رونالد رويرثسون 
بوريس أوسينسكى 
الكسندر بوشكين 
بندكت ألدرسن 
هيجيل دى أونامونى 


مجموعة من الكتاب 


صلاح زكى أقطاى 

جمال مير صادقى 

جلال آل أحمد 

جلال آل أحمد 

أنتونى جيدئن 

نخبة من كُتاب أمريكا اللاتينية 
باربر الاسوستكا 


كارلوس ميجل 

مايك فيذرستون وسكوت لاش 
صمويل بيكيت 

أنطونيى بويرى باييخو 

قصص مختارة 

فرنان يرودل 

نماذج ومقالات 

ديقيد روينسون 

بول هيرست وجراهام توميسون 
بيرنار فاليط 

عبد الكريم الخطيبى 

عبد الوهاب المؤدب 

يرتولت يريشت 

جيرارجينيت 

د. ماریا خبسوس روپیبرامتی 


: فؤاد مجلى 
: حسن ناظم وعلى حاكم 


Û 


Û 


اث : حسن بيومى 


ت : أحمد درويش 

ت : عبد المقصود عبد الكريم 

ت : مجاهد عيد المثعم مجاهد 

: أحمد محمود وئورا أمين 

: سعيد الفائمى وناصر خلاوى 
: مكارم الفمرى 

: محمد طارق الشرقاوى 

: محمود السيد على 

: خالد المعالي 

: عيد الحميد شيحة 

: عيد الرازق يركات 

: أحمد فتحى يوسف شتا 

: ماجدة العذانى 

: إبراهيم البسوقى شتا 

؛ أحمد زايد ومحمد محيى الدين 
: محمد إبراهيم مبروك 

ت : محمد هئاء عبد الفتاح 


G 


G 


0 


G 


G 


G 


G 


& 


Û 


£ 


Û 


G 


G 


ت : نادية جمال الدين 

ت : عبد الوهاب علوب 

ت + سرى محمد محمد عبد اللطيف 
ت : إدوار الخراط 


Û 


۸ -ثلاث نراسات عن الشعر الثدلسى 


۱۰۹ - حروب الميأة. 


٠‏ - النساء فى العالم النامي 


١‏ - المرأة والجريمة 
١‏ - الاحتجاج الهادئ 


۴۳ - راية التعرد 


- سرحیتا حمیاد كرنجى رسكان المستتقم 


١6‏ - غرفة تخص المرء وحده 


١‏ - امرأة مختلفة (درية شفيق) 
۷ - المرأة والجنوسة فى الإسلام 
- النهضة النسائية فى مصر 
- النساء والأسرة وقوانين الطلاق 
al - ١‏ ولتطور فى اشرق الط 
NA‏ - الدليل الصفير فى كتابة المرأة العربية 
١ Y‏ سنظام العبوبية القديم ونموذج الإنسان 
+11-الإمبراطورية العشانية وعلاقاتها الدولية 


4 - الفجر الكاذب 
٠‏ - التحليل الموسيقى 
1 - فعل القراءة 

۷ - إرفاب 

4 - الأدب المقارن 


۹ - الرواية الاسبائية المعاصرة 


٠١‏ - الشرق بصعد ثائية 


١‏ - مصر القديمة (التاريخ الاجتماعى) 


9 - ثقافة العولة 
"37 - الخوف من المرايا 
1 -- تشريح حضارة 


٠‏ - الختار من نقد ت. س. إليوت إثلاثة أجزاء) 


- فلاحى الباشا 


۷ - مذكرات ضابط فى الحملة الفرفسية 
۸ - عالم ااتليفزيون بين الجمال والعئفث 


۹ - بارسيقال 
٠‏ - حيث تلتقى الأنهار 


- اثنتا عشرة مسرحية يونانية 
7 - الإسكندرية : تاريخ ودليل 
١17‏ - ققهدايا اتشر فى البحث الاجتماعی 


٤‏ - صاحبة اللوكاندة 


مجموعة من النقاد 
چون يولوك وعادل درويش 
حسلة بيجوم 

فرانسیس هیندسون 
أرلين علوى ماكليود 
سادی پلانت 

وول شوينكا 

فرچینیا وولف 

ليلى أحمد 

بٹ بارون 

أميرة الأزهرى سنيل 
ليلى أيو لفد 

goss فاطمة‎ 

جوزيف فوجت 

نيئل الكسئدر وفنادولينا 
جون جراى 

سيدريك ثورب ديقى 
قولفائج إي 

صفاء فتحى 

سوزان باسنيت 
هاريا دولورس أسيس جاروته 
أندريه جوندر فرانك 
مجموعة من المؤلفين 
عايك فينريسترن 
طارق على 

باری ج. کیمب 

ت. س. إليوت 

کینیٹ کونو 

جوزيف مارى مواريه 
إيقلينا تارونى 
ريشارد فاجنر 
هريرت ميسن 
مجموعة من المؤلفين 
أ. م. فورستر 

ديريك لايدانر 

كارلى جولدوئي 


Û 6‏ ين ÛC‏ ع Û 6 GC‏ ا نان GG CG 6 6 CG CG GC ÛÛ ÛC EG CG‏ 05 6 6 6 تداع نت تابن 6 نم 


C 


: محفود على مكى 

di un: 

: ريهام حسين إبراهيم 

: أحمد حسان 

؛ نسيم مجلى 

؛ سمية رمضان 

: تهاد أحمد سالم 

: مثى إبراهيم ٠‏ وهالة كمال 
: لميس النقاش | 
: بإشراف/ رؤوف عباس 
: نخبة من المترجمين 

: محمد الجثدى » وإيزابيل كال 
؛ مثيرة كروان 

: أنور محمد إبراهيم 

: أحمد فؤاد بلبع 

؛ سمحه الخولى 

: عيد الوفاب علوب 

: بشير السباعى 

؛ أميرة حسن نويرة 

: محمد أبي العطا وآخرون 
: شوقی Je‏ 

: اويس بقطز 

: عبد الوهاب علوب 

: طلعت الشايب 

: أحمد محمود 

: ماهر شفيق فريد 

: سح توفيق 

: كاميليا صبحى 
:وجيه سمعان عبد المسيح 
: مصطفى ماهر 

: أمل الجبررى 

: حسن بيومى 

: عدلى السمرى 
:سلامة محمد سليمان 


٥‏ - موت أرتيميى كروك كارلوس فوينتس 
155 - الورقة الحمراء ميجيل دی لییس 
۷ - خطبة الإدانة الطويلة تانكريد دورست 


۸ - القصدة القصيرة (النظرية والتقنية) إنريكى أندرسون إمبرت 
VÉA‏ - النظرية الشعرية عند إليوت وألوئيس عاطف فضول 
رويرت ج. ليبتمان 


٠6‏ - التجربة الإغريقية 
١‏ -هوية فرنسا (م ” ج )١‏ فرئان برودل 


۲ - عدالة الهنود وقصص أخرى تخبة من الكُتاب 
فيولين فاتويك 


67 - فرام الفراعنة 
4 - مدرسة فراتكفورت فيل بسليتر 


6 - الشعر الأمريكى المعاصر نخية من الشعراء 
٠7‏ - المدارس الجمالية الكبرى جى آنبال وآلان وأوديت شيرمو . 
النظامى الكنوجى ۰ 


١‏ - خسري وشيرين 
۸ - هوية فرنسا (Ye Ye)‏ فرنان برودل 


۹ - شامبوليون (حياة من نور) جان لاكوتير . 


( نحت الطبع ) 


الجائب الدينى للفلسفة 
الولاية 


مختارات من الشهن اليونانى الحديث 
العلاقات بين المتدينين والعلمانيين فى إسرائيل 
جان كوكتى على شاشة السينما 


الأرضة 

نحو مفهوم للاقتصاديات البيئية والقوانين المعالجة 
العنف والثيوءة ۰ 

العمى والبصيرة (مقالات فى بلاغة النقد المعاصر) 
Je près‏ 

التليفزيون فى الحياة اليومية 

أنطوان تشيخوف 


من المسرح الإسباتى المعاصر 
تاريخ النقد الأديى الحديث (الجزء الرابع) 
حكايات ثعلب 


ت : أحمد حسان 
ت : على عبد الرؤوف البمبى 
ت : عبد الغقار مكاوى 
ت : على إبراهيم على منوفی 
ت : أسامة إسينى 
ت: منيرة كروان 
ت : بشير السياعى 
ت : محمد محمد الخطايبى 
ت : فاطمة عبد الله محمول 
ت : خليل كلفت 
ت : أحمد مرسى 
ت : مى التلمسانى | 
ث : عبد العزيز بقوش 
ت : بشیر السباعی 
ت : تبيل سعد 

الإسلام فى السودان 

العربى فى الأدب الإسرائيلى 

آلة الطبيعة 

ضحايا التثمية 

المسرح الإسبائى فى القرن السايع عشر 

أيديولوجى 

تاريخ الكنيسة 

فن الرواية 

ما يعد المعلومات 

علم الجمالية وطم اجتماع الفن 

المهلة الأخيرة 


الهيولية تصنع علمًا جديدا 
مختارات من الثقد الأنجلو - أمريكى 
التقد الأدبى الأمريكى 


طبع بالهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية 
رقم الإیداع ۱۷۹۱۹ / ۱۹۹۹ 


CHAMPOLLION 
une vie de lumieres 
> JEAN LACOUTURE 








أسس جان - فرانسوا شاميوليون علم <Egyptology» alssall‏ بعدما 

حل شفرة الكتابة الهيرؤغليفية .. وكانت هذه الكتابة تحيّر الباحثون فيها لعدة 
قرون تبدأ من القرن الثالث الميلادى عندما حرم قرارا إمبرطوريًا رومانيًا الكتابة 

٠‏ بها .. إلى أن تمكن هذا الباحث الجامعى الفذ من اللغز ؛ فارتبط اسمه إلى 
الابد باسم مصر التى أحبها . فالحب وحده هى الذى كان قادراً على أن يصل 
بشاميوليون إلى هدفه؛ فأبعده عن اليأس عدة مرات » فظل على مثابرته إلى أن 
حب شاميوليون لمصر كان خالصاً وكاملاً؛ فهى يقول : «إنها كل شىء 
بالنسبة إلى» ‏ كما أنه أحب شعب مصر عندما زارها وأقام فيها عاماً ونصف 


4 . وك ۰ 00 0 0 


الذى عرفه عن قرب وعاش فى مصر عدة سنوات, ولا يمر عام الآن إلا ويزورها. 
لمرة أى أكثر.. وله حوالى سبعين كتابًا ومؤلفًا معظمهم سير لشخصيات عظيمة . 
20 وهذا الكتاب يلقى الضوء أيضًا على العلاقات التى كانت قائمة بين فرنسا 
ومصر فى مرحلة من أهم مراحل تاريخها الحديث؛ مرحلة بناء الدولة الحديثة 
على يد محمد على ومحاولة تحويل مصصر من ولابة تتدء الا .٠‏ /طورية «الخلافة» 
العشانية إلى دولة مستقلة ذات سيادة ."2 | 30,00 16 ا 


= 





کس